روابط مصاحف م الكتاب الاسلامي

 روابط مصاحف م الكتاب الاسلامي/ / / / / / / /

الثلاثاء، 22 فبراير 2022

كتاب{1} شرح تشريح القانون لابن سينا/المقدمة /المقدمة/البحث الأول/البحث الثاني/البحث الثالث إثبات منافع الأعضاء/البحث الرابع/البحث الخامس / القسم الأول/العظام/الفصل الأول قول كُليّ في العظام/ الفصل الثاني/الفصل الثالث تشريح ما دون القحف/الفصل الرابع تشريح عظام الفكين والأنف/الفصل الخامس تشريح الأسنان/الفصل السادس منفعة الصلب/الفصل السابع تشريح الفقرات/الفصل الثامن منفعة العنق وتشريح عظامه/الفصل التاسع تشريح فقار الظهر ومنافعها/تشريح فقرات القطن/الفصل الحادي عشر تشريح عظام العجز/لفصل الثاني عشر تشريح عظم العصعص/الفصل الثالث عشر كلام كالخاتمة/الفصل الرابع عشر تشريح الأضلاع//////////



شرح تشريح القانون لابن سينا
هو كتاب لابن النفيس جمع فيه أجزاء التشريح المتفرقة في كتاب القانون لابن سينا وشرحها، وفيه وصف الدورة الدموية الصغرى ويعد هذا المؤلف أول وثيقة معروفة تصف الدورة الدموية الصغرى.
الفهرست
المقدمة
البحث الأول - اختلاف الحيوانات في الأعضاء
البحث الثاني - فوائد علم التشريح
البحث الثالث - إثبات منافع الأعضاء
البحث الرابع - مبادئ العلم بمنافع الأعضاء
البحث الخامس - هيئة التشريح وآلاته
القسم الأول - صور الأعضاء الباطنة
الجملة الأولى - العظام
الفصل الأول - قول كُليّ في العظام
الفصل الثاني - تشريح عظام القحف
الفصل الثالث - تشريح ما دون القحف
الفصل الرابع - تشريح عظام الفكين والأنف
الفصل الخامس - تشريح الأسنان
الفصل السادس - منفعة الصلب
الفصل السابع - تشريح الفقرات
الفصل الثامن - منفعة العنق وتشريح عظامه
الفصل التاسع - تشريح فقار الظهر ومنافعها
الفصل العاشر - تشريح فقرات القطن
الفصل الحادي عشر - تشريح عظام العجز
الفصل الثاني عشر - تشريح عظم العصعص
الفصل الثالث عشر - كلام كالخاتمة
الفصل الرابع عشر - تشريح الأضلاع
الفصل الخامس عشر - تشريح عظام القص
الفصل السادس عشر - تشريح الترقوة
الفصل السابع عشر - تشريح الكتف
الفصل الثامن عشر - تشريح العضد
الفصل التاسع عشر - تشريح الساعد
الفصل العشرون - تشريح المرفق
الفصل الحادي والعشرون - تشريح الرسغ
الفصل الثاني والعشرون - تشريح مشط الكف
الفصل الثالث والعشرون - تشريح الأصابع
الفصل الرابع والعشرون - منفعة الظفر
الفصل الخامس والعشرون - تشريح عظم العانة
الفصل السادس والعشرون - كلام كلي في منفعة الرجل
الفصل السابع والعشرون - تشريح عظم الفخذ
الفصل الثامن والعشرون - تشريح عظم الساق
الفصل التاسع والعشرون - مفصل الركبة
الفصل الثلاثون - تشريح عظام القدم
الجملة الثانية - العضل
الفصل الأول - كلام كُلّي في العصب والعضل والوتر والرّباط
الفصل الثاني - تشريح عضل الجبهة
الفصل الثالث - تشريح عضل المقلة
الفصل الرابع - تشريح عضلات الجفن
الفصل الخامس - تشريح عضل الخد
الفصل السادس - تشريح عضل الشفة
الفصل السابع - تشريح عضل المنخر
الفصل الثامن - تشريح عضل الفك الأسفل
الفصل التاسع - تشريح عضل الرأس
الفصل العاشر - تشريح عضل الحنجرة
الفصل الحادي عشر - تشريح عضل الحلقوم الحلق
الفصل الثاني عشر - تشريح عضل العظم اللامي
الفصل الثالث عشر - تشريح عضل اللسان
الفصل الرابع عشر - تشريح عضل العنق
الفصل الخامس عشر - تشريح عضل الصدر
الفصل السادس عشر - تشريح عضل حركة العضد
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر - تشريح عضل الرسغ
الفصل التاسع عشر - تشريح عضل أصابع اليد
الفصل العشرون - تشريح عضل حركة الصلب
الفصل الحادي والعشرون - تشريح عضل البطن
الفصل الثاني والعشرون - تشريح عضل الأنثيين
الفصل الثالث والعشرون - تشريح عضل المثانة
الفصل الرابع والعشرون - تشريح عضل القضيب
الفصل الخامس والعشرون - تشريح عضل المقعدة
الفصل السادس والعشرون - تشريح عضل حركة الفخذ
الفصل السابع والعشرون - تشريح عضل حركة الساق والركبة
الفصل الثامن والعشرون - تشريح عضل مفصل القدم
الفصل التاسع والعشرون - تشريح عضل أصابع الرجل
الجملة الثالثة - العصب
الفصل الأول - قول في العصب خاص
الفصل الثاني - تشريح العصب الدماغي ومسالكه
الفصل الثالث - تشريح العصب النابت من نخاع العنق ومسالكه
الفصل الرابع - تشريح فقار الصدر
الفصل الخامس - تشريح عصب القطن
الفصل السادس - تشريح عصب العجز والعصعص
الجملة الرابعة - الشرايين
الفصل الأول - كلام كلّي في صفة الشرّيان
الفصل الثاني - صفة الشّريان الورّيدي
الفصل الثالث - تشريح الشريان الصاعد
الفصل الرابع - تشريح الشريانين السباتيين
الفصل الخامس - تشريح الشريان النازل من الأورطي
الجملة الخامسة - صفة الأوردة
الفصل الأول - العروق الساكنة
الفصل الثاني - تشريح الوريد المسمى بالباب
الفصل الثالث - تشريح الأجوف وما يصعد منه
الفصل الرابع - تشريح أوردة اليدين إلى الكتفي منه
الفصل الخامس - تشريح الأجوف النازل
القسم الثاني - تشريح الأعضاء الآلية
معرفة الرأس وأجزائه
البحث الأول - كلام كلّي في تشريح الدماغ
البحث الثاني - مزاج الدماغ وقوامه
البحث الثالث - الأجزاء التي ينقسم إليها الدماغ
البحث الرابع - هيئة الموضع الذي تحت الدماغ المسمى بالبركة والمعصرة
البحث الخامس - تشريح الغشاءين المحيطين بالدماغ وهما الأمّان الغليظة والرقيقة
البحث السادس - تعديل بطون الدماغ
البحث السابع - تشريح المشيمية ما يأتيها من العروق
البحث الثامن - تشريح البطن الأوسط من بطون الدماغ
البحث التاسع - فضول الدماغ
تشريح العين
البحث الأول - أجزاء العين
البحث الثاني - رطوبات العين
البحث الثالث - تشريح طبقات العين
البحث الرابع - تشريح الأجفان والأهداب
تشريح الأذن
تشريح الأنف
الفم واللسان
تشريح أعضاء الحلق
تشريح الحنجرة والقصبة والرئة
البحث الأول - تشريح قصبة الرئة
البحث الثاني - تشريح الحنجرة
البحث الثالث - تشريح الرئة
تشريح القلب
تشريح الثدي
تشريح المريء والمعدة
البحث الأول - تشريح المريء
البحث الثاني - تشريح المعدة
البحث الثالث - تشريح الثرب
البحث الرابع - تشريح الصّفاق المسمى باريطارون
البحث الخامس - تتمة الكلام في الثرب
البحث السادس - تتمة الكلام في المعدة
تشريح الكبد
البحث الأول - هيئة الكبد وموضعها وأفعالها
البحث الثاني - نقض مذهب قيل في القوى التي في الماساريقا
تشريح المرارة
تشريح الطحال
تشريح الأمعاء الستة
البحث الأول - منفعة الأمعاء
البحث الثاني - تعديد الأمعاء وتمييز بعضها عن بعض
البحث الثالث - المخالفة بين المريء والمعاء الاثني عشري
البحث الرابع - تشريح المعاء الصائم والمعاء الدقيق
البحث الخامس - الكلام في بقية الأمعاء وهي الأمعاء الغلاظ
تشريح الكلية
تشريح المثانة
تشريح الأنثيين وأوعية المني
تشريح القضيب
تشريح الرحم
تولد الجنين
========
شرح تشريح القانون لابن سينا/المقدمة
وبعد حمد الله والصلاة على أنبيائه ورسله فإن قصدنا الآن إيراد ما تيسر لنا من المباحث على كلام الشيخ الرئيس أبي علي الحسين علي ابن عبد الله بن سينا البخاري رحمه الله، في التشريح من جملة كتاب القانون، وذلك بأن جمعنا ما قاله في الكتاب الأول من كتب القانون إلى ما قاله في الكتاب الثالث من هذه الكتب، وذلك ليكون الكلام في التشريح جميعه منظوماً.
وقد صدنا عن مباشرة التشريح وازع الشريعة، وما في أخلاقنا من الرحمة فلذلك رأينا أن نعتمد في تعرف صور الأعضاء الباطنة على كلام ما تقدمنا من المباشرين لهذا الأمر، خاصةً الفضائل جالينوس إذ كانت كتبه أجود الكتب التي وصلت إلينا في هذا الفن، مع أنه اطلع على كثير من العضلات التي لم يسبق إلى مشاهدتها، فلذلك جعلنا أكثر اعتمادنا في تعرف صور الأعضاء وأوضاعها ونحو ذلك على قوله. إلا في أشياء يسيرة ظنناً أنها من أغاليط النساخ أو إخباره عنها لم يكن من بعد.
وأما منافع كل واحد من الأعضاء، فإنا نعتمد في تعرفها على ما يقتضيه النظر المحقق، والبحث المستقيم، ولا علينا وافق ذلك رأى من تقدمنا أو خالفه.
ثم رأينا أن نبتدئ قبل الكلام في التشريح بتحرير مقدمة تعين على إتقان العلم بهذا الفن.
وهذه المقدمة تشتمل على خمس مباحث.
======
شرح تشريح القانون لابن سينا/المقدمة/البحث الأول
البحث الأول
اختلاف الحيوانات في الأعضاء
إنك قد عرفت مما قلناه في شرحنا للكتاب الأول من كتب القانون، وهو المعروف بالكليات، ماهيات الأعضاء جملةً وتفصيلاً، وجواهرها وقد علمت أن الأعضاء منها ما هي مفردة، وقد تشترك ما هي مؤلفة ليس يشارك جزؤها لكلها في الاسم والحد كاليد والرجل فإن جزء اليد ليس بيد وكذلك جزء الرجل اللهم إلا باشتراك الاسم كاليد، فإنها يقال على ما يدخل فيه الأصابع والساعد والعضد والكتف ويقال على ما يدخل فيه الأصابع والكف فقط إلى الرسغ.
وذلك بالاشتراك اللفظي لا بالاشتراك المعنوي كما سمي جزء العظم وهو القطعة التي تعرض منه عظماً، والقطعة من
اللحم لحماً، ومن العصب عصباً ونحو ذلك.
والحيوانات تختلف في الأعضاء اختلافاً كبيراً، وذلك لأن الأعضاء هي آلات للنفس الحيوانية، وهذه الآلات تختلف لا محالة باختلاف هذه النفوس، إذ لكل نفس أعضاء تليق بها. كالأسد فإنه لما كان اغتذاؤه من اللحم، وإنما يتمكن من ذلك بأن يكون
قوياً على المصيد، وقهر غيره من الحيوان، ليتمكن من أكله وإنما يمكن ذلك بأن يكون شجاعاً، شهماً، جريئاً، مقداماً، قوياً على قهر غيره من الحيوان.
وإنما يمكن ذلك بأن تكون أعضاؤه شديدة القوة، وإنما يكون ذلك بأن تكون عظامه قوية، مستحكمة، مصمتة، خفية المفاصل، حتى كأنها من عظم واحد. ولا كذلك كثير من الحيوانات، فإن بعضها ضعيف البطش، واهي التركيب كالدود، وكثير من حيوان البحر، وأكثر الحيوانات مشتركة في أن كل واحد منها على عظام، ولحم، وعصب، وأربطة، ونحو ذلك.
واختلاف الحيوانات في الأعضاء قد تكون فيها أنفسها وقد تكون في أحوالها.
أما الاختلاف في العضو البسيط فمثل أن السمك له فلوس، والقنفذ له شوك، والطائر له ريش، والغنم له قرون، والسلحفاة لها صدف، وليس شيء من ذلك للإنسان وإن كان له.
وأما الاختلاف في العضو المركب، فمثل أن الفرس له ذنب، والجمل له سنام، والطائر له جناح، وليس شيء من ذلك للإنسان وإن كان له أجزاء غير هذه كالعصب، والعظم، واللحم، والرباط ونحو ذلك.
وأما اختلاف الحيوانات باختلاف الأعضاء، فذلك بأمور أحدها مقادير الأعضاء، فإن رأس الإنسان إذا قيس إلى سائر بدنه كان عظيماً جداً، ولا كذلك غيره من الحيوانات وثانيها: أعداد الأعضاء. فإن أعضاء الإنسان كثيرة جداً بالقياس إلى أعضاء الدود.
وللإنسان ثديان فقط، وللكلب ثمانية أثداء. وكذلك للإنسان رجلان فقط ولبعض العناكب سنة أرجل، ولبعضها ثمانية أرجل، ولبعضها عشرة ولبعض الحيوان أرجل كثيرة جداً، كما للحيوان المعروف بأربعة وأربعين.
وثالثها: كيفيات الأعضاء مثل أن عظام رأس الأسد والفيل شديدة الصلابة، وعظام رأس الإنسان رخوة جداً، ولا كذلك غيره.
وكذلك لون عين الإنسان يخالف جداً لون عين الهرة.
ورابعها: أوضاع الأعضاء، فإن ثدي الإنسان في صدره، وثدي الفيل قربت من صدره، وثدي الفرس ونحوه قربت من سرته.
وخامسها: أفعال الأعضاء من أن يدي الإنسان يبطش بهما، ويتناول بهما الأشياء. ولا كذلك وأنف الفيل يقوم له مقام اليدين من الإنسان في تناول ما يتناوله.
وسادسها: انفعالات الأعضاء. فإن عين الخفاش تنفعل جداً عن الضوء الشديد والحرباء بالضد من ذلك. وقد خلق الإنسان صناعي المأكل والملبس فاقد السلاح، فكرى الصنائع، وإنما خلق كذلك ليكون كثير الفكر فيتهيأ له لأجل كثرة فكره بكثرة الارتياض أن يتوصل إلى معرفة الله تعالى ومعرفة مخلوقاته. ولا كذلك غير الإنسان، فلذلك جعل ذلك كله لغير الإنسان بالطبع.
والأعضاء العالية تكون أولاً في الإنسان عظيمة، ثم تعظم أسافله، فتتشابه أجزاؤه وتنحني أعاليه عند الكبر، والأعضاء المتيامنة في جميع الحيوانات شبيهة جداً للمتياسرة.
وأما الأعضاء العالية فتشبه السافلة شبهاً أقل كاليدين ربما في الإنسان للرجلين. وأما الأعضاء الخلفية، والقدامية فالشبه فيها أقل.
والله ولي التوفيق
======
شرح تشريح القانون لابن سينا/المقدمة/البحث الثاني
البحث الثاني
فوائد علم التشريح
انتفاع الطبيب بهذا العلم بعضه في العلم، وبعضه في العمل، وبعضه في الاستدلال.
وأما انتفاعه في العلم والنظر، فذلك لأجل تكميله معرفة بدن الإنسان، ليكون بحثه عن أحواله وعوارضه سهلاً.
وأما انتفاع بالعمل فمن وجوه: أحدها أنه يعرف به مواضع الأعضاء فيتمكن بذلك من وضع الأضمده ونحوها حيث يسهل نفوذ قواها إلى الأعضاء المتضررة.
وثانيها: أنه يعرف به مبادئ شعب الأعضاء ونحوها، ومواضع تلك المبادئ فيتمكن من عرض لها خروج عن ذلك بخلع أو نحوه.
ورابعها: أنه يعرف به أوضاع الأعضاء بعضها من بعض فلا يحدث عند البط ونحوه قطع شريان، أو عصب، ونحو ذلك.
وكذلك لا يقطع ليف بعض العضلات في البط ونحوه. وذلك لأجل تعرفه مذاهب ألياف العضل.
وأما انتفاع الطبيب بهذا الفن في الاستدلال، فذلك قد يكون لأجل سابق النظر، وقد يكون لغير ذلك.
أما الأول: فكما إذا احتاج الطبيب إلى قطع عضو، فإنه إن كان عالماً بالتشريح تمكن حينئذ من معرفة ما لزم ذلك القطع من الضرر الواقع في أفعال الشخص فينذر بذلك. فلا يكون عليه بعد وقوع ذلك الضرر لائمة.
وأما الثاني: فكما إذ كان يستدل به على أحوال الأمراض.
أما أمراض الأعضاء الظاهرة، فكما يستدل على أن ابتداء الرمد هو من السمة وذلك إذا شاهد الانتفاخ يبتدئ أولاً من الجفن.
وأما أمراض الأعضاء الباطنة، فإن الطبيب ينتفع به في الاستدلال عليها سواء كان ذلك الاستدلال من جواهر الأعضاء أو من أعراضها، أو منهما جميعاً.
أما الاستدلال من جوهر الأعضاء فإما أن يكون مما يبرز من البدن أو لا يكون كذلك.
والثاني: كما يستدل حين الآفة في هضم المعدة على أن الآفة في طبقاتها الخارجة، وأسافلها، وحين هي في الشهوة على أن الآفة في أعلى طبقتها الداخلة، وذلك لأن خارج المعدة وأسافلها لحمى، وهضمها باللحم وأعلى باطنها عصبي، والحس بالعصب.
والأول إما أن يكون بروز ذلك البارز من مخرج طبيعي أو لا يكون كذلك.
والثاني: كما يستدل بالقشور الخارجة مع القيء على قروح في المعدة أو المريء.
والأول: إما أن يكون ذلك المخرج هو مخرج الثفل كما يستدل بالقطع اللحمية الخارجة في اختلاف الدم على أنها أجزاء من الكبد أو هو مخرج البول، وذلك كما يستدل بالقشور النخالية الخارجة مع وجع المثانة على حرث فيها.
وأما الاستدلال من أعراض الأعضاء، فإما أن يكون بالأعراض التي هي للأعضاء في نفسها، أو التي لها بالقياس إلى غيرها أو بهما معاً.
أما الاستدلال بالأعراض التي هي للأعضاء في أنفسها، فكما يستدل بشكل العضو أو بلونه أو بمقداره. وأما بشكله فكما يستدل على أن الورم الذي يكون تحت الشراسيف اليمنى كبدي، بأنه معترض كرى الشكل أو هلالي وعلى أنه في العضلة التي فوقها بأنه متطاول أو معترض أو مؤرب وأما أن يكون بلون العضو فكما يستدل على أن الرمل الخارج ليس من المثانة بأنه أحمر، وعلى أنه ليس بأحمر، وذلك لأن تولد كل عضو إنما يكون من فضل غذائه، فيكون شبيهاً بلونه، وأما غلظ العضو، فكما يستدل على أن القشرة الخارجة مع البراز من الأمعاء الغلاظ بأنها كبيرة غليظة، وعلى أنها من الأمعاء الدقاق، بأنها صغيرة رقيقة.
وأما الاستدلال بالأعراض التي هي للأعضاء بالقياس إلى غيرها فكما يستدل بموضع العضو أو بوضعه أو اتصاله بغيره، أو بكونه منفصلاً أو بكونه مشاركاً لأجزاء، وليس بمشارك له.
أما الاستدلال بموضع العضو فكما يستدل على أن المغص في الأمعاء الدقاق بأنه في قرب السرة أو فوقها وعلى أنه في الأمعاء الغلاظ بأنه أسفل من السرة.
وأما الاستدلال بوضع العضو، فكما يستدل على أن المحتبس في إيلاوس ليس في المعاء الصائم بأن صفة هذا المعاء وضعه في طول البدن على الأسفل.
وأما الاستدلال باتصال العضو بغيره، فكما يستدل على أن هذا المحتبس ليس في الصائم لأنه يتصل به عروق كثيرة لامتصاص الغذاء ولدفع البراز.
وأما الاستدلال بكون العضو منفذاً، فكما يستدل بكون القضيب منفذا للبول ولما يخرج معه، على أن الخارج منه من الدم لا يلزم أن يكون من القضيب نفسه.
وأما الاستدلال بكون العضو مشاركاً أو ليس مشاركاً فإن الاستدلال بعدم المشاركة فكما يستدل بأن القطع اللحمة الخارجة مع البراز ليست من الكلى لعدم المشاركة بينها وبين الأمعاء، والاستدلال بالمشاركة فهو كما يستدل بحمرة العين وسخونتها على حرارة مزاج الرأس لمشاركة العين للرأس.
وأما الاستدلال بالأعراض التي هي الأعضاء نفسها وبقياسها إلى غيرها. فكما يستدل على أن فعل المعدة هضم الغذاء بتصغير أجزائه جداً بأن المريء يتصل فيها من فوق، والأمعاء والماساريقا من سفل تجويف واسع. ولولا أن تصغر الغذاء فيها لاستحال نفوذه في الماساريقا، ولا يمكن ذلك بالمريء، لأن الغذاء لا يدوم فيه مدة في مثلها يتصغر، ولا بالمعاء وإلا كانت زيادة تجويف المعدة عبثاً ولما كان يتصل بها شيء من الماساريقا وإذا ثبت أنه في المعدة فمتى لم يتم هذا الفعل علمنا أن فيها آفة.
وأما الاستدلال من جواهر الأعضاء، وأعراضها معاً. فكما يستدل على أن الرسوب اللحمي في البول من الكبد بأنه لحمى وحمرته إلى سواد، وعلى أنه من الكلى، بأنه مع لحميته إلى صفرة.
والله ولي التوفيق.
=========
شرح تشريح القانون لابن سينا/المقدمة/البحث الثالث
< شرح تشريح القانون لابن سينا‏ | المقدمة اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المقدمة - البحث الثاني شرح تشريح القانون لابن سينا
المقدمة - البحث الثالث
المؤلف: ابن النفيس المقدمة - البحث الرابع
البحث الثالث
إثبات منافع الأعضاء
قد منع قوم من الأولين منافع الأعضاء، وقالوا إنها لم تخلق لمنفعة بعينها وأنها هي وغيرها إنما وجدت بالاتفاق، وذلك لأن الفضاء عند هؤلاء فيه أجزاء لحمية، وأجزاء عظمية، وأجزاء أرضية، وأجزاء سماوية وغير ذلك. وإن هذه الأجزاء دائمة الحركة، فإذا اتفق منها أجزاء اجتمعت فصارت مثلاً أرضاً أو سماءً أو فرسا ونحو ذلك. فإن صلح ذلك للبقاء بقي، فإن صلح مع ذلك للنسل نسل، واستمر نوعه بالتواليد وما لم يصلح لذلك فتي وفسد.
ولا امتنع عند هؤلاء في أن يوجد ما نصفه إنسان ونصفه سمكة أو بغل ونحو ذلك، وليس شيء من ذلك مقصوداً بحكمة أو غرض ولعل في ذلك الفضاء عوالم لا نهاية لها، ونباتات، وحيوانات على هيئات غير معهودة عندنا.
والحق أن هذا باطل، وأن الله تعالى، وإن كان لا يفعل لغرض، فأفعاله لا تخلو عن الحكم، ولولا ذلك لكان هذا الوجود عبثاً وهو محال، وتحقيق هذا إلى علم آخر.
والذي ينبغي أن نقوله الآن: أن الخالق تعالى وحده لعنايته بهذا العالم يعطي كل متكون ما هو له أفضل من الجوهر والكم والكيف وغير ذلك. فأي شيء من ذلك علم وجوده لعضو علم كذلك ظن أنها هي الغاية، وإن كان يجوز أن تكون خلقته لذلك لسبب آخر خفي عنا لا لما ظنناه منفعة.
فقولنا مثلاً: إن الرأس خلق مستديراً ليكون بعيداً عن قبول الآفات معناه أن هذا يصلح لأن يكون غاية، لا أنا نجزم أنه إنما خلق مستديراً لذلك فقط.
ولذلك فإنا نذكر للشيء الواحد منافع كثيرة، ويجوز أن تكون المنفعة الخفية هي مجموع تلك المنافع لا واحدة منها. ويجوز أن تكون غير المجموعة وغير كل واحد مما ذكر.
والله أعلم بغيبه
=============
شرح تشريح القانون لابن سينا/المقدمة/البحث الرابع
البحث الرابع
مبادئ العلم بمنافع الأعضاء
إنه ليس يكفي في تعرف منافع الأعضاء مشاهدة تلك الأعضاء بل لا بد مع ذلك من نظر واستدلال، وذلك الاستدلال إما أن يكون بأمر عدمي أو بأمر وجودي.
أما الاستدلال بالأمر العدمي، فإما أن يكون عدمه طبيعياً أو لا يكون كذلك. والأول كما يستدل بعدم نبات الشعر في باطن الكف على أن فائدة ذلك أن يكون إحساس الكف قوياً، لأن الشعر لا بد وأن يحول بين الحس والمحسوس فيضعف إدراكه له، وكما يستدل بعدم اللحمي المائي لموضع الأخمص على فائدة ذلك، أن تكون للقدم إحاطة بالموطئ، فيكون المشي على المحدبات متأنياً.
والثاني: كما يستدل على فائدة العرق الآتي من الطحال إلى فم المعدة هي أن السوداء تنصب منه إلى هناك منبهة على شهوة الطعام بأن ذلك الانصباب إذا فقد بطلت الشهوة.
وأما الاستدلال بالأمر الوجودي. فإما أن يكون ذلك الأمر جوهراً أو عرضاً أو مجتمعاً منهما. وكل واحدة من هذه إما أن تكون عضوياً أو لا يكون كذلك.
فهذه ستة أقسام: الأول: أن يكون المستدل به جوهراً عضوياً. وذلك كما يستدل بخلقة الكلى لحمية على أن ذلك ليشتد جذبها للمائية، لأن الجوهر اللحمي أشد سخونة من غيره. والجذب يشتد بالحرارة.
الثاني: أن يكون جوهراً غير عضوي، وذلك كما يستدل بالرطوبات اللزجة التي على السطح الداخل من الأمعاء على ن فائدتها أن يكون جرم الأمعاء قوياً على ملاقاة الثفل.
الثالث: أن يكون عرضاً عضوياً، أي قائماً بعضو وأقسامه تسعة أحدها: كميات الأعضاء، أما الكمية المتصلة، وهي المقدار، فكما يستدل بكبر عظم الفخذ على أن فائدة ذلك أن يكون قوياً على حمل ما فوقه ونقل ما تحته.
وأما المنفصلة: أعني العدد. فكما يستدل بكثرة عدد الأصابع والأنامل وعظام المشط والرسغ، على أن فائدة ذلك أن يكون الاشتمال على المقبوض جيداً.
وثانيها: كيفيات الأعضاء، أما الكيفيات الملموسة، فكما يستدل بشدة حرارة القلب على أن منافعه إحالة الدم إلى الجوهر الروحي، وببرودة الدماغ على أن فائدته تعديل الروح الآتي إليه من القلب حتى يصلح لأن يصدر عنها أفعال الحس والحركة الإرادية.
وأما الألوان، فكما يستدل بلون طبقة العنبية على أن فائدتها جمع الروح الذي في العين وتقويته.
وأما الصلابة واللي، فكما يستدل بشدة صلابة العظم الوتدي على أن فائدته أن يكون حشواً بين الفرج التي للأعضاء ووطأً للبدن.
وأما الأشكال فكما يستدل باستدارة الرأس على أن فائدة ذلك أن يقل قبوله للآفات، وأن يكون تجويفه أوسع. وتفرطح مؤخرة المعدة، على أن فائدة ذلك تبعيدها عن الصلب لئلا يتضرر بملاقاته.
وثالثها: إضافات الأعضاء كما يستدل بمجاورة الثرب والكبد للمعدة على أنهما نافعان في إسخانها ليكون هضمها أتم.
ورابعها: وضع الأعضاء كما يستدل بميل رأس القلب إلى الجانب الأيسر على أن ذلك ليكون الجانبان متعادلين فن الجانب الأيمن يشتد تسخنه بحرارة الكبد.
وخامسها: كون العضو في مكان ما، كما يستدل بخلقه الحجاب بين آلات الغذاء، وآلات التنفس على أن ذلك ليمنع نفوذ قذارات هضم الغذاء في المعدة إلى القلب ونواحيه. وبخلقة الأضلاع في الصدر على أن ذلك ليكون وقاية للقلب من كل جانب.
وسادسها: كون العضو في زمان، كما يستدل بنبات النواجذ في وسط سن النمو على أن فائدة ذلك الاستظهار في تكثير آلات الغذاء.
وسابعها: كون العضو في محيط يلزمه. كما يستدل بكون الكبد والطحال في غشاء على أن فائدة ذلك إفادتهما حساً بالعرض.
وثامنها: كون العضو مؤثراً. كما يستدل بتصغير الأسنان للمأكولات على أن فائدتها إعانة المعدة على فعلها، وهو هضم الغذاء.
وتاسعها: كون العضو منفعلاً كما يستدل بتأثير الأمعاء عن لذع المرار على أن فائدة ذلك تنبيه القوة الدافعة على دفع الثفل.
الرابع: أن يكون المستدل به عرضاً غير عضوي. كما يستدل بلون الرطوبة الزجاجية على أن فائدتها أن تكون غذاء الجليدية. لدلالة لونها على أنها استحال إلى مشابهة الجليدية بعض الاستحالة.
الخامس: أن يكون المستدل به مركباً من جوهر وعرض، وهو عضو وذلك كما يستدل بالشحم الكثير الذي على القلب أن فائدته ترطيب القلب بالدهنية فلا تجف لقوة حرارته مع دوام حركته.
السادس: أن يكون المستدل به مركباً من جوهر وعرض، وهو غير عضوي، وذلك كما يستدل بالروح المحوى في باطن العينين على أن فائدته تأدية ما يصل إلى العينين من أشباح المرئيات إلى أمام القوة الباصرة.
والله ولي التوفيق
============
شرح تشريح القانون لابن سينا/المقدمة/البحث الخامس
البحث الخامس
هيئة التشريح وآلاته
أما تشريح العظام والمفاصل ونحوهما فيسهل في الميت من أي سبب كان موته. وأسهل ذلك إذا مضى على موته مدة فني فيها ما عليه من اللحم وبقيت العظام متصلة بالأربطة ظاهرة. فإن هذا لا يفتقر فيه إلى عمل كبير حتى يوقف على هيئة عظام، ومفاصله.
وأما تشريح القلب والشرايين، والحجاب والرئة، ونحو ذلك، يتوقف على كيفية حركتها. وهل حركة الشرايين مصاحبة لحركة القلب، أو مخالفة وكذلك حركة الرئة مع حركة الحجاب.
ومعلوم أنه إنما يوقف عليه في تشريح الأحياء، ولكن يعسر ذلك بسبب اضطراب الحي لتألمه.
وأما تشريح العروق الصغار التي في الجلد، وما يقرب منه فيعسر في الأحياء لما قلناه، وكذلك في الموتى الذين ماتوا بمرض ونحوه. وخصوصاً إذا كان من الأمراض يلزمه قلة الدم والرطوبات فتختفي تلك العروق، كما في الإسهال والدق والنزف.
وأسهل تشريح هذه ما يكون في ميت مات بالخنق، لأن الخنق يحرك الدم والروح إلى خارج فتمتلئ هذه العروق وتنتفخ. ويلزم أن يكون ذلك عقيب الموت، لأن الزمان إذا طال جمد ما يكون في هذه العروق من الدم فيقل حجمه، ويلزم ذلك نقصان انتفاخ تلك العروق.
قال جالينوس: إن عادتي أن أخنق الذي أريد تشريحه بالماء كيلا يرتض أو يتفسخ شيء من أجزاء العنق لو خنق بحبل ونحوه.
والله ولي التوفيق
=======================
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول
القسم الأول
صور الأعضاء الباطنة
الجملة الاولى
العظام=====================
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الأول
الفصل الأول
قول كُليّ في العظام
الشرح العظم عضو تبلغ صلابته إلى حد لا يمكن ثنيه، وهذا التعريف تدخل فيه الأسنان فإن أردنا خروجها زدنا في التعريف قولنا: منوي أو فاقد الحس لقولنا عضو منوي تبلغ صلابته إلى حد لا يمكن ثنيه أو نقول: عضو فاقد للحس تبلغ صلابته إلى حد لا يمكن ثنيه. والمفصل في اللغة موضع الانفصال وقد نقل جالينوس عن بقراط ما يقرب من ذلك إذ قال: إنه يسمى رأس العظم المستدير الذي يدخل في العظم الآخر مفصلاً.
وأقول: إنما هذا لأنه موضع الانفصال.
وأما المشهور والمستعمل فإن معنى المفصل عند الِأطباء، هو موضع التقاء عضوين التقاء طبيعياً وإنما قلنا التقاء طبيعياً ليخرج التقاء العظام وإنما سمي ذلك مفصلاً، لأن هناك ينفصل جرم كل واحد من العظمين من الآخر.
قال جالينوس: المفصل تأليف طبيعي للعظام، وفي بعض النسخ عوض التأليف تركيب. والتأليف أولى لأنه ضم شيء إلى شيء بينهما تأليف أي تناسب.
وتركيب المفصل لا بد وأن يكون كذلك؛ لأن الجزأين لا بد وأن يكون بينهما تناسب في المقدار والشكل ونحوهما.
لكن جالينوس قال بعد ذلك: ومعنى قولي تركيب وتأليف ومجاورة وملاقاة معنى واحد واعلم أن هذا الحد مشكل من وجهين: أحدهما: أن المفصل ليس بتأليف ولا تركيب بل هو متألف، فإن التأليف هو ما يفعله المؤلف وذلك يرتفع عند ارتفاع فعله.
وثانيهما: أن العظام الملتحمة بالطبع يصدق على لحامها أنه تأليف طبيعي وهو عند جالينوس ليس بمفصل لأنه قال: إن تركيب العظام على قسمين أحدهما على جهة والمفصل على جهة الالتحام.
قال: والالتحام اتحاد طبيعي للعظام. بقي ها هنا بحث، وهو لزوم أن يشترط في المفصل أن يكون من عظمين كما هو ظاهر كلام جالينوس حيث يشترط ذلك.
فإن كان الأول لم يشترط التقاؤهما، إذ أكثر المفاصل لا بد وأن يكون بين عظمها إما غضروف واحد كما في عظام القص وإما غضروفان كما في المفاصل المتحاكة كمفاصل اليدين والرجلين. فإن كل عظم منها على رأسه غضروف فيكون الالتقاء بين الغضروفين لا بين العظمين.
فإن كان الثاني فلا يكون المفصل فالالتقاء شرط.
وأما أي هذين أولى، فلقائل أن يقول إن الأول أولى لأنه الظاهر من كلام الأطباء لأنهم يقولون مفاصل عظام القص ومفاصل عظام اليدين والرجلين.
ولقائل أن يقول: بل الثاني أولى: لأنه المفهوم في العرف الظاهر العام من اصطلاح الأطباء لذلك. وأنه أقرب إلى المفهوم اللغوي.
والذي يظهر لي والله أعلم، أن هذا الثاني أولى.
وقول جالينوس: تأليف طبيعي للعظام، وقول الأطباء عظام القص، أو مفاصل عظام اليدين والرجلين، يريدون بالعظام ها هنا ما يدخل فيه الغضاريف التي بين العظام، فإن الناس من عادتهم أن يعدوا هذه من العظام.
وعلى هذا فالمفاصل منها ما يكون من عظمين كعظام الرأس ومنها ما يكون من غضروفين كالمفاصل التي بها الحركة في العظام الكبار التي في اليدين والرجلين. ومنها ما يكون بين عظم وغضروف كمفاصل القص وكتلك التي في اليدين والرجلين التي بين العظام والغضاريف في أطرافها هي وإنما ابتداء الأطباء في التشريح بالعظام لأمرين: أحدهما: أنها في مباشرة التشريح تظهر أو لاً لأجل تميزها في الحس لأجل كبرها، ومتابعة أشكال الأعضاء كلها بشكلها.
وثانيهما: أن الابتداء ينبغي أن يكون بالأعضاء البسيطة لتقدم العضو البسيط على المركب في الطبع، وأولى البسائط بالتقدم هو، العظام، فإن كل عضو ذي عظم، فإن تكون عظمه متقدم على تكون جميع أجزائه كما أن شكله تابع لشكل عظمه.
وإنما يكون ذلك إذا كان تكون العظم أو لاً.
فإن قيل: كان ينبغي أن نبتدئ أو لاً بتشريح العضو الذي يتكون أو لاً وهو القلب أو الكبد أو الدماغ أو السرة، على اختلاف الآراء.
قلنا: معنى قولهم إن هذه الأعضاء إنما تتكون أو لاً لا بمعنى خلقتها تتم قبل تتمة خلق العظام، فإن من جملة أجزاء الرأس عظام القحف. فكيف يكون تكونه قبلها? بل معنى ذلك أن ابتداء فعل المصورة هو في هذه الأعضاء. ولكن تخلقها يتأخر والجسم الصلب من كل حيوان منزلته بمنزلة العظام من الحيوان الذي له عظم، وتختلف الحيوانات بحسب ذلك.
فمن الحيوانات ما لا يوجد ذلك فيه البتة كالدود، وبعض السمك وهذا الحيوان يكون واهي الخلقة لا محالة، ومنها ما يوجد ذلك فيه فإما في ظاهره فقط، أو في باطنه فقط. أو يكون متفرقاً بينهما في بدنه.
والأول إما أن يكون ذلك غليظاً جداً كما في السلحفاة، رقيقاً جداً كما في المحرزات أو متوسطاً بين هذين كما في السرطان والثاني: وهو أن يكون الصلب في الباطن فقط، وذلك كما في مالاقيا والثالث: إما أن تكون تلك العظام كلها شديدة الصلابة، مصمتة وذلك كما في الأسد. أو لا تكون كذلك، وذلك كما يكون في الإنسان والفرس وعظام الإنسان تنقسم بوجوه من القسمة.
أحدها: بحسب قوامها. فإن منها ما هو شديد الصلابة كالعظم الوتدي، ومنها ما هو شديد اللين بالنسبة إلى باقي العظام كعظام اليافوخ خاصة مقدمه. ومنها ما هو متوسط بين هذين القسمين كعظام اليدين والرجلين.
وثانيها: بحسب العدد. فإن من العظام ما إنما يوجد في البدن من نوعه عظم واحد فقط، كالعظم الوتدي والعظم اللامي. ومنها ما يوجد منه عظمان كعظمي الكتف وعظمي العضدين وعظمي الفخذين ومنها ما يوجد منه أربعة فقط كعظام الساعدين وعظام الساقين. ومنها ما يوجد منه أكثر من ذلك كعظام الأنامل، وعظام الكفين والقدمين، وعظام الأضلاع والفقرات.
ثالثها: بحسب المقدار. فإن منها ما هو عظيم جداً كعظمي الفخذين، ومنها ما هو صغير جداً كالعظام السمسمانية. ومنها ما هو بين هذين إلى الصغر كعظام الأنامل، وعظام المشط والرسغ، أو إلى العظم كعظام الساقين والزندين، والعضدين.
وقد قسم الشيخ العظام في هذا الفصل بحسب أمور ثلاثة، نحن نضع كل واحد منها في بحث يخصه. والله ولي التوفيق البحث الأول تقسيم العظام بحسب منفعتها في البدن قال السيخ الرئيس رحمة الله عليه نقول: إن من العظام ما قياسه من البدن قياس الأساس وعليه مبناه يعتمد مثل فقار الصلب، فإنه أساس البدن، عليه يبنى كما تبنى السفينة على الخشبة التي تنصب فيها أو لاً... إلى قوله: وجملة العظام دعامة، وقوام البدن.
الشرح قد قسم الشيخ العظام ها هنا بحسب منفعتها إلى خمسة أقسام:
أحدها: أن من العظام ما قياسه من البدن قياس الأساس عليه يبني البدن كما تبنى السفينة على الخشبة التي تنصب فيها أو لاً وهي الخشبة التي توضع أو لاً في وسط أسفل السفينة ممتدة في طولها من الطرف إلى الطرف، ثم توصل بها أضلاع السفينة، وتوصل بتلك الأضلاع باقي خشبها، كذلك هذا القسم من العظام. وهو عظم الصلب. فإن المستلقي من الناس يكون هذا العظم فيه على هيئة تلك الخشبة في تلك السفينة. واتصال أضلاع الإنسان بهذا العظم كاتصال أضلاع السفينة بتلك الخشبة، لكنهما مختلفان في شيء واحد، وهو أن تلك الخشبة تجعل قطعة واحدة أو يحكم اتصال بعضها ببعض حتى تكون كالقطعة الواحدة وعظام الصلب ليست كذلك إذ لبعضها مفاصل سلسلة، وسبب ذلك أن الإنسان احتيج أن تكون له حركة انثناء وانعطاف إلى قدام، وخلف، وإلى جانبين.
وإنما يمكن ذلك بأن تكون بعض مفاصل هذا العظم سهلة المواتاة للحركة وإنما يكون كذلك إذا كانت سلسلة، ولا كذلك السفينة فإن وضع هذه الخشبة فيها أريد به القوة، والثبات. وإنما يتم ذلك إذا كانت قطعة واحدة أو محكمة كالقطعة الواحدة، وأيضاً فإن هذا العظم للبدن كالأساس للبناء لان الأساس يبنى أو لاً ثم يبنى عليه باقي أجزاء البناء، وكذلك هذا العظم في البدن.
ولقائل أن يقول: إنكم قد بينتم أن العظام كلها كالأساس والدعامة، فلم جعلتم ذلك ها هنا خاصاً بهذا الصنف منها? قلنا: الذي اختص به هذا الصنف أنه كالأساس والدعامة لجميع البدن، وأما سائر العظام، فإنما هي كذلك للأعضاء التي تكون فيها.
وثانيها: أن من العظام ما قياسه من البدن قياس المجن والوقاية كعظام اليافوخ، وسبب ذلك أن الدماغ احتيج أن يكون موضعه في أعلى البدن لما نذكره بعد. وجوهره شديد اللين، فيكون شديد القبول للتضرر بما يلاقيه، ولو بأدنى ضغط فاحتيج أن يكون مصوناً عن ملاقاة ما يصل إليه من جميع الجهات، وإنما يمكن ذلك بأن يحوط من جميع النواحي. ولا يمكن أن يكون ذلك بعضو لين، وإلا لم يكن له غنى فلا بد وأن يكون بعضو صلب يشتمل عليه من كل جهة، وذلك هو عظام الرأس. فيكون الغرض الأقصى في خلقه هذه العظام هو أن تكون كالجنة للدماغ. وهذه المنفعة ليست بالذات للبدن كله، ولا كذلك منفعة الصلب إذ هي منفعة بالذات للبدن كله كما بان عن أنها أساس للبدن بجملته وهذه العظام للدماغ كالأضلاع للقلب.
ولقائل أن يقول: ما السبب في خلقه هذه العظام متصلة لا فرج بينها بخلاف الأضلاع مع أن القلب أشرف، فكان ينبغي أن تكون جنته أشد صوناً قلنا: السبب في ذلك أمران: أحدهما أن الأضلاع موضوعة حيث ينالها الحس، ولا كذلك الرأس فإنه غائب عن حراسة الحواس، فاحتيج أن يكون الاحتياط في توقيته أكثر.
وثانيهما: أن الصدر احتيج فيه إلى حركة انبساط وانقباض بإرادة ليست طبيعية كما بيناه. وإنما يتم ذلك بخلقة العضل. ويحتاج أن تكون هذه العضلات كبيرة جداً وكثيرة لأن هذه الحركة عسرة، فلو جعلت عظام الصدر متصلة ببعضها البعض لاحتيج إلى خلقة تلك العضلات فوقها، وكان يلزم ذلك زيادة الثقل والثخن، فاحتيج أن يكون بين عظامه فرج يتخللها العضل.
واعلم أن لتخلل العضلات بين الأضلاع منفعة أخرى وهي تحلل البخارات وثالث الأقسام المذكورة: أن من العظام ما قياسه من البدن قياس السلاح الذي يدفع به المؤذي كالسناسن. وهي عظام موضوعة على ظهور الفقرات لتمنع وصول المؤذي بعقب الملاقاة إلى الفقرات. واحتيج إليها لأن ظهور الفقرات هو إلى خلف البدن فيكون حيث لا تشعر به الحواس. فاحتيج أن تكون صيانتها من هناك شديدة، فخلقت له هذه العظام، وهي بمنزلة الزوائد التي هي على حجارة جدران القلاع وأسوار المدن إذ الغرض بتلك الزوائد منع وصول صدمة ما يلاقي من تلك الحجارة المنجنيق ونحوها، وكذلك هذه العظام للفقرات.
ورابعها: أن من العظام ما هو حشو بين المقاصل لتملأ الفرج كالعظام السمسمانية. وهي عظام صغيرة جداً توجد بين السلاميات فائدتها: منع الانجراد الذي توجبه ملاقاة أحد العظمين المتحركين للآخر إذ لم يمكن أن يكون بينهما غضاريف لئلا يثقل. وأيضاً ليمنع ميل السلاميات إلى الجهات، فتكون الأصابع مستقيمة.
هذا على ما قالوه وأما أنا فيظهر لي، والله أعلم، أن هذه العظام لا وجود لها.
وخامسها: أن من العظام ما الحاجة إليه أن يكون علاقة لبعض الأعضاء كالعظم اللامي. فإن الفائدة فيه أن تتعلق به عضلات الخد واللسان لأن فعل العضل إنما يتم بالتقلص الجاذب للعضو والانبساط المرخي للوتر حتى ينبسط العضو المتحرك وإنما يكون هذا التقلص جيداً إذا كانت العضلة متشبثة بجسم يلبث عندها. وإلا كان ثقل المراد تحريكه ربما غلب تشبث العضلة فنحاها عن موضعها ولم يتحرك هو ولا بد وأن يموت هذا العضو الذي تتشبث به العضلة صلباً وإلا كان ربما يمتد عند غلبة ثقل العضو الذي يراد تحريكه.
فلا بد وأن يكون عظماً أو شبيهاً به كالغضاريف ولو جعل ها هنا غضروفياً لاحتيج أن يكون له ثخن يعتد به. وإلا كان ربما ينعطف عند قوة التقلص أو ينقطع. ولو جعل ثخيناً لم يحتمله هذا الموضع فاحتيج أن يكون عظماً ليمكن أن يكون رقيقاً.
فهذه هي الأقسام المذكورة في الكتاب.
وللعظام أقسام أخر بحسب المنفعة. فمنها ما هو بمنزلة الخشبة التي تدفع بها ما يميل من البناء ونحوه ليمنعه من إتمام الميل، وذلك كالعظم الوتدي لعظام الفك الأعلى فإنه يمنعها عن الميل إلى الداخل، وكذلك عظم العقب فإنه يمنعه ميل البدن كله عند القيام إلى خلف ومنها ما هو ممر كا الممر ينقذ من داخل إلى خارج ومن خارج إلى داخل ويكون بمنزلة الدهليز كعظام الأنف فإنها ممر لفضول الدماغ، المندفعة إلى خارج، والهواء المنجذب عند الاستنشاق إلى داخل، ومنها ما هو لتحسين الخلقة كعظام الزوج فإنها تمنع حصول الثلم التي في مواضعها ليكون سطح ما عليها مستوياً. والله أعلم بغيبه.
البحث الثاني تقسيم العظام بحسب تجاويفها ما تحتوي عليه من التجاويف قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وجملة العظام دعامة وقوام للبدن، وما كان من هذه العظام إنما يحتاج إليه للدعامة فقط أو للوقاية ولا يحتاج إليه لتحريك الأعضاء، فإنه خلق مصمتاً، وإن كان فيه المسام والفرج التي لا بد منها.... إلى قوله: والعظام كلها متجاورة متلاقية.
الشرح كل عضو ولا بد أن يكون في جرمه خلل ينفذ فيه الغذاء إلى عمقه وهذا الخلل إن لم يكن محسوساً سمي مساماً ويسمى ما كان خلله من العظام كذلك مصمتاً، لأنه مصمت في الحس، وإن كان ذلك الخلل محسوساً فإما أن يكون متفرقاً في جرم العضو كما في عظم الفك الأسفل فيسمى ما كان من العظم كذلك هشاً متخلخلاً، أو لا يكون متفرقاً في جرمه بل مجتمعاً في موضع واحد فيسمى ما كان من العظام كذلك مجوفاً. وكل عظم فإما أن يكون صغيراً جداً كالأنملة بل كالعظام السمسمانية فلا يحتاج فيه إلى تجويف محسوس لأن هذا لصغره يتمكن الغذاء من النفوذ إلى قعره بسهولة لقصر المسافة، أو لا يكون صغيراً. فإما أن يكون المقصود منه الحركة، أو آلة الدعامة والوقاية أو مجموع الأمرين.
والحركة تحوج إلى الخفة وذلك يقتضي التجويف.
والدعامة والوقاية يحوجان إلى قوة الجرم، وذلك يحوج إلى عدم التجويف وإذا اجتمع الأمران روعي كل واحد منهما وتكون أكثر العناية مصروفة إلى الأهم منها وهو الذي الحاجة إليه من ذلك العظم أشد، فلذلك خلق عظم الفك الأسفل كثير التجويف متخلخلاً لتكون خفته كبيرة إذ معظم الحاجة إليه إنما هو الحركة. وخلق العظم الوتدي مصمتاً لشدة الحاجة فيه إلى الدعامة والوقاية والوثاقة مع عدم الحاجة إلى الحركة. وخلق كل واحد من عظمي الساق والساعد ذا تجويف واحد لاجتماع الغرضين فيه. لأن عظم الساق مجوفاً يحتاج إلى قوة الجرم ليكون قوياً على حمل البدن ويحتاج إلى الخفة لأجل سهولة الحركة، ففائدة تجويفه أن يكون أخف، وفائدة توحيد التجزيف أن يبقى جرمه قوياً فتجتمع الخفة من القوة، وهذا كما في القنا والقصب.
قوله: وجعل تجويفه في الوسط واحداً ليكون جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرقة. أما أن هذا التجويف يكون في الوسط فلأمرين: أحدهما: أن تكون قسمة الغذاء عادلة.
وثانيهما: أن التجويف لو مال إلى جهة لضعف جرم العظم من تلك الجهة فكان يتهيأ للانكسار منها، وذلك لأن الجوانب إذا كانت كلها متساوية في القوة لم يمكن الانكسار من جهة منه أولى منن غيرها فيكون حصوله أعسر ولو كان كل واحد من الجوانب أضعف من الجانب الذي ضعف لو حده، وكذلك فإن الصفارين ونحوهم يحزون الموضع الذي يريدون الانكسار منه حزاً يسيراً فينكسر المنحز من ذلك الموضع أسهل مما لو كان جرمه من كل جانب بتلك القوة، وما ذلك إلا لتعيين موضع يكون أولى بالانكسار.
وأما أن هذا التجويف يكون واحداً فلأنه لو كان كثيراً لضعف جرم العظم لأجل تخلخله.
وأما قوله: ليكون جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرقة منه فهو مشكل. وذلك لأن اللازم لكون التجويف غير واحد. وهو أن يكون كثيراً متفرقاً في جرم العظم، ويلزم ذلك أن يكون جرمه ضعيفاً.
وأما أن مواقف الغذاء تكون كثيرة متفرقة، فإنما يلزم لو كان التجويف صغيراً حتى لا يبقى الواحد بأن يكون كافياً في التغذي، فيحتاج أن يكون كثيراً فيكون ذلك تقليلاً لفائدة خلقه ذلك التجويف عظيماً لكونه واحداً، وقد ذكر الشيخ للمخ ثلاث فوائد. إحداها أن يغذ العظم وقد تكلمنا في ذلك فيما سلف.
وثانيتها: أن يرطبه حتى لا يجف بالحركة حركة، وإنما ذكر فائدة الترطيب، ولم يذكر فائدة التغذية. لأن فائدة التغذية معلومة. بل هي فائدة مستقلة بنفسها فيكون السكوت عنها غير مستقبح، ولا كذلك فائدة الترطيب. فإنه قد يظن أنه ضار بالعظم وخصوصاً الذي يراد أن يكون جرمه قوياً لأن قوة العظم تتبع صلابته، والترطيب يمنع الصلابة.
وثالثها: أن يكون العظم كالمصمت مع كونه مجوفاً.
ولقائل أن يقول: إن هذا مما لا أثر له في زيادة القوة فلا يصلح أن تكون فائدة فيها.
قوله: والتجويف يقل إذا كانت الحاجة إلى الوقاية أكثر ويكثر إذا كانت الحاجة إلى الخفة أكثر. هذا يعتبر بحسب أمور: أحدها: اختلاف نوع عظام البدن الواحد. فإن عظم الساق يحتاج إلى الخفة أكثر من عظم الفخذ لأن حاجته إلى الحركة أكثر من حاجة عظم الفخذ.
وثانيها: اختلاف الأبدان في القوة، فإن البدن الذي عضله ضعيف الخلقة يحتاج أن تكون عظامه أخف. لتمكن القوة الضعيفة إقلالها، ولا كذلك البدن القوي العضل.
وثالثها: اختلاف الأبدان في السن، فإن الشيخ تضعف قوته عن تحريك الثقل فتحتاج أن تكون عظامه أخف. وذلك يحصل بسبب تخلخل أعضائه لقلة اغتذائها.
ورابعها: اختلاف نوع الحيوان. فإن الحيوان الشديد البطش كالأسد يحتاج أن تكون عظامه شديدة القوة، إنما يكون كذلك إذا لم يكن تجويفها كبيراً.
قوله: والعظام المشاشية خلقت كذلك، هذه العظام هي الموضوعة حذاء ثقبي الأنف. وهي شديدة التخلخل، وخلقت كذلك لأمرين: أحدهما: لتتمكن أجزاؤها من سهولة استعمال الغذاء مع شدة حاجتها إلى الخفة، لئلا تثقل مقدم الدماغ.
وثانيهما: ليتمكن ما يحتاج أن ينفذ فيها من النسيم، وفضول الدماغ المدفوعة من جهة الأنف من سهولة النفوذ، وليمكن أن ينفذ فيها من الهواء قدر صالح ليفي بترويح الدماغ، وليكون ما يتصعد معه من الأجزاء الحاملة للرائحة قدر يجوز معه إدراكها، وحاجة إدراك الرائحة إلى تخلخل هذه العظام أكثر من حاجة ترويح الدماغ. لأن هذا الترويح قد يتم إذا كانت المنافذ في هذه العظام ضيقة بأن يكون نفوذ الهواء فيها قليلاً قليلاً في زمان طويل بحيث يقل زمان الفترة بين كل تنفسين، ولا كذلك إدراك الرائحة، فإن الحاسة إنما تدرك المحسوس إذا ورد منه في وقت واحد قدر يعتد به.
وأما إذا ورد بالتدريج؛ فإن الوارد في كل وقت يكون قليلاً جداً، فكان لا تقوى الحاسة على إدراكه، فلذلك لم يتعرض الشيخ ها هنا لأمر الترويح واقتصر على ذكر الرائحة. والله أعلم بغيبه.
البحث الثالث المفاصل وتقسيم العظام بحسبها قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والعظام كلها متجاورة متلاقية، وليس بين شيء من العظام وبين العظم الذي يليه مسافة كبيرة بل في بعضها مسافة يسيرة تملؤها لواحق غضروفية أو شبيهة بالغضروفية خلقت للمنفعة التي للغضاريف... إلى آخر الفصل.
الشرح
السبب في احتياج البدن إلى المفاصل أنه لو خلق البدن خالياً عن العظام البتة لكان شديد الضعف، واهي القوة كالدود، فلا بد وأن يكون مشتملاً على عظم، ولا بد وأن يكون البدن كله من عظم واحد، وإلا كان ما فيه ذلك العظم، لا يمكن انثناؤه وانعطافه، وما هو بغير عظم ضعيف البنية واهي الحركة فلا بد و أن يكون مشتملاً على عظام كثيرة. فإما أن تكون متباعدة غير متصلة بعضها ببعض فيكون التركيب واهياً جداً، وأضعف كثيراً من أبدان الدود، أو يكون بعضها متصلاً ببعض، فيلزم ذلك حوث المفاصل، وكل مفصل، فإما أن يكون لأحد عظميه أن يتحرك وحده حركة سهلة ظاهرة، وهو المفصل السلس كمفصل المرفق والركبة والرسغ والساعد، أو لا يكون كذلك، فإما أن تمتنع حركة أحد عظميه وحده ولو حركة خفية. وهو المفصل الموثق أو لا يكون كذلك وهو المفصل العسر الذي ليس بموثق كمفصل الرسغ مع المشط وكمفاصل عظام المشط. هكذا قال الشيخ.
وأما جالينوس، فقد قسم المفاصل إلى قسمين فقط: أحدهما: السلس وهو الذي لأحد عظميه أن يتحرك وحده حركة ظاهرة سهلة كما قال الشيخ.
وثانيهما: الموثق. وهو الذي تكون حركة أحد عظميه يسيرة غير ظاهرة وهو الذي سماه الشيخ: العسر الذي ليس بموثق فيكون المفصل الموثق باصطلاح الشيخ خارجاً عن القسمين.
ولو كان قال: إن الموثق ما ليس لأحد عظميه أن يتحرك وحده حركة ظاهرة لدخل الموثق فيه باصطلاح الشيخ. وكان هذا أولى.
وقد قسم الشيخ المفصل الموثق إلى ثلاثة أقسام: وذلك لأن كل مفصل موثق: فإما أن لا تكون فيه مداخلة من عظم في عظم وهو الملزق. أو تكون فيه مداخلة: فإما من كل واحد من العظمين في الآخر. وهو : الشأن أو الدرز.
أو من أحدهما فقط. وهو : المركوز.
والملزق: إما أن يكون في العرض. وهو كمفصل عظمي الفك الأسفل عند الذقن.
أو في الطول. وهو عنده كما في عظمي الساعد. وعندنا لا يصح. فإن عظمي الساعد بينهما خلل ظاهر.
وأما المفصلان الآخران، فلا يمكن أن يكون تأليفهما تأليف إلزاق، ولا تأليف شأن، وإلا لم يمكن حركة أحد العظمين وحده. فيكون المفصل موثقاً، فلا بد إذن وأن يكون تأليفهما تأليف الركز، ولكن لا يكون ذلك الركز بحيث يمنع حركة أحد العظمين دون الآخر، فلذلك لا بد وأن يكون اشتمال الحفرة في هذين المفصلين على الزائدة غير شديد. والزائدة في هذين المفصلين: إما أن تكون واحدة أو أكثر. فإذا كانت كثيرة، فلا بد وأن تكون الحفرة كبيرة أيضاً بعدد الزيادات.
ويسمى هذا المفصل: المداخل. سواءً كانت الزيادات كلها في عظم واحد والحفر كلها في آخر كمفاصل الأضلاع. أو كان كل في واحد من العظمين زائدة وحفرة كما في مفصل المرفق.
وإذا كانت الزائدة واحدة فالحفرة أيضاً لا بد أن تكون واحدة. ولا بد أيضاً وأن يكون عمقها على قدر ما تقتضيه الزائدة، وهذه الزائدة إما أن تكون للطرف الذي تنتهي إليه محدداً فيسمى: منقاراً. أو لا يكون محدداً بل غليظاً مستديراً فيسمى ذلك الطرف رأساً. والزائدة التي تنتهي إليه: عنقاً. وهذا العنق إما أن يكون طويلاً أو قصيراً. فإن كان طويلاً فالحفرة التي يدخل فيها لا بد وأن تكون عميقة، وتسمى تلك الحفرة: حقاً كحق الفخذ. ويسمى ذلك المفصل: المفصل المغرق. لأن الزائدة تكون مغرقة في حفرته. وإن كان العنق قصيراً، فالحفرة لا بد وأن تكون أيضاً غير عميقة وتسمى هذه الحفرة. عيناً كعين الكتف. ويسمى هذا المفصل: المفصل المطرف: لأن الزائدة لما لم تكن كثيرة المداخلة صارت كأنها في طرف.
قوله: والعظام كلها متجاورة متلاقية. لو كانت عظام البدن متباعدة لكان تركيبه واهياً جداً كما بيناه أو لاً.
وقال جالينوس: إن تركيب عظام البدن كله يقال له: جثة. ويريد بقوله: تركيب العظام، العظام المركبة إذ نفس تركيبها لا يقال له جثة، إذ التركيب هو فعل المركب كما قلناه أو لاً.
ونقول: العظام: منها ما هي صغار فلا تتصل بها لاحقة. ومنها ما هي كبار. وهذه منها ما ليس له لاحقة كعظمى الفك الأسفل، فإن أسفلهما يلتقي بلجام بينهما من غير لاحقة، وأعلاهما أيضاً ليس فيه لاحقة. وإن كان لكل واحد منهما هناك زائدتان.
والفرق بين الزائدة واللاحقة، أن الزائدة تكون من نفس العظم الذي هي له زائدة. واللاحقة عظم آخر يتصل به بلجام.
ومن العظام الكبار ما له لاحقة، وذلك إما في طرفيه كما في عظم الساق، وعظم الفخذ، وعظم الزند الأعلى. وإما في طرف واحد، فإما في الطرف الأعلى، كما في عظم العضد، أو في الطرف الأسفل كما في الزند الأسفل.
وسنتكلم في هيئة هذه اللواحق ومنافعها في المواضع اللائقة بذلك.
قوله: بل في بعضها مسافة يسيرة تملؤها لواحق غضروفية أو شبيهة بالريان غضروفية، ليس يريد بهذه اللواحق، اللواحق التي ذكرناها بل ما يكون عند أطراف العظام ليمنع حك أحد العظمين للآخر، وهذه تارة تكون غضاريف كما في عظام اليدين والرجلين الكبار. وتارة تكون غير غضاريف كالعظام السمسمانية التي من االسلاميات، فإنها خلقت هناك للمنفعة التي للغضاريف وهي تمنع الاحتكاك، وقد علمت أنا متوقفون في ثبوت هذه العظام. والله ولي التوفيق. =================
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الثاني
الفصل الثاني
تشريح عظام القحف
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الشرح عظام القحف تطلق تارةً، وبراد بها عظام الرأس كلها واختلف لأطباء فيها. فمنهم من يعد من جملتها العظم الوتدي، وهو الرأي المشهور. ومنهم من يخرج عنها هذا العظم ويعده من عظام اللحى الأعلى.
وأيضاً: منهم من يعد من جملة عظام القحف عظمي اليافوخ. ومنهم من يخرجها عنها والنزاع في ذلك مما ليس له فائدة يعتد بها.
وتارةً يطلق عظام القحف. وبراد بها عظام اليافوخ فقط، وهو الذي أراده الشيخ ها هنا. لأنه في هذا الفصل يقتصر على تشريح عظمي اليافوخ. وفي الفصل الذي بعد هذا، وهو الذي جعله في تشريح ما دون القحف. إنما ذكر فيه تشريح ما سوى عظمي اليافوخ من عظام الرأس. لكنه في هذا الفصل عند ذكره منافع تكثير العظام إنما أراد بعظام القحف جملة عظام الرأس، لأن المنافع التي ذكرها لا تصلح أن تكون منافع بتكثير عظمي اليافوخ فقط، كما ستعرفه في شرحنا لكلامه هناك. ولا شك أن ذلك مستقبح في التصنيف. والكلام في هذا الفصل يشتمل على أربعة مباحث: البحث الأول بيان منافع عظام القحف أعني عظام الرأس كلها قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما منفعة جملة عظام القحف فهي أنها جنة للدماغ، ساترة له، وواقية من الآفات. وأما المنفعة في خلقها قبائل كثيرة، وعظاماً فوق واحدة.... إلى قوله: والشكل الطبيعي لهذا العظم.
الشرح قد ذكر الشيخ ها هنا لتكثير هذه العظام ستة منافع: المنفعة الأولى: أن الآفة العارضة لا تعم. وبيان هذا أن العظم الواحد لا مانع فيه من سريان ما يعرض له من الآفات كالشق والعفونة، ونحو ذلك من الفساد. ولا كذلك العظام الكثيرة. لأن الصدع مثلاً: إذا انتهى في عظم إلى موضع الوصل بينه وبين غيره، لم يتمكن من السريان في العظم الذي يليه، ويكون المفصل الواقع بينهما مانعاً من زلك السريان. ولا شك أن ذلك منفعة.
ولقائل أن يقول: كما أن هذه المفاصل نافعة بهذا الوجه كذلك هي أيضاً ضارة بوجه آخر. وذلك لأن الرأس إذا كان من عظام كثيرة وعرض لو احد منها صدع انتهى إلى طرفيه، فإنه حينئذ ينفتح لبطلان الاتصال، ولا كذلك إذا كان عظماً واحداً، فإنه حينئذٍ إذا عرض صدع بذلك القدر أو أكثر منه قليلاً، بقي العظم متصلاً بما سوى موضع الصدع فلا تنفتح.
وجوابه: أن هذا التضرر منتف في عظام الرأس، لأن مفاصلها مدروزة فإذا انصدع منها عظم بقي كل جزء منه محفوظاً في موضعه لتشبثه بالعظام المجاورة له.
والمنفعة الثانية: أن بعض عظام الرأس يجب أن يكون شديد التخلخل كعظمي اليافوخ وبعضها أن يكون شديد الصلابة كالعظم الوتدي. وبعضها يجب أن يكون جرمه متوسطاً بين هذين كعظام الجدران. والجدار المقدم يجب أن يكون ألين، والمؤخر أصلب، واللذين يمنة ويسرة بينهما في الصلابة. وسنذكر منافع ذلك كله، وإذا كان كذلك لم يحسن، ولا يجوز أن يكون الجميع عظماً واحداً، وذلك لأمرين: أحدهما: أنه لو كان عظماً واحداً لكان الجزء اللين منه مهيئاً لقبول الآفات وذلك لأن اللين بنفسه سهل القبول، فإذا عرضت له آفة، وكان العظم واحداً تهيأ الباقي للانفعال.
وثانيهما: أنه لو كان اتحاد العظم حينئذٍ محموداً لم يخلق لعظام الزندين والساقين ونحوهما لواحق. بل كان يخلق كل واحد من تلك العظام قطعة واحدة لأن هذه العظام تحتاج أن تكون قوية فلو جاز أن يكون عظماً واحداً لما كثرت أجزاؤها، لأن ذلك مما يضعف له جرمها، وحيث لم يخلق قطعة واحدة علم أن ذلك مع اختلاف الأجزاء في الصلابة واللين مما لا يجوز.
وإذا كان كذلك وجب تكثير عظام الرأس بعدد ما يجب أن يكون فيها من الاختلاف المذكور.
ولقائل أن يقول: إن كلا هذين الأمرين مما لا يصح.
أما الأول: فلا بد وأن يكون من هذا العظم متخلخلاً، فلا بد وأن يكون إما بحذاء الحس كعظم الجبهة، أو مستوراً باللباس عادة كعظمي اليافوخ وذلك مما يقلل قبوله للآفات، فلا يكون ما يعرض له منها أكثر من العارضة للذي يجب أن يكون من هذا العظم صلباً.
وليس لكم أن تقولوا: إن الصلب تعرض له الآفة حينئذٍ تارة بنفسه، وتارةً لسريان ما يعرض للتخلخل، وذلك موجب لتكثير آفاته لأنا نقول: إن هذا إذا سلم كان هو بعينه المنفعة الأولى.
وأما الثاني: فمن وجوه: أحدها: أن الفاضل أرسطوطاليس حكى أن رجلاً لم يكن لرأسه شؤون بل كان من عظم واحد. فلو كان في ذلك مفسدة لما وجد.
وثانيها: أن كل واحد من عظمي اليافوخ والجدارين اللذين يمنة ويسرة. فإن أجزاءه يجب أن تكون مختلفة في الصلابة واللين.
وأما عظما اليافوخ فإن مقدمهما شديد اللين، فلذلك ينغمز في سن الطفولة بأدنى مس، وأما الجدران فلأن كل واحد منهما يجب أن يكون ما عند ثقب الأذن الذي فيه شديد الصلابة بالنسبة إلى باقي أجزائه. ولو كان وجوب هذا الاختلاف يوجب تكثير العظام لكان كل واحد من هذه العظام متكثراً. والواقع بخلاف ذلك.
وثالثها: أن تكثر العظام وإن نفع بالوجه الذي قلتم فهو يضر من جهة أنه يضعف جرم الرأس، فلم قلتم إن هذا النفع راجح على هذه المضرة حتى تراعى في الخلقة دون هذا الضرر?.
ورابعها: أن عظام الساقين والفخذين ونحوهما إنما كثرت أجزاؤها ليكون هذا العظم الذي هو المخ مسلك ينفذ فيه، وهو موضع الالتحام فلا يدل تكثرها على أن اختلاف الأجزاء يوجب تكثير العظام.
الجواب: أما ما قيل على الأمر الأول، فإنا وإن سلمنا أن الأجزاء التي يجب تخلخلها من عظم الرأس، يقل قبولها للآفات الخارجية بما قلتم لكنها لا محالة شديدة القبول لمثل العفونة ونحوها.
فلو كان الجميع عظماً واحداً لكان الصلب منه مستعداً لذلك أيضاً بسبب السريان، وأما ما قيل على الأمر الآخر.
فالجواب: على الأول، أنا لا نمانع إمكان اتحاد هذا العظم لكنا نمنع أن تكون البنية حينئذٍ فاصلة. ولعل هذا الذي كان رأسه من عظم واحد قد كان فاسد الذهن رديء الأخلاق، لأجل احتباس الأبخرة الكثيرة في دماغه.
وعن الثاني: أن الاختلاف الواجب في هذه العظام ليس بكثير بحيث يوجب لتكثير القطع، ولا كذلك جملة عظام الرأس.
وعن الثالث: أن المؤلف من عظام كثيرة إنما يلزم أن يكون ضعفه كبيراً، إذا كانت مفاصله غير موثقة كإيثاق شؤون الناس، وأما إذا كانت بهذا الإيثاق، فإن ما يحدثه ذلك من الضعف لا يكون له قدر يعتد به.
وعن الرابع: أن تكثير أجزاء عظام الساق والساعد ونحوها. لو كان لنفوذ الغذاء لكان العظم الأكبر المحتاج إلى غذاء أكثر أجزاؤه أكثر. ولو كان كذلك لما كان الزند الأعلى ذا لاحقتين والزند الأسفل أعظم منه بكثير وهو ذو لاحقة واحدة.
والمنفعة الثالثة من منافع تكثير عظام الرأس أن يكون لما غلظ من الأبخرة التي لا يمكن نفوذها في مسام العظام طريق إلى التحلل من الخلل الواقع بين القطاع وذلك مما لا يتأتى لو كان عظماً واحداً، وذلك لأن الدماغ تكثر فيه الأبخرة، وأبخرته غليظة، وأما كثرتها، فلأنه موضوع في أعلى البدن فيكون تصعد البخار إليه بالطبع.
وأما غلظها فلأجل برودة الدماغ ورطوبته.
وهذه الأبخرة لو بقيت في داخل الرأس لأفسدت الذهن، وآلمت وصدعت، وإخراجها إنما يكون من منافذ متسعة فلو كان الرأس من عظم واحد لاحتاج أن يكون فيه ثقوب كثيرة جداً، وذلك موهن له، معد له للانكسار.
والمنفعة الرابعة: أن يكون لما يخرج من الدماغ من العصب الذي يحتاج إلى تفريقه في أعضاء الرأس طريق إلى النفوذ، وذلك في فرج المفاصل، ولو كان العظم واحداً لكانت الثقوب تضعفه.
والمنفعة الخامسة: أن يكون لما يجب أن يدخل إلى داخل الرأس من الأوردة والشرايين طريق، ومسلك في خلل المفاصل.
والمنفعة السادسة: أن يكون لما يبرز من أجزاء الأم الغليظة إلى خارج القحف طريق ليثبت في ظاهره، فتستقل تلك الأم عن الدماغ فلا يثقله طريق في مسلك.
والمنفعة الأولى والثانية ظاهر أنهما لأجل العظام نفسها.
وأما الثالثة: فهي للدماغ، وتتم بالمفاصل.
وأما الرابعة: فلأجل الحس الذي في ظاهر الرأس، وتتم أيضاً بالمفاصل.
وأما الخامسة ثم السادسة: فمشتركة بين الدماغ وبين ما يدخل ويخرج ويتم أيضاً بالمفاصل.
قوله: ومنفعتان مشتركتان بين الدماغ، وبين شيئين آخرين. في كثير من النسخ بين القطاع.
والنسخة الأولى هي الصحيحة. لأن القطاع هي العظام. وما يدخل من الأوردة والشاربين، وما يخرج من الأعصاب لا نفع له في العظام البتة. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني الشكل الطبيعي للرأس قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الشكل الطبيعي لهذا العظم هو الاستدارة لأمرين، ومنفعتين.... إلى قوله: ولمثل هذا الشكل دروز ثلاثة حقيقية.
الشرح إن للرأس في الطول شكلاً طبيعياً، وأشكالاً غير طبيعية أما شكله الطبيعي فهو أن يكون مستديراً إلى طول كالكرة المغمورة من الجانبين فيكون له نتوءان. أحدهما: إلى قدام، وه و أعظم. والآخر إلى خلف، هو أصغر.
أما استدارته: فقد ذكر الشيخ لها منفعتين: إحداهما: لتكون مساحته أعظم فيكون ما يسعه من الدماغ وغيره أكثر، وذلك لأن كل جسمين تساوى محيطهما، فإن الكرى منهما أعظم مساحة من غيره. ولا يليق بهذا الكتاب إقامة البرهان على أمثال هذا.
والذي يقربه إلى الذهن. أن الجسم المخروط الشكل الكرى أقل مساحة من المكعب والمكعب أقل مساحة من الذي تحيط به قواعد مخمسة، وذلك أقل مساحة من الذي قواعده مسدسة. وكذلك كل ما قرب شكله من الشكل الكرى كانت مساحته أعظم لا محالة. فالكرى لا محالة أكبر من جميع الأجسام أعني بذلك إذا تساوت الإحاطة. ويمكنك امتحان هذا بالسطوح فإن المثلث أصغر من المربع، وهو أصغر من المخمس وكذلك كلما قرب من الدائرة كان أعظم مما هو أبعد عنها. فتكون الدائرة أو سع المسطحات. وهذه الفائدة تعود إلى ما يحويه العظم، لا إلى العظم نفسه.
وثانيتهما: لتكون أبعد عن قبول الآفات الخارجية مما له زاوية. إذ الزاوية ليس لها من ورائها ما يقويها على مقاومة المصادم. ولذلك ما كان من الأجسام ذا زوايا فإن ما يعرض له من التكسر يكون أو لاً في زواياه. والجسم الكرى جوانبه كلها متساوية، فليس عروض الفساد له من جهة أولى من عروضه من جهة أخرى وهذه المنفعة تعود إلى نفس العظم. وذكر لطول هذا العظم منفعة واحدة، وهي أن الأعصاب الدماغية موضوعة في الطول. أعني مرتبة كل زوج بعد آخر إلى خلف.
وهذه الأعصاب سبعة أزواج. فإذا عددنا ما يقع منها في الطول وجدنا سبعة. وإذا عددنا ما يقع في العرض وجدنا ذلك عصبتين فقط. فتكون الحاجة إلى الطول لأجل الأعصاب أكثر.
أقول: وها هنا سبب آخر لأجله صار شكل الرأس هكذا. وذلك لأن معظم الغرض بعظام الرأس إنما هي وقاية للدماغ. وذلك بأن يكون له كالجنة. وإنما يتم ذلك بأن يكون محيطاً به من كل جهة وشكل الدماغ مستدير إلى طول، فيجب أن يكون شكل ما يحيط به كذلك وإلا كان فيه زيادة غير محتاج إليها في الوقاية، أو نقصان تؤدي إلى انضغاط الدماغ وإنما كان شكل الدماغ مستديراً إلى طول. أما استدارته فكما قلنا في العظام وأما طوله، فلأنه محتاج أن يكون فيه ثلاثة بطون. وأن تكون هذه البطون موضوعة في طوله، وذلك يحوج إلى زيادة في طوله. وإذا كان هذا العظم مستديراً إلى طول فصوله ما بين مقدمه ومؤخره وجب أن يكون له نتوءان أحدهما إلى قدام والآخر إلى خلف، وخلق نتوءه المقدم أعظم لأن ما يحيط به من الدماغ أكبر وإنما كان كذلك لأن مقدم الدماغ للحس ومؤخره يحفظ المعاني، والمحسوس إنما ينتفش في شيء له مساحة. ولا كذلك المعاني.
وأما الأشكال الخارجة عن الأمر الطبيعي فسنذكرها بعد.
قوله: وله نتوءان إلى قدام، وإلى خلف ليقيا الأعصاب المنحدرة من الجانبين، وفائدة هذين النتوءين أنهما ساتران ولا شك أن الساتر إذا كان محدباً كانت وقايته أتم لأن ملاقاة ما يصادمه يكون بجزء أقل، فيكون انفعاله عنه أضعف. والله أعلم.
البحث الثالث عدد دروز الرأس الطبيعي الذي شكله طبيعي وهيأتها قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ولمثل هذا الشكل دروز. ثلاثة حقيقية، ودرزان كاذبان... إلى قوله: وأما أشكال الرأس غير الطبيعية فهي ثلاثة.
الشرح قد بينا أن الشيخ في هذا الفصل إنما يتكلم في تشريح عظمي اليافوخ. فلذلك إنما نذكرها ها هنا.
دروز الرأس خمسة دروز: ثلاثة منها حقيقية، أعني بذلك أنها دروز حقيقية وذلك أن الدروز إنما تحدث من مداخلة كل واحد من العظمين في الآخر في مواضع كثيرة حتى تكون كمنشارين أدخلت زوائد كل واحد منهما في حفر الآخر وكأنها أصابع قصار أدخلت كل إصبع بين إصبعين مما يقابلها. وهذه الدروز كذلك. وسميت دروزاً تشبيهاً لها بدرز الخياطة. لكنها تخالف تركيب المنشارين والأصابع، بأن المنشارين زوائدهما تأخذ من عرض كبير إلى دقة، والأصابع عرضها كلها متساوية، وزوائد هذه الدروز ليست كذلك، بل أطرافها أكثر عرضاً من قواعدها. وذلك ليكون التركيب أقوى وأحكم، ولتكون مسافة الخلل أطول فتكون منافس البخار الذي يحتاج أن يتحلل منه أكثر.
واثنان من هذه الدروز الخمسة ليسا في الحقيقة بدروز بل هما لزاق ولهذا يسميها بعضهم لزاقاً.
ولا يطلق عليها اسم الدروز. والذين يسمونها دروزاً، فيسمونها دروزاً كاذبة، وغير حقيقية، وقشرية وهيأتهما أن كل واحد من العظمين يبتدئ عند قرب طرفه في الترقق، ويتم ترققه عند انتهاء طرفه ثم يركب انتهاء ترقق هذا على ابتداء ترقق ذاك حتى تكون ثخانة العظمين عظم واحد، وفائدة خلقتهما كذلك أن يسهل تنحي أحد العظمين عن الآخر من غير انكشاف يعرض للدماغ، مع أن كل واحد من العظمين شديد الثبات على الآخر، وفائدة ذلك أن يجد البخار والرياح الكثيرة التي قد تجتمع في داخل القحف طريقاً متسعاً للانفصال، ولا يلزمها فساد الدماغ، وشدة الألم.
وأطن أن هذين الدرزين من خواص الإنسان، وذلك لأن رأسه في سمت صعود البخار والدخان من البدن كله، ويحتاج أن يكون رأسه أكثر نقاء من جميع الحيوان ليكون فكره جيداً فيحتاج أن يكون منافس تحلل ذلك منه أكثر وأوسع.
وأما أشكال هذه الدروز الخمسة: فالأول من الحقيقية يحيط أعلاه بأعلى الجهة مشترك بين عظمها وعظمي اليافوخ. وهو قوسي هكذا ويسمى الإكليلي لأنه عند منتهى الإكليل الذي يوضع على الرأس. وسنذكر في الفصل الآخر غاية امتداد طرفيه، ومنه تتحلل البخارات التي في البطن المقدم. ولذلك وضع حيث يسهل تحلل الأبخرة لأنه يمر على محيط ذلك البطن. وإنما كان شكله كذلك لأن هذا النتوء كبير، فيكون مع باقي الرأس كالكرة، وأكثر تحدباً وانفراجاً. وإذا قطعت الكرة بسطح مستو كان الانفصال على هيئة دائرة فيكون هذا الدرز على هيئة محيط قطعة دائرة والدرز الثاني يمر مستقيماً تحت العرق، ومنه تتحلل أكثر أبخرة الرأس، خاصة ما يكون في وسطه. وخلق مستقيماً ليعم جميع الجزء الأعلى من الرأس فيكون تحلل تلك الأبخرة أسهل وأكثر مع كون التركيب أحكم وأقوى. أما أن التحلل يكون أكثر فلأن هذا الدرز لو انحرف على الجزء الأعلى من الرأس إلى جانبه لبقي ذلك القدر من الجزء الأعلى مانعاً من التحلل.
وأما أن التركيب أقوى فلأن الخط المستقيم أقصر الخطوط فيكون الانفصال أقل، ولا كذلك لو كان منحرفاً لأنه حينئذٍ يطول، وكذلك لو خلق مستقيماً ولو لم يكن تحت الفرق لكان ما يتحلل منه من الأبخرة أقل لأنه حينئذٍ لا يكون في أعلى الرأس حيث ينتهي إليه البخار. وإذا كان هذا الدرز يقطع الرأس من أعلاه فلا بد وأن يمر طرفه المقدم بغاية ارتفاع الدرز الإكليلي ضرورة، أن كل سطح مستو أو خط مستقيم قطع كرة بنصفين فلا بد وأن يقطع كل دائرة يقاطعها على زوايا قائمة بنصفين نصفين، ويكون محيط الدائرة الحادثة بالقطع مقاطعاً لمحيطات تلك الدوائر على أنصافها. وأما الدرز الثالث من الحقيقية فأعلاه مشترك بين عظمي اليافوخ وبين الجدار الرابع. ولما كان النتوء المؤخر صغيراً لم يكن على هيئة تحدب الكرة بل أقل انفراجاً؛ وأقل انفراجه في أعلاه، لأن أسفله يحتاج إلى سعة لأجل نفوذ النخاع منه. فلذلك يكون شكله كشكل قطعة من مخروط قطع بسطح مستو من أعلاه إلى قاعدته. فلذلك يكون هذا القطع على هيئة مثلث فيكون هذا الدرز على هيئة ضلعي مثلث متساوي الضلعين، ضرورة أن أعلى أسفله الرأس لا ميل له إلى أحد الجانبين. وأن هذا القطع يبتدئ من أعلى الرأس إلى أسفله فلا بد وأن يكون التقاء هذين الضلعين على نقطة هي الطرف المؤخر من الدرز المستقيم، ولكون ضلعي هذا الدرز مستقيمين فائدة وأمان: أما الفائدة: فليكون الخلل اقل فيكون التركيب أقوى. وأما الأمان: فلأن البطن المؤخر يقل احتباس الأبخرة فيه لأنه آخذ إلى الأسفل. ومن شأن البخار التصعد فيرتفع إلى جهة مقدم الرأس لأنه أرفع. ويسمى هذا الدرز اللامي لأنه يشبه اللام في كتابه اليونان. وأما الدرزان الكاذبان فهما موضوعان في جانبي الرأس يمنة ويسرة كل واحد منهما مشترك بين عظمي القحف الذي في جهته، وبين الجدار الذي في ذلك الجانب. وإنما خلقا هناك لأن فائدتهما كما قلنا أن ينفتحا عند كثرة الرياح والأبخرة لينقى الدماغ منهما مع بقاء الاستتار. والموجب لهذا الانفتاح في أكثر الأمر إنما هوا لريح الممددة إلى الجوانب، وأكثر تمديدها إنما هو من جهتي اليمين والشمال، لأن الرأس ما بين القدام والخلف متسع فلا يضيق على الريح كما يضيق ما بين الجانبين. وتعين هذه الريح على الفتح حركة الأبخرة إلى فوق مشيلة لعظمي القحف فيسهل الانفتاح، ولا كذلك لو جعلا في غير هذين الموضعين. قوله: مستقيم يقال له وحده سهمي، فإذا اعتبر من جهة اتصاله النقصان إما أن يكون في المقدار، وكذلك كما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما أصغر من المقدار المعتدل أو في العدد وكذلك كما إذا نقص للرأس أحد النتوءين أو كلاهما. وأما الخروج عن الطبيعي بالزيادة والنقصان معاً، فكما إذا نقص أحد النتوءين، وعظم الآخر. أو نقص النتوءان كلاهما، وازداد النتوء في جانب الرأس. وأما الخروج عن الأمر الطبيعي برداءة وضع الأجزاء فكما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما مائلاً إلى جهة اليمين أو اليسار. أو أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار وليس في هذه الأشكال ما يقع كثيراً سوى أن يكون بنقصان أحد النتوءين أو كليهما. وهي أشكال الرأس المسفط. فقوله: ولا يمكن أن يكون للرأس شكل رابع غير طبيعي، يريد بذلك أن هذا لا يمكن من جهة النقصان، أي لا يمكن أن تكون رداءة شكل الرأس الحادثة بسبب النقصان أكثر من هذه الثلاثة، ولذلك علل بأن ذلك يلزمه نقصان في بطون الدماغ أو جرمه، ودروز الرأس منها ما لا يتغير بتغير شكله. وهي ثلاثة: المستقيم، والقشريان. ومنهما ما يتغير بحسب ذلك وهي درزان: الإكليلي واللامي. وسبب ذلك أن الرأس لو كان كرة حقيقية لم يكن جانب منه أولى من غيره بزيادة أو نقصان في الدروز بل كان إما أن لا يكون في اليافوخ درز البتة، أو إن كان فيه درز فليكن من جهة الطول والعرض على السواء وذلك بأن يكون في العرض درز كما في الطول درز، ويكون درز العرض في وسط العرض. كما أن درز الطول كذلك في وسط الطول لكن عدم الدروز بقطعة مخروط غير مواز لسهم ذلك المخروط المتوهم بل مقاطعاً لسهمه إلى قدام من أسفل، فلذلك يمر طرفا الجدار الرابع إلى قدام حتى يلاقيا عظم الفك الأعلى عند غاية انقطاع العظمين الحجريين، وإذا كان كذلك كان كل واحد من هذين القشريين أقصر كثيراً من الدرز السهمي، ونفوذ هذين القشريين
هو فوق الأذنين.هو فوق الأذنين.
قوله: وليسا بغائصين في العظم تمام الغوص، وربما توهم من هذا أن لهما غوصاً ما في العظم، وليس كذلك وإنما لم يكن لهما غوص ما لئلا يمنع انفتاحهما. وذلك مبطل لفائدتهما التي ذكرناها. وليس يوجد في البدن مفصل آخر مثلهما. والله أعلم.
البحث الرابع أشكال الرأس الغير طبيعية التي ليست بطبيعية وما تستحقه من الدروز قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما أشكال الرأس غير الطبيعية فهي ثلاثة... إلى آخر الفصل. الشرح: الخروج عن الأمر الطبيعي في شكل الرأس وغيره قد يكون بالزيادة، وقد يكون بالنقصان، وقد يكون بهما معاً، وقد يكون برداءة وضع الأجزاء. أما الخروج عن الأمر الطبيعي بالزيادة فتلك الزيادة إما أن يكون أصلها طبيعياً، وذلك كما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما أزيد من المقدار المعتدل أو لا يكون أصلها طبيعياً، وذلك كما إذا ازداد الرأس في جانبه نتوء.
وأما الخروج عن الطبيعي بالنقصان فذلك بالإكليلي كان أشبه بالسهم، لأن كونه مستقيماً وسط قوس من خواص السهم، ولا كذلك إذا اعتبر وحده فإنه، وإن أشبه السهم في استقامته إلا أن ذلك الشبه ليس خاصاً بالسهم وإنما الخاص به إذا اعتبر متصلاً بالإكليلي.
قوله: والدرز الثالث هو المشترك بين الرأس وقاعدته. المراد من هذا الدرز إنما هو أسافله وأواخره كما نبينه بعد. ومعنى كلام الشيخ هو مشترك بين الرأس وبين قاعدته من خلف أي إن هذا الاشتراك يبتدئ من خلف وهو في الحقيقة من قدام.
وأما أعلى هذا الدرز فمشترك بين عظمي القحف، والجدار الرابع، وهو المثلث ووسطه مشترك بين ذلك الجدار، وبين الجدارين اللذين يمنة ويسرة ويسميان الحجرين. قوله: وأما الدرزان الكاذبان فهما آخذان في طول الرأس على موازاة السهمي الخطان المتوازيان هما اللذان في سطح واحد، وإذا أخرجا في كلتا الجهتين بغير نهاية لم يلتقيا. وكل واحد من هذين القشريين فهو مواز للسهمي فيكونان متوازيين، ويفصلان من قدام قوسين متساويين من الإكليلي عن جنبي طرف السهمي من قدام، وأما من خلف فيفصلان خطين مستقيمين عن جنبي طرف السهمي من خلف هما الجزء الأعلى من ضلعي اللامي، وسطح هذين الخطين غير مواز لسطح الدرز الإكليلي بل هما يتقاربان في تشكلهما وكذلك الأضلاع المتقابلة من أضلاع كل واحد من عظمي اليافوخ غير متساوية، وذلك لأن السطح الذي توهمناه قاطعاً للجدار الرابع حين شبهناه في اليافوخ مضر بالرأس لأجل ما يلزمه من احتباس الأبخرة كما قلناه. فلا يمكن أن يكون استواؤهما بعدم الدروز. ولا يمكن أيضاً أن يكون في كل واحد من الطول والعرض أكثر من درز واحد وإلا كان ذلك سبباً لضعف التركيب فينبغي أن يكون في كل جههة درز واحد هذا إذا كان الرأس كرة حقيقية. وأما إذا كان طوله أزيد من عرضه فلا شك أن القطر الزائد يستحق زيادة في الدروز فخلق لذلك للطول درزان وللعرض درز واحد كما لو لم يزد الطول لأن العرض لم يحصل فيه ما يغير ما يستحقه من الدروز فلم يمكن أن يخلق الدرزان اللذان للطول في موضع واحد فلا بد وأن يتباعدا تباعداً لا يلزمه ضعف التركيب، وذلك بأن كون أحدهما في المقدم، والآخر في المؤخر، فإن هذين الدرزين وهما الإكليلي واللامي إنما خلقا لأجل زيادة الطول فإذا انتفت هذه الزيادة، وجب أن يفقدا أو أحدهما، ولا كذلك الدروز الأخر. أما المستقيم فلأنه ضروري في تحلل الأبخرة والرياح المتصعدة. وأما القشريان فليمكن انتفاخهما عند الإفراط في كثرة الرياح والأبخرة فكأن الحاجة إلى هذه الدروز ليست لزيادة بطن أو نقصانه بخلاف الإكليلي واللامي. وإذا فقد الدرز الإكليلي كان اليافوخ منتهياً إلى عظم الفك الأعلى وإذا فقد الدرز اللامي، كان اليافوخ منتهياً إلى حيث ينتهي الآن بالجدار الرابع. وإذا فقدا معاً كان كل واحد من العظمين اللذين يكون أحدهما حينئذٍ إلى قدام، والآخر إلى خلف كل واحد منهما منتهياً إلى حيث ينتهي الآن الجدار الذي هو في تلك الجهة، وتكون عظام اليافوخ عندئذٍ أربعة:
واعلم أن المداخلات التي في الشؤون تختلف في الناس، فمن الناس من تكون فيه قليلة جداً حتى تكون شؤونه شبيهة باللزاق. ومن الناس من تكون فيه كثيرة جداً حتى يكون الانفصال ماراً على مواضع كثيرة. وينبغي أن تكون كثرتها سبباً لصفاء الذهن والحواس، ونقاء الأرواح التي في الدماغ لأجل كثرة احلال أبخرته وأدخنته لكثرة سيل ذلك. وكيف كانت هذه المداخلات. فإنها تكون في باطن العظم أكثر منها في ظاهره، وسبب ذلك أن الأبخرة إذا تمكنت أو لاً من النفوذ في العظام أمكنها بعد ذلك الانحلال من مسامها ولا كذلك إذا احتبست أو لاً لقلة الخلل. ولو كانت المداخلات من خارج أكثر لكانت الزيادة تكون معطلة. لأن القدر الذي ينفذ من الأبخرة في المداخلات الداخلة يتمكن من النفوذ في مثلها بل في أقل منها من الخارجة وكان يكون مع ذلك التركيب واهياً. وشؤون مفاصل النساء أميل إلى الاستدارة مما للرجال. وذلك ليكون تحلل أبخرة رؤوسهن أكثر لأن هذه الأبخرة والأدخنة في رؤوسهن أزيد. ولذلك شعور رؤوسهن أطول. والله أعلم.
=====
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الثالث
الفصل الثالث
تشريح ما دون القحف
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وللرأس بعد هذا خمسة عظام... إلى آخر الفصل.
الشرح إن الأطباء مختلفون في عدد هذه العظام، وذلك أن منهم من يعد العظم الوتدي من عظام الفك الأعلى لا من عظام الرأس. وهم الأكثر ون وبعضهم يجعله عظماً واحداً وهو المشهور. وبعضهم يجعله عظمين لأنه أيضاً عند هؤلاء مقسوم بنصفين بدرز يقطعه في الطول على موازاة الدرز السهمي وهؤلاء يجعلون عظم الجبهة، والجدار الرابع مقسومين أيضاً بنصفين نصفين إذ يجعلون بدن الإنسان كله مقسوماً بنصفين على محاذاة الدرز السهمي وبإزاء هؤلاء من منع ذلك، وجعل عظم الفك الأسفل غير مقسوم إلى عظمين بل جعلهما عظماً واحداً، ومنع اللحام الذي بين جانبيه البتة وأيضاً من الأطباء من يعد عظام الزوج من جملة عظام الرأس، ثم اختلفوا في أنها أربعة عظام أو عظمان فقط من كل جانب عظم، فلذلك أكثر ما قيل في هذه العظام أنها اثنا عشر عظماً، أعني بذلك ما سوى عظمي اليافوخ من عظام الرأس اثنان، وهما العظمان الحجريان واثنان هما عظما الجبهة واثنان هما الجدار الرابع واثنان هما العظم الوتدي وأربعة هن عظام الصدغين وتسمى عظام الزوج. وأقل ما قيل فيها إنها أربعة هي: الجدران وقيل إنها خمسة: هي الجداران والوتدي.
وقيل إنها ستة: هي الجداران وعظام الزوج، وهن اثنان.
وقيل إنها سبعة: الجدران والوتدي، وعظما الزوج.
وقيل إنها ثمانية: الجداران الأربعة، وعظام الزوج وهن أربعة.
وقيل إنها تسعة: الجدران الأربعة، والوتدي، وعظام الزوج وهي أربعة.
وقيل إنها عشرة: الحجريان، وعظما الجبهة، وعظما الجدار الرابع، وعظما العظم الوتدي، وعظما الزوج.
ولم يقل أحد إنها أحد عشر.
فلنشرع الآن في تحديد هذه العظام.
ولنحدد أو لاً عظمي اليافوخ فنقول: إن كل واحد من عظما اليافوخ يحده من فوق الدرز السهمي، ومن تحت الدرز القشري الذي من جهته، ومن قدام القوس من الإكليلي الذي هو يفصله ذلك الدرز القشري من تحت، والسهمي من فوق. ويحده من خلف خط مستقيم هو قطعة من الضلع الذي في تلك الجهة من ضلعي الدرز اللامي، يفصله من تحت الدرز القشري، ومن فوق الدرز السهمي. وأما الجدار المقدم، وهو عظم الجبهة وقد ذكرنا ما فيه من الخلاف في أنه عظم واحد أو عظمان يفصل بينهما مفصل درز آخذ من طرفي السهمي إلى ما بين الحاجبين. وكيف كان، فإن حد هذا العظم من فوق الدرز الإكليلي، ومن تحت درز يمر تحت الحاجبين، وينتهي طرفاه عند الدرز الإكليلي من الجانبين، وذلك عند حفرتي الصدغين، وهذا هو الدرز المشترك بين الرأس والفك الأعلى ومداخلاته قليلة، فلذلك يشبه اللزاق.
وأما الجدار الرابع وهو عظم مؤخر الرأسين. وقد ذكرنا أيضاً ما فيه من الخلاف بأنه عظم واحد أو عظمان يفصل بينهما درز آخذ من طرف السهمي إلى منتصف وتر الزاوية التي يحيط بها ضلعا اللامي. وكيف كان فيحده من فوق الدرز اللامي، ومن تحت مفصل الرأس مع الفقرة الأولى، وأسفله مثقب وفيه الثقب الذي هو أعظم ثقب في عظام الرأس، وهو الذي يخرج منه النخاع.
وقدام هذا الجدار مؤخر العظم الوتدي، وهو عظم اسطوا ني الشكل، وطرفاه مؤخرهما يتصل بهذا الجدار الرابع بدرز ينتهي من الجانبين إلى الدرز اللامي، ومقدمهما يتصل بالفك الأعلى بدرز وسنذكره. وفائدة هذا العظم أمور: أحدها: أن يكون حاملاً لعظام الرأس كلها لأنها كلها تتصل به كالمبنية عليه.
وثانيها: أن تسد الخلل الواقع بين أطراف العظام، فلا يعرض لشيء منها تقلقل.
وثالثها: أن تكون كالخشبة التي يدعم بها الجدران التي خيف عليها السقوط إلى جانب فتعمل مستندة إلى الجدار من ذلك الجانب ليمنع سقوطه إليه. وكذلك يفعل بالأشجار ونحوها، وتسمى هذه الخشبة في العرف العامي: بالداقور.
وهذا العظم هو كذلك للفك الأعلى لأنه يحفظه عن الميل إلى خلف وخصوصاً عند ضربة تتفق عليه، أو سقطة، ونحوهما.
ورابعها: أن يتصل به الفك الأعلى، وعظام القحف بمفاصل موثقة، فيكون بذلك اتصال الفك بتلك العظام اتصالاً محكماً. ولهذه المنافع، ولأجل أن هذا العظم موضوع حيث تكثر الفضول الرطبة نازلة من الرأس، وصاعدة من البدن بخاراً جعل هذا العظم شديد الصلابة.
قال جالينوس: وفي هذا العظم زائدتان شبيهتان بالحاجبين وعن جنبيهما حفرتان. وأما الجداران اللذان يمنة ويسرة فيتخذ كل واحد منهما من فوق الدرز القشري الذي في ذلك الجانب، وأما من خلف فاعلم أن الدرز اللامي بعد اعتراض الدرز الذي بين الجدار الرابع، وبين مؤخر الوتدي، وهو الذي تقدم ذكره، يأخذ منحدراً من الجانبين ويمر بمفصل الرأس من الفقرة الأولى، فإذا انتهى إلى الزاوية التي يوترها الدرز القشري من العظم الحجري صعد مشتركاً بين مقدم العظم الحجري وبين العظم الوتدي. فإذا اتصل بطرف الإكليلي، وذلك عند الموضعين العميقين اللذين في الصدغين رجع منحدراً إلى أسفل وسنذكر بعد هذا إلى ماذا ينتهي، والقدر من هذا الدرز الذي بين هذين الموضعين، أعني من التقاطع الواقع بين الإكليلي، والدرز المشترك بين الرأس وعظم الجبهة إلى التقاطع الواقع بين اللامي والدرز المعترض. وهو المشترك بين الجدار الرابع والوتدي لك أن تجعله جزءاً من الدرز اللامي كما قال جالينوس حين عرف هيئة الدرز اللامي. ولك أن تجعله درزاً آخر متصلاً بطرفي اللامي من خلف وبطرفي الإكليلي من قدام كما هو ظاهر كلام الشيخ ها هنا. ولك أن تجعله جزءاً من الإكليلي بأن يكون الإكليلي يمتد إلى طرفي اللامي من خلف، ولا تختلف في ذلك إلا الأسماء فقط. وكل واحد من العظمين الحجريين فإنه يحده من خلف الجزء الخلفي من هذا الدرز ويكون مشتركاً بينه وبين العظم الوتدي آخذاً في طول الوتدي.
ويحده من قدام تمام هذا الدرز، وهو القدر الذي يصعد منه إلى طرف الإكليلي مشتركاً بين هذا الجدار وبين هذا العظم الوتدي في طول ذلك العظم الحجري، وهيئة العظم الحجري هيئة مثلث قاعدته الدرز القشري. وزاويته عند العظم الوتدي، والضلعان المحيطان بهذه الزاوية هما قسما ذلك الدرز الذي تقدم ذكره، وكل واحد من هذين العظمين أعني الحجريين قد قسمه المشرحون إلى ثلاثة أجزاء: أحدها: الجزء الذي فيه ثقب الأذن وهو شديد الصلابة يشبه الحجر ولذلك يسمى العظم الحجري وتسمى جملة هذا الجدار بذلك لأن فيه هذا الجزء وإنما زيد في صلابة هذا الجزء ليتدارك بها ما يوجبه ثقب السمع من ضعف الجرم.
فإن قيل: كان ينبغي أن يسمى الجدار الرابع بالحجري أيضاً بل هو أولى بهذا الاسم لأنه أشد صلابة من هذا الجدار، قلنا: ليس كذلك لأنه أكثر صلابة من جملة هذا الجدار أعني: الأيمن والأيسر. وليس أزيد صلابة من هذا الجزء منه فيما أظن. وفي هذا الجزء الزائد الذي يسمى بالميل ويسميها جالينوس بالإبرة.
وقال جالينوس: إن هذا الجزء تحده زائدة الدرز اللامي، ويريد بذلك أن هذه الزائدة تحده من قدام وخلف.
وثانيها: الجزء الذي يلي هذا الجزء، وهو عند الزائدتين الشبيهة إحداهما بحلمة الثدي، والأخرى زائدة العظم الذي يسمى الزوج. وفائدة الزائدة الحلمية أن تمنع مفصل الفك الأسفل من الانخلاع وهي غير موضوعة خلف ذلك المفصل.
وثالثها: الجزء الذي يتلو هذا وهو في موضع الصدغ. وهو ألين هذا الجدار والجزء الأوسط بين هذا وبين الجزء الحجري في الصلابة هذا، وأما عظام الزوج فهي موضوعة فوق عضل الصدغين وهي من كل جانب عظمان، ويفصل بينهما دروز ومنه وقعت التسمية بالزوج وقد خفى هذا الدرز على بعضهم حتى ظن أن في كل جانب عظماً واحداً. وهذا الدرز في وسط الصدغ. وأحد عظميه يلي مؤخر الرأس ويلتحم طرفه بالعظم الحجري، والآخر يلي مقدم الرأس ويتصل طرفه بطرف الحاجب عند اللحاظ. وهذه العظام دقيقة سهلة التجزؤ مما هي ملتصقة به بحيث تنثني بأدنى ضغط يضغطها من أسفل بمثل طرف السكين ونحو ذلك، ولها فائدتان: إحداهما: ستر عضل الصدغين. وإنما اختصت هذه العضل بذلك لأنها قريبة جداً من الدماغ. ويلزم ذلك شدة استعدادها للتضرر بما يلاقيها بعنف.
والأمر الثاني: أن تضررها كثيراً يتأدى إلى ضرر الدماغ.
والمنفعة الثانية: أنها تستر الحفرتين اللتين عند الصدغين فلا يعرض في سطح موضعها ثلمة يكون شكل الوجه منها قبيحاً.
قوله: ويحد كل واحد منهما من فوق الدرز القشري، ومن أسفل درز يأتي من طرف الدرز اللامي، ويمر به منتهياً إلى الدرز الإكليلي.
هذا الدرز هوا لذي ذكرناه أو لاً، وقد جعله مغايراً لكل واحد من الإكليلي واللامي.
وأما جالينوس فقد عرفت قوله فيه. وليس يريد بكونه يحد هذا الجدار من أسفل أن يكون موازياً للدرز القشري كما رأينا جماعة يتوهمون ذلك، بل إنه يكون كضلعي مثلث يحيطان بزاوية وترها الدرز القشري، لأن هذا الجدار شكله كما علمت شكل مثلث.
قوله: ومن قدام جزء من الإكليلي، ومن خلف جزء من اللامي. هذا إنما يصح إذا لم يكن الدرز القشري والدرز المشترك بين عظم الجبهة والفك الأعلى كلاهما في سطح واحد. بل كان أعلى منه حتى يبقى من الدرز الإكليلي جزء تحت موضع ابتداء الدرز القشري، فيكون ذلك الجزء محدداً للعظم الحجري من قدام. أعني بذلك أن يكون تمام حده القدامي إذ قد بينا أن حده القدامي هو الدرز المشترك بين ضلعه المقدم وبين العظم الوتدي. وأما عدد الثقوب التي في عظم الرأس فستعرفه في كلامنا في مخارج العصب الدماغي، ومداخل الأوردة والشرايين إليه لأن تلك الثقوب هي هذه المداخل والمخارج. والله ولي التوفيق. ========
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الرابع
الفصل الرابع
تشريح عظام الفكين والأنف
والكلام في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث: البحث الأول تشريح عظام الفك الأعلى قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما عظام الفك الأعلى.... إلى قوله: وأما الأنف فمنافعه ظاهرة.
الشرح السبب في تكثير عظام الفك الأعلى أمور: أحدها ليكون آمناً من سريان ما يعرض من الآفات بجزء منه كما قلنا في عظام القحف.
وثانيها: أن بعض أجزائه يجب أن يكون رقيقاً جداً متخلخلاً كالعظام التي تحت الأنف. وسبب ذلك أن فضول الدماغ كثيرة الانحدار إلى هناك فيجب أن يكون ذلك الجزء دقيقاً متخلخلاً ليسهل تحللها منه، وبعض أجزائه يجب أن يكون غليظاً جداً صلباً كعظم الوجنة، وسبب ذلك أن هذا العظم ترتكز فيه الأضراس فيحتاج أن يكون شديد القوة لئلا تعرض له آفة بسبب كثرة عملها وقوته. ولأن كبر أصولها يحوج إلى حفرة عظيمة لا يليق بمثلها عظم رقيق خاصة واندفاع فضول الدماغ إلى جهتها قليل جداً، فلا تضر بها زيادة الغلظ والصلابة. وإذا كان كذلك وجب أن تكون عظام هذا الفك كثيرة كما قلنا في عظم الرأس.
وثالثها: أن هذا العضو بحذاء الدماغ، وهو بارد رطب، فتكون الفضول عنده كثيرة، وخصوصاً الفضول البخارية مما يتصعد إلى الرأس، وما يتولد فيه وذلك يحوج إلى خلل يسهل تحللها منه، فيجب أن تكون فيه المفاصل كثيرة لذلك ويلزم ذلك تكثير العظام. والسبب في أن عظام هذا الفك أكبر عدداً من عظام الفك الأسفل أمور: أحدها: أن تعرض الفك الأعلى بحصول الآفات عن العفونة ونحوها أكثر، وذلك لأجل اتصاله بالدماغ الكثير الرطوبة. وإذا كان كذلك كانت حاجته إلى منع سريان الآفات أكثر. وإنما يكون ذلك بتكثير المفاصل الذي يلزمه تكثير العظام.
وثانيها: أن حاجة الفك الأسفل إلى اختلاف الأجزاء في الصلابة واللين أقل لانتفاء السبب الذي ذكرناه عنه.
وثالثها: أن الفك الأسفل ليس وراءه من الفضول المحوجة إلى خلل ما يتحلل منه كما في الفك الأعلى فتكون حاجته إلى المفاصل أقل.
ورابعها: أن الفك الأسفل احتيج فيه إلى زيادة الخفة لأجل دوام حركته، وإنما يكون كذلك إذا كان جرمه رقيقاً جداً متخلخلاً فلو كثرت مفاصله لتهيأ للانكسار بسهولة.
قوله: ماراً تحت الحاجب. يريد أن هذا الدرز يكون تحته إذا كان الإنسان مضطجعاً ومنفعة هذا الدرز وصل عظام الفك الأعلى بعظم الجبهة وإنما لم يجعلا عظماً واحداً للمنافع المذكورة، وجعل مستقيماً ليكون أقصر فيكون ما يوهنه من التركيب أقل، والأبخرة الدخانية تنحل من هذا الدرز كثيراً لأنه في مقدم الدماغ حيث تكثر الفضول وأبخرتها. ولذلك يتكون عليه شعر الحاجب. وكلما كان خلله أو سع كان هذا الشعر أكثر. ولذلك إذا يبست العظام في سن الشيخوخة اتسع هذا الدرز فطال هذا الشعر.
قوله: ومن الجانبين درز يأتي من ناحية الأذن مشتركاً بينه وبين العظم الوتدي الذي هو وراء الأضراس.
قد ذكرنا أو لاً أن الدرز الآتي من الدرز اللامي إذا انتهى إلى طرف الإكليلي وذلك عند الموضعين العميقين اللذين في الصدغين رجع منحدراً، وإذا انحدر ذلك كان من ذلك درز مشترك بين العظم الوتدي وبين الفك الأعلى.
وهو هذا الدرز الذي ذكره الآن، وجعله محدداً للفك الأعلى من الجانبين.
قال جالينوس: ويبلغ هذا الدرز في انحداره إلى قاصي الأسنان وينتهي إلى باطن الحنك، ويلتقي طرفاه هناك.
قوله: ثم الطرف الأخير وهو منتهاه، يريد ثم الطرف الآخر، من الفك الأعلى، وهو الطرف الذي من داخل، وهو منتهى هذا الفك الداخل من جانب الداخل.
قوله: أعني أنه يميل ثانياً إلى الأنسي معناه أن هذا الطرف الباطن يميل إلى الأنسي فيكون الدرز المشترك بين ذلك المنتهى وبين العظم الوتدي مائلاً أيضاً إلى الأنسي.
قوله: فيكون درز يفرق بين هذا وبين الدرز الذي نذكره، وهو الذي يقطع أعلى الحنك طولاً معناه أنه يتحقق حينئذٍ درز يفرق بين الدرز الذي تقدم ذكره، وهو المنحدر إلى وراء الأضراس، وبين الدرز الذي يقطع أعلى الحنك طولاً.
ومعنى كونه يفرق بين هذين الدرزين أنه يقع بينهما فيكون كالفرق بينهما. ويريد أن ابتداءه كذلك، وأما آخره فينتهي عند ذلك الدرز أعني الذي يقطع أعلى الحنك طولاً لأنه يلاقي الطرف الآخر هناك. والفائدة في هذين الدرزين شدة اتصال عظام الفك الأعلى بالعظم الوتدي ز هو شديد الاتصال بالجدران بسبب الدروز التي تقدم ذكرها ويلزم ذلك أن يكون هذا التركيب محكماً ولأجل ذلك لم يقتصر على أحد هذين الدرزين وذلك ليكون ارتباط عظم الفك الأعلى بالعظم الوتدي بسطحه الظاهر والباطن معاً، فلو فسد أحدهما قام الآخر مقامه.
قوله: فمن ذلك درز يقطع أعلى الحنك طولاً، ودرز يبتدئ ما بين الحاجبين إلى محاذاة ما بين الثنيتين وربما قيل: إن هذين درز واحد. لأن الذي يقطع أعلى الحنك طولاً هوا لذي في وسط عرض أعلى الحنك ويلزم ذلك أن يكون هو الدرز الآخر.
وجوابه: أنه ليس كذلك لأن القاطع لأعلى الحنك هو في السطح الباطن والآخر في السطح الظاهر. وفائدة هذين الدرزين وباقي الدروز التي تحت الأنف هو تكثير طرق تحلل الفضول لأن تكثر في هذا الموضع إذ هو مصب فضول الدماغ من الأنف والحنك. وإنما كانت بهذه الصفة لأنها يجب أن تكون عند أعلى الأنف مجتمعة، إذ هناك يكثر اندفاع الفضول. ويجب أن تكون فيما هو أسفل من ذلك متفرقة لتعم المواضع التي يمكن وصول ما سال من فوق إليها. ويجب أن تزداد تفرقاً كلما ازدادت بعداً. وإنما يكون كذلك إذا كانت بالصفة المذكورة في الكتاب.
وفائدة الدرز المعترض عند قاعدة المنخرين أن تخل منه ما سال من تلك الفضول إلى ما بين ضلعي المنكبين أعني الضلعين الجنبيين ولنقل الآن على وجوب أن تكون الزوايا التي في المثلثين والتي في العظم الوتدي الذي تحتهما على ما في الكتاب.
أما المثلثان فكل واحد منهما فيه زاوية قائمة وهي التي يوترها الضلع الجنبي منه. وذلك لأن قاعدتي المثلثين متساويان فكل واحد منهما مع الضلع الوسطى كنظيرتها مع ذلك الضلع.
والضلعان الجنبيان متساويان. فالزاويتان متساويتان وهما على خط مستقيم فيكونان قائمتين، والخط عمود على القاعدتين. ويلزم ذلك أن تكون الزاويتان الباقيتان من كل مثلث. كل واحدة منهما حادة. ومجموعهما مساوية للزاوية القائمة. ويلزمه أيضاً أن تكون الزاويتان اللتان تحت القائمتين متساويتين أيضاً وقائمتين.
وأما الزاويتان اللتان عند الثنيتين فيجب أيضاً أن تكونا قائمتين بغير ما قلناه في زاويتي المثلثين. ويلزم ذلك أن تكون قاعدتا المثلثين موازيتين لمنابت الأسنان فتكون الزاوية التي عند الناب من كل عظم مساوية للتي للمثلث عند طرف المنخر في تلك الجهة وتلك حادة، وكذلك هذه . فتكون التي في ذلك العظم عند طرف المنخر منفرجة لأنها مع السفلية مثل قائمتين. والله ولي التوفيق. وهذه صورة الدروز والزوايا هكذا: قوله: ومن دروز الفك الأعلى درز ينزل من الدرز المشترك الأعلى آخذاً إلى ناحية العين هذا الدرز ينزل من دون منشأ عظم الزوج. وكما ينزل ينقسم إلى قسمين؛ أحدهما: وهو الصغير يمر إلى خلف وينتهي إلى الحفرة التي تحت عظم الزوج. وذلك هو طرف هذا الفك من الجانب فيلتقي مع الدرز المحدد له من ذلك الجانب وهو الدرز المشترك بين الفك والعظم الوتدي.
وثانيهما: وهو العظم الذي يأخذ إلى جهة العين ماراً بين القائم والمنحرف فإذا وصل وسط شفير موضع العين الأسفل، وهو تحت الموق الوحشي انقسم هناك ثلاثة أقسام وارتقى أعلاه إلى المآق الوحشي من خارج المآق. وهو فيما بين الدرز المشترك بين اللحي والجبهة وبين نقرة العين حتى يبلغ إلى وسط ما بين الحاجبين.
فأما القسم الثاني: فيمر في نقرة العين من دون المآق الوحشي أو من أسفل منه قليلاً. وينفذ في النقرة أسفل من الثقب العظيم الذي هو في هذا الموضع. وهو الثقب الذي يخرج منه العصب الذي يتكون منه وبما يحيط به من طبقات العين، ثم يصعد حتى ينتهي إلى الدرز المشترك مع الجبهة وذلك بين الحاجبين فيتحدر بين هذا القسم، وبين القسم الأول عظم يحوي بعضٍ نقرة العين، وفي هذا العظم الثقب العظيم، وموضع المآق الوحشي، وهذا العظم صغير جداً بالنسبة إلى العظم الذي يحيط به الدرز المشترك مع الجبهة من فوق، ويحيط به من أسفل الدرز الآتي من دون منشأ الزوج وهو الذي ذكرناه قبل من شعبته الأولى.
وأما القسم الثالث: وهو الشعبة الثالثة. فإنما يجاوز شفره موضع نقر العين الأسفل، ثم يغيب في العمق على الاستقامة إلى داخل ويرتفع حتى يبلغ الدرز المشترك مع الجبهة بين الحاجبين فيتحدد بين هذين القسمين عظم هو أصغر من الذي فوقه بقليل. فهذه عظام ثلاثة. أعظمها الأول. وهو يأخذ بعض الصدغ وبعض الحاجب، وبعض موضع العين، وبعده في العظم الثاني، وهو يحوي الأعصاب التي تأتي اللحى الأعلى، والعظم الأول طويل يكاد يكون في طول العظمين الآخرين. وطرفه الأول، وهو الذي عند الصدغ يتصل من أسفل بعظم الوجنة ومثل هذه الدروز في الجانب الآخر من اللحى، فيكون من كل جانب ثلاثة عظام متشابهة في القد والهيئة إذا عرفت هذا، فقول الشيخ: في الشعبة الثانية إنها تتصل كاتصال الأولى من غير أن تدخل النقرة مشكل. ولو كان قال: لكان العظم الذي تحيط به الشعبة الأولى والثانية صغيراً جداً دقيقاً في الغاية فكان يكون أصغر من العظم الثالث، وهو الذي تحيط به الشعبة الثانية والثالثة.
ومن المشرحين من جعل هذه العظام التي هي ثلاثة من كل جانب عظماً واحداً من كل جانب فلعله لم يدرك هذه الدروز أو أدركها ولكن لأجل صغرها جعلها كعظم واحد. وفائدة تكثير هذه العظام أمران: أحدهما : المنفعة العامة. وهو أن لا تعم آفة إن عرضت.
وثانيهما: أن تتحلل الفضول من الخلل الواقع بينهما بالدروز، وهاتان المنفعتان هما أيضاً منفعتا الدروز، وإنما خلقت كذلك لأن هذه الفضول تكثر جداً عند موضع العين لأجل رطوبتها. وإنما جعل بعضها إلى أسفل من العين ليتحلل منه ما ينزل من تلك الفضول حتى ما يأتي من ناحية الصدغين، ولأجل كثرة ما يحصل هناك من الفضول الرطبة تحدث الدموع، وسبب حدوثها عند البكاء أن الألم الموجب للبكاء لتسخينه القلب يرتفع منه، ومن نواحيه الأبخرة فإذا صعدت تلك الأبخرة إلى الرأس غلظت ولم تنفذ في الأمين لغلظها ولكونها كثيرة متصعدة دفعةً. فإن الأميّن بصفاقها إنما يتحلل منهما ما يتحلل في زمان طويل. وإذا لم ينفذ في الأمين دفعها إلى الدماغ إلى جهة العينين لاتصال الأمين بهما فيخرج من تلك الشؤون مائية وتكون حارة لبقية الحرارة الحادثة لها بالغليان الذي حصل في القلب. وكلما كان الموجب للبكاء أقوى كانت الدموع أكثر.
وأما الدموع التي قد تخرج في حال الضحك فلا تكون حرارتها قوية وذلك لأن محدثها هو تسخين القلب بالفرح وهو لا يحدث في القلب سخونة يعتد بها.
قوله: وكل ما هو منها أسفل بالقياس إلى الدرز الذي تحت الحاجب فهو أبعد من الموضع الذي يماسه الأعلى. إن هذا الكلام لم يظهر لي الآن له فائدة. ولعل غيري يفهم منه معنىً مفيداً. وتحت هذه الدروز والعظام التي ذكرناها، وهي الثلاثة من كل جانب عظم في كل جانب يقال له عظم الوجنة. وهو عظم ثخين له قدر صالح وجرمه صلب. وقد ذكرنا فائدة ذلك كله. وهذا العظم يحده من فوق الدرز الآتي من دون منشأ عظم الزوج مع شعبته الثالثة. وتحده من تحت منابت الأضراس ويحده من جهة الأذن القدر المشترك بين اللحي الأعلى والعظم الوتدي وهو المنحدر إلى ما وراء الأضراس. وهو الذي ذكرنا في تحديد هذا اللحى ويحده من جهة الأنف الدرز الطرفي الذي من تلك الجهة. وهو الذي يوتر الزاوية القائمة من المثلث الذي في تلك الجهة.
وأما جالينوس فقد قال في تحديد هذا العظم: أنه يحده من أسفل الدرز المستقيم الذي يقطع أعلى الفم ويريد بذلك الدرز الذي يقطع أعلى الحنك طولاً. ويريد بكون هذا الدرز يحده من أسفل أنه يكون كذلك، إذا كان الإنسان مضطجعاً وأما إذا كان قاعداً أو منتصباً فإنما يحد هذا العظم من تحت منابت الأضراس فقط لأن ذلك هوا لذي يكون حينئذٍ تحت هذا العظم والشيخ لم يتعرض لتعريف هذا العظم، ولا لعدد عظام هذا الفك وقد اختلف المشرحون في عددها. وذلك لأن منهم من يعد العظام الستة التي عند العينين التي ذكرناها عظمين فقط، كما قلناه أو لاً، وبعضهم يجعل العظمين المنحرفين اللذين ينبت فيهما الثنايا والرباعيات عظماً واحداً وكذلك العظمين المثلثين اللذين فوق هذين العظمين. وفيهما ثقبتا الأنف اللذان يفضيان إلى الحنك يجعلونهما عظماً واحداً. وبإزاء هؤلاء قوم يجعلون العظم الوتدي من عظام هذا الفك فلذلك أكثر ما قيل في هذه العظام أنها ثلاثة عشرة عظماً وأقل ما قيل فيها أنها ستة عظام.
أما من جعلها ثلاثة عشر فيقول: أنها ستة عند العينين وعظما الوجنتين وعظمان مثلثان، وعظمان منحرفان، والعظم الوتدي ومن يقول إنها ستة يقول: إنها عظمان عند العينين وعظما الوجنتين، وعظم مثلث وآخر منحرف ومن يقول إنها سبعة يعد مع هذه العظم الوتدي.
ومن يقول إنها اثنا عشر يخرج العظم الوتدي من العدد الأولى وهذا هو الأجود والمشهور.
بقي لقائل أن يقول: إن الدرز الذي ذكره جالينوس وهو القسم الصغير من قسمي الدرز الذي ينزل من درز منشأ الصدغ الذي يمر من هناك إلى خلف حتى ينتهي إلى طرف الأسفل أنه يفصل هناك عظماً صغيراً من الجانب الأيمن، والآخر مثله من الجانب الأيسر فيزداد في عدد عظام هذا الفك اثنان.
وها هنا مسألة: وإن لم تكن من التشريح فإنها متفرعة عليه وهي أنه ما السبب في أن الآلام العارضة للأسنان أو لأصولها أكثرها إنما يعرض للأضراس مع أنها صلبة، قوية، بعيدة عن قبول المؤلمات.
وأما الآفات العارضة للحم الذي في موضع الثنايا والرباعيات مع أن هذا اللحم مكشوف للهواء في أكثر الأحوال بخلاف لحم الأضراس فإنه محجوب عن الهواء موضوع حيث الرطوبات تلاقيه دوماً فكان الأولى أن يكون عروض الآفات له أكثر? الجواب: أن السبب في هذا من جهة الأسنان ومن جهة الدروز معاً.
أما الذي من جهة الأسنان فإنه الأضراس عراضن، ذوات أصول. فإذا تحركت إليها مادة احتبست بين أصولها، ولم تتمكن لأجل ذلك ولأجل زيادة جرمها من الانزلاق عنها. فإما أن ينفذ في جرمها فيكون ألمها في السن نفسه أو لا ينفذ فيه فيكون ألمها عند أصول الأضراس وأما بقية الأسنان فقليلة الثخن، ولكل واحد منها أصل واحد، فيكون رأسه دقيقاً. فإذا تحركت المادة إليها لم يكن وقوعها عند أصول رؤوس أصولها بل ينحدر عنها، فإذا انتهت إلى قاعدة الأصل لم يكن هناك مانع من نفوذها بين السن، وجدار مغرسه فيخرج ويحصل في اللحم فيفسده من غير أن يؤلم السن ألماً يعتد به، اللهم إلا أن تكون غليظة جداً حتى لا يتمكن من النفوذ في الخلل الواقع بين السن ومغرسها فتحدث الآلام في موضع السن وأصله لا في جرمه.
وأما الذي من جهة الدروز فإن الأضراس مركوزة في عظمي الوجنة وهما غليظان جداً كبيران، عديما الدروز فإذا حصل في هذين العظمين مادة لم يسهل تحللها وخروجها إلى الظاهر فلا تزال تنفذ إلى أن ينتهي إلى السن، فتحدث فيه الألم، ولا كذلك بقية الأسنان فإنها مركوزة في العظمين المنحرفين، والمادة إنما تتحرك إلى هناك نازلة من العظمين المثلثين فإذا وصلت إلى الدرز الذي بينهما وبين العظمين المنحرفين تحللت من ذلك الدروز وحصلت بين ذلك العظم وبين اللحم وسالت نازلة إلى اللحم الذي على الأسنان وإنما قلنا إن السبب في هذا هو الأمران معاً أعني حال الأسنان وحال الدروز لأنه لو كان السبب أحدهما. فإن كان هو حال الأسنان كان الحال في النواجذ كالحال في باقي الأضراس في كثرة عروض الآلام بل كان ينبغي أن تكون عروض الآلام لها أكثر لزيادة عظمها وإن كان هو حال الدروز كان الحال في الأضراس التي في الفك الأسفل كالحال في الأسنان الأخر التي فيه. وكان حال اللحم الذي على أسنان الفك الأسفل كالحال في لحم الأضراس التي في الفك الأعلى وليس الأمر كذلك. وذلك لأن السبب لما كان هو مجموع الأمرين والنواجذ في طرف العظم، وعندها درز فلا جرم يقل آلامها بالنسبة إلى بقية الأضراس ولكنها أكثر ما تعرض لبقية الأسنان وذلك لأجل كبرها والأسنان السفلية لأجل فقدان الدروز عندها يقل فساد لحمها بالنسبة إلى الأسنان العلوية ولأجل كبر الأضراس السفلية تخالف الأسنان الأجزاء السفلية في كثرة عروض الآلام.
ولكن هذا المخالفة أقل مما في العلوية لاجتماع الأمرين في العلوية: وهما الكبر في الأضراس، ووجود الدروز لبقية الأسنان. والله أعلم بغيبه.
البحث الثاني تشريح عظام الأنف ومنافعه قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الأنف فمنافعه ظاهرة... إلى قوله: وأما الفك الأسفل فصورة عظامه ومنفعته معلومة.
الشرح الأنف هو الآلة الأولى للاستنشاق ولدفع فضول الدماغ بالعطاس وغيره. والفم وإن أعان في الاستنشاق فهو كدخلة في العمل، وأكثر الحيوانات تتنفس مضمومة الأفواه. وقد فتح بيطار فم فرس بآلة سدت منخريه فمات في الوقت. وأنف الفيل له في تناول ما يتناوله أو يناوله سائسة، وبه ينقل الماء إلى فمه بأن يملأ منه منخريه ثم ينفخه في حلقه.
وقد ذكر الشيخ للأنف ها هنا ثلاث منافع: المنفعة الأولى: أن يعين في الاستنشاق بتجويفه وذلك بأن يأخذ الهواء من الجوانب ويجمعه إلى أمام الثقب النافذ إلى الحنك وإلى الدماغ فيكون فعله في ذلك فعل الباذهنج في جمع الرياح ولهذه المنفعة ثلاث منافع: إحداها: أن يكون الهواء الذي يجمعه كثيراً. وثانيتها: أن الهواء الذي يجتمع فيه يتعدل فيه بعض التعديل ويتنقى من الفضول كالغبار ونحوه بعض التنقية. ولو لم يكن أنف، لكان الهواء ينفذ أو لاً إلى الدماغ، وإلى آلات التنفس، بدون هذه التنقية. وثالثتها: أن الهواء إذا اجتمع فيه نفذ به إلى آلة الشم وهي الزائدتان الشبيهتان بحلمتي الثدي وهو كثير دفعة فكان إدراك ما يكون معه من الرائحة أسهل ولا كذلك لو كان ينفذ من الثقب قليلاً قليلاً، فإن الإدراك حينئذٍ لا يكون قوياً، فهذه ثلاث منافع في هذه المنفعة أي أن اجتماع الهواء في الأنف يلزمه هذه المنافع الثلاث.
المنفعة الثانية: أن يخرج منه بعض الهواء الفاعل للصوت، ويلزم ذلك أمران:
أحدهما: الإعانة على تقطيع الحروف، وذلك أن من الحروف ما إنما يتم على ما ينبغي بأن يخرج بعض الهواء الذي به الصوت من الأنف كالنون. وثانيهما: الإعانة على سهولة خروج الحروف مقطعة ويدل على ذلك ما يحصل من الخلل في الكلام عند انسداد الأنف في الزكام. وأما عبارة الكتاب فليست بجيدة فإنه لم يذكر المنفعة التي تلزمها المنفعتان بل ذكر المنفعتين فقط. قوله: عند الموضع الذي يحاول فيه تقطيع الحروف بمقدار ما يعني بمقدار من الهواء. قوله: المثقوب مطلقاً إلى خلف كالمزمار فلا يتعرض له بالسد، يريد بالمثقوب مطلقاً المثقوب في كل وقت أي الذي لا يسد وقتاً ويفتح وقتاً بل الذي هو مثقوب دائماً. وقوله: فلا يتعرض له بالسد . معناه، الذي يجب فيه أن لا يتعرض له بالسد، والمنفعة الثالثة: يمكن أن نفعل فيها كما فعلنا فيما قبلها، فيلزمها المنفعتان المذكورتان، وذلك بأن يجعل هذه المنفعة هي الاحتواء على موضع مخرج الفضول ويلزم ذلك أمران: أحدهما: أنها تكون مستورة فلا يصير الإنسان عند خروج المخاط بحال يتقزز منه، وذلك لأنه لو لا الأنف لكان المخاط عند خروجه سائلاً على الوجه.
وثانيهما: أن خروجهما يكون سهلاً بسبب الهواء الذي يدفعها بالمزاحمة عندما يخرج بقوة النفخ، واحتيج في تركيب الأنف إلى عظام لأنه لو كان من عضولين كاللحم لكان يعرض للانسداد لو قوع أعلاه على أسفله، ولو كان من عضو متوسط اللين كالغضروف وجعل جرمه رقيقاً تهيأ للارتضاض بسهولة وإن جعل جرمه غليظاً أثقل وأما العظام فلصلابتها يكون الرقيق منها في قوة الغليظ من الغضاريف مع الخفة. وخلق من عظمين لأنه لو كان عظماً واحداً كان متهيئاً لسريان الفساد العارض لجزء منه. ولو كان من عظام كثيرة لكان تركيبه ضعيفاً جداً لأجل رقة جرمه، وخلق من عظمين مثلثين لأن شكله يجب أن يكون بحيث يأخذ الهواء من سعة وينتهي إلى ضيق كما في الباذهنج وذلك ليكون نفوذ الهواء في الثقبين النافذين منه نفوذاً قوياً لأجل ضيق المكان عليه عندهما. وإنما يكون كذلك إذا كان العظمان مثلثين.
وخلق الجزء الرقيق منه في أعلاه. والواسع في أسفله إذ لو عكس ذلك لكان يؤذي في الأبصار. والعظمان يركب كل واحد منهما أحد الدرزين الطرفيين ليكون لجرمهما مداخلة لعظام الفك الأعلى في ذلك الدروز فيكون اتصالهما بهما أقوى. وعلى طرفي عظميه غضروفان.
وقد ذكر الشيخ لذلك منافع أحدها أن لا يكون الجلد ملاقياً أطراف العظام فيتضرر بصلابتها.
وثانيها: ليمكن أن تنفرجا وتتوسعا عند الحاجة إلى فضل استنشاق كما يعرض في الحميات المحرقة، خصوصاً عند ضعف القوة على استيفاء قدر الحاجة من الهواء بحركة الصدر.
وثالثها: ليعينا على سهولة نقص الفضول والبخار الرديئة الكريهة الرائحة بارتعادهما، وانتفاضهما. ولأجل هذه المنافع خلقاً لينين ليكونا أطوع في حركة الانقباض وأسرع وانسب إلى جرم الجلد. وألينها أطرافهما لأن أعلاهما يتصل بالعظام. وهي صلبة. وحركة الارتعاد هناك قليلة ولا كذلك أسفلهما. وقسم الأنف بقسمين. وقد جعل الشيخ ذلك ليبقى أحدهما مفتوحاً عند ميل ما ينزل من المخاط إلى الآخر وهذا لا يصح لأنه لو كان ثقباً واحداً متسعاً لكان انسداده أقل لا محالة إذ الذي يقسمه بنصفين يهيئه للانسداد إذ يصير كل قسم منهما ضيقاً فيكون مستعداً للانسداد بالمخاط لغلظه ولزوجته بل إنما خلق كذلك لأنه لو بقي واحداً لكان واسعاً فيكون متهيئاً لنفوذ ما ينفذ فيه من الذباب ونحوه فاحتيج إلى تضييقه وحينئذٍ لو جعل واحداً لم يف بما يحتاج إليه من الهواء فحينئذٍ جعل اثنين، وقسم بغضروف لأن هذا القاسم يحتاج أن يكون رقيقاً جداً لئلا يزاحم ويضيق فلو خلق من عظم واحد لتهيأ للانكسار لإفراط رقته، ولو خلق من غشاء ونحوه لم يفد في دعامة عظم الأنف حتى لا يزولان عن وضعيهما عند الضربة عليهما ونحو ذلك. وجعل هذا الغضروف أصلب من الغضروفين الطرفيين للحاجة في هذا إلى الدعامة مع قلة الحاجة إلى الحركة وجعل أعلاه أصلب، وأسفله ألين. لأن الحاجة إلى الدعامة أكثرها في أعلاه، والحاجة. إلى مطاوعته على حركة الغضروفين الطرفيين، إنما يكون في أسفله، فلأن أعلاه حيث تحتبس الفضول لضيق المكان فيحتاج أن تكون أبعد عن قبول التضرر بها، وإنما يكون كذلك إذا كان أصلب. وجعل هذا الغضروف على طول الدرز الوسطاني ليكون القسمان متساويين، فلا يكون أحدهما ضيقاً جداً متهيئاً للانسداد. وأيضاً ليكون لجرم هذا الغضروف مداخل لعظام الفك من خلل الدرز الوسط فيكون التحامه بها أو ثق وأما لم خلق الأنف في هذا الموضع المخصوص، فسنذكر ذلك حيث نتكلم في الأعضاء الآلية. والله أعلم.
البحث الثالث تشريح الفك الأسفل قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الفك الأسفل وصورة عظامه... إلى آخر الفصل.
الشرح أما منفعة هذا الفك فهو أن يتم به مضغ الطعام والكلام ونحو ذلك مما نذكر بعضه عند كلامنا في الفصل الآتي والباقي عند كلامنا في الأعضاء المركبة. وقد خلق له عظمان إذا لو كان من لحم فقط لم يكن المضغ ولو كان من غضاريف لم يكن قوياً، وعظامه لا بد وأن تكون خفيفة جداً لتكون حركته أسهل. وإنما يكون كذلك إذا كانت رقيقة متخلخلة فلو جعل من عظام كثيرة جداً لكان تركيبه واهياً، ولو جعل من عظم واحد لكان إذا عرض لبعضه آفة، لم يؤمن سريانها. وجعل المفصل بين عظميه عند الذقن، ليكون العظمان متساويين إذ ليس أحدهما بزيادة العظم أولى من الآخر، وجعل هذا المفصل موثقاً لعدم الحاجة إلى حركة أحد العظمين دون الآخر وليكون تركيبه قوياً، وجعل لزاقاً لئلا يزداد جرم العظمين ضعفاً بزيادة الخلل الذي يحدثه الدرز وإنما لم يراع هذا في عظام الرأس لأن تلك العظام قوية غليظة ويحتاج فيها إلى زيادة التخلخل ليمكن نفوذ الأبخرة في التخلخل ونحوها مما ذكرناه هناك ولا كذلك ها هنا. ومن الناس من ينكر هذا المفصل وذلك لزيادة خفائه وهذان العظمان كلما ارتفعا ازدادا قوة ورقة أما الرقة فلأن عظمهما في أسفل، إنما كان لأجل الأسنان وذلك منتف في أعلاها. وأما القوة فليتدارك ذلك ما توهنه الرقة فلذلك هما هناك أصلب. وأقل تخلخلاً وعلى طرف كل واحد منهما زائدتان إحداهما رقيقة معقفة ترتبط بزائدة من الفك الأعلى وثانيتهما: غليظة في طرفها كرة مستديرة تتهندم في حفرة من العظم الحجري تحت الزائدة الشبيهة بحلمة الثدي وإنما احتيج إلى هاتين الزائدتين ليكون تشبث هذا العظم بما يتصل به قوياً لأنه معلق وكثير الحركة وتحتاج حركة المضغ إلى قوة ولو كانت الزائدة واحدة لكان سريع الانخلاع جداً ولم يجعل هذا المفصل موثقاً، وإلا كانت تفوت منفعة هذا الفك وهي المضغ ونحوه. والله أعلم بغيبه. =======
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الخامس
الفصل الخامس
تشريح الأسنان
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الأسنان فهي... إلى آخر الفصل.
الشرح
أما أسنان الناس ففائدتها أمور أحدها تصغير أجزاء الغذاء ليسهل نفوذه وانهضامه في المعدة. وثانيها: حبس الريق حتى لا ينفصل منه شيء عند قعر الفم وعند الكلام.
وثالثها: الإعانة على جودة الكلام. ولذلك يعرض عند سقوطها خلل في الكلام.
ورابعها: أن تكون له كالسلاح في العض.
وخامسها: الاستعانة على كسر ما يعسر باليدين كالجوز واللوز، وحل ما يعسر حله بالأصابع من العقد الصغار لقوته.
وسادسها: الجمال وحسن الفم عند التبسم. وأما أسنان غير الإنسان فقد تكون لهذه المنافع كلها، إلا الإعانة على الكلام ثم قد يكون مع ذلك سلاحاً للصيد كما في السباع. وقد لا يكون كذلك كما في الحيوانات ما ليس له أسنان البتة كالطيور والسمك الذي لا يأكل اللحم ومنه ما له أسنان وهذا إما أن تكون أسنانه كلها نافعة. في تصغير الغذاء أو لا تكون كذلك. والثاني. كالفيل والخنزير فإن لكل واحد منهما أنياباً للسلاح فقط، أعني ليس لها معونة في تصغير الغذاء وإن كان قد يكون لها نفع آخر في غير السلاح كما في الفيل فإنه يستعين بأنيابه على السفاد بأن يضعها على ظهر الأنثى معتمداً عليها في ارتفاعه للسفاد. والذي جمع أسنانه نافعة للغذاء إما أن تكون في كلا الفكين بالسواء، وذلك كما في الإنسان، أو لا تكون كذلك فإما أن تكون في الأسفل فقط، أو تكون في الفكين جميعاً ولكنها في أحدهما أكثر، وأيضاً الأسنان إما أن تختلف في الذكر والأنثى أو لا يكون كذلك والثاني كما في الإنسان والأول إما أن يكون ذلك الاختلاف بأن يكون للأنثى أكثر وذلك كما في الأفاعي فإن للذكر نابين وللأنثى أربعة وذلك لأن الأنثى لضعفها افتقرت إلى تكثير السلاح، أو بأن يكون في الذكور أكثر وذلك كما في الخنازير، فإن للذكور منها نابان للقتال، دون الإناث أو لا تكون كذلك. وذلك كما في الجمال فإن أسنان الإناث منها أضعف من أسنان الذكور وأيضاً ما له أسنان فإما أن يكون مما لا يأكل اللحم البتة. وذلك كالغنم والبقر فهذا يجب أن تكون أسنانه المقدمة عراض مجتمعة مصطفة لتكون أجود في قطع العشب كالقدوم، ومثل هذا الحيوان لا تخلق له أنياب للقتال، أو يكون مما يأكل اللحم، فإما أن يكون ذلك كله على سبيل الصيد. أو لا يكون كذلك.
والثاني كما في الإنسان فهذا يجب أن تكون أسنانه متوسطة في العرض وفي التفرق.
والأول يجب أن تكون أسنانه متفرقة حادة ليكون تشبثها بالمصيد قوياً وهذا إما أن تكون أسنانه متراكبة. تنزل العالية في خلل السافلة أو لا تكون كذلك. والثاني كما في الكلاب وأكثر السباع والكلاب.
والأول: كبعض السمك الذي يأكل اللحم. فإن أسنانه متراكبة والعليا منها تنزل في خلل السفلي، وإنما كان كذلك لأنه يأكل في الماء فيحتاج إلى سرعة البلع لئلا يدخل إلى باطنه من الماء أكثر مما يحتاج إليه، فإذا كان كذلك افتقر إلى سرعة تقطيع المأكول، وحيوان بحري يقال له: كلب البحر لأسنانه ثلاثة صفوف وهي حادة جداً كالشوك. وقد قيل إن سبعاً بالهند لأسنانه أيضاً ثلاثة صفوف. فلنتكلم الآن فيما يليق بالطب وهو الكلام في أسنان الناس فنقول: للأسنان دون باقي الأعضاء خواص: إحداها: أن جميعها تخلق بعد الولادة. إلا في النادر فقد يولد بعض الأطفال وله سنان أو ثلاثة، وقد قيل إن صبياً طال به الحمل أربع سنين، وولد وله أسنان كاملة. وبهذه الخاصية يخالف جميع الأعضاء وما يشابهها وذلك لأن الأعضاء الباقية كلها تتخلق قبل الولادة والأشياء الشبيهة بالأعضاء أما الأظفار فكلها تخلق بعد الولادة إلا نادراً كما قالوا إن الحامل إذا أكثرت من أكل الملح خرج الولد بغير أظفار. قالوا: لأن الملح بحدته يمنع تكونها، وأما الشعر فبعضه يتخلق قبل الولادة مثل شعر الأهداب والحواجب وشعر الرأس، وبعضه يتأخر عن ذلك كشعر الساقين والزندين وبعضه يتأخر أزيد من ذلك كشعر العانة والإبطين وبعضه يتأخر جداً كشعر اللحية.
وثانيها: أنها تسقط بالطبع ثم تعود وسبب ذلك أن النابت منها أو لاً. يكون شبيهاً بباقي الأعضاء في ذلك الوقت وهي حينئذٍ شديدة اللين وخصوصاً والحاجة حينئذٍ إلى تصلبها يسيرة جداً لأن غذاء الصبي في ذلك الوقت إنما يكون من الأشياء اللينة جداً ليكون شبيهاً بمزاجه وبأعضائه في ذلك الوقت، ولذلك ما كان من الأسنان ينبت في أو ل بأنه صلباً كالنواجذ فإنه لا يسقط بالطبع البتة.
وثالثها: أنها تعود بعد الفقد في الأسنان دون بعض ولا كذلك غيرها فإنه إما أن لا تعود البتة كالعظام والشرايين أو أنه يعود في كل سن كاللحم والشحم.
ورابعها: أن المادة التي تتكون منها لا يتكون منها عضو آخر، وذلك لأنها تتكون من دم على مزاج المني لأنها لو تكونت من الدم كيف كان لو جب أن يعود بعد الفقد دائماً كما كان في اللحم والشحم، ولو تكونت من المني لما كانت تعود إليه البتة كما في العروق والعظام.
وخامسها: أنها مع شدة صلابتها تحس وتتخدر وتتألم ولا كذلك غيرها. وسنذكر سبب ذلك.
وسادسها: أنها مع كونها عظيمة فهي مكشوفة من كل جانب ولا كذلك غيرها من الأعضاء وأما الأظفار فليست مكشوفة من كل جانب ومع ذلك فهي في الحقيقة ليست من الأعضاء ولو كانت من الأعضاء لما كانت عظيمة أعني ليست في صلابة العظام.
وسابعها: أنها مع أنها أعضاء فهي تنمو دائماً ولذلك تطول السن المحاذية للسن المقلوعة. وسبب ذلك تعرضها للانسحاق الدائم. وأما الأظفار والشعر فإنهما وأن شاركاها في ذلك فليسا من الأعضاء.
وثامنها: أنها عند الكبر تقصر في الحقيقة وتطول في الحس أما سبب ذلك قصرها الحقيقي فلأجل دوام الانجراد بالمضغ مع ضعف النمو عند الكبر، وأما طولها الحسي، فلأن اللحم الذي عند أصولها يقل فترة طويلة.
وتاسعها: أنها مع أن مفاصلها بدخول زائدة منها في حفرة من عظم آخر هي أيضاً موثقة وهذا لا يوجد لغيرها.
وعاشرها: أنها يعرض لها التقلقل كثيراً مع أن مفاصلها موثقة. وذلك بخلاف غيرها، فهذه عشر خواص للأسنان.
قوله: ثنيتان ورباعيتان من فوق ومثلها من أسفل للقطع هذا ظاهر، فإن الإنسان بالطبع، إنما يقطع ما يقطعه من المأكول بمقدم أسنانه ولذلك خلقت هذه الأسنان مستعرضة حادة الأطراف لتكون كالقدوم ونحوه مما يقطع به.
قوله: ونابان من فوق، ونابان من أسفل للكسر ربما قيل إن عادة الإنسان إنما يحاول كسر ما يريد كسره بأضراسه لا بأنيابه. وجوابه: أن ما كان من الأشياء الصلبة مثل الجوز واللوز فلا شك أن الأسنان التي يحاول كسرها بها هي الأضراس وأما ما كان من الأطعمة له طول لا يتمكن من كسره بالأضراس، فإنما يحاول كسره بالأنياب فكأنها مخلوقة للكسر نيابة عن الأضراس. وقد خلقت محددة لتنفذ فيما يراد كسره فتهيئه للانكسار وأما الأضراس فأكثر فائدتها سحق المأكول وطحنه، ولذلك خلقت عظاماً غلاظاً كباراً لأن السحق إنما يتم بمثل ذلك، وقد تسمى الأسنان بأسماء مشتقة من أفعالها كما تسمى الأضراس الطواحين والأسنان القدامية القاطعة وأما الأنياب فلما لم يكن الكسر لها أصلياً لم يشتق لها منه منها أسماء بل سميت باسم مشابهها. فيقال لها أسنان الكلاب لشبهها بأسنانها، والنواجذ تنبت في وسط سن النمو وذلك في قريب من عشرين سنة، لأن الطبيعة حينئذٍ تستظهر في آلات الغذاء عند إشراف زيادة الوارد على المتحلل على البطلان، وهذا من خواص الإنسان وتسمى أسنان الحلم بكسر الحاء أي أسنان العقل وهذا السن هو ابتداء كمال العقل وقد يسمى أسنان الحلم بضم الحاء لأنها تتكون بعد الاحتلام. وعبارة الكتاب في الأسنان ظاهرة.
وقد قال جالينوس: إن قوة الحس تأتيها في عصب لين، وهذا عجيب فكيف جعل ليناً وهو مخالط للعظام? وينبغي أن يكون شبيهاً بجرمها فيكون صلباً لئلا يتضرر بمماستها.
بقي ها هنا بحث، وهو أن الأسنان عظام أو ليس?
وقد شنع جالينوس على من لا يجعلها عظاماً وجعلهم سوفسطائية، واستدل هو على أنها عظام بما هو عين السفسطة وذلك لأنه قال ما هذا معناه: إنها لو لم تكن عظاماً لكانت عروقاً أو شرايين أو لكماً أو عصباً ونحو ذلك. ومعلوم أنها ليست كذلك. وهذا غير لازم. فإن القائلين بأنها ليست بعظام يجعلونها من الأعضاء المؤلفة لا من هذه المفردة، ويستدلون على تركيبها بما يشاهد فيها من الشظايا، وتلك رباطية وعصبية، قالوا: وهذا يوجد في أسنان الحيوانات الكبار ظاهراً. والله ولي التوفيق. ====
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل السادس
الفصل السادس
منفعة الصلب
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الصلب مخلوق لمنافع.... إلى آخر الفصل.
الشرح
الصلب عضو مؤلف من فقرات ترتبط بعضها ببعض يحيط بأكثر جرمها لحم، وابتداء هذا العضو من منتهى عظام القحف، وانتهاؤه عند آخر العصعص، وله تجويف ممتد في طوله يحوي فيه النخاع. وله منافع غير الأربعة المذكورة.
أحدها: أن ترتبط به عظام البدن فيكون كالأساس لها.
وثانيها: أن الأحشاء تتعلق بها فتبقى أو ضاعها محفوظة.
وثالثها: أن ما ينزل من فضول مؤخر الدماغ يسلك فيه، ولا يحتبس فيفسد الدماغ.
ورابعها: أن المني ينزل فيه من الدماغ على ما تعرفه في موضعه وعبارة الكتاب في هذا الفصل ظاهرة.
لكن ها هنا بحثان: أحدهما أن جرم الدماغ شديد اللين، مستعد جداً للتضرر فكان ينبغي أن يكون مسلكه من قدام العظم العظيم الذي في الفقرات ليكون محروزاً عن التضرر بالمصادمات لكن جعل من وراء ذلك العظم. وثانيهما : أن الدماغ، لا شك أنه أشرف من النخاع؛ فكان ينبغي أن يكون الاحتياط به في وقاياته أكثر. ولم يجعل كذلك فإنه لم يخلق لو قايته شوك وأجنحة، ونحو ذلك مما يزيد في الاحتياط عليه كما فعل في النخاع.
الجواب: أما الأول فلأن النخاع لو جعل من داخل لكان يتسخن جداً بقربه من القلب، وذلك يخرجه عن المزاج الذي يحتاج إليه في أن تنفذ فيه قوة الحس والحركة الإرادية وأن يكون نائباً عن الدماغ في إيصال هذه القوى إلى الأعصاب ونفوذها فيه إلى الأعضاء الأخر فلذلك احتيج أن يجعل النخاع من خلف ليكون أبعد عن التسخين الشديد بحرارة القلب، ومع ذلك جعل من ورائه عظام ثلاثة وتستره عن ملاقاة المؤذيات فحصل بذلك الغرضان جميعاً وهما: بعد النخاع عن القلب مع انستاره بالعظام وانحراسته بها عن المؤذيات.
وأما الثاني: فإن هذه العظام الزوائد في الفقار وهي التي ذكرناها ليست مخلوقة لو قاية النخاع فقط، بل والقلب والرئة وغيرهما من الأعضاء الكريمة كالشرايين والحجاب ونحو ذلك. ولأن توقى أجرام الفقرات أيضاً خاصةً وعظام القحف تحيط بالدماغ من كل جانب وهي متصلة كالعظم الواحد، فلذلك لا يكون الحذر عليه من المصادمات ونحوها كالحذر على النخاع لأن مسلك النخاع تتخلله أفضية تسهل نفوذ المؤذيات فيها. والله ولي التوفيق. ======
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل السابع
الفصل السابع
تشريح الفقرات
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الفقرة عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع... إلى آخره.
الشرح قوله الفقرة عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع لقائل أن يقول: إن هذا التعريف لا يصح وذلك لأن الجدار الرابع من جدران القحف يصدق عليه أنه عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع وذلك لأن النخاع ينفذ في ثقب في وسط أسفل هذا العظم مع أنه ليس بفقرة وكذلك العظم العريض الذي يسمى عظم العجز هو عند كثير من المشرحين ليس من الفقار مع أن النخاع ينفد فيه في ثقب في وسطه، وأيضاً فإن نفوذ النخاع في جميع الفقرات ليس في الوسط بل في مؤخر كل واحد منها.
والجواب: أما عن الأول، فإن قول الشيخ عظم ليس المراد به أنه عظم مطلقاً، بل عظم من جملة عظام الصلب. لأن كلامه ها هنا إنما هو في عظام الصلب فكأنه يقول: الفقرة عظم من عظام الصلب ينفذ فيه النخاع.
وأما الثاني: فإن عظم العجز عند الشيخ مؤلف من الفقار وإن خالف في ذلك جميع المشرحين.
وأما الثالث: فإن المراد بالوسط ها هنا ليس الوسط الحقيقي حتى يكون البعد في جميع الجوانب على السواء، بل ما هو بين الأطراف وإن كان مائلاً إلى بعضها، ومقدم كل فقرة عظم طويل غليظ وسطه أقل غلظاً من طرفيه وهو مستعرض وفي مؤخرة النخاع. وهو مستور في وسط كل فقرة بالعظم الذي في وسطه الزائدة التي خلف وهي التي تسمى السنسنة، ومكشوف في طرفي الفقرة بين العظمين الزائدتين من عند كل واحد من طرفي الفقرة، أحدهما يمنة والآخر يسرة. ويبتدئان من ضيق وينفرجان بتدريج فلذلك ينتهيان إلى سعة يعتد بها.
قوله: ولم يجعل إلى قدام، وإلا لو وقعت في المواضع التي عليها ميل البدن بثقله الطبيعي وبحركاته الإرادية جعل مخرج العصب من قدام الفقار مما لا ضرر فيه بالوجه المذكور. وذلك لأن الثقب الذي يخرج منه العصب إن كان بتمامه في فقرة واحدة لم يكن لميل البدن تأثير في ضغطه ولا في مزاحمته، ونحو ذلك. وإن كان بين فقرتين كان ذلك الثقب لا محالة على قدر ثخن العصب فإذا مال البدن إلى قدام، وانحنى بسبب ذلك الفقار لم يكن ذلك محدثاً لضيق ذلك المخرج فلا يلزم ذلك انضغاط ذلك العصب ولا ضعفه.
قوله: ولم يكن أن تكون متقنة الربط والتعقيب ينبغي أن يكون مراده بذلك الفقرات أي إن العصب لو كان يخرج من قدامها لم يكن أن تكون الفقرات من قدامها متقنة الربط والتعقيب. لأن الأعصاب كانت تضيق مكان ذلك، وهذا أيضاً لا يصح فإن ثخانة العصب لا تبلغ في التضيق إلى هذا الحد.
قوله: وكان الميل أيضاً على مخرج تلك الأعصاب بضغطها وتوهنها هذا أيضاً لا يصح فإن المخرج إن كان في فقرة واحدة فظاهر أنه لا يلزم ذلك أيضاً لأن إحدى الفقرتين إذا لاقت بطرفيها طرف الفقرة المجاورة لها بقي الثقب ها هنا بينهما على قدر ثخن العصب فلم يكن من ذلك ضغط.
أقول: بل السبب في أن مخارج الأعصاب لم تجعل إلى قدام الفقرات هو أن الأعصاب لو خرجت من قدام لم يتمكن من الانتشار في الجانبين إلا بأن ينعطف إلى الجانبين وذلك مع تضيقه من قدام الفقرات تحوج إلى زيادة في طول الأعصاب لا حاجة إليها.
وتنقسم الفقرات إلى خمسة أقسام: أحدها: فقار العنق وهي سبع.
ثانيها: فقار الظهر وهي اثنتا عشرة فقرة.
وثالثها: فقار القطن وهي خمس فقرات.
ورابعها: فقار العجز وهي ثلاث فقرات.
وخامسها: فقار العصعص وهي أيضاً ثلاث. والله ولي التوفيق. =======
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الثامن
الفصل الثامن
منفعة العنق وتشريح عظامه
الكلام في هذا الفصل يشتمل على مباحث: البحث الأول قول كُليّ في فقار العنق قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه العنق مخلوقة لأجل قصبة الرئة... إلى قوله: لكن للخرزة الأولى والثانية خواص.
الشرح
تختلف الحيوانات في العنق فبعض الحيوانات لا عنق له كالسمك والفيل، ونحو ذلك من الحيوانات التي لا تصويت لها بفمها، فإن هذه الحيوانات لا حاجة فيها إلى آلة يتم بها هذا الصوت، فلا حاجة بها إلى الحنجرة ولا إلى قصبة الرئة. وبعض الحيوان له عنق، وكل حيوان يحتاج أن يصوت بفمه لأن هذا الحيوان يحتاج إلى خزانة يتجمع فيها هواء كثير ثم يخرج منها جملة بقوة في منفذ طويل صلب ضيق في آخره ثم يفضي إلى فضاء يحيط به جرم صلب وذلك الفضاء ضيق الآخر، ثم ينفصل منه الهواء إلى فضاء الفم، فيحدث من ذلك الصوت فالخزانة هي الرئة وهي إذا انقبضت بتحريك الصدر لها، انفصل منها الهواء بقوة، ونفذ في قصبة الرئة، وهي جرم صلب حتى إذا قرعها الهواء الخارج بقوة حدث من ذلك صوت، ثم يحتبس ذلك الهواء في هذه القصبة لأجل ضيق فمها، ويخرج منها بقوة لأجل ضيق ذلك الفم، فينتشر في فضاء الحنجرة وهي أيضاً من جرم صلب فيتم بذلك تكون الصوت، ثم ينفصل عن الحنجرة بقوة لأجل ضيق فمها أيضاً، فيحصل في فضاء الفم، وبذلك يكمل ويحسن وهناك ينفصل إلى مقاطع محدودة، ومقصورة تتألف منها الحركات والحروف ومن ذلك تتألف الكلمات للإنسان فلذلك تكون القصبة مع الحنجرة بمنزلة البوق في التصويت، وهذه القصبة مع الحنجرة لا يمكن أن يقوم بها فقط العنق وإلا لم يمكن إقلالها للرأس، فلا بد مع القصبة من عظام أخر يكون المجموع ذلك العنق. فلا بد وأن تكون هذه العظام هي التي ينفذ فيها النخاع فإنه لو كان في العنق عظام أخر لغلظ جداً وثقل، والعظام التي ينفذ فيها النخاع هي عظام الفقار. فإذاً العنق إنما يتقوم بهذه العظام وهذه العظام سبعة لأن الإنسان يحتاج كثيراً أن يطأطىء رأسه وبعض عنقه إلى قدام في حال إرادته النظر إلى أمام رجليه ونحو ذلك، وإنما يمكن ذلك بأن يكون بميل وسط العنق إلى خلف، وإنما يمكن ذلك إذا كان هذا الميل بتدريج فلو مالت حينئذٍ إلى خلف فقرة واحدة دون ما يجاورها لزم ذلك انقطاع النخاع هناك وخروج تلك الفقرة عن وضعها الطبيعي، وكان ذلك لها كالخلع فلا بد وأن يكون هذا الميل بتدريج وإنما يمكن ذلك بأن تكون مع الفقرة المائلة كثيراً فقرتان مائلتان معها قليلاً وإحداهما فوقها والأخرى تحتها فلا بد وأن يكون المائل إذاً إلى قدام غير هذه الثلاثة ولا بد وأن يكون من كل جهة أعني فوق وأسفل أكثر من واحدة فإن ميل الواحدة لا يمكن أن يكون أزيد من ميل الثلاثة إلى خلف فلا بد وأن تكون اثنتان من فوق واثنتان من أسفل، فلذلك لا بد وأن تكون فقرات العنق سبعاً، وتحتاج أن يكون للعنق حركات متفننة إلى جهات كثيرة ليسهل للإنسان تحريك رأسه إلى الإشراف على أكثر بدنه وإنما يمكن ذلك بأن يكون في العنق عضلات كثيرة وأوتار وأعصاب، وتحتاج هذه إلى عروق وشرايين كثيرة فلذلك لا بد في العنق من ذلك كله، ولا بد وأن تكون زوائد فقار العنق غير معاوقة عن كثرة هذه الأعضاء وإنما يمكن ذلك بأن تكون سناسنها صغاراً وأجنحتها منقسمة إلى قسمين ليمكن دخول هذه الأعضاء بينها. وكذلك ينبغي أن تكون في أجنحتها ثقوب وتنفذ فيها هذه الأعصاب حتى لا تضيق.
قوله: ولما صغرت سناسنها جعلت أجنحتها كباراً ذوات رأسين مضاعفة العرض بانقسام الأجنحة إلى قسمين ليس تضعيف الجناح، فإن ذلك يزيد في الثقل، وهو غير مطلوب ها هنا بل الغرض حدوث الفرج فيها، حتى لا يعاوق نفوذ ما تحتاج أن ينفذ هناك من العروق والأعصاب ونحوهما، وأيضاً فإن عظم السنسنة إذا كان مؤدياً إلى انكسار الفقرات الرقاق فعظم الأجنحة كذلك أيضاً، وأيضاً صغر السنسنة لا يلزمه كبر الجناح. والله ولي التوفيق.
البحث الثاني أحكام الفقرة الأولى من فقار العنق قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه لكن للخرزة الأولى والثانية خواص ليست... إلى قوله: وأما الخرزة الثانية فلما لم يمكن.
الشرح خرزات العنق تحتاج جميعها أن تكون مفاصلها إلى سلاسة ما لتكون حركة الرأس إلى الجهات جميعاً سهلة وأولاها بذلك الخرزة الثانية والثالثة، فإن حركة أعلى العنق إلى الجهات أكثر، والحاجة إلى ذلك أشد من حركة أسافل العنق، لأن الغرض من حركة العنق إنما هو تحريك الرأس، وذلك يتم بحركة ما هو إليه اقرب.
وأما الخرزة الأولى فإن حركتها متعذرة لما نقوله بعد وحركة الرأس وحده يمنة ويسرة يتم بمفصل بينه وبين الفقرة الأولى، وذلك لأن هذا المفصل لو كان مع فقرة أخرى لكانت تكون حركة الرأس هذه غير خاصة به بل مع العظام التي تكون فوق تلك الفقرة فلذلك وجب أن تكون حركة الرأس من قدام إلى خلف تتم بمفصل بينه وبين الفقرة الثانية وتكون حركة الرأس وحده بمفصل بينه وبين هذه الفقرة أعني الأولى لأن مفصل حركته يميناً وشمالاً هو بأسفل الجدار الرابع، وذلك مائل إلى مؤخر الرأس وذلك يلزمه أن يكون أكثر جرم الرأس إلى قدام هذا المفصل والفكان موضوعان أمام الرأس وإلى أسفل فلذلك يكون ثقل الرأس إلى قدام كثيراً جداً، وذلك يحوج أن يكون العظم الذي عليه هذا المفصل مائلاً جداً عن الفقرة الأولى إلى قدام وإذا كان كذلك لم يمكن أن يكون ذلك العظم تبرز منها إلى قدام، لأن ذلك العظم كان يكون حينئذٍ معرض للانكسار فلا يقوى على حمل الرأس، إلا أن يكون غليظاً قوياً، وذلك مما لا يقوى على إقلاله الفقرة الأولى، فلذلك احتيج أن يكون هذا المفصل بين الرأس وبين فقرة أخرى ولا يمكن أن يكون ذلك بالفقرة الثالثة وما هو أسفل منها لأن ذلك يحوج أن يكون العظم الذي يرتفع من تلك الفقرة إلى الرأس طويلاً جداً. وذلك يلزمه ضعفه عن إقلاله الرأس، فلذلك جعل هذا المفصل بين الرأس والفقرة الثانية، وذلك بأن أبرز من الفقرة الثانية عظم طويل جداً يسمى السن، والنواة لأنه يشبه كلاً من هاتين وجعل ارتفاعه ولا يزال كذلك يرتفع حتى ينتهي إلى عظام الرأس حيث يكون على اعتداله في الميل إلى خلف وقدام وحينئذٍ يدخل رأسه بعد تمليته في فقرة من عظام الرأس مملسة فتكون حركة الرأس وحده إلى قدام وخلف وهو على ذلك العظم وبذلك العظم يتعادل ميل الرأس بنقله إلى خلف، وإلى قدام، فلذلك حركة الرأس وحده إلى قدام وخلف، وهو بمفصل بينه، وبين الفقرة الثانية على الوجه الذي قلناه.
قوله: زائدة طويلة صلبة يجوز وتنفذ في الثقبة الأولى إلى قدام النخاع هذه الزائدة لا يمكن أن تنفذ في ثقبة الفقرة الأولى وإلا احتيج أن يكون هذا الثقب عند أعلاه شديد السعة إلى قدام، لأن هذه الزائدة أعلاها إما مائل جداً إلى قدام لأنه ينتهي إلى حيث يكون ثقل الرأس مع الفكين من قدامها مساوياً لثقله من خلفها، وإنما يكون كذلك لبقي بين النخاع وبين هذه الزائدة من فوق فضاء كثير، وكان ذلك التركيب واهياً، والذي قاله جالينوس: وفي الفقرة الأولى لهذه الزائدة موضع قد هيئ ليتمكن فيه ويعتمد عليه اعتماداً حريزاً وهذا الكلام لا يلزمه أن تكون هذه الزائدة تدخل في ثقب الفقرة الأولى، وفي الجوامع.
وأما الفقرة الثانية فيصل بينها وبين الرأس، ويربطها به زائدة شبيهة بالسن تشخص من الفقرة الثانية مصعدة وهي جزء من الفقرة الأولى.
أقول: إن هذه الزائدة تشبه أن تكون دعامة للزائدة التي هي السن من ورائها ليكون وضعها محفوظاً موثوقاً.
قوله: ولهذه المعاني غربت عن الأجنحة.
الذي قاله جالينوس: إن هذه الفقرة الأولى لا سنسنة لها، ولا جناحان لكن هذان الجناحان، وجناحا الفقرة الثانية غير مشقوقة.
قوله: وكذلك لو كانت حيث يلتق الثانية لزائدتيها اللتين تدخلان منها في نقرتي الثانية.
الذي قاله جالينوس: وفي الفقرة الأولى حفرتان أخريان قليلتا العمق في أسفلهما شبيهتان بالنقرتين اللتين في أعلاها إلا أن تكون النقرتان اللتان في أعلاها أكبر، ولذلك كان ينبغي لمكان اتصال الرأس بهما، والنقرتان اللتان في أسفلهما أصغر.
قوله: بمفصل سلس متحرك إلى قدام وخلف.
والذي يظهر لي، والله أعلم، أن الفقرة الأولى ليست تتحرك لمفصل بينها وبين الفقرة الثانية لا إلى خلف وقدام، ولا إلى اليمين واليسار.
أما على ما قاله الشيخ في السن الصاعدة في ثقب الفقرة الأولى فظاهر لأن هذا السن لأجل أنه جزء من الفقرة الثانية فليس بينهما مفصل يمنع لا محالة من حركة الفقرة الأولى بدون الثانية لأنه داخل فيها، وأما على ما هو الحق وهو أن هذا السن يصعد أمام الفقرة الأولى في أسفلها جزء تدخل فيه هذا السن أيضاً فظاهر أيضاً لأن حصول هذا السن في ذلك الجزء يمنع من حركة الفقرة الأولى يمنة ويسرة. وكونه أمامها، وملاقياً لأسفلها يمنع من حركة هذه الفقرة إلى قدام فذلك الحق.
واعلم أن هذه الفقرة لا حركة لها بدون الفقرة الثانية. والله أعلم.
البحث الثالث أحكام الفقرة الثانية من فقار العنق قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الخرزة الثانية فلما لم يكن... إلى آخر الفصل.
الشرح قوله: فلما لم يكن أن يكون مخرج العصب فيها من فوق حيث أمكن لهذه إذا كان يخاف عليها لو كان مخرج عصبها كما للأولى أن ينشدخ ويترضض بحركة الفقرة الأولى.
الذي يظهر من هذا الكلام أن مخرج العصب في الفقرة الأولى من فوق وهذا قد أبطله في كلامه في الفقرة الأولى وهو ظاهر البطلان بما قاله في كلامه في الفقرة الأولى.
قوله: ولا أمكن من الجانبين وإلا كان ذلك بشركة مع الأولى ولكان الثابت دقيقاً.
هذا الكلام أيضاَ لا يصح لأنه بين أو لاً أن ثقبي الفقرة الأولى ليستا عن جانبيها ولو فرضنا أنهما على جانبيها لم يمكن أن يكون ثقبا الثانية بشركة الأولى.
قوله: وإذا تحرك الرأس مع مفصل إحدى الفقرتين صارت الفقرة الثانية ملازمة لمفصلها الآخر كالمتوحد حتى إن تحرك الرأس إلى قدام وخلف صار مع الفقرة الأولى كعظم واحد هذا بناءً على ما قاله أو لاً.
وهو أن حركة الرأس إلى قدام، وخلف هو بالمفصل الذي بين الفقرة الأولى والثانية. وقد أبطلنا ذلك. والله ولي التوفيق. ======
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل التاسع
الفصل التاسع
تشريح فقار الظهر ومنافعها
قال الشيخ الرئيس رمة الله عليه فقار الظهر هي التي تتعلق بها الأضلاع.... إلى آخره.
الشرح قوله: فلما ذهبت جسومها في ذلك جعلت زوائدها المفصلية قصاراً. السبب في قصر هذه الزوائد ليس لإذهاب الجسوم في الأجنحة والسناسن بل أن تكون مفاصل هذه الخرزة إلى سلاسة ما فإن الحاجة إلى حركة أعلى الظهر أكثر كثيراً من الحاجة، إلى حركة أسافله.
قوله: فذهب الشيء الذي كان لأن يصرف إلى الجناح في تلك الزوائد هذا الكلام أيضاً عجيب. فإن المقدار المعد لكل فقرة من المادة، ليس يجب أن تكون على قدر معين حتى إذا صرف بعضه في شيء بقي الباقي عارياً عن شيء آخر والسبب في أن الفقرة الثانية عشرة بلا جناح هو أن يكون الإنسان خصر فهذا محسن للصورة ولأن تقليل الآلات إذا أمكن كان أولى وهذه الفقرة غير مضطرة إلى جناح لأن الضلع الذي يتصل بها صغير جداً والله أعلم بغيبه. =======
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل العاشر الفصل العاشر
تشريح فقرات القطن
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وعلى فقر القطن... إلى آخره.
الشرح قد قال جالينوس: إن فقرات القطن يوجد فيها ثقوب ظاهرة تنفذ فيها العروق، وهذه الثقوب تقل جداً أن توجد في غير هذه الفقرات وإذا وجدت في غيرها كانت خفية، وهي في هذه ظاهرة. وفي هذه الفقار أيضاً زوائد عند مخارج الأعصاب، وهذه الزوائد إلى أسفل. وتوجد في الفقرات الثلاث العلوية من فقرات القطن. وأما الفقرتان الأخريان فقد لا توجد فيهما هذه الزوائد وقد توجد فيها صغيرة. والله ولي التوفيق. ======
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الحادي عشر
الفصل الحادي عشر
تشريح عظام العجز
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه عظام العجز ثلاثة... إلى آخره.
الشرح عظام العجز كأنها عظم واحد من ثلاثة أجزاء وعلى جانبيه زائدتان هما عظمان عريضان وفيهما من خارج حفرتان ليستا بالغائرتين، يتصل بهما عظما الخاصرتين. والله ولي التوفيق. =========
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الثاني عشر
الفصل الثاني عشر
تشريح عظم العصعص
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه العصعص مؤلف... إلى آخره.
الشرح إن عبارة الكتاب في هذا ظاهرة بينة غنية عن الشرح. والله ولي التوفيق. ========
الفصل الثالث عشر
كلام كالخاتمة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه في منفعة الصلب. قد قلنا... إلى آخره.
الشرح وعبارة الكتاب في هذا أيضاً ظاهرة غنية عن الشرح. والله ولي التوفيق. ======
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الرابع عشر
الفصل الرابع عشر
تشريح الأضلاع
والكلام في هذا الفصل يشتمل على مباحث ثلاثة: البحث الأول منفعة الأضلاع جملة قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الأضلاع وقاية لما يحيط به.... إلى قوله: ولما كان الصدر يحيط بالرئة والقلب.
الشرح
قد ذكرنا هنا من المنافع ما يتعلق بالأضلاع نفسها وما يتعلق بعددها. أما المتعلق بنفس الأضلاع فمنفعة واحدة: وهي أنها وقاية لما تحيط به من آلات التنفس، وأعالي آلات الغذاء. وهذه الوقاية لا شك فيها فإنها لصلابتها تمنع نفوذ المؤذي إلى هذه الآلات كالضربة والسقطة ونحو ذلك.
أقول: إن لها منافع أخر: أحدها: أنها ثخانة تنور البدن كالصلب لطوله، فكما أن الصلب أصل في الطول بحيث يكون طول تنور البدن مقدراً بطوله وكذلك الأضلاع بثخانة هذا التنور.
وثانيها: أن الصدر وما تحته لو خلى من الأضلاع أعني العظام التي فيه لكان ينطبق بعضه على بعض. وتتغير وضع أجزائه وتزاحم آلات التنفس والغذاء.
وثالثها: أن بعض الأحشاء، يتعلق بها بتوسط تعلقه بالغشاء المستبطن للصدر والبطن المتشبث بها، فتبقى مواضع تلك الأحشاء وأوضاعها محفوظتين.
ورابعها: أنه لو لا الاضلاع لكان تركيب تنور البدن غير قوي فيكون الصدر وما دونه سريع الانضغاط والانفعال عن المصادمات ونحوها.
وأما المنافع المتعلقة بعدد الأضلاع فقد ذكر منها ها هنا أربع منافع: المنفعة الأولى: أن الوقاية المحيطة بآلات التنفس وأعالي آلات الغذاء لو جعلت عظماً واحداً لانقلب، وذلك لأنها لو كانت عظماً واحداً لم يمكن أن يكون رقيقاً جداً، وإلا كان متهيأً للانكسار بأدنى سبب فلا بد، وأن يكون غليظاً، ويلزم ذلك أن يكون ثقيلاً.
ولقائل أن يقول: إن هذا الثقل يلزم سواء كانت عظماً واحداً أو عظاماً كثيرة متصلاً بعضها ببعض. فلو كان ذلك محذوراً لو جب أن لا يخلق الرأس من عظام متصلة بل من عظام كالأضلاع منفرج بعضها من بعض بل فعل ذلك في الرأس أولى لأن جعل الثقيل في الأعالي أسوأ من جعله فيما دون ذلك غاية ما في الباب أن يقال له: لو لم تجعل عظام الرأس متصلة لكانت الوقاية تقل.
فنقول: وفي الصدر كذلك أيضاً بل وجوب زيادة الوقاية ها هنا أولى لأن القلب أشرف كثيراً من الدماغ فيكون بوجوب الاعتناء به أكثر.
المنفعة الثانية: إن هذه الوقاية لو كانت عظماً واحداً لكان يكون مستعداً لسريان ما يعرض لجزء منه من الآفات كالكسر والصدع والعفونة، وذلك لا محالة رديء فجعلت من عظام كثيرة.
ولقائل أن يقول: إن سريان الآفات من جزء العظم الواحد إلى باقي أجزائه أهون كثيراً من وصول الآفات كالرماح والنشاب وغيرها من الأشياء الحادة النفاذة إلى القلب والرئة من الخلل الذي بين الأضلاع وإذا كان كذلك كانت خلقة الصدر من عظم واحد أقل مضرة من خلقته من أضلاع على هذه الهيئة.
المنفعة الثالثة: إن هذه الوقاية لو خلقت عظماً واحداً لما أمكن أن تتسع تارة وتضيق تارة أخرى، والصدر يحتاج إليه في ذلك فإنه يحتاج إلى أن ينبسط عند ازدياد الحاجة إلى الترويح على ما في الطبع وكذلك عند امتلاء المعدة وغيرها من الأحشاء غذاءً أو نفخاًً، فإن ذلك يزاحم الحجاب وغيره من آلات التنفس فيحتاج لذلك إلى اتساع الصدر ليتسع لمقدار الهواء الكافي.
المنفعة الرابعة: إنها لو خلقت عظماً واحداً لم يكن فيه فرج يتخللها عضل الصدر المعينة في آلات التنفس وما يتصل به كالصوت وبيان ذلك أن التنفس قد دللنا فيما سلف على وجه الاضطرار إليه وهو إنما يتم بحركة الرئة، والحجاب انبساطاً وانقباضاً لينجذب الهواء عند الانبساط لاستحالة الخلاء، ويندفع فضول الروح، وما يسخن من ذلك الهواء. فبطلت فائدته عند الانقباض وحركة الانقباض والانبساط.
قد بينا أنها لا تكون طبيعية بل ولا بد وأن تكون إرادية وكل حركة إرادية، فقد بينا فيما سلف من شرحنا للكتاب الأول أنها إما أن تكون عن إرادة طبيعية أو عن إرادة خفية. أو عن إرادة مطلقة وقد بينا أن حركة التنفس هي عن إرادة خفية. وكلما كان كذلك فإنما يكون بالعضل وكذلك كل ما يكون عن إرادة مطلقة فإذاً لا بد وأن تكون هذه الحركة بعضل ولأن هذا العضو الذي هو الصدر، وما يتصل به عضو عظيم جداً لا يمكن تحريكه بعضل قليل المقدار، قليل العدد فلا بد من عضلات كثيرة فلو جعل الصدر من عظم واحد أو من عظام يتصل بعضها ببعض كالحال في عظام الرأس لكانت هذه العضلات إما أن تكون من داخله فتضيق على القلب والرئة إلا أن يكون ذلك العظم أو العظام كثيرة جداً فيكون الصدر عظيماً جداً ثقيلاً أو يكون من خارجه فيلزم أن يكون الصدر أعظم مما هو عليه الآن بكثير فلم يبق إلا أن يكون من عظام كثيرة متفرقة لتكون هذه العضلات أماكن ينخلق فيها من غير أن يلزم ذلك زيادة في عضل الصدر ولا كذلك الحال في الرأس، فإنه لم يحتج فيه إلى هذه العضلات فلذلك خلق جميع محيط من العظام، وخاصة وهو عضو شديد اللين، شديد التضرر بما يلاقيه. فلو جعل في محيطه خلل وهو غائب عن حراسة الحواس لأمكن أن ينفذ فيه ما يفسد الدماغ، ويؤدي إلى الهلاك البتة.
وأقول: إنه لا يمكن أن يكون لتكثير هذه العظام وخلقها متباعدة منفعة أخرى، وهي أن الصدر بالقرب من مطبخ الغذاء، وفوقه وذلك مما يلزمه ارتفاع كثير من الأبخرة والأدخنة اللازمة للطبخ إليه، والحجاب، وإن خلق حاجزاً بينهما فهولا محالة ذو مسام فلا بد وأن ينفذ في تلك المسام قدر كبير من ذلك. فلو جعل الصدر من عظم واحد أو عظام، لكانت هذه الأبخرة والأدخنة تكثر فيه جداً وذلك مؤد إلى مزاحمة القلب والرئة، وإلى الإضرار به فلا بد وأن يكون بين عظامه فرج متسعة ليسهل تحلل تلك الأبخرة والأدخنة منها ولا كذلك الدماغ. فإن هذه الأبخرة والأدخنة إنما ينفذان إليه بعد مرورها بالصدر فإذا كان الصدر كثير الفرج لم يصل منها إلى الدماغ إلا اليسير جداً خصوصاً وأكثرها يتحلل أيضاً عند الترقوتين والكتفين فيكون مستغنياً عن زيادة الفرج بين عظامه. والله ولي التوفيق.
محتويات
1 البحث الثاني
2 هيئة الأضلاع والمنفعة في خلقتها
3 البحث الثالث
4 هيئة أضلاع الصدر والبطن جملة وتفصيلاً
البحث الثاني
هيئة الأضلاع والمنفعة في خلقتها
كذلك قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ولما كان الصدر يحيط بالرئة والقلب... إلى قوله: والأضلاع السبعة العليا تسمى أضلاع الصدر.
الشرح كل واحدة من آلات التنفس وآلات الغذاء، تفتقر إلى وقاية تحيط بها لكن هذه الوقاية، لو جعلت الآلات الغذاء محيطة من كل جهة، عرض من ذلك مضار: أحدها: أن هذه الآلات موضوعة في أسافل التنور فلو أحاطت الأضلاع بها من كل جهة تعذر على الإنسان الانثناء والانعطاف إلى قدام وإلى الجانبين، وفي ذلك من الضرر ما لا يخفى.
وثانيها: أن تناول الإنسان وغيره من الحيوان الغذاء إرادي وعن شهوة تدعو إلى ذلك فهو ما يعرض أن يكون ما يتناوله أزيد من المقدار الذي يحتمله تجويف هذه الأعضاء وحينئذٍ لا بد وأن يتمدد وأن يتسع بقدر تلك الزيادة فلو كانت الأضلاع محيطة من كل جانب لكانت: إما أن تكون أكثر من القدر الذي تملؤه تلك الأعضاء بقدر ما يكون تزيدها بالتمدد فيكون البطن كبيراً جداً مثقلاً أو لا يكون كذلك فيعرض لهذه الآلات تضرر شديد بالانضغاط وامتناع الاتساع لما يكون في داخلها.
وثالثها: أن تناول الغذاء لما كان إرادياً لم يلزم أن يكون المتناول منه هوا لذي يجود هضمه واستمراؤه بسرعة بل كثيراً ما يكون غليظاً منفخاً ويلزم ذلك حدوث الرياح والنفخ في داخل هذه الآلات وخصوصاً إذا كان قد عرض لها ضعف ويلزم ذلك أن يتمدد ويكثر تجويفها فلو كانت الأضلاع تحيطها من كل جهة لعرض من ذلك ما قلناه فلا بد إذن من تخلي بعض الجهات عن إحاطة الأضلاع بها فإما أن تكون تلك الجهة هي جهة قدام أو لا تكون كذلك.
والثاني: يلزمه أن تكون تلك الجهة غائبة عن حراسة الحواس فتكون هذه الآلات معرضة لحصول الآفات من تلك الجهة كثيراً فلا بد وأن تكون تلك الجهة هي قدام البدن. فاضطر إلى أن تكون الأضلاع المحيطة بآلات الغذاء منقطعة من قدام، وينبغي أن يكون انقطاعها ذلك بتدريج ليكون على الهيئة التي لا بد منها في التمكن من الانثناء والانعطاف واتساع الموضع ليزيد هذه الآلات لتكون في ذلك مراعاة هذه المنفعة أمر الاحتياط والوقاية ولا كذلك الأضلاع المحيطة بآلات التنفس فإنها موضوعة في أعالي تنور البدن حيث لا يمنع حركة الانثناء والانعطاف ولأن تلك الآلات لا تفتقر إلى تزيد مقدارها كما تحتاج إليه آلات الغذاء فإن أخذ الهواء بالاستنشاق وإن كان إرادياً إلا أن الازدياد منه ليس مما يلتذ به بزيادة الغذاء، فلا يكون هناك ما يدعو إلى التزيد من الاستنشاق كما من جذب الغذاء فلا تفتقر تلك الآلات إلى أن يزداد عظمها بزيادة كثيرة فلذلك جعلت الأضلاع الواقية لها محيطة بها من كل جهة خصوصاً وزيادة شرف هذه الآلات تحوج إلى زيادة الاحتياط عليها فلذلك لم تخلق أضلاعها منقطعة.
قوله: فخلقت الأضلاع السبعة العليا مشتملة على ما فيها ملتقية عند القص محيطة بالعضو الرئيسي من كل جانب الأضلاع عددها أربعة وعشرون ضلعاً من كل جانب اثنا عشر، وليس كما يقال إن النساء نقصن ضلعاً أو أزيد، فإن ذلك من الخرافات وعشرة منها محيطة بآلات الغذاء من كل جانب خمسة، وأربعة عشر محيطة بآلات التنفس، وإنما كانت هذه أكثر مع كون آلات الغذاء وأكبر وذلك لأن هذه الأضلاع ليست تحيط بجميع آلات الغذاء لأن ذلك مما يمنع الانثناء والانعطاف بل إنما يحيط بأعاليها فقط، وذلك المكان يحتوي على أقل من آلات التنفس وأصغر، وأما لم البرهان جعل كل واحد من هذين النوعين بهذا العدد المخصوص فلم يظهر لي إلى الآن، وكأنه مما لا يمكن البرهان عليه وإنما احتيج أن تكون أضلاع الصدر ملتقية عند القص. وكان يمكن أن يتصل كل واحد منهما بنظيره من الجانب الآخر فتتم الإحاطة مع الخفة.
السبب في ذلك أن هذه الأضلاع يحصل لها بعظام القص اتحاد واعتضاد فيشتد بعضها ببعض.
قوله: فكأن أعلاها أقرب مسافة ما بين أطرافها البارزة يعني أن التفاوت في أطوال العالية من أضلاع آلات الغذاء أقل من التفاوت في أطوال السافلة منها وسبب ذلك أن يكون انعطافها على هيئة قطعة من دائرة فإن ذلك أكثره ليناً لسهولة حركة الانثناء والانعطاف إلى قدام، وأبعد عن منال الآفات. والله ولي التوفيق.
البحث الثالث
هيئة أضلاع الصدر والبطن جملة وتفصيلاً
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والأضلاع السبعة العليا تسمى أضلاع الصدر... إلى آخر الفصل.
الشرح إن الحيوانات تختلف بحسب هذه العظام فمنها ما ليس له في هذه المواضع عظم البتة
كالدود والمحززات ونحوها. ومنها ما يكون له هناك عظام كثيرة كالأضلاع، وهذه إما أن تكون بجملتها على هيئة الاستدارة فيكون الصدر عريضاً، وذلك هو للإنسان خاصة والفيل يقرب من الإنسان في ذلك، أو لا يكون كذلك، وذلك كجميع الماشية، وإنما خلق الإنسان كذلك لأن هذا الشكل أو سع وأقل قبولاً للآفات، وإنما حرم ذلك باقي الحيوانات لأنها تحتاج إلى دقة الصدر، إما ليكون البعد بين أيديها قريباً فتتمكن من قوة الثبات عليها والمشي وذلك كذوات الأربع الماشية عليها. وإما لتستعين بذلك على جودة الطيران كما في الطيور، فإن دقة صدورها وهو الجؤجؤ يسهل عليها خرق الهواء عند الطيران، وإما لتستعين بذلك على جودة السباحة كما في السمك ولذلك جعل مقدم السفينة دقيق الأسفل جداً ليكون خرقه للماء في الحركة أسهل. وأضلاع الصدر بجملتها على شكل قريب من الكرى لما عرفته من المنافع فلذلك يكون الوسطان منها أطول من كل جانب فوق وأسفل ثلاثة متطاولة أي يبتدئ من قصر إلى طول فيكون الذي على الضلعين الطويلين أطول مما بعده، وكذلك حتى تنتهي إلى الأقصر إذ بهذه الهيئة تقرب من الكرة. ومع ذلك فمساحة الصدر ما بين قدام وخلف أقل ما بين الجانبين، وسبب ذلك أن له فيما بين الجانب من خلف عظام الصدر، ومن قدام عظام القص والأضلاع من كل واحد منها على هيئة نصف دائرة فيتسع ما بين الجانبين لا محالة لو جود الفاصلة بين رؤوس الأضلاع وهي الفقرات من خلف والقص من قدام وحكمة ذلك أن يكون ما بين الثديين كثير السعة لتكون جهات الحركات لهما متسقة، وكل واحد من الأضلاع مع كونه محدباً إلى الوحشي، مقعراً إلى الأنسي ففيه أيضاً تحديب إلى أسفل، وتقعير إلى فوق، ويأخذ في التحديب إلى أسفل من حين يفارق المفصل الذي عند الصلب ويرجع طرفه الآخر إلى فوق عند قريب مفصله مع القص، وإنما كان كذلك لأمرين: أحدهما: ليكون أطول فإن المستقيم أقصر الأبعاد، وما هو أبعد عن الاستقامة يكون لا محالة أطول، والحكمة في زيادة طوله التمكن من زيادة اتساع المكان.
وثانيهما: لتكون وقاية كل ضلع أكبر لأنه يمر في مواضع مختلفة ويوقي ما هو داخل لكل موضع منها، وثخانة كل ضلع أقل من عرضه لأن ثخانته إنما يقصد بها القوة، وما هي عليه من الثخانة كافٍ في ذلك، وأما زيادة العرض لأجل زيادة الوقاية، وذلك هو المقصود من الأضلاع، فيجب أن يكون بأعظم مقدار يمكن أن تكون عليه الأضلاع.
قوله: ويدخل في كل واحد منها زائدتان في نقرتين غائرتين في كل جناح من الفقرات تشبه أن يكون هذا غلطاً من النساخ. والصواب: أن يقال: في نقرتين غائرتين وذلك لأن الزائدتين غير طويلتين، اللهم إلا أن يكون المراد بقوله غائرتين مطلق الغور لاما هو المفهوم في عادة الأطباء. وإنما جعل هذا المفصل بزائدتين لأن الأضلاع تحتاج أن تكون لها حركة يسيرة ليتمكن اتساع الصدر والبطن عند الحاجة إلى ذلك وضيقهما عند فقدان الحاجة إلى الاتساع، فلم يمكن أن يكون هذا على هيئة اللزاق أو الدرز فإذاً: إنما يمكن أن تكون على هيئة الركز تكفي فيه زائدة واحدة، ونقرة واحدة، وإلا كان الضلع متهيئاً لأن يدور في مفصله ضرورة أن هذا المفصل غير موثق، وذلك عند ضربة تتفق على جرمه ونحو ذلك، ويلزم ذلك تضرر اللحم والعضل المحيط به، ولا بد وأن تكون زوائده، ونقره كثيرة، والاثنتان من ذلك يكفي في العرض فيجب أن لا يزاد عليهما، ولا بد وأن تكون الزائدتان غير طويلتين والنقرتين غير غائرتين، وإلا كانت حركة الضلع تتعذر، ويكون المفصل موثقاً، وهيئة هذا المفصل له من كل ضلع، ففي طرفه من فوق زائدة لها غلظ ما، وهي مستديرة غير طويلة تدخل في نقرة من جناح الفقرة غير غائرة على سعة تلك الزائدة، فيركب الضلع على ذلك الجناح فإذا انتهى إلى طرفه برزت منه زائدة أخرى أدق وأصغر من التي فوقها تدخل في نقرة في طرف الجناح على سعتها فيحدث من ذلك لكل ضلع مع الجناح الذي يركب عليه مفصل مضاعف.
قوله: وكذلك السبعة العاليا مع عظام القص معناه أن الأضلاع العالية التي هي سبعة من كل جانب لكل واحد منها عظم من عظام القص مفصل هو كذلك أي هو مضاعف أي من زائدتين تدخلان في نقرتين وفي كلام جالينوس ما يدل على أن هذا المفصل هو برأس واحد يدخل في نقرة غير غائرة أي قليلة الغور، وأما الأضلاع الخمسة القصار، فأطرافها غضاريف تتصل بالحجاب اتصال التحام، وأطراف الأربعة العليا منها متصلة بعضها ببعض والله ولي التوفيق. ========
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل الخامس عشر
الفصل الخامس عشر
تشريح عظام القص
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه القص مؤلف... إلى آخره الشرح قد علمت أن الغرض بعظام القص هو تقوية تركيب الأضلاع بعضها مع بعض حتى تكون متصلة من خلف ومن قدام، والأضلاع التي تتصل به سبعة أزواج، فينبغي أن يكون هذا العضو من سبعة عظام ليتصل بكل زوج أعظم، ولم يجعل الكل عظماً واحداً طويلاً، وذلك لأمرين: أحدهما: أن لا تعم الآفة العارضة.
وثانيهما: ليكون له أن يتحرك شبيه حركة الأضلاع في انبساط الصدر وانقباضه.
فإن قيل: إن حركة هذه العظام محال.
أما أو لاً: فإن مفاصلها موثقة، فتكون حركة أحد عظميها دون الآخر محالاً.
وأما ثانياً: فلأن هذه العظام إنما يتصل بعضها ببعض بغضاريف يتوسط بينهما يلتزق كل عظمين منها بغضروف بينهما، ومعلوم أن ذلك مما لا يمكن معه حركة أحد العظمين بدون الآخر. وجوابه: إن هذه الحركة ليست كحركة أحد عضوي مفصل بل بأن ينعطف الغضروف الذي بين العظمين تارةً، ويستقيم أخرى، وذلك لأن الغضاريف بينها لا يمتنع عليها الانعواج اليسير فبهذا الوجه يمكن حركة عظام القص ولا ينافي ذلك أن تكون عظامه ملتصقة بالغضاريف، ولا أن تكون مفاصله موثقة، وشكل هذا العضو بجملته شبيه بشكل السيف. فلذلك يسميه بعضهم سيفاً، وبعضهم إنما يسمي بذلك الغضروف الذي في أسفله الذي يسمى في المشهور: خنجراً. وفائدة هذا الغضروف أمران: أحدهما: أن يحجب الجلد عن ملاقاة آخر عظام القص يتألم بصلابتها.
وثانيهما: أن يكون وقاية لفم المعدة فإنه موضوع هناك. ووصول الصدمات والضربات ونحوها إليه شديد الإضرار به فخلق هذا الغضروف وقاية له، كالحال في عظمي الزوج لعضلات الصدغين. والله ولي التوفيق.
===
شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الأول/الجملة الأولى/الفصل السادس عشر
الفصل السادس عشر
تشريح الترقوة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الترقوة عظم موضوع... إلى آخر الفصل.
الشرح قال جالينوس: إن اتصال هذا العظم بالقص هو بمفصل سلس. وهذا مشكل فإن المفصل إنما يخلق سلساً إذا احتيج أن يكون لأحد عظميه وحده حركة ظاهرة وحده وذلك مما لا يحتاج إليه ها هنا ولا نشاهد له هذه الحركة فوجب أن يكون مفصلاه، وهما اللذان عند طرفيه موثقين ليكون التركيب أقوى وأحكم.
وأما هيئة هذا العظم فهو أنه كأنه قوس صغير من دائرة عظيمة، ويكون في أو له عند القص مستديراً، وإذا قرب الكتف أخذ في الاستعراض، وهناك يكثر تحدبه إلى الخارج والظاهر أن اتصاله بالقص بلزاق، إذ لم أجد فيه زائدة من شأنها أن تدخل في نقرة. وأما اتصاله بالكتف فسنذكره في تشريح الكتف قوله: يخلي عند النحر بتحديبه وفي بعض النسخ بتقعيره والكل جائز لأنه هناك يتحدب إلى خارج ويتقعر إلى داخل. والله ولي التوفيق.
===

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حمل تحفة الاشراف للحافظ المزي

 من مشكاة حمل   تهذيب الكمال في أسماء الرجال - ت بشار عواد معروف - دار الرسالة المؤلف الحافظ المزي وصف الكتاب تهذيب الكمال في أس...