روابط مصاحف م الكتاب الاسلامي

 روابط مصاحف م الكتاب الاسلامي/ / / / / / / /

الاثنين، 21 فبراير 2022

علم الملاحة في علم الفلاحة عبد الغني النابلسي/المقدمة /الباب الأول/الباب الثاني /الباب الثالث /الباب الرابع/الباب الخامس /الباب السادس/الباب السابع/الباب الثامن /لباب التاسع/ الباب العاشر-


علم الملاحة في علم الفلاحة/المقدمة

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والله بكل شي عليم

الحمد لله الذي أنزل من السماء ماء فأحياه به الأرض وأخرج ثمرات كل شيء بقدرته كما يخرج الخلائق يوم العرض والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بين لنا المشروع وغير المشروع وكمل بالسنة وألزم بالفرض وعلى جميع آله وأصحابه وتابعيه وأنصاره وأحزابه الذي أقرضوا الله قرضا حسنا، فضاعفه لهم أضعافا كثيرة، فيا له من قرض أما بعد، فيقول العبد الفقير إلى مولاه الغني الراجي حسن القبول من المنعم وهو المدعو بعبد الغني أخذ الله تعالى بيده وأمده بمدده لما وجدت كتاب الفلاحة المسمى بجامع فوائد الملاحة للشيخ الإمام العالم العلامة والعمدة الحجة الفهامة رضي الدين لأبي الفضل محمد بن محمد بن أحمد الغزي العامري الشافعي تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جنانه كتاب جليل المقدار عظيم النفع لمن يعاني زراعة الأراضي وتربية الأشجار ولكنه مما حسن فيه الاختصار بذكر ما لا بد منه من الفوائد التي لها الاعتبار وحذف ما المهم حذفه والمواخذة والتكرار فجمعت الهمة ولخصت غالب ما فيه من المسائل المهمة واكتفيت بما هو في الصدد من المراد وحذفت ما وقع فيه من الزوائد بطريق الاستطراد وسميته علم الملاحة في علم الفلاحة ومن الله تعالى استمد العناية والتوفيق وأن يهديني إلى أقوم طريق.
========
علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب الأول
الباب الأول
في معرفة الأراضي
اعلم، أن الأرض الطيبة هي الحارة الرطبة، وسواد الأرض دليل على الحرارة، فإن الأرض السوداء تحمل الأمطار أكثر من غيرها، ثم الأرض البنفسجية اللون، إذا كانت منتفشة، فإنه يجود بها الشجر كثيرا، ثم الأرض الحمراء، ثم الصفراء، وأبردها الأرض البيضاء. والحاجة إلى رطوبة الأرض ودسمها وانتفاشها أكثر من الحاجة إلى حرها. واعلم، أن الشمس والهواء يُصلحان الأرض، ولذلك تقلب الأرض إذا أريد إنشاء الغراس فيها، وهو أن يؤخذ ما كان على وجه الأرض من ترابها الذي أثرت فيه الشمس والهواء، فيجعل أسفل الأرض المحفورة، ليظهر أثره الجميل مما اكتسب من الشمس والهواء في أصول الأشجار المغروسة، وعروقها، فيربي حملها وينميه بحرارته ورطوبته. والتراب الذي يخرج من أعماق الأرض ومن الآبار والمطامير، لا ينبت أول عام حتى تطبخه الشمس، وتلطف أجزاءه، ويكتسب من حرارتها، لأن التراب طبعه بارد يابس، ولولا تسخُّنه بالشمس وترطيبه بالمطر، لم ينشأ به نبات البتة.
وأراضي الجزائر طيبة لمكان الحمأة التي فيها يسوق إليها مما يتقشر عن وجه الأرض من التراب الذي سخنته الشمس ورطبته الأمطار، وعدّله الهواء، ولما يحمله السيل من الزبل والغثاء، فتحسن بذلك وتترطب، والأرض التي تتشقق غير محمودة بالنسبة إلى الأرض السوداء المنتفشة، والأرض الرملية تزيد حرا في الصفي وبردا في الشتاء، وكذا الحجرية، وذلك يؤذي الغروس، وأرض الجبل أبرد من السهل وأيبس، والأرض الحمراء تصلح للزرع لا للشجر، وإن كانت محجَّرة وافقت الشجرة. والأرض الجبلية، يصلح فيها الزيتون والخروب والزعرور والأجاص والقراصيا، ولا تصلح للتين والخوخ، فإنه لا يطول عمره فيها، ولا يكبر حمله. والأرض التي تتشقق شوقا كبارا لا تغرس، وتجود فيها الحنطة والقطاني والبقول والشلحم والفجل والبصل والثوم ونحو ذلك كالشونيز والكراويا. ومن الأرض ما لا يصلح للغراس ولا للزرع، ولا ينجب فيها شيء، وهي الترابية الصفراء الفاقعة، والحمراء القانية، وهي المغرة والبرقاء البيضاء، التي يظهر منها رائحة الكبريت، والجصية، وهي البيضاء التي تحتها حجارة يعمل منها الجير، والترابية الزرقاء، التي تخلط بطين الفخار لعمل الخوابي، والصفراء التي تشبه حجر الكدان الرطب، والأرض السنجية والمعدنية كالكبريتية والنحاسية والزرنيخية والحديدية ونحوها. وقيل من أراد أن يعرف الأرض الزكية والوسط والردية، يحفر فيها قدر ما بدا له، ثم يعيد التراب في تلك الحفرة، فإن زاد على حشوة تلك الحفرة فالأرض جيدة طيبة، وإن كان كفافا قدر ما يستوي في الأرض، فهي أرض وسط، وإن نقص عنها فهي ردية.
واعلم أن الأرض تمتحن باللمس والشم والذوق والنظر. فاللمس يكون بمرس الطين باليد، فإن كان ملتصقا بها شديدا شبيها بالشمع، فهي ردية غير موافقة، وإذا غسل التراب بالماء فكان الطين أكثر كانت جيدة، وإن كان المل أكثر فغير جيدة. والشمّ بأن يؤخذ التراب من أسفل حفرة ويوضع في إناء من زجاج، ويصب عليه ماء عذب طيب، ويمرس، ثم يشم، فالمنتن الرائحة والكريه والخبيث لا خير فيه وهو وردي. والذوق، بأن يؤخذ تراب الأرض من حفرة، ويوضع في إناء زجاج ويطرح عليه ماء عذب ويذاق، فالمالح ردي لا يصلح لشيء من الزروع، والشجر أصلا - إلا النخل - فقط فإنه يجود فيها نباتا وثمرا. وقيل الكرنب والقثاء يطيب بها ويحلو. والنظر بمشاهدة خصب ما ينبت فيها من العشب وعظمه واتفاقه، وتوسط ذلك، يدل على الوسط والنحافة والدقة وسرعة الجفاف يدل على الضعف. وتمتحن الأرض أيضا بالميزان، بأن يملأ إناء من تراب غير ندي ويوزن، ثم يملأ من تراب آخر ويوزن. واعلم أن إصلاح الأرض الخارجة عن الاعتدال بالمطر الخفيف اللين الدائم أربع وعشرون ساعة، ويتلوه المطر الفسَّال، وهو ضعف الأول، ويتلوه الماء الكدر، وخلَّف ما حمله من تراب طيب.
والمتكرر من ذلك كله أكثر إصلاحا وجميع الأراضي الفاسدة بسائر أنواعها من الملوحة والحموضة والرقة وغير ذلك، إذا أقام عليها ماء السيل المكدر، وخلف ترابا كثيرا أصلحها وقواها إذا كانت ضعيفة أو رقيقة، ويقوم مقام الزبل المصلح. والأرض المالحة علاجها أن تفلح بعد مجيء المطر الأول، فإن تأخر فيؤخر إلى دخول تشرين الأول بعد عشر فيه، وإن تأخر المطر ففي آخره. والأرض المشوبة بغير الملوحة من الطعوم، تفلح في تشرين الثاني، ويدق عيدان الباقلاء اليابسة زرع العام الماضي ناعما دقا، وينثر على الأرض بعد كربها، ويرش عليه الماء ثم تبن الشعير، ثم الحنطة، ثم مدقوق خشب العلفي، ثم ورق الخطمي يابسا وإن جمعت أو بعضها فجيد إلا العليق فلا يستعمل إلا مخلوطا بغيره من الأتبان، وتترك الأرض كذلك إلى الصفي، ينثر عليها من سرجين البقر مدا بالماء، فإنه يحيلها إلى العذوبة. وإذا جاء الخرفي ودخل تشرين الأول تسرجن به مخلوطا بسرجين الخيل والحمير لا البغال، ثم يزرع فيها الشعير والباقلاء والعدس والحمص، ويبدر بين ذلك بزر الكتان، وتسقى. ويصلح جميع الأرض الفاسدة أيضا ورق الكرم وقضبانه، وورق جميع الشجر التي حملها دهين كاللوز والجوز والزيتون والفستق والبندق والخروع ونحوها وقضبان ذلك. ويصلح هذه الأرض أيضا أن يرش دردي الزيت المأخوذ من عصر الزيتون الذي لا ملح فيه ولا غيره، يرش عليها وهي غير مقلوبة، ثم تقلب، ثم يعاد الرش ويكرر، ثم اخثاء البقر كثيرا ثم تترك ثم تقلب بسكك صغار ولا تعمق ثم تزرع الشعير والحلبة والحمص والقرع والسلق والخطمي ويغرس فيها النخل مفرقا.
والأرض التي غلب عليها المرارة تهلك كل بزر قبل نباته. وعلاجها أن يساق إليها الماء العذب في النصف الثاني من نيسان لا قبله، بل في أول أيار، ويقام عليها كثيرا، فيؤخذ من القرع المجفف بلحمه، ومن البقلة الباردة، وورق الكرم، ويجفف ويسحق الجميع، ويخلط بالماء العذب في قرب من جلود، ثم ترش الأرض به بعد الحرث الخففي، ويلقى لكل عشرة أجربة عشرون قربة من هذا الماء في آخر الليل، وأول النهار، فهو أجود وإن كرّر فهو أجود. وتكرب ندّية وترش بتراب طيّب في الماء وغيره، ويكرر عليها الكرب سنة، كل شهر مرتين أو مرة. وإن كانت الملوحة والقبوضة زائدتين عن الحد، يزرع فيها لأشياء اللعابية كالحلبة والماش والبزرقطونا والباقلاء والشعير وحب الرشاد. وإن اتفق أن تغيم السماء أربعين يوما على الأرض المُرّة والحرفية والمنتنة وشبهها بحيث لا تطلع عليها الشمس، صلحت صلاحا جيدا من غير علاج، وربما يكتفي بزرع الحبوب اللعابية مرة واحدة. والأرض الخرفية - وهي التي يعلوها شبه الخزف لونا وقواما - تقلب قلبا عميقا وتدق حتى تخلط تلك الأجزاء التي تخزفت، ويعاد عليها ويدر وينثر الباقلاء والشعير مخلوطين بروث البقر. والأرض الخزفية تصلح بالباقلاء خاصة، فإنها تُفسد بحرارتها كل ما يزرع فيها.
واعلم أن الحرث والحفر ينفع الأرض لأربعة أشياء:
1 - لخلخلة الأرض لتتنفس الأصول بولوج الهواء، فهو كالحل عن المخنوق.
2 - ولقلب باطن الأرض ظاهرها، لتطبه بحر الشمس فتحمى وتتلطف. ولامساك الأرض المحروثة للرطوبة والماء الذي داخلها فتبرد به الأصول في القيظ وتترطب.
4 - ولقطع العشب عن الأرض لئلا يذهب بطيب غذاء الأرض فيزاحم الشجر في ذلك، والأرض الطيبة الجيدة القوية، يكبر بعمارتها من أول الخرفي، ولا سيما العشبية. والأرض الدّون، تعمر بعد الاعتدال الربيعي.
وقيل، إن الأرض الحمراء والبيضاء التي في التلول وفي الزوايا، تعمّر في الشتاء.
واعلم أن تعمير الأرض بالزبل والتبن يُصلح الأرض، لا سيما من الفول أو الشعير. والأرض كلَّها اذا زبٍّلت فوق الحاجة احترقت، واحترق ما فيها. والزبل فيتح مسام الأرض ويجوّدها، وينفِّشها، لولوج العروق، ويزكي الحار الغريزي من النبات أيضا. وزبل كل طير نافع، إلا الأوز وطير الماء فردي إلا أن خلط بغيره. وقيل زرق الطير سم قاتل للنبات إلا زرق الحمام، وأضرها طيور الماء والدجاج والأوز، وأجود زرق الحمام، ثم زبل الناس، ثم زبل الحمير، ثم المعز، ثم الضأن، ثم البقر، ثم الخيل، والبغال أخسَّها، إلا أن خلط بغيره. ولا يستعمل الزبل في سنة إلا معتَّقا، وكلما عتق كان أحسن، ليذهب نتن رائحته وطراوته، لأن الطري يتولد منه الهوام المفسدة للبقول. والمستعمل للشجر ما أتى عليه سنة أو أقل، والبقل أكثر لضعفه. وزق الحمام يكثر ثمر الشجر وينميه. وزبل الناس العتيق الأسود المختلط بسحيق التراب أنفع الأزبال. والأتبان نافعة، وأنفعها تبن الباقلاء، ثم الشعير، ثم القمح والقرع والعليق والخبازي والخطمي، وورق الشحم والجزر والخس، وعيدان التين وورقه. وجميع ما ذكر إذا حرق وأخذ رماده، فأجود لمنابت الشجر والأرض. ويستعمل رماد كل شجرة لمثلها، وكذا الكروم والحبوب والبقول وجميع النبات جملة، كبيرة وصغيرة، فإن ذلك ينفعه ويقويه.
وتعالج المنابت والأشجار بأرمدة من أجزائها مع الزبل، وكذا عجم ثمرها ونواه، أما محرقة أو معفنة مع الزبل، بل قيل أرمدة جميع النبات نافعة. وزبل الخبازي يحرق لا خير فيه، وكفييته أن يلقى في حفائر كالأحواض أو السواقي العميقة مجمعة ويخلط ويرش عليه من دردي الخمر وأبوال الناس للكروم خاصة، ويقلب حتى فيوح نتنه، كل يوم أو أيام فإذا أسود أضفي إليه الأرمدة، ويقلب ثم يترك ويبال عليه كل يوم، ثم يبسط بعد عفنه ليضربه الهواء ويجف. والسرجين، لكل شجرة كالمان والسفرجل والتفاح والكمثري والخوخ والمشمش والعناب وما أشبه ذلك. وسرجين البقر والحمير مخلوطان، للموز والبطيخ الأخضر. والغبار الذي على الكروم، يقوم مقام التارب الغريب. وإذا تراكم عليها نفعها، وتغبير الكروم بالزبل يضرها، وإنما التغبير به يصلح للخضر ونحوها، كالباذنجان والبطيخ والقثاء والخيار.
والبقول الكبار: كالكرنب والسلق والخس يزبل ثم يغبر بتراب أرض غريبة جدا طيبة، ومن تراب المزابل والصحاري والبراري. ورماد الحمامات ينفع الأرض والبساتين التي تولد فيها ديدان وحيوانات مضرة. والرماد خير للبقول من جميع السرجين، ويخلط معه زبل رطب، وإن احترقت الزبول المشهورة بالنار حتى صارت أرمدة، واستعملت نفعت أكثر الشجر والخضر، ولا ينبغي أن تزبل الزروع ولا الشجر ولا شيء من المنابت الصغار من أول الشهر إلى نصفه، ويبدأ من نقصان الشهر إلى آخره. وقيل تزبل الكروم في زيادة ضوء القمر إلى نصفه وهو أنفع. وأعلم أن من الأشجار والخضر ما لا يحتمل التزبيل، ومنها ما يوافقه ويحتمله، ومنها ما يحتاج إليه. فالذي يحتمل الزبل، الموز والنخل والكمثري والرمان والزيتون والتين والعنب والفستق وما أشبه ذلك. والذي لا يحتمل الزبل الريحان والياسمين والأترجّ والنارنج والموز. والتي يهلكها الزبل، السفرجل والقراصيا والتفاح والورد والصنوبر والمشمش وذوات الصموغ كلها فيسدها الزبل، وكذلك البنفسج والريحان والمردكوش والنعناع والموز والفجل واللفت والجزر. والذي لا يحتاج إلى زبل، الجوز والبندق والخروب الشامي والغار والحبة الخضراء والبلوط والزيتون البري والورد. وكذلك جميع الأشجار التي لها دُهن. والكرم يتسارع نموه كثيرا بزبل الناس وزرق الحمام والتراب المختلط، وصفته أن يحفر حول الكرم حفرة يجعل الزبل فيها مقدار ارتفاع أربعة أصابع ملاصقا للكرم ويغطى بقليل من التراب. وقيل لا يلاصق أصل الكرم البتة وهو متجه. والزيتون لا يزبل بقاذورات الناس أبدا، ويزبل بكل روث ولا يقارب أصله، وزرق الحمام أوفق له. وبعر الغنم والمعز مفردين إذا كثر منهما ربما أحرقا أصول الشجر. ووقت التزبيل من آب إلى كانون الثاني، وفي تشرين الأول. وقليل من زبل المعز يجود ويثمر الكروم إذا استعمل في أيلول وفي كانون الأول وفي كانون الثاني لا سيما في البلاد الباردة. وقلل الزبل للخضر في الصفي، وفي الأرض الحارة. أما في الأرض المعتدلة الحرارة فاستعماله يكون وسطا ويكثر منه في الشتاء وفي الأرض الباردة.
========
[أغلق]
* اقرأ * * نزّل * استشهد * شارك في ويكي مصدر *
علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب الثاني
الباب الثاني
سقي الأرض
اعلم أن السواقي التي تجري فيها الماء يكون حفرها في أرفع مكان ليكون مسلطا على جميع الأرض عند السقي. وطريقة حفر البئر تكون كما يلي: تحفر البئر حتى يصل الحفار إلى الماء فإذا رآه متغيرا أمسك عن العمل قليلا ثم يذوقه مرة أخرى، فإن تغير إلى الملوحة استمر في العمل، وإن تغير إلى المرارة غطيت البئر إلى الغد ثم يعاود الحفر حتى يتم العمل. فإذا كان عمق البئر خمس قامات، فليكن وسع فمها ستة عشر شبرا يدخل منها في الطي نحو ذراعين وتبقى تسعة أشبار. وإن كان عمقها أكثر من خمس قامات يوسع فمها أكثر، وإن أريد تكثير مائها زيد في تعميقها. وإن أردت أن يكثر ماؤها جدا بحيث يكون معينا، فاحفر بئر أخرى إلى جانبها غير متصلة بها، حتى تصل إلى الماء، ويكون عمقها أقل من الأولى بنحو ذراع ونصف، ثم احفر ثالثة كذلك، ورابعة ثم نفذ الآبار الأربعة إلى الأولى من قعر كل واحدة لتكون الأولى أما لها لتجمع مياه الجميع فيكثر ماؤها ويتضاعف. ومما يزيد في المنابع الظاهرة، وفي الآبار أيضا، أن يؤخذ مكوك ملح عذب فيخلط بمثله من الرمل المأخوذ من نهر جار وينجَّم تحت القمر ليلة، ثم يؤخذ من الغد، فيذر في أصل الينبوع أو يلقى منه في البئر كل يوم سبع حشيشات بقدر ما تحتمله الكف اليمنى فقط، فإنه عند استكمال ذلك يزيد الماء كثيرا، وإن خفت أن يكون للبئر بخار مؤذ مانع من الدخول فيه للعمل فإن البخار يخرج منه بالتلويح فيه بالأكسية وشبهها. وصفته أن يدلى فيه كساء كبير مروبط في حبل ويحرك بسرعة ثم يسحب إلى فم البئر بسرعة، وينزل بسرعة، فيخرج البخار الردي، أو يقوم على فم البئر عشرة رجال أو أكثرهم وبأيديهم أوان مملوءة بماء بارد، كل إناء يسع عشرة أرطال تصب كلها معا في وقت واحد ثم يطبقون العملية المذكورة سابقا فيخرج البخار. أو يقذف فيها ماء شديد السخونة ويغطى فمها بقماش كثفي ثم يزال عنها فيخرج البخار، أو يؤتى بآنية فيها تبن ونحوه ويوقد فيها نار، فإذا دخن أنزل في البئر وأخرج ويكرر مرات، فإنه يُخرج البخار لا محالة. ويعرف البخار بإضاءة شمعة وتدلى في البئر فإن لم تنطفئ فالبئر سليمة من البخار المؤذي، وإن انطفأت فالبخار ما زال هناك. ثم يمتحن بالشمعة مرة أخرى فإن لم تنطفئ فقد زال البخار. ويعمل لإزالة البخار أيضا حزم قصب وشبهه من البردي أو غيره، وتدلى بحبال وتحرك ثم ترفع وتنزل فيزول البخار.
وأما معرفة الأراضي التي تحتها الماء، والتي لا ماء تحتها فاعلم أن الجبال والأراضي التي تحتها مياه كثير محتبسة قريبة من وجه الأرض، يظهر على سطوحها نداوة ظاهرة تحس باللمس وترى باعلين، لا سيما في أول ساعة من النهار وفي آخر ساعة منه، ويظهر ذلك على وجه الأرض ويظهر فيها شبيه عرَق نداوة. ومتى أردت التيقن من ذلك فخذ شيئا من التراب السحقي فغبر به وجه حجارة تلك الجبال وسطح الأرض وانتظر إلى المساء فإن رأيت ذلك التراب قد تندى ففيه ماء قريب من وجه الأرض. وبقدر كثرة النداوة وقلتها، تكون كثرة الماء وقلته وقربه أيضا وبعده. ويستدل أيضا بما على وجه الأرض من التراب من حيث نعومته وخشونته وغير ذلك من الأحوال. وكذا إذا عجن شيئا من ترابها ووجدت فيها صمغية فهي ريَّانة فيها ماء كثير، وإذا رأيت المدار الذي على وجهها يابسا جدا فلا ماء فيها. وكذا يستدل بالسمع وذلك بوضع الأذن قريبا من الأرض فإن سمع في باطنها دوي في غور من الجبل فثمَّ الماء.
وأما الاستدلال بما جربه الحكماء، فمنه أن يحفر في الأرض التي ينبت فيها النبات حفرة عمقها ثلاثة أذرع، ويؤخذ إناء أو قدر نحاس أو نحوه كالرصاص، شبه الطست أو السطل الكبير سعته عشرة أرطال وقيل من فخار وتؤخذ قطعة صوف أبيض وتغسل حتى لا يبقى فيها طعم، وتنفش وتنفش وتربط بخيط وتلصق بقير في وسط الإناء وعلى جوانبه من الداخل بحيث لا تمس الأرض إذا انكفأ الإناء على وجهه، ويدهن جوف الإناء بقير مذاب أو شحم أو دهن.، ولا سيما إن كان القدر من فخار. فإذا غربت الشمس كفأت ذلك الإناء على وجهه في أسفل تلك الحفرة وغطيته بحشيش أو تراب قدر ذراع وقيل حتى تمتلئ الحفرة، فإذا كان من الغد قبل طلوع الشمس يزال ما غطي به ذلك الإناء برفق، ثم يقلب وينظر في ذلك الصوف، فإن كان قد استنقع الصوف في النداوة، ففي ذلك الموضع ماء كثير قريب وإن كان قد ترطب وتندى الصوف فالماء فيه وسط وإن لم يكن كذلك فالماء في غاية البعد، وإن كان جافا فليس فيه ماء أصلا أو حالت دونه طبقة من حجر صلد وإن كان في الصوف الذي قد استنقع حبات من الماء قد تعلقت، فالماء كثير وقريب، وتذاق تلك النداوة المتعلقة بالصوف فعلى قدر طعمها طعم الماء الدال عليه أو نحوه، وهذا مما جرّب مرارا كثيرة.
ومما يعمل به أيضا، أن تحفر حفرة عمق ذراع، ويؤخذ من تراب أسفلها فينقع فيه ماء عذب في إناء نظفي وتذاق التربة، فإن كان في طعمها المرارة فتلك الأرض عديمة الماء البتة، وإن كان يضرب إلى الملوحة الحادة فعديمة الماء أيضا، وإن كان طعمها إلى الملوحة الخفيفة فهي أقرب إلى الماء قليلا، وإن كان لا طعم له فالماء أقرب إلى وجه الأرض، وإن كان إلى التفاهة فالماء قريب من سطحها. ويشم ذلك التراب، فإن كانت رائحته كرائحة التراب المستخرج من السواق والأنهار الدائمة الماء، فبين الماء وبين وجه الأرض أذرع يسيرة، وكذا الرائحة الشبيهة بالعفونة تدل على قرب الماء، وكذا الشبيهة برائحة الطحلب ومما يدل على قرب الماء أيضا في الأرض السهلة أن ينبت فيها البطم والصعتر والسرو والسماق. ولسان الجمل والطرفا والخروع فإنها تنبت في المواضع الرطبة بالماء. وأما لسان الثور والبابونج والخطمي وكزبرة البير وإكليل الملك والخروع والخبازي والحندقوق فتنبت في مواضع تدل على كثرة الماء وقوتها وكثرتها وأغصانها وورقها وعروقها إذا خصبت تدل على كثرة الماء في باطن تلك الأرض وعلى قربه. ومما يدل على قرب الماء وعذوبته أيضا نبات القصب، لا سيما في الصفي والخرفي، فهو دال على كثرة الماء في باطن الأرض.
واعلم بأن أحمد المياه للسقي على الإطلاق الماء العذب، وهو أخفها وزنا وأوفقها للناس والحيوان والنبات. وماء لا مطر يصلح لما لطف من النبات، كالزرع والقطاني والخضر، وماء النهر العذب الصافي يصلح لسقي النبات على الإطلاق ولا سيما الخضر. والخضر كلها تحتاج إلى ماء كثير وماء الآبار والعيون يصلح لما له أصل كبير غائر في الأرض كالجزر واللفت الطويل. والحاجة إلى الماء في ثلاث أوقات من السنة: في الشتاء، وفي الخرفي، وفي الربيع. ففي الشتاء، لتحريك النبات بالدفء والرقة، وفي الخرفي لتعريضه للزبل الكثير، وفي الربيع للنمو والنشوء ونحو ذلك. وأردأ المياه المرّ، ثم المالح الأجاج وهما يصلحان للرجلة وهي البقلة والاسفاناخ والخس والهندبا والسوسن الأبيض، وهو الزنبق والملوخية. ومن أردأ المياه أيض القابض العفص، ثم ما غلب عليه طعم المعدن، والماء المالح الذي ينعقد منه الملح، وماء البحر، فيسدان ولا يصلحان لسقي شيء البتة.
واعلم بأن أحسن السقي في الصفي بالعشاء، وإذا كان السقي والقمر فوق الأرض فيكون أردأ منه إذا كان القمر تحت الأرض، ولا يبالغ في سقي الأرض الرملية. ويحمد سقي الأشجار في شهر آب، حيث يكون الحر على أشده. وكذلك في تشرين الأول في شدة البرد ولا يغفل عن ذلك، فإن السقي في شدة البرد يقتل الهوام والدول المتولد في أصول الشجر. ويحمد السقي أيضا وقت تفتح الأشجار بالورق والزهر، وإذا أفرط في سقيها والنهار كامل في شدة الحر لم يأمن من جفافها. وتسقى الأشجار حتى يصل الماء إلى أصولها. والبعل لا يسقى، وإن سقي الماء ضره، ويكفيه ماء المطر. والأشجار الجبلية لا تتحمل كثرة السقي، كالفستق والبندق والآس والكمثري والقراصيا وأشباهها. والزيتون يسقى فير تشرين الأول رمات عديدة وسقيه في الربيع حسن، ولا يسقى حتى يبتدئ بالنور، بل حتى يصير عقده قدر الحمص، فحينئذ يتابع سقيه إذا أريد حمله كل عام ولا سيما إذا جنيت ثمرته باليد برفق، ولم يُنفض بالعيدان والعصي، وإذا ضرب به أو نفض تكسر الأغصان ذات الحمل. والرمان يوافقه السقي الكثير، وإن لم يسقَ لم يضره. والورد يسقى في تشرين الأول، ولا يهمل سقيه فيه، ولا يغفل عن ذلك، ولا يدمن سقيه في آب، ولا يغفل عنه. والآس البستاني يتحمل الماء الكثير ولا سيما في الحر ويختلف عن الجبلي والقراصيا في كونه يبح الماء الكثير. وكذا العناب، وإن ترك لم يضره، والموز يحب الماء الكثير ويصلحه، وإن قلل عنه يضره وربما فسد. وكذا التفاح، يحب الماء الكثير، والسفرجل، ولسان العصفور، والبندق والأترج، والنارنج، والخوخ، والاجاص، والكمثري. أما الياسمين فيحب الماء المعتدل، والكرم يسقى بالعشي في نيسان وعند قطافه. والتين يسقى في تشرين الأول سقيا مبالغا فيه إلى أن يثمر وينضج، وقيل كثرة الماء والندى يضران الجبلي منه، لأنه بعل لا يشرب إلا من المطر. واللوز لا يحتمل كثرة الماء، وكذا الجوز. ويسقى الصنوبر بماء قليل، وكذا السرو، والشجر البستاني إذا زرع في البر يكثر حرثه ولا يحتاج إلى السقي. وغالب الأشجار من الفواكه وغيرها تنبت في البر والجبال ولا يسقيها إلا المطر. وكذلك غالب الحبوب كالحنطة والشعير والعدس والسمسم والحمص، بل يكاد أن يكون كل نبات من الأشجار وغيرها ينبت في بعض البلاد بغير سقي، إلا القليل من أشجار الشطوط والخضر والبقول، والكبار والصغار، فلاعتماد في ذلك كله على نزول الغيث في وقته.
واعلم أنه حال المطر من حيث كثرته وقلته ووقته يعرف من أحوال الشمس والقمر والسحاب والشهب التي ترمي بها الكواكب، والرعد والبرق وقوس قزح والضباب وما أشبه ذلك. أما الشمس فإذا طلعت شديدة الحمرة، ثم كلما ارتفعت اسود مكان الحمرة، دل على مطر شديد دائم، وربما كان أياما، وإذا طلعت وظهر معها سواد وسحاب أسود مظلم غليظ دل على مطر، وإذا طلعت أو غربت وفي جرمها ألوان تغلب عليها الحمرة أو كان شعاعها يميل إلى الصفرة أو السواد فدليل الشتاء والأمطار. وإذا طلعت من مشرقها نقية لا يحول بين الأبصار وبينها حائل من بخار أو قتام، دل ذلك على صحو. وكذا إذا كانت وقت غروبها في نقاء من غيم دل على صحو الغد وأيام أخر أيضا. وإن بدا قبل طلوع الشمس غيم ثم تقشع دل على صحو. وأما القمر فإذا أهل الهلال في الليلة الثالثة والرابعة من استهلاله وحوله نقط حمراء أو سوداء، دل على المطر الخفيف. وكذا إذا كان القمر في الاستقبال، وظهر حوله شيء أسود دل على مطر غزير، وكلما كان أشد سوادا كان المطر أكثر والبرد أشد. وكذا إذا ظهرت دائرة حمراء بلون النار، دلت على مطر مع ريح غريبة باردة شديد البرد. وإذا طلع القمر ليلة امتلائه وعلى رأسه كالبخار الحائل بين نوره والأبصار دل على مطر بعد ثلاثة أيام أو أقل، وإن ظهرت حوله هالة أو هالتان أو ثلاث دلت على مطر مع برد شديد، أما معه أو بعده. وإذا امتلأ القمر ليلة كماله وظهرت في السماء بعد ذلك بنحو ثلاث ساعات سحابة سوداء، فامتدت نحو القمر وظللته، دل على مطر شديد مع ريح وبرق. وكذا إذا رؤي الهلال في الليلة الثالثة أو الرابعة ضخما صافيا في يوم دجن، فذلك دليل المطر، والدارات التي تكون حول القمر إذا كانت ثلاثا أو اثنتين، فالمطر واقع، والدارة الواحدة الصافية إذا تمحقت بنوره، فهي دليل الصحو، والسحاب إذا كان أسود دل على المطر، وكذلك إن كان فيه رعد وبرق. والشهب التي ترمي بها الكواكب تدل على الريح والمطر، فإن كان الرمي في زاوية واحدة، فمعناه يكون الريح، وإن كان من الزوايا الأربع دلت على الأمطار من جهات متفرقة، وإن كان من أمكنة شتى دل على رياح مختلفة. وقال ابن قتيبة كانت العرب إذا رأت البرق لامعا من جهة الجنوب وما والاها استبشروا بالمطر ووعدوا أنفسهم بالسقي، وإذا لمع من جهة الشمال سموه خُلبَّا وهو الذي لا يمطر، وقوس قزح إذا كان في أثر الصحو دل على الشتاء، وإن كان في أثر الشتاء دل على الصحو، والريح الشرقية تهب من مشرق الشمس، والغربية تهب من مقابلها والت تهب من تلقاء يمين من يستقبل الشرق هي ريح الجنوب ومن تلقاء يساره ريح الشمال، والشرقية تسمى الصبا، والغربية وتسمى الدّبُور،. والموافق لجميع المنابت على العموم ريح الجنوب الحارة الرطبة، ويليها الصبا، ثم الدبور، ثم الشمال. وإذا هب ريح الجنوب وقد ابتدأ الأرتج في العقد أو بعده بيسير، يكبر وينمو ويطيب جدا. وريح الشمال تصحح الأشجار وثمارها من الأدواء وتسلم بتتابع هبوبه.
=========
علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب الثالث
الباب الثالث
غرس الأشجار والرياحين والأزهار
اعلم أنه يختار للبساتين أطيب الأرض بقعة، وأعذبها ماء وهي المستوية فإن لم تكن مستوية سويت ولكن قبل الغرس، لئلا تنكشف بعض أصول الأشجار. ويُستقبل بالبساتين المشرق إن أمكن، وتغرس الأشجار سطورا مستقيمة، ولا تغرس الأشجار التي لا تعظم مع التي تعظم ولا التي تتعرى أوراقها مع التي لا تتعرى، فهو أجمل. وتغرس التي لا تتعرى بقرب الباب والماء، كالأرتج والنارنج والسرو والليمون والآس. ويغرس السرو في أركان الترابيع. وكذا الحور وفي الزوايا ويجعل الشجر الشائك الكثير الظل كالصفصاف والحور الفارسي والميس والجوز والجميز مع حائط البستان من جهة الغرب والشمال. ويغرس كل نوع على حدة. وكذا ما ثمرته في وقت واحد، كالمشمش والتفاح الصيفي. ويغرس الورد على المجاري التي يسقى بها أو في ناحية. ولا يغرس الأرتج إلا في موضع مستور عن الريح الشمالي والغربي مكشوفا للريح القبلي. وينبغي ان لا يغرس غرس ولا يقلع ولا يركب تركيب في يوم ريح شديدة، ولا سيما الأيام الباردة. وكذا في الأيام الشديدة البرد وفي الريح الشمالية أو عند الهبوب لأن ما يغرس في هذه الحالة أو يزرع يكاد أن لا يثمر، ولا سيما الزيتون. وإذا قلعت الغرسات لتغرس في محل آخر وهبت الريح الباردة تدفن في التراب البري. ولا تترك في الماء إلا يوما أو يومين إلا إن طال زمنها في التراب فتنقع في الماء قليلا ثم تغرس. ولا يغرس غرس يوم الجمعة ولا يوم الأحد، فقد جربت كراهية ذلك. ويختار ابتداء الشهور وزيادة القمرن فإن الزرع في زيادة القمر يظهر النمو في الزروع واليقول والقثاء والخيار والقرع والبطيخ والباذنجان، وفي الرياحين. والفواكه يعظم ثمرها وتمتد أغصانها، وينقص ذلك في نقصان القمر، ولا ينجب زرع أبدا في نقص القمر.
وإذا كان القمر في البروج المائية والهوائية فهو أجود، ويحسن في أيام نقصان القمر قطع الأخشاب، فإنه إذا قطع الخشب في محاق الشهر لا يسوّس. وكذا يحمد فيه كسح الشوك والدغل من الأراضي. ويحمد فيه القطاف خفية الرطوبة الحادثة في زيادة القمر. والبعد بين الشجار مختلف، والقرب بينهما له آفتان: أحدهما، تقارب الفروع وتزاحمها، فيمنع الشمس من الوصول إلى المتداخل منها، وربما تكاثفت فيمنع وصولها إلى خارج الأغصان، فيقل الحمل. والثانية، تزاحم بعضها بعضا في عروقها بالأرض، فيقل وصول الغذاء المنجذب من الأرض إليها، لذلك ارتؤي التوسيع بينها. ويوسع بين الزيتون والتين والجوز مسافة خمسة وعشرين ذراعا أو خمسة عشر ذراعا على الأقل. والكرم واللوز والقراصيا عشرة إلى خمسة عشر ذراعا. والكمثري والتوت والمشمش من خمسة عشر إلى عشرين ذراعا. والتفاح والرمان دون ذلك، والأجاص أقل منهما، والأترج مثله وأكثر منه والسفرجل نحوه، والنخل من خمسة إلى سبعة أذرع، والآس مثله.
وأوقات الغرس تختلف باختلاف الأحوال والمكان، فإن كان البلد قليل الماء، فالأولى أن يكون الغرس في الخرفي ليلحق الأغراس رطوبة الأمطار خرفي وشتاء وربيعا. وقد تغرس بعد انفصال شدة البرد ودنو الأغصان من الفتح. والبلاد الباردة ينبغي أن يكون الغرس فيها بعد كسر الشتاء وقرب الأغصان من الفتح. وإن شئت غرست في الخرفي لقوة العروق في هذا الفصل، وتفضل جماعة من أهل الفلاحة القطاف إذا سقط الورق عن قضبان الكرم، ومنهم من يغرس في أول الربيع في سبعة أيام من شباط، والأجود أن تغرس المواضع المرتفعة اليابسة الضعيفة بعد القطاف، وأن تغرس المواضع الندية في آخر الأوقات. والأرض المالحة تغرس بعد القطاف. وقيل ينبغي أن تغرس البلاد الحارة في الخرفي، ويبدأ من نصف تشرين إلى أول كانون الأول، ثم يجتنب إلى سبعة أيام من شباط فيبدأ الغرس.
والبلاد الشتوية، ولا سيما الجبلية، ينبغي أن يكون الغرس فيها في آخر الربيع على ان يؤخذ في الغرس من الساعة الثالثة من النهار إلى العاشرة وتكون الأرض لا رطبة جدا ولا يابسة. والكروم في سائر البلاد شرقا وغربا، تغرس في الربيع، وقيل الأشجار الصلبة، كالزيتون والفستق والبلوط والدردار وأشباهها تغرس في الشتاء. والمتوسطة، كالتفاح والسفرجل والخوخ والمشمش والتين والعنب ونحوها، ففي الربيع بعد تفتحها. ولا يغرس شجر بعد ظهور ورقه إلا الرمان خاصة. وقيل الأجاص والتين لا يضرهما ذلك. ولا يغرس شيء من الأشجار البعل بعد الاستواء الربيعي. وهلاك الأشجار سقيها في الصفي. وأجود الغرس ما ينقل بعد أن ينزع باليد ما ينبت في أصول الأغراس وما حولها وهي طرية قبل أن يشتد لئلا تمتص قوتها وما تعوّج من الغروس يقوّم بالدعائم حتى يشتد ويستقيم. وتغرس الأشجار: أما من نوى فيما له نوى، أو من حب الثمر الذي لا نوى له، أو من أغصان تملخ ملخا وتقطع من الجهة التي تصلح، أو من أوتاد تعمل من أسفل صالحة، أو من أغصان نابتة في أصول بعض الشجر بقربها. فالذي من النوى يختار له النوى الجديد السليم من الآفة من ثمر نضج على شجرة قد عرفت بكثرة الحمل وطيب الطعم. ويغرس النوى في الأحواض أو أوعية الخزف الكبار الجديدة بعد أن يكون ترابها قد عولج بالزبل القديم وبالماء. ثم يوضع فيها النوى صفوفا في حفر عمقا ثلثا شبر أو أقل بحسب قوة النوى أ ضعفه ويغطى بالتراب. ويكون بين كل نواة وأخرى مقدار ذراع، ولا تترك أرضه دون سقي حتى ينبت ويصير قدره شبر. والذي يغرس من حبوب الأشجار التي لا نوى لها كالسفرجل والتفاح والكمثري والأترج والليمون والسرو والعنب وحب التين والتوت وما أشبه ذلك يوضع في إناء من فخار مثقوب الأسفل فيه تراب مأخوذ من وجه الأرض الصالحة لهذه الأنواع بعد أن يكون خلط بزبل قديم سليم ويسقى بالماء على حصير وشبهه لئلا يجرف الماء الحب، وإن أكن الرش باليد فهو أحسن، ولا يترك في الأواني أكثر من عام ثم ينقل ويُدَرّك ما يتخذ من الحب بعد أربعة أعوام أما ما أصله من القوي فبعد ستة أعوام. والذي يغرس من أغصان تملخ ملخا هو الآس والقراصيا والبندق والزعرور، وبعضهم يميل هذه الفروع وهي ملصقة ويطمرها في التراب حتى يصير لها أصول ثم ينقلها. والأغصان الصالحة للملخ تؤخذ من أشجار مزروعة في جهة الشرق أو الجنوب، وأما ما كان من جهة الشمال فلا خير فيه على ألا يتجاوز عمر الأغصان السنتين وأحسنها ما أخذ من وسط الشجر من جزئها الأعلى. ولا خير في أغصان أشجار الظل السبطة حتى لو نمت سريعا فإنها قليلة الحمل وتؤخذ الأغصان بعد طلوع الشمس عليها وتملخ باليد بلحاها ولا تقطع بحديدة حادة قاطعة، ويكون طول الملخ ذراعين فأكثر، ويحفر لها في الأرض قدر شبرين إن كانت مما ينقل، وأكثر من ذلك لما لا ينقل. ويكون الحفر على قدر الملخ، ثم يمدد مبسوطا ويجعل طرفه في كعب الحفرة ويتحرك أعلاه على وجه الأرض بطول اصبع، ويخلط تراب وجه الأرض بزبل قديم سليم ويذر عليه أقل من ملء الحفرة ثم يداس بالأقدام ويسوى، وقد تغرس الملوخ على السواقي.
وغرس الأوتاد يؤخذ لسنتين أو ثلاث، والوتد القصير يسرع نباته ونموه والوتد الكبير لا يدفع دفعا ويكون طوله نحو ذراع أو أكثر وغلظه غلظ الذراع أو يد القدوم وغلظ الرمح. ويكون في التوت والأترج والسفرجل والزيتون والجوز والنارنج، ويغرس على السواقي. وطريقته أن يعمل أولا وتد من عود بلوط أو خشب صلب، ويضرب في الموضع الذي يراد الغرس فيه، ويكون أطول قليلا وأغلظ، حتى يغيب منه في الأرض القدر الذي يراد حفره ثم يخرج وينزل في موضعه الوتد الذي يراد غرسه، ويضرب قليلا، ويجعل حواليه تراب مزبل أو زبل قديم حتى يمتلئ الفراغ إن كان هناك فراغ، ويسقى بالماء، وبعد حين ينقل ويغرس في مكان آخر فيجود. ومما يغرس أوتادا الفرصاد والكمثري والرمان، والغرس من الأغصان النابتة في أصول بعض الشجر أو بقربها والأحسن أن يقلع بعروقه إن أمكن ويغرس.
واعلم أنه يمكن تكثير الأشجار من شجرة واحدة في مدة قصيرة، وذلك بأن يؤخذ أواني من الفخار، كالقدور الواسعة الأفواه فيوضع غصن واحد بعد أن يثقب من أسفله بقدر ما يدخل الغصن إن كان من الياسمين أو الأترج أو الكمثرى أو الكرم أو غير ذلك ويسحب فم الإناء ثم ينزل فيه إلى منبته على أن يهيأ تحته ما يحمله إن لم تطق الشجرة حمله. ويضيق الثقب الذي فيه الغصن بالجص والتراب لئلا يخرج منه الماء والتراب، ثم يجعل في ذلك الإناء تراب طيب مخلوط بزبل قديم ويملأه كله حتى يبقى ما يتسع لري الغصن بالماء ثم يكبس التراب باليد ثم يترك حتى يجف ثم يتوالى سقيه مدة طويلة حتى تنبت له عروق في الإناء، بعد عام أو أكثر يقطع الغصن من تحت الإناء برفق لئلا يتخلخل التراب الذي فيه ثم فيصل وينقل بظرفه إلى حفرة غرسه ويكسر الظرف الفخار برفق وينزل مع ترابه في حفرته، ثم يسقى بالماء فور غرسه. وبهذه الطريقة يمكن للشجرة الواحدة أن تصبح شجرات كثيرة أما سقيه فمرتان في الأسبوع في غير الحر ويمسك السقي عند نزول المطر الجود فإذا انحبس المطر سقيت الأغراس مدة الشتاء مرة كل خمسة عشر يوما ثم كل ثمانية أيام على أن يزال ما ينبت حولها من العشب.
وغرس الأوتاد منكسة لا يضر، وكذلك جميع الأشجار. ويعمق الحفر للهواء والغذاء، والأجود في حفر أغراس الزيتون أن تكون أوسع وأعمق وهي تحفر قبل غرسه بعام. ويعمق الحفر في البلاد الحارة أربعة أقدام، وفي البلاد الباردة - بلاد الثلج - ثلاثة أقدام. ولا يقل معدل عمق الحفرة عن ذراع ونصف، ويزرع في كل حفرة من النوى والملوخ والقضبان اثنان، ومن الأوتاد ثلاثة فأكثر. وإذا ثقل الشجر الكبير عمق له وبقي في موضعه. أما البعل فلا بأس من نقله من حيث يسقى. وشجرة الزيتون إذا كانت ذات أغصان تقطع أغصانها بحديد قاطع وتغرس، فإن غرست بأغصانها نخرت وفسدت. والشجر الكبير مطلقا يجعل عند أصله جرتان من فخار جديد مملوءتان بماء عذب في أسفل كل جرة ثقب لطفي يجري منه الماء إلى أصل الشجرة جريا لطيفا دائما، وكلما نقص شيء مليء يدوم ذلك شهرين فربما أطعمت تلك الشجرة من عامها. وتنقل الشجرة بعروقها كلها إن أمكن - ولا سيما ذوات الصموغ منها بخلاف ذوات المياه - إلا أن قطع بعض عروقها لا يضرها. وذوات المياه أسرع تعلقا بالأرض وأكثر عطاء.
وكذا الملوخ والأوتاد والزيتون تغرس بعروق وبغير عروق وتغرس الأوتاد مبسوطة أو منكوسة أو مستقيمة، وتوضع معها حجارة وتداس ويدخل منها في الأرض ثلاثة أرباعها ويترك الربع فوق الأرض، ويلطخ موضع القطع بطين قد عجن بتبن. ويغرس نوى الزيتون في تشرين الأول، ويطعم بعد أربعة أعوام، ولا يتولى ذلك إلا رجل طاهر عفيف متنزه عن الفحشاء والفجور، فيكثر وينمو، ولا تقرب شجرة الزيتون امرأة حائض ولا جنب ولا عقيم، ولا سيما عند غراسها. ولا يضر الزيتون عدم السقي، ولا ينفض الزيتون ولا يضرب بالعصا وإلا تكسرت أغصانه الصغار وعيونه وإذا نفض فإنه لا يحمل في العام الثاني بانتظار أن ينشأ له عيون جديدة. وشجرة الغار تغرس قضبانها النابتة في أصولها وتقع بعروقها كلها، وإلا لم تثمر ويزرع حبه في الخرفي، وهي لا تحتمل الزبل فإن يهلكها. ويركب في شجرة الزيتون والبان والبطم ونحوها من ذوات الأدهان. وقيل يركب فيه السفرجل والتفاح، ومن خواصه العجيبة، هروب ذوات السموم من الموضع الذي يكون فيه، إلا الحيَّات. وإن دخن به على النار حتى يمتلئ الموضع بدخانه، جاءت الحيات إليه سراعا.
وشجر الآس ينبت في جميع أنواع الأرض إلا الشديدة الملوحة، وله صبر على العطش عجيب. وتوافقه الأرض الرملية، ويغرس أوتادا وملوخا أو مما يماثله أو من بزره الأسود. والآس يتبرك به في المنازل. ومن خواصه أن حبه إذا زرع في الأرض المرة امتص مرارتها أما عروقه وأصوله فإنها تفسد وتجعلها مرة ويصنع من حب الآس خبز فيؤخذ بعد نضجه واسوداده ويجفف في الشمس جدا ثم يدق، ثم يجفف المدقوق في الشمس يوما، ثم يطحن بالرحى، ثم يخبز فيكون خبزا طيبا، وينبغي أولا أن يسلق قليلا قبل تجففيه، ثم يغير ماؤه بماء عذب ويسلق به مدة طويلة، ثم يرفع ويجفف في الشمس، ثم يطحن ويخبز بخمير حنطة في الفرن أو على طبق وهو أجود ويغذي الجسم إذا أكل مع الأدهان واللحوم والسمن والحلاوة بالنشا. ولكن اللجوء إليه لا يكون إلا في أيام القحط والعياذ بالله تعالى. وشمّ الآس يحدث الأرق ويصلحه البنفسج.
والخروب أنواع، فمنه الخيار شنبر، ويغرس نواه في تراب جبلي مخلوط برمل وزبل قديم أثلاثا، ويسقى بالماء، وينقل بعد عامين في كانون الأول وشباط. ويغرس على عمق نحو أربعة أشبار وملوخه تفرخ كما أن البق لا يقرب عود شجر الخروب. والفستق يزرع ثمره غير مقشور كالفاكهة اليابسة، وبعضهم يضع الفستقة الكبيرة في صوفة منفوشة رقيقة حماية لها من الهوام، ويجعل شقها إلى أعلى، والتراب الأحمر الجبلي يوافق الفستق وطعمه الذي يزرع في المواضع اليابسة أطيب. إلا أن الأرض الرملية له أفضل، وهو يشبه البندق من حيث نباته في الجبال ودخول عروقه في الحجارة. ويغرس حبا أو عروقا مع أصولها، وغرسه عروقا أحسن من زرعه حبا. وكذلك ذوات القشور كلها لئلا تبطئ، وزرعه كاللوز والجوز متأخر من أول آذار إلى أول نيسان. ويتخذ الفستق أوتادا ويزرع النوى بعد نقعه في الماء يومين وليلتين في فخار، ويغطى بطبقة رقيقة من الزبل توضع في كل حفرة أربع حبات، اثنتين في الأسفل واثنتين فوق ثم يسقى بالماء فالذي ينبت ورأسه إلى أسفل فهو ذكر ولا يحمل. وقيل أن الأنثى لا تحمل حتى يجاورها الذكر أو يقرب منها، بحيث يلقحها مع هبوب الريح كالنحل، وينقل بعد عامين أو ثلاثة بظرفه ويسقى بالماء. وكذا القراصيا والبندق. وقيل أن الوتد والملخ من الفستق لا يثمر إلا إذا طعمت الأنثى بالذكر وبالعكس، ولا بأس من تركيبه على البطم واللوز والماء الكثير فيسد أصوله وجذوره، وزرعه بين البيوت عبث لا فائدة منه. والبندق كالفستق في جميع ما ذكر من الغراس بسائر أنواعه. وقيل أن العقرب يهرب منه.
واللوز يحب الأرض الرخوة وينمو فيها، والجزائر خير أرض له. ويغرس في الجبال لأنه يحب البرودة، وكذلك يغرس في الرمل ويمكن غرسه حبا وذلك بأن ينقع ثلاثة أيام في زبل مبلول ثم يخرج وتوضع كل واحدة في حفرة فيها تراب من وجه الأرض منكسة في الأرض على التراب المذكور، ويلقى الزبل المخلوط بالتراب عليها في عمق شبر بدعامة قائمة يصعد عليها. ولا يطمر اللوز على عمق أكثر من أربعة أصابع وإلا فإنه ينبت. وإذا نقع حبه ثلاثة أيام قبل غرسه في ماء وعسل حلا طعمه ولا بأس من وضع ثلاث حبات معا في كل حفرة، وينقل بعد عام إلى الأحواض، ثم ينقل بعد عامين إلى محل غرسه كما هو وزراعة اللوز تكون على أنواع فمنه ما يغرس أوتادا على السواقي، ومنه ما يزرع أغصانا تؤخذ من وسط الشجرة وقد تنزع قضبانه باليد جذبا، وتغرس الخلوف النابتة مه بأصولها في الخرفي لا الربيع أما حبه فيزرع في الفصلين. واللوز يورق ويزهر قبل الأشجار كلها، وإذا ربط رأس حمار ميت على شجرة اللوز لم تتناثر، والماء الكثير يضر باللوز وكذلك الأبنية ويركب في الخرفي في القراصيا والمشمش والخوخ، وفي ذوات الصموغ كلها، وإذا ركب الكمثري جاء كثيرا.
والصنوبر ثلاثة أنواع منه أنثى، والذكر لا يثمر وهو الأرز. وقضم قريش يشبه السرو، وكله في العمل سواء، يزرع حبه بعد أن ينقع في الماء ثلاثة أيام، ثم يغرس في نصف آذار، وينقل بعد سنتين أو ثلاث، ويغرس كالبندق ولا زهر له، بل سنابل، ولا يزرع ملوخا ولا أوتادا بل حبا ويغرس في أوان من الفخار الجديد في تراب مأخوذ من وجه الأرض مخلوط بزبل ويغطى بطبقة سمكها إصبعان من الخليط المذكور ثم يسقى بالماء وتوضع كل ثلاث حبات في حفرة، وبعضهم ينقعه في أبوال الصبيان عشرة أيام وقيل خمسة وينقل بعد عام إلى الأحواض بترابه، ثم ينقل من الأحواض بعد عامين أو ثلاث فيقلع برفق حتى لا تتكسر جذوره أو يقطع منها شيء ويغرس في حفرة عمقها أربعة أشبار ويسقى يوميا مدة ثمانية أيام ثم يسقى يوما بعد يوم مدة ثمانية أيام ثم بعد شهر يسقى كل ثامن يوم ولا تزبل الأحواض وإلا فسدت الأغراس وتقلم أغصانه كل عام من أيام الربيع فينمو ويشتد. وقيل إن نثر مع حبه شعير عند غرسه أسرع في النمو والإنتاج وطال لما لا يطول غيره في ثلاث سنين. وقضم قريش يثمر ثمرا صغيرا يشبه الصنوبر.
والجوز يحب الأرض الندية كما يحب الماء وينبت في الجبال إذا كانت هناك مياه ويغرس حبه في شباط وفي الخرفي ثم ينقل، كما يغرس من أغصان تنزع من الشجر، ومن قضبان أصول كما مر وبعض الحكماء كان يزرع اللب الصحيح لسالم، بعد أن يلف عليه صوفة منقوشة ليسلم من الهوام. وكذا فيعل في كل ذي لب له قشران من الثمار. والزبل يضر بالجوز ولكنه يحتاج أن ينبش أصله ويترك منبوشا يومين، ثم يعاد ترابه، والجوز يبطئ في الأرض اللينة ينتج. وقيل إذا نفع في أبوال الصبيان والتراب الخصب مدة خمسة أيام رق قشره. وكذا اللوز بعد أن يختار الجيد من ذلك، وإن نقع في ماء وعسل طاب وحلا وموعد زرعه وقت جمع ثمره. وإذا نقل الجوز ثلاث مرات بعد أن يقيم في كل مرة عاما في مكان حسن، جاد نباته وكثر حمله. وقال بعضهم: السقي بالماء يهلكه وفيسده، ويكفي سقيه في العام أربع مرات أو خمسا. ولا يقلم الجوز ولا يمس بحديد وهو يختلف عن جميع الأشجار ولا يشبه في طبيعته إلا التين، وهو لا يركب منه ولا فيه، ويعمر مائتي سنة، وتقشير عروقه يصلحه، وإذا غفل عنه فسد ثمره واسود وسوّس، لا سيما في الأرض الحارة التربة التي ليس فيها حجر ولا زبل، وطريقة تقشيره أن تقطع العروق التي في ساق الشجرة ولا يبقى منها شيء، لأن الباقي منها فيسد الشجرة وإذا عرض لها علة يرش عليها الماء الحار وتسقى من أصلها الدم - أي دم كان - ويوافقها دم الجمال مخلوطا بماء حار. والجوز مع التين والسداب ترياق لجميع السموم.
والشاهبلوط وهو القسطل أعذب من البلوط وأفضل، وأقل يبسا، وهو لا ينبت في المروج ولا على الماء أنه من الأشجار الجبلية البرية التي تنبت وحدها وهو يحب الهواء البارد وخصوصا ريح الشمال. وقد يغرس حبه كما يغرس من فروعه أو قضبانه فتزرع على عمق اثني عشر إصبعا وتنقل بعد سنتين وتطعم بعد عامين. ولا يجود في البلاد الحارة. ينبت على الحجارة، وينقل من الجبال بعروقه وترابه، ويغرس في حفرة عمقها أربعة أشبار، ويجعل في أسفلها رمل أو حصى مخلوط بتراب جبلي مأخوذ من وجه الأرض، ويغرس ثمره بعد تناهي نضجه في فخار جديد، في رمل مخلوط كما ذكر، وذلك عند زيادة القمر، وينقل بعد عام إلى حوض، ثم بعد عامين إلى مكانه الذي سيستقر فبه. وبين كل غرستين عشرون ذراعا فأكثر، وهو كاللوز والجوز يسقى بالماء الكثير إلى وقت اجتناء ثمره. وإن اتفق أن جرى الماء على أصوله ليلا ونهارا فإنه يعظم حبه ويكثر لحمه، وتركه بلا سقي لا يضره، والبلوط ينفع من السموم ومن الاستطلاق، ويصنع منه خبز وذلك بعد أن يدق ويوضع في الشمس يوما ويجعل معه شيء من دهن ثم يطحن، ثم يخبز بخمير حنطة، وإذا جف خلط مع الشاهبلوط بمقدار نصفه أو ثلثه ثم يطحنان ويعجنا بخمير، فخبز البلوط وحده مضر جدا فليتجنب.
والزعرور يسمى التفاح البري، ويؤخذ من بزره ونباته وملوخه الحمر نحو ستة أشبار ويزبل ويرمّد وهو بطيء الإثمار ولا يكون ذلك إلا بعد نحو عشرين سنة، ولا يركب في شيء ولا يركب فيه شيء إلا الكمثري فإنه يركب في الزعرور، يحتاج إلى الكسح كل سنة بحديد قاطع، والزبل لا يوافقه.
والعناب والنبق قيل هما شجرة واحدة، والصحيح أنهما شجرتان، ويغرس العناب من خلوفه، وإن أخذ منه قضيب وغرس فإنه يعلق ولا يزرع نواه، والنبق طويل العمر، طويل العروق، وتمتد عروقه طلبا للماء حتى تحظى به ولو على الجبال وهو لا يركب في غيره ولا يركب منه غيره، ويتحمل الماء الكثير لكنه إن لم يسق لا يضره. وقيل يغرس يوم الخميس في نقصان الهلال في حفرة عمقها نحو ثلاثة أشبار ثم يرد عليها التراب بلا زبل، ويسقى كل ثامن يوم من الشهر، ويزرع نواه في الفخار ويسقى حتى ينبت، وينقل بعد عامين، والنبق والعناب في ذلك كله سواء. وفلاّحو بابل يتحدثون عن شجرة النبق بالعجائب وهو حديث خرافة، وذلك أن شجرات النبق يتحدثن بالليل فيما بينهن ويتسائلن عن الأخبار، ومن ذلك حكاية عجيبة طويلة نقلها ابن وحشية تقول أن رجلا أراد قطع شجرة نبق فقال لعماله: إذا كان نهار غد فاقطعوا شجرة النبق الفلانية، فاتفق أن واحدا منهم بات عند النبق، فلما طلع القمر سمع الرجل شجرة نبق مقابلة لتلك الشجرة المعينة للقطع تقول: يا أختي غمني ما سمعت، وساءني ما عزم عليه رب الضيعة، وعجبت ن جهله، فهل سمعت شيئا؟ فأجابتها الأخرى: نعم، قد سمعت أنه أمر بقطعي، وغمني أكثر فما حيلتي، وما عساني أن أصنع وأنا أعلم بأنه لا تدور عليه سنة بعد قطعه لي حتى يموت، لكن ما ينفعني موته إذا أماتني قبله. فأجابتها الأخرى: إني لأعجب من جهله، أما سمع أنه ما قطع أحد شجرة نبق إلا انقطعت حياته بعدها بأيام قلائل، فأجابتها المعينة للقطع أن جهله يضر به ويجلب له السوء، وأما أنا فإنه إذا قطعني وبقي أصلي فإني سأغيب عنكن عشر سنين، ثم أطلع مكاني أما هو فإنه إذا مات فلا رجعة له إلى هذا العالم أبدا. وقالت لها الأخرى، اعلمي أنه أنا وفلانة وفلانة - تعني شجرتين قريبتين منها - لا نزال نبكي عليك وننتحب إلى أن ترجعي. قال: وسمعت نحيبا وبكاء ظرفيا ليس كبكاء الناس. قال فزاد أرقي ولم أنم حتى آخر الليل وفي الصباح أخبرت أصحابي ما سمعت فعجبوا، ومضينا إلى رب الضيعة فأخبرناه الخبر.
فقال إني لأحب أن أبيت الليلة في موضعك لأسمع ما سمعت فأنَّا لم نزل نسمع أن أشجار النبق يتزاورن ويتكلمن وكنت أكذب ذلك. قال: فبات تلك الليلة رب الضيعة، وبات القوم في ذلك الموضع، فلما جاء ذلك الوقت ابتدأت شجرة تقول للتي ستقطع: لقد سرني ما علمت من عدم قطعك اليوم، وليته يضرب عن ذلك. فقالت لها الأخرى، إن كفّ فهو مسعود، وسكتت الشجرتان، فلما أصبح الرجل، قام بازاء الشجرة ومعه الجماعة فأمرهم أن يرشوا على أغصانها وورقها الماء وأن ينبشوا أصلها ويطموه بتراب غريب، وأن يصبوا في أصلها الماء ففعلوا ذلك والله اعلم.
وشجر الكمثري يحب الأماكن الباردة وكثرة الماء وتغور في الأرض عروقه حتى يبلغ الماء. ويغرس أما بفروع تنزع من الشجر وأما الأوتاد، ويكون ذلك في الخرفي. وتنقى حفرته من الحصى، ويوضع عليه التراب مغربلا. وتؤخذ القضبان النابتة عند أصوله بعد أن تقلع بعروقها وطول وتده ثلاثة أشبار ويغرس عند السواقي في كانون الأول ويجود إذا استمر عليه الماء دوما وغرسه في شباط أجود وإن غرس في اليوم الثالث من الشهر أثمر بعد ثلاثة أعوام، وإن غرس في العاشر أثمر بعد عشر سنين أو لعشر بقين من الشهر أثمر بعد عشرين سنة وكذا إلى ثلاثين فليتأكد الغارس من ثالث يوم من الشهر. ويركب في السفرجل والتفاح ويتعهد بالسقي والزبل، لكن التقصير في ذلك لا يضر. وهو يقبل التركيب بسرعة وأن ضربته الدولة عولج بزبل الناس والبقر عفنين مع ورق كمثري يطم به الزبل مخلوطا بمسحوق التراب ويجبل روث البقر بالماء ودردي الزيت ثم يطلى به ساق الشجرة وأصول أغصانها فذلك يطرد الدود ويبعد عن الشجرة الفساد. ولا يؤثر فيها ريح الشمال أول الربيع في آذار ونيسان، وكذا الفواكه كلها إنها إن عولجت كذلك سلمت كل السنة. ومتى كان الشتاء باردا حتى يجمد الماء وينزل الثلج فإن الثمار تجود وإن ألقي في أصل الشجرة قليل من الثلج فإنه يعين على مقاومة الفساد فإن هبت شمال عقب الثلج أيضا كان عونا على تجنب الكثير من الأمراض، وإذا خرج ثمره قليل الحلاوة يابسا قليل الماء يغلى له ماء عذب في قدر ويصب في أصوله ويرش عليه وعلى الأغصان والأوراق مدة ثلاثة أيام والقمر زائد الضوء ويكرر أربع مرات فإنه يحلو ويكثر ماؤه وقد جرب ذلك ونجح ويزبل بروث البقر والخيل وورق الكراث يخلط جميعه بأجزاء متساوية ويوضع الخليط في حفرة فيها بول ويرش عليها ماء عذب ويقلب في الحفرة يومين أو ثلاثة فإذا نهض فرش على وجه الأرض حتى يجف، ويزبل به الكمثري وغيره من الثمر بلا تغبير بل تطمر أصول الشجر ثم تنبش وتسقى الماء حتى ترتوي فإنه يزيد في مياه الفواكه كلها، ويرطبها ويطيب طعمها.
والقنبيط يفعل العجب في حلاوة ثمر الكمثري والتين والعنب.
والقراصيا وهو حب الملوك يغرس من ملوخه وخلوفه ومن نواه، ونباته لا ينبت من ساقه، بل من أسفله وينقل من الجبال بعروقه كاملة. وكذا نقل كل ما له صمغ يحافظ على عروقه ولا يقطع منها شيء، وإلا لم ينبت. وقضبانه التي تملخ، تغرس في حفرة عمقها نحو ثلاثة أشبار. ونواه يزرع في الفخار أيام تطعيمه، بعد نقعه في الماء عشرين يوما. ويكون في الفخار في الخرفي أو الشتاء، وينبت في آذار، وربما تأخر شهرا وينقل بعد عامين. والزبل يضره وفيسده. ويركب بعضه من بعض أو من الخوخ وقيل يركب من اللوز.
والرمان منه الحامض ومنه الذكر وهو الجلنار. والعمل فيه كله سواء وهو يحب الماء كثيرا وبقدر ما يشرب منه بقدر ما يحلو. ويختار منه للفرس الحب الجاف لا ممتلئ فيحفر له بحافة مجرى الماء حفائر صغار، يجعل في كل حفرة بين سبع حبات وأربع عشرة ويسقى بالماء، ويزبل ويتعهد إلى أن ينمو نحو شبر، فيزاد في سقيه ثم ينقل بعروقه وطينه إلى حفائره رطبت بأبوال الناس أو الجمال أو البقر، وحياته تعتمد على كثرة سقيه، ولو كان ذلك كل يوم من حين يغرس، إلى أن ينبت بل إلى أن يحمل، وقيل يمضغ طرف القضيب الذي يغرس قبل غرسه فيحمل مثل حمل الأصل، ومما يزيد في مقداره أن يجعل مع قضبانه إذا غرست ومع حبه إذا زرع من الباقلي المدقوق بقشوره قدر ملء الكف أو يؤخذ حب الحمص ويدق ويبل باللبن الحليب ثم يجعل معه، وإذا طلي أسفل القضبان بالعسل الجيد مقدار أربع أصابع، أو صب على الحب المغروس عسل، فإن الرمان يخرج حلوا بلا نوى. وتغرس ملوخه وأوتاده منكسة، فلا يتشقق قشر حبها. والرمان سريع التجاوب مع محيطة مما يجعله عرضة للتغيير في طعمه. وطريقة زرعه قضبانا تكون كالآتي: تغرس في الحفرة الواحدة ثلاثة قضبان أو ستة أو تسعة أو اثنا عشر لا أكثر، ويكون ذلك في الثامن والعشرين من شباط إلى الرابع والعشرين من آذار، وتوضع القضبان في الحفرة وتطمر وتداس بالأرجل حتى يشد التراب أصولها ويسقى قليلا بعد ساعتين أو ثلاث من غرسه ثم يسقى كالعادة بعد ذلك. وإذا غرس معه الباقلي المدقوق أو دقيق الحمص باللبن كما مر ينقلب الحامض حلوا ويكون نوعه أجود من حيث كبر الحجم وصغر النوى. وإذا دق الجرجير وعصر وصب ماؤه في أصل شجرة الرمان انقلب حلوا، وإذا لطخ أصل شجرة الرمان الحامض بروث الخنزير انقلب حلوا أيضا، وكذا إذا نبش عن جذور الرمان وسقيت بأبوال الناس بعد تلطيخه بروث الخنزير. وقيل يجود الرمان إذا زرع حبه طريا عند استخراجه من الرمانة بلا تجففي شرط أن يصب عليه بعد وضعه في الأرض شيء من ماء الرمان المعصور باليد لا بهاون ونحوه وهي طريقة مجربة وناجحة. وإذا أردت أن يخرج الرمان بلا نوى شق القضيب الذي تغرسه نصفين من طرف إلى طرف بسكين حادة استخرج ما فيه من اللب والصوف ثم اجمع النصفين وشدهما في ثلاثة مواضع واغرسه فإن رمانه يخرج بلا نوى. وإن زرع حول شجرة الرمان عنصل أبعد عن ثمره التشقق، وقضبان الرمان متلفة للحيات والعقارب وسائر الهوام الضاريات، ولذلك يتخذها الطير في أعشاشها لتقي فراخها من الهوام وتهرب الحيَّات - ولا سيما الشجاع الأسود والأرقم - من دخانه خشبا وقشورا وأغصانا. وشجرة الرمان إذا قل حملها أو تساقط قبل أن يكبر تطوق بطوق من القلعي والأسرب مخلوطين بأجزاء متساوية فإنه يمسك حملها وبين شجر الرمان والآس مؤاخاة، فإذا غرسا معا كثر ثمرها، وإذا أردت أن تعلم كم رمانة تحمل الشجرة خذ أول جلنار تزهر عليها وعد حبها الصغار، فإنها تحمل تلك السنة بعدد ذلك الحب.
والسفرجل يغرس أوتادا وملوخا، فإذا غرس ملوخا يمدد في الحفرة تمديدا وقد يغرس الحب فينجح ويكون ذلك في تشرين الأول وهو يحتاج للسقي كثيرا. أما غرس الأوتاد منه فيكون في كانون الأول وهو لا يتحمل بل ه سم له، والسفرجل يركب في جنسه وفي جميع أشجار الفاكهة. ويضيَّق ما بين أغراس السفرجل مخافة أن تصل الشمس إلى ثمره فتحرقه أو يضعف ويصبح خشنا.
والتفاح تغرس خلوفه وملوخه وأصوله بعروقها وكذلك قضبانه. وقد يغرس وتده وبزر ثمره بعد أن يترك حتى يجف، ووقته الربيع والخرفي، ويزرع والقمر بدرا، وهو لا يقوى على الزبل ويركب فيه الكمثري فيجود جدا وهو مجرب. وإذا خرج زهر التفاح قبل ورقه فتلك سنة حمله.
والخوخ من أنواع المشمش، إلا أن المشمش أطول عمرا. والخوخ يحمل أربع سنين وفي الخامسة ينقطع حمله. ويسميه أهل الشام الدراقن، ولا يسقى دائما وتكبر شجرته سريعا وإن طعم بشجر الأجاص أو اللوز عاش كثيرا. ويمن زرع نواه على أن ينقل بعد سنتين. ونقله يكون في كانون الآخر وزرع النوى من نصف آب إلى آخر شباط. وإن غرس الورد تحت شجر الخوخ احمر ثمره.
والأجاص - وهو عيون البقر - يحب المواضع الباردة الرطبة، وتغرس خلوفه بأصولها أو ملوخه كما يزرع نواه ويكون ذلك في شباط ويزبل بروث البقر وغيره من الزبل مع تراب ناعم ويسقى مرتين في الأسبوع وثلاث مرات أيام الحر. ويمكن تركيبه في البرقوق والقراصيا وأمثالهما من ذوات الصموغ وهو لا يقوى على تحمل الزبل بل يسرع الزبل في إفساده، إلا إنه يحب الماء. وقيل إذا غرست أوتاده وتعهدت بالسقي وترعرعت، وهو يركب في اللوز والخوخ أي الدراقن.
والمشمش إذا زرع نواه يكون أجود ويكون ذلك من شباط حتى آخر آذار وينقل بعد أن ينبت ويقوى وتنبش أصوله بعد شهر من نقله ويزبل مرة في الأسبوع. ويزرع والقمر بدرا.
والتوت يزرع حبه فينبت وأجوده ما زرقته الطيور من البالغ غاية البلوغ على شطوط الأنهر والسواقي وهو إما أن يزرع من أغصانه الغلاظ كل قطعة بطول ثلاثة أشبار ويسقى أو يغرس من ملوخه الحمر الملس في طول أربعة أشبار، وكذلك من أوتاده بغلظ الذراع أو غلظ الساق. والتوت يحب الماء كثيرا وورقه في الثاني غذاء لدود الحرير. وينقى شجر التوت كل عام وينزع ما تعقد من أغصانه ففي ذلك صلاحه. وإذا هرمت شجرته تقطع من أعلاها في كانون الأول ويبقى الجذع بطول قامة ويطين موضع القطع بطين أبيض حلو فلا تلبث أن تعود قوية كما كانت. ووقت غرسه من عشرة من شباط إلى آخر آذار أو بعده بأيام وهو يقبل التركيب على ما يشبهه ويشاكله ويمكن خلطه بالطحين ثم يعجن ويخبز. وقيل لا يسقط أحد من شجرته ويسلم من الموت أو الكسر أو الخلع بخلاف السقوط من الزيتون.
والتوت الحلو وكذلك التين، منه ما هو على أصول قديمة ومنه عن تركيب مع مثله لا غير، وغرسه في الخرفي والربيع، والإفراط في الماء وفي الزبل يضره ويمكن إنباته من ملوخه أو أوتاده أو قضبانه أو من بزره وتغرس أوتاده على السواقي قائمة أو مبسوطة أو منكوسة فتجود. ويترك من ملوخها فوق الأرض ثلثي شبر لا أكثر، وكذا وتدها، وينقل بعد عامين أو أكثر. ونقله من أول كانون الأول إلى نصف آذار. ويزرع حبه على أن يؤخذ من التين المختار الياس، وينقع في الماء حتى يرطب ثم يخلط بروث البقر ويلطخ حبل غليظ بهذا الخليط ثم يقطع ويوضع في التراب بمقدار نصف شبر ويتعهد بالسقي حتى ينبت، وغرس بصل العنصل معه ينفعه، وكلما تقادم كثر حمله. نزول الغيث الباكر يوقف نضج التين وإذا وضع الزيت في فم التينة أسرع نضجها واستعمل العسل بدل الزيت أحسن. وشوكة العوسج إذا دس منها واحدة في فم التينة لا يمضي عليها أكثر من يوم وليلة حتى تنضج. والتين قوت ويصنع منه خبز كما تقدم وأشعة الشمس والكواكب تنفعه أما القمر فيضره. والريح الشرقية تنعشه وتقويه.
والجميز أشد حرارة من التين وشجره يكبر أكثر من التين.
والنخل يغرس نواه في حفرة عمقها نحو ذراعين وكذلك عرضها، تملأ ترابا وزبلا بمقدار نصف ذراع ويوضع النوى في وسط التراب مضطجعا ثم يلقى عليه التراب المخلوط بالملح بمقدار أربعة أرطال لكل قفيزين من الرمل والتراب حتى يطمره. وتغطى الحفرة بحطب الكرم ويسقى كل يوم حتى ينبت، ثم ينقل وبعضهم لا ينقله. ومن يحب الأرض المالحة لذلك يحفر حوله كل سنة ويلقى عليه ملح وهذا مما يسرع نموه وحمله. ولا يزرع النخل أوتادا ولا ملوخا. أما غراسه فتنقل إلى حفر عمقها شبران ثم تطمر بالتراب والزبل والملح، وتسقى على الفور ثم تسقى كل رابع يوم ويذاب الملح بالماء ويلقى على أصولها مرة كل خمسة عشر يوما ثم يخفف سقيها فيصبح مرة كل ثمانية أيام. وينبغي أن يصب الماء في أصول النخل مرة في كل سنة مخلوطا بدردي الشراب العتيق. وقيل مرتين في العام إلا في الأرض المالحة فيستغنى عن ذلك بالملح في أصولها. ويقطع جريدها في الربيع أي في نصف آذار أو نحوه لا قبله ولا بعده. ويصنع من طلع النخل وجماره خبز وذلك كما يلي: يؤخذ الطلع إذا أخضر وتشقق قشره عنه فإن كان رطبا قطع مع قشره بالسكين قطعا صغارا ثم يجفف بالشمس، ثم يدق ويطحن ويعجن دقيقه بخمير وماء حار وملح ثم يؤكل، وإن سلق بالماء سلقتين أو ثلاثا كان أجود.
أما الكرم فيغرس طولا في خنادق عرض الخندق قدمان وعمقه شبران ويحفر أسفل تلك الحفرة حفرة أخرى عمقها ثمان أصابع يوضع فيها من الزبل ما يكفي، ثم يطمر القضيب ويسوى ما حوله من الأرض، وبعد سنة يحفر حول الكرمة وتزال الجذور التي على وجه الأرض بمنجل من حديد فجذور الكرمة تمتد في كل اتجاه وتغرس الكرمة في الخرفي وتوجه أغصانها في البلاد القليلة الماء نحو الشرق والجنوب ما أمكن وتنحى ع الغرب والشمال ما أمكن ويترك لها عند التقليم والكسح أغصان بطول نحو ذراعين وتكون الفرجة بين الغرسة والغرسة خمس عشرة ذراعا وتسند إلى أشجار لا ثمار له أو على أشجار لها ثمار لكنها قليلة الجذور كالرمان والسفرجل والتفاح والزيتون إذا كان لا تفريع متباعدا، وبعضهم يغرس شجرة التين مع الكرمة لما بينهما من التجانس. وينبغي أن تكون قضبان شجرة الكرمة وسطا بين القديم والجديد أي أن يكون عمرها دون أربع سنين والأفضل أن لا يكون القضيب عريضا و خشنا ولا خفيفا ولا متباعد العقد بل يكون لينا رزينا، وإن قطع القضيب ولم يغرس بسرعة يدفن في أرض رطبة أو في إناء من خزف بين طبقتين من تراب خصب وكذا إذا حمل من بلد إلى بلد فإنه يصل سالما ولو بعد شهرين. وإذا نقعت القضبان في الماء يوم وليلة ثم غرست علقت، ولا ينبغي أن يترك غرس الكرمة بعد قطعه في تراب ندي أو في ماء فإنه ييبس ولا يعلق. وإذا نقلت الغرسات من مكان بعيد وضربها الريح نقعت يوما وليلة في ماء عذب ثم تغرس، وينبغي أن تغرس القضبان بين أول ليلة من الشهر القمري حتى خامس ليلة فإنه يكاد لا فيسد منه شيء ويجود حمله. وتقطع الغراس من الكرم في أول النهار حتى مضي ثلاث ساعات منه، وتغرس مائلة إلى جهة الشرق. ولا يجب أن يباعد بين القضبان في الحفرة ولا يجمع بين زرع الأسود والأبيض في حفرة واحدة، ولا يداس ترابه بالأرجل بل يسوى بالأيدي بلطف وتزال عيون قضيبه بالطمر إلا عينا واحدة. وقيل الكرمة، التي تعرش على الشجر تكون أقوى وأجود وأحسن إذا عرش على الخشب والقصب. وقيل، الكرمة النائمة على الأرض أفضل من المعرشة لمحبة الكرمة للتراب، والمعرشة لا توافقها الأماكن الباردة جدا. ووضع قطع الصخور الصغار بين الغروس يدفع عنها الآفات، ويعجل بإنباتها وكذلك التراب المجموع من الطرق وفيه الأزبال وتبن الكتان فإنه يخلط حتى يصير شيئا واحدا ثم يجعل في أصول الكرم ترعرعت الكرمة ونمت ويكون ذلك من نصف تشرين الأول إلى نصف تشرين الثاني. وقيل: كان آدم ونوح عليهما السلام يزرعان البزر من النصف الأول من آذار حتى آخره في كل بلد، ويزرع بينه القثاء والقرع والبقلة وذلك ينفعه. وقيل أجود ما يزرع بين أغراس الكرمة الباقلي والماش والكرسنة واللوبيا، ويمنع زرع الكرنب فإنه يضره كما لا يزرع الحمص لملوحته، ولا اللفت ولا الفجل، ولا يغرس معه التين ولا في البلاد الباردة، ولا الزيتون، ولا الرمان، ويباعد بين شجره ما أمكن، فذلك أنفع من جعله متقاربا ويكون بين الكرمة والكرمة مقدار خمسة عشر قدما فأكثر، ويجود الكرم في الأرض السهلة، والرياح الجنوبية نافعة للكروم جدا. وعنب العرايش أطيب من الجفان، لكن الجفان أكثر حملا. وعند قطع أوتاد العنب يترك منها غرناسان في كل غرناس أربعة أعين، وبعد ست سنين يترك في كل دالية أربعة غرانيس.
والأترج يغرس في الخرفي بقرب الحيطان، لتستره من الريح الشمالي لأنه يضره، أما ريح الجنوب فينفعه، ويغطى بعض الوقت بالحصر ونحوها. ويزرع في المكان الدافئ ويضيق بين أشجاره ليحمي بعضه بعضا من الجليد والريح البارد، وتغرض أوتاده في آذار وتكون بطول ذراع في غلظ ما يملأ الكف ويختار منها الناعمة الخضراء فإنها خير من اليابسة. وقد تسلخ قضبانه الناعمة سلخا بالأيدي وتغرس كما يمكن غرس نواه، أما نقله فيكون من أيلول إلى آخر كانون الثاني، لكن غرسه أوتادا أفضل ويكون ذلك من آذار ونيسان حتى منتصف أيار في أحواض خلطت تربتها بالزبل ويكون بين الوتدين ثلاثة أشبار ثم يسقى بالماء. وإذا زرعت أوتاده يحذر من شقها أو تخديش قشرها عنه الغرس، ويتعهد شجر الأترج بالكسح والتخفيف إذا ثقل حملها أو استطال أغصانها، ويجب أن يجنى ثمره بعد بلوغه واستحكام صفرته فإذا ترك أضر به ضررا بالغا. وقد يكبر حتى لا يقوى الغصن على حمله. ولا يغفل عن سقيه إذ ليس في الأشجار أعظم حاجة منه إلى الماء في الصفي والخرفي والشتاء والربيع، لأنه شجر مائي وبعر الغنم ينفعه كثيرا. وفي البرد يحفر حوله ويطمر الزبل الحار، ثم يسقى بالماء وإن خلط بعر الغنم ببعض رماد الحمامات كان أجود وموعد زبله في الخرفي والربيع. والأترج إذا غرس مع شجر الرمان احمر ثمره. وإذا طلي ثمره في الشتاء بجص معجون بالماء قاوم الثلج. وقشر الأترج إذا مضغ يزيل رائحة الثوم، وأكله يقوي الأحشاء الباردة، وإذا جعل في الثياب منع التسوس.
والكباد المصري يزرع بذورا أو يغرس أوتادا، ثم ينقل بعروقه. وقيل ينقل بعد عامين، ويغرس في الجهات التي تطلع عليها الشمس، ولا يركب في شيء، ولا يركب منه شيء من الأشجار.
والليمون يزرع بذورا في أوعية سقيت بالماء، ولا يكاد يجف ترابها حتى تنبت، ولا تنقل غرسه حتى تجف أرضه ويكون بقدر قامة الإنسان وليس أقل. وقد يزرع أوتادا فيؤخذ العود الأملس منه ويقطع أوتادا كل وتد بطول شبرين ونصف، يغيب منها في الأرض شبران، ويبقى شبر ونصف ظاهرا ويسقى يوميا على مدار ثمانية أيام، ثم يسقى كل أربعة أيام هكذا ثم كل ثمانية أيام ثم كل خمسة عشر يوما وتنبش أرضه نبشا خفيفا دون مس الأوتاد أو التراب الذي حولها، ويحبس عنها الماء في الشتاء.
والنفاش يزرع بذرا أو ينقل بعروقه مجردة من تراب مغرسه، وقيل يغرس أوتادا وينقل بعد عامين، ويركب في نوعه وغيره مما يشبهه.
والسرو يزرع من بزره وهو أن يبدر ويزرع عليه شعير ثم ينقل، ولا يغرس أوتادا ولا ملوخا، وكيفية زرعه من حبه أن يؤخذ جوزه الأخضر الناضج من شجرته في أواخر شباط، ويستخرج منه بزره ثم يزرع في التراب الأحمر المرمل، ويغطى بطبقة رقيقة من رمل مغربل لم يعرض لأشعة الشمس. ويحفظ من المطر قبل نبته لكنه يسقى بالماء العذب كل أسبوع مرتين، وبعد عام ينقل بعروقه وترابه ويسقى كل أربعة أيام حتى يقوى ثم يسقى كل ثمانية أيام وهو يتطلب العناية حتى ينمو. ومن خواص السرو إنه إذا بخر به قضى على البق أو ما يعرف بالفسفس.
والأبهل يزرع مثل السرو وكذا العرعر، والسبستان توافقه الأرض الرخوة اللينة ويغرس أوتادا أو بذورا في شهر كانون الأول ولا يركب في شيء ولا يركب فيه شيء، وتفلح شجرته في البلاد الحارة، ولا تفلح في الباردة وهي تحتاج إلى التشذيب. وقيل إنها شجرة الجن، يجتمعون إليها بالليل وهي لا ترتوي من الماء قط.
والميس، وهو القيقب، توافقه المواضع الرطبة إلا أنه ينبت في كل أرض وينمو في كل مكان إلا في الأرض السوداء الحارة، فلا يكون بها البتة. وهو يزرع من ملوخه ومن نواه. والزرازير تأكل منه وترمي حبه في زرقها فينبت في الربيع ويمكن نقله دون كثير عناء وهو من الأشجار المحبة للماء، وزرعه في الكروم يفيد أشجار الكرمة ويقويها.
والازدراخت يمتد كالياسمين والكرمة، وهو كثير بأرض عكا من الشام، وهي شجرة لها ساق كساق الكرمة وأصل كأصل النخل، وورق كورق الصفصاف، وزهر في عنقود كعنقود العنب، أبيض كلون الياسمين، يزرع فسخه أو نواه في الخرفي حين يعرى من ورقه، ولا يزرع أوتادا ولا ملوخا، وهو يحب المياه بكثرة والزلزلخت تنقل شجرته أو من شتله النابت حوله. والياسمين تغرس قضبانا وتفصيل ذلك أن تنتقى من الأغصان التي ظهرت في العام الماضي ويكون غرسها في نيسان وتسقى بالماء دون انقطاع حتى تعلق. وينبغي أن يغطى في البرد، فإن الثلج يحرقه، ويمكن زرعه ملوخا أو أوتادا أو شتلات. ويغرس في شهر شباط وآذار وأول نيسان.
والورد النسرين كالياسمين في كل ما ذكرنا، ولشجرته شوك، وهو يجود في الأرض الرطبة والماء العذب فينفعه أما الماء المتغير فيقتله. والخيزران ينقل من البر إلى البساتين ويركب الياسمين منه فينجب ويكون نقله بقلعه مع ترابه في آذار، ويغرس عند مجاري المياه. لأنه يحب الماء الكثير، وينبت البحري منه بقرب شاطئ البحر، ويمتد كالياسمين ويسمى في بلاد الشام قف وأنظر. وشجرة البان والخلاف والحيلاف والصفصاف كلها تحب الماء الكثير وهي تغرس قضبانا أو ملخا أو أوتادا أو تنقل نقلا وهي سريعة الانطلاق كيفما زرعت وموعد غرسها في شباط وآذار غرس يسقى كل أسبوع مرة.
والحور بالحاء المهملة من خواصه أنه مع خفته شديد الحمل قويه وإذا عتق وانكسر لا ينقض كالخشب الصلب الثقيل، بل يتعلق بعضه ببعض، وقيل: قلّ منه ما يموت من الكبر وتصنع منه أخشاب تستعمل في سقف البيوت بدمشق، ويمكن إنباته بغرس قضبانه أو أوتاده أو ملوخه أو نقله نقلا ويكون ذلك في شباط، ويشذ ما ينبت في ساق شجرته ومن طبيعته أن يعلو ويكبر جدا. وهو يحب الماء وينمو به سريعا، ويكون غرسه قريبا بعضه من بعض فذلك ينفعه ويقويه. وأما الفارسي منه فإنه كالسفساف لا يطول ويعوج كما أنه سريع النمو لا سيما إذا كان على الماء. ويقال أن الكهربا هو صمغ الحور الرومي.
والدرداء ثمرته تسمى لسان العصفور، ويكون إنباته إما من أوتاده أو ينقل نقلا بعروقه وموعد ذلك في الخرفي، ويركب على نوعه وعدى غيره كالزعرور والفستق، والدلب ثمره لا يؤكل لأنه سم كله، وهو يطول كثيرا كما أن خشبه يصبر على الماء إذا استعمل في النواعير والسواقي، ويصبر على الندا فلا يعفن وموعد زرعه في شباط وفي آذار والمعروف أنه لا يركب فيه ولا منه. والدفلي وهي شجرة قتالة لا ينجو من الموت من أكلها من الناس أو البهائم، ووردها الأحمر أعظم سما وأشد فتكا وهي لا ثمر لها، وإذا طرحت قطعة خشب من الدفلي في حفرة وسط بيت ورش البيت بماء وملح دون أن ترش الحفرة اجتمعت فيه البراغيث. والبشام شجر طيب الرائحة يستاك به، ويسميه أكثر الناس البلسان، لكنه ليس هو، ويكون إنباته أوتاد أو ملوخا أو شتلات، وموعد ذلك في الخرفي عندما تسقط أوراقه وإذا شذب أو قلم فسد وذبل وهذا الشجر أكبر من أشجار البلسان، وساقه وأغصانه ليست ناعمة وورقه يميل إلى الاستدارة وهو أكبر من ورق الصعتر.
والعليق يزرع نقلا أو قضبانا أو بزرا جافا وموعد زراعته تشرين الأول وفي كانون الثاني. والعوسج يتخذ لتحصين البساتين والكروم كالعليق، وزرعه يكون قضبانا أو أوتادا أو بزرا أو ينقل نقلا وهو سريع النمو.
والورد أنواع وألوان يحتاج للعناية والسقي، ويمكن إنباته من بزره أو من ملوخه أو ينقل بعروقه ويغرس في أول الخرفي بعد نزول الغيث، ويغرس بزره في آب في الأواني ويغطى بطبقة من الزبل سمكها إصبع ويسقى بالماء حين زرعه مرتين في الأسبوع حتى يجيء فصل الربيع فيستغني عن الماء، فإذا قوي ونما نقل إلى الأحواض كما يمكن غرسه قضبانا أو ملوخا ويكون طول القضيب أربع أصابع ويترك في الشتاء بلا سقي وكذلك في الخرفي لأن الأمطار تغذيه وتنبش أرضه، وإذا نقل من مكان إلى آخر اقتلع من ترابه ولا يتحمل الماء الكثير ويغرس في البساتين في تشرين الأول. والورد لا يتحمل الماء الكثير ويمكن أن يركب في العنب وفي اللوز فيزهر مع اللوز حين يزهر اللوز كما يمكن أن يركب في التفاح وأشباهه. وتغرس أصول منه مجتمعة كل ستة أو ثمانية معا في قواديس طول كل قادوس نحو ذراعين، وبعد أن تملأ بالتراب الصالح وتعهد بالماء.
وقصب السكر يغرس في عشرين آذار ويمكن غرسه من ساقه أو من جذوره بعد أن تسوى الأرض ويطرح فيها زبل كثير قديم وروث البقر زبل نافع له، وهو يزرع في أحواض طول الحوض اثنا عشر ذراعا وعرضه خمسة أذرع، ويختار منه القريب العقد الغليظ الحجم، لأنه إذا كثرت عقده كان أكثر لقحا، وإذا غلظ كان أكثر مادة، وتدفن قضبانه في التراب حين قطعها وتترك فيه إلى أول آذار فتخرج القضبان ويقطع كل واحد قطعا طول كل قطعة شبران وتقشر باليد ولا يمسها حديد، وتغرس في تلك الأحواض بعد أن يدفن منها في الأرض ما مقداره أربع عقد، وقي ثلاث عقد، وقيل ست عقد، يدفن منها أربع عقد ثم يوضع عليها روث البقر والفرجة بين القطعة والقطعة ذراع، ويجري هذا في تشرين الأول، وقيل في كانون الأول على أن يتعهد بالسقي حتى ينبت. ويقطع القصب الحلو في كانون الثاني من كل عام، ويعمر القصب الحلو ثلاثة أعوام.
والقصب الفارسي يتخذ للبناء وهو أصل قصب السكر، وتعتمد حياته على الماء والعناية وموعد قطع هذا القصب في أول الخرفي. أما طريقة غرسه فيؤخذ منه الأخضر الغليظ ويقطع ويغرس مبسوطا في خطوط من الأرض. ولا يغرس القصب في موضع فيه دخان، لأن الدود يتولد فيه، أما قصب الأقلام، فمواضعه الجبال الجافة، ولا ينمو في البلاد الشديدة البرد، وإن وجد في بعضها فإن يكون رخوا ورقيقا جدا كقصب الحصر والأقفاص. ويوجد من قصب الأقلام ما هو غليظ جدا حتى إنه يصنع منه أقواس يرمى بها البندق الطيني على الطيور، ومنه القنا، وهو قصب في حجم القصب الفارسي، غير أنه متين جدا، ومنه تتخذ الرماح، وله عقد كعقد القصب، والطباشير هو أصول القنا المحرقة ويقال إنها تحترق لاحتكاك أطرافها عند عصف الرياح فيخرج منها الطباشير، وأجوده الخفيف الأبيض السريع الفرك والسحق، وهو بارد في الثانية يابس في الثالثة، وقيل في الثانية ينفع ضعف المعدة والتهابها ويسكن العطش ويقوي القلب.
والموز له أوراق طوال عراض، طول الورقة نحو اثني عشر شبرا، وعرشها نحو ثلاثة أشبار، ويسمى حمله قاتل أبيه، ويتخذ منه شبه صل يكون في أصوله وهو لا ينبت في البلاد الباردة، ويقلع في شهر آذار بأصوله، ويغرس في حفرة عمقها شبران أو ثلاثة، وتكون المسافة بين الشجرة والشجرة ستة أذرع. فإذا غرس ردم بالتراب والزبل دون الدوس عليه بشدة ويسقى من فوره بالماء ثم يسقى مرة كل أربعة أيام حتى آخر آذار، فيسقى كل ثمانية أيام مرة ويطعم بعد عامين، فيظهر فيه عنقود واحد في أعلاه فيقطف وفيه اخضرار، فيعلق في البيوت وشيئا فشيئا ينضج وإذا قطع العنقود سقطت الشجرة وخلفها من نباتها غيرها وأصل توليدها يؤخذ الثمر الطيب ويدق معه أصول القلقاس في موضع مشمس دائم، ويسقى دون انقطاع، ويكون في موضع لا تناله الرياح حتى ينبت، فيكشف عن أصله ويشق بقطعة ذهب، ويوضع فيه نواة ثمر طيبة، ويشد عليها بورقة بردى أو بخيط صوف، ويطين بطين لزج ثم يدفن على عمق أربعة أصابع ويسقى كل يوم حتى ينبت فيخرج منه الموز. وغرسه في كانون الأول وشباط ويطعم آخر الصفي. وقيل يدخل في الشق ثمرة مشدوخة وتكون النواة أنثى وهي النواة القصيرة.
==========
علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب الرابع
الباب الخامس
تقليم الأشجار وكسحها وتذكيرها وتحسين حملها وحفظه
اعلم أنه إذا ضعف من الفروع شيء ينبغي قطعه لترجع المادة إلى الأقوى، ويقطع ما نشأ في غير موضعه، ويكون الكسح في الشتاء قبل جري الماء في العود. والزيتون ينبغي أن تكون عيونه أكثر، ويكون الكسح في الزيتون كل ثلاث سنين أو أربع، أما ما ينبت في السواقي فيقطع كل سنة. وأول تشذيب الشجر يكون من الحادي عشر من تشرين الثاني حتى الرابع عشر من كانون الأول. والكمثري يشذب تشذيبا خفيفا أما السفرجل فشذبه كفي شئت. والأجاص والبرقوق يشذبان بلطف. أما التين فإنه يجود بالكسح، ولا يضره كثرة ما يقطع منه، وكذا الكرم به إنها ينموان أكثر بالكسح، ولا يضره كثرة ما يقطع فإنها تجود بالكسح الكثير. والبندق وأشجار النُفل تحتاج إلى الكسح في صغرها قبل إثمارها فإنها تنمو وتطول، ولكنها لا تقطع بحديد إلا بعد أربعة أعوام، لأنه سم لها بل تقطع باليد وإذا قطعت بالحديد فلا يكون بالضرب فإنه يؤذيها وإن كان موضع القطع كبيرا يطين بطين لزج من تراب أبيض.
أما التقليم فيكون على علو قامة الإنسان. وذوات الألبان يوافقها الكسح كل عام، كالتين والتوت أيام جمع ورقه، وليحذر من سلخ جسم الشجرة أو شقه والشجر الهرم يقطع بالمنشار أو بغيره من أسفله، ثم يعرك موضع القطع بالطين لئلا يسوس أما الشجر الشاب فيبقى ويخفف من أغصانه أما الجوز والحور فاقطعه كفي شئت والحور الرومي تصلحه التنقية وتقويه، وكذا الميس والرند قلمه ونقه كفي شئت، وإن قطع أعلاه صلح وعاد أجمل مما كان. والزيتون لا يضره ما قطع منه، وإن جف عرق منه وقطع من عند الأخضر عاد إلى حالته الطبيعية، وإن بقي شيء من اليابس لا ينبت شيء في أسفله وإذا قطع الزائد من قضبانها زاد حملها. أما وقت قطعها وبعد جني ثمرها، وكذلك العنب والخروب والبلوط. يكسح الزيتون بكلاّب حديد ضربا متتابعا. والأشجار ذوات الأصماغ لا تتحمل الكسح ولا التقليم ولا قطع أعلاها إذا جاوز ذلك قدر قامة الإنسان كالخوخ فإنه لا يمس بحديد، وكذا السفرجل والقراصيا والتفاح والأجاص والصنوبر، وإذا قطع أعلاه لم يعد كما كان، بل ينبعث فيه شعب ضعيفة هزيلة. والنارنج والليمون والسرو وأشباهها مما لا يسقط ورقه يقلل تقليمها، وكذا الرمان والتفاح والفستق والأجاص والبشم لا تقلم. وإذا توقف شجر عن النمو أو يبس أعلاه يقطع بحديد قاطع أو منشار على قدر ذراع من الأرض أو أكثر ويتعهد بالسقي والمداراة حتى تثمر، وقد عولج بهذه الطريق كثير من الشجر كالسفرجل والرمان وغيرهما فعاش نحو مائة سنة.
وحب الملوك إذا ضعف يقطع من أسفله، لا من أعلاه، والتوت إذا ضعف يقطع أعلاه، فإنه يعود كما كان، والأترج والنارنج والليمون والياسمين تقطع الشجرة أو تنشر على وجه الأرض إذا يبست ويتعهدها الزراع بالسقي فإنها تعود سريعا كما كانت. وشجرة الخوخ إذا ضعفت وهرمت تقطع بالمنشار من فوق وجه الأرض بنحو شبر ويكون ذلك في تشرين الأول، ثم يرد التراب عليها وتسقى بالماء كل ثمانية أيام، فإذا نبتت تسقى كل خمسة عشر يوما مرة إلى آخر الصفي، ويتكرر ذلك في العام الثاني والثالث، فإنها تعود شجرة كما كانت ويكثر حملها. وشجرة الأجاص والتوت وشبهها مما يسقط ورقه، إذا هرمت تعالج بالقطع، فإنها تلقح لقحا جيدا، وترجع فتية. والأشجار التي ييبس جزء كبير منها تقطع من أعلاها إلى موضع ليس فيه يبس، ويكون ذلك في الخرفي، فإذا تعهدها صاحبها بالعناية والدراية رجعت كما كانت. وفي تشرين الأول ينقى الورد بالأيدي من العشب ثم يقطع جميع ما حوله من النبات والعليق، وتنبش أرضه في تشرين الثاني يقطع جميع ما فيه من اليابس وكذلك في نصف نيسان، لا تمس حتى فصل الربيع.
وأما تذكير الشجار فالتين الذكر وهو الفج البيض أو الأخضر، ووقته في أيار وطريقته أن يجنى التين الذكر حين يبيض أو يصفر وتبدو في فمه فتحة صغيرة يخرج منها حشرة تشبه البعوض فينضم منها اثنتان أو أكثر في شعرة أو خيط، ويعلق على أغصان التين وهو طري ناعم وحجم التين الذكر بقدر الفولة أو نحوها. وإن فرش في أصل شجرة التين رماد - أي رماد - كثر نتاجه واخضراره. وقيل إن علق ورق السوسن عليها لم يتساقط ثمارها وإن كشف عن أصلها وطليت عروقها وغصونها بثمرة الفرصاد لم يسقط ثمرها قبل نضجه، وكذا إن حشيت عروقها بملح فإن يسرع في نموها وحملها. وقيل يخلط ماء الزيتون بماء عذب ويصب على أصلها فيكثر حملاه. ومنها الرمان فإن علق على شجرة من أصول لسان الجمل حتى يجف فإن ذلك يكثر في حملها ويمنع فساد لونه وقشره. وإن تساقط الرمان قبل نضجه دخن بالخزامي من حوله، وإذا علق في ثلاثة أغصان أو أربعة منها في وسطها من ناحية الجوف صرر في كل صرة وزن درهمين كمون فهو ذكارة لجميع بطونها وإن علق عليها صفائح رصاص لم تسقط ثمرتها. وقيل يثقب الأصل بمثقب ويضرب فيه مسمار من عود الطرفا فيكون ذلك ذكاره. وإن جمع أغصان الطرفا في حزيران بورقها ونورها فإذا كان صباح اليوم الرابع والعشرين جمع قبل طلوع الشمس وجعل ذلك على شجر الرمان بين أغصانها فإنه ذكاره. وقيل أوفق ما يكون أن يجعل في أصل كل شجرة مقدار حمل من الرماد - أي رماد كان - في شهر كانون الثاني ويسقى بالماء ثلاث مرات فإنها تجود. وإن غرس بصل الغار إلى جنب شجرة الرمان بحيث تلتحم عروقهما كان ذلك نافعا له. وكذا إن غرس الآس إلى جانب الرمان زاد حمل الرمان وطرد عنه الآفات. ومما يزيد في حجم الرمان أن يجعل مع قضبانه أو حبه إذا زرع دقيق الباقلاء بقشوره وبقدر ملء الكف وذلك بأن يلقى في الحفرة وتغرس القضبان عليه، وأحسن من ذلك أن يدق الحمص معه ويبل باللبن الحليب ويجعل مع القضبان أو الحب إذا زرع، ويصب على الحب في حفرته العسل، فيخرج شديد الحلاوة بغير نوى. ومنها النخل وهو شجر لا بد من تلقيحه بكش نخلة ذكر وهو معروف ويكون ذلك حين تنفرج الشماريخ ويصب الحب كالأقماع وطريقته أن يؤخذ الشمراخ من كش النخلة الفحل ليحرك فوق النخلة. ومنها الفستق يذكر بالبطم، وإذا أخذ ورق السرو وجفف ودق ناعما حتى يصير غبارا ثم يذر على شجرة الفستق مع كل ريح تهب مدة ثلاثة أيام أو خمسة، فإن حب الفستق لا يسقط وقيل يكون بين كل مرة وأخرى عشرة أيام. وقيل يعمل بورق البطم مثل ذلك. وقيل يؤخذ حب الحبة الخضراء أو ورقها وينظم في خيط ويعلق على الفستق فهو ذكارة. وقيل، يذكر الفستق بالذهب الخالص، فيؤخذ منه زنة ثمان حبات أو سبع حبات شعير ويقسم أربعة أقسام ويكشف عن جذورها بعمق نحو شبر ثم توضع تلك القطعات فيه من أربع جهات ثم يرد التراب عليها. وقيل ينقر بمثقب في أصله في أربع جهات، ويوضع في كل ثمن دينار من الذهب.
ومنها الخوخ إذا تساقط قبل نضجه تعلق عليه العظام وأحسنها عظام الكلاب، فإنها تحمل ولا يسقط ثمرها عنها، وإن علقت عليها الخرق الحمراء واللبود الحمر الموجودة في المزابل أمسكت. وقيل يكشف عن أصلها ويشق ويضرب فيه وتد كبير من عرعر حديث طيب الرائحة، ويرد عليه التراب، فإنها تحمل، وكذا المشمش والموز والقراصيا والأجاص. وإذا دق وتد من خشب الصفصاف في أصل الخوخ تقلص حجم نواه. وحب الملوك - وهو القراصيا - يؤخذ من أول حملها نواة واحدة، ويشق أصل الشجرة أو يثقب، وتوضع تلك النواة فيه فهو تذكيرها. والكمثري - وهو الأجاص - يذكر بالذهب، وذلك بأن يكشف عن أصلها أيام إزهارها ويشق في أربعة مواضع متوازية، ويدخل في كل شق سير من الذهب، ويرد التراب على أصلها، فلا يسقط ثمرها ويكثر حملها. وقيل يؤخذ ربع دينار من ذهب ويعلق في أعلى الشجرة وقد جرب كثيره وقليله فنجح. وقيل يوضع الملح في أصلها في كانون الأول. وقيل إذا لم تحمل شجرة الكمثري فاثقب في أصلها ثقوبا على السواء، واضرب في كل ثقب مثل إصبعك في الطول وتدا من عتيق خشب الصنوبر الأحمر حتى يغيب ويستوي مع الأصل، ثم غطه بالتراب، فتحمل ولا يسقط ورقها وهي عملية مجربة. وقيل يكون الوتد من العرعر. ومما يكبر الكمثري أن تثقب ساقها قريبا من الأرض وتدخل فيه وتد بلوط ويضرب حتى يغيب ثم يطمر بالتراب. ومما يزيد في حلاوته وعصارته المائية صب ماء عذب في أصل الشجرة بعد غليه في قدر ويرش منه على أغصانها وورقها كل شهر يوما عند زيادة القمر فإذا تكرر ذلك أربع مرات كثر الحمل وحلا وزادت عصارته. وإذا طلي ساق شجرة الكمثري بعكر زيت، وكذا كل شجرة لها قبض أو حموضة زال قبضها وأسرعت حلاوتها. ومما يزيل الدود منها وينضجها تزبيلها بزبل خليط من روث البقر وغائط الناس وورقها. فينبش عن جذورها ويطمر مخلوطا بتراب ناعم جاف. وكذا روث البقر إذا سحق وخلط بتراب الطرق المسلوكة وبل بماء عذب وخلط بدردي الزيت ثم طليت به أصول شجر الكمثري فإن ذلك ينفعها ويدفع عنها الفساد. وقيل يذكر شجر الكمثري بالطرفا تدخينا. وإذا أردت أن يكثر حمل الكمثري ويكون حلوا كالعسل، فاثقب في أصل شجرتها القريب من الأرض ثقبا نافذا واضرب فيه وتدا من عود دردار أو صنوبر، حتى يمتلئ الثقب أو عود بلوط، وغطه بالتراب.
وأما شجرة اللوز فإنه إذا أخذ الريش القصير من الطير فجعل في خرقة حمراء أو لبد أحمر وعلق على شجرة اللوز لم يسقط ثمرها. وقيل إذا أزهر، تعلق عليه خرقة حمراء قرمزية فإن زهره لا يسقط وإذا لم يحمل اكشف عن أصله في الشتاء واثقب فيه ثقبا وضع فيه عود دردار واسقه بولا عتيق وغطه بالتراب، وكذا الجوز تؤخذ خرقة من صوف أحمر أو لبد أحمر ويصر فيهما الناعم من ريش الطير ويعلق على الجوز فلا يسقط ثمره. وإن طرحت زهرها علق عليها خرقة حمراء قرمزية فإن لم تحمل يثقب أصلها ويوضع فيه عود دردار. وقيل تعلق عليها خرقة صوف أحمر يصر فيها ريش ناعم يؤخذ من أي طير كان في مواضع منها، فإن حملها يعظم ولا يسقط. وقيل يشق أصلها في موضعين ويدس في ذلك عود عرعر وقراضة ذهب أحمر يوطمر بالتراب فإنها تحلم.
وأما المشمش فتوضع عند أصله العظام والشقف والحصى فإن ثمره لا يسقط. وأما الزيتون الذي لا يحمل فإن أخذ رجل أسود ملء يمينه من حب الزيتون الناضج وأخذ بشماله فأسا وحفر في أصل زيتونة نقص حملها أو غيرته آفة ويكون ذلك يوم السبت، ودفن ذلك في أصلها بحيث يقع حب الزيتون على العروق وغطاه بالتراب وصب عليه من أول ليلة الأحد الماء وكذلك في الليلة التالية فإن تلك الشجرة يكثر حملها وثمرها ويكبر ورقها ويطول بقاؤها. وإن عدمت الماء لا يضرها. وإذا بلغ ثمرها لا يسود، بل يستمر أصفر إلى بياض، وهذا من الخواص. وتبن الباقلي إذا ألقي عند أصولها ثم سقيت لا يسقط ثمرها ولا ورقها. وإذا زرع الرمان مع الزيتون كثر حمل الزيتون. وإذا سقط ثمر الزيتون قبل نضجه تؤخذ حبات فول مما فيه الدود فيدفن في أصل الزيتونة، ثم يغطى بالتراب والروث، فإن ثمرها لا يسقط قبل نضجه. وقيل يجعل حواليها قليل من ملح وزبل بمقدار نصف قدح عند أصلها، ويغطى بالتراب الناعم، ويحفر بعد ذلك فإن الثمر لا يسقط قبل نضجه. وكذلك الرند والفستق والزعرور والقراصيا. وأما التفاح فإنه يعلق عليه - إذا نور - بصل الغار فيتماسك ثمره. وقيل يثقب أصله ويسمر فيه عود طري من صنوبر، فإنه يذكره ويدفع عنه الدود.
والخروب منه ذكر وأنثى، فإذا لقحت الأنثى بالذكر نفعها. والعنب إذا سقط ثمره وهو صغير يلقى في أصله رماد عتيق فإنه نافع له. وإن أريد تكثير حمله تؤخذ ثلاث قرون من قرون العنز وتدفن منكسة حوالي الكرمة، فإنه تحمل حملا كثيرا. والأجاص، وهو عيون البقر، ذكاره أن يكسر بعض أغصانه النابتة معلقة غير منفصلة فتحمل حملا كثيرا. وكذا إذا حمل عليها الدوالي، فإنه كلما كثر ثقله عليها حملت حملا وافرا. وقيل إن ضرب وتد من الدردار في أصلها عند أزهارها وانعقاده كثر حملها، واشتدت حلاوته. وإن ثقب من أصل الشجرة بمثقب غليظ ثقبا وأدخل فيه عود بلوط، كثر حملها وحلا وطاب. وإذا قلّ حمله أو سق، يكشف عن أصله على عمق ذراعين من كل جهة، ويصب الملح ثم يرد التراب عليه ويدك بالقدم ويسقى ساعات ويغمر بالماء ويكون ذلك مرة واحدة في كانون الأول، فإنه يكثر حمله ولا يسقط ورقه ولا ثمره.
وأما الأترج والنارنج فيضرب في أصله تحت الأرض وتدان من خشب الليمون ومن الآبنوس ويغطى بالتراب فذلك نافع له. وإذا ذُكِّر بالذهب في أربعة ثقوب في الأصل حمل ومما يزيد في حمله وحجم ثمره ولذة طعمه أن يحفر حوله بلطف ويزبل بغائط الإنسان القديم ثم يسقى بالماء فينتفع به انتفاعا كبيرا. ومن التذكير العام لسائر الأشجار إذا قلّ حملها بأن يكشف عن أصولها من ناحية الجنوب ويثقب فيه ثقبا نافذا إلى الشمال، ويؤخذ قضبان من شجرة زيتون ويدخلان في ذلك الثقب مخالفين بطين معجون بشعر، فإن تلك الشجرة تحمل إن كانت شجرة زيتون أو غيره، ويفعل ذلك أيضا بقضبان الدردار والبلوط. ومن تذكير الشجار أيضا على العموم ورق السرو إذا جفف ودق ناعما وذر على الشجرة أي كانت في وقت إزهارها ثلاث مرات أو خمس مرات في خمسة عشر يوما، فإنه لا يسقط حملها. ومتى كثر سقوط الحمل من أي شجرة كانت يثقب في أصل تلك الشجرة ثقب واسع يدخل فيه حجر ويضرب بقوة حتى يغيب فيها، ثم يطين بطين أبيض، فإنها لا يسقط من ثمرها شيء. أو أن يكشف عن عروقها برفق، وتحشى الحفرة بتراب أبيض فلا يسقط بعد ذلك من ثمرها شيء البتة، ومنه حشيشة يذكر بها الشجر تنبت مع القمح والشعير، ذات حب أسود تقلع ويصنع منه اكاليل يوضع على كل فرع شجرة مثمرة إكليل فإنه لا يسقط ثمرها بعد ذلك البتة، ويزيد حملها. وبعضهم يصر شونيز القمح في خرقة ويعلقها في عنق الشجرة فتمنع تساقط ورقها. وقيل إن زرق الحمام إذا وضع على أصول الشجر مبلولا بالماء فيعل ذلك. وقيل إن طوقت الشجرة من أسفل بطوق من رصاص وغطي بالتراب فعل ذلك أيضا. وقد جرب المجربون في تثبيت الثمر حتى لا يسقط قبل النضج أن يكتب رقعة فيها هذه الآية (إنّ الله يُمسكُ السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهُما من أحد من بعده) وتعلق على الشجرة. وقيل تكتب آية أخرى وهي (إن الله يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه إن الله بالناس لرؤف رحيم) أو تكتب الآية (ولبثُوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا).
وقال جماعة من الحكماء: يمكن الحصول على تمر حلو لذيذ إذا سقيت منابت الشجر بالماء المحلى بدبس النحل. ويسقى الرمان الماء مخلوطا بالعسل وكذا البطيخ والقثاء. ومما يقوي الكروم ويحسنه ويزيد فيه ويسمن حمله أن تُحرق أغصان الخلاف مع ورقه ثم يخلط رمادها بروث البقر المحروق أو المسحوق وينثر الخليط على ورق الكرم. وكذا ينثر على ورق البطيخ والقرع وما أشبهها مما ينبت منبسطا على وجه الأرض ولا يقوم على ساق. ومما ينفع الكرمة ويسرع في إنباته وضع قطع من البلوط بالقرب من جذورها أو نثر الكرسنة جريشا مدقوقا في هاون كما ينفعه الخليط المصنوع من تبن الباقلي وتبن الشعير وتبن الذرة وخشب الكرمة المضروب بالعصا وروث البقر وإذا خلط مع قليل من ورق الخردل أبعد عنها الحشرات والهوام. ومن علامات نمو أشجار الكرمة ودلائل صحتها أن يخرج من كل عقدة في الغصن عنقودان أو ثلاث وقيل أن أسراج المصابيح في الليل بين أشجار الكرمة ينفعها كثيرا. وكذلك إذا جعل عند جذورها قليلا من العنب والزبيب المرضوض أو غير المرضوض فإن يزيد من عصارته. وإذا توقفت شجرة عن الحمل يشق أصلها ويدخل فيه حجر فإنها تطعم على أن لا يكون الحجر مدحرجا. ومما جرب تهديد الشجرة بالقطع بعد أن تضرب ضربة خفيفة فيقول صاحبها إني سأقطعك إذا لم تحملي فيشفع فيها رجل آخر بقوله دعها، فإنها ستحمل من قابل فيتركها فتحمل وهذا ما اتفق عليه الفلاحون والمجربون، وبهذا استدل الحكماء أن للنبات نفسا مدركة وكذلك يصنع بالتي تحمل سنة ولا تحمل أخرى.
=============
علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب الخامس
الباب الخامس
التركيب وأنواعه وهو المسمى بالتطعيم والإضافة والأنشاب
وهو أنواع
النوع الأول من أنواع التركيب وهو الذي ينشب في اللحاء والعود، ويسمى تركيب الشق، ويكون هذا في شجر الزيتون وطريقته أن يؤخذ بعد قص الشجرة بالمنشار عودا يابسا يبريه بري القلم فيدخله بين العود والقشر لئلا ينشق القشر وذلك بعد جري الماء في العود ليسهل فصل القشر عن العود، ثم يخرج العود اليابس المبري ويدخل القلم موضعه ويسد سريعا ويطين بطين أبيض لزج مخلوط بتبن كثير ويكون قشر القلم مما يلي القشر والعود والقلم ويبرى كبري الأقلام من جانب واحد. هكذا فيتح للبرية على قدرها وطولها وعرضها من جلد الشجرة ومن عودها في موضع المقطع، وتدخل تلك البرية فيه بواسطة حديدة ملساء أو بواسطة خشبة صلبة وطريقة ذلك أن يُدخل برفق بين القشر والعظم في الموضع الذي تريد غرس القلم فيه، ويُرفق بالقشر لئلا ينشق، ثم تسحب الحديدة أو الخشبة وتدخل برية القلم وتشد على القشرة في موضع نزول القلم بخيط صوف غليظ مفتول أو حاشية ثوب قوية يلف حوله لفا محكما لئلا ينشق القشر أو يتساقط عن العظم، وتغرس الأقلام حتى تغيب البرية كلها والقشر للقشر والعظم للعظم ولا باس إن خولف وتكون البرية على هيئة شفرة السكين التي حدها رقيق وقفاها غليظ، فيجعل الجانب الغليظ من جهة الخارج من الفرع، والرقيق إلى جهة داخله لينطبق الشق عليها انطباقا تاما وعند البري تجعل الأقلام في ماء عذب وإذا كان الفرع الذي سيركب فيه بغلظ الساعد وضع فيه قلمان، وإن كان أغلظ وضعت أربعة أو أكثر.
النوع الثاني من أنواع التركيب، وهو الذي يكون من القشر ينزع وفيه العين قبل أن تتفتح، فيركب في غصن آخر يقشر ويوضع فيه بالأنبوب والرقعة ويكون في الفاكهة والزيتون والخروب والتين. فالشجرة الكبيرة يقطع أعلاها وتثبت فيها أغصان جديدة تركب فيها ويكون ذلك في شهر كانون الثاني وشباط ويزال ما في أصل الشجرة من نبات يخاف أن يلقح لترجع المادة التي أعلاها كلها، فإذا لقحت يزيلها في أول حزيران ويترك للشجرة الصغيرة أكثر من الكبيرة، وللقوية أكثر من الضعفية، ثم بعد ثمانية أيام أو عشرة تفحص تلك الأغصان فإن أحمرّ عند أسافل قشرها فالتركيب نجح وإن كانت خضراء كلها تركت إلى نصف آب وهو آخر وقت تركيبها، فإن احمرت قشرتها من جهة أصلها تركب في ذلك الوقت. وطريقة ذلك أن تقصد شجرة منتجة ويؤخذ من أغصانها ما هو قريب من الأرض من جهة الشرق أو الجنوب ويكون فيه عقدة أو عقد تسمى العين تقطع أطراف هذه الغصون وهي بعد في شجرها وذلك قبل أربعة أيام من موعد أخذ اللقاح ثم تقطع وتخرج تلك العين في أنبوب مع قشرها، أو يؤخذ الغصن الذي فيه الأعين ويقطع بسكين حادة من جهة طرفه الرقيق وبرفق وتقطع العين مع القشر حتى تبلغ السكين العظم فذلك هو الأنبوب، وتكون العين في وسطه، وطول الأنبوب، ما نصف إصبع أو أصبع، وقيل أنملة الإبهام، توضع بين القشر والعود ثم يلف حول القشرة التي هي الأنبوب حاشية ثوب أو خيط مفتول ون أن تصيبه مضرة من كسر أو نحوه ويتحرى أن يقع الأنبوب من الفرع المركب فيه على موضع قد احمرت قشرته ويسقى الأنبوب من أعلها ومن أسفله بلبن التبن، وذلك بأن يقطع غصن التين من الموضع الأخضر منه بحديد قاطع من أعلى الأنبوب ويكرر ذلك حتى ينعقد الأنبوب مع العود ومع قشره، ويظلل الأنبوب بورق الشجر ليستره من الشمس والريح، ويكون هذا العمل في يوم شديد الحر ساكن الريح وهذا شكل الأنبوب النقطة البيضاء داخله هي العين المذكورة أو الرقعة، وهي أنواع منها الطويلة والمربعة والمستديرة ويرقع بها التين والزيتون وغيرهما. فالرقعة الطويلة تقطع في كانون الثاني حتى تقوى ويصلب قشرها وتحمر، ثم تقطع أغصان فيها عيون من الشجرة التي سيركب فيها ثم يشق القشر بطرف سكين حادة ويزاح عن اللب برفق ثم تدخل الرقعة بلطف دون أن تنشق وتربط بالخيط غير المفتول، وتسقى بلبن التين قبل ربطها وبعده حتى تنعقد وكذلك الرقعة المربعة والمدورة وكل رقعة فيها عين.
النوع الثالث من التركيب ويدعى الأعمى، وهو أن القضبان المعرضة للشمس في ناحية المشرق أو الجنوب مما كان مثمرا في العام الماضي، وتقطع مقدار شبر أو أكثر وتبرى من أسفلها مقدار نصف شبر وأربعة أصابع بريا لطيفا ثم توضع الأقلام في الماء لئلا يصيبها الهواء، ثم يعمد إلى الشجرة التي يريد التطعيم فيها فتقطع بالمنشار من فوق، ثم يشق فيها شقان، ويدخل القلم المبري ويوضع القشر من القلم على الشق بإحكام ويلصق العظم بالعظم، ثم يدخل قلم آخر في الشق الآخر، ثم يطين عليهما بطين معجون بتبن، وتشد عليه خرقة كتان تصونه من الهواء والماء، وذلك في أول جري الماء في العود، والتراب الأحمر لا يصلح لمثل هذه الأشياء، لأنه يحرقها إذا طينت به والتراب الأبيض أجود، وكذا طين الشاطئ الأنهار. ولا يحمد التطعيم في طرف الشجرة أو في وسط الساق إذ يحتاج زمانا أطول. ويؤخذ التطعيم من الشجرة قبل أن تنبت.
وطريقة التطعيم الأعمى وغيره كما يلي: تنشر قطعة من الزيتون مثلا أو فرع منه نشرا مستويا، ويخرج موضع النشر من المنشورة، ثم تشق وتنزل الأقلام بإحكام ويضرب عليها برفق. وتكون فتحة الشق ثلاثة أصابع مضمومة، ويوضع إناء كبير من فخار على ذلك الغصن المشقوق ويثقب أسفله بمقدار غلظ ذلك الغصن المشقوق من غير زيادة ويلف عليه حبل كالخلخال ثم يوضع عليه الإناء أو نصفه ويطين ثقب الإناء بطين لزج من داخل وخارج حتى ينسدّ فلا يخرج من التراب والماء شيء. ثم يوضع فيه زبل قديم أو غائط آدمي وتربة سوداء ورمل، بمقادير متساوية ويخلط ثم يغربل ويملأ الإناء حتى ثلثه ليبقى متسع للماء ويكبس باليد الذي كبسا جيدا، أو يؤخذ بزر تفاح أو سفرجل أو توت أو أترج أو ورد أو رمان أو عنب أو آس وشبهها فيوزع في ذلك الشق ويغطى بالتراب الذي فيه كالعادة ويتعهد بالسقي اللطيف المتتابع حتى لا يجف التراب وإن ملئت الآنية بالماء فهو أجود، فينبت البزر في ذلك الشق وتغرس عروقها فيه فتلتحم معه حتى تقوى، وتغذي بذلك الفرع، وبزر التين ينبت في الحجارة والبناء والحيطان، فتقلع بعروقها وترابها بعد عام حين يكون قد أحمر وتغرس من وقتها في ذلك الشق وتتعهد بالسقي اللطيف بالماء العذب حتى لا يجف التراب مما يعجل في نموها وكذا يعمل بالنوى كاللوز والبرقوق والزيتون والرند والقراصيا وشبهها. يغرس النوى في الشق بعد أن يكر النوى برفق ويغطى بالتراب مقدار إصبعين أو ثلاثة، فينبت ويلتحم بالأصل في ذلك الشق ويتغذى من الشجرة، ثم يطعم ويجعل النوى اثنتين أو ثلاثا حتى إذا فشلت إحداها نبتت الأخرى أما إذا نبت الجميع فيقلع منه ما يستغنى عنه.
والرابع تركيب الثقب، ويسمى القرطبي. وقال الحكماء: إنه ينشب في حبه وفي غيره سواء وافق أو لم يوافق وهو يستعمل في جميع الأشجار، المتنافرة والمتجانسة. وقال بعضهم إنما يستعمل في أشياء مخصوصة من الأشجار وهي العنب ينشب بالثقب في جنسه وفي عيون البقر والصفصاف والتفاح، والجوز في جنسه، وفي الفستق والبطم والتين والتوت والأترج في التفاح فيثمران معا وذلك من شهر تشرين الثاني إلى شباط. والخوخ ينشب في الصفصاف فيثمر خوخا بلا نوى، وفي اللوز والتفاح لذلك والتين ينبت في الفرصاد والقراصيا وذلك طوال أيام السنة باستثناء الشتاء ويكون في ذلك الأصل واحد والثمر مختلف، والرمان يضاف إلى غيره من الشجر حتى يلتصق وكذا قيل في السفرجل والورد ينشب في لحاء التفاح فيزهر عند حمله وفي اللوز كذلك. وطريقة انتساب في عيون البقر والصفصاف والآس ونحو ذلك، أن يعمد إليها إذا كانت قريبة فيؤخذ قضيب من العنب وهو على أصله غير مقطوع منه فيحفر من عند جذر الكرمة إلى جذر تلك الشجرة جورة في الأرض بعمق شبرين أو أكثر وبسط ذلك القضيب فيها حتى يصل إلى تلك الشجرة، ويثقب في أصلها ثقب بقدر غلظه، ويدخل طرفه فيها ويخرج من الجهة الأخرى ويجذب برفق حتى يبلغ موضعا غلظا من القضيب يقف عنده. ويطين ذلك الثقب بطين طيب لزج، ثم يرد التراب على الثقب ويتعهد بالسقي وحذار الأضرار بالقضيب أثناء العملية، ولا يمضي وقت طويل حتى يلتحم ذلك الثقب وبعد أن ينمو القضيب ويغلظ يقطع م جهة أصله، فإنه يثمر عنبا. وإن أريد أن ينشب في ساقها فيثقب فيه على قدر غلظ القضيب وبدخل طرف القضيب في ذلك الثقب ويجذب حتى يقف، ويطين من ترابي أبيض حلو، وتلف حوله الخرق، ويشد بالخيوط ويملأ بالتراب، ويبقى كذلكم من عامين إلى ثلاث حتى يغور القضيب في ساق الشجرة، فيقطع من جهة أصله ويمسح بالحديد القاطع فيسوى مع ساق الشجرة كأنه غرس فيها، عامين إلى ثلاثة حتى يغور القضيب في ساق الشجرة، كأنه غرسه فيها، أو يقطع أعلى الشجرة من فوق، ويوضع الأنشاب ويطعم كما كان يطعهم اولا، وترجع قوة الشجرة إلى ذلك القضيب. وإذا أنشب العنب في عيون البقر، يبقى على حلاوته ويبكر بالإطعام. وفي الصفصاف تنقص حلاوته، ويتغير طعمه وهو فيه أنجب من عيون البقر في الآس ويكتسب من طعمه ورائحته. أنشاب الجوز في الحور فبالثقب وفي شجرتين متجاورتين تجذب إحداهما إلى الأخرى فيعلقان. وينشب الجوز في الفستق والبطم إذا قربت إحدى الشجرتين من الأخرى وتجذب شجرة الجوز إلى الفستق إذا كانت رطبة. وأما أنشاب الخوخ في الصفصاف فيقوس أولا، وذلك بأن يدفن طرفه الأعلى تحت الأرض أو يجمع طرفاه عند غراسه فإذا علقت زرعت نواة خوخة أو نواتين أو شتلة من أي شجرة كانت تحت ذلك القوس، فإذا وصلت إلى التقويس شق في وسطه شق طويل بحيث يدخل منه غصن شتلة الخوخ حتى تخرج من أعلها ويجذب برفق حتى يستقيم ويشد عليها شد القوس بخيط صوف ونحوه، ويطين ويشد على الطين بالخرق ويربط. فإذا أتى العام الثاني والشتلة قد استغنت عن أصلها، فأقطعها، والنتيجة أثمار خوخ بلا نوى.
وللأنشاب طريقة أخرى وذلك بأن يشق الصفصاف في الربيع مما يقرب من شجرة الخوخ ويدخل في كل غصن قضيب من الخوخ، ثم يعصب على الشق بخيط قنب بإحكام ثم يطين فيشمر خوخا بلا نوى وطريقة أخرى في أنشاب أغصان من شجرة إلى أخرى تجاورها من الخوخ إلى اللوز أو التفاح فيكون أصلها واحدا والثمر مختلفا. وينشب كذلك الكمثري في التفاح والسفرجل، والتين في التوت والفرصاد، ويثمر الشجر ثمرتين والأصل واحد. ويمكن إنشاب قضبان مختلفة في كرمة واحدة، فتكون عناقيد الكرمة أصنافا وألونا.
النوع الخامس من أنواع التركيب تلقيح النوى والحبوب في أنواع المنابت كالفرصاد والعنصل والعوسج والخطمي والتين والسوسن والنخل وشبهها. فمن ذلك أن تقصد أصلا منها قوي النبات فيكشف التراب عن أصله ويؤخذ حب البطيخ والخيار والقثاء ويدخل منها في الشق حبة بعد نقعها في الماء العذب ليلة، ويرد التراب الطيب الناعم إلى أصل الشجرة ويغطى به موضع الحب بسماكة إصبعين ويزبل ان تيسر. ويركب القرع في العنصل بأن يقلع من بصله وتقطع من أعلى البصلة نحو ثلثها وتشق على شكل صليب ويدخل في حاشية كل شق منها حبة قرع بعد نقعها في الماء ليلة، ويكون طرف الحبة الرقيق إلى فوق ويجعل فوقها رمل وتراب بمقدار ثلاثة أصابع ويصب الماء بقربها لا عليها فينبت القرع فيها ويثمر قرعا كبيرا ثقيلا مائلا إلى الخضرة طيبا لا طعم للعنصل فيه البتة، وهو مجرب ويستغنى عن كثرة السقي آنذاك وحين زراعة حبه. ويركب القرع أيضا كما تقدم في القطن، وكذلك يركب الباذنجان في القطن. ويركب في أصول القرع البطيخ، ويركب بزره كذلك في العوسج والخطمي والتين والتوت كما ذكر. ويركب الياسمين الأبيض في الأصفر، ويركب في الخيزران ويركب في الرند، ويركب الدردار في الأزادرخت، ووقت ووقت هذا التركيب بالنسبة لأكثر الأشجار من منتصف شباط إلى عشرة أيام من آذار، وقيل إلى نصفه، وقيل إلى جري الماء في العود من الشجرة المقصودة، وذلك فيما يسقط ورقه من الأشجار. وأما التي لا يسقط فتركيبها من منتصف آذار حتى آخر أبار. وإن أردت أن تنبت القرع والقثاء بغير ماء فاعمد إلى أرض فيها جذور قديمة أو أصول من النبات المسمى بالجناح، وهو اسم الشوك العاقول أو الباقول، فاحفر عند أصله حفرة واسعة بعمق ثلاثة أذرع، ثم شق الأصل بعود طرفا شقا غير نافذ بقدر ما يسع حبتين من قرع أو قثاء، واجعلهما فيه، فإذا لعقا فيه فضع في أسفل الحفرة ترابا مبتلا حتى يصل إلى ذلك الموضع، ورد على موضع الحب تراب وجه الأرض الناعم حتى يرتفع ثلاثة أصابع، وكلما كبرت الحبتان شبرا زاد في التراب حتى تستوي الحفرة بالأرض فيصير أصلا ويطعم بغير ماء، ويعمل على السروج فيكون ما ينبت منوّما وعلى قثاء الحمار فيكون شديد المرارة مسهلا. ومن هذا التركيب يعمل نوى التمر في أصول القلقاس فيثمر موزا، وكذلك البطيخ يعمل في العوسج الخطمي والتين والسوس فيثمر. وكذلك يركب في التوت ويصب على الأصل ماء حار شديد الحرارة، فيحمل حملا كثيرا طيبا. وفي التوت يخرج بطيخا لذيذا أحلى من كل البطيخ بعيدا عن الآفات والتغيرات، وعلى السوسن يخرج بطيخا كبيرا حلوا، والذي على الخطمي يأتي له طعم طيب عجيب والذي على التين يخرج منه لا يقوى أحد على أكله فكأنه ثوم أو خردل، وإذا ركب الشجر المطعم في الشجر المطعم يكبر حمله ويزيد إنتاجه وإذا ركب في المطعم غير المطعم فإنه يحمل كثيرا، ولا يركب في شجرة ضعيفة ولا في شجرة هرمة، ولا يركب إلا في الفتية السالمة من الآفات.
ووقت التركيب يكون على العموم عند اشتداد الحر بعد آيار، ومثل هذا التركيب يعجل بالفائدة والمنفعة أكثر من الغراس فهو أسرع ثمرة وأكثر حملا وأكبر حجما. وينبغي أن يكون التركيب من شيء في شيء يناسبه ويجانسه ويشاكله في أكثر وجوهه، وكلما تشابه كان أجود. وقد قسموا الأشجار أربعة أقسام: ذوات الأدهان، كالزيتون والسرو والكتم والحبة الخضراء وشبهها، وذوات الصموغ كالخوخ والمشمش والأجاص واللوز والقراصيا والفستق وشبهها، وذوات المياه الخفاف وهي الأشجار التي يسقط ورقها في البرد كالتفاح والسفرجل والكمثري والعنب والرمان وشبهها، وذوات المياه الثقال وهي الأشجار التي لا يسقط ورقها كالزيتون والرند والآس والسرو والأترج ونحوها. وهذه الأربعة هي أمهات الأجناس.
واعلم ان كل نوع ينافر الآخر لا يركب إلا في الثقب أو بطريقة التركيب الأعمى. وقد ركب بعض ذوات الأدهان في بعض ذوات الصموغ فأنتجت، وإن جعلت التراكيب كلها في الأواني المملوءة بالتراب الطيب. وكان ذلك أحسن وأنفع. وأما ما يركب بعضه في بعض مما يظهر له أثر، كالرمان، فإنه يجود في الرمان قطعا، والأترج في الكرم، والتوت في الأترج، والأترج في التفاح والعكس بالعكس ويحمر التفاح، ويركب في الدلب والقراصيا فيجود والأترج في الفرصاد فيثمر ثمرا أحمر، والأترج يطعم في الرمان فتحمر ثمرته، والآجاص الأصفر في الأترج وفي التفاح والخوخ لكنه يهرم سريعا وإن طعم في الأجاص واللوز طالت حياته. والخوخ أن ركب في الأجاص عظم ثمره، والأجاص يطعم في الكمشري، والسفرجل يقبل كل ما يركب فيه من شجر، وجميع الأشجار تألف السفرجل، والتفاح ينشب في الكمثري والسفرجل، والتفاح في الرمان، ويثمر الكرم في الأجاص الأسود، والتين ينشب في الفرصاد، والشاهبلوط، والبندق، والتفاح، والكمثري هذه كلها يطعم بعضها في بعض. وقد يركب في اللحاء دون الأصل.
وما يضاف من الكمثري إلى الفرصاذ يكون ثمره أحمر. والتفاح يألف الكمثري والسفرجل. وكذا يركب التفاح بالأجاص فيثمر تفاحا أحمر، والخوخ يألف الأجاص واللوز والكمثري والتفاح والسفرجل، والشاهبلوط يألف الجوز والبندق والبلوط، والسفرجل يألف الكمثري، والمشمش يألف الأجاص وإن أضفيت الكرمة إلى القراصيا أثمرت في الربيع.
وشجرة الزيتون تألف الكرم، والكمثري يألف التفاح والسفرجل ويعلق الرمان بالآس، وأجود الفرصاد ما تركب على البلوط، والأجاص يركب في التفاح، والأترج يطعم في السنة مرتين، وتطعم القراصيا في الآجاص، والسفرجل في الرمان، والورد ينشب في اللوز فيعلق، ويزهر في الخرفي، وهو كثير بأشبيلية وغيرها. وإذا ركب التفاح في الرمان اكتسب من الرمان كثرة الحلاوة وشيئا من طعمه. وإن ركب الأترج في الكمثري اكتسب رائحة الأترج ولونه، والنبق في التفاح تبقى النبقة قدر التفاحة في حلاوتها، والكمثري في التوت يخرج كمثري صغيرة حلوة ويسرع في حمله. والزيتون في الكرمة يثمر مع العنب زيتونا، وإن أضفي قضيب الزيتون إلى أصل شجرة العنب في ثقب على وجه الأرض حلي الزيتون وبحلاوة العنب، وإن أضفي قضيب العنب لشجرة الزيتون جاء عنبه كأنه مخلوط بالزيت وإذا ركب العنب في الحامض جاء طعمه مزيجا من الحلو والحامض والتفاح في الأترج والأجاص يحمل في السنة مرتين شتاء وصفيا. ويركب البرقوق في اللوز فيكون طعم نواه كطعم اللوز. والتطعيم إذا كسر باليد من غير حديد أحسن ويكون ذلك في يوم ساكن الريح عند بدء النهار، ويحفظ من الريح. والمطر لا يضر التطعيم بل ينفعه، إلا ما كان في اللحاء فإنه يضره، وتوضع أغصان التطعيم في التراب عند اشتداد الهواء مدة ثمانية أيام لا أكثر، وإذا أخرجت نقعت في الماء يوما أو يومين وإلا فسدت إلا العنب فلا يضره الماء. وقد تنقل الأقلام من بلد إلى بلد في عدة أيام وذلك بأن تخزن في آنية من فخار ضيقة الفم كان فيها ماء عذب ولم تتعرض لدهن ويسد فمها بخرقة سدا محكما وتدفن في الأرض، وهكذا تنقل من بلد إلى بلد.
والورد إذا أضفي إلى التفاح أو اللوز أو العنب يؤخذ لعروقه التي تحت الأرض وذلك بإزاحة التراب عنها وتقطع من الموضع الصلب وتنقل فتعيش. والأشجار إذا ركبت بالشق فأكثر ما يستعمل في هذه العملية أواني الفخار الجديدة المثقوبة بمقدار ما يتسع للغصن والتراب الذي فيها يؤخذ من وجه الأرض، ويلف حول الغصن حبل ويشد عليه، فيكون شبه خلخال ليمنع نزوله من الفخارة ويعامل بلطف وحذر ولا يهمل التراب من ترطيبه بالماء حتى لا يجف. وقيل يجعل عليه اسفنجة أو صوفة منقوعة بالماء من أول الليل، أو يعلق على التركيب كوز ماء عذب في أسفله ثقب يقطر منه الماء، أو يعلق على التركيب كوز ماء عذب في أسفله ثقب يقطر منه الماء، وكلما نقص الماء زيد، ولا بد للورد إذا ركب في اللوز والعنب والتين من ذلك. ولا يربط التطعيم بخيط كتان أو قنب مضفور أو مفتول ولا بحبل صلب مفتول، فإنه يؤثر في القشر ويقطعه ويؤذي التركيب وفيسده، بل يستعمل خيط صوف أو ما يشبهه، وإذا طالت أغصان التركيب دعمت بدعائم خشب غليظ يركز في أصل الشجرة ويربط من أسفل موضع التركيب برفق وذلك حفظا لها من الريح والطير ثم تزال الدعائم عند الاستغناء عنها. وكذا يجعل حوله شباك تمنع حتى نزول الطير عليها. وإن احتيج إلى تخففي شيء من أغصانه كسرت باليد برفق دون أن يمسها حديد. وإذا ظهر في التركيب ضعف فيفتش عن سببه فإن كان الجفاف سقي بالماء وإن كان من زوال الطين أو التشقق أو النمل طين بطين آخر.
واعلم أن الشجر على اختلاف أنواعه له أعمار فالزيتون يعمر ثلاثة آلاف عام، والنخل يعمر خمسمائة عام، والبلوط أربعمائة عام، والخروب ثلاثمائة عام، والعناب والجوز والتين والتوت والميس والدردار والبشم تعمر مائتي عام، والعنب مائة وخمسين عاما حتى يجف، والنبق يعمر مائة سنة، والخوخ من أربع سنين إلى ست سنين، والكمثري والزعرور والمشتهى والرمان والسفرجل والقراصيا والمشمش والبندق والأترج والنارنج والسرو مائة عام، والأجاص والسبستان والدلب والدفلى والأزادرخت تعمر خمسين عاما. والورد يعمر ثلاثين عاما، والخيري يعمر عامين أو ثلاثة أعوام، والقصب الحلو يعمر ثلاثة أعوام، والمردوش ستة أعوام، والماميتا أربعة أعوام، والصفصاف عشرين عاما.


==============

علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب السادس





الباب السادس
الأشجار المتحابة والمتشاكلة والمتنافرة والمتضادة، وعلاج أمراضها




ودفع ما يضرها، وفي إزالة ضعفها وسقمها، ودفع الآفات عنها، إلى استيفاء أعمارها، فإن الموافقة تنعش الأشجار، ويقوى بعضها بموافقة بعض، والمخالفة والمضادة توهنها وتضعفها

اعلم أن من بين الكروم والسدر مشاكلة، وكل يهوى الآخر فيقوى بقربه، وكذا بين الكرم والزيتون محبة ومشاكلة، الا أن الزيتونة تبعد عن الكرم قليلا لمنفعة الكرم، وكذا بين الكرم والقرع، وكل منعش لصاحبه، وكذا بين الكرم والميس موافقة والفة وكل ينفع صاحبه. والكرم المعلق عليه يسلم من الآفات ويكثر حمله. والتفاح والكمشري والأترج يألف بعضه بعضا، وتنفعه مجاورة بعضه لبعض. والآس والرمان متحابان مؤتلفان، يكثر حمل الرمان به، وكل ينفع الآخر. والجوز يألف التين والفرصاد وينفر مما عداهما من الأشجار، لأنه مفرط الحر واليبس فيهلك الشجر والنبات، إلا الخضر الشتوية والقصيل. والتفاح يحب الكرم والزيتون. وبصل الغاز إذا زرع عند أصل الزيتون نفعه وكثر حمله، وإذا علقت العرايش على الجوز ضعفت غاية الضعف. والكرم إذا جاور الكرنب اتجه إلى الجانب الآخر، وقيل أن زرع في كرم تلف، ولو حملت الريح رائحته إلى الكرم ضره، وإذا زرع قرب الكرم حلبة مات الكرم أو ضعفت وزبل وكذا تعمل الحلبة مع السلق، وكذا السلق إذا غرس بقرب الكرم أبطله وأيبسه. وقيل أنه عدو للتفاح.

والترمس إذا زرع في كرم أيبسه وهو عدو للأشجار كلها، وكذا العدس والفول. وإذا غرس الصعتر بقرب النارنج وما له نفس حار أضره. وعداوة العرعر مع النخل معلومة مشهورة وكذلك القطران عدو للنخل، وشجر الغاز إذا كان قريبا من الكرمة أضر بها وكذلك النخل والتين فإنهما لا يتفقان، وللكرم سموم تقتله كالشبرم والقنبيط والكرنب خاصة. والتين يضر الكرم في البلاد الحارة، وفي الباردة ينفعه، والشلجم والفجل والجرجير يضر الكرم. وبين العنب الأبيض والأسود تنافر وتضاد فلا يغرسان معا ولا يتجاوران ولا يعصران معا فيفسد ذلك العصير بسرعة.

واعلم أن الضعف في الأشجار إذا كان من هرم وقد يقطع ما ظهر هرمه، وربما تستأصل الشجرة كلها بأن تقطع من وجه الأرض ويكشف عن جذورها وتزيل بالزبل المخلوط بالتراب الخصب المأخوذ من وجه الأرض، ثلث والثلثان زبلا. وأما ضعف الكرم وانقطاع حمله بحيث أنه لا يثمر البتة أو يثمر عنبا كالسمسم ثم يجف، فعلاجه أن يجمع حطب الكرم المكسوح ويضاف إليه شيء من الورق المخلوط بمثله أو دلب ويوقد حتى يحترق، ويجمع رماده في إناء زجاج أو مزجج ويصب عليه ماء عذب ويخلط ويرش على ساق الكرم وأغصانها فهو دواؤه، أو يخلط الرماد بالخل القوي بدل الماء. وقيل ترش أبوال الناس على أصل الكرمة في الأرض ويتكرر ذلك مرارا فإنها تشتد أو تقطع ويبقى منها ذراع أو ذراعان، ويخلط تراب أصلها بالزبل ويرد عليها بلا كبس، ويسقى بالماء حتى ينبت، فيترك القوي ويقطع الضعيف باليد، أو تلطخ العناقيد برماد حطب الكرم المعجون بالخل، فإنه يمنع جفاف العنب، ويرش أصل الكرم نحو عشرين يوما عكر الزيت مع الخل ثم يسقى بعد ساعة. وأما مرض العصر - وهو إذا زبل الكرم خرجت منه عصارة فجة، أن بقيت أضرت به، وإن خرجت أضعفته وأضرت به، فعلاجه تسهيل خروج هذه العصارة الزائدة في الكرمة وذلك بأن يشرط ويحز حزوزا بين الأعين من سوقها وفيما غلظ من خشبها ووسط قضبانها الغلاظ، فتسيل منها تلك العصارة والرطوبة ولا تكسح بمنجل، ولا ينزع منها غصن نزعا، وتزيل بزبل طري غير جاف، وهو ما ليس بزبل الناس ولا زرق الحمام ونحو ذلك، بل مثل روث البقر المخلوط مناصفة بالتراب وبعد ثمانية وعشرين يوما من الشرط والحزّ يؤخذ دردي زيت مذاب بلب الجوز والفستق المقشر وشيء من دقيق الشعير، أو الدردي وحده يطبخ حتى يذهب بعضه فإذا برد لطخت مواضع الحزوز ونحوها ويتكرر ذلك أو يؤخذ رماد حطب الكرم ويخلط مع الدبق والوشق أجزاء متساوية أن يدق الدبق ويرش عليه خل ثم يضاف إليه الرماد والوشق قليلاً قليلا حتى يختلط ويصير له ثخانة، ثم تلطخ به تلك الحزوز ويحل بالماء ويصب على أصل الكرمة فينفها جدا ويكون ذلك في نيسان إلى نصف آذار. والزيت والمياه حياة الكروم الجافة اليابسة، وزبل الناس وزرق الحمام يدفع ضرر الريح الباردة وكذلك بعر الغنم وزرق الخفاش وعكر الزيت الغض وكذا الماء الحار مخلوطا بزيت يصب على أصولها، وكذا رماد الكرم إذا وضع في أصولها دفع عنها الآفات. ومن علاج سيلان الرطوبة الزائدة من عيون الكرم أن يقطع غصن من الأغصان المصابة به ويطبخ مع دردي الزيت مضافا إليه ورق النعناع ويلطخ بالخليط موضع السيلان أو القطع.

وعلاج الأرض اليابسة التزبيل بروث البقر وبعر الغنم وكثرة السقي، ويرفع تراب الكرمة المريضة ويستبدل به تراب أحمر غريب أو قريب وإن خلط بزبل فهو أحسن. وعلاج الاسترخاء - وهو المرض الذي يصيب ورق الكرم فيبيض من ظهره - رماد الكرم مخلوطا بخل يلطخ به مكان المرض ثم يزاد على الخليط الماء ويصب على أصلها وتقطع عناقيدها وأغصانها الطرية والورق برفق ويبصق موضع العنقود. وأما اليرقان فإنه يصيب بعض الشجر وأكثر النبات والزروع، وعلامته في الكرم جفاف واسترخاء وسقوط ورق أو ثمر والامتناع عن امتصاص الماء. ويحدث اليرقان للنخل، وسببه الزبل الحار من الناس والحمام، وعلامته أن تصفر أصولها وتقل الخضرة من سعفها، وعلاجه أن يؤخذ قثاء الحمار وورقه فيدق ويخلط بالماء جيدا ويرش على الكروم وغيرها قبل طلوع الشمس وهو بليغ المنفعة، أو يؤخذ خشب التين وخشب البلوط فيحرقان ويطبخ الرماد في الماء العذب ساعة، ثم يرش فإنه يبرئه، أو تطعم أصول الكرم بروث البقر مخلوطا بتراب ناعم ثلاثة أيام، ورماد حطب التين والكرم يشفي من اليرقان.

ويكون اليرقان في الحنطة بسبب ما يظهر في الهواء من حمرة في نواحي الأفق أو في الليل شبيه بالبرق أو الشعاع، متفرق في الهواء، أو يرى في النهار كأنه خيال يظهر ويشمحل، ويظهر من تاسع ليلة من الشهر إلى التاسع والعشرين. وحمرة السماء ليست بيرقان، وكذا الشعاعات الظاهرة في الهواء كحبات الماء في غير الأيام المذكورة. وهذه العلامات إذا دامت دلت على وباء يحدث بالناس. والضباب الكثير يؤذي الكرم جدا. وعلاجه إشعال قشر القصب والطواف بالليل بين الكروم فيزول ضرر الضباب وتعرضها على الأشجار العظام يدفع ضرر الضباب والكدورات والبخار العفن. وكذا التدخين بها على الأشجار يدفع الدود، والرماد يهلك الدود ويزيله من عروق الشجر، وكذا الكشف عن العروق في الخرفي. وإذا كان فساد الشجر من جفاف ويبس رطبت تربته. وإذا كان من نداوة وإفراط رطوية، يغير التراب بتربة يابسة حمراء أو بالرمل الذي على شاطئ الأنهار مخلوط بزبل عتيق.

وعلاج الدود والأرضة يكون بالحفر عند العروق الراسخة في الأرض وطلائها بزبل الحمام مبلول بماء، وإذا علق على كرمة قدر شبر من جلد الضبع لم يقربها دود. وعلاج الدود في التفاح يكون بتقشير العروق وإخراج الدود منها وطلائها بروث البقر الرطب، وإن كان في التين دود فدواؤه أن يحفر في أصله حتى تبدو عروقه، فيوضع عليها الرماد ثم يردّ عليه التراب. وكذا التفاح إذا دوّد ونسج عليه العنكبوت، والدود الأحمر، فالرماد كما تقدم علاجه فإنه مجرب. وإذا ظهر في التين حب شبه الرمل، فاحفر أصله وأجعل عليه ترابا وزبلا طيبا، وأحسن سقيه. وكذا تبن الباقلاء وزبل الحمام يقلع الدود من كل الشجر. وأما احمرار ورق الكرم - ويسمى آفة النجوم - فعلاجه أن يطبخ الزيت والحمَّر بالماء طبخا جيدا ويلطخ به وهو حار. وقيل يثقب الساق الغليظ من الكرم ويدخل فيه وتد بلوط ويلصق بأصل الكرم ويوضع التراب فوقه، ويصب في أصله مريء مخلوط بماء جيد مدة ثمانية أيام ثم يؤخذ دبس التمر ويذاب بماء ويلطخ به ساق الكرمة. وقيل يذاب الدبس بالخل الشديد الحموضة، وتلطخ به الكرمة، وكذا حب البلوط، يحرق ويبل رماده ببول البقر، ويصب الحمًّر في أصلها أو يرشه عليها.

وإذا احمر ورق الكرم يذاب الملح بالماء ويسقى به، أو بماء البحر، أو يشق أصل الكرمة ويوضع فيه أصل البلوط، ويغطى بالتراب كما مر. وأما عقد الثمر إذا قارب النضج ثم تحول لونه وأسود وظهرت أوراقها الصغيرة وأغصانها ما يشبه العرق فمعنى ذلك أن الشجرة مريضة وعلاجها أن تؤخذ البقلة البقلة الباردة اللينة ويعصر ماؤها ويخلط بسويق الشعير ويلطخ به ساق الكرمة وخشبها، أما العناقيد فتلطخ بالعصير دون سويق ويكرر حتى يبرأ ويرش عليها رماد الكرم مذابا بالماء، كما أن رماد الآس نافع جدا، وقد فيسد نصف العنقود مما يلي طرفه أو نصفه مما يلي المنبت، وذلك من رطوبة الأرض التي تشوبها الملموحة، وعلاجه أن ينقَّى ما حول العنقود من الورق، ومن الزوائد الطالعة من أغصان الكرم قرب العيون التي فيها العناقيد، فيصلحه الريح ويزول عارضه ويترك على كل عنقود ورقة، فإن لم يزل تؤخذ خمس قصبات مشتعلة في يد كل واحدة قصبة وتقرب من العناقيد التي دب فيها الفساد ويطرر ذلك كل أسبوع فيزول، ويمكن استعمال غير القصب أيضا. وقد فيسد العنب من المطر المتتابع في الخرفي، وعلاجه تفريق الورق المجاور للعناقيد لينفذ الريح أو تشعل النار حول الكرم برفق لئلا يصاب الكرم من حدتها، ويترك الرماد موضعه، ويسقى الكرم عقبه.

وأما إفراط الرطوبة وكثرة نبات الفروع وسرعة طولها بسبب الحرارة أو الرطوبة الزائدة فعلاجه أن يكسح أطول أغصانها ثم ما يتلوه، وكذا تكسح القضبان الغلاظ بالمنجل، والرقاق باليد، ولا يبقى إلا اليسير. وإن زاد يؤخذ رمل من الأنهار ويخلط برماد، ويوضع حول أصول الكرم ويطمر وأحسن منه الحجارة البيض والحصى البيض المستخرجة من الماء توضع في أصوله. وأما وقد تجرح شجرة الكرمة عند منبتها القريب من سطح الأرض وعلاجه أن يوضع عليه تراب ناعم كالغبار مخلوط بمسحوق البقر المعجون بعكر الزيت والماء العذب ويطلى به، أو يحفر حول العضو المجروح حيث يوضع الخليط المذكور. وإن كان الجرح تحت التراب غطي بالتراب والزبل ثم يصب عليه كله بالماء والزيت والخل المطبوخ أو المخضوض في الأواني والطبخ أجود. وأما الجليد فعلاجه تأخير الكسح إلى وقت نبات الفروع وعند مظنته فتؤخذ عيدان الطرفا والآس فتحرق من موضع واحد ثم يؤخذ رمادها ويذر على الكرم ونحوه، فإنه يدفع مضرة ذلك، ويمكن أن يرفع الضرر أيضا برماد حطب الكرم مخلوطا بتراب ناعم معرض للشمس وينبش أصله ويجعل فيه قليلا من الخليط أو يزال ثمرها عنها ثم تكسح وتدخن بأرواث الدواب في ليلة الرابع من الشهر. وقيل إذا زرعت الباقلاء في الكرمة فقد دفعت ضرر الجليد عن الكرم.

وأما السيل المفعم فلا شك أنه مضر لسائر الأشجار والنبات والبقول وربما أفسدها وغير طعم محصولها، فإن كان إفسادها يسيرا أمكن علاجه وإلا فلا دواء له إلا القلع وعلاج الفاسد قلبه أن يسقى الماء العذب بعد انحسار السيل شربة خفيفة مقدار نصف ساعة أو أقل حتى لحظة، وبعد يومين يسقى شربه أكثر وربما رش الماء على ورق الكرم والأشجار وفي أصول النخل، ثم بالفلاحة والحرث حوله. وأما التآكل في الغروس التي تنبت في الأرض المالحة أو يخالط ترابها زبل فعلاجه زرع القرع والقثاء والخيار والبقلة فإنه يدفع عنها ذلك التآكل والفساد. وأما النمل والجعلان والعفاية والدود - وهو أنواع - فعلاجها الذي يؤثر فيها كلها أن يؤخذ من الحنظل والشبرم وقثاء الحمار شيء ويجفف ويسحق ويطبخ بالماء والخل والملح حتى يتبخر الماء كله ثم يصب عليه ماء وخل وملح جريش ثم يطبخ ويعاد الماء والخل مرة ثالثة حتى يغمره ويكرر رابعا ويطبخ حتى يجف ويصير كالعسل، فيطلى به الساق الغليظ من الكرم فيطرد عنها تلك الآفات، وأن أضفي إليه مقدار ربعه قطران أو حرك ثم طلي به الساق طرد الدود والنمل والجعلان وغيرها. وإذا غرس إلى جانب الكرم من الحشيشة السمراء ثلاثة أصول أو أربعة، طرد عنها الهوام الطيارة والذباب.

ويطرد النمل خليط الصعتر الجبلي والسداب البري والكبريت بعد أن يسحق ناعما ويذر حول جحر النمل فيهرب كله ورائحته قاتلة لسائر الهوام. وأما الذراريخ والعناكب التي تظهر في الربيع وأول الصفي فما يطردها ويطرد أشباهها قثاء الحمار والحنظل الذكر وروث البقر المخلوطة بكميات متساوية ومدقوقة ومعجونة بالماء يرش هذا الخليط ثلاثة أيام، فأن الذراريج تهلك مع جميع الهوام أو يبخر بروث البقر وجذور قثاء الحمار تهلك الزنابير والذراريج ونحوها، وتهرب أيضا من الورد والأشنة والقسط وشبهها مما له رائحة طيبة. والعناكب تهرب من مثل الكرنب، وكذا دخان روث البقر والزفت، تهرب منه الذرايخ. وأما البق - وهو الدويبة المنتة الرائحة - وهي تكون في الخشب وغيره فإنه يؤخذ بعضها فيضاف إلى عكر زيت ويدخن به، أو يعجن روث البقر بالزيت ويدخن به، فإنه يهلكها ويقتلها، وقثاء الحمار إذا دق ساقه وورقه وأصله مدة في الماء، ثم طبخ ورش به الخشب والشجر فإنه يقضي عليها، أو يؤخذ ماء بئر يلقى فيه قبضة من ملح ويطبخ ساعة ثم يرش عليها وهو حار فإنه يقتلها. والبق لا يقرب شجر الطرفا والسرو، وإذا بخر بالشونيز بيت لم يدخله بق، وكذا إذا بخر بنشارة الصنوبر أو دخن بورق الأترج اليابس أو بورق التين اليابس أو بحب المحلب وكذا بالعاج أو جلد الجاموس أو بالعلق، وكذا بأغصان شجر السرو، وإذا نقع سداب في خل ورش به البق هرب، وإذا دق بصل العنصل ومزج بخل خمر وطلي بع السرير أو الخشب أو نحوه لا يقربه البق، وإذا وضع في محله قطران طرده، وكذا دخان الكمون والآس ودخان الترمس. وإذا طبخ الأترج بدهن وخل وطلي به شيء لا يقربه البق.

وأما علاج النمل الكائن في الشجر فيدلك ساق الشجرة الملساء بطول شبر بحجر أملس يدار به حوله حتى يتصل طرفاه وليكن دلكا جيدا حتى يملس ثم يطلى من فوقه ومن تحته بمغرة محلولة بالماء، فإن النمل لا يقربه وقيل تخلط المغرة بقطران وروث مدقوق ويطلى بها ساق الشجرة فلا يصعد عليها النمل. وإن طلي بذلك جرح في الشجرة التحم ذلك الجرح. وقيل إن دخن موضع فيه نمل بأصول الحنظل هلك من ذلك النمل كل ما شم رائحته. وإذا بخر مكان فيه نمل بنمل أو مكان فيه جراد بجراد أو عقارب بعقارب هرب ما تبقى منها. وقيل كذلك الأمر بالنسبة لسائر الهوام. وكذا الفوذج والكرنب إن سحقا ناعما وذر مسحوقهما على مداخل أحجارها بما في ذلك الزنابير والنمل وطردها.

وقد يعمق للغروس الحفر في أرض رقيقة فيسرع إليها الجفاف وعلاجها أن لا يعمق لها في الابتداء، فإذا أتى عليها خمس سنين برزت عروقها على وجه الأرض فيقطع منها مقدار ذراعين، وتحفر حفرة غير واسعة بقري الأصل بعمق ذراعين يوضع فيها طرف العرق المقطوع ويغرس مستقيما. وأما الجفاف من شدة العطش ونقص الثمر فعلاجه أن تؤخذ ثمرة الزيتون وهو أخضر صغير بحجم حبة اللوبيا ويدق في هاون من حجر ويرش عليها قليل من ماء مطر في إناء نظفي ويغطى ويترك أربعة عشر يوما، ثم يعصر ثم يعاد دقه وعصره بشدة ثم يدق ويعصر ويكرر ذلك حتى لا يبقى فيه الشيء من الماء، ويترك في إناء نظفي في موضع بارد ندي ثمانية وعشرين يوما ثم يستعمله، فإن له تأثيرا عجيبا في الأشجار والخضر وفي الإنسان أيضا، وإذا أراد الإنسان تركيب الأشجار، يقطع الغصن من الشجرة المركب عليها ويطلي موضع القطع بيسير من ماء هذا الخليط ثم يركب فإنه يخرج كما يريد، وإن خلط من هذا الماء خمسة دراهم في الماء الذي تسقى به البقول خرجت البقول غضة ناعمة سهلة المضغ والطعم، وإن خلطت خمسة دراهم منه برطل ماء عذب ورش به شجرة جافة كل يومين عشر مرات عاشت وكذا حين شدة العطش أو نقصان الثمر أو حين ارتفاع حرارة الشمس يخلط مثقالان منه بثلاثين أو خمسين رطلا من الماء العذب، ويصب في أصل الشجرة أو النبات فإنه ينفعه وما عاد تضره قلة الماء. وبول الناس ينفع الكرمة العتيقة منفعة عظيمة، وإذا احترق ورقها في الصفي، يكشف عن أصلها في كانون الأول ثم يحفر كل شهر ويسقى بالماء مرارا. وإذا سقط ورق التين يثقب أصله، ويدخل عود بلوط أو غيره، ويغطى بالتراب.

وإن كشف عن أصل التين وصب عليه ماء نقع فيه ورق الزيتون نفعه من الدود والآفات وكثر حمله، وكذا ينفعه بصل الفار إذا غرس في أصله، وكذا الأمر بالنسبة للتوت. وزبل الناس والمعز وزبل الناس والمعز إذا خلط بالماء وسقي به مرات سلم. وكذا زرق الحمام إذا استعمل في البرد. ومما ينفر البهائم عن رعي الشجر دهن رأس الماعز وشحمه، وشحم الخنزير إذا طبخ وروث الكلب إذا خلط بأبوال الناس أو الماء ولطخ به الورق أو دهن به خرق وعلقت على الشجر، فإن البهائم تهرب من رائحته، وإذا صب عكر الخل في أصول التوت نفعها وأسرع في نضج ثمرها واستطاب دود القز ورقها، وإذا علق على الزيتون شيء من الحديد مشدود بخيط صوف أعان على نموه وتحسين فروعه ودفع الآفات عنه. وإذا بدأت الزيتونة بالحمل بعد عامين أو خمسة من غرسها يلقط حملها بأسره ويدفن في أصلها فإنه يعجل في نموها وتقويتها. وإذا ذبلت يشعل تحتها سراج كبير ليلة السبت وليلة الأحد وليلة الاثنين وليلة الثلاثاء ويرش عليها في هذه الأيام زيت مخلوط بماء، فإنها ترجع إلى حالها. وإذا اعتلَّت الزيتونة يطرح عند أصلها نوى الزيتون الرطب الجديد ويترك عاما، ثم ينزع، فذلك ينفعها. والعطش المفرط يهلكها ويهلك سائر الأشجار وشجر الزيتون يصيبه اليرقان لكنه يزول بالمطر الكثير، أو يسقى ماء عذبا من نهر جار أياما ويرش عليه الماء مخلوطا بزيت يوما فيوما.

ودود التفاح يهلكه بول المعز وذلك إذا كشف عن أصله وصب عليه حتى يرتوي ثم يترك أربعة أيام ثم يسقى في الخامس والسادس عند غروب الشمس. وإن طليت عند الغروس بمرارة البقر لم يدوّد ثمره. وكذا إذا غرس بالقرب منه بصل الفار لا يدوّد ثمره. وكذا إذا غرب بالقرب منه بصل الفار لا يدّود ولا يسقط ورقه وأبوال الناس توافقه وبعر الغنم المنقوع في نبيذ عتيق إذا صب على أصوله يمنع الدود وزاد في حجم ثمره واحمراره، وكذا زرق الحمام المنقوع في الماء إذا صب عند أصلها، وكذا بعر المعز وجميع ما ذكر الكمثري، ومما يزيل جميع أمراض التفاح أن يؤخذ قشر اللوز وورقة والأجود لبَّه أو كلها معا وتسحق ناعما وتخلط بروث البقر ويلطخ بها شقوق شجر التفاح والغليض من أغصانه، ومما يحلي التفاح صب دردي الشراب العتيق على عروقه، ومما يداوي به الشجر بشكل عام إذا عرضت له آفة، أن يؤخذ روث حمار رطب ويجعل في إناء ويصب عليه الماء ويسقى به الشجر سبعة أيام بقدر جرة كل يوم ثم يسقى بالماء العذب بعد ذلك، يسلم من الآفات. واحمرار التفاح والخوخ يمكن الحصول عليه إذا جعل الشجرة في السنة الرابعة أربع مرات من أبوال الناس.

ويعرض للموز ذبول وموتت، ودواؤه من جميع أوصابه أن تنبش أصوله ويصب عليها ماء مخلوط بمسحوق من ورق الموز مخلوط بزبل غنم، ويرش على أغصانها خمر ممزوج بماء، أو يرش ماء المطر ويغبر عليها بالتراب الناعم الخصب، وكذا دم شاة ممزوج بماء حار يكون أكثر من الدم، ويداوى بذلك أصل الزعرور والأزدرخت، ويزول دود المثري بأن يطلى أصلها بمرارة البقر، وكذا يزبل أصلها بزبل مركب من غائط الناس وروث البقر مع شيء من ورق الكمثري مخلوطا بتراب ناعم، وكذا إذا استعمل ورق السفرجل مبلولا بالماء وردي الزيت فانه إذا طلي به ساق الكمثري وأصلها نفعها جدا ودفع الدود والفار عنها وقد تكون علتها من تأخر امتداد جذورها في الأرض وعلاج ذلك الحفر عليها وإزاحة العوائق أو تنحيتها. وكذا علاج السفرجل إذا تعقد خشبها وظهر بها تآليل أو نحو لك فأنه يحفر عن أصولها في شهر كانون الثاني بخليط مصنوع من زبل عتيق ورماد زرق الحمام ثم يصب عليه الماء ثم يلقى عليه حمل من الحصا ويرد عليه التراب ثم يسقى بالماء العذب بعد أن يكون شذب قبل ذلك في آذار. والسفرجل لا يتحمل الزبل كما تقدم. والرمان ينفعه بصل الفار ولا يدعه يتشقق ويزيد من حمرة حبه وأن جعلت تحت الأرض حجارة حول أصله فإنه يتشقق، وقيل ان تنكيس قضبانه عند الغراسه يمنع تشققه بعد أن يسقى أصله بماء خلط برماد الحمام.

وأما الأترج والنارنج والليمون ونحوها فإنها إذا اعتلت يكشف عن أصلها ويجعل عليها الرماد الأسود ورماد الحمام وشبهه، ثم يرد عليها التراب ويسقى بالماء والنارنج ينفعه دم المعز الحار أو دم الإنسان م فصاده أو حجامه، وقيل بل سائر الدماء توافقه فيجود ويثمر ويحمر ثمره، وقيل يترك مكشوفا أياما للهواء ثم يغطى بالتراب يمنع عنه اليرقان، ولا سيما الدم المذكور، وإذا حصل للأترج نكسة من برد أو حر، فعلاجه أن يسقى الماء البارد إن كان مرضه من حر والماء الفاتر إن كان من برد، ويزبل بزرق الحمام مخلوطا بتراب عفن وقد يضاف إليه ورق أترج حتى يعفن ثم يطمر به ويصب في الأصل الدم المختلط بالماء الساخن وغائط الإنسان اليابس فإنه يدفع عنه صفرة الورق. والليمون يجود بصب الماء الحار في أصله ثم أبوال الحمير. والعناب له دودة بيضاء كالقملة تلحس الورق، لا سيما الحلو منه، وعلاجه أن يطلى الساق بالقار، وعلاج السواد الحادث في ورقها والجفاف، لا سيما في الخرفي، أن يرش بالزيت والماء الحار بعد خلطها خلطا جيدا ويكون ذلك يوم الأحد بعد الغياب ويصب في الأصل ماء حار مختلط بزيت يوم الاثنين ويرش عليه الباقي يوم الثلاثاء وهكذا يوما فيوما أربعة عشر يوما، سبعة أيام رشا وسبعة أيام سقيا، فإنها تعود إلى حالها طرية ندية. وتمر النخل إذا صار ماويَّا يغبر بمسحوق الورد عند تلقيحها، ثم تحرك شماريخ الفحل فوقها حتى يقع غباره على الأرض، وإن لم يتيسر الورد فورق الآس المدقوق فإن لهما فعلا عجبا. وأما الورد إذا أبيض قضيبه فلا خير فيه وعلاجه قلعه، ويكون ذلك في كانون الثاني ثم تسوى أرضه ولا يزرع فيها شيء فبقايا جذوره تنبت في نيسان نباتا حسنا فإذا استوى في أيار ينبش وينقى عشبه ويترك نحو ثمانية أيام ثم يسقى فإنه ينمو ويندفع بسرعة، وله علاج آخر وهو أن يعطش حتى يجف ورقه وما حوله من عشب في كانون الثاني، ثم تلقى عليه النار في تشرين الأول ثم يسقيه المطر بعد ذلك فإنه يندفع في أول الربيع ويزهر بالورد. وإذا كان في ثمر الأجاص مثل الحصى، يكشف ن أصوله وينقى من الحصى، ثم يعاد إليه التراب، وصغر الثمر إن كان من إفراط الحمل فعلاجه التخفيف عنه قبل إدراكه، وإن كان من داء يكشف عن أصله بمقدار ثلاثة أشبار وتلقى فيه حجارة صغار حتى يرتدم الموضع ثم يعاد التراب عليه ويسقى كل أربعة أيام مرة فإنه يعظم ثمره. وقيل يثقب في أصله ويضرب في الثقب وتد صفصاف. وأما تحلية المر من اللوز، فيثقب في أصله فوق وجه الأرض ثقبا مربعا فإن ثمرته تحلو، ويحفر حول أصلها، ويلقى فيها زبل خنزير ويصب عليها بول ويغطى بالتراب ويسقى. وكل شجرة يقطع ساقها يتغير ثمرها، وإن أردت تليين قشره وترقيقه فأكشف حول الساق حتى تنتهي إلى الأصول على وجه الأرض، فاسقها دائما ماء حارا سقيا قبل أن تلقي زهرها واكشف عن أصولها عند الساق فإن ما لا يحمل إلا ورقا، يثقب في الساق مما يلي الأرض، ويجعل فيه من خشب الصنوبر ويضرب عليه، ثم يصب عليه بول إنسان، ثم يطمر. وشجر الجوز إذا اصفر، فعلاجه أن يسقى الماء الحار، ويرش منه على أغصانه وأوراقه ويصب في أصله الدم، ودم الجمال إذا خلط بماء حار وصب في أصله كان الأنفع. وقيل إن ثقب في أصل شجر الجوز بعد إطعامها بفولاذ لطفي حتى ينفذ من الجانب الآخر، وترك الفولاذ في أصلها، فإن ثمرها وجوزها يصير رقيق القشر سليما سهل الكسر، وعلاج سقوط ورقها يكون بالحفر عميقا والسقي بالماء وتشذيبها في العام القابل قبل أوانها. وإن اصفر من كثرة السقي فعلاجه منع الماء عنه، وعلاج البرد والجليد ونحو ذلك يكون بالزبل والسقي ولا يعالج إلا الفتي منها، وأما المسنّ فإذا كثر فيه الجفاف يقطع أو ينشر قرب موضع ليس فيه جفاف فذلك أجود ويكون في فصل الخرفي فإنها ترجع كالفتية.

وإن خفي اليرقان على الشجر أو الزرع يؤخذ غصن من الغار وينصب وسط تلك الأرض فلا يصيب اليرقان شيئا في تلك الأرض. وإن شق الأصل من الشجر شقا غير نافذ ومليء ملحا مسحوقا وردّ عليه التراب مات الدود ويكون ذلك في شهر كانون الثاني والدود المسمى بالكلب وهو دود طويل أخضر يضر ظاهر الشجر وغيره من الدود يضر باطنه أو يأكل جوفه وييبسه، وعلاجه أن يؤخذ قير ويخلط بمقداره كبريت ويدخن به فإن الدود كله يموت ظاهرا وباطنا من ريحه. ورماد شجر التين يمنع الدود الكلب. وأما دود الزبل والرماد الأسود والذهبي ونحوها، فيقتلها كشف الأصول بالحفر وتنقية الدود، ويؤخذ رماد الحمامات الأسود التي تحرق فيها الأزبال ويلخط معه رمل وملح بمقدار السدس ويخلط به تراب مأخوذ من وجه الأرض ويجعل ذلك حول الأصول بعد تركها مكشوفة للهواء أسبوعا. ورماد الحمامات الأسود الحديث ينفع الخضر والبقول وأما التقبض الذي يصيب الأشجار فمرده سببان: أحدهما كثرة النمل الصغير ذي الرائحة النتنة فهذا يأكل العيون والعروق ويتولد منه مثل المن وهو لزج يلصق بالشجر ولا يزال يزداد حتى تفسد الشجرة وتيبس. والثاني يكون في مثل الخوخ والقراصيا والكمثري والسبب هنا حرارة الشمس فإنها إذا خرجت عن حد الاعتدال اجتمع عليه حران - حر الشمس وحر النمل -، وحينذاك ينقبض الورق ويلتف على بعضه. وعلاجه إذا ظهر النمل على الشجر أن يوضع حول الشجرة أناء فيه ماء فإن النمل إذا وصل إلى الماء لم يتجاوز إلى أعلاها فيرجع إلى أصلها حيث يكون موضوعا عظام مدهونة بالعسل فإذا تعلق النمل بها أخذت ورميت في الماء بعيدا عن الشجرة، ويتكرر ذلك حتى يقضي على ذلك الذر، وأما النمل الموجود على الأغصان فعلاجه أن يرش بمنقوع الافسنتين يوما وليله فأنه يفنى. وإن كان التقبض من حرارة الشمس تؤخذ حثالة تراب الفخار الأحمر مضافا إليه الجص العتيق المطفي وتغطى به العروق. والصوف الأبيض المنفوش لا يقربه نمل فإذا لفّ حول الشجرة أو الإناء منعه. وحجر المغناطيس إذا وضع على أبواب بيوت النمل لم يخرجن وهربن إلى غور الأرض.

وجرح الشجرة يداوى بتلطيخها بالزفت والقطران، وأما الجراد والذباب ودود الأرض فيبعدها الخردل إذا زرع في ثلاث نواح من الأرض التي فيها الزرع أو الشجر. والسيكران إذا نقع في الماء يوما وليلة ثم خلط بالخل ونضح به الشجر قضى على البق والبراغيث الكائنة على الثمار والخضر. والماء الحار الشديد الحرارة إذا خلط برمان عيدان الكرم ونضحت به الشجرة في كل يوم مرة طرد الدود الأخضر الطويل المسمى بالكلب. والقنبيط تلحقه آفة في منبته وثمره، ومنها حيوانات تحدث في رؤوسه كالبق والبراغيث والقمل والوزغ. فالبق والقمل يقضى عليه بالدخنة بالحمَّر والكبريت حتى يمتلئ الموضع بالدخان، أو يؤخذ خل جيد ويذاب فيه كبريت ثم يرش المحلول على الأصول، فإنه يطرد تلك الآفات أو يقضي عليها. والدود الكبير يهلكه دردي الزيت مخلوطا بمرارة البقر إذا ما رش به على المنابت ومنابت الشبرم الذي ليس له لبن إذا قطع وطبخ وصبت عصارته في مدخل الماء الجاري إلى أصول القنبيط، أهلك الوزغ والدود الكبير وغيرها. ========
===



علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب السابع





الباب السابع
في تشكيل الفواكه وغيرها




واكتسابها المنافع الغريبة والصفات العجيبة، وما يلحق بذلك من النوادر والملح واللطائف

اعلم أن تشكيل الفواكه والأترج والعنب وغيرها، كالخيار والقثاء والقرع والبطيخ إلى أي شكل أردت، يكون بأن تدخل ما أردت تشكيله في قالب أعددته لذلك، غير خشن، ينطبع فيه شكل ذلك القالب كفي كان، وإن كان على صورة حيوان انطبع على صورته. وقيل إن ذلك لا يكون إلا في الأترج خاصة، والعنب إذا أردت أن يطول حبه فيضل من قصب الأقلام أنابيب بطول الخنصر أو أقل فيدخل كل حبة أنبوبة منها. ويربط في معلاق العنقود لئلا يخرج منها، فإذا نضج العنب انطبع حبه على صورة الأنبوب وقدره، ولا بأس ان كان الأنبوب من نحاس، وإن جعل فيها ثقوب جاءت الحبات فيها نتوءات ظاهرة بقدر تلك الثقوب وإن جعل العنقود وهو صغير في قالب خشن شكله صنوبري، أو في زير مثقوب أو نحو ذلك، فإن ذلك العنقود ينضغط ويصير كأنه حبة واحدة، فيكسر ذلك الظرف ويخرج منه العنقود وقد أخذ شكله. وكذا القرع والخيار نحوهما، يدخل كما أردت وهو صغير في قالب خشب أو فخار ويدفن تحت الأرض ولا يغطى بتراب كثير، ويكون طرفه الآخر خارجا غير مدفون ومفتوحا يدخله الهواء، فإنه يطول على طول القالب وشكله، وإن كان في القالب نقش أو صورة أو كتابة انطبع ذلك في الثمار. ويكون القالب قطعتين.

أما طريقة جعل عنقود العنب المختلف الألوان من أبيض وأسود وأحمر وطويل ومدور وما أشبه ذلك فهي أن تأخذ من العنب قضبانا مختلفة مطعمة مثل قضيب عنب أبيض وأسود واحمر وطويل ومدور وهكذا وقت جري الماء في العود، يرضّ كل قضيب منها برفق بعود أملس على عود آخر مثله ويحذر أن يصيب ذلك الرض عيونها، ثم فيتل بعضها على بعض في موضع الرض ويربط بخيط ونحوه في مواضع كثيرة لئلا تنحل ضفائره. وقيل تقطع أطراف تلك القضبان وتسوى عقدها وتجعل عيونها بعضا مع بعض ويوثق رباطها ولم يذكر أنها ترضّ قبل ذلك، ويدخل المربوط من جهة الأطراف الغلاظ من القضبان في حلقة أو حلقات من قرن ثور أو عظم ويملأ بروث البقر الطري ويغرس في حفرة في تراب طيب، ويغيَّب القرن أو العظم في الأرض إلا مقدار إصبعين منه يترك خارجا، ويترك من الأطراف الرقاق من تلك القضبان خارجا قدر ثلاثة أصابع من كل قضيب منها، وليكن فيها تلقيح، ويكون تحت التراب منها أربعة أعين وتتعهد بالسقي، فإنها تلتحم كلها ويكشف عنها بعد ثلاث سنين، وقيل سنتين ويكسر ذلك العظم أو القرن، وقد أصبحت القضبان شيئا واحدا. فيقطع ما خرج من العظم منها كلها بحديد قاطع ناعم، ولا يبقى إلا الملتحم ويرد عليه التراب ويترك خارج التراب ما يلقح، فإذا خرج قضيب واحد يقطع سائرها فإن عنبه يكون ملونا.

وطريقة أخرى وهي أن تشق أوساط القضبان ولا يصيب الشق كعوبها ولا مخ أجوافها، ثم يؤخذ واحداً واحدا ثم يلصق بالقضيب المشقوق وتقرب أنابيبها، ثم تشد ويغطى بروث البقر وورق العناب، ثم يطين بطين لزج أو بعنصل مدقوق، ويغرس. وقيل يشق كل قضيب برفق لئلا تفسد كعوبها، ثم يضم كل قضيب إلى الآخر، ويدخل بعضها في بعض ثم تشد ببردي أو بخيط حتى تصير كالقضيب الواحد، ثم تطلى بروث البقر وتطين وتغرس. وقيل يشق كل قضيب فيؤخذ من كل لون نصف قضيب وترض كلها برفق، ويضم بعضها إلى بعض وتربط كما تقدم، وتطلى بروث البقر وتغرس منحرفة في أرض طيبة، في حفرة عمقها ذراع ويترك فوق الأرض كعبان، وتسقى بالماء ثم ترش كل يوم بالماء حتى تنبت، فإنها تصير قضيبا واحدا وتثمر عنبا ملونا. وقيل ينقل بعد عامين إلى موضع آخر.

وإن أردت أن تكون رائحة العنب كرائحة الآس، فلف قضيب العنب بقضيب الآس حين تغرسه، فإن رائحة العنب تكون كرائحة الآس وهو أخر أنواع العنب. وإن أردت أن يكون العنب طيب الطعم فادهن القضيب حين تغرسه بالزيت، أو انقع طرفه في الزيت، فإنه يطيب طعمه، وإن أردت أن تزيد في حلاوته فخذ من دبس النحل شيئا وذوبه بماء عذب وصب في أصله باستمرار قبيل القطاف بنحو خمسين يوما، فإن العنب تزداد حلاوته بشكل ملحوظ. أما شجرة التين المختلف الأولان فتفصيل ذلك أن تؤخذ قضبان من أصول مختلفة الأولان وتشق القشرة من كل قضيب من جهة واحدة وتسلخ عن العظم، ولا تفصل منه وتدخل تحت قشرة قضيب آخر، وتجمعها جميعا وتغرسها على نحو ما تقدم. وقيل يرضّ كل قضيب منها كما ذكر في العنب، ويفتل بعضها مع بعض، ويربط في مواضع كثيرة من موضع الفتل، ويطلى بروث البقر أو بعنصل مدقوق كما تقدم، ويغرس في أول كانون الثاني. وقيل يخلط ترابه بروث الحمير وتبن الفول ويسقى، فإذا نبت تفتل قضبانه برفق بعضها مع بعض حتى تكون كقضيب واحد، وتطلى بروث البقر وتكبس، فإنها تلتحم كالقضيب الواحد، وتنقل بعد عامين فيكون في الغصن حينئذ ألوان مختلفة. وقيل تفتل القضبان وهي صحاح غير مرضوضة، وتربط بإحكام في ثلاثة مواضع، وتدخل في قادوس مثقوب السفل ثم يملأ بالتراب ويغرس، فإنها تلتحم وتصير كعود واحد، فيقطع أعلاها بعد عام من حد الاتصال، فإنه يلقح، والذي يدرك منه يحمل في أعينه ثلاث تينات مختلفات الألوان. وقيل تدخل القضبان في حلقة من قرن ثور وشبهه لتنضغط فيه ويطين عليها وتغرس، فإذا التحمت بعد سنة أو سنتين نقلت، فتأتي بألوان مختلفة. أما طريقته في بروز التين فيؤخذ تين مختلف الألوان ويخلط بروث البقر اليابس أو غائط الآدمي، يوصر في خرقة كتان، وتطلى الصرة بروث البقر وتدفن في تراب خصب ويطرّى بالسقي كما يتعهد ببروز الفاكهة - وقد تقدم - حتى ينبت ويستقل ويصلب، فيفتل بعضه ببعض، ويربط ويطلى بروث البقر ويكبس كما تقدم، فإذا كبرت نقلت، ويغيَّب أكثرها تحت الأرض وتتعهد بالسقي فتطعم تينا ملونا ويصنع ببزر العنب مثل ذلك. وكذا إذا عرضت عيون من شجرات مختلفة في موضع واحد، فإذا استقلت يصنع بها كما تقدم. وكذا يعمل بالقضبا المتجاورة المختلفة الألوان وهي على الأشجار الأم دون أن تقطع، ثم تكبس وتنقل وهذه أكثر إنتاجا وأقوى على تحمل ما قد تتعرض له من الآفات وتغتذي من أصولها حتى تلتحم.

وقيل يعمل من قضبان العنب مثل ذلك فيكون العنقود ذا ألوان مختلفة. وإن أردت أن يكون العنب بلا بزر فشق ما يوازي الأرض منه نصفين وانزع لبابه من جوفه برفق واحذر خدش ذلك الشق، ثم شد عليه ببردي أو خيط ثم أغرسه في الحفرة قائما وصب في أصله كل ثمانية أيام رُبَّا أو عصيرا ممزوجا بالماء حتى يعلق، فيخرج منه عنب بلا بزر. وإن أردت أن يخرج الخوخ - وهو الدراقن - بلا نوى وكذا الرمان، فيشق ما يوازي الأرض من ملخه على علو أقل من ذراع، ويخرج لبه برفق ويشد ببردي ونحوه ويغرس، فإذا علق وأورق يقطع من فوق ذلك المشقوق ويتعهد بالسقي حتى يلقح في ذلك المشقوق، فإنه إذا أطعم يكون بلا نوى ويترك في الشق فوق الأرض ما مقداره ثلاثة أصابع مضمومة. وكذا فيعل بالكمثري، فلا يكون فيها من داخل ثمرتها مثل الحجارة، وإن كشف عن أصل الخوخ وثقب فيه ثقب فاستخرج منه لبابه، ثم ضرب فيه عود صفصاف قلّ نواه.

وأما دسّ أنواع الطيب والحلاوة والترياق والأدوية المسهلة فإنه يكون بطرق: منها أن يعمد إلى شجرة مطعمة من أي نوع كان في شهر تشرين الأول وما يقاربه حين انحدار الماء من أعلى الشجرة إلى عروقها عند سقوط الأوراق، فيشق في ذلك الوقت عرق الشجرة، التي يريد أن يعمل فيها ما يريد من ذلك الأرض بالنقار حتى يصل إلى المخ الذي في جوفها ويأخذ ما يريد من طيب أو مسهل أو ترياق أو حلو وما أشبه ذلك فيأخذ مثلا من المسك أو الاكفور للشجرة الكبيرة درهما ومن القرنفل خمسة دراهم ومن المسهل تسعة دراهم قدر ثلاث شربات. وللشجرة الصغيرة كالنقلة أو القضيب أقل فيؤخذ من أي هذه شئت أو غيرها أو نحو هذا المقدار فيسحق برفق غبارا ثم يلقى في ذلك ثلاثة أمثاله من القير ومثله من الشب الطيب ويجعل في صلاية نظيفة ويذوب القير بالنار ولا يصب عليه المسك مثلا وهو سخن فإنه فيسد المسك بل يسحق لئلا يجمد القير ويدعك في الصلاية بحجر ونحوه فإذا صار جسدا واحدا يعمل منه شكل فتيلة وتدخل في الشق الذي نقر في أصل الشجرة بالمنقار حتى يصل إلى مخها ويطبق عليه بقشر محكم من تلك الشجرة بعينها ويربط ربطا مستوثقا ويطين عليه بالطين الأحمر اللزج المعجون بالشعر فيفوح رائحة ذلك أو يظهر الحلو أو الدواء فيكون في ثمرة تلك الشجرة قوته أو طعمه، وكذا كل صنف إضافته إلى القير والشب ودسته في الشجر، ولا يعمل ذلك عند صعود المياه من أصول الشجر إلى أعلاها فإن ذلك الماء يخرجه من ذلك الشق فلا يوجد له أثر. وإذا فعل في تشرين الأول أو الثاني فإنه لا يأتي عليه الربيع إلا وقد التحم ذلك الشق فانسد فلا يخرج منه شيء من ذلك الذي يدس فيه فإذا نزل الماء أسفل تحدر إلى عروقها ونزل يقوي ذلك الطيب والحلاوة والدواء إلى أصولها وعروقها ويصعد مع المياه الصاعدة من العرق إلى أعلاها أرقه وأزكاه وقتا بعد وقت حتى يبرز الزهر وتعقبه الثمرة فيكون ذلك فيه. وأما دس ذلك في القضبان والنقلات حين غراسها فيؤخذ القضيب في شهر كانون الأول فيشق في وسط طرفه الذي يكون في الحفرة بمنقار لطفي ثقبا غير نافذ إلى الجهة الأخرى ويفتح ذلك الشق حتى يظهر المخ الذي في جوف ذلك القضيب إلى آخره وهو يشبه الصوف ويبدل مكانه الفتيل المذكور بعد أن فيتح بمنقار ثم يخرج ويسد على ذلك الشق ويربط عليه شريط أو لفي أو بردي من أول الشق إلى آخره ثم يطلى بطين أحمر لزج معجون بشعر ويلف عليه خرقة كتان صفيقة ويدخل القضيب المذكور في قادوس مثقب الأسفل حتى يجعل المربوط في وسطه ويزحم عليه بالطين الأبيض حتى يمتلئ القادوس ثم يغرس في حفرة يبسط فيها ويعمل في غراسه كما تقدم ويتعهد بالسقي قدر الكفاية ويدبر بما يوافقه فإنه إذا أثمر فاح من ثمره رائحة ما جعل فيه. وكذا يعمل بالغرسة المنقولة وبالكرمة، لكن الكرمة يشق قضيبها نصفين على طوله إلى آخر ما يوازي الأرض منه، وقيل قدر شبر، وقيل إلى آخره، ويحافظ على عقده لئلا تفسد، ويرمى ما في وسطه من المخ من الجهتين، ولا يترك منه شيء فيه ويجعل مكانه ما شاء كالسكر أو العسل أو اللوز المدقوق أو التمر الهندي أو المحمودة أو الصبر أو الترياق أو أي نوع شاء من الطيب كالمسك والكافور أو القرنفل أو البان ونحو ذلك، ثم يضم القسمان أحدهما إلى الآخر حتى يرجعا إلى هيئتهما الأولى فيربطان في مواضع عديدة بخيط صوف أو نحوه ويطليان بروث البقر الطري، ثم يطين بطين غير مخلوط وروث دواب مسحوق ومعجون بالطين، ثم يغرسان حيث كان ويسقيان حتى ينبتا شجرة واحدة يكون طعم ثمرها ورائحته كطعم ما وضع فيهما مما ذكر.

وأما تلوين الورد وغيره فله طرق: منها تصفير الورد بأن يعمد إلى أصل الورد في شهر كانون الأول فيقشر القشر الأسود الذي على العروق دون إزالته ويشق بالطول ثم يرفع القشر بحديد رقيق من كل جهة عن العرق دون أن فيصل من الأعلى ولا من الأسفل، ويعمل ذلك والعرق وساق القضيب الذي فيه قائم على حاله ثابت في أرضه، ثم يؤخذ منه مسحوق الزعفران الطيب فيحشى به ذلك الخلل الذي بين القشر وعرق الورد، ثم تلف عليه خرقة كتان ويشد رباطه ثم يجعل عليه الطين ويترك مكانه ويرد عليه التراب، فإن ورده يخرج أصفر. منها أن يخرج الورد لا زورديا وذلك بالطريقة المذكورة في التصفير غير أنه يجعل بدل الزعفران من النيل الطيب فيأتي ورده لازورديا حسن المنظر. وقيل إذا حل النيل بالماء وسقي أصل الورد به من تشرين الأول إلى أن يورد، يخرج ورده لازورديا حسن المنظر. وإن أردت وجود الورد في غير أوانه بأن يقطف في الخرفي مثر يعطَّش إن كان سقي زمن الحر ولا يسقى بعد ذلك، ثم يسقى في آب تكرارا، فإنه يلقح لقحا جيدا ويورد في تشرين الأول وفي الربيع أيضا. وكذا إذا حرق الشارف منه في تشرين الأول وأريد استعجال ورده يسقى بالماء بعد إحراقه مدة ثمانية أيام ويقطع عنه الماء أربعة أيام ثم يسقى ثمانية أيام ثم يقطع وهكذا خمس مرات، فإنه يلقح ويورد في الخرفي. ومن أراد أن يجني الورد أي وقت أراد من العام يعمد إلى الورد في شهر أيار إذا فوّه للفتح وظهرت في أطرافه الحمرة، فيميل أغصانه إلى الأرض نزولا ولتكن رؤوس الورد مرتفعة من غير أن تمس الأرض فإنها إن مستها فسدت، ومتى أردت الورد عدت فأطلقت قضبانه وعرضتها الهواء فإنه فيتح ويجني في ذلك الوقت. وهناك طريقة أخرى وهي أن تقطع رؤوس الورد إذا فوّهت للفتح بعراجينها، وهي أغصان متصلة بها وتأخذ قلَّة جديدة وتجعل فيها قدر نصفها من الرمل الرقيق، وتغمس تلك العراجين في القير المذاب ثم تغرس في الرمل في تلك القلة وتطين وتدفن في التراب، فمتى أخرج وقطع، وغمس في القير ونقع في الماء ساعة ثم يعرّض وهو في الماء للشمس، فإن ذلك الورد فيتح ويظهر في حينه. ووسيلة أخرى يجنى فيها الورد في الخرفي وهي أن يعطش في آب وأيلول، فمتى أردت الورد في أي وقت أدخلت عليه الماء فسقيته مرة ثم أخرى ينبت ويلقح ويظهر الورد.

وإذا أردت التفاح في غير وقته يعطش شجر التفاح طوال أيام الحر ثم تسقى في أول آب بالماء تكرارا فإنه يلقح تفاحا جيدا لا سيما إن كان في الخرفي رطبا. ومن ملح الفلاحة وظرائف الخواص إحراق أغصان بعض الأشجار في أصول أشجار أخر فتحمل في غير وقتها، منها إذا حرق السذاب في أصول الورد حتى يرتفع وهج الإحراق إلى الشجرة دون أن يقرب أصلها وذلك في أي وقت كان من السنة التي لا ورد فيها فتحت الورد بعد أيام قلائل، ويجمع رماد ذلك ويخلط بالتراب وينش أصل الورد ويوضع التراب فيه ثم يسقى كالعادة تأتي النتيجة كما ذكر. ومنها الكمثري والخوخ، إذا أحرق جزء من شجر الدلب، وجزء من شجر اللوز في أصل ما ذكر، أخرجت الحمل في غير زمانه بعد طمر التراب في أصل الشجر المذكور دون اقتراب النار منها. وكذلك شجرة الجوز تحمل في غير أوانها إذا أحرقت أغصان العناب في أصلها وتجود بحمل كثير في غير وقت حملها.

وطريقة الكتابة على التفاح الأحمر وعلى الأترج والليمون أو البلح وما أشبه ذلك يكون عند تناهي تكوينه قبل أن يحمرّ أو يصفرّ، أو يكتب عليه أو ينقش أو يصور بحبر فجل أو بمداد أسود أو بصوص البيض أو بوشق محلول أو بجص محلول بماء أو بغراء محلول أو بقير مذاب أو بنحو ذلك بقلم غليظ وتغطى الحبة لئلا يغسل الندى أو المطر ما كتب عليها، ويترك كذلك في شجرته حتى يحمر أو يصفر ويمسح ما كتب عليه أو صور، أو يغسل بالماء، فإن موضع الكتابة يبدو أبيض أو أحمر أو أخضر أو أصفر بحسب لون الثمرة. ويصنع مثل ذلك في ثمار عيون البقر وهي خضراء قبل أن تسود أو تحمر. ورأيت في بعض الكتب أنه إذا كتب عليه وبخِّر بكبريت أصفر وزاج ظهرت الكتابة حمراء في التفاح الأبيض ونحوه. وإن أردت أن يكون زهر الخيري - الذي يسمى في مصر والشام منثورا - أبلق تؤخذ غرسه من خيري أحمر ومثلها من خيري أبيض أو غرستين من كل لون، فتفتلان مثل الحبل وتغرسان معا فيخرج زهره أبلق، وكذا إذا زرع البزر الأبيض والأحمر في موضع واحد، فإذا نبت فتل النبات بعضه ببعض وجمع في حلقة من قصب أو خشب أو غير ذلك، ثم يكبس تحت الأرض إلا أطرافه فتكون أزهاره بلقاء.

وتأمل هذا وما ذكر في الآس وغيره وركِّب ما شئت وولِّد ونوّع ما أردت تحصل من ذلك على أشياء بديعة.

وأما ملخ البقول الآتي ذكرها فإذا أردت أن يكون في أصل واحد منه ألوان شتى، فخذ بعرة جمل أو شبهها فجوّفها وضع فيها بزر خس وكرفس مثلا من كل منهما بزرتين أو ثلاثا ثم أدفنها في أرض مشغولة وغط ذلك بتراب طيب وزبل عفن مدقوق فينبت أصلا واحدا، وإن جعل بدل الخس بزر السلق ونحوه فإنه ينبت ومنهم من يرض بعرتين أو ثلاثا ويخلط بها البزر ويصرّ الجميع في خرقة ويطمها في الأرض كما ذكر. وإن أردت أن يعظم الشلجم والفجل فخذ قِدرا كبيرة مثقوبة واملأ نصفها تبنا واجعل فوقه ترابا طيبا وزبلا قديما، ثم ازرع فيه فجلا أو شلجما وادفن القدر في التراب حتى تكون مساوية لوجه الأرض، فإنه يخرج منها نبات عظيم بكميات كبيرة. ويمكن إنبات الكزبرة من لا شيء وذلك بأن يؤخذ تيس وترش خصيتاه بماء ثم يرش ذلك الماء على أرض مشغولة فإن الكزبرة تنبت من غير زرع بزرها وطريقة إنبات الشبث من دون زرع يكون بصب الماء الحار في أرض مشغولة فإذا مضى عليها سنة نبت في تلك الأرض الشبث. والعوسج ينبت من غير بزر إذا دفن قرن الحمل في زبل وترك حينا، فإنه ينبت عوسجا. والنعنع يمكن إنباته من الخيوط والحبال التي تحمل أوساخ الذباب في أرض عامرة. والهليون يمكن إنباته كما قال ابن زهر بقلع قرون الكباش ودفنها في التراب. ونقل أبو زكريا يحيى بن العوام في فلاحته أنه ينسب إلى بعضهم أنه أخذ قرني كبش وثقب طرفيهما الغليظين ودس فيهما قضبان الهليون وغرّق القرنين في زيت ومرغهما في رماد وطمرهما في الأرض وعمَّق لهما وأدام سقيهما بالماء فنبت الهليون بعد ثمانين يوما. =========




علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب الثامن





الباب الثامن
في الحبوب والبزور والبقول




وذكر أراضيها وأوقات زرعها، وحصاد ذلك واختباره، وما يوافقه من الأرض وما يحفظه وذكر منافع ذلك وخواصه على التفصيل.

اعلم أن القمح يغتذي من الأرض كثيرا ويمتص ما فيها من قوة ورطوبة، والشعير غذاؤه من الأرض أقل من القمح، وكثيرا ما تضعف الأرض عند توالي زراعتها فيها، فإذا أرنا منع ذلك زرعنا الشعير بدل القمح فإنه أبقى لقوتها. والعدس والجلَّبان يطيبان الأرض، لا سيما الرقيقة وهي لذلك أشد حاجة لهما. والحمص فيه عشبة تفسد الأرض كثيرا، ومع هذا فاغتذاؤه من الأرض أقل من القمح والشعير. وأما الكرسنَّة والفول والجلبان والعدس فأرضها نافعة لزراعة القمح. والقطن أرضه طيبة للزراعة، والترمس يزرع في الأرض الرقيقة الضعيفة فتقوى به، وإذا زرع القمح بعده جاد، لأنه يطيب الأرض الرديئة. ويزرع القمح في الأرض الطيبة السهلة، والشعير في الأرض المتوسطة الحال بين الرقيقة الطيبة، والفول في الأرض الندية الرطبة ويزرع قبل موعده، والحمص كذلك وإن بكرت بالحمص، فازرعه عند زرع الشعير فيجود ويأتي طريا، وإن أريد للخزن يزرع في نصف كانون إلى آخر آذار. والعدس إذا زرع في الأرض الرقيقة يطيبها وموعده من نصف كانون الآخر إلى الاستواء الربيعي. وقيل إن زرع الخرفي جاد وحسن. والسلت تنفعه الأرض الرملية ويزرع على وجه الأرض المهملة فينبت وكذا الترمس، ويبكر بالسلت في الخرفي.

والدخن يزرع في الأرض الرملية وتحرث أرضه مرات، وينقى حشيشه باستمرار. والذرة تزرع في القيعان الرطبة والرملية الندية ويزرع متأخرا كالدخن. والأرز أحسنه ما يكون على السقي، وقد يزرع على غير سقي في القيعان الرطبة بعد حراثتها والعناية بها، ويزرع في نيسان وإذا زرع على السقي ونقل بعد نباته جاد. والسمسم يزرع في الأرض الرطبة كالجزائر والقيعان فيجود، وتتأخر زراعته إلى الاستواء الربيعي وقليله في البدر كاف وإذا زرع على وجه الأرض وأصابه مطر ثم طلعت عليه الشمس ضغطته الأرض ضغطا يؤيد إلى الضعف والفساد. وكذلك القطن فتؤخر زراعته حتى يستقيم الهواء. والكتان يزرع في الأرض الطيبة جدا لئلا يغلظ سلقه ويكثر من بزره فيلتف بعضه على بعض لرقة اللحاء. والقنب يزرع في الأرض الخصبة الدائمة الرطوبة في وقت طلوع السماك الرامح من السادس عشر من شباط إلى وقت الاستواء الربيعي، وهو الرابع عشر من آذار، وقد يزرع في نصف نيسان فيجود وهو مما يمتص باقي الأرض من غذاء فيتركها صفيقة هزيلة، ولذلك تزبل بعده الأرض حتى يمكن زراعتها في المستقبل.

والقطن يزرع في القيعان والجزائر المستوية في أيار بعد حرث الأرض مرات كثيرة كي ترتخي وكلما زادت حراثتها قبل بدره كان أجود. وينقى بعد خروجه مرات ويقلع من حوله سائر الأعشاب فيجود جدا. والجلبان يزرع وقت الباقلاء وهو الفول، وقد يؤخر إلى شباط، ويطيب له كالعدس. وقيل يزرع القمح في الأرض الندية، وإن زرع في الجافة قطعت أصوله الديدان وإن سلم جاء ضعيفا، وكذا الجلبان، وإذا أخصب زرع القمح والشعير وطال في الأرض الرطبة يخشى أن يركب بعضه بعضا ويفسد ولذلك تترك فيه الدواب لترعاه فتمنع فساده وينبت ويجود. وينبغي أن تؤخر الزراعة في الأرض الباردة جدا إلا أن يكون ذلك النبات كالقمح والشعير فلا بأس من زراعته لأنه لا يبالي بالثلج والهواء، ويبكر بزراعة الكتان، ويؤخر مثل الدخن والذرة والسمسم والقنب والقطن وكذا البقول، وإذا دفن البزر مع هبوب ريح الجنوب يأتي الزرع كثير البركة، ويبدر يوم مطر ولا يبدر شيء من الزرع حتى تجف الأرض. وقيل لا يزرع القمح إلا بعد ثلاث حراثات أو أربع مع قلب طيب وثرى معتدل وجو خال من الهواء والمطر. والشعير بحراثتين أو ثلاث، والقطاني يكرر عليها مرات مفردة نحو العشر حرثات إن أمكن. ويكون البدر في ثلاث دفعات متفرقات، دفعة في أول الموسم ودفعة في وسطه ودفعة في آخره، فلا يخيب كله، ويتوخى زيادة القمر، إلا الكتان جرّب في النقصان فلم يخب، والزرع الباكر من نصف أيلول، ما زرع قبل ذلك لا يفلح، وما زرع في شباط ربما يفلح قليلا، والوقت المتوسط من زرعها إلى حصادها مائة يوم ولا ينبغي أن يزرع قمح ولا شعير في الحادي والعشرين من كانون الثاني حتى آخره.

قال صاحب الفلاحة: إذا أخذ جاد ضبع وربط على المكيال عشرة أيام ثم اكتيلت به الحبوب وزرعت أمنت الطيور والدود والفار. وأيام الدفء في الشتاء هي الأجود لزرع الحنطة، وإن كان مع ريح الجنوب وزيادة القمر كان الموسم الأجود ويأتي الحب كبيرا وكذا سائر أصناف الحبوب، ومما يخصب الحبوب ويزيد في إنتاجها برادة قرون البقر والغنم بعد دقها بالهاون وخلطها مع الحبوب قبل البدار. ويقال في البدار المعتدل فيما ذكر من الحبوب، إذا بسط إنسان يده على ارض المزروعة قبل تغطية البدار بالحرث جاءت السنابل وفيها سبع أو ثمان حبات من القمح أو تسع أو عشر حبات من الشعير أو أربع حبات أو خمس أو ست من الفول، وكذا الترمس والحمص. ولا يزرع من الحبوب ما لحقته آفة فإنه لا ينبت ويذهب العمل هدرا، وأجود البدار ما كان عمره سنة ودونه ماله سنتان، وماله ثلاث سنين رديء إلا الجاروس وهو الذرة، والأرز وتكون الحبة سمينة صالحة، ولا خير فيما أكله السوس ونحوه.

وأما الحصاد فالقمح يحصد سريعا وفيه بعض رطوبته ليكون أجود وأحلى، والذي يؤخر حصاده يصمد أكثر، ويحصد الشعير أولا لئلا تتقلص حباته ويصفر لونه ويهزل، ويسارع في جمع الحبوب قبل جفافها كثيرا لئلا تتقبض، وإذا جف جفافا جيدا لا يسرع الفساد إليه. وأحسن الحصاد سحرا وآخر النهار، والتذرية في يوم ريح الشمال أصلح. وبعض لحكماء كان يأمر الحصادين ومن ينظف القمح والشعير ويجمعهما أن يغنوا ويرفعوا أصواتهم بألحان مليحة، فإن لذلك تأثيرا طيبا فيهما. والحبوب المحصودة باكرا تكون أطيب طعما، ويظهر ذلك العدس ونحوه وهو أسرع نضجا عند الطبخ، وتحصد القطاني برطوبتها في الندى ويجعل السنبل للشرق، ومحل قطع المنجل للغرب فلا يعتريه الفساد.

وأما موضع البيدر فيجعل إلى ناحية هبوب الشمال والجنوب مستويا غالبا بعيدا عن البساتين، فإن التبن يضر بالشجر المثمر إذا وقع على الثمر والورق ويجففها، وكذا البقول، فإنه بمنزلة السم القاتل، ويبعد به عن البيوت فإن غباره مضر. ويبعد به أيضا عن اصطبلات البقر والخيل ونحوهما. قال ابن زهير: إذا حصد القمح في يوم العنصرة وهو الرابع والعشرون من شهر حزيران، لم يدخل السوس ذلك القمح. وأما مخازنه فينبغي أن تكون كثيرة المنافس لدفع البخار ووصول الهواء البارد من الصبا أو الشمال. ولا يكون فيها نداوة ولا رائحة منتنة، ولا بخار كريه. وينبغي أن تطين حيطانه بطين عجن بالشعر بدل التبن، ثم بالطين الأبيض من داخل وخارج. ومما يحفظ الحنطة من الفساد أن يعد تراب أبيض يابس وورق شجر الرمان يابسا مدقوقا وينثر عند الخزن على كل مدّ من الحنطة مقدار الثُّمن. وكذا إذا خلط جص منخول بالشعير بقدر ما يرى بياضه أو دفنت جرار مملوءة بخل في وسط الشعير يسلم ذلك من الآفة. وإن نقع قثاء الحمار وورقه يومين في ماء وصفي وعجن به رماد ورمل، وكذا إن بُل الرمل بدردي الزيت، فإنه يقتل الهوام، وقد يخزن القمح والشعير في حفائر في الأرض البيضاء الجافة الباردة فيحفظ دهرا.

==========




علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب التاسع






الباب التاسع
في أنواع الحبوب المستعملة




وما يجعل منها خبزاً وكيفية زرعها وبعض خواصها

وأنواع الرياحين وباقي المزروعات

فالقمح أفضل أصناف الحبوب وأقربها إلى الاعتدال، إلا أنه أميل إلى الحرارة وهو معتدل الرطوبة واليبوسة، والقمح المسلوق حار رطب، ينفع الأبدان المتخلخلة، ويزيد في قوة البدن ويغذي كثيرا ولا سيما، إن طبخ مع اللحم، فإنه حينئذ يشد البدن ويزيد في قوته زيادة بيِّنة ويفيد أصحاب الكد والتعب والحساء المتخذ من دقيقه وماء الكشك المعمول منه نافعان من السعال وأمراض الصدر وقروح الرئة. والسَّويق المتخذ من القمح ما كان نقيعا فإنه يبرد ويطفئ الحرارة ويسكِّن العطش إذا شرب بالماء البارد بعد أن يغسل بالماء الحار مرات لتذهب عنه رياحه. وأجود سويقه المعتدل الغلي، وهو حار يابس في الأولى، وينفع الحشا الرطبة وهو بطيء الهضم كثير النفخ. وينبغي أن يغسل بالماء الحار ويضاف إليه السكر. والنشا مزاجه بارد، وغذاؤه أقل من غذاء سائر ما يعمل من القمح، وأبطأ هضما لغلظه ولزوجته، ولذا فإنه يولد الانسداد في الكبد والكلى وهو أحسن غذاء لمن به سعال من خشونة الحلق وقصبة الرئة والصدر ولا سيما إذا عمل منه حساء بالسكر ودهز اللوز، والأطربة باردة رطبة عسرة الانهضام تولد خلطا غليظا لزجا لأنها متخذة من عجين فطير، وغذاؤها قليل لكنها تنفع من السعال وخشونة الصدر والرئة وأوجاعها إذا خلطت بدهن لوز وزبد وهي لا توافق انسداد في الكبد وغلظ الأحشاء وتصنع ممزوجة بالفولنج والزنجبيل والصعتر.

والنخالة فيها حرارة فإذا صنع من مائها حساء مخلوط بدهن اللوز والسكر نفع معه سعال ورطوبة في الصدر، والرئة أو ورم في الحلق وإن ضمدت به المواضع التي فيها الريح أخرجه. وأما الخبز من القمح فهو أصناف كثيرة، وأجوده المطحون في رحا الماء، فإنه خير من المطحون في رحا البهائم، وأجود الخبز ما كان من قمح جيد نقي أحكم تحميره وملحه ونضجه في التنور، وما كان من حنطة كثيفة أكثر غذاء مما كان من حنطة رخوة. وأبطأ هضما ما اتخذ من لباب الحنطة، وهو يولد الانسداد إلى الإمساك. وأقله غذاء ما اتخذ من حنطة نزع لبابها. والخبز من الحنطة الجديدة يسمِّن بسرعة، والقريب العهد بالطحن يحبس البطن، والقديم يطلق البطن. والخبز الحار يعطش لحرارته، ويشبع بسرعة. والخبز العتيق اليابس يعقل البطن، وخبز الفطير إذا جعل في الماء رسب، والمختمر جدا يطفو، والمتوسط لا يغرق ولا يطفو، وأصلحه ما كثر ملحه ونضجه. والخبز المطبوخ كان يختاره بعض الملوك، وهو أن تأخذ قدرة جديدة يجعل فيها العجين وهو لين جدا ويوضع القدر في تنور ناره هامدة ويطبخ حتى ينضج وهو أسرع هضما وأكثر غذاء. وإن عجن بماء الخمير المنقوع فيه زبيب وخلط مع العجين زيت ودهن لوز كان خبزا ولا ألذ وهو الخبز الذي بالغ حكماء الفلاحة الأقدمون في مدحه وكثرة منافعه، وإنه إذا أدمن عليه إنسان قوي جسمه بحيث لا يعرض له شيء من الأمراض ولا يفسد في معدته طعام ذكروا له منافع كثيرة أخرى. وخبز الثوم ينفع من لدغ الحيات ويخرج الرياح ويحسن اللون ويطول عمر آكله، وطريقته أن يؤخذ أربعون جزءا من الدقيق عشرها دقيق شعير، والباقي دقيق حنطة، ويطرح عليها جزء واحد من الثوم المسلوق والمدقوق في هاون حتى يصير كالمخ وثم يعجن بالملح والبورق وهو أجود ثم يخبز ويؤكل وقد ذكروا من منافعه ما يشبه العجائب. وأما الشعير، فأجوده الجديد الأبيض الكبير الحجم، وطبعه بارد يابس في السنة الأولى من عمره. وقيل في الثانية، وغذاؤه أقل من غذاء القمح، وخبز الشعير بارد يابس وهو يولد الرياح، ويجفف الطبيعة ويعقلها، فيؤكل مع الأشياء الدسمة كالسمن والزبد ومرق اللحم والأشياء الدهنية. وأما الأرز فقيل إنه ضرب من الحنطة شديد البياض، ينبت في الماء لأنه لا يروى قط، ولا يؤكل الأرز مع الخل أصلا، ولا مع طعام فيه، لأنه يضر جدا. وهو بارد في سنته الأولى يابس في الثانية، وقيل معتدل ويحبس البطن، والأرز يزيد في نضارة الوجه، ويخصب البدن، ويري أحلاما طيبة ويضر بأصحاب الفولنج، ويصلحه اللبن الحليب والدهن.

وأما الحمص فأنواع، أبيض وأحمر واسود، وإن أردت أن يكبر الحمص ويجود فانقعه قبل أن تزرعه بيوم في ماء ساخن قليل الحرارة حتى ينبت، ثم ازرعه في أرض ندية، وتوافقه الأرض السنجة، فيخرج نباتا قويا جدا. والحمص الأبيض يورث أكله السرور وسكون النفس، وإذا جعل معه عند طبخه خردل فإنه ينهرّى إنضاجا. وزرع الحمص مع قشوره أجود. ومن خواصه أنه إذا سحق وخلط بالصابون أو بالملح وغسل به ثوب فيه أثر دم أزاله، والحمص بطيء الهضم جدا، وإصلاحه تكثير ملحه. والفول وهو أنواع: بجائي أسود غليظ، ومصري احمر غليظ، وشامي أبيض غليظ، وهو يقطع رائحة الثوم من الفم إذا أكل بعده، وإذا أكلته الدجاج انقطع بيضه وكثر ألبان الغنم إذا اعتلفته. والعدس ويسمى البلس، يزرع سقيا وبعلا، وإذا دلك بروث البقر قبل زرعه أسرع إنباته وعظم. ومن خواصه إذا زرع مع البزور كلها مخلوطا بها، فإن الآفات تنزل عليه وتسلم البزور التي زرعت معه، وهو يصبر على العطش ويسكِّن حدة الدم، ويقوي المعدة، وماؤه ينفع مع الخوانيق، ويضر أصحاب عسر البول كثيرا. ويمنع إدارا البول والحيض، وقيل من يأكل العدس لا يزال مسرورا يومه ذلك.

والجاروس وهو الذرة تزرع سقيا وبعلا وهي بيضاء وسوداء، وتزرع يف أيار ولا تسقى في أول نباتها وتزرع في البعل في آذار ونيسان. والذرة الصيفية تحتاج إلى سقي كثير متتابع قريب من سقي الأرز وأكلها يورث العطش كالأرز. والدخن يسمى جاروس ويزرع سقيا وبعلا، وهو أنواع، أبيض غرنوفي وأحمر وأسود، وزرعه من عشرين آذار إلى آخر نيسان وهو يحبس البطن ويدر البول، ولكنه يولد الانسداد والحصى، ويصلحه السكر والعسل. والكرسنة تزرع في البعل في آذار ونيسان، وتعلف بها البقر فيكثر لبنها، وقيل كل ذوات الأربع، وتوافقها الأرض اليابسة الصلبة، وتفسد في الأرض اللينة والرقيقة والضعيفة وتصبر على العطش. والجُلَّبان ويعرف بالجلبان الأعرج، لأن من خواصه المذمومة إذا رقد عليه إنسان وهو محصود قبل الدرس أو على تبنه وعرق عليه أو تحته، فإنه يعرج لا محالة ومن أنواعه الششلق والبسلة، والماشُ المدحرج ذو الحب الكبير ويسمى المج لونه أزرق، ورقه كورق الفول، وهو قريب من الباقلي، وزرعه في شباط وفي كانون الأول، وإن خلط بزرق الحمام كان أسرع لإنباته ونضجه، ويسقى عند زرعه مرة واحدة تغنيه عن سائر السقي، أو يسقى مرة أخرى إذا ظهر نواره ويقال إذا أكله إنسان لا يزال مسرورا ذلك اليوم. والششلق نوع من الماش أصغر حبا وأطيب طعما، ويزرع على السقي في كانون الثاني وشباط، ويسقى مرة واحدة بعد نباته، والبسلة نوع منه اصغر حبا، وورقه كالكرسنة. والماش الهندي وهو القلفا ويسمى الكثيري، وهو أكبر من بزر الكتان، ولونه أغبر، ويفتت حصى الكلى، ويدر البول والحيض.

واللوبياء ويقال لوباء وهي اثنا عشر نوعا: عاجية، وهي المعروفة بالمغرب، وشامية لون الحنطة، وعراقية وهي سوداء، وياقوتية وهي حمراء، ولكية وهي حمراء إلى سواد، وعقعاقة مجزعة بسواد وبياض، وفخارية حمرتها كالفخار، وصينية سوداء مفرطحة أصغر من الترمس، وشتوية، وصيفية، وشركية قدر حبة الزيتون السوداء، وصقالبية قدر الزيتون بيضاء، وخشبية قدر بيض الحمام مجزعة، ورومية قدر العناب بيضاء مائلة إلى صفرة، ولا تخرج برية البتة، بل تزرع سقيا في آذار ونيسان ولا تزبل، فإنها لا تتحمله، ولا تتحمل الماء الكثير، ويكون بين الحبة والحبة عند زرعها مقدرا شبر عرضا ومقدار ذراع طولا، ولا تسقى حتى تنبت فإن تأخرت عن الحمل، قطع عنها الماء. وقد تزرع في السنة مرتين، مرة في الربيع ومرة في الصيف. وما زرع في الصيف أسرع نموا، وحبه ألطف ورطوبة الماء أنفع لها من سقيها بالماء، ولا تؤكل نيئة البتة، فإنها تورث الصداع، وتطبخ بالماء العذب حتى لا يبقى عليها إلا القليل منه وتؤكل مع الخبز بعد أن يذر على الحب القليل من الملح ثم يشرب ماؤها بعد الأكل فإنه يزيل الإسهال الحاد، ولا يعرف في إزالته أبلغ من اللوبياء المطبوخة كما إنها تنفع المعدة.

والسمسم ويسمى الجلجال، ووقت زراعته آذار ونيسان يزرع بعد وقت ابتدائه بالترويس، ثم يقطع الماء عنه لتفحيله، وإذا قل إيناعه كثر حمله وإن اشتد إيناعه قطعت أطرافه بقضيب فتقل المادة الموجودة ويجمع جوزه بالغداة إذا تفتح وظهر قطنه وفيه بعض رطوبة ويكون ذلك في شهر أيلول، ويستر عن الشمس لتبقى فيه نداوة، ويزال قطنه في الظل باللقط بأصابع اليد برفق، ثم يجفف القطن بالشمس ثم يرفع. ويزرع في القيعان والجزائر ويجود في الأرض ذات التربة الحمراء أو السواد السليمة من الملوحة وهو سريع النمو والعطش يضره حتى يكاد يهلكه، وإن عطش عولج برش الماء على قضبانه وورقه وألقي على سيقانه الزبل المعفن المصنوع من روث البقر وورق القرع وتبن الباقلاء وورق السبستان.

والفصة وهي القضيب والرطبة وتسمى إذا جفت ألقتّ والعلف، وأجودها الخضراء ذات المالس وقد تعمر نحو عشرين سنة لكنها تحصد كل عام إذا أينعت، وإذا سقيت عادت فنبتت لأنها تحب الماء كثيرا. وموعد زرعها في النصف الأول من شباط ويعلف بها الخيل وجميع الدواب، وزيت بزرها أنفع شيء للرعشة. والبرسيم، ويسمى القرط، وموطنه مصر، وتألفه الأفيال والمعز، كما أنه علف للخيل وغيرها، ولا يحصد إلا مرة واحدة ثم يجدد زرعه كل عام، ويؤخذ بزره كغيره بعد أن ينضج. والخشخاش، منه الأبيض والأحمر والأزرق والأسود وغيرها من الألوان المختلفة، وزهره أبيض وأحمر وغير ذلك يزرع ويزبل بزبل عفن وزرعه من أول كانون الثاني إلى شباط، ويحرك مع الأرض ويسقى دون إسراف مرة أو مرتين، فإذا نبت يقطع الماء عنه، ويسقى مرتين في الأسبوع ويزرع في الأرض التي يخالطها رمل وفيها رطوبة وإذا أخذت واحدة بما فيها من البور ودفنت في التراب الندي، ينبت منها أصل كبير منبسط تتفرع منه قضيب كثيرة، والأبيض قد يطحن ويخبز فإذا أكل مع الحلو كان غذاء للبدن ولكن يمنع عن الشيخ بالمرة وكذلك عن البارد المزراج، وكثرة أكله تثقل الرأس وتكثر النوم، ولا يقرب البري منه بحال من الأحوال فإن فيه سما، وإذا جفت عصارة الخشخاش الأسود المصري في الشمس كانت كالأفيون، وأجوده الكثيف الثقيل المر ذو الرائحة القوية السهل التحلل في الماء الحار كما ينحل في الشمس ولا يظلم السراج إذا شعل منه ويكون هشا، وأما الأصفر الضعيف الرائحة الذي يصبغ الماء الصافي فإنه مغشوش، ويغش بالماميتا أو بالصمغ وهو البراق. الأفيون بارد في الرابعة، يابس في الثالثة. وقيل في الرابعة يكون مخدرا مسكنا لكل وجع طلاء وشربا، والشربة منه قدر عدسة ولا يزاد على دانقين إذا أخذ منه درهمان يف البرد قتل، ودرهم يبطل إذا شرب وحده.

والفوّة تزرع بعلا وسقيا وهي ثلاثة أصناف، صنف نواره أصفر وهو الأكبر، وصنف نواره أبيض وورقه دقيق، وهو قليل، وصنف صغير دقيق الورق لا يعلو أكثر من إصبع وثمرته صغيرة اسمها نجوية وهي التي تصبغ بها الثياب وتنبت في البساتين وغيرها وتزرع بزرا أو عروقا أو أغراسا وتوافقها الأرض الرخوة والخصبة، والماء الكثير ينفعها لكن لا بد من حرث الأرض مرات وتزبيلها قبل زرعها وموعدها في آذار. ويزرع بزر الفوة كالحنطة، وتنبش إذا صارت طول صابع، وتُعطش حتى يبدو عليها الذبول، وتسقى بعد ذلك مرة في الأسبوع مدة الصيف وستغتني في الخريف عن الماء بالأمطار، وتحصد أطرافها العليا بعد إدراكها وذلك بعد عامين من زرعها، ومن أحب التعجيل فليقطع عروقها في أيلول وليقطع الضعاف الرقاق ثم يطمرها بالتراب فتنبت ثالثة وتتجدد وتترك عروقها الباقية في الأرض كل سنة وتعمر الفوة أعواما.

والحنَّا وتسمى أوقان لا تنبت في البلاد المفرطة في البرد. ويختلف نوعها بحسب البلدان ومناخها، فهي في البلاد الحارة الرطبة الهواء، تصير شجرا وتبقى خمسة عشر عاما، يقطف ورقها كل عام بطنا بعد بطن، ويتعهدها صاحبها بالزبل والسقي والرعايا كالكرم فتعود فتية، وتخلف أغصانا جددا وأوراقا، وكذلك هي في الحبشة، وأما في البلاد غير المفرطة البرد فيزرع بزرها في كل عام ويؤخذ ورقه فقط ولا يبزّر، وطريقة زرع بزرها ان ينقع في الماء يومين وليلتين وهو مصرور في خرقة ثم يعرك باليدين حتى يتقشر ويخرج من غلافه ويصير كبزر التين نقيا، ثم يوضع على قطعة من صوف بحيث لا يشمل إلا ثلثها ويعرض للشمس على لوح مائل لينزل منه الماء بعد أن يغطى بما بقي من قطعة الصوف لئلا ينفذ إليها حر الشمس فيجففها، ويرش أول الليل بالماء ويوقد تحته حتى يبقى دافئا وهكذا يعرض في النهار بعد رشه بالماء الفاتر للشمس وبالليل يدفأ بالنار ثم تحرث الأرض ثلاث مرات وتقلب، ويزرع مخلوطا بالطين الذي يخرج من الآبار ويسمى الحمأة، يعمل منها أحواض معتدلة مستوية لها أطراف واسعة وتزبل بزبل الآدمي اليابس أو زرق الحمام. يفرش البرز في الأحواض ثم يطلق عليها الماء حتى يمتلئ ويسقى ثمانية أيام متوالية، ثم ثلاثة أيام في الأسبوع فإذا صار بطول الإصبع ينقي من العشب ويسقى الماء مرتين في الأسبوع. فإذا صار نحو شبر يُنفش برفق ويذّر عليها زرق الحمام أو زبل آدمي جاف وعند تجفيفها توضع في الظل لأن الشمس تجعلها صفراء وتقلل من صبغها. ويرش الورق بقليل من الزيت وتخزن في الخوابي الجدد بعد أن تدق ناعما، وتسد رؤوس الخوابي بالجلود ويُطين عليها لاستعمالها عند الحاجة، والبزر يزرع في نيسان وأيار.

والزعفران ويسمى الجاري والكركم، وأصله بصل يزرع سقيا وبعلا ينبت في البلاد الباردة المعتدلة، ولا توافقه كثرة الماء ويغرس في أيار وحزيران، وينبت في تشرين الأول، ويخرج نواره قبل ورقه، ويتحطم ورقه في الحر، ويغرس في البساتين كالبصل والثوم، في حفر عمقها نحو ثلثي شبر، ويوضع بصله صفوفا ويكون بين البصلة والأخرى نحو ذراع، ويرد عليه التراب ويسقى بالماء كالبصل. وتنويره أول نزول الغيث، وفيه اسمانجوني اللون وفي وسطه شعرات حمر هي الزعفران، وورقه خيطان دقاق منبسطة يجمع قبيل المغرب ويعمل أقراصا توضع على ألواح لتجف في موضع لا ريح فيه. وقيل ترضّ شعراته ويجمع بعضه إلى بعض ويعمل أقراصا ويجفف على نار فحم هامدة في مقلاة جديدة فتشتد حمرته. وقيل إنه لا ينوّر حتى تكون زنة بصلته أوقية. وفي البعل تحرث له الأرض جيدا ثم يفتح فيها خطوط بالمحراث متباعدة يزرع فيها البصل ويرد عليه التراب، ويزرع في وقت السقي وتحت شجر الزيتون فيبقى أعواما ينوّر كل عام، وهو من الطيبات ولكن أصوله لا تؤكل، وأجود الزعفران الطري ذو اللون الحسن الشديد الحمرة الذكي الرائحة وعلى شعراته قليل بياض، وهو صحيح غير متفتت، وهو حار في الثالثة، يابس في الأولى، فيه قبض وهو محلل منضج.

والكمون منه بري ومنه بستاني، وأصنافه الأسود اللون والأصفر الفارسي، والنبطي الموجود كثيرا، وهو الشامي، والكرماني والأصفر أقوى من الشامي، وكله يزرع سقيا وبعلا، ولا يحب الأشجار ولا القرب منها، ولا يسقى كثيرا بل يسقى مرتين أو ثلاثا، ويزرع في كانون الثاني بعد حرث الأرض وتزبيلها ويكون ذلك مع سكون الريح، ويحرك مع التراب ويسقى مرة واحدة باعتدال فإذا جف أعيد سقيه حتى ينبت، فإذا نبت رفع وامتلأ بزره، وينفض حبه نفضا وهو حار يابس في الثالثة، يقتل الدود، ويطرد الريح، ويحلل، والإكثار منه يصفر اللون أكلا وطلاء للجلد من خارج، وهو يدمل الجراحات، ويقطع الرعاف مسحوقا مع خل، وقيل من خزن في بيت فيه كمونا اصفر لونه، وإن بخر به لم يقربه البق. وإن دق وذر على قرية النمل لم يخرجن.

والكاشم وهو الانجدال الرومي، وأجوده الأصفر الطري الكبير الورق، ويشبه في قوته الكمون، ويزرع كما يزرع الكمون، وهو حار في وسط الثالثة، ويزره وأصله مسخن، وهو يطرد الرياح، ويفتح الانسداد ويساعد على الهضم، ويقوي المعدة، ودرهم منه تقضي على الديدان في الجسم.

والكراوياء برية وبستانية وزهرهما أبيض فتنجب وتنبت في الأرض الرطبة الكثيرة الرمل، وتغرس نقلا أيضا فتنجب وتنبش أرضها، وإذا عطشت تسقى مرة حتى تنوّر فيقطع عنها الماء، وهي تحمل بطونا، ويداس نباتها بالأقدام ويرض ساقها كما يفعل بالبصل والشلجم، ويبسط عليها الزبل وتسقى، فإنها يتجدد نباتها ويقوى ويزهر كله في وقت واحد. وأجود البستاني الجديد وهو حار يابس في الثالثة، وقيل في الثانية يطرد الرياح، وينفع من الخفقان، ويقتل الديدان، ويدر البول، وينفع من المغص الشديد، وأكثر ما يؤخذ منه درهم.

والقردمانا هي الكراويا البرية وزرعها كزرع الأنيسون من حيث السقي ونحوه. وأجودها الحديد الأصفر الطويل الممتلئ، وهي حارة يابسة في الثالثة، تنقي الصدر، وتنفع من السعال في البرد، وتنفع من المغص والدوران والقولنج ووجع الكلى وعسر البول، وتنفع من لدغ العقرب وسائر ما ينهش وأكثر ما يؤخذ منها مثقال. والأنيسون هي الحبة الحلوة، وبزر الرازيانج الرومي، والكمون الأبيض، وقيل هو البسباس الشامي، وهو بستاني بري، يزرع بعلا وسقيا، توافقه الأرض الرطبة، ويزرع من كانون الثاني حتى آخر نيسان، ويجمع حبه في آب، ويوافقه السقي الكثير بالماء والنبش، وينقى من العشب ويسقى مرتين في الأسبوع حتى يظهر نواره، ثم يقطع عنه الماء. والأنيسون يدفع مضرة السموم أكلا، وهو حار يابس في الثالثة.

والرازيانج، ويسمى النافع والشمر والشومر، وهو بري وبستاني، وأجوده البستاني الطري، والبري حار يابس في الثالثة، والبستاني حار في الثانية، وورقه حار في الأولى، وبزره وعروقه حارة في الثالثة. ويزرع في آذار وأيلول، وهو طيب حلو مرارة لذيذة، وينبت وحده في الأرض الطيبة، ولكن الذي ينبت فيه بالقلاحة يكون أقوى وأكبر وأغزر، وهو يزيد في اللبن، وينفع المعدة، ويفتح الانسداد، ويحد البصر وخصوصا سمغه. والهوام ترعى بزور الرازيانج ليقوى بصرها، والحيات تحك به أعينها إذا خرجت من مكامنها بعد الشتاء.

والشونيز وهو حبة البركة منه بستاني ومنه بري وهو الحبة السوداء، توافقه الأرض الرطبة. وزرعه في شباط وآذار ونيسان، ولا يسقى كثيرا في صغره فإذا كبر سقي بكثرة. وإذا نما نبته واشتد يقطع عنه الماء وينقى من عشبه، ويسقى مرتين في الأسبوع. قال الكندي: الإكثار منه يقتل. وهو حريف حار، يابس في الثالثة، مقطع للبلغم طار للرياح نافع من الانتفاخ والزكام وخصوصا إذا أخذ مقليا، ودخانه تهرب منه الهوام ومقدار ما يؤخذ منه درهم. وقال ابن زهير: من خواصه أنه إذا أخذ من الشونيز والحرمل مقدار دانق من كل منهما ومن المصطكي نصف دانق، ودهن به بين المتحابين تقاطاعا وضد ذلك إذا أخذ منه دانقان ومن البلسان نصف دانق، ومن قشور الراسن نصف دانق ثم جعل في طعام متى حلَّت فيمن يأكله روحانية المحبة، وطبيخه بالخل ينفع من وجع الأسنان مضمضة.

والحرف وهو حب الرشاد يزرع سقيا وبعلا، وهو أنواع، ويزرع في شباط وآذار ونيسان، ويقلع إذا نما واستوى في أيار، وإذا دخن به طرد الهوام، وهو حار يابس في الثالثة. وقيل في الرابعة، وهو منضج ينشف قيح الجوف وإذا شرب ماؤه أو طلي به أمسك الشعر المتساقط وينفع من الورم البلغمي والدمامل إذا نقع مع ماء وملح كما ينفع من الجرب المتقرح ويطرد الدود. والخردل بري وبستاني وأجوده الكبير الجديد الأحمر ويجود في الأرض الخصبة ولكن كثرة الماء تضره وهو لا يسقى أكثر من مرتين أو ثلاث فقط، ويزرع مع الخيار على السقي، وبزره ان جعل في لحم أو عدس أو حمص أو ماش وما أشبه ذلك من الحبوب واللحوم نضج سريعا، وإن أكثر منه أفسدها، وإن نقل ثلاث مرات في شتاء معتدل عظمت شجرته، وبقيت السنة والسنتين ويزبل ويسقى، وبزره إذا سحق وذر على الخل حفظه من الدود وأبعد عنه الفساد وحفظ حموضته، وهو حار يابس في الرابعة ويقطع البلغم، والبري منه ينفع من داء الثعلب ومقدار ما يؤخذ منه مثقالان، وأغصان الخردل وورقة يؤكلان.

والكزبرة ويقال كسفرة، تزرع بعلا وسقيا في الفصول كلها، ويكثر تزبيلها في البرد الشديد، وتزرع في تشرين الأول وتسقى حتى تنبت وتشتد، ثم يقطع عنها السقي، وتنقى من عشبها وتترك حتى تعطش، وتسقى مرة في الأسبوع، وإن نقلت الكزبرة تكبر وتجود، وتبقى في الأرض سنين كثيرة وتزبل كل سنة، وهي باردة في آخر الأولى يابسة في الثانية. ويقو بقراط: ان فيها حرارة وبرودة، وهي تزيل رائحة البصل ولثوم إذا مضغت رطبة أو يابسة، كما أنها تمنع البخار م الرأس، والرطب منها، يمنع الرعاف واليابس منها يمنع من القيء والجشأ الحامض بعد الطعام.

واللفت وهو الشلجم بالشين المعجمة والمهملة ومنه بري وبستاني وهو أنواع: الرومي الطويل، والمحرج، والمدور الشامي، والأبيض المصري وهو يزرع مرتين في السنة ربيعا وصيفا، ويزرع بعلا وسقيا، ولا يحتاج إلى زبل وقلة السقي تنفعه وزرعه من أول أيلول حتى أول تشرين الثاني، وهو حار في الثانية رطب في الأولى. والجزر بستاني وبري، ومنه ذكر يعسلج ويزرع من آب حتى أيلول وينبت في البرد والربيع، ولا يوافقه الحر، ويزرع بزره وتعمق حفره ليمتد ويطول ويغلظ، وبعد نباته يعطش، ثم يسقى مرة في الأسبوع بالعشي، وهو صنفان، أحمر وهو طيب الطعم رطب، وأصفر إلى خضرة وهو أغلظ يغذي البدن، ويؤكل نيئا ومطبوخا، وهو أخف وأنفع وأطيب، وهو يفرح النفس، ويدر البول وينعشه الماء البارد ونزول الثلج عليه يقويه، ويعمل منه خبيص مع العسل أو الدبس أو السكر وهو لذيذ حبا. ويؤكل الجزر مكان الخبز فيقوم مقامه ويصنع منه خبز بأن يقطع ويجفف ويخلط ببعض الدقيق ويخبز، وخبزه طيب صالح يغذي البدن، والبري منه أقرب إلى الدواء من الغذاء، والبستاني غذاء مفيد، وهو حار في أول الثانية، رطب في الأولى يليًّن المعدة ويدر البول، والمربا منه ينفع من الاستسقاء مقو للظهر والصدر.

والفجل منه مروّس ومنه مستطيل، يزرع في العام مرتين، ويزرع الكبير منه من أول نيسان حتى آخر أيلول وعند زراعة بزره يوسع بينها مقدار شبر، وإذا نبت قطع عنه الماء، حتى يحتاج إليه وينقل ويترك سقيه ويكون سقيه في الأسبوع مرتين أما في المطر فيقطع عنه الماء ويؤكل في الخريف والشتاء، وإن نقع بزر الفجل ليلتين قبل زرعه في ماء عسل أو ربّ أو عصير حلو، ثم زرع حلا طعمه. وإن أحببت أن يكبر حجمه يضرب في الأرض وتد ويسحب ثم يضرب في موضع آخر ويسحب هكذا في عدة مواضع، وتملأ الثقوب بزبل أو تبن وفوقه تراب، ويزرع في كل ثقب حبة من بزره أو حبتان وتقلع إحداهما أن نبت وتسقى الأخرى حتى تنبت، فإنه يغلظ ويصير قدر الوتد، والفجل يحب الرياح الباردة والبرد، والأمطار الغزيرة ولا تحرقه شدة البرد، ويزرع نثرا وغرسا وهو لا يحتاج إلى اكثر من قلع الحشيش من حوله. وأكله بعد الشبع يعين على الهظم، واذا أكل في الصباح قبل الفطور أثار المعدة، وأكثر منافعه في تحليل الأطعمة الغليظة العشرة الانهضام كلحم البقر والتيوس والبيض والباقلي غير الناضج وله منفعة جليلة في إزالة السعال الذي يئس صاحبه من زواله وذلك أن يطبخ بماء فيه قليل من الملح حتى ينضج ويتهرأ ويؤكل. وهو حار في الأولى وقيل في الثالثة، ورطب، وقيل يابس في الثانية، وماؤه ينفع من الاستسقاء وإن وضع على العقرب مات، وإن لسع العقرب من أكل فجلا لا يضره. وشرب مائه ينفع من اليرقان وسدد الأمعاء وإذا غمست اليد بمائه وأخذت بها الحية أو العقرب بطل ضررهما. وأكل ورقه بعد الطعام يقوي البصر وينفع المفاصل، وشرب مائه بالملح ينفع الطحال وانسداد الكبد وخصوصا ماء ورقه، وبزره ينفع من السموم والهوام.

والبصل منه أحمر مستدير، وأبيض كذلك، ومدور ومستطيل، وهو أقوى لذعا للسان والأحمر أشد لذعا من الأبيض. يزرع من أول نيسان حتى آخر أيار، وبزره يزرع من أول تشرين الآخر حتى كانون الآخر، وييبس ويخيط وتحرث أرضه بثلاث سكك ويجب أن تكون خصبة مزبلة ويباعد بين زرع بزره لينقل، والأخضر يؤكل في الصيف، وإذا كبر يقطع عنه الماء، وتكسر أعناقه بالدّوس بالأقدام، لترجع إلى القوة إلى أصله، ويبقى كذلك حتى يقلع في آب، ويزرع نثرا في حفائر وهو لا يكبر إلا بالتحويل، وإذا أردت أن يكون طيب الطعم فازرعه في زيادة القمر بالزهرة مقارنا لها ليكثر ماؤه، ومن خواصه أنه إذا لوث إنسان بزره بالزيت ثم زرعه خرج له طعم طيب جدا، وإن لوثه بعسل ثم زرعه جاء حلوا لا حدة فيه إلا قليلا، ويؤكل ذلك نيئا وإذا طبخ كان أطيب، ومن أراد أن يذهب حدته ويطيب طعمه ويكون مغذيا للبدن فليطبخه بالماء ساعة ثم يصب عنه ويكرر ذلك ثانيا وثالثا، فإن ذلك يذهب حدته ويزيد في نفعه. ويقطع رائحة البصل من الفم مضغ الفجل بعده أو الباقلي أو الحمص المقلي. قال غازي: ولا يجمع بين البصل والثوم والشحم في أكلة واحدة فإنه يجنن، وقد جن منه خلق كثير. والبصل حار يابس في الرابعة، وفيه رطوبة زائدة، ويقل حار يابس في الثالثة. وهو ينفع من تغير المياه ويزيد في الشهوة ويلين الطبيعة ويجلو البصر وينفع من ريح السموم وماؤه إذا قطر في الأذن أزال الطنين وكان علاجا للقيح. ومع العسل ينفع من الخفقان ويحمِّر الوجه، ولا سيما إذا كان مخللا، وإذا نقع البصل في الخل وأكل وكانت له منافع كثيرة، وإذا أذيب الوشق في مائه وطلي به الزجاج اشتد وصار صلبا. ومما جرب للنزلة الباردة أن تغمر بصلة كبيرة بزيت وتغلى حتى تحترق، ثم يدهن بها صاحب النزلة رأسه في الحمام بعد حلقه، ثم يغسلها بالأشنان ويكرر ذلك ثلاث مرات في ساعة واحدة، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى.

والثوم منه بري ومنه بستاني، ومنه أحمر كبير الحب، وليس للثوم بزر يزرع، وهو يغرس وقت مغيب الثريا من ثلث تشرين الآخر حتى آخره، ومن أوائل تشرين الأول حتى آخره، والذي له أسنان عريضة جدا زرعه في كانون الآخر، وزبل بزبل قديم. وقيل إنه لا يتحمل الزبل أبدا ولا كثرة الماء، وتكفيه سقية واحدة حتى ينبت وسقيتان أو ثلاث طوال وجوده في الأرض ويغرس في نقصان القمر وإن غرس في محاق الهلال لا تكون له رائحة كريهة، وإن نقعت أسنانه قبل غرسها في لبن حليب وعسل يومين وغرست حلا طلع ذلك الثوم، ومتى قرن بأي طعام كان لا يتغير ذلك الطعام ولا يعفن ولا يفسد في أبدان الناس منه شيء وكان هضم المعدة له سريعا. وفي الثوم مقاومة لشدة ضرر البرد إن أكل في الطبيخ والإكثار من أكله يمنع ضرر البرد الشديد حتى لا يكاد يحس آكله باقشعرار. والثوم حار يابس في الرابعة، وقيل في الثالثة، وهو أقوى حرارة ويبسا من البصل، وهو ينفع من انتفاخ البطن وتغيير المياه. والثوم الجبلي إذا طبخ وشرب ماؤه قتل القمل، وأكله يقتل الديدان، ويطلق الطبيعة، وهو نافع من لسع الهوام ونهش الحيات وعضة الكلب الكلِب ويداوى به السعال الناشئ عن البرد إذا طبخ قلَّت حدته ومن خواصه أن ماؤه إذا وضع على حجر المغناطيس، بطل عمله فإن أردت رد المغناطيس إلى قعله فانقعه في دم تيس ثلاثة أيام، ومضغ ورق الثوم مغموسا في خل يذهب رائحة الثوم، والباقلي أيضا يذهب رائحته، والمضمضة بمائه تذهب وجع الأسنان. ومضغ بزر الفجل مع ورقه الأخضر يقطع رائحة الثوم أيضا.

والكرّاث منه بري يعرف بالشامي، ومنه نبطي، ومنه بري حار ويابس وزرعه من كانون الآخر حتى آخر شباط، ونقله بعد شهرين، ويمكث في الأرض مقدار عام أو خمسة عشر شهرا ثم يقلع للأكل، وإذا نقل يزرع ولا يسقى مدة ثلاثة أيام ثم يسقى في اليوم الرابع، فإنه يجود وهو ينبت في الأرض الرملية ويكبر فيها لكنه بطيء النمو، وينقل في آب ويدفن من المنقول أكثر من النصف من ورقه إلى أطرافه، وبذلك يطول ويشتد بياضه ويجيء طريا ذا حجم كبير ويؤخذ من بزره مقدار ما تضمه ثلاثة أصابع ويجعل في خرقة كتان بالية ويوضع في حفرة فإنه يكبر ويصير أصلا واحدا. والشامي له أصل مدور ورؤوس بيض، وهو المأكول منه كبير ومفلطح قدر الشلجم المتوسط، وهو يعيش في البرد ويحب الماء البارد، ولا ينبغي أن يؤكل نيئا البتة، بل مسلوقا بالماء والملح، وهو يستعمل في الطبيخ أيضا إذا أردت أن يكون أطيب وألذ فاسلقه ثلاث مرات بماء وملح وتصب الماء البارد عليه وهو حار ليمنع اهتراءه فإنه يحلو وتذهب حدته. وهو حار يابس في الثالثة، كما إنه يقطع الجشأ الحامض، وينفع مع البواسير أكلا وضمادا، وطبيخ أصوله بدهن القرطم ودهن اللوز أو الشيرج نفع مع القولنج. قال ابن زهير: ماء الكراث يؤخذ لكل داء، وإن جمع هو ودم التيس في حفرة في بيت اجتمعت عليه البراغيث، وإذا طلي بماء الكراث سرير لم يقربه البق، وكذا ماء الكرفس، وإذا دق الكراث ووضع على لسعة الحيات والعقارب والزنابير سكن الوجع حالا. والفراسيون وهو الكراث الجبلي أجوده الأحمر الرومي، وهو حار في الثانية يابس في الثالثة، وهو يساعد على الهضم وعصارته تنفع من وجع الأذن ومع العسل يجلو البصر ويقويه شربا واكتحالا ويفتح انسداد الكبد والطحال وقدر ما يؤخذ منه نصف درهم.

والقلقاس غريب الشكل جميل المنظر، وليس له زهر ولا ثمر، وله أصل مستدير، ومنه الطويل ومنه الكبير ومنه الصغير، وهو ضرب من النيلوفر الأصفر، ويتخلق بقرب المياه الراكدة وفي السباخ، وهو شبه نبات الموز، إلا أنه أصغر وينفعه الزبل والماء الكثير. ويزرع في موضع المشمس لا تأخذه الرياح، ويغرس عند مجاري المياه، ووقت زرعه في كانون الثاني وشباط وآذار، ويكون بين الأصل والأصل أربعة أشبار. وهو يقطع ويطبخ مع اللحم، وقد يؤكل نيئا وطعمه كمح البض، وهو غالب طعام مصر، ويطبخ بطرق مختلفة وهو حار رطب في الأولى، وقيل معتدل الحر رطب في الثانية.

والقثاء أنواع فيه الأسود المعرق، والمايل إلى الصفرة المعرق، والأخضر الغليظ المنقط بسواد والأخضر الغليظ الأجوف والطويل الرقيق، ويختار للقثاء الأرض التي تغوص عروقه فيها وهو لا يتحمل الزبل كثيرا ولا الماء الكثير ولا البرد، ويزرع بعلا وسقيا. ووقت زرعه من شباط حتى أيار بحسب برودة الأرض وحرها. ويكون يف يوم صاح لا غيم فيه ولا ريح، ويرد التراب على بزره بسماكة اصبع، وقيل أربعة أصابع مضمومة، والتعميق له يبطئ في إنباته وتقليل التراب عليه يعرضه للجفاف والزبل عليه أحسن، وإذا نبت قدر شبر يجفف منه الضعيف ويترك منه أربعة أو خمسة يكون بينها مقدار شبر من تراب، وإذا نبت على أربع ورقات تحفر أرضه جميعا ويضم التراب إلى أصوله، ويسقى عشية النهار، وقيل إن بزر القثاء والخيار والبطيخ والقرع إذا وضعت منكسة طرفها المحدد إلى أيفل كثر حملها، وقيل إذا نخس قضيب الثمرة بشوكة فإنها تكبر وينقع بزره يوما وليلة قبل الزرع في ماء، وإن أضيف إليه مطيب - كماء الورد - جاءت ثمرته تفوح منها رائحة ذلك المطيِّب. وإذا نقع بزره في ماء عسل أو سكر أو لبن أو حليب ثلاثة أيام حل فيه طعم ذلك، وإذا نقع في ماء سقمونيا أو تربد وما أشبه ذلك من المسهلات جاءت الثمرة مسهلة. وأي بزر كان من بطيخ أو خيار أو قثاء ونحوها إذا نقع في عسل ونحوه خرج كذلك. وإذا نقع في خل ثلاث مرات وجفف وزرع نبتت ثمرته حامضة. وإذا نقع مرة واحدة جاءت مزة، وزرع القثاء من أول شباط حتى نصف آذار، أو آخره، وإذا زبل ونقل كان أجود. ويعمل له قصبان أو عرائش يتعلق بها مأخوذة من شجر الرمان أو التوت وما أشبه ذلك. ويروى إن القثاء قد ينبت من البطيخ وإن البطيخ ينبت من القثاء. وذلك أنه إذا زرع بزر القثاء وصب عليه خمر عتيق مع شعرة واحدة من الزعفران خرج البطيخ، وإذا زرع بزر البطيخ وسقي الماء المعتصر من القرع خرج منه القثاء ويكون ذلك في وقت زراعتها. والقثاء بارد رطب في الثالثة، يسكن الحرارة والصفرة، يسكن العطش، ويدر البول، وقال جالينوس: من أراد قلع ضرس إنسان بغير وجع ولا حديد، فليأخذ أصل القثاء البري فيدقه ويعجنه بخل ويجعله على الحديد الذي يقلع به السن فإنها تخرج بغير وجع.

والخيار يسمى القثد، ويزرع سقيا ولا ينبت بعلا، وهو نوعان، صغير أبيض وأخضر مكتنز وأترجي اللون، وهو في حاجة مستمرة إلى الماء ويزرع بزره ويتعهد بالسقي، وإذا نبت فلا يرش بالماء وإلا احترق ورقه وإذا سقي بالماء لا يغمر به، ويزرع بزره في البيوت في أواني فخار مثقوبة إن أريد التبكير به، ويزرع في آب، ويؤكل في الخريف وبعده. والخيار ألطف من القثاء وابرد. وفيه يسير قبض، وهو بارد رطب في الثانية، ينفع من الحميَّات المحرقة، ويدر البول. وقال أرسطاليس: إن أردت ان يكبر الخيار فازرع بزره منكوسا، وإن نقع بزره في لبن وعسل قبل زرعه جاءت ثمرته حلوة، وإن جعل الخيار مع المحموم في فراشه جذب الحمى إلى نفسه، وتخلص منها المحموم. وإن طلي بعصارته لدغ الهوام أبرأه. والخيار يسكن العطش. والعجور نوع من الخيار مدور، وهو أكثر رطوبة وأسرع هضما والمعوج أردأه، ولا يباشر الماء أصل الخيار بوجه فإنه يفسده بل يحول بينه وبينه بالتراب.

والقرع وهو الدباء واليقطين وهو أنواع: منه الترابي المعرّق الأبيض القصير وهو أفضلها، ومنه الطويل، ومنه المستدير كالموزة، ومنه مستدير الأسفل طويل العنق أو قصيره، ومنه ما هو إلى الطول أميل وعنقه طويل وأعلاه مستدير أصفر من أسفله ومنه الهندي ويشبه ورقه ورق الخيار ونواره أصفر، وهو مدحرج أخضر، وفيه خطوط خضر وحمر، وهو صلب لا يؤثر فيه الظفر، ويزرع من أول كانون الأول إلى آخره، ويستر من الجليد، ويزرع بعلا بغير سقي من القيعان إذا كان صغيرا، وإذا كبر يسقى بالماء الكثير ولو مرة كل يوم وهو يحمل بطنا بعد بطن، وإذا نقع بزر القرع والبطيخ في ماء عرق السوس حفظها من الدود. ومن أحب الإسراع في إنبات القرع والبطيخ والقثاء يضع إناء فيه ماء أمام طرف كل قضيب نبت، ويكون بينه وبين طرف القضيب نحو خمسة أصابع مضمومة، فإنك تجده في غده قد وصل إليه الماء، فيبعد عن الإناء مقدار المسافة الأولى فإنه يصل إليك وذلك دأبه حتى يبلغ غايته فإذا فرغ الإناء من الماء تقلص عنه القضيب. وإن أردت أن يكثر حمل القرع والقثاء والخيار دون سقي كثير فاحفر في الأرض التي تريد زرع ذلك يفها حفرة عميقة واسعة، واجعل فيها حتى نصفها تبنا وحشيشا يابسا، ثم املأها ترابا ناعما وزبلا باليا خليطا وازرع تلك البزور واسقها بالماء فإنها تجود ويكثر حملها واسقها مرة واحدة، ويكون ذلك في أرض ماؤها قليل. وإن جاء مرا انزع جميع ما في ذلك المنبت صغيرها وكبيرها، ثم شق الأصل واحشه ملحا واربط عليه ببردي، وغطه بالتراب، فإنه يحمل قرعا حلوا. وكذا القثاء والعجور، وإن جعل الملح عند أصولها قبل أن تقوى أفسدها. وقيل القرع يزرع في السنة أربع مرات وهو بارد رطب في الثانية. وقال روفس: حار رطب، وعصارته مع دهن الورد تسكن وجع الأذن وهو يقطع العطش جدا ويلين البطن.

والبطيخ أنواع منه السكري وهو متوسط الحجم طويل العنق طيب الرائحة حلو الطعم عندما ينضج، والأصفر والعقابي وهو عظيم الحجم طويل العنق معوج طيب الرائحة حلو الطعم، والمرسيني وهو أغبر اللون كثير الشحم مفلطح الشكل، والحاسبي وهو الهوري نسبة إلى قرية وهو على شكل الكمثري لا عنق له قاعدته واسعة، ورأسه مخروطي الشكل، والجراري كأنه جرة، والسمرقندي مفلطح الشكل مدور، يميل باطنه إلى الحمرة، ومنه النفاح بالنون، لين اللحم طري القشر فوّاح ويسمى في الشام الشمام، ومنه الدراع ويشبه النفاح، وهو السندي، ومنه ما هو على شكل البط، له ذنب طويل معقف إلى جهة البطيخة يزيد على الذراع أو نحوه، وهو بمصر كثير، ويعرف بالعبدلاوي، منسوب إلى عبد الله بن طاهر أمير مصر من قبل خلفاء بغداد جلبه إلى مصر من بلاد العجم، ويؤكل أول ما يتكون كهيئة الخيار، ويسمى عجورا إلى أن يكبر ثم يسمى خرشا ويجنى وما زال فيه لون الخضرة، ويلف في أوراقه إلى أن يصفر، ويصير ناعما لا يتحمل وضع اليد عليه إلا بلطف وهو لذيذ وفي بعضه حلاوة، وتبريده في مصر مشهور، وبطيخ يشبه القثاء يسمى الشليق.

وأما البطيخ الهندي وهو الرقي ويسمى البطيخ الأخضر، وهو أنواع، منه ما بزره أسود اللون، وهو شديد الخضرة إلى سواد، ومنه ما برزه أحمر قان وخضرته مائلة إلى صفرة، ومنه المخطط الحبشي، وبزره مختلف، منه الأسود والأحمر والبنفسجي والأصفر، ومنه الصيفي، وهو بمصر كثير جدا، ومنه الصواصلي، وهو من بطيخ مصر ويكبر جدا، ثم يصير لحمه ماء، وهو شديد الحلاوة طيب الرائحة لذيذ جدا، وبزره أبيض، ودائره أسود، وهو في الشام كثير، ويقال أن بزرته جلبت من بلاد العجم، ومنه نوع مستطيل حلو مخطط وأخضر، يسمى النموس، ومنه نوع مستطيل حامض شديد الحموضة، وهو دواء ضد التهاب الصفراء. ومنه ما لونه لون القرع، وفيه الحلو وغيره، وهو يطفيء العطش ويرطب، يأكلونه دواء للمحموم. وسائر أنواع البطيخ تزرع بعلا وسقيا، وكلما حرك التراب تعجل النضج، وأنواع البطيخ تحب الماء إلا السكري. فإن الماء يقلل حلاوته، وتوافقه الأرض المعتدلة، ولا يجود في الندية ولا الباردة، وأحسنها شطوط الأنهار. وإذا نقع بزره أو برز القرع ونحوهما في ماء عرق السوس. ثم زرع سلم من الدود.

وإن أردت التبكير بالبطيخ أو القثاء أو الخيار، فازرع في الشتاء أربع حبات أو خمسا في تراب طيب مخطوط بزبل طري في إناء مثقوب وانضحه بماء ساخن، فإذا نبت وكان الوقت شمسا وصحوا، أخلاجه وعرضه للمطر الخفيف، واذا إلى الماء ينضح عليه، وإذا كان الشتاء قويا ضعه في مكان دافئ تفعل به حتى يحين أوان الغرس فإذا علق ونبت وقوي فاقطع من أطراف قضبانه، فإنه أسرع لإدراكه وإطعامه، وكذا يعمل في القثاء والخيار والباذنجان. وقيل إن جعل في وسط المطبخة أو المقتاة أو المبقلة عظم رأس حمار أهلي نفعها وعجل في إنباتها. وقيل مما يفسد به البطيخ أن يرش عليه شيء من الخل، وإن دخلت امرأة حائض المطبخ أو المقتاة فسد ثمرها وصار طعمه مرا. ويجود البطيخ في الرمل الندي المخلوط ترابا لأن عروقه تنفذ فيه، وهو نبات قمري يزرع في زيادة ضوئه، ويوافقه بعر الغنم وزرق الحمام، والدم ينمي البطيخ ويكثر حمله إذا مزج بالماء مناصفة وصبت في أصول نباته بعد النبش، ثم يعطش قليلا، ثم يسقى فيكبر حمله وتزكو حلاوته. وتنفعه مجاورة الباذنجان وشجر التوت والمشمش والسدر، وتضره مجاورة الخوخ، حتى قالوا: أنه يحدث فيه مرارة، وتضره مجاورة الزيتون، وإذا زرع بزر بطيخ في جمجمة إنسان ودفن في الأرض وتعهده بالسقي فإنه يحمل بطيخا يزيد في ذكاء المرء وإن زرع في جمجمة حمار فإن بطيخه يبلد آكله، ويعمي قلبه وينسيه حتى لا يذكر شيئا البتة ويقال أن مما ينفع البطيخ وينميه ويحليه ويبعد عنه الآفات أن يرمز ويطبل ويتغنى في وسطه، ولا يؤكل البطيخ والعسل معا فإنه يضر ولا مع اللبن فإنه يصير في المعدة سما قاتلا، ولا يؤكل البطيخ على جوع شديد، ولا يؤكل وحده ويؤكل مع الخبز الخمير خاصة. ولا يؤكل التوت الشاشي معه، والبطيخ الأصفر أجوده السمرقندي وهو بارد في أول الثانية، رطب في آخرها، وقيل حار، وهو يدور البول ويزيل الكلف والبهق.

وقشره إذا ألصق على الجبهة منع الأمراض عن العين. والبطيخ الأخضر وهو الرقي، والهندي، أجوده الحلو المائي، وهو بارد رطب في الثالثة، ينفع من الأمراض الحادة والحميات المحرقة، ويسكن العطش وتناوله مع السكنجبين يدر البول ويغسل المثانة، وماؤه مع السكر يبرد الجوف لكنه سيئ الهظم، ويضر الكبار وأصحاب الأمزجة الباردة.

والباذنجان أنواع: منه الفارسي الحلو، والمصري ولون ثمره أبيض وزهره فرفري، والشامي ولون ثمره فرفري، وزهره أزرق إلى حمرة، وبلدي أسود رقيق الغلاف، وزهره فرفري، وقرطبي أكحل وزهره فرفري، ومنه الرقيق الطويل المتوسط في الغلظ والرقة، ومنه المدور المفلطح الكبير وزرع أنواعه كلها سواء فهو يزرع من أول كانون الآخر إلى آخر آذار، وهو من بقول القبط، ولا يوافقه البرد، ويوافقه الماء الحلو الكثير، ولا يحمل ان سقي بغيره. والشمس المعتدلة الحرارة تفيده جدا. ويزرع بزره في آخر كانون الأول والثاني وشباط، وتخلط بزرته بالزبل البالي، وينقل في نيسان، ويسقى المنقولة اثر زراعته بالماء العذب حتى يرتوي ويكرر ذلك ثلاث مرات بين كل سقية يومان ويعطش، ثم يسقى وإن اشتد وقوي يبالغ في نبشه ويعطش، ثم يسقى ثلاث مرات في الأسبوع ولا تهز شجرته عند قطع ثمرته، وتجنى ثمرته بحديد قاطع، وإن أخذت باذنجانة ناضجة وقور شحمها من داخل ووصعت في حفرة وطمرت بالتراب جاء الباذنجان كبيرا ويكون ذلك من آخر شباط حتى آخر آذار. ويسقى ويزبل قليلا عقب زرعه. والباذنجان ينشأ في الحر ويموت بريح الجنوب والشرقي ويضعف بالشمالية والغربية، ويحذر من أكل الباذنجان في الربيع والخريف ويؤكل في الصيف والشتاء.

والباذنجان يبقى في الأرض الحارة عدة سنين، ويصير شجرا كل شجرة منه كشجرة الخوخ، لا سيما في أرض مصر والحجاز، ولكنه إذا عتق في الأرض غلظ جلده ولا يؤكل إلا مقشرا، وهكذا استعماله في مصر دائما، ولا يكاد ينقطع منها. والباذنجان حار يابس في الثانية وفيه غلظ، وقيل بارد يابس إذا خلا من المرارة، والمر منه حار يابس بلا خلاف. وهو يولد السوداء ويفسد الدم واللون، ويورث الكل والبثور والبواسير والسرطانات والجذام والصداع، وأكثر هذه المضار تختص بباذنجان العراق، لأنه كثير المرارة يلسع اللسان وإذا أكل نيئا عسر هضمه والمطبوخ سريع الهضم، وما يطبخ منه بالخل والكراويا يقوي الشهوة إلى الطعام كما يقوي المعدة، وأنفعه ما نقع في الماء والملح، ثم يسلق ويصب عنه ماؤه ويطبخ بالدهن الكثير، وأردأ مستحضراته المشوي.

والكرب أنواعه كثيرة، منها البستاني، ومنها البحري، ومنها البري، ومنها كرنب الماء، والبري أكثر مرارة ولسعا. ومنها النبطي الصغير، وهو أجودها ويزرع في حزيران وتموز، وأفضل أوقاته زمن البرد والجليد، فإنه يأتي حلوا طيبا، أما في زمن الحر فيكون حارا. ويقال أن بزر الكرنب إذا عتق أربعة أعوام وزرع، تحول شلجما، فإن زرع بزر هذا الشلجم نبت كرنبا وقد جرب. والكرنب لا يحتمل الزبل ويزبل بالرماد وحده، ولا تقربه امرأة حائض في مغرسه فيفسد، وهو حار في الأولى يابس في الثانية، وقيل في الأولى، وقيل أنه بارد وقيل مختلف المزاج.

والقنبيط نوعان: صنوبري مجتمع ملفوف ومفرق رأسه إلى أغصان كثيرة، ويؤكل رأسه الذي فوق ساقه، وقد يكبر جدا، ومن أراد أن يشده ويحفظ لونه فليدهنه بالزيت قبل أن يزرعه، أو يغرقه بالعسل ثم يزرعه، أو في الزيت والعسل جميعا ثم يزرعه، وينقظ عليه من الزيت والعسل الذي أخرجه منه ثم يغطيه بالتراب، فإنه يصلحه ويدفع عنه الآفات كلها. ومن أراد أن يكبر حجمه يكشف أصوله ويغطى بروث البقر ثم بالتراب ويسقى. وزرعه في نيسان، وينعشه الماء الكثير والهواء البارد، واذا تعفن تولد منه الوزغ والبق ويؤذيه زبل الناس لكن ينفعه بولهم وبول الخيل والبغال والحمير وأمثالها. وأجوده الغصن الأصفر يفتح الانسداد، وهو غليظ يغلظ الدم ويحدث انتفاخا في نواحي الجنب، وينبغي أن يسلق جيدا ويؤكل بالدهن الكثير واللحم السمين، وبالخل والتوابل الحارة.

والخسر منه بري ومنه بستاني، ومنه طويل الورق حادها، وقصير الورق عريضها، وهو بقل الربيع، وإذا أدركه حر الهواء صار مرا، وتؤكل فروعه وأصوله، ومنه له ساق، ومنه ليس له ساق، ويطول وينبت له ورق على قضبان طولها نحو ذراع. ويحمل في رأسه وعاء كبيرا فيه بزر كثير، وإذا كبر صار مرا وتولد فيه اللبن وهو يضعف بدن آكله، ويؤكل مطبوخا ونيئا، وهو يطفئ العطش ويبرد الجوف. والمسلوق أسرع انهضاما وأكثر تغذية، وتوافقه الأرض السمينة والماء الحلو، وإن جعل بزره في قطعة أترج ثم زرعت تلك القطعة بما فيها كان للخسر رائحة زكية كالأترج، وقيل يزرع في آذار وينقل غرسه فيجود ويقوي وهو يحتاج للتزبيل الدائم وإن أردت أن يبيض من غير نقص في كعمه، فانثر على وجهه كل ثلاثة أيام شيئا من زبل جاف. وإن أردت أن يلتف ورقه ويكبر ولا يطول فانقله بأصله فاذا بلغ طول شبر فاحفر عن أصله حتى تبدو عروقه وضع عليها روث البقر الرطب ثم غطها واسقه واتركه حتى يشتد ويخرج أصله ويظهر فوق الأرض قدر ثلاثة أصابع مبسوطة، فاكشف عن أصله وشق الظاهر منه بسكين حديد وضع بقدر الشق قطعة من خزف الجرار ثم غطه بالتراب واسقه، فإن تلك الخرفة تزيد في أصله وعرضه. وإن حصدت أوراقه مستوية قبل قلعه للأكل بيومين، عظم أصله وطاب طعمه. وهو بارد في الثالثة. وأجوده البستاني الطري الأصفر العريض الورق. ومن منافعه قطع العطش، وإذهاب السهر، ومطبوخه يزيد في الجسم والباه وألبان النساء المرضعات وبزره يفعل ضد ذلك، وورقه مع الخل يسكن لهب الصفراء ووضع ورقة تحت وسادة المريض وعند رجليه دون أن يشعر ينومه، وهو نافع من اختلاف المياه، وغير المغسول منه أقل توليدا للرياح وهو سريع الهضم ودوام أكله يشعف العين ويظلمها. والخس يقطع شهو الجماع لا سيما بزره.

والاسفاناخ رأس البقول، وتزبل له الأرض وتحرث مع بزره، ويسقى بالماء مرتين أو ثلاثا حتى يعتدل نباته ثم يعطش، ثم يسقى عند الحاجة، ويزرع من تشرين الأول حتى كانون الثاني. ويزرع بكيره أول الخريف في أيلول، وقد يلحق بعضه بعضا إذا زرع شهرا شهرا، وفصلا فصلا. وما زرع في الخريف يوافقه الماء الحلو. ويؤكل في الشتاء ويزرع في زيادة القمر، وهو بارد رطب في الدرجة الأولى. وقيل معتدل بين الحرارة والبرودة، وهو ملين. وينفع من السعال ومن وجع الصدر. وفيه قوة تجلو البصر وهو سريع الانهضام وينفع من أوجاع الظهر ويضر أصحاب الأمزجة الباردة.

والهندباء صنفان: عريض الورق ودقيق الورق، وهي برية وبستانية وتعيش في البرد وأول الربيع ولا يوافقها الهواء الحار، فإنه يجلب لها المرارة، وإن غطيت أغصانها كلها بالتراب طالت وابيضت ورخصت ولذ طعمها، وتزرع في تشرين الأول والثاني وكان الأول فتتعهد بالزبل والسقي مرتين في الأسبوع حتى تدرك وتؤكل في الخريف والشتاء، ومن أراد أكلها في الربيع زرعها في كانون الثاني ولا يكثر سقيها بالماء فالمطر يكفيها. وزبل الآدمي يصلحها وزرعها ليلا يفيدها وكذا تزبيلها وسقيها بالماء، وينثر بزرها في زيادة القمر، وهي كالخس في خصاله، إلا أنها أفضل منه في تفتيح الانسداد وتشد مراراتها في الصيف. والبرية أقل رطوبة من البستانية، وهي تفتح انسداد الكبد والعروق، وقد تتسبب في بعض الإمساك وتنفع من الرمد الحار ضمادا، وتسكن الغثيان وهيجان الصفراء وحرارة المعدة، وتعقل البطن وتنفع من حمى الربع ولسع العقرب والهوام والزنابير والحية، والبرية باردة يابسة في الأولى وقيل رطبة وبردها أكثر من رطوبتها ولبنها يجلو بياض العين وعصارتها تنفع من الاستسقاء وتجمع السموم، وجاء في الخبر: من بات في جوفه سبع ورقات هندباء أمن من الفالج. والرجلة وهي البقلة الحمقاء، تزرع من شباط حتى أخر نيسان وهي من بقول القبط، وتنبت وحدها والتي تنبت بغير زرع أفضل، وهو نوعان، عريض الورق على ساق وغير عريض ومنها بري، وتزرع في مشارق شمسية، وتزبل وتنقى من الشعب، ويؤخذ بزرها في تموز وآب، وتسقى بعد الزرع، فإذا نبتت قطع عنها الماء، وتسقى عند قلعها ليسهل خلعها وقليل من الماء يكفيها. وتنبت في اليوم الثاني، وتزرع مرارا في الصيف، وتزرع نثرا على الماء، ومن أصابه عطش وجعل ورقة تحت لسانه صبر على العطش حتى يصيب الماء، وأجودها الغصن العريض، وعصارتها أحسن ما فيها وهي باردة رطبة في الثالثة، وقيل في آخر الثانية. وقيل في آخر الثالثة قابضة تمنع النزف، وإذا اخذ من مائها عشرة دراهم قضت على الصفراء. ومن جعلها تحت وسادته لم بر حلما البتة، وعصارتها تنفع من نفث الدم والمعدة والكبد الحارثين شربا وضمادا، وتنفع من الحميات الحارة، والإكثار منها يضر البصر والباه، ويفيد معها الكرفس والجرجير والنعنع. وقيل تضر المعي وينفع معها المصطكى. والبقلة اليمانية - وهي التربوز - وتسمى في الشام جرموز، ومنها بستاني أبيض وأخضر تزرع في آذار وآخر أيار، ولا تتحمل الماء الكثير ولا الزبل الكثير، وتزرع في شهور العام كلها، إلا في تشرين الثاني، وهي أشد ترطيبا من القرع والخس ومن سائر البقول، وهي باردة رطبة في الثانية، تمنع من العطش مطبوخة بدهن الورد تدفع الصداع الحادث عن حر الشمس.

والقطف وهو السرمق، وبقلة الروم والبقلة الذهبية، وهو بستاني وبري، ويزرع من نصف كانون الآخر حتى أول نيسان، ومن أول آب إلى آخر تشرين، ويطعم في آخر الشتاء وأول الربيع، ويسقى الماء العذب والمالح ويزبل بالزبل العفن وغيره وهو نبات ضعيف لا يحب كثرة الماء، وهو بارد رطب في الثانية ينفع من الحمى المحرقة واليرقان والإمساك، وإذا بل بالزيت ينفع فم المعدة.

والسلق أنواع، منه بستاني ومنه بري، والبستاني أبيض وأسود وكذا البري، وزرعه مع الكرنب إلا أن نقله أسرع إنباتا له. وتوافقه الأرض الرطبة الظلة بالشجر وزرعه في نيسان. ومن أراد تكبير السلق وبياضه ألصق بأصوله روث البقر وطمره بالتراب وسقاه فإنه يجود. وإن أردت تكبير أصوله تكشف عنها التراب مرات، وتشق كل أصل بسكين، وتدخل فيه حجرا وترد التراب عليه، فإنه يجود ويكبر جدا، وتؤكل أصوله وفروعه، نيئا ومطبوخا وتوافقه الأرض المالحة، فيلقط ملوحتها إذا كرر زرعه فيها ذهبت ملوحتها بالكلية، وتصبح طيبة سلمية. ويسلق السلق ثلاث سلقات ويجفف ويطحن ويخبز ببعض الأدقة. ويؤكل السلق بالخردل والفلفل والكمون والكراويا، ومسلوقا بالزيت ونحوه بالخل، وهو حار يابس في الأولى وقيل رطب في الأولى فيه بورقيه ملطفة وتحليل وتفتيح، وأجوده العذب الطعم، وفي الأسود قيض، وينفع من داء الثعلب والحزازة والكلف والثآليل إذا طلي بمائة، ويقتل القمل، ويطلى به القوبى مع العسل، ويفتح انسداد الكبد والطحال. وهو ينفع من القولنج لكنه مع التوابل يولد المغص والانتفاخ.

والكيموس قليل الغذاء، يحرق الدم والخل والخردل يصلحانه. قال ابن زهير: قال هرمس: إن أخذ ورق السلق المجفف وورق العاقر قرحا ومن نفس العاقر قرحا من كل واحد وزن دانق، وجعل في مصباح باسم انسان، وأطعم في طعام، عمل فيه روحانية المحبة عملا عجيبا، وإن رضّ وسحق السلق وعاقر قرحا وذر في مجرى ماء الحمام، سكن جريه، وإن رض ورق السلق بدم الحمام ودفن في إناء من رصاص في زبل مدة أربعين يوما تولد منه دود طويل أخضر، وإن طبخت بماء سلق وطلي به الأقرع أنبت الشعر، وإن شق الدود ودفن في برج حمام أو علق عليه لم يقرب البرج شيء من الحيوان الضاري، وكان له طلسما.

والحماض منه بريء ومنه بستاني، والبري يقال له السلق، وليس في البري حموضة، ويؤكل أصله وفرعه، وهو ينبت وحده، ويعد من البقول البستانية، ويعمل منه خبز كالسلق، وهو بارد يابس في الثانية، وبزره بارد في الأولى. ويولد القبض، وينفع من البرص والقوبا وإذا طبخ وضمد به نفع من داء الخنازير حتى قيل أنه إذا علق في عنق صاحب الخنازير ينفعه. وهو مع الخل ينفع من الجرب. وينفع من اليرقان الأسود، ويقوي الأحشاء، ويسكن الغثيان، وينفع من لسعة العقرب. والبري أنفع في ذلك.

والطَّرخون منه بري جبلي، ومنه بستاني، وأجوده الغض البستاني، وفي طعمه حدّه تخدر اللسان والفم، ولهذا يستعمل عند شرب الأدوية الكريهة الطعم التي تعافها النفس، ليخدر الفم فلا يحس بكراهة الدواء. وهو ربيعي، ويؤكل أيام الربيع، ويستمر في الأرض عدة سنين، وينبت في كل سنة أيام الربيع، وهو من خضر الشام الربيعية. والجبلي قيل أصله العاقر قرحا، والطرخون حار يابس في الثانية، وفيه قوة مخدرة وقيل بارد، وهو مجفف للرطوبات، وهو يقوي المعدة ويعين على الاستمراء، وكثيره بطيء الهضم ويورث وجع الحلق ويقطع شهوة الباه، ويعطش، ويصلحه الكرفس.

والملوخيا واسمها الملوكية، وهي ضرب من الخبازي البستانية توافقها الأرض المفرطة الحرارة، وتحتاج إلى زبل، وزرعها من تشرين الأول حتى كانون الأول، وتؤكل في فصل الربيع. وفي البلاد الحارة تستمر إلى الصفي بل أكثر السنة غير فصل الشتاء. وأجودها الأخضر العظيم الخضرة، الذي تميل قضبانه إلى الحمرة، وهي باردة في الأولى رطبة في الثانية. وقيل باردة رطبة في الثالثة، تنفع من الالتهاب إذا ضمد بها الصدر والمعدة، وتنفع من الصداع وأوجاع العين إذا ضمدت به مع دقيق شعير، وتفتح انسداد الكبد والمرارة، إذا شرب من مائها ثلاثين درهما. وقيل تضر المثانة، ويصلحها الورد وماء الورد. والملوخيا تغذي البدن أكثر من سائر البقول، وتستحيل دما كثيرا، وتنفع المحرورين وتعين على السعال وخشونة الصدر، وخصوصا باللوز، وتنفع على لسعة الزنبور.

والخبازي نوع من الملوخيا، وهي برية وبستانية والبرية ألطف وأيبس والخبازي القرطبية ساعدها غليظ، وحجم ورقها شبران ترتفع بمقدار قامة الفارس. وطبع الخبازي بارد يابس في الأولى، وقيل معتدل في الحر والبرد، وورق البرية مع الزيتون ينفع من حرق النار، والخبازي تسكن لسع الزنبور ضمادا، وخصوصا مع زيت.

والهليون بري وبستاني، وينقل البري إلى البستان ويقلع بعروقه وترابه ويسقى حين غراسه ويرعى حتى يعلق ويتمكن، ويسقى كل أسبوع مرة، ووقت غراسه في شباط، وهو ذو قضبان في غلظ الإصبع أو دونها، عليها ورق وبزور، وأكله عند ظهور بزره وقبل تفتيحه وهو ينبت وحده كثيرا في المواضع الندية ومجتمع مياه الأمطار، وإن أخذ إنسان من الهليون قضيبا واحدا وطلاه بالعسل ومرغه في رماد فحم البلوط وألبسه طينا وطمره في الأرض خرجت منه قضبان كثيرة بيضاء للغاية، وفي بعضها حمرة مشوبة بصفرة، وفي أعلى أطرافه ألوان. والهليون يخرج من قرون الكباش إذا دفنت في الأرض مغمورة كما تقدم، وهو نبات شامي، يجود في الشام ويبعث على الجماع، ويقوي الظهر والذكر، ويزيد في الدم، وأصله يذهب سهولة اللحم، وإذا جفف أصله وسحق وبلّ بدهن سمسم وطلى به إنسان يديه ورجليه وأخذ خوابي النحل لم تضره لدغته ولا تؤلمه. وإن جعل في الخل والملح نيا كما قطف من أصله وترك في إناء نحو شهر صار له طعم لذيذ وأصبح غذاء مقويا. وإن سلق وصب عليه الخل والمري والزيت وتأدم به مع الخبز كان طيبا، وربما طرح في الأطعمة، لا سيما الحامضة، وإذا دسم كان طيبا وأجوده البستاني الغض المنقط، وطبع الهليون معتدل، وقيل حار رطب، وهو فيتح انسداد الأحشاء والكبد والكلى، وينفع من اليرقان والقولنج والبلغم وعسر البول، ويزيد في ألباه، ويولد المني، ويحرك شهوة الجماع، وينفع من وجع المفاصل، وينبغي أن يسلق ويطبخ باللحم، وإن علق أصل الهليون على الضرس قلعه من غير وجع، وإن شرب كلب الماء طبيخه مات.

ولسان الجمل وهو كبير - ويسمى عند أهل الشام إذن الجدي - وصغير، والكبير يزرع بزره في آذار ونيسان، ويتم نموه في آب، ويزرع عند السواقي ونحوها، وهو ينبت وحده على السواقي وأنفعه الكبير الورق الجديد، وهو بارد يابس في الثانية، وورقه قابض رادع يمنع سيلان الدم، ويعلق أصله على عنق صاحب الخنزير فينفعه، وهو ضد الأورام الحارة وحرق النار والنملة والشري وداء الفيل والصراع. وماء ورقه ينفع من القلاع، ويوضع على عضة الكلب الكَلِب.

والبنج ينبت وحده كثيرا في الأرض الصلبة المحجرة، وفي حيطان البنايات ذات الأحجار، وهو ثلاثة أنواع، أسود، وأحمر، وأبيض. وزهر الأسود أرجواني، وزهر الأحمر أصفر، وزهر الأبيض أبيض. والأبيض رطوبته دهنية، وهو أجودها وأسلمها، وهو الذي يجوز استعماله. وإن لم يوجد فالأحمر، ولا يجوز استعمال الأسود بحال. والأبيض بارد في أول الثانية، وهو مخدر يقطع نزف الدم، وقوة بزره شبيهة بقوة الأفيون، ينفع من نفث الدم المفرط، ويسكن الأوجاع كوجع النقرس طلاء وشربا قدر ثلاثة قراريط مخلوطا بماء العسل وينفع من وجع الأذن، ومع دهن ورد وخل يعين على وجع الأسنان، ويطلى به على أورام الثدي وهو فيسد العقل ويبلد الذهن، ويحدث جفافا وجنونا وورما في اللسان وخروج زبد من الفم واحمرارا في العين وضيق نفس، وغشاوة على العين، ويداوى من سقي منه بالماء الحار والدهن والعسل وتنظفي المعدة منه ثم يسقى اللبن الحليب ومرق الدجاج والحملان السمان.

والكرفس منه بستاني عريض الورق ومنه دقيق الورق يشبه ورق الكزبرة، ينبت على شواطئ الأنهار ومجاري المياه، ومنه بري يسمى سمورينون، ومنه ما ينبت في الماء، ويسمى السير، والكرفس البستاني يزرع في أيلول وشباط وآذار وهو يحب الماء الكثير، ولا يطيق الزبل، ومنه الكرفس الرومي، وهو المقدونس، ون احب أن يكبر الكرفس ويعظم ويغلظ، يأخذ من بزره مقدار ثلاثة أصابع ويصرها في خرقة كتان ثم توضع في حفرة وتغطى فيجيء النبات عظيما. وكذا الكراث، وإن حفر عن أصله بعد أن ينبت ثم يطرح حواليه تبن مخلوط تراب، ثم يسقى كبر كثيرا، ومما يزيد في حجمه أن يدق بزره برفق ويزرع بعد أن يدلك دلكا رفيقا، ويزرع في السنة كلها، وينثر نثرا على الماء. ويزبل الكرفس كالسداب في منبته بجقيق الكرسنة وإذا زبلت به أصوله وسقي الماء أطعم وطاب طعمه ورائحته. ويختلف الكرفس باختلاف البلاد فمنه الرومي، وهو المقدونس، وهو جيد للمعدة، ويدر البول والطمث، ومنه الجبلي وهو ذو بزر أسود شبيه بزبيب الجبل، وهو حار يابس في الثالثة، يدخل في الأدوية وغيرها، وأقوى الكرفس الرومي الجبلي، وقرة العين ينبت في الماء، ويسمى كرفس الماء وجرجير الماء، ويسمى السير، ويكون في المياه الراكدة، وفيه عطرية، وهو مسخن وينفع من الانتفاخ ويفتح الانسداد وراكب البحر إذا شرب من بزره درهمين سكن عنه الغثيان. والبري ينفع من داء الثعلب، وشقوق الأظفار وشقوق البرد، والثآليل، والبستاني منه ينفع من الربو وضيق النفس وأورام الثدي، وطبيخه وحده أو مع العدس يقيء به من سقي سماء وهو يسكن وجع الأسنان، لكنه يفتتها، ويضر المصروعين وبالحبالى ويهيج الصداع ويصلحه الخس.

والسداب منه بري ومنه بستاني، يزرع في الربيع كله، وبزره يزرع في كانون الثاني وشباط وآذار، ويسقى بالماء مرتين في الأسبوع حتى ينبت ثم يعطش ويسقى مرة في الأسبوع في فصل الربيع والصفي والخرفي، ويقطع عنه الماء في الشتاء، ولا يزيل إلا بالرماد في الشتاء. ويقال أن المرأة الحائض إذا مسته مات. ويزرع كل سنة، وكل وقت، وأنسب الأوقات تشرين الأول. ويعطش أسبوعا ويسقى أسبوعا وتزبل أصوله بغائط الناس. ومن خواصه النفع من الصرع فإذا مضغ المصروع شيئا من بزره وأمسك نفسه قليلا عقب شمه وتنشقه لم ترجع العلة اليه، ومضغه يقطع من الفم رائحة كل شيء يأكله أو يشربه الإنسان. وإذا علق السداب عند مأوى الدجاج لم يعرض لهن النمس، وإذا علق على طير تحت جناحه لم تقربه النسور. ولا يؤكل السداب مع البصل، فقد أعمى كثيرا. وإذا خلط بمرارة الثور وطليت به البثور والثآليل أبرأها، وإذا خلط بلبن المرأة وضمد به الرأس أذهب ظلمة البصر والكلف. وإن سحق مع الزيت وطليت به عضة الكلب الكَلِب سكن وجعه. والبري أشد اسودادا من الخردل. وصمغه أقوى فعلا منه، وفيهما حدة وقليل من مرارة. وأجوده الأخضر الحاد الرائحة البستاني، الذي ينبت عند شجر التين. والأخضر الرطب منه حار يابس في الثانية، واليابس في الثالثة، والبري في الرابعة. وقيل في الثالثة ينفع من داء الخنازير إذا ضمدت به، وينفع من الفالج والرعشة وأوجاع المفاصل شربا وضمادا. ويضمد به الصداع المزمن مع السويق، ويضمد به الأنف مع خل يحبس الرعاف، ويسكن دوي الأذن وطنينها ويقتل الدود ويحد البصر كحلا وأكلا، وينفع من الاستسقاء ضمادا مع التين، وهو يقوي الشهية ويقوي المعدة، ويسكن المغص. وينفع مع الحميات وهو يقاوم السموم وينفع الكابوس، وقدر ما يؤخذ منه ثلاثة دراهم، لنه يجفف المني ويقطع شهوة الباه. وقد يضر البصر ويصلحه الآينسون.

والصعتر منه بستاني ومنه بري، ومنه طويل الورق، وهو أقوى فعلا، والآخر مدور، وأجوده صغير الورق البري، ومنه نوع زهره أخضر مائل إلى الصفرة، يزهر في الصفي في حزيران وتموز. ومنه نوع أحمر مائل إلى السواد، يشبه زهر الحبق وزهره أصفر يميل إلى البياض. ومن أنواعه الصعتر الفارسي، وزهره أزرق، وهو صفيي ويدوم حتى الخرفي، ويعرف بفلفل الصقالبة وتناسبه الأرض الجبلية البيضاء وتصلحه الشمس، ولا ينبت في الظل، ولا يحب الماء الكثير، ويزرع بزره في آب حتى آخر الخرفي، وقيل حتى أوله وهو يتجدد كل عام من أصوله. وينقل البري إلى البساتين وإذا أكل دفع ضرر البقول الباردة المسببة للانتفاخ وهو يحد البصر ويجلو غشاوة العين الناشئة عن رطوبة، وهو حار يابس في الثالثة، محلل ملطف، ينفع من أوجاع الوركين، ويسكن وجع الضرس إذا مضغ، وينفع الكبد والمعدة ويخرج الديدان، ويدر البول والطمث، ويقوي الشهية للطعام، ويحلل الرياح، ومقدار ما يؤخذ منه مثقال دهنه ينفع الصدر والرئة ويصلحه الخل الخمري.

والجرجير منه بستاني ومنه بري. وأجوده البستاني، وهو عريض الورق، خضرته فستقية، حدته قليلة طري رطب. ومنه ما ورقه دقيق فيه ضغط ودخول في جوانبه كثير، وهذا حاد حتى نوره، والبستاني العريض الورق يزرع في تشرين الأول، وهو حار في الثالثة وقيل في الثانية، يابس في الأولى، ورطبه رطب في الأولى، وماؤه يدر اللبن وهو يساعد على هضم الغذاء، ويزيد في الباه والمني، ويطلق الطبع، لكنه يسبب الصداع، ويصلحه الخس والهندباء أو الرجلة والخل.

والشبث يزرع بستانيا من كانون الآخر إلى أواسط شباط، ويزبل وأجوده الغض الطري الذي قد خرج من زهره، وهو منضج للأخلاط الباردة، مسكن للأوجاع، يطرد الرياح، ورطبه أشد انضاجا، ويابسه أشد تحليلا، وهو ينضج الأورام وينوّم، وقدر ما يؤخذ منه خمسة دراهم، وهو يدر اللبن وينفع من فواق الامتلاء الكائن من أصناف الطعام، وينفع من المغص، وعصارته تنفع من رطوبة الأذن، وتفتت الحصا في المثانة، ورماده يقلع البواصير الناتئة إذا ضمدت به، وإدمان أكله يضعف البصر ويضر بالمعدة والكلى والمثانة ويصلحه الليمون وقيل العسل.

والكبر ويسمى القبار بري، وينقل من البر إلى البساتين، وهو حاد جدا حار، وما يزرع في البساتين أطيب وألذ طعما وأكثر طراوة، وهو ينبت وحده في الخراب والبر، وينقل في آذار بأصوله وعروقه وترابه اللاصق به، ويزبل كثيرا ويدار عليه الماء باستمرار كالباذنجان ويكبر حتى يلحق بالكرم ويحمل شيئا كالنبق خاليا من المرارة يجيد في البر أكثر من البساتين لكن ثمرته أكثر مرارة، وينقع في الخل والملح أياما ثلاثة ثم يصب ذلك عنه ويغسل بالماء الحار حتى تذهب الملوحة والحموضة، ثم ينشر في الهواء حتى يجف فيؤكل ألوانا مربى بعسل أو بس أو سكر، وينقع في الخل ويؤكل مخللا، ويكبس بالملح ويؤكل، أو يطبخ باللحم قبل تحليته، وربما يغمر باللبن ويطرح عليه قليل من أرز مطحون نيا أو محمصا قليلا ويؤكل بعد سبعة أيام فما بعدها. ومن خواصه إذا جعل في عصير العنب يحفظه من الغليان كالخردل، وأصله حاد ومنه نوع يخرج لبثور الفم ويورم اللثة، وأجوده البستاني، وأنفعه قشور أصله، وهو حار يابس في الثانية، وقيل في الثالثة محلل، وفي قشوره مرارة وحدة ويحلل ورم الخنازير والقروح الخبيثة، والمملح منه ينفع من الربو، وهو أنفع شيء للطحال شربا وضمادا بدقيق الشعير، ويدر الحيض، ويقتل الديدان في البطن، ويزيد في الباه، وهو ترياق من السموم. والمصنوع بخل فيتح انسداد الطحال وتصلبه، وينقي بلغم المعدة، وقدر ما يؤخذ منه درهمان. وقيل إنه يضر المثانة، ويصلحه الأسطوخودس، ويحقن بعصيره لعرق النساء، ويقطر في الأذن فيقتل دودها.

والسبستان أجوده القوي الرائحة، وهو يحمل خمسة أغصان لطاف، تتفرع من أصل واحد، وعليها ورق يحمل حبا يؤكل إذا جف وطحن وخبز وربما قلي على نار قليلا قبل طبيخه، ويزرع حبه في كانون الأول، ويزبل كالشجر، وفي البلاد المصرية يزرع حول الأرض المزروعة قصب السكر ونحوه، وإذا طبخ حبه بالماء حتى ينضج جعل في صحيفة وترك حتى يجف من الماء ويصب على اللبن المخيض ويؤكل، وهو أشبه الأدوية من الأغذية، وأجوده القوي الرائحة، وهو حار يابس في الثانية، وقيل إن حرارته في الأولى، ودرهمان منه ينفع من أورام الطحال مع أوقية سكنجبين، وإن غلي بالخل وضمد به على الطحال نفعه. وهو يقطع الباه ويزيل الصداع البارد ضمادا، وينفع من انسداد الكبد والطحال مع السكنجبين.

والسماق توافقه الجبال والصخور والأرض الصلبة، ويعلو قدر ثلاثة أذرع، ويصنع منه خبز بعد نقعه. والسماق منه خراساني، ومنه شامي وهو أخضر، والخراساني أحمر، وهو بري وبستاني، ومنه أبيض، ولا يحتاج إلى كثرة اعتناء وزبل، ومنه البعل ومنه ما يسقى وأجوده الحديث الأحمر، وهو بارد في الثانية، وقيل في الأولى، يابس في الثالثة، قابض يمنع النزف، وإن صر في خرقة وعلق على من به سيلان دم من أي عضو كان من جرح أو رعاف أو نزف بواسير أو مخرج قطعه. وإن رش بمائه في بيت هربت من البراغيث، ويمنع انصباب الصفراء في الأحشاء، ويمنع الغثيان وفيتح الشهية للطعام، وماؤه يقوي البصر إذا اكتحل به، ويسكن العطش، وهو دباغ للمعدة مقوّ لها يمسك البطن، وقدر ما يؤخذ منه للمداواة خمسة دراهم، وإذا اكتحل بمائه في ابتداء علل العين الحادثة عن حرارة منع امتداد المرض إليها، وقوى العين، وصمغه جيد لتآكل الأسنان، وإذا وضع في الأضراس سكن وجعها، والسماق يضر الكبد لكن يصلحه المصطكي، وهو ضار لأصحاب السوداء.

والماميتا بستاني وبري، وهو من أصناف الخشخاش، مر الطعم، ساطع الرائحة، زعفراني العصارة، لوون زهره كلون زهر الزعفران المحلول بالماء وهو يشبه الهندباء تعلوه غبرة، ويصير له أغصان في أعلاها أقماع تنشق عن نوار أصفر كالنرسج، مثل اللوبياء، أطرافها كأفواه العلق، وبزره أسود دقيق أغلظ من بزر الرجلة ويمكث في الأرض أربع سنين، وهو بارد يابس في الولى، قابض ينفع من الأورام الحارة، وابتداء بالرمد، ويقوي العين.

والجرشف منه بستاني، والبستاني يزرع في تشرين الآخر، وتنضج ثمرته في الربيع، وهو يتجدد كل عام عن عروقه وبصلته الباقية تحت الأرض، ويالي سقيه في الحر فيعظم ثمره، وهو يحب الزبل والماء خصوصا في الحر. والبري من الجرشف معتدل الحرارة رطب في الثانية، وقيل بارد، وقيل حار يابس في الثانية. وماؤه يقتل القمل إذا غسل به الرأس، ويزيل نتن الإبط إذا أكل، وهو محلل للأورام، ويخرج البول النتن، ويزيد في الباه، ويلين الطبع، ويخرج البلغم.

والحرمل يزرع بزره في آذار ولا يتحمل الماء الكثير ولا الزبل، ويجمع بزره في حزيران وتموز، وهو ينبت وحده كثيرا وتناسبه الأرض المحجرة. ورقه كورق الخلاف، له نوار كنوار الياسمين ابيض طيب الرائحة، وهو حار يابس في الرابعة، وقيل في الثالثة، وينفع من وجع المفاصل طلاء، ويدر البول والطمث، وإذا خلط بعسل ومرارة حجل أو دجاج وماء الرازيانج قوى البصر إلا إنه يسبب الغثيان ويمنع القولنج شربا وطلاء، وهو يسكر كالخمر ويصلح غثيانه مربيات الفواكه.

والحبق، وهو أنواع كثيرة، ويسمى كله في الشام ومصر والحجاز وغيرها الريحان، ومنه الحمامي والصنوبري والحاجي، وهو الباذروخ، وله زهر عجيب، وورقه كورق البقلة اليمانية بحجم كف الإنسان ومنه الصعتري وله زهر أخضر يميل إلى الصفرة، ومن القرنفلي، ومنه المشرقي، وورقه دقيق وزهره فرفيري اللون يميل إلى سواد، ومنه الترنجاني ورائحته تشبه رائحة الأترج، ومنه السروي، وهو كالصعتري، إلا في الورق والزهر، فإن السروي يميل إلى غبرة، ونواره إلى حمرة، وورقه أبيض، ومنه الصقلبي، وقيل هو نوع من الحمامي، ومنه الرومي وهو كثير الورق، نواره جميل المنظر قصير السنابل، ومنه المقلوب الورق، وهو يتطلب الاعتناء والماء العذب، ووقت زرع ذلك كله النصف الثاني من كانون الثاني وشباط ونصف آذار، إلا القرنفلي فيزرع في النصف الأخير من نيسان وأيار. والحمامي له زهر أبيض في غلف مائلة إلى السواد، ووقت زرعه كانون الثاني، وينقل في آذار، ومنه حبق نهري، وتسميه العامة طرطور الحاجب، وبزره يزرع في آذار ونيسان ويحب الزبل الكثير لكنه لا يحب كثرة الماء.

والحوك وهو الباذروخ ينقص ذهن آكله وينسيه كثيرا مما كان يذكر ولا تأكله المعز. والباذروخ ثلاثة أصناف، القرنفلي وهو الفرنجمشك رائحته حادة، ويزرع من آذار حتى آخر نيسان، وقد يزرع في تموز، ولورقه زغب لطيف وهو أطيبها رائحة، وأفضلها، ويستعمل في الأدوية كدواء للامساك وغيره، له بهجة منظر الريحان، ويسقى في الأسبوع مرتين إلى أن يصير بطول الإصبع. والترنجاني وهو الباذرنجوية، رائحته كالترنجان، وورقه عريض كالإبهام مفرغ الباطن عليه شبه الغبار، ويجود في البلاد الباردة، ولا يحب كثرة الزبل ولا المياه. والمقلوب الورق عريضها قصيرها مفرغ البطن، فإذا نبت انقلبت مغاليق أوراقه وصارت أوراقه مما يلي السماء إلى جهة الأرض، وهو نوع غريب، ويحصد الريحان إذا امتلأ بزره وكمل ويبس، ويخزن بزره في ظروف فخّار مثقوبة فيها تراب مزبل ويحفظ من البرد ومن الشمس إلى أن ينبت بزره. والحماحمي بارد يابس في الأولى، وهو فيتح انسداد الدماغ، ويسكن حرارة المعدة والكبد إذا شرب من مائه المطبوخ مع جلاب أو سكنجبين، وبزره المقلّى بدهن ورد وماء بارد ينفع من الإسهال المزمن، وقيل إن من أكله ثم لسعته العقرب لم تؤلمه، وإن ضمد لا تقربه العقرب. وقال هرمس: إن أخذ من ورقه ما وزنه وزن عقرب وسحق مع العقرب وجعل منه حب كالفلفل وسقي منه المصروع عند وقته ثلاثة أيام أبرأه وإن شربه صحيح صار مجنونا، وإن أخذ أطرافه وبزره وقلب خطاف ثم جعل في جلد ابل وعلق على المصاب الذي يقع في رأس الشهر أبرأه، وإن مضغ مع الخبز الحار حتى يختلط ويجعل بين لوحين صار عقربا بعد ثلاثة أيام، وإن عجن بخبز الشعير الحار وترك تولدت منه عقارب خضر، إذا جعلت في بيت لم يدخله الهواء.

والترنجان بستاني وبري، ومنه عريض الورق جدا أزغب، وصغير الورق قليل الزغب، وأغصانه إلى البياض أقرب، وكلاهما له زهر أبيض يظهر في نيسان وأيار وفي الربيع كله، ورائحته كالأترج. والنحل يستطيب الحلو منه، ويزرع بزره في شباط، ولا يقوى على الزبل الكثير، وينبت كل عام وحده من أصوله، ويتجدد من الباقية تحت الأرض، وإذا طال حصد، ويسقى بالماء فينبت، ويسمى مفرح القلب المزون، فإن فيه خاصية عجيبة في تفريح القلب وتقويته، وينفع الأحشاء، وأجوده البكر، وهو حار يابس في الثالثة، وقيل في الأولى وقيل معتدل في الحرارة يابس في الثانية، وينفع من جميع العلل البلغمية والسوداوية، وينفع من الجرب ومن انسداد الدماغ، ويقوي الكبد، ويذهب الخفقان، ويعين على الهضم، وينفع من الفواق، ويصفي الذهن، وقدر ما يؤخذ منه مائة وعشرون درهما. وقيل يضر الورك، ويصلحه الصمغ العربي، ويذهب البخار، ويطيب النكهة.

والبنفسج منه بستاني ومنه جبلي دقيق الورق، والبستاني عريض الورق، ينبت في المواضع الظلية وتناسبه الأرض الرطبة والرملية الرطبة والجبلية، ويزرع بزره في آب ولا يؤخر عنه، بعد أن يزبل وجه الأرض ويخلط بمثله زرق الحمام أو رماد الحمامات، ويسقى بالماء في الأسبوع مرتين ولا يوافقه إلا الماء العذب الخفيف، وماء الآبار يضعفه وقد يهلكه، وإذا غاظ الإنسان في مجاري مائه فشربه البنفسج هلك وانحل، وكذا فسا أحد أو ضرط على البنفسج، وكذا سائر الأنتان والقاذورات فإنها مهلكة له. والرعد الشديد المتتابع يضعفه ويوهنه، ووقع الغبار الكثير عليه يضعفه، والدخان ربما يهلكه إذا دام عليه، ولا يوضع في منبته تراب قبور فإنه يضعفه. ومنه أزرق ولازوردي وما يميل إلى حمرة وأبيض، وأجوده اللازوردي المضاعف، ثم العراقي، ثم الأرجاني، وهو بارد رطب في الثالثة، وقيل رطب في الأولى، وقيل حار، وهو يسكن الأورام الحارة ضمادا مع دقيق الشعير، ويسكن الصداع الناتج من الحرارة شما وضمادا، وينفع من السعال الحار، ويلين الصدر، ويسهل الصفراء، ومقدار ما يؤخذ منه درهمان إلى أربعة دراهم، وشربه يضر القلب ويجلب الحزن، ويصلحه الأنيسون، وشمه يضر الزكام من برد وشربه بالسكر ينفع من ذات الجنب والرئة والتهاب المعدة وخشونة الحنجرة.

والنرجس يسمى عبهرا ومنه خففي ومنه مضاعف، ومن أراد أن يجعله مضاعفا يأخذ بصلة من بصله سمينة يشق وسطها ويغرس فيه ضرس ثوم غير مقشور ثم تطمر البصلة في التراب فإنها تحمل نرجسا مضاعفا. والنرجس الأصفر هو العرار، ويغرس في حفرة عمقها نصف شبر، ويجعل فيه ثلاث بصلات أو أربع، ويرد التراب عليها ويكون ذلك في شهر أيار وحزيران، وهو يحب الماء الكثير والأرض المالحة وأجوده ما كان في أرض جبلية. ومن أحب أن يكون النرجس طيب الريح تشوب بياضه خضرة، ويجعل فيه ثومة خضراء رطبة، ويغرسه في موضع بارد كثير الرطوبة. والنرجس معتدل في الحرب واليبس لطفي. وقيل حار يابس في الثانية، وهو فيتح انسداد الدماغ، وينفع من الصداع الناشئ عن رطوبة أو سوداء، ويصدع الرؤوس الحارة ويصلحه البنفسج والكافور.

والسوسن أربعة أنواع: أبيض وأسود وأصفر وأزرق بلون السماء. ويغرس بصله في أيلول وتناسبه الأرض الرخوة والماء الحلو والمواضع التي لا تحرقها الشمس ويزرع عند السواقي، ويغرس في أيار وتشرين الأول، وتحفر له حفائر بعمق شبر، ويجعل فيها زبل بستاني، وتغرس البصلة ويرد عليها التراب، ويكون بين كل بصلة وأختها ثلاثة أشبار، لأن بصله يتولد، ويسقى بالماء مرة في الأسبوع زمن الحر، وبعض الخرفي، ويقطع عنه الماء في البرد، وإن دفنت قضبانه مجتمعة في أرض ظلية بحيث لا يصلها شمس كثير فإنه يصير تحت كل ورقة منها بصلة في فصل الخرفي، فينقل ويغرس. وإن زرع بزره يترك بعض زهره حتى يعقد البزر في وسط زهره، فإذا يبس يؤخذ ويزرع في آب. وإن صب في أصله عكر خمر أحمر صار زهره كالأرجوان، وإن طرح فيه شيء من الكافور حدثت له رائحة زكية جدا ودهن السوسن لطفي، وهو حار يابس في الثالثة كدهن الياسمين، وهو يقوي الأعضاء، وينفع من الإعياء، وينفع كبار السن كما ينفع من أمراض العصب وقروح الرأس ودوي الأذنين. وهو درياق لسقي البنج، وإذا اكتحل بعكره حلل الماء النازل في العين. ودهن السوسن الخالص يرعف المحرور إذا شمه، ودهنه مضر للمعدة.

والنيلوفر ويسمى حب العروس وهو أصناف، الأصفر الشامس، والأحمر، والأبيض، والاسمانجوي، وينبت في الماء وحده، والأبيض منه هو البشنين، ينبت في مصر كثيرا إذا طاف النيل ويسمى جلجان، وله زهر أبيض ورأس منبسط يتفتح على وجه الماء إذا طلعت الشمس، وينقبض إذا غربت، ويغوص برأسه في الماء. وله بزر شبيه بالدهن، يجففونه في مصر ويطبخونه ويعملون منه خبزا. وأصبه شبيه بالسفرجل يقال له بياروز، وهو المستعمل. وهو نوعان: خنزيري وإعرابي، وهو أفضله وأجوده. ويؤكل نيئا ومطبوخا، وطعمه كصفار البيض، وفيه بعض عطرية. ويطبخ باللحم وغيره فيشبه طعام الكمأ، يميل إلى حرارة يسيرة، ويزيد في الباه، ويسخن المعدة ويقويها، وينفع من الزجير. وللنوفر أصل، وأكثر ما ينبت منه في الماء العذب في أرض طيبة التربة سليمة من الفساد، وجودته تكون بزيادة القمر في الضوء، ونقصانه بنقصانه. ويغرس في الأرض الظلية في آخر نيسان بعد تزبيل الأرض بالزبل القديم، وقيل يغرس في الخرفي كله، ويظهر بزره في نيسان. وهو بارد رطب في الثانية، ومنوم مسكن للصداع الحار، وينفع من الاحتلام ويكثر شهوة الباه إذا شرب منه درهم بشراب الخشخاش، وبزره يمنع النزف. وشراب النيلوفر ينفع المعدة الحارة والحميات، ويلين البطن، ومن خواصه أنه لا يتحلل في المعدة بخلاف سائر الأشربة الحلوة، وأصله أشد فعلا، والأصفر منه أقوى في هذه الأفعال.

والبهار يسمى ورد الحمار، ولون ورده أصفر، وورقه أحمر، ولعل البهار هو القرنفل، ومنه أبيض، ويزرع في آيار وحزيران، وينور في آب، وتناسبه الأرض الرملية والجبلية، ويحب الماء الكثير. وإذا بخر بالبهار بيت طرد منه الهوام، وطرد البق خاصة. والبهار حار في الأولى وقيل في الثانية، يابس في الأولى، محلل ينفع شمه من الأبخرة المتصاعدة من الرأس. ويبرئ الأورام الصلبة إذا خلط بسمن أو دهن وضمدت به.

والبابونج منه أصفر الزهر، ومنه أبيضه، وورده كبير تناسبه الأرض الندية والرطبة السمينة، وإن روي بالماء الكثير قلَّت رائحته ويزرع بزره في كانون الثاني وشباط وآذار وقيل: البابونج هو الأقحوان أو نوع منه، وإكليل الملك هو والبابونج ينبتان وحدهما بغير زرع غالبا، وأجود البابونج الطري الزكي الرائحة الأصفر الساطع الضارب إلى بياض الكبير الورد، وهو حار يابس في الأولى وقيل حار في الثانية، يابس في الثالثة، وقيل قوته قريب من الورد، وهو مفتِّح ملطف محلل من غير جذب، وهذه خاصيته من بين سائر الأدوية وهو يلين الأورام الصلبة ويريح الإعياء، وينفع من الصداع البارد، وإذا جلس في مائه المطبوخ صاحب حصى الكلى فتت الحصى وأدر البول، وقيل يضر الحلق، ويصلحه العسل، ودهنه حار باعتدال، يسكِّن الأوجاع.

والأقحوان منه أبيض، ومنه أصفر، والأبيض أقوى، وهو قضبان دقاق عليها زهر أبيض الورق، وسطه أصفر، حاد الرائحة والطعم، وزهره هو المستعمل، وهو حار يابس في الثانية، وقيل حار في الثالثة، يحلل ويدر العرق، وينفع النواصير، وقدر شربته ثلاثة دراهم لكنه يضر بالمعدة والطحال ويصلحه الأونسيون، وإذا أديم شربه أحدث سباتا. والأرديون هو الأقحوان عند أهل الشام، ويسمى رجل الأسد، ومنه بستاني أصفر بحمرة، كبير وصغير، والصغير هو البهار، ومنه بري كبير الورق وصغيره. ويزرع بزره في كانون الثاني وشباط وهو يكبر في بعض البلاد حتى يصير كالشجرة العظيمة، وفي بعضها لا يجاوز ذرعا، ومن خواصه إذا أمسكته امرأة عند الوضع طابقة إحدى يديها على الأخرى، رمت بالولد سريعا، وإذا دخلت الحبلى إلى موضع في أرديون فبلغت رائحته إليها أسقطت، وإن بخر به موضع يهرب منه الوزغ والفار والذباب وهو حار يابس في الثالثة، وفيه ترياقية تنفع من السموم كلها.

والخيري ثمانية أنواع، بستاني زهري فرفري اللون معروف، وبستاني أبيض الزهر، وبستاني زهره أصفر، ومنه ما لونه فيه بياض وحمرة، ومنه أزرق، ومنه أحمر قان ومنه عصفوري منسوب إلى صبغ العصفر، ومنه سمائي، ومنه الأسود، وهذه كلاه بستانية، ومنه بري فرفيري دقيق، ومنه ما يعرف بخيري الماء، زهره فرفيري في الصفي، ويزرع في آب أو في شباط، ويعظم ورده من كانون الثاني حتى حزيران، تناسبه الأرض التي لا رطوبة فيها، وإن خلط فيها رماد وجير فهي أحسن، ويعطي أكثر، ولا يقوى على الماء الكثير ولا الشمس، فيختار له المواضع الظليلة وبين الأشجار حتى لا تصيبه الشمس إلا بعض النهار. وقيل الأحمر يزرع في آب خاصة، وينور في الشتاء والربيع، وإن زرع في آذار نور في الخرفي والشتاء كله، والأصفر يزرع في تشرين الأول وقيل في آب مع الحمر. والخيري شبيه البنفسج في زراعته والاعتناء به إلا إنه أقوى وأصبر وله منافع البنفسج وتضره الروائح المنتنة كما تضر البفسج، وإذا لقطت ورده امرأة حائض فسد وذبل. والأصفر منه فيه حرارة وقيل يابس في الأولى، وقيل في الثانية، والأسود معتدل، ودهنه حار رطب في الثانية، لطفي محلل، وقيل معتدل ينفع الجراحات وخاصة إذا عمل بلوز حلو. والمرّزنجوس ويسمى العبقر وحبق الفيء وهو بستاني وبري، ومنه كبير الورق ودقيقه، وهو لا يحب الماء كثيرا، ولا شيئا من الزبل البتة، ويسقى برفق مرتين أو ثلاثة في الأسبوع حتى ينبت ثم يقطع عنه السقي ويعطش وينقى من عشبه، ويسقى مرة في الأسبوع وزرعه أول أيار ويعمر نحو ستة أعوام، وإذا امتلأت رؤوسه بزرا وكمل وحصد وجفف، ويؤخذ بزره ويحفظ في فخار ولا يسقط ورق هذا النبات في البرد لحرارته، وورقه وبزره يطيب به اللحم والشحم، فيزيل عنه النتن وتغير رائحته، ولهذا النبات في إزالة الأنتان والعفونات كلها فعل قوي، ومن خواصه أنه إذا بال الإنسان في مجرى الماء الذي يسقى به حتى يخالطه ويشربه فإن رائحته تقوى، وكذا إذا غبر بمسحوق تراب مخلوط بزبل الناس، فإنه يقوى وتذكو رائحته، وأجوده البستاني، وهو حار يابس في الثالثة، وقيل في الرابعة، وقيل في الثانية، وهو ملطف محلل ينفع من الصداع الناشئ عن رطوبة وبرد، وينفع من عسر البول والغص، وطبيخه ينفع من الاستسقاء، وخمسة دراهم منه تنفع من الشري البلغمي، ويضمد به لسع العقرب مع الخل، وقال بعض الحكماء: إذا جعل في بيت تألفت سكانه، وإن دق ورقه وورق السداب من كل واحد نصف دانق، ومن اليبروح دانق باسم متحابين، ودفن بينهما أو أطعماه في طعام في العداوة وعملا عجيبا. وهو ينفع من وجع الظهر، ويفتح انسداد الدماغ، ودهنه لطفي حاد، يضمد به الفالج في العنق وغيره من أنواع الفالج، ويجعل في الأذن بقطنة فينفع من انسدادها، وقيل يضر بالمثانة، ويصلحه بزر الرجلة.

والخزامي نبات يحمل وردا مفرق الورق بنفسجي اللون، بل أحسن من لون البنفسج، ويطول إلى قامة في الأكثر، وله أغصان كثيرة، والفرس يعظمونه ويتبركون به، ويقولون النظر إلى وردة يسر النفس، ويزيل الهم الذي يعتري الإنسان بلا سبب وهو ينبت وحده كثيرا لا سيما في الجبال والأرض ذات الحصى والحجارة وهو بعل، وقد ينقل المرو وهو حبق الشيوخ، يزرع بزره في تشرين الأول والثاني وكانون الأول والثاني، وهو لا يحب الماء ولا الزبل. وينقل في شباط وآذار، ويؤخذ بزره في آب ويحفظ، وهو أنواع، نوع طيب الريح، وهو المرماحوز، ونوع أقل ريحا منه يسمى سموما، ونوع يقال له الأبيض ويقال له الثور، ونوع بارد، ونوع حار يسمى مرماهونس. والأبيض معتدل فيه قوة مفرحة، والنوع الحار يزيل الانتفاخ وينقي البلغم، ويفتح الانسداد وينفع من الصداع البارد ووجع المعدة ويقويها ويقوى الأمعاء، ويزره ينفع من الإسهال والدوسنطارية إذا قلي. والمرماحوز بري وبستاني، وأجوده البستاني الأخضر، وهو حار يابس في الثانية، وقيل في الثالثة، وقيل يابس في الرابعة، وقيل حرارته في الأولى، وهو لطفي محلل مسكن للرياح ويفتح الانسدادات البلغمية حيث كانت، وينشف رطوبة المعدة ويقويها، وقدر ما يؤخذ منه درهم، وهو يمنع القيء، ويعين على الاستمراء، وشمه يجلب الصداع لكن ترياقه الرياحين الباردة.

والخطمي ويسمى ورد الزينة، والخباز الصقلي، وإذا درس أخضر صار له رغوة يغسل بها الرأس وغيره. وأنواعه كثيرة، وهو ينبت في السهول، وإذا أجدبت أرض جاد فيها لأنه لا يختلط به عشب غيره، وتناسبه الأرض الرطبة، ويزرع بزرا في الأحواض والظروف في حفر عمق الحفرة أصبع، ويوضع فيها من ثلاث حبات إلى خمس، ويغطى بالزبل ويسقى، ويترك منه في الموضع أصل واحد بطول نحو أربعة أذرع، لأن شجرته تعظم، ويتركب فيها التفاح وغيره، ويزرع في أيلول خاصة، وهو لونان، أحمر الورد، وأبيض أصغر من الأحمر، وقد ينبت في الأرض الصلبة المخصبة وتنفعه السيول والأمطار، وإذا عدم الماء لم يضره، ويعرض له داء يسمى الحمرة، وعلاجه رش الماء البارد عليه ثم يسكب في جوانبه كل سبعة أيام مرتين أو ثلاثا فيزول. وزعم قوم من الحكماء أن النظر إلى ورق الخطمي وهو على شجرته فيرح النفس ويزيل الهم ويعين على طول القيام على الرجلين، وذلك بأن يدور الإنسان حول شجرته وينظر إلى ورقها ووردها من كل جهاتها ساعة، فإنه يجد بذلك السرور والابتهاج والفرح، وتقوى نفسه. ومن أرادا أخذ العسل من بيوت النحل دون أن يضره أو الزنابير فليأخذ مسحوق ورقها ويعجنه بالزيت، ثم يطلي به يديه، وما أراد من بدنه، فإن النحل لا يتعرض له ولا يؤذيه، ويقال له أيضا ورد الزواني، ويوافقه الماء العذب والزعاق، والخطمي بارد رطب، وقيل بارد معتدل وهو ملين ومحلل للأرياح، ويطلى به البهق مع الخل ويجلس في الشمس يشفي وهو يلين الأورام ويحلل وينفع من داء الخنازير، ويسكن وجع المفاصل مطبوخا بشحم الأوز، وينفع من عرق النسا والارتعاش، وطبيخ أصوله ينفع إذا شرب من حرقة البول والمعى والحصاة، وإذا طلي به مكان مخلوطا بالخل والزيت منع اقتراب الهوام من ذلك المكان وإذا غسل به الشعر نعمه، وإذا شرب منه مقدار مثقال منع القولنج، وبزره يفتت الحصاة وأصله ينفع من نفث الدم، وان طبخ أصله وسقي من ينفث الدم من صدره قطعة من ساعته، وإذا طبخ بزره وخلط بخطمي وخل وسقي منه المصروع أبرأه، ويسكن وجع المفاصل إذا طبخ مع الأوز، وصمغه يسكن العطش. وقيل الخطمي يضر بالرئة، ويصلحه العسل.

والنمام يسمى السيسنبر، ونمام الملك له رائحة عطرة، وينبت في الأرض الرخوة، وهو يحب الماء الكثير، ويصمد للزبل أكثر من الترنجان، ويتجدد من بزره ومن ملوخه ومن عيونه. ويزرع بزره في تشرين الآخر وشباط وآذار ويسقى، وكذا ملوخه تزرع في حفر ويجعل معها حب شعير فتجود وتسرع في الإنبات، وبين كل أصلين يترك قدر شبر ويزرع على السواقي ووقت زرعه في الخرفي ويكون ذلك في أيلول، والربيعي منه أحسن، وإذا حصد وسقي بالماء الجاري يلقح من أصوله، ويحصد إذا عقد بزره وامتلأ ويبس، ويخرج بزره ويحفظ في فخار، وله خاصية في إدخال السرور على النفس، وأن ألقي من نباته في لبن حليب منعه م أن يحمض حتى ولو ألقي فيه لبن وطبخ به لم ينعقد، وهو حار يابس في الثالثة، ويلطف ويحلل ويدر البول ويفتت الحصاة وينفع من الفواق إذا كان سببه الشبع وينفع من الصاع ضمادا بعد طبخه بالخل. وأجوده المشبع الخضرة الذكي الرائحة وسمي نماما لسطوع رائحته فإنه يدلك على نفسه، وقد يقاوم العفونات ويقتل القمل، وينفع من الأورام الباطنة والدموية القاسية. ويطبخ في خل ويخلط بدهن ورد ويطلي به الرأس فينفع من النسيان والصداع واختلاط الذهن وينفع من الديدان وحب القرع، ويخرج الجنين الميت وينفع من اللسع، ويضمد به لسع الزنبور ويشرب منه للسعة مثقال مخلوطا بسكنجين، وشمه ينفع من الصداع الناشئ عن برد ويحلل الفضلات البلغمية من الدماغ.

والنعنع أربعة أنواع أحدها بري، والثلاثة بستانية أحدها النعنع ذو الورق الخشن تسميه العامة الصندل، والثاني ذو الورق الأملس والساق الأكحل وهو بالغ الخضرة، والثالث مدور الورق له رائحة نافذة والرابع السينسبر. والنعنع كله له رائحة حادة، وهو ألطف البقول المأكوله جاهزا، يغذي المعدة، ويسر النفس، ويستعمل في آخر الطعام، ويزرع في نصف آذار وبعده بنحو شهرين، ويبدر بذره كسائر البزور، فإذا صار قدر أربعة أصابع ينقل ويسقى شيئا قليلا، وأجوده البستاني الغض، وأجود يابسه ما جفف في الظل، وهو معتدل وفيه رطوبة زائدة، وقيل حار يابس في الثالثة، وفيه قوة مسخنة وقابضة مانعة، وإذا ترك منه طاقات في اللبن لم يتجبن، وعصارته تقطع سيلان الدم من الباطن، وإذا دلكت به خشونة اللسان أزالها. وهو يمنع نزف الدم، ويضمد به لعقد اللبن في الثدي، ويسكن ورمه، ويقوي المعدة ويسخنها، ويسكن الفواق الذي مصدره الشبع إذا أخذ منه اليسير كان مهضما وإذا اخذ منه الكثير أتخم. ويمنع القيء البلغمي والدموي، ويمنع من اليرقان، ويعين على الباه، ويقتل الديدان، وإذا احتمل قبل الجماع منع الحبل. وإذا شرب منه طاقات بحب رمان سكن الهيضة، وينفع من المغص، ومن عضة الكلب. وإذا أكثر منه أحدث حكة في الحلق، وقيل يولد رياحا.

والنيل ويسمى حبق العجب، وهو صنفان، أحدهما تصبغ به الثياب الرقاق بعد تدبير ورقه وطبخه في القدور وعقده، والثاني حب النيل وهو اللبلاب، وهو أربعة أصناف، أحدهما زهره أزرق والثاني نزاره أبيض وورقه فيه لين وغبرة والأزرق أفضلها. تناسبه الأرض الرطبة والرخوة والسمينة، والماء الحلو. وزرعه في شباط وآذار، ويعمق له إصبع ويزبل ويسقى مرة ويترك حتى يصير بطول أصبع، ويسقى ثلاث مرات في الأسبوع، والإكثار من الماء فيسده، وينصب له قصب يصعد عليه ويلتوي، وتمد له حبال يتعلق بها، ويتعلق بكل ما قاربه، ويعرف بحبل المساكين. واللبلاب هو شيء يلتوي على الشجر وله خيوط دقاق وورق طويل، وهو مركب من أرضية قابضة ومائية ملينة، وحراقة نارية، ومنه صنف رديء، وأجوده الجديد كبير الورق، وهو معتدل إلى حرارة ويبس، ملين ينفع من الصداع المزمن ومن انسداد الكبد، وورقه بالخل نافع للطحال، وماؤه يسهل الصفراء وقدر ما يؤخذ منه حتى ثلاثين درهما مع سكر من غير أن يغلى، وإذا طبخ بدهن لوز الهند نقع أصحاب قرحة الأمعاء والسعال. ولبن اللبلاب يحلق الشعر، ويقتل القمل، والعتيق الرديء من اللبلاب يسهل الدم، وحب النيل وهو القرطم، وهو حار يابس في الثانية، وقيل في الأولى، وقيل في الثالثة، وقيل بارد يسهل الأخلاط الغليظة والسوداء والبلغم والدودان وحب القرع، وشربته ما بين دانق ونصف إلى نصف درهم، وهو كريه يجلب الغثيان، وينبغي أن يخلط بدهن اللوز والأهليلج.

والأفسنتين أصناف، خراساني وطرسوسي وسوسي وسوري ونبطي ورومي، وهو حشيشة شبه ورق الصعتر فيه مرارة وقبض وحدة ورائحة عطرية وقيل هو من أصناف الشيح، وأجوده الرومي والطرسوسي الحديث الأصفر العطر الرائحة، وتناسبه الأرض الرطبة بعد زبلها، ويزع بزره في شباط، ويسقى باستمرار حتى يشب نباته ويزرع ملخوه في كانون الثاني وشباط، ومن خواصه، أنه يمنع السوس من الثياب، ويمنع فساد الهواء ويبعد القرضة عن الكاغد، وهو حار في الأولى، ويابس في الثانية، وقيل حار في الثانية يابس في الأولى، ينفع المعدة الباردة ويسهل الصفراء، ويحسن اللون، وينفع من الأورام القاسية ضمادا ويدر البول والحيض إذا اخذ مع ماء العسل ويشرب منه بين درهم وأربعة دراهم، ومن خواصه أنه يمنع المواد من التغير، وإذا نقع وخلط بزيت وطلي به شيء أو مسح به منع البق أن يقربه، وإن شرب على الريق لم يسكر شاربه ذلك اليوم ولو أكثر من شرب الخمر، وهو يقوي الكبد والمعدة، ويفتح انسداد الكبد، وينفع من داء الثعلب والحية والرمد العتيق، وشرابه يقوي المعدة، وطبيخه إذا شرب عشرة أيام كان عجبا في تنبيه الشهوة، والتخلص من الاستسقاء واليرقان، وينفع من نهش التنين البحري والعقرب، والشربة من مطبوخه بين خمسة دراهم وسبعة وقيل يضر المعدة الحارة ويجفف الرأس ويؤلمه ويصلحه الأونيسون.

والزنجبيل البستاني وهو الراسن والجناح والقصيط البستاني والرومي، ومنه نوع كل ورقه منه لها بين شبر وذراع منفرش على الأرض كالنمام، ويعلو قدر شبر، وورقه عريض أخضر خشن، وله عرق غليظ أسود وهو مستعمل منه، وأجوده الأخضر الغض، وهو شديد الحرارة وينبت وحده غالبا، وتغرض أصوله وعروقه في أيلول، ويكثر سقيه بالماء وتوافقه الأرض الرخوة والمتخلخلة، والتي فيها رمل والتي ترابها أسود، وهو حار يابس في الثانية، وقيل في الثالثة. وفيه رطوبة زائدة، وينفع من الأورام الباردة وعرق النسا ووجع المفاصل إذا طبخ بدهن وطلي به، وهو فيرح القلب ويقويه، وينفع من نهش الهوام، ويقوي الباه ويهيجه ومن أدام آكله لا يحتاج للبول كل ساعة، وقيل يقلله وينفع تقطير البول العارض من البرد، وإن دق وعجن وشرب منه مثقال سخن الأعضاء التي تتألم من البرد، وينفع من البلغم ألا أنه يصدع الرأس وقوة شرابه كقوته أو أفضل، وإذا خلط بالخل انكسر حره، والمربى منه قليل الحر يساعد على هضم الغذاء، ويقلل البول، ويفتح انسداد الكبد والطحال، وينفع المعدة ويسكن الرياح، وينفع أصحاب المزاج البارد والمفلوجين ومرض الكلى، ويسخن الظهر، ويقلل المني والدم، وأما إصلاح طبيخه فهو بالماء والملح والخل، حتى تخرج قوته ثم يصب ويعاد عليه مثله وهو حار، ويطبخ مدة طويلة ثم يصب عنه ويعاد ذلك ثلاث مرات ثم يترك حتى يبرد ويقطع قطع صغارا ثم يصب عليه الزيت أولا ثم المريء ثم تقطع عليه البقول أو ينقع في الخل يوما وليلة، ثم يرفع منه ثم يغسل بالماء بعد نقعه فيه يوما، ثم يصب عنه ويكرر ذلك مرات حتى تزول الحموضة، فيطيب طعمه، أو ينقع في الماء والملح يوما وليلة، ويراق عنه الماء، ثم يكرر ذلك مرات حتى تزول مرارته وتذهب ملوحته ويطيب طعمه، فيأكل بالخل والمريء والزيت أو يطرح في الطبيخ فيطيبه.

واللوف ويسمى قليحوش، ومنه صنف كبير، وله أصل مستدير، ويقوم على ساق موشى مثل جلد الحنش، وهو العرطنيثا. ومن اللوف الجعد ومنه السبط، والجعد أسخن، والصبط ثمره أصغر من ثمر الجعد وطوله شبر وهو يشبه بصل العنصل. والمستعمل من العرطنيثا أصله وهو بخور مريم، وله شوك كثفي قصير له أصل ابيض، يغسل به الصوف، يغرس أصله في آب عند أطراف الحدائق حيث لا يكثر المشي، ومنه صنف له ساق بطول شبر تقريبا ولونه يميل إلى الفرفيرية، وعليه ثمر لونه لون الزعفران، ولا حدة فيه. والبري فيه حدة وورقه كبير فيه نقط بيض، وقد يكون لونه لون البنفسج ممتلئ مدور غليظ جدا، وقد يطبخ ويأكل بالصباغات والأبازير والبقول، وقد يستعمل الأصل والورق في الطبيخ، ويعمل منه خبز وهو يشبه اللوف، وينبت في الفيء وفي المواضع الباردة، وقد يشبه ورقه ورق اللوف ويسمى الدارصطول، يرتفع على ساق لا عقد فيه، وهو منقط منقوش بنقوش لها ألوان كثيرة، وطوله نحو ذراعين أو اكثر وله حمل كأنه عنقود عنب، فإذا نضج صار أصفر، وأصله كبير مستدير عليه قشر غليظ وهو ينبت في السباخ المشمسة قليلا، وهو نبات في طبعه البعد عن العفن ولا يأكل أصله إلا مطحونا لتزول زغارته بالدق والطحن. واللوف السبط حار يابس في آخر الأولى، والجعد في آخر الثانية، وهو يفتح الانسداد ويقطع الأخلاط الغليظة اللزجة، وأصل الجعد يجلو الكلف والبهق والنمش إذا خلط مع العسل، وورقه نافع للجراحات المستعصية، وهو ينفع من الربو العتيق، وإذا دلك البدن بأصله لم تنهشه أفعى، وثمرة الجعد تسقط الجنين ويتولد من أكله خل غليظ، ورماده يبيض الأسنان وينزل ما في الرأس من الفضلات، وأن علق لوفة جعد في خرقة صوف حمراء في عنق الكبش الذي يقدم الغنم رفع الضرر عن تلك الغنم كلها والعرطنيثا حار يابس في الثالثة محلل جيد لأوجاع الوركين، معطش ينفع من فتح انسداد الأنف ويدفع الفواق، ويسقط الأجنة، وينفع السموم وشربه يورث الغثيان حتى ظانه ربما خنق أو أضعف القوة ويعالج بالتقيؤ والحقنة القوية.
========


علم الملاحة في علم الفلاحة/الباب العاشر









طلاسم دافعة وخواص أشياء مانعة

وملح ونوادر نافعة، وما يعمل به خلال السنة باعتبار

الأيام والشهور وذكر الفصول الأربعة

الطلاسم

هناك طلسم يزرع في نشوء الشجر، ويحفظ الثمر وطريقته أن يؤخذ من الإذخر البابلي والحجازي مقدار أربعة عشر رطلا ويحفر له في الأرض الندية حفرة بطالع البرج الذي فيه القمر أي برج كان في أي وقت كان، من ليل أو نهار، ويجعل ذلك الإذخر فيها، ويفرش تحته وفوقه روث البقر، ويغطى بالتراب، وبعد إحدى وعشرين يوما يكشف عنه ويترك مكشوفا للشمس، فإذا يبس يدق مع ما خالطه من الروث والتراب دقا ناعما ثم ينظر إلى شجرة قد غرست قريبا وقد نبتت أو قاربت النبات، فيحفر في أصلها قليلا وينبش جيدا، ويجعل فيه ذلك الإذخر ملاصقا لساقها، ويرش عليه الماء ويترك، فإن تلك الشجرة تنبت وتنشأ نشئوا حسنا، وتزيد زيادة ليست كالمعهود، حتى يتعجب من جودتها، وليكن الطالع برج السرطان، وفيه القمر، أو برج الثور وفيه القمر، ويعمل مثل ذلك بالشجر لا مثمر وغيره صغيرة وكبيرة.

وطلسم آخر يحدث للكروم والشجر من القوة والنضارة والجمال ما يرى عجبا، وتعالج به الأشجار الضعيفة فتفلح، يؤخذ اذخر في أول كانون الأول وينشر ي الشمس ويقلب يوما واحدا في الهواء حتى ييبس جدا، ثم يوضع في موضع ندي ويرش عليه ماء ويترك مغموما سبعة أيام أو تسعة حتى يعفن ويسود، ثم يجفف في الهواء والشمس حتى تذهب النداوة، ثم يسحق ويخلط بمثل سدسه رماد بلوط أو ما يقوم مقامه، ويلتّ بقليل من عكر زيت وتزبل به الكروم والشجر.

وطلسم آخر لاستئصال الحشائش الدغلة من الأرض، ويصنع من تراب مدافن الموتى الذي قد استحال من جثثهم، وإن وجد في خابية قديمة أو شبهها مما كان يجعل فيه الموتى قديما وقد صاروا ترابا أو من ناووس فهو أجود، يؤخذ من ذلك التراب، ويدق ناعما ويعجن بدم الناس أو العصافير وهو أبلغ ويعجن ويزاد عليه شيئا بعد شيء من زيت حتى يصير مثل الشمع ويعمل منه صورة إنسان مبسوط اليدين كالرجل المصلوب، ويتم عمله بأن يؤخذ من الشبارم بما يقدر عليه وأفضله ما كان ورقه كورق الزيتون، فيحرق ويجمع رماده، ويخلط بالتراب المذكور أعلاه الذي يعمل منه الطلسم، ويصور على أحد وجهي الصورة صورة أحد الشبارم بمداد ما على صدرها أو على ظهرها، وله طريقة ثانية أحسن وهو أن يجعل التمثال في الشمس إذا صارت في أول درجة من برج السرطان يوما واحدا أو يومين وهو أجود، ثم يؤخذ فيجعل في موضع توقد فيه النار دائما، وليكن بعيدا عنها نحو ذراعين أو ثلاثة أو أربعة بحسب قوتها بحيث لا تطبخه شدة حرارتها فتحرقه، بل يصيبه حرها عن بعد ويترك سبعة أيام، ثم ينصب على صليب من قصب قوي يكون أعلاها على هيئة الصليب، ثم تشد الصورة على ذلك الصليب بخيط صوف ثم تركز تلك القصبة في الأرض التي أضر بها أي نوع كان من الحشائش كبيرها وصغيرها فإنها رويداً رويدا تحترق وتيبس كلها بعد مضي أيام.

طلسم آخر يحفظ الكروم من الآفات ومن ضرر البرد والسحاب والرياح الشتوية وغيرها. وطريقته أن يؤخذ لوح رخام أو خشب ويصور عليه كرم فيه عنب كثير، وإن صورت عناقيد العنب كان أحسن ويكون ذلك في ثاني عشرين تخلو من كانون الآخر إلى أربع ليال تخلو من شباط في أي يوم كان منها، ويقال مركوزا في وسط الكرم، فإنه فيعل فعله ويحفظها ويكثر ثمرها.

طلسم فيرق الجراد وهو أن يعمل تمثال جرادة من نحاس توضع فيه جرادة ويسدّ بشمع ويدفن حيث يريد الإنسان أن يتفرق الجراد فيتفرق ولا تعيش جرادة في تلك الناحية.

طلسم يجتمع إليه الجراد من كل مكان وطريقته أن تصنع ثلاثة تماثيل من نحاس على هيئة جرادة كل واحدة تفتح شبرا على مثل الجراد ويجعل في كل تمثال خفاشة ويشد بشمع ويعلق على شجرة فيجتمع عليه الجراد من كل ناحية.

طلسم آخر يقضي على الحشيش الضار بالزرع وهو أن تأخذ خمسة عيدان من شجر الدفلة فينصب منها عود في وسط الحرث وأربعة عيدان في أربعة نواحي منه في كل ناحية عود فيزول النبات الضار.

طلسم فيرق الحيات وطريقته أن يصنع تمثال حية من نحاس، ويجعل فيها قرن الأيل الأيمن ويحفظ في مكان ويدخن، فإنها تهرب منه ولا تقرب ذلك المكان أبدا.

طلسم يجمع الحيات وطريقته أن يصنع تمثال حية مجوف من نحاس، ويجعل فيها قرن الأيل الأيسر ويترك التمثال في موضع ما فإنها تجتمع في ذلك الموضع من كل مكان.

طلسم يوضع على المائدة فيهرب الذباب منه وهو أن يخلط كندس حديث وزرنيخ أصفر بمقدارين متساويين فيسحقان ويعجنان بماء بصل الفار، ويعمل منه تمثال يوضع على المائدة فلا يقربها ذباب ما دام عليها.

طلسم آخر وهو أن الجارية العذراء التي آن نكاحها إذا أخذت ديكا وهي عريانة منشورة الشعر ثم طافت به حول الزرع فإنه يسلم من الآفات ويهلك الزيوان لوقته.

طلسم لطرد الفار والطير المؤذي للزروع والحبوب والفواكه وطريقة صنعه أن تصور بالأسود صور سنانير من طين أو من كاغد أو تصلب على خشب في مواضع عدة من المزرعة، فإن الفار والطير وشبهها يفر منها ولا يبقى منها شيء، وكذا إذا صيد طير من تلك الطيور ثم صلب أو علق في حبال في وسط المزرعة فإذا حركته الرياح، هرب كل طير من نوعه.

الأدخنة دخنة لطرد الزنابير والنحل والخنافس الطيارة وبنات وردان الطيارة والذباب والبق الطيار وما أشبه ذلك عن الكروم وغيرها. وطريقة صنعها يؤخذ من بصلة الفار وزنها خمسون درهم تدق في هاون حجر برفق قليلا ويخلط معها في أثناء الدق مثل وزن نصف البصلة من روث البقر مدقوقا ويطرى بخل خمر ويسحق حتى يصير كالمرهم لا ينفصل ثم يبسط على قطعة خام ويترك حتى يجف، فإذا أريد طرد شيء مما ذكر دخن به في وسط القرية أو المزرعة أو الداراق حيث كان مدة ست ساعات متواصلة فأنه لا يبقى من تلك الهوام شيء في تلك الناحية.

دخنة تطرد الجرذان البرية والفار، وطريقة صنعها ان يؤخذ وعاء من خزف كجرة ويملأ بتبن مخلوط بقطران، ثم تسد مخارج حجور تلك الحيوانات إلا مخرجا واحدا توضع عليه تلك الجرة وتخرق من أسفلها خرقا توقد فيه نار وينفخ على تلك حتى يدخن التبن والقطران فتهرب الجرذان التي في الجحر من الدخان إذا أصابها.

دخنة تطرد الحيات والأفاعي من البساتين والكروم والضياع والبيوت وذلك بالتدخين بقرن الأيل دخانا دائما. دخنة أخرى من ظلف الماعز وقرن الأيل وأصول السوسن إذا سحق ذلك مع بندق وبخر به البيت هربت منه الهوام. ودخنة تطرد الهوام وتمنع ظهور النمل من أحجرتها وذلك وهو حرق روث البقر في المكان وأن بخر بأطراف الأزادرخت هربت منه جميع الهوام وكذلك إن بخر بزرنيخ مخلوط بشحم البقر، أو دخن بقرن الظبي، وإذا بخر الكرم أو أي شجر بعظم الفيل يقربه دود، واللوز والنظرون إذا بخر به عند جحر الفارة ماتت من رائحته، وحافر البغل الأسود الأيسر، إذا بخر به هربت منه الفأرة وإذا بخر بشعر النمس مكان هربت الحيات والعقارب من ذلك المكان وإذا بخر ببزر الرشاد هربت الهوام على أنواعها وكذلك ورق الفجل، إذا دخن به يطرد الهوام وإذا افترش ورقه في موضع النمل قبل ظهورها لا تظهر والتبخير بريش الحمام وبريش الرخم يطرد الذباب، والتدخين بالخردل يطرد الهوام عن المكان، الملح والنوادر تطرد الطيور عن الشجر المقمر بتعليق أصول الثوم في مواضع شتى منه فإنها لا يقربها، وكذلك إذا طليت شجرة من نواحيها الأربع بثوم مدقوق.

ومما يطرد الخنازير والكلاب والسباع أن يطبخ الشعير مع الدفلى ويجفف ثم يعجن بماء بصل الفار ويلقى على طريق الخنازير فإنها إذا أكلت منه ماتت بساعتها. واللوز المر يقتل الخنازير والكلاب وأكثر السباع، وإن أخذ شحم ماعز ولوز مر مدقوقا دقا جيدا وطرحت قطع منه على طريق السباع فإنه تأكله وتموت، وكذا إذا دق كندس وخربق أسود وطرح للسباع وأكلته قتلها، والعنصل من خواصه أنه حيث ما وضع لا يقربه شيء من الهوام البتة كالأفاعي والحيات وغيرها وبل العنصل إذا دق ثم جعل على جحور الفأر فرائحته تقل الفأر. وإن طرح في جحور الفار رماد حطب البلوط هربت الفئران من رائحته وصارت تأكل بعضها بعضا. وإن أخذت فأرة وسلخ جلد وجهها ثم أطلقت في البيت أو في المخزن هربت منها سائر الفئران هناك. وإذا دفن حافر بغلة سوداء أو دهماء أو حافر برذون تحت عتبة باب البيت لا يقربه فأر. وإن بخر به هرب الفأر وسائر الهوام. وإن أخذت فأرة فقطع ذنبها ودفنت في أساس بيت لا يدخل البيت فأرة، وقثاء الحمار إذا دق أصله وجعل في بيوت الفيران فأي فأر شم رائحته مات بوقته. والرهج المعروف بسم الفأر لا يضاهيه شيء لقتل الفأر إذا أكله.

وقثاء الحمار إذا رش بمائه على شجرة أو زرع لا تقربه جرادة إلا هلكت، وإن أخذ من الجراد جرادة فأحرقت هرب باب الجراد من ذلك المكان، وكذلك النمل والعقارب إذا فعل بواحد منها قتل ذلك. وإذا علق رأس خفاش على الشجرة العالية عند مجيء الجراد لا ينزل بذلك المكان ودخان قرن الثور يقتل الجراد. وريش النعام إذا علق في بيت هربت منه الحيات والأفاعي، وإذا شمته غشي عليها، وإذا دق الأسارون وجعل بماء الكرم وطلي به حبل وأداره النائم على نفسه في موضع يخاف فيه من الهوام أمن على نفسه من سائر الهوام والحيوان والوحوش. وإن نقع الحنظل والعوسج ورش به موضع هربت منه الهوام، وإن دخن البيت بورق القرع هرب منه الذباب، وإذا وضعت قشور الفجل في البيت هربت منه العقارب. ودخان العقارب يقتل العقارب. وإذا خفت على موضع من برد أو ثلج أو جليد ونحوها فخذ بيدك خطافا وامسكه بيمينك ثم ارفع وجهلك إلى السماء وادفنه في وسط القرية أو حيث شئت وأنت كذلك لا تنظر إليه، فإنه لا يقرب ذلك المكان ثلج أو جليد وأن فسد أصل الشجرة من البرد وعلامته احمرار ورقه. دق الرجلة وهي البقلة الحمقاء وتطلى بها أصل الشجرة وعناقيد الكرم، ومفاتيح الإغلاق إذا شدت في حبل وعلقت حول قرية يخاف عليها من البرد انحرف عنها البرد وقلب البومة الكبيرة إذا شد في جلد ذئب وعلق على الساعد أمن واضعه اللصوص وسائر الهوام وصار لا يخاف أحدا وأصبح مهابا معظما عند الناس. ومن أراد ان يطرد الزنابير عن العنب وسائر الفواكه فليرش عليها زيتا، ومن علق على أصل الكرمة قدر شبر من جلد ضبع لا يقربه دود وأن أخذ جلد ضبع فربط على المكيال عشرة أيام ثم كيلت به الحبوب وزرعت، فإنها تأمن من الطير والدود والفأر.

والسداب البري عدو للسباع كلها، فأن جعل في برج حمام أو علق تحت أجنحة الدجاج لا يقربه نمس ولا قط. والقطران إذا قطر في قرية النمل شيء منه ماتت، وإذا سحق الوجّ وهو الأيكر بماء الكندر ورش به سقف بيت وزواياه لا يبقى فيه شيء من الهوام والذباب، ومما يطرد النمل أن يذرّ في قريتها كبريت وزيت أو يجعل على باب قريتها وطواط، وإن طليت الشجرة بمرارة بقر أو بالزيت لا يصعدها نمل، وكذا إذا دق الترمس بالكلس وطليت به الشجرة لا يصعدها النمل. ومما تهرب منه العقارب الروائح الطيبة كلها. كالعود والعنبر والكافور والمسك والزعفران. ومما يصطاد به الطير إذا أخذ بنج وأصوله ونقع في الماء يوما وليلة ثم ألقي فيه قمح وطبخ جيدا ثم يعزل القمح ويرمى به في مراعي الحجل والدلم والطير كله، فإذا أكل كنه شيئا تحير حتى يؤخذ باليد، أو يؤخذ زرنيخ أحمر فتطبخ معه الحنطة، ثم يلقى للطير، فإذا أكل منه لا يقدر على الطيران. وإن طبخ عدس بماء الكلس ثم جفف ونثر للطير، فإذا أكل منه سكر. وإن طبخ البنج والخربق بالماء ثم نقع فيه الشعير ثم جفف في الظل وطرح للكراكي وغيرها من الطير فأكلته سكرت حتى تؤخذ باليد. وإذا طبخ الباقلا بعصارة الدفلى والخل الحاذق وجعل في مواضع الطير فإذا أكلت منه عجزت عن النهوض وصيدت باليد.

وإذا أردت مما تعلم به حال السنة من حيث غلاء الحنطة ورخصة ومعرفة الأيام والفصول والشهور، فإذا كان النصف من تموز فخذ اثني عشر مثقالا من الحنطة النظيفة الخالصة، واجعلها في قارورة بحيث لا تختلط بشيء واتركها إلى الغد وزنها وانظر هل نقصت أو زادت وسمّ ذلك اليوم المحرم ثم زنها ثاني يوم وانظر هل نقصت أو زادت وسمّ ذلك اليوم صفر، ثم زنها ثالث يوم وانظر هل نقصت أو زادت وسمّه ربيع الأول وهكذا تفعل كل يوم إلى تمام اثني عشر يوما على تمام اثني عشر شهرا وهو شهور السنة، فاليوم الذي زاد فيه وزنها يزيد سعرها في الشهر الذي سميت به واليوم الذي نقص فيه وزنها ينقص في شهره سعرها.

واعلم - والله بكل شيء عليم - إن اعتبار السنة في مدخلها بكانون الثاني بحسب أيا الأسبوع، فإن دخل كانون الثاني يوم السبت، فإن الزيت والكرم يقلاّن تلك السنة بأرض الشام وتأتي رياح وييبس أكثر الزرع ويرخص الشعير، وتقل الحنطة، ويكون الشتاء قليل المطر والصفي شديد الحر. ويكثر العدس والحمص ويقع في نيسان برد وجليد، والتشرينان يكونان يابسين وترخص الحنطة في أول السنة وتغلو في آخرها، ويقل التين والفستق. وإن دخل في يوم الأحد فإن الشتاء يكون معتدلا، ويكثر المطر والعشب، ويكون الحر شديدا، والربيع كثير الرياح، ويخصب الزرع، ويجود الكرم ويتأخر القطن في خروجه، ويكثر المطر في كانون وآذار. وفي نيسان ييبس الثمر الصغير ويفسد وتكن الغلة جيدة، ويقع ريح في الشمال، ويكثر المرض في التشرينيين وإن دخل يوم الاثنين يكون الغلاء في بلاد الروم والبلاء يقع في نواحي الشرق، ويكون الزرع جيدا خصيبا ويأتي برد ورياح، وتزيد الأنهار، ويشتد البرد في كانون الثاني وشباط وتتحسن الغلة، ويكثر الزبيب والقطن، ويجود ثمر الصفي، ويكون الحر معتدلا، ويقل العسل كما يكون الشتاء معتدلا والخرفي طيبا.

وإن دخل يوم الثلاثاء فإن الشتاء يكون كثير البرد والثلج، والربيع يابسا وينقص الزرع لكن يكثر الشعير، وتجود الكروم لكن ينقص الثمر بأرض الشام إلا الزيتون والفستق. ويقل نزول المطر أربعين يوما وتزدادا الأنهار ويكثر العشب وتكون غلة الجبل أكثر من غلة السهل، وبعض الثمار يصيبها يرقان، ويغلو الشعير أول السنة، ويرخص في آخرها، ويخصب الشجر والثمر بالموصل، ويقع الموت بالغنم. وإن دخل يوم الأربعاء فإنه يلحق بالزرع جفاف لكن تكثر الفواكه ويكون الشتاء قليل البرد، ويخصب الزرع بمكة واليمن، ويكثر الحر فيهما، وتكثر الغيوم، وتقل الأمطار، وترخص الحنطة والزيت، ويكون غلاء في آخر شباط، وريح ورعود وبرق وزلال في نيسان وأيار، وتحسن الفاكهة وتنقس الكروم وتقل. وإن دخل يوم الخميس فإنها تكون سنة صالحة يكثر فيها العنب والتين ويكون الشتاء قليل المطر وتخصب الأرض وتجود الغلات، ويكثر فساد الفاكهة، ويقل العسل ويكون الحر شديدا وتهيج الرياح في التشرينين. وإن دخل يوم الجمعة، فإن السنة تكون مباركة والشتاء قليل المطر والربيع طيبا رطبا ويثمر الشجر وتفيض الأعين ويكثر المطر بنواحي الجبال، وتؤذي الرياح الأرض العالية، وتمتد انهر الشام وتزكو المراعي فيها ويصيب الشعير نقص، وتكثر في الجمال والخيل الأوجاع كما تكثر الأمطار في ناحية الروم وتزكو مراعيهم وزروعهم لكن يكثر فيها اليرقان، ويكون النيل متوسط الزيادة، وتجود تجارة القطن والزيت.

وقال دانيال: أن أردت أن تعلم ما يكون من أول الشهر إلى آخره فاعلم بأن اليوم الأول خلق الله فيه آدم عليه السلام وهو يوم جيد لالتماس كل حاجة، وللقاء الملوك والحكام، ولبدء كل صناعة، ولمشتر الحيوان والانتقال، ومن هرب فيه لحق، ومن خرج فيه مسافرا وصل سريعا، ومن ولد فيه سلم من الآفات، ومن مرض فيه شفي سريعا ومكاتبة الأخوان فيه مشكورة. وفي اليوم الثاني من الشهر خلق الله فيه حواء فهو جيد للتزويج والشركة والبيع والشراء والقرض والضمان وللقاء السلاطين واتخاذ أصدقاء والانتقال، ومن يهرب فيه يلحق ومن ولد فيه سلم وعاش سعيدا موفقا، ومن ادخل فيه ولدا في صناعة تعلم سريعا. واليوم الثالث، يوم مكر كله فاستعذ بالله من شره، ومن مرض فيه طال مرضه. واليوم الرابع ولد فيه قابيل، وهو جيد لسائر الأمور ومن أوله إلى آخره، ومن بدء فيه بزرع أو عمل أفلح، ومن نازع فيه خصمه قهره، ومن هجم فيه على أمر بلغه وسهل عليه، لكن يجب أن يتوقى آخره، ومن هرب فيه لم يلحق، ومن مرض فيه اشتد مرضه، ومن شرب دواء وافقه.

واليوم الخامس ولد فيه هابيل المقتول، فمن ولد فيه يكون صادقا، ومن مرض فيه يشتد مرضه، فأن جاوز خمسة أيام نجا. واليوم السادس جيد فمن زرع فيه زرعا بارك الله له في زراعته، ومن سافر فيه ربح، موقوف للتزويج والبيع والشركة والقرض والضمان، ومن يمرض فيه يشتد مرضه. واليوم السابع جيد لكل حاجة وللقاء الملوك وللسفر ولإخراج الدم وللشفاعة للمحبوس، ومن يهرب فيه يلحق، ومن مرض فيه خيف عليه. واليوم الثامن جيد للسفر في البر والبحر ومبارك لقضاء حاجة وللقاء سلطان، ومن مرض فيه جاوز ثمانية أيام دون أن تفارقه الحمى في الوقت الذي أخذته فيه يموت، ومن ولد فيه لا يفلح واليوم التاسع جيد لفلاحة الأرض، وللبيع، ولاسيما الحيوان، ومن سافر فيه بلغ حاجته، ومن مرض فيه يطول مرضه. واليوم العاشر فيه مرض نوح عليه السلام فمن ولد فيه كان مرزوقا لا يفتقر ولا يُلقى فيه سلطان، ومن هرب فيه يلحق، ومن مرض فيه لا تفارقه الحمى عشرة أيام ثم يموت وهو يوم جيد للصيد. واليوم الحادي عشر يوم صالح للسفر ولابتياع الحيوان، ومن ولد فيه تكون معيشته صالحة ومن مرض فيه يبرأ، ومن هرب فيه يلحق.

واليوم الثاني عشر يوم مبارك فمن ولد فيه يرزق حظا كبيرا من سلطان وجاه، ويكون كسابا وللخير موفقا، ويطول عمره، لكن يخشى عليه من الخصومة وفيه لا يقص شعر ولا ظفر ولا يغسل رأس ومن مرض فيه يطول مرضه لكنه بعد أخذ الدواء يبرأ. والثالث عشر استعذ بالله من شره، وإياك ولقاء سلطان فيه لكنه جيد للصيد، ومن ولد فيه كان مرزوقا ولا يفتقر، ومن مرض فيه يطول مرضه فإذا أخذ الدواء شفي. والرابع عشر يوم جيد فمن ولد فيه يكون حسن الخلق والخلقة، ويكون طالعه قويا، وهو جيد للقاء الملوك، ومن هرب فيه لم يلحق، وهو جيد للتزويج. والخامس عشر يوم صالح لكل شيء إلا للسفر والبيع والشراء ومن ولد فيه ينكب لكن يكون له ثناء وذكر، ويكون أخرس، ومن هرب فيه يلحق، ومن ناظر خصمه غلبه، ومن مرض فيه يخشى عليه من الموت ويطول مرضه. والسادس عشر من سافر فيه هلك ومن ولد فيه ربما يكون مجنونا، ومن هرب فيه يلحق، ومن مرض فيه لا يخاف عليه ويبرأ بالدواء، وهو جيد للزرع والعمارة والتجارة.

والسابع عشر، يوم جيد لكل حاجة، مبارك أوله، ومن ولد فيه لا يفلح، ومن هرب فيه يلحق ويقع في شدة عظيمة، ومن مرض فيه لا تدعه الحمى ويكون موته أقرب. والثامن عشر يوم جيد للسفر في البر والبحر ولكل حاجة وسبب، ومن له خصم ظفر به وردّ الله عنه كيده ومن ولد فيه طال عمره وعاش سعيدا موفقا. والتاسع عشر يوم مبارك طالعه جيد لكل حاجة ومن ولد فيه كان ميمونا. والعشرون من سافر فيه يلقى الخير الكثير والنجاح ويكون محبوبا، ومن مرض فيه نجا. الحادي والعشرون من الشهر يوم جيد لقضاء جميع الحاجات ومن سافر فيه سلم وغنم، وهو يوم محمود العاقبة، ومن مرض فيه كان عليه خطر، فإن مرت عليه سبعة أيام نجا، ومن هرب فيه لا يلحق، وما ضاع فيه وجد. والثاني والعشرون يوم رديء مذموم لا خير فيه، فاستعذ بالله من شره وألزم فيه بيتك ولاتبع فيه ولا تشتري، ومن مرض فيه طال مرضه وأحاط به الخطر، ومن يهرب فيه يلحق، وما ضاع فيه يوجد.

والثالث والعشرون يوم جيد للقاء السلطان، ولقضاء الحاجات وللسفر والتزويج، ومن ولد فيه كان حسن الخلق والخلقة، صادق اللهجة، ومن مرض فيه طال مرضه، ومن يهرب فيه يلحق. والرابع والعشرون يوم جيد لقضاء الحاجات والسفر والربح والشركة والضمان وسائر الأعمال وللقاء السلطان، ومن سافر فيه نجا وغنم، وهو يوم محمود العاقبة. والخامس والعشرون يوم نحس فاستعذ بالله من شره وأحذر منه، ولو أمكنك أن تختبئ تحت الأرض حتى ينقضي فافعل، ومن خاصم فيه انتصر عليه عدوه وظفر به، ومن يهرب فيه يقتل أو يأكله السبع، ومن مرض فيه طال مرضه حتى يشرف على الهلاك ويبقى في خطر مدة إحدى وعشرين يوما. وهذا اليوم ولد فيه فرعون ومن ولد فيه يكون رئيسا. والسادس والعشرون يوم نحس كذلك كفاك الله شره وشر ما يحدث فيه، ففيه ضرب الله أهل مصر بسبع آفات، ومن مرض فيه يقع من موضع عال، ومن يولد فيه يكون شديد الإحساس. والسابع والعشرون يوم جيد للسفر ومن ولد له فيه ولد كان مرزوقا، وهو صالح لقضاء الحاجات وفيه ضرب موسى عليه السلام البحر فانفلق، ومن مرض فيه كان أكثر وجعه من ركبه، وإن مرت عليه سبعة أيام نجا.

والثامن والعشرون يوم جيد للبيع والشراء لا سيما الحيوان ولا يصلح لاستئجار العمال، ومن مرض فيه ومرت عليه ثلاثة وعشرون يوما نجا، ومن ولد فيه يكون موفقا للخير، ومن لقي فيه السلاطين قرّت عينه ومن ينازع فيه غريمه يلقَ منه خيرا كثيرا. والتاسع والعشرون يوم نحس كفاك الله شره، ومن مرض فيه واجتاز تسعة أيام نجا، ومن هرب فيه لم يلحق، ومن ولد فيه طال عمره، ومن ينازع فيه غريمه يلق منه الخير الكثير. والثلاثون يوم جيد لقضاء سائر الحاجات ومن ولد فيه يستغني آخر عمره ويكون صادق اللهجة، ومن مرض فيه لا خوف عليه وينجو من مرضه والله أعلم بغيبه وأحكم.


محتويات
1 بيان الفصول الأربعة
1.1 فصل الربيع
1.2 فصل الصيف
1.3 فصل الخريف
1.4 فصل الشتاء
بيان الفصول الأربعة

فصول السنة الشمسية وكل شهر بالسريانية والعجمية والفارسية وما في كل شهر من أعمال الفلاحة، وما جرت به العادة من زيادة ونقصان، ونزل الغيث والثلج والجليد، وما لكل فصل من البروج والمنازل، وما يصير من خواص الفلاحة، وكل أمر عين في شهر متى نفذ في غيره لم تظهر له منفعة كما لو نفذ في ذلك الشهر.
فصل الربيع

فيه خلق الله الخلائق، وهو ثلاثة أشهر، وله ثلاث بروج وهي: برج الحمل والثور والجوزاء، وله سبع منازل، وهي النطح والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع أوله ساعة نزول الشمس للحمل، وذلك في الثالث عشر من آذار بالسريانية والرومية واسمه مارس بالعجمية، ومردادماه بالفارسية، وبرمهات بالقبطية، عدد أيامه واحد وثلاثون يوما، وفيه يتساوى الليل والنهار ثم يأخذ النهار في الزيادة والليل في النقصان، ويبدأ فيه بفلاحة الأرض ويقلب ما تحت الأشجار وتبقى أصولها وفيه تشذب الكروم وتقطع قضبانها وتنوّر فيه، ويذكَّر النخل، ويعقد الفول، وتزرع القطاني، وقد يزرع فيه القمح والشعير إذا توقف الغيث فيما قبله، ويظهر في أول الورد والسوسن الكسروي، وفيه يجمع الجلنار وتركب الكروم قبل طلوع الأغصان من العيون النابتة فيها، ويزرع الاسفيناخ المتأخر وبزر الخيار الباكر والحمص المقاتي والقطن والعصفر والريحان والحبق والمردكوش. وشهر نيسان ويدعى أبريل بالعجمية وبرماه بالفارسية وبرمودة بالقبطية أيامه ثلاثون يوما، وهو زمن الورد، وفيه يخرج ماؤه ويصنع شرابه ودهنه فيه وفيه يعقد التين، ويؤكل الفول والحرشف، وتزيد مياه العيون، وفي سادسه أول نوء السَّماك وهو ثالث الأنواء المباركة، وفي خمس بقين من آخره مطر نيسان إلى خمس تمضي من أيار، وفيه يدرك اللوز وتنعقد الثمار، ويحصد الشعير الباكر، وتؤكل فيه الحنطة، ويجف العشب، ويغرس فيه الباذنجان وقضبان الياسمين، وتضرب فيه أوتاد الأترج، وتزرع الحنَّاق والأرز واللوبياء والخيار والتفاح ويدرك النخل، ويقلَّم سعفه، وتطلق فحول الخيل على الإناث بعد تمام وضعها. ومدة حملها أحد عشر شهرا. وتكون الفحول مع الإناث سبعين يوما، أولها ونصف نيسان، وآخرها يوم العنصرة، وهو الرابع والعشرون من حزيران.

وشهر أيار بالسريانية وهو مايو بالعجمية، ومهرماه بالفارسية، وبشنش بالقبطية، وعد أيامه واحد وثلاثون يوما وفيه يبدأ سكان الساحل بالحصاد، ويقلع فيه الفول والكتان، ويظهر فيه زهر السوسن، وباكورة الثمار، كالتفاح والأجاص والتين، ويعقد الزيتون والعنب، وتنقص فيه المياه، وتسقى فيه الأشجار كلها إلا التين، وتحفر الكروم الحفرة الثالثة، لأن الأولى في آذار، والثانية في نيسان، وفي أول يوم منه تطلق فحول البقر على إناثها وتترك معها أربعين يوما، وحمل البقر أحد عشر شهرا، وفيه يغرس بصل الزعفران.
فصل الصيف

له من البروج: السرطان والأسد والسنبلة، وله سبع منازل، النثرة، والطرفة، والخرثان، والصرفة، والعوا، والسماك. وأوله وقت نزول الشمس برج السرطان، وذلك في الثالث عشر من حزيران بالسريانية وهو يونيو بالعجمية، وأبار ماه بالفارسية، وبون بالقبطية، وعدد أيامه واحد وثلاثون يوما، وفيه ينتهي طول النهار وقصر الليل، ويأخذ النهار بالنقصان والليل بالزيادة، وفيه المهرجان الذي يسمى العنصرة ويقع في الرابع والعشرون منه، وفيه يطيب العنب المبكر والتين وبعض التفاح والأجاص ويعقد الجوز والصنوبر والفستق، ويظهر البطيخ، وفي منتصفه يحصد القمح وتجز أصواف الضأن، وتطلق الكباش الفحول على إناث الضأن وتطلق التيوس على إناث المعز. وقال أهل التجربة إن ما زرع وحصد يوم العنصرة لا يسوس، وفيه تشق أصول الكرم وتنقَّى من العشب وبذلك تعظم عينه، ويسرع إدراكه، وتقوى شجرته، والشق هو الحفر الخفيف.

وشهر تموز واسمه يوليو بالعجمية وايدرماه بالفارسية واييب بالقبطية، أيامه واحد وثلاثون يوما، فيه تطيب الكمثري والعنب، وينضج البطيخ، وفي صدره تذهب البراغيث، وفيه أيام السموم الصيفية وهي أربعون يوما، أولها الحادي عشر منه، ويجمع فيه بزر القرطم والخطمي والريحان والخس والحبق والبطيخ والقثاء والخيار وما أشبه ذلك. وفيه يدرك الرمان ويحمر البسر، ويقطع القصب القبطي، وتمشق أصول الزيون وغبار ذلك المشق نافع لثمرها، ويكون قبل طلوع الشمس أو مع طلوعها، أو بعد ساعة من طلوعها فإن التراب يكون حينئذ باردا وتطمر به شقوق الأرض لئلا يصل الحر منها إلى أصول الأشجار، وينبغي أن لا يغرس فيه شجر ولا يزرع فيه بزر لإفراط الحر فيه.

وشهر آب اسمه أغثت بالعجمية وديماه بالفارسية ومسرى بالقبطية، وعدد أيامه ثلاثون يوما، فيه بقية أيام السموم الصيفية، وهي عشرون يوما من أوله، وفيه يبدأ نزول الندى وينكسر الحر، ويبرد الليل في آخره، ويجمع فيه اللوز، وقيل ما يقطع من الخشب بعد ثلاثة أيام منه لا يسوس، ويؤكل فيه الخوخ الأملس ويبدأ فيه الرطب والعناب بالنضج، ويحصد الأرز ويعقد البلوط، ويجمع الخروب، وبزر القرطم، وبزر النيل، والكزبرة، والسمسم، وبزر البطيخ، والقثاء والخيار، والأحباق، وإن أبطأ نضج العنب فيه يغبر فإن جميع الأشجار ينضجها الغبار الذي عليها، وتمشق فيه أصول الزيتون، فإن غبار الشق يسرع في إدراكها، وهو أجود لدهنها، ويزرع فيه اللفت المدحرج والطويل من أوله والخيار المتأخر.
فصل الخريف

له من البروج الميزان والعقرب والقوس، وله سبعة منازل: الغفر والزبانا والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة، وأوله يوم نزول الشمس برج الميزان، وذلك في الخامس عشر من أيلول واسمه استنبر بالعجمية وبهيماه بالفارسية وتوت بالقبطية، وهو ثلاثون يوما وفيه يعتدل الليل والنهار ثم يأخذ النهار في النقصان والليل في الزيادة، وفيه يغطى شجر الأترج والياسمين والموز والريحان والليمون والقلقاس والنارنج وشبهها لئلا يؤذيها البرد والثلج والجليد، فيصنع لها قبات تكون عليها مدة البرد إلى منتصف آذار أي مارس والى نيسان، فينزع عنها، وفيه ينضج الخوخ والرمان والسفرجل، ويسوّد الزيتون، ويطيب القسطل والبلوط والمشتهى، ويفرط الجوز، ويجمع الصنوبر والعناب، ويظهر بعض الهليون وفيه يبدأ بالحرث والزرع بعد نزول الغيث في بعض البلاد، وتجمع الكراويا والكمون واللوبياء وبزور الأحباق والأرز والكزبرة، وتقلع الحناء وفيه ترسم الحدائق التي تحتاج إلى التركيب ليركب منها،، وربما يركب فيه كثير من الثمر في قليل من الكروم، وفيه يدرك النبق والباقلاء، ويزرع القطن والاسفاناخ والثوم البلدي، وينقل الكرنب والسلق المتأخر والخس والبصل من أوله إلى كانون الثاني.

وشهر تشرين الأول وهو أكتوم بالعجمية واسنندارماه بالسريانية وبابه بالقبطية، وأيامه واحد وثلاثون يوما فيه يستحكم البرد ويتراضع الغنم، ويكثر اللبن، ويجمع بزر الرازيانج والأنيسون، وبزر البصل، ويجمع الزعفران والبنفسج والفستق وحب الزيتون الأخضر للأكل قبل أن يجري فيه الزيت ويعصر، وتغطى أصول الأترج بورق القرع ورماده في البلد الباردة وقيل ما يقطع من الخشب بعد ثلاثة أيام منه لا يسوس، وتقطف الأعناب في البلاد الباردة، ويلقط في أول الزيتون في بابل. ويعتصر زيته وفيه يجرد النخل ويقطع القصب الفارسي وتخرج الكمأة ويزرع الثوم الكبير ويقلع للأكل في آذار ونيسان، وبعده يزرع الأسفيناخ من أول إلى أيار، وتزرع البقول.

وشهر تشرين الثاني وهو برماه بالعجمية وفيردين ماه بالفارسية وهتور بالقبطية عدد أيامه ثلاثون يوما، يزرع فيه القمح والشعير والفول والكتان وما يزرع فيه يتوالد وتكثر بركته، ويستحب ابتداء الزراعة فيه من منتصفه إذا نزل الغيث، ويوم الثالث عشر منه نوء الثريا فتمسك الأرض فيه برأسها وقيل لم يجتمع قط مطر الثريا في تشرين الثاني ومطر الجبهة في شباط ومطر السماك في نيسان في سنة إلا كثَّر الله تعالى خيرها وبركاتها. وفيه تفرخ النحل ويجمع البلوط والقسطل وحب الآس وقصب السكر، وفيه يقع جليد وتزبل الأشجار الخضر لئلا يحرقها الجليد، وفيه يجمع الزعفران وبعر المعز فيه كبير، والكسح فيه يغلظ الأغصان ويكثر فروع الجفان وتكون فيما بعد ذلك أكثر ثمرا، وفيه يبكر غرس الكرم في المواضع الحارة، وقيل إن الشجر ينام نوما ثقيلا فيما قبل هذا الشهر بعشرة أيام وفيما بعده إلى آخر كانون الأول، فإذا نامت الأشجار فلا تكسح ولا يلقط منها حمل إى أن يكون بقي على بعضها بقية فيلقط منها بغاية الرفق، خلا شجرة الزيتون وحدها، فإنه يقويها ويشدها ولا يضرها لقط حملها في ذلك الوقت، وفيه يشتد البرد والثلج، ويهرب الطير كالزرازير والخطاطيف والرخم وغيرها. وهذا شهر الزرع، والغرس، وفيه يسكن الماء عروق الشجر فيسقط الورق، ويغرس الخس البلدي ذو الأوراق الحادة ويؤكل في كانون الثاني.
فصل الشتاء

له من البروج الجدي والدلو والحوت. وله سبع منازل، سعد الذابح، وسعد له، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرعان المقدّم والمؤخر، والبطين. أوله يوم نزول الشمس برج الجدي وذلك في الثالث عشر من كانون الأول وهو دجنبر بالعجمية وبهرماه بالفارسية وكيهك بالقبطية، وهو واحد وثلاثون يوما، وفيه ينتهي قصر النهار، ويأخذ الليل في النقصان والنهار في الزيادة وفيه سموم البرد، وتسمى الليالي السود، وهي أربعون ليلة، عشرون من الحادي عشر إلى آخره، وعشرون من أول كانون الثاني، وفي كانون الأول يطيب الأترج، ويظهر النرجس والبهار، وينوّر اللوز الكبير، وفيه تزبل الشجر والكروم، وإذا زرعت فيه الباقلاء جادت ونجحت لأن هذا الشهر يوافق طبيعة الباقلاء موافقة عجيبة، وليكن من أوله، فإنه يلحق زرع ما قبله، ويسمد فيه الشجر المثمر ويزرع بزر الكراث، ويخدم سنة، ثم يقلع للأكل وكذلك الثوم، ويزرع فيه الخشخاش الأبيض.

وشهر كانون الثاني وهو بالعجمية ينيرا ردبهثتماه وبالقبطية طوبه وأيامه واحد وثلاثون يوما، وهو أول تاريخ السنة العجمية، وبعد عشرين يوما تخرج الليالي السود في الأربعينات، وفيه تسكن الرياح ويجري الماء في العود، وتنقل فيه صغار النحل، ويزرع القمح والفول، وما يزرع فيه من البزور ولا يولد، وكذا في شباط، وفيه ينور اللوز، ويظهر النرجس، وفيه يعمل السكر، ويجمع الأترج والنارنج والليمون، وفيه يجمد الماء ويشتد البرد وتشذب الكروم وتنقى البساتين من الدغل والحشيش، وفيه تطول فروع الشجر وتتزاوج العصافير، وتنق الضفادع ويقال إن قطع الخشب في السابع والعشرين منه لا يسوس، ويبدأ فيه بقلب الأرض وتحضيرها للأشجار وزرع القطن، ويكشف التراب عن أصول الأشجار، ويفرق الزبل في مواضعه ويبدأ فيه بكسح الكروم بعد مضي ثلاث ساعات من النهار إلى مثل ذلك من آخره، ويطعَّم فيه البندق والخوخ واللوز والخروب وشبهها في البلاد الحارة، والتفاح الشديد الحموضة، ويقلع الدغل فيه وفي شباط أيضا عند نقصان القمر وذلك من السابع عشر إلى آخر الهلال، وفيه تزرع البزور كالباذنجان والخس والقنبيط والاسفاناخ والرجلة الكبيرة وحب الثوم والبصل والكراث والكتان.

وشهر شباط وهو بالعجمية خرداماه وبالفارسية واردماه وبالقبطية امشير، عدد أيامه ثمانية وعشون يوما وربع يوم، وفي الثالث عشر منه يبدأ نوء الجبهة وهو أحد الأنواء الثلاثة المعلومة البركة، وقالت العرب ما امتلأ وأدمن نوء الجبهة إلا أمتلئ عشبا، ويبدأ فيه بتحضير الأرض لزرع الكتان البعل وفيه ينكسر البرد ويخرج الدفء من الأرض، وفيه تحضن النساء دود الحرير، ويفرخ النحل، وتأخذ الأرض ريَّها من الماء، ويزيد ماء الآبار والعيون والأنهار، ويجري الماء في العود وما يزرع فيه من الحبوب ويغرس من الأشجار والكروم ثمره كثيرا وفيه ينبت العشب ويورق الشجر، ويغرس الورد والسوسن وبعض الرياحين ويورق الكرم ويزرع اللفت المدحرج الربيعي ويؤكل في نيسان وأيار. ========================================

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حمل تحفة الاشراف للحافظ المزي

 من مشكاة حمل   تهذيب الكمال في أسماء الرجال - ت بشار عواد معروف - دار الرسالة المؤلف الحافظ المزي وصف الكتاب تهذيب الكمال في أس...