روابط مصاحف م الكتاب الاسلامي

 روابط مصاحف م الكتاب الاسلامي/ / / / / / / /

الأربعاء، 10 أغسطس 2022

ج1.فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير- محمد بن علي بن محمد الشوكاني

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب : فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير{1}
اسم المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني
دار النشر : دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء / 5
[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ]


"""""" صفحة رقم 11 """"""
( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون )
( المقدمة )
بسم الله الرحمن الرحيم
يروي المفتقر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى محمد بن محمد بن يحيى زبارة الحسنى اليمني غفر الله له وللمؤمنين للقاضي الحافظ الشهير محمد بن علي بن محمد الشوكاني الصنعاني المتوفى سنة 1250 هجرية عن المولى الجهبذ الكبير سيف الإسلام أحمد بن قاسم بن عبدالله حميد الدين أبقاه الله تعالى عن السيد الحافظ عبدالكريم بن عبدالله أبي طالب الحسن اليمني المتوفي سنة 1309 ه عن القاضي الحافظ أحمد بن محمد بن علي الشوكاني المتوفي سنة 1281 ه عن أبيه المؤلف قال رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل كتابه المبين كافلا ببيان الأحكام شاملا لما شرعها لعباده من الحلال والحرام مرجعا للأعلام عند تفاوت الأفهام وتباين الأقدام وتخالف الكلام قاطعا للخصام شافيا للسقام مرهما للأوهام فهو العروة الوثقى التي من تمسك بها فاز بدرك الحق القويم والجادة الواضحة التي من سلكها فقد هدى إلى الصراط المستقيم فأي عبارة تبلغ أدنى ما يستحقه كلام الحكيم من التعظيم وأي لفظ يقوم ببعض ما يليق به من التكريم والتفخيم كلا والله إن بلاغات البلغاء المصاقع وفصاحات الفصحاء البواقع وإن طالت ذيولها وسالت سيولها واستنت بميادينها خيولها تتقاصر عن الوفاء بأوصافه وتتصاغر عن التشبث بأدنى أطرافه فيعود جيدها عنه عاطلا وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا فهو كلام من لا تحيط به العقول علما ولا تدرك كنهه الطباع البشرية فهما فالإعتراف بالعجز عن القيام بما يستحقه من الأوصاف العظام أولى بالمقام وأوفق بما تقتضيه الحال من الإجلال والإعظام والصلاة والسلام على من نزل إليه الروح الأمين بكلام رب العالمين محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله المطهرين وصحبه المكرمين
وبعد فإن اشرف العلوم على الإطلاق وأولاها بالتفضيل على الإستحقاق وأرفعها قدرا بالإتفاق هو


"""""" صفحة رقم 12 """"""
علم التفسير لكلام القوي القدير إذا كان على الوجه المعتبر في الورود والصدر غير مشوب بشيء من التفسير بالرأي الذي هو من أعظم الخطر وهذه الأشرفية لهذا العلم غنية عن البرهان قريبة إلى الفهام والأذهان يعرفها من يعرف الفرق بين كلام الخلق والحق ويدري بها من يميز بين كلام البشر وكلام خالق القوى والقدر فمن فهم هذا استغنى عن التطويل ومن لم يفهمه فليس بمتأهل للتحصيل ولقد صدق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث يقول فيما أخرجه عنه الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه )
ولما كان هذا العلم بهذه المنزلة الشافخة الأركان العالية البنيان المرتفعة المكان رغبت إلى الدخول من أبوابه ونشطت إلى القعود في محرابه والكون من أحزابه ووطنت النفس على سلوك طريقة هي بالقبول عند الفحول حقيقة وها أنا أوضح لك منارها وأبين لك إيرادها وإصدارها فأقول
إن غالب المفسرين تفرقوا فريقين وسلكوا طريقين الفريق الأول اقتصروا في تفاسيرهم على مجرد الرواية وقنعوا برفع هذه الراية والفريق الآخر جردوا أنظارهم إلى ما تقتضيه اللغة العربية وما تفيده العلوم الآلية ولم يرفعوا إلى الرواية رأسا وإن جاءوا بها لم يصححوا لها أساسا وكلا الفريقين قد أصاب وأطال وأطاب وإن رفع عماد بيت تصنيفه على بعض الأطناب وترك منها ما لا يتم بدونه كمال الإنتصاب فإن ما كان من التفسير ثابتا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإن كان المصير إليه متعينا وتقديمه متحتما غير أن الذي صح عنه من ذلك إنما هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن ولا يختلف في مثل ذلك من أئمة هذا الشأن اثنان وأما ما كان منها ثابتا عن الصحابة رضي الله عنهم فإن كان من الألفاظ التي قد نقلها الشرع إلى معنى مغاير للمعنى اللغوي بوجه من الوجوه فهو مقدم على غيره وإن كان من الألفاظ التي لم ينقلها الشرع فهو كواحد من أهل اللغة الموثوق بعربيتهم فإذا خالف المشهور المستفيض لم تقم الحجة علينا بتفسيره الذي قاله على مقتضى لغة العرب فبالأولى تفاسير من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسائر الأئمة وأيضا كثيرا ما يقتصر الصحابي ومن بعده من السلف على وجه واحد مما يقتضيه النظم القرآني باعتبار المعنى اللغوي ومعلوم أن ذلك لا يستلزم إهمال سائر المعاني التي تفيدها اللغة العربية ولا إهمال ما يستفاد من العلوم التي تتبين بها دقائق العربية وأسرارها كعلم المعاني والبيان فإن التفسير بذلك هو تفسير باللغة لا تفسير بمحض الرأي المنهي عنه وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عن سفيان قال ليس في تفسير القرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد منه هذا وهذا وأخرج ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة قال قال أبو الدرداء لا تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوها وأخرج ابن سعد أن عليا قال لابن عباس اذهب إليهم يعني الخوارج ولا تخاصمهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة فقال له أنا أعلم بكتاب الله منهم فقال صدقت ولكن القرآن حمال ذو وجوه وأيضا لا يتيسر في كل تركيب من التراكيب القرآنية تفسير ثابت عن السلف بل قد يخلو عن ذلك كثير من القرآن ولا اعتبار بما لم يصح كالتفسير المنقول بإسناد ضعيف ولا بتفسير من ليس بثقة منهم وإن صح إسناده إليه وبهذا تعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين وهذا هو المقصد الذي وطنت نفسي عليه والمسلك الذي عزمت على سلوكه إن شاء الله مع تعرضه للترجيح بين التفاسير


"""""" صفحة رقم 13 """"""
المتعارضة مهما أمكن واتضح لي وجهه وأخذي من بيان المعنى العربي والإعرابي والبياني بأوفر نصيب والحرص على إيراد ما ثبت من التفسير عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو الأئمة المعتبرين وقد أذكر ما في إسناده ضعف إما لكون في المقام ما يقويه أو لموافقته للمعنى العربي وقد أذكر الحديث معزوا إلى راويه من غير بيان حال الإسناد لأني أجده في الأصول التي نقلت عنها كذلك كما يقع في تفسير ابن جرير والقرطبي وابن كثير والسيوطي وغيرهم ويبعد كل البعد أن يعلموا في الحديث ضعفا ولا يبينونه ولا ينبغي أن يقال فيما أطلقوه إنهم قد علموا ثبوته فإن من الجائز أن ينقلوه من دون كشف عن حال الإسناد بل هذا هو الذي يغلب به الظن لأنهم لو كشفوا عنه فثبتت عندهم صحته لم يتركوا بيان ذلك كما يقع منهم كثيرا التصريح بالصحة أو الحسن فمن وجد الاصول التي يروون عنها ويعزون ما في تفاسيرهم إليها فلينظر في أسانيدها موفقا إن شاء الله واعلم أن تفسير السيوطي المسمى بالدر المنثور قد اشتمل على غالب ما في تفاسير السلف من التفاسير المرفوعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتفاسير الصحابة ومن بعدهم وما فاته إلا القليل النادر وقد اشتمل هذا التفسير على جميع ما تدعو إليه الحاجة منه مما يتعلق بالتفسير مع اختصار لما تكرر لفظا واتحد معنى بقولي ومثله أو نحوه وضممت إلى ذلك فوائد لم يشتمل عليها وجدتها في غيره من تفاسير علماء الرواية أو من الفوائد التي لاحت لي من تصحيح أو تحسين أو تضعيف أو تعقب أو جمع أو ترجيح
فهذا التفسير وإن كبر حجمه فقد كثر علمه وتوفر من التحقيق قسمه وأصاب غرض الحق سهمه واشتمل على ما في كتب التفاسير من بدائع الفوائد مع زوائد فوائد وقواعد شوارد فإن أحببت أن تعتبر صحة هذا فهذه كتب التفسير على ظهر البسيطة انظر تفاسير المعتمدين على الرواية ثم ارجع إلى تفاسير المعتمدين على الدراية ثم انظر في هذا التفسير بعد النظرين فعند ذلك يسفر الصبح لذي عينين ويتبين لك أن هذا الكتاب هو لب اللباب وعجب العجاب وذخيرة الطلاب ونهاية مارب الألباب وقد شميته
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
مستمدا من الله سبحانه بلوغ الغاية والوصول بعد هذه البداية إلى النهاية راجيا منه جل جلاله أن يديم به الانتفاع ويجعله من الذخائر التي ليس لها انقطاع
واعلم أن الأحاديث في فضائل القرآن كثيرة جدا ولا يتم لصاحب القرآن ما يطلبه من الأجر الموعود به في الأحاديث الصحيحة حتى يفهم معانيه فإن ذلك هو الثمرة من قراءة
قال القرطبي ينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه فينتفع بما قرأ ويعمل بما يتلو فما أقبح بحامل القرآن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم معنى ما يتلوه فكيف يعمل بما لا يفهم معناه وما أقبح به أن يسال عن فقه ما يتلوه ولا يدريه فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا وينبغي له أن يعرف المكي من المدني ليفرق بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام وما فرض في أول الإسلام وما زاد عليهم من الفرائض في آخره فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن


"""""" صفحة رقم 14 """"""
وقال أيضا قال علماؤنا وأما ما جاء في فضل التفسير عن الصحابة والتابعين فمن ذلك أن علي بن أبي طالب ذكر جابر بن عبدالله ووصفه بالعلم فقال له رجل جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى ) إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ( وقال مجاهد أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل الله وقال الحسن والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيمن نزلت وما يعني بها وقال الشعبي رحل مسروق في تفسير آية إلى البصرة فقيل له إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها وقال عكرمه في قوله عز وجل ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ( طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته قال ابن عبدالبر هو ضميرة بن حبيب وقال ابن عباس مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما يمنعني الامهابته فسألته فقال هي حفصة وعائشة وقال إياس بن معاوية مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من عند مليكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب وذكر ابن أبي الحواري أن فضيل بن عياض قال لقوم قصدوه ليأخذوا عنه العلم لو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون فقالوا قد تعلمنا القرآن فقال إن في تعلمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم فقالوا كيف يا أبا علي قال لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمة ومتشابهة وناسخة من منسوخة فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة وللسلف رحمهم الله من هذا الجنس ما لا يأتي عليه الحصر
S1
سورة الفاتحة
حول السورة
معنى الفاتحة في الأصل أول ما من شأنه أن يفتتح به ثم أطلقت على أول كل شيء كالكلام والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية فمسيت هذه السورة فاتحة الكتاب لكونه افتتح بها إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن وقد اشتهرت هذه السورة الشريفة بهذا الإسم في أيام النبوة قيل هي مكية وقيل مدنية
وقد أخرج الواحدي في أسباب النزول والثعلبي في تفسيره عن علي رضي الله عنه قال نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة والثعلبي والواحدي من حديث عمرو بن شرحبيل ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما شكا إلى خديجة ما يجده عند أوائل الوحي فذهبت بن إلى ورقة فأخبره فقال له إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض فقال لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم حتى بلغ ولا الضالين ) الحديث وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن رجل من بني سلمة قال لما أسلمت فتيان بني سلمة وأسلم ولد عمرو بن الجموح قالت إمرأة عمرو له هل لك أن تسمع من أبيك ما روى عنه فساله فقرأ عليه الحمد لله رب العالمين وكان ذلك قبل الهجرة وأخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن عبادة قال فاتحة الكتاب نزلت بمكة فهذا جملة ما استدل به من قال إنها نزلت بمكة واستدل من قال إنها نزلت بالمدينة بما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وأبو سعيد بن الأعرابي في معجمه


"""""" صفحة رقم 15 """"""
والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة ( رن إبليس حين أنزلت فاتحة الكتاب ) وأنزلت بالمدينة
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابونعيم في الحلية وغيرهم من طرق عن مجاهد قال نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة وقيل إنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة جمعا بين هذه الروايات
أسمائها
وتسمى أم الكتاب قال البخاري في أول التفسير وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن أيوب عن محمد بن سيرين كان يكره أن يقول أم الكتاب ويقول قال الله تعالى ) وعنده أم الكتاب ( ولكن يقول فاتحة الكتاب ويقال لها الفاتحة لأنها يفتتح بها القراءة وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام
قال ابن كثير في تفسيره وصح تسميتها بالسبع المثاني قالوا لأنهت تثني في الصلاة فتقرأ في كل ركعة وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لأم القرآن هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم ) وأخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي هريرة أيضا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني ) وأخرج نحوه ابن مردويه في تفسيره والدارقطني من حديثه وقال كلهم ثقات وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى ( سبعا من المثاني ) بالفاتحة ومن جملة أسمائها كما حكاه في الكشاف سورة الكنز والوافية وسورة الحمد وسورة الصلاة وقد أخرج الثعلبي أن سفيان بن عيينة كان يسمي فاتحة الكتاب الواقية وأخرج الثعلبي أيضا عن عبدالله بن يحيى بن أبي كثير أنه سأله سائل عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال عن الكافية تسأل قال السائل وما الكافية قال الفاتحة أما علمت أنها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها وأخرج أيضا عن الشعبي أن رجلا اشتكى إليه وجع الخاصرة فقال عليك بأساس القرآن قال وما أساس القرآن قال فاتحة الكتاب وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله أعطاني فيما من به علي فاتحة الكتاب وقال هي من كنوز عرشي ) وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن علي نحوه مرفوعا وقد ذكر القرطبي في تفسيره للفاتحة إثنى عشر اسما وهي سبع آيات بلا خلاف كما حكاه ابن كثير في تفسيره وقال القرطبي أجمعت الأمة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات إلا ما روى عن حسين الجعفي أنها ست وهو شاذ وإلا ما روى عن عمرو بن عبيد أنه جعل إياك نعبد آية فهي عنده ثمان وهو شاذ انتهى وإنما اختلفوا في البسلمة كما سيأتي إن شاء الله وقد أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال كان عبدالله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء
فضلها
وقد ورد في فضل هذه السورة أحاديث منها ما أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ( لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد قال فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال نعم الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي من كعب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ( أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ثم أخبره أنها الفاتحة ) وأخرجه النسائي وأخرج أحمد في المسند


"""""" صفحة رقم 16 """"""
من حديث عبدالله بن جابر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ( ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن قلت بلى يا رسول الله قال اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها ) وفي إسناده ابن عقيل وقد احتج به كبار الائمة وبقية رجاله ثقات وعبد الله بن جابر هذا هو العبدي كما قال ابن الجوزي وقيل الأنصاري البياضي كما قال ابن عساكر وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما أخبروه بأن رجلا رقى سليما بفاتحة الكتاب وما كان يدريه أنها رقية ) الحديث وأخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث ابن عباس قال بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده جبريل إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته ) وأخرج مسلم والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تامة ) وأخرج البزار في مسنده بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت ) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي زيد وكان له صحبة قال ( كنت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في بعض فجاج المدينة فسمع رجلا يتهجد ويقرأ بأم القرآن فقام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فاستمع حتى ختمها ثم قال ما في القرآن مثلها ) وأخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم ) وأخرج أبو الشيخ نحوه من حديثه وحديث أبي هريرة مرفوعا وأخرج الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان بسند رجاله ثقات عن عبدالملك بن عمير قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في فاتحة الكتاب ( شفاء من كل داء ) وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن جرير والحاكم وصححه عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه ( أنه أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أقبل راجعا من عنده فمر على قوم وعندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله أعندك ما تداوي به هذا فإن صاحبكم قد جاء بخير قال فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية أجمع بزاقي ثم أتفل فبرأ فأعطاني مائة شاة فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت ذلك له فقال كل فمن أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق ) وأخرج الفريابي في تفسيره عن ابن عباس قال ( فاتحة الكتاب ثلث القرآن ) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ أم القرآن وقل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن ) وأخرج عبد بن حميد في مسنده بسند ضعيف عن ابن عباس يرفعه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن ) وأخرج الحاكم وصححه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن أنس قال ( كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في مسير له فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جنبه فالتفت إليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ألا أخبرك بأفضل القرآن فتلا عليه الحمد لله رب العالمين ) وأخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن ولو أن أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات ) وأخرج أو عبيد في فضائله عن الحسن مرسلا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان )


"""""" صفحة رقم 17 """"""
( سورة الفاتحة )
بسم الله الرحمن الرحيم
الفاتحة : ( 1 ) بسم الله الرحمن . . . . .
فوائد
اختلف أهل العلم هل هي آية مستقلة في أول كل سورة كتبت في اولها أو هي بعض آية من أول كل سور أو هي كذلك في الفاتحة فقط دون غيرها أو أنها ليست بآية في الجميع وإنما كتبت للفصل والأقوال وأدلتها مبسوطة في موضع الكلام على ذلك وقد اتفقوا على أنها بعض آية في سورة النمل وقد جزم قراء مكة والكوفة بأنها آية من الفاتحة ومن كل سورة وخالفهم قراء المدينة والبصرة والشام فلم يجعلوها آية لا من الفاتحة ولا من غيرها من السور قالوا وإنما كتبت للفصل والتبرك وقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرجه الحاكم في المستدرك وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وغيرها آية ) وفي إسناده عمرو بن هارون البلخي وفيه ضعف وروى نحوه الدارقطني مرفوعا عن أبي هريرة
وكما وقع الخلاف في إثباتها وقع الخلاف في الجهر بها في الصلاة وقد أخرج النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ( أنه صلى فجهر في قراءته بالبسلمة وقال بعد أن فرغ إني لأشبهكم صلاة برسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم ) قال الترمذي وليس إسناده بذاك وقد أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بلفظ ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) ثم قال صحيح وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال كانت قراءته مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم وأخرج أحمد في المسند وأبو داود في السنن وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أم سلمة أنها قالت ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) وقال الدارقطني إسناده صحيح
واحتج من قال بأنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة بما في صحيح مسلم عن عائشة قالت ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ) وفي الصحيحين عن أنس قال ( صليت خلف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ) ولمسلم ( لايذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها ) وأخرج أهل السنن نحوه عن عبدالله بن مغفل وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة وأحاديث الترك وإن كانت أصح ولكن الإثبات ارجح مع كونه خارجا من مخرج صحيح فالأخذ به أولى ولا سيما مع إمكانه تأويل الترك وهذا يقتضي الإثبات الذاتي أعني كونها قرآنا والوصفي أعني الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة ولتنقيح البحث والكلام على أطرافه استدلالا وردا وتعقبا ودفعا ورواية ودراية موضع غير هذا ومتعلق الباء محذوف وهو أقرأ أو أتلو لأنه المناسب لما جعلت البسملة مبدأ له فمن قدره متقدما كان غرضه الدلالة بتقديمه على الاهتمام بشأن الفعل ومن قدره متأخرا كان غرضه الدلالة بتأخيره على الاختصاص مع ما يحصل في ضمن ذلك من العناية بشأن الإسم والإشارة إلى أن البداية به أهم لكون التبرك حصل به وبهذا يظهر رجحان تقدير الفعل متأخرا في مثل هذا المقام


"""""" صفحة رقم 18 """"""
ولا يعارضه قوله تعالى ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( لأن ذلك المقام مقام القراءة فكان الأمر بها أهم وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسما أو فعلا فلا يتعلق بذلك كثير فائدة والباء للاستعانة أو للمصاحبة ورجح الثاني الزمخشري واسم أصله سمو حذفت لامه ولما كان من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون زادوا في أوله الهمزة إذا نطقوا به لئلا يقع الابتداء بالساكن وهو اللفظ الدال على المسمى ومن زعم أن الإسم هو المسمى كما قاله أبو عبيدة وسيبويه والباقلاني وابن فورك وحكاه الرازي عن الحشوية والكرامية والأشهرية فقد غلط غلطا بينا وجاء بما لا يعقل مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من لغة العرب بل العلم الضروري حاصل بأن الإسم الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة غير المسمى الذي هو مدلوله والبحث مبسوط في علم الكلام وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) وقال الله عز وجل ) ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ( وقال تعالى ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( والله علم لذات الواجب الوجود لم يطلق على غيره وأصله إله حذفت الهمزة وعوضت عنها أداة التعريف فلزمت وكان قبل الحذف من أسماء الأجناس يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق كالنجم والصعق فهو قبل الحذف من الأعلام الغالبة وبعده من الأعلام المختصة والرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على طريقة المبالغة ورحمن أشد مبالغة من رحيم وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا ولذلك قالوا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا وقد تقرر أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى وقال ابن الأنباري والزجاج إن الرحمن عبراني والرحيم عربي وخالفهما غيرهما والرحمن من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عز وجل وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمن اليمامة فقال في الكشاف إنه باب من تعنتهم في كفرهم قال أبو علي الفارسي الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين قال الله تعالى ) وكان بالمؤمنين رحيما ( وقد ورد في فضلها أحاديث منها ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس قال استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم وأخرج نحوه أبو عبيد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضا وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كان جبريل إذا جاءني بالوحي أول ما يلقى علي بسم الله الرحمن الرحيم وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره والحاكم في المستدرك وصححه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس ( أن عثمان بن عفان سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال هو اسم من أسماء الله وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب ) وأخرج ابن جرير وابن عدي في الكامل وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر في تاريخ دمشق والثعلبي بسند ضعيف جدا عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب لتعلمه فقال له المعلم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال له عيسى وما بسم الله الرحمن الرحيم قال المعلم لا أدري فقال له عيسى الباء بهاء الله والسين سناه والميم مملكته والله إله الآلهة والرحمن رحمن الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة ) وفي إسناده إسماعيل بن يحيى وهو كذاب وقد أورد هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات وأخرج ابن مردويه والثعلبي عن جابر قال لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الريح وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها ورجمت الشياطين من السماء وحلف الله بعزته وجلاله أن لا تسمى على شيء إلا بارك فيه وأخرج


"""""" صفحة رقم 19 """"""
أبو نعيم والديلمي عن عائشة قالت لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويها فقالوا سحر محمد الجبال فبعث الله دخانا حتى أظل على أهل مكة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم موقنا سبحت معه الجبال إلا أنه لا يسمع ذلك منها ) وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحا عنه أربعة آلاف سيئة ورفع له أربعة آلاف درجة ) وأخرج الخطيب في الجامع عن أبي جعفر محمد بن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب ) وهذه الأحاديث ينبغي البحث عن اسانيدها والكلام عليها بما يتبين بعد البحث إن شاء الله وقد شرعت التسمية في مواطن كثيرة قد بينها الشارع منها عند الوضوء وعند الذبيحة وعند الأكل وعند الجماع وغير ذلك
الفاتحة
الفاتحة : ( 2 ) الحمد لله رب . . . . .
) الحمد لله ( الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري وبقيد الاختيار فارق المدح فإنه يكون على الجميل وإن لم يكن الممدوح مختارا كمدح الرجل على جماله وقوته وشجاعته وقال صاحب الكشاف إنهما أخوان والحمد أخص من الشكر موردا وأعم منه متعلقا فمورد الحمد اللسان فقط ومتعلقه النعمة وغيرها ومورد الشكر اللسان والجنان والأركان ومتعلقه النعمة وقيل إن مورد الحمد كمورد الشكر لأن كل ثناء باللسان لا يكون من صميم القلب مع موافقة الجوارح ليس بحمد بل سخرية واستهزاء وأجيب بأن اعتبار موافقة القلب والجوارح في الحمد لا يستلزم أن يكون موردا له بل شرطا وفرق بين الشرط والشطر وتعريفه لاستغراق أفراد الحمد وأنها مختصة بالرب سبحانه على معنى أن حمد غيره لا اعتداد به لأن المنعم هو الله عز وجل أو على أن حمده هو الفرد الكامل فيكون الحصر إدعائيا ورجح صاحب الكشاف أن التعريف هنا هو تعريف الجنس لا الاستغراق والصواب ما ذكرناه وقد جاء في الحديث ( اللهم لك الحمد كله ) وهو مرتفع بالابتداء وخبره الظرف وهو لله وأصله النصب على المصدرية بإضمار فعله كسائر المصادر التي تنصبها العرب فعدل عنه إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام والثبات المستفاد من الجمل الاسمية دون الحدوث والتجديد اللذين تفيدهما الجمل الفعلية واللام الداخلة على الإسم الشريف هي لام الاختصاص قال ابن جرير الحمد ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله ثم رجح اتحاد الحمد والشكر مستدلا على ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد والشكر مكان الآخر قال ابن كثير وفيه نظر لأنه اشتهر عند كثير من العلماء المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية والشكر لا يكون إلا على المتعدية ويكون بالجنان واللسان والأركان انتهى ولا يخفى أن المرجع في هذا إلى معنى الحمد في لغة العرب لا إلى ما قاله جماعة من العلماء المتأخرين فإن ذلك لا يرد على ابن جرير ولا تقوم به الحجة هذا إذا لم يثبت للحمد حقيقة


"""""" صفحة رقم 20 """"""
الله جل ذكره شرعية فإن ثبتت وجب تقديمها وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال عمر قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله فما الحمد لله فقال علي كلمة رضيها لنفسه وروى ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس أنه قال الحمد لله كلمة الشكر وإذا قال العبد الحمد لله قال شكرني عبدي وروى هو وابن جرير عن ابن عباس أيضا أنه قال الحمد لله هو الشكر لله والاستحذاء له والإقرار له بنعمه وهدايته وابتدائه وغير ذلك وروى ابن جرير عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا قلت الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك ) وأخرج عبدالرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابي في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس عن عبدالله ابن عمرو بن العاص عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبدالرحمن الحبلي قال ( الصلاة شكر والصيام وكل خير تفعله شكر وأفضل الشكر الحمد ) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال ( سرقت ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لئن ردها الله علي لأشكرن ربي فرجعت فلما رآها قال الحمد لله فانتظروا هل يحدث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صوما أو صلاة فظنوا أنه نسي فقالوا يا رسول الله قد كنت قلت لئن ردها الله علي لأشكرن ربي قال الم أقل الحمد لله )
فضل الحمد
وقد ورد في فضل الحمد أحاديث منها ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وصححه والبخاري في الأدب المفرد عن الأسود بن سريع قال ( قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى فقال أما إن ربك يحب الحمد ) وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ) وأخرج ابن ماجة والبيهقي بسند حسن عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ ) وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والقرطبي في تفسيره عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكان الحمد أفضل من ذلك ) قال القرطبي معناه لكان إلهامه الحمد أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا لأن ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما من عبد ينعم عليه بنعمة إلا كان الحمد أفضل منها ) وأخرج عبدالرزاق في المصنف نحوه عن الحسن مرفوعا وأخرج مسلم والنسائي وأحمد عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان ) الحديث وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه عن رجل من بني سليم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( سبحان الله نصف الميزان والحمد لله تملأ الميزان والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض والطهور نصف الإيمان والصوم نصف الصبر ) وأخرج الحكيم الترمذي عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه ) وأخرج البيهقي عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( التأني من الله والعجلة من الشيطان وما شيء أكثر معاذير من الله وما شيء أحب إلى الله من الحمد ) وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي عن أبان بن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( التوحيد


"""""" صفحة رقم 21 """"""
ثمن الجنة والحمد ثمن كل نعمة ويتقاسمون الجنة بأعمالهم ) وأخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كل آمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ) وأخرج ابن ماجة في سننه عن ابن عمر ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حدثهم أن عبدا من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك فلم يدر الملكان كيف يكتبانها فصعدا إلى السماء فقال يا ربنا إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها قال الله وهو أعلم بما قال عبده ماذا قال عبدي قالا يا رب إنه قال لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك فقال الله لهما أكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني وأجزيه بها ) وأخرج مسلم عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها )
( رب العالمين ) قال في الصحاح الرب اسم من أسماء الله تعالى ولا يقال في غيره إلا بالإضافة وقد قالوه في الجاهلية للملك وقال في الكشاف الرب المالك ومنه قول صفوان لأبي سفيان لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن ثم ذكر نحو كلام الصحاح قال القرطبي في تفسيره والرب السيد ومنه قوله تعالى ) اذكرني عند ربك ( وفي الحديث ( أن تلد الأمة ربها ) والرب المصلح والمدبر والجابر والقائم قال والرب معبود ومنه قوله الشاعر أرب يبول الثعلبان برأسه
لقد هان من بالت عليه الثعالب
و ) العالمين ( جمع العالم وهو كل موجود سوى الله تعالى قال قتادة وقيل أهل كل زمان عالم قاله الحسين بن الفضل وقال ابن عباس العالمون الجن والإنس وقال الفراء وأبو عبيد العالم عبارة عمن يعقل وهم أربعة أمم الإنس والجن والملائكة والشياطين ولا يقال للبهائم عالم لأن هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل حكى هذه الأقوال القرطبي في تفسيره وذكر أدلتها وقال إن القول الأول أصح هذه الأقوال لأنه شامل لكل مخلوق وموجود دليله قوله تعالى ) قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما ( وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده كذا قال الزجاج وقال العالم كل ما خلقه الله في الدنيا والآخرة انتهى وعلى هذا يكون جمعه على هذه الصيغة المختصة بالعقلاء تغليبا للعقلاء على غيرهم وقال في الكشاف ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه وهي الدلالة على معنى العلم وقد أخرج ما تقدم من قول ابن عباس عنه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير وأخرج ابن جبير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) رب العالمين ( قال إله الخلق كله السموات كلهن ومن فيهن والأرضون كلهن ومن فيهن ومن بينهن مما يعلم ومما لا يعلم
الفاتحة : ( 3 ) الرحمن الرحيم
) الرحمن الرحيم ( قد تقدم تفسيرهما قال القرطبي وصف نفسه تعالى بعد رب العالمين بأنه الرحمن الرحيم لأنه لما كان في اتصافه برب العالمين ترهيب قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمن من الترغيب ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة إليه فيكون أعون على طاعته وأمنه كما قال تعالى ) نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ( وقال ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ( وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد ) انتهى وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) الحمد لله رب العالمين ( قال ما وصف من خلقه وفي قوله الرحمن الرحيم قال مدح نفسه


"""""" صفحة رقم 22 """"""
الفاتحة : ( 4 ) مالك يوم الدين
ثم ذكر بقية الفاتحة ) مالك يوم الدين ( قرئ ملك ومالك وملك بسكون اللام وملك بصيغة الفعل وقد اختلف العلماء أيما أبلغ ملك أو مالك فقيل إن ملك أعم وأبلغ من مالك إذ كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك قاله أبو عبيد والمبرد ورجحه الزمخشري وقيل مالك أبلغ لأنه يكون مالكا للناس وغيرهم فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم وقال أبو حاتم إن مالكا أبلغ في مدح الخالق من ملك وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور والملك أقوى من المالك في بعض الأمور والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته والمالك صفة لفعله ويوم الدين يوم الجزاء من الرب سبحانه لعباده كما قال ) وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ( وهذه الإضافة إلى الظرف على طريق الإتساع كقولهم يا سارق الليلة أهل الدار ويوم الدين وإن كان متأخرا فقد يضاف اسم الفاعل وما في معناه إلى المستقبل كقولك هذا ضارب زيدا غدا وقد أخرج الترمذي عن أم سلمة ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ ملك بغير ألف وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضا ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرءون مالك باللف ) وأخرج نحوه سعيد ابن منصور عن ابن عمر مرفوعا وأخرج نحوه أيضا وكيع في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن الزهري يرفعه مرسلا وأخرجه أيضا عبدالرزاق في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن ابن المسيب مرفوعا مرسلا وقد روى هذا من طرق كثيرة فهو أرجح من الأول وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ مالك يوم الدين ) وكذا رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود مرفوعا وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود وناس من الصحابة أنهم فسروا يوم الدين بيوم الحساب وكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال يوم الدين يوم يدين الله العباد بأعمالهم
الفاتحة : ( 5 ) إياك نعبد وإياك . . . . .
) إياك نعبد وإياك نستعين ( قراءة السبعة وغيرهم بتشديد الياء وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر وقرأ الفضل والرقاشي بفتح الهمزة وقرأ أبو السوار الغنوي ( هياك ) في الموضعين وهي لغة مشهورة والضمير المنفصل هو ( إيا ) وما يلحقه من الكاف والهاء والياء هي حروف لبيان الخطاب والغيبة والتكلم ولا محل لها من الإعراب كما ذهب إليه الجمهور وتقديمه على الفعل لقصد الإختصاص وقيل للإهتمام والصواب أنه لهما ولا تزاحم بين المقتضيات والمعنى نخصك بالعبادة ونخصك بالإستعانة لا نعبد غيرك ولا نستعينه والعبادة أقصى غايات الخضوع والتذلل قال ابن كثير وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف وعدل عن الغيبة إلى الخطاب لقصد الالتفات لأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى آخر كان أحسن تطرية لنشاط السامع وأكثر إيقاظا له كما تقرر في علم المعاني والمجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد وقيل إن المقام لما كان عظيما لم يستقل به الواحد استقصارا لنفسه واستصغارا لها فالمجيء بالنون لقصد


"""""" صفحة رقم 23 """"""
التواضع لا لتعظيم النفس وقدمت العبادة على الاستعانة لكون الأولى وسيلة إلى الثانية وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب وإطلاق الاستعانة لقصد التعميم وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله إياك نعبد يعني إياك نوحد ونخاف يا ربنا لا غيرك وإياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها وحكى ابن كثير عن قتادة أنه قال في إياك نعبد وإياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم وفي صحيح مسلم من حديث المعلى بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي فإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) وأخرج أبو القاسم البغوي والباوردي معا في معرفة الصحابة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال ( كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزاة فلقي العدو فسمعته يقول يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإيام نستعين قال فلقد رأيت الرجال تصرع فتضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها )
الفاتحة : ( 6 ) اهدنا الصراط المستقيم
) اهدنا الصراط المستقيم ( قرأه الجمهور بالصاد وقرأ السراط بالسين والزراط بالزاي والهداية قد يتعذر فعلها بنفسه كما هنا وكقوله ) وهديناه النجدين ( وقد يتعدى بإلى كقوله ) اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ( ) فاهدوهم إلى صراط الجحيم ( ) وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( وقد يتعدى باللام كقوله ) الحمد لله الذي هدانا لهذا ( ) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( قال الزمخشري أصله أن يتعدى باللام أو بإلى انتهى وهي الإرشاد أو التوفيق أو الإلهام أو الدلالة وفرق كثير من المتأخرين بين معنى المتعدي بنفسه وغير المتعدي فقالوا معنى الأول الدلالة والثاني الإيصال وطلب الهداية من المهتدي معناه طلب الزيادة كقوله تعالى ) والذين اهتدوا زادهم هدى ( ) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ( والصراط الطريق قال ابن جرير أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه وهو كذلك في لغة جميع العرب قال ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله فتصف المستقيم باستقامته والمعوج باعوجاجه وقد أخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ اهدنا الصراط المستقيم الصاد ) وأخرج سعيد ابن منصور وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه عن ابن عباس ( أنه قرأ الصراط بالسين ) وأخرج ابن الأنباري عن ابن كثير أنه كان يقرأ السراط بالسين وأخرج أيضا عن حمزة أنه كان يقرأ الزراط بالزاي قال الفراء هي لغة لعذرة وكلب وبني القين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال ( اهدنا الصراط المستقيم يقول ألهمنا دينك الحق ) وأخرج ابن جرير عنه وابن المنذر نحوه وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن جابر بن عبدالله أنه قال ( هو دين الإسلام وهو أوسع مما بين السماء والأرض ) وأخرج نحوه ابن جرير عن ابن عباس وأخرج نحوه أيضا عن ابن مسعود وناس من الصحابة وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن النواس بن سمعان عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ) وعلى جنبتي


"""""" صفحة رقم 24 """"""
الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخوا الصراط جميعا ولا تفرقوا وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه ) فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم قال ابن كثير بعد إخراجه وهو إسناد حسن صحيح وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو بكر الأنباري والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود أنه قال ( هو كتاب الله ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن عساكر عن أبي العالية قال هو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصاحباه من بعده وأخرج الحاكم وصححه عن أبي العالية عن ابن عباس مثله وروى القرطبي عن الفضيل بن عياض أنه قال الصراط المستقيم طريق الحج قال وهذا خاص والعموم أولى انتهى وجميع ما روى في تفسير هذه الآية ما عدا هذا المروي عن الفضيل يصدق بعضه على بعض فإن من اتبع الإسلام أو القرآن أو النبي فقد اتبع الحق وقد ذكر ابن جرير نحو هذا فقال والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي معنيا به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل وذلك هو الصراط المستقيم لأن من وفق إليه ممن أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل والتمسك بالكتاب والعمل بما أمره الله به والإنزجار عما زجره عنه واتباع منهاج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومنهاج الخلفاء الأربعة وكل عبد صالح وكل ذلك من الصراط المستقيم انتهى
الفاتحة : ( 7 ) صراط الذين أنعمت . . . . .
) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( انتصب صراط على أنه بدل من الأول وفائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير ويجوز أن يكون عطف بيان وفائدته الإيضاح والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال ) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ( ) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ( وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام وغير المغضوب عليهم بدل من الذين أنعمت عليهم على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال أو صفة له على معنى أنهم جمعوا بين النعمتين نعمة الإيمان والسلامة من ذلك وصح جعله صفة للمعرفة مع كون غير لا تتعرف بالإضافة إلى المعارف لما فيها من الإبهام لأنها هنا غير مبهمة لاشتهار المغايرة بين الجنسين والغضب في اللغة قال القرطبي الشدة ورجل غضوب أي شديد الخلق والغضوب الحية الخبيثة لشدتها قال ومعنى الغضب في صفة الله إرادة العقوبة فهو صفة ذاته أو نفس العقوبة ومنه الحديث ( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب ) فهو صفة فعله قال في الكشاف هو إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده والفرق بين عليهم الأولى وعليهم الثانية أن الأولى في محل نصب على المفعولية والثانية في محل رفع على النيابة عن الفاعل ولا في قوله ولا الضالين تأكيد للنفي المفهوم من غير والضلال في لسان العرب قال القرطبي هو الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق ومنه ضل اللبن في الماء أي غاب ومنه ) أئذا ضللنا في الأرض ( أي غبنا بالموت وصرنا ترابا وأخرج وكيع وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ ) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد أن عبدالله بن الزبير قرأ كذلك وأخرج


"""""" صفحة رقم 25 """"""
الأنباري عن الحسن أنه كان يقرأ ( عليهمي ) بكسر الهاء والميم وإثبات الياء وأخرج ابن الأنباري عن الأعرج أنه كان يقرأ ( عليهمو ) بضم الهاء والميم وإلحاق الواو وأخرج أيضا عن ابن كثير أنه كان يقرأ ( عليهمو ) بكسر الهاء وضم الميم مع إلحاق الواو وأخرج أيضا عن أبي إسحاق أنه قرأ ( عليهم ) بضم الهاء والميم من غير إلحاق واو وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة والأسود أنهما كانا يقرآن كقراءة عمر السابقة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) صراط الذين أنعمت عليهم ( يقول طريق من أنعمت عليهم من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أطاعوك وعبدوك وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنهم المؤمنون وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله ) صراط الذين أنعمت عليهم ( قال النبيون ) غير المغضوب عليهم ( قال اليهود ) ولا الضالين ( قال النصارى وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير مثله وأخرج عبدالرزاق وأحمد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبدالله ابن شقيق قال ( أخبرني من سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بوادي القرى على فرس له وسأله رجل من بني القين فقال من المغضوب عليهم يا رسول الله قال اليهود قال فمن الضالون قال النصارى ) وأخرجه ابن مردويه عن عبدالله بن شقيق عن أبي ذر قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبدالله بن شقيق قال ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحاصر أهل وادي القرى فقال له رجل ) إلى آخره ولم يذكر فيه أخبرني من سمع النبي كالأول وأخرجه البيهقي في الشعب عن عبدالله بن شقيق عن رجل من بني القين عن ابن عم له أنه قال ( أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فذكره وأخرجه سفيان بن عيينة في تفسيره وسعيد بن منصور عن إسماعيل بن أبي خالد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( المغضوب عليهم اليهود والضالون النصارى ) وأخرجه أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن المغضوب عليهم هم اليهود وإن الضالين النصارى ) وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني عن الشريد قال ( مر بي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي فقال أتقعد قعدة المغضوب عليهم ) قال ابن كثير بعد ذكره لحديث عدي بن حاتم وقد روى حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها انتهى والمصير إلى هذا التفسير النبوي متعين وهو الذي أطبق عليه أئمة التفسير من السلف قال ابن أبي حاتم لا أعلم خلافا بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى ويشهد لهذا التفسير النبوي آيات من القرآن قال الله تعالى في خطابه لبني إسرائيل في سورة البقرة ) بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ( وقال في المائدة ) قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ( وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قال اليهود إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله فقال أنا من غضب الله أفر وقالت له النصارى إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله فقال لا أستطيعه فاستمر على فطرته وجانب عبادة الأوثان
فائدة في مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة اعلم أن السنة الصحيحة الصريحة الثابتة تواترا قد دلت على


"""""" صفحة رقم 26 """"""
ذلك فمن ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر قال ( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين مد بها صوته ) ولأبي داود ( رفع بها صوته ) وقد حسنه الترمذي وأخرجه أيضا النسائي وابن أبي شيبة وابن ماجة والحاكم وصححه وفي لفظ من حديثه أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ( قال رب اغفر لي آمين ) أخرجه الطبراني والبيهقي وفي لفظ أنه قال ( آمين ثلاث مرات ) أخرجه الطبراني وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن أبي ميسرة قال ( لما أقرأ جبريل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاتحة الكتاب فبلغ ولا الضالين قال قل آمين فقال آمين ) وأخرج ابن ماجة عن علي قال ( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قال ولا الضالين قال آمين ) وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي موسى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا قرأ ) يعني الإمام ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يحبكم الله ) وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وأحمد وابن أبي شيبة وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي بسند قال السيوطي صحيح عن عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين ) وأخرج ابن عدي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن اليهود قوم حسد حسدوكم على ثلاثة إفشاء السلام وإقامة الصف وآمين ) وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث معاذ مثله وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال ( ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين ) ووجه ضعفه أن في إسناده طلحة بن عمرو وهو ضعيف وأخرج الديلمي عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قال آمين لم يبق ملك في السماء مقرب إلا استغفر له ) وأخرج أبو داود عن بلال أنه قال ( يا رسول الله لا تسبقني بآمين ) ومعنى آمين استجب قال القرطبي في تفسيره معنى آمين عند أكثر أهل العلم اللهم استجب لنا وضع موضع الدعاء وقال في الصحاح معنى آمين كذلك فليكن وأخرج جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال ( قلت يا رسول الله ما معنى آمين قال رب افعل ) وأخرج الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف عن هلال بن يساف ومجاهد قالا آمين اسم من أسماء الله وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير مثله وقال الترمذي معناه لا تخيب رجاءنا وفيه لغتان المد على وزن فاعيل كياسين والقصر على وزن يمين قال الشاعر في المد يا رب لا تسلبني حبها أبدا
ويرحم الله عبدا قال آمينا
وقال آخر آمين آمين لا أرضى بواحدة
حتى أبلغها ألفين آمينا
قال الجوهري وتشديد الميم خطأ وروى عن الحسن وجعفر الصادق والحسين بن فضل التشديد من أم إذا قصد أي نحن قاصدون نحوك حكى ذلك القرطبي قال الجوهري وهو مبني على الفتح مثل أين وكيف لاجتماع الساكنين وتقول منه أمن فلان تأمينا وقد اختلف أهل العلم في الجهر بها وفي أن الإمام يقولها أم لا وذلك مبين في مواطنه


"""""" صفحة رقم 27 """"""
S2
سورة البقرة
حول السورة
قال القرطبي في تفسير
سورة البقرة مدنية نزلت في مدد شتى وقيل هي أول سورة نزلت بالمدينة إلا قوله تعالى ) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( فإنها آخر آية نزلت من السماء ونزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن انتهى وأخرج أبو الضريس في فضائله وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ وابن مردويه والبيهقي في دلائل النبوة من طرق عن ابن عباس قال نزلت بالمدينة سورة البقرة وأخرج ابن مردويه عن عبدالله بن الزبير مثله وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن عكرمة قال أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة
فضلها
وقد ورد في فضلها أحاديث منها ما أخرجه مسلم والترمذي وأحمد والبخاري في تاريخه ومحمد بن نصر عن النواس بن سمعان قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمهم سورة البقرة وآل عمران ) قال وضرب لهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال ( كأنهما غمامتان أو كأنهما غيابتان أو كأنهما ظلتان سوداوان أو كأنهما فرقان م من طير صواف تحاجان عن صاحبهما ) وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي ومحمد بن نصر والحاكم وصححه عن بريدة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة ثم سكت ساعة ثم قال تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان تظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف ) قال ابن كثير وإسناده حسن على شرط مسلم وأخرج نحوه أبو عبيد وأحمد وحميد بن زنجويه ومسلم وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي من حديث أبي أمامة مرفوعا وأخرج نحوه أيضا الطبراني وبو ذر الهروي بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا وأخرج نحوه أيضا البزار في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعا وأخرج مسلم والترمذي وأحمد عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ) وأخرج أبو عبيد عن أنس نحوه مرفوعا وأخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في تاريخه عن أبي الدرداء مرفوعا نحوه وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن عبدالله بن مغفل مرفوعا نحوه وأخرج النسائي والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود مرفوعا نحوه وسنده ضعيف وأخرجه الدارمي والبيهقي والحاكم وصححه من حديثه بنحوه وأخرج أبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي عن سهل بن سعد الساعدي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن لكل شيء سناما وسنام القرآن سورة القرآن من قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ) وأخرج أحمد ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن معقل بن يسار أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا واستخرجت ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( من تحت العرش فوصلت بها وأخرج البغوي في معجم الصحابة وابن عساكر في تاريخه عن ربيعة الجرسي قال ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي القرآن أفضل قال السورة التي يذكر فيها البقرة قيل فأي البقرة أفضل قال آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة نزلت من تحت العرش ) وأخرج أبو عبيد وأحمد والبخاري في صحيحه تعليقا ومسلم والنسائي عن أسيد بن حضير قال ( بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس


"""""" صفحة رقم 28 """"""
فسكت فسكنت فانصرف إلى ابنه يحيى وكان قريبا منها فأشفق أن تصيبه فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتدري ما ذاك قال لا يا رسول الله قال تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت تنظر إليها الناس لا تتوارى منهم ) ولهذا الحديث ألفاظ وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال ( بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعثا فاستقرأ كل رجل منهم ) يعني ما معه من القرآن ( فأتى على رجل من أحدثهم سنا فقال ما معك يا فلان قال معي كذا وكذا وسورة البقرة قال أمعك سورة البقرة قال نعم قال اذهب فأنت أميرهم ) وأخرج البيهقي في الدلائل عن عثمان بن أبي العاص قال استعملني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا أصغر القوم الذين وفدوا عليه من ثقيف وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن الصلصال بن الديهمس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا ) قال ( ومن قرأ سورة البقرة في ليلة توج بتاج في الجنة ) وأخرج أبو عبيد عن عباد بن عباد عن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قيل له ألم تر إلى ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح قال فلعله قرأ سورة البقرة قال فسئل ثابت فقال قرأت سورة البقرة قال ابن كثير وهذا إسناد جيد إلا أن فيه إبهاما ثم هو مرسل
وقد روى أئمة الحديث في فضائلها أحاديث كثيرة وآثارا عن الصحابة واسعة ومن فضائلها ما هو خاص بآية الكرسي وما هو خاص بخواتم هذه السورة وقد سبق بعض ذلك وما هو في فضلها وفضل آل عمران وقد سبق أيضا بعض من ذلك وما هو في فضل السبع الطوال كما أخرج أبو عبيد عن واثلة بن الأسقع عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أعطيت السبع مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل ) وفي إسناده سعيد بن بشير وفيه لين وقد رواه بسند آخر عن سعيد بن أبي هلال وأخرج أيضا عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أخذ السبع فهو خير ) وقد رواه عنها أحمد في المسند باللفظ أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أخذ السبع الأول من القرآن فهو خير ) وأخرج أبو عبيد عن سعيد بن جبير في قوله تعالى ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( قال هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس وبذلك قال مجاهد ومكحول وعطية بن قيس وأبو محمد القاري شداد بن عبدالله ويحيى بن الحارث الذماري
وقد ورد ما يدل على كراهة أن يقول القائل سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله فأخرج ابن الضريس والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة والسورة التي يذكر فيها آل عمران وكذا القرآن كله ) قال ابن كثير هذا حديث غريب لا يصح رفعه وفي إسناده يحيى بن ميمون الخواص وهو ضعيف الرواية لا يحتج به وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن ابن عمر قال ( لا تقولوا سورة البقرة ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة ) وقد روى عن جماعة من الصحابة خلاف هذا فثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة وأخرج


"""""" صفحة رقم 29 """"""
ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأهل السنن والحاكم وصححه عن حذيفة قال ( صليت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة من رمضان فافتتح البقرة فقلت يصلي بها في ركعة ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلا ) الحديث وأخرج أحمد وابن الضريس والبيهقي عن عائشة قالت ( كنت أقوم مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الليل فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء ) وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي والبيهقي عن عوف بن مالك الأشجعي قال ( قمت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف ) الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
البقرة 1
البقرة : ( 1 ) الم
) الم ( قال القرطبي في تفسيره اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين هي سر الله في القرآن ولله في كل كتاب من كتبه سر فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه ولا نحب أن نتكلم فيها ولكن نؤمن بها وتمد كما جاءت وروى هذا القول عن أبي بكر الصديق وعلي ابن أبي طالب قال وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر وقال أبو حاتم لم نجد الحروف في القرآن إلا في أوائل السور ولا ندري ما أراد الله عز وجل قال وقال جمع من العلماء كثير بل نحب أن نتكم فيها ونلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة فروى عن ابن عباس وعلي أيضا أن الحروف المقطعة في القرآن اسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها وقال قطرب والفراء وغيرهما هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي بناء كلامهم عليها ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم قال قطرب كان ينفرون عند استماع القرآن فلا نزل الم والمص استنكروا هذا اللفظ فلما أنصتوا له ( صلى الله عليه وسلم ) أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم وقال قوم روى أن المشركين لما أعرضوا عن القرآن بمكة ) وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ( فأنزلها استغربوها فيفتحون أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة وقال جماعة هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها كقول ابن عباس وغيره الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد وذهب إلى هذا الزجاج فقال أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة كقوله فقلت لها قفي فقالت قاف أي وقفت وفي الحديث ( من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة ) قال شقيق هو أن يقول في اقتل اق كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( كفى بالسيف شا ) أي شافيا وفي نسخة شاهدا وقال زيد بن أسلم هي أسماء للسور وقال الكلبي هي أقسام أقسم الله بها لشرفها وفضلها وهي من أسمائه ومن أدق ما أبرزه المتكلمون في معاني الحروف ما ذكره الزمخشري في الكشاف فإنه قال واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء وهي الألف واللام والميم والصاد والراد والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء ومن المجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون ومن الشديدة نصفها الألف والكاف والطاء


"""""" صفحة رقم 30 """"""
والقاف ومن الرخوة نصفها اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون ومن المطبقة نصفها الصاد والطاء ومن المنفتحة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء ومن المنخفضة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والتاء والعين والسين والحاء والنون ومن حروف القلقلة نصفها القاف والطاء ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكنوزة بالمذكورة منها فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته فكأن الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم وما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعا في تراكيب الكلم أن الألف واللام لما تكاثر وقوعها فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين وهي فواتح سورة البقرة وآل عمران والروم والعنكبوت ولقمان والسجدة والأعراف والرعد ويونس وإبراهيم وهود ويوسف والحجر انتهى وأقول هذا التدقيق لا يأتي بفائدة يعتد بها وبيانه أنه إذا كان المراد منه إلزام الحجة والتبكيت كما قال فهذا متيسر بأن يقال لهم هذا القرآن هو من الحروف التي تتكلمون بها ليس هو من حروف مغايرة لها فيكون هذا تبكيتا وإلزاما يفهمه كل سامع منهم من دون إلغاز وتعمية وتفريق لهذه الحروف في فواتح تسع وعشرين سورة فإن هذا مع ما فيه من التطويل الذي لا يستوفيه سامعه إلا بسماع جميع هذه الفواتح هو أيضا مما لا يفهمه أحد من السامعين ولا يتعقل شيئا منه فضلا عن أن يكون تبكيتا له وإلزاما للحجة أيا كان فإن ذلك هو أمر وراء الفهم مترتب عليه ولم يفهم السامع هذا ولا ذكر أهل العلم عن فرد من أفراد الجاهلية الذين وقع التحدي لهم بالقرآن أنه بلغ فهمه إلى بعض هذا فضلا عن كله ثم كون هذه الحروف مشتملة على النصف من جميع الحروف التي تركبت لغة العرب منها وذلك النصف مشتمل على أنصاف تلك الأنواع من الحروف المتصفة بتلك الأوصاف هو أمر لا يتعلق به فائدة لجاهلي ولا إسلامي ولا مقر ولا منكر ولا مسلم ولا معارض ولا يصح أن يكون مقصدا من مقاصد الرب سبحانه الذي أنزل كتابه للإرشاد إلى شرائعه والهداية به وهب أن هذه صناعة عجيبة ونكتة غريبة فليس ذلك مما يتصف بفصاحة ولا بلاغة حتى يكون مفيدا أنه كلام بليغ أو فصيح وذلك لأن هذه الحروف الواقعة في الفواتح ليست من جنس كلام العرب حتى يتصف بهذين الوصفين وغاية ما هناك أنها من جنس حروف كلامهم ولا مدخل لذلك فيما ذكر وأيضا لو فرض أنها كلمات متركبة بتقدير شيء قبلها أو بعدها لم يصح وصفها بذلك لأنها تعمية غير مفهومة للسامع إلا بأن يأتي من يريد بيانها بمثل ما يأتي به من أراد بيان الألغاز والتعمية وليس ذلك من الفصاحة والبلاغة في ورد ولا صدر بل من عكسهما وضد رسمهما وإذا عرفت هذا فاعلم أن من تكلم في بيان معاني هذه الحروف جازما بأن ذلك هو ما أراده الله عز وجل فقد غلط أقبح الغلط وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط فإنه إن كان تفسيره لها بما فسرها به راجعا إلى لغة العرب وعلومها فهو كذب بحت فإن العرب لم يتكلموا بشيء من ذلك وإذا سمعه السامع منهم كان معدودا عنده من الرطانة ولا ينافي ذلك أنهم قد يقتصرون على أحرف أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن تقدمه ما يدل عليه ويفيد معناه بحيث لا يلتبس على سامعه كمثل ما تقدم ذكره ومن هذا القبيل ما يقع منهم من الترخيم وأين هذه الفواتح الواقعة في أوائل السور من هذا وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادعوه من لغة العرب وعلومها لم يبق حينئذ إلا أحد امرين
الأول التفسير بمحض الرأي الذي ورد


"""""" صفحة رقم 31 """"""
النهي عنه والوعيد عليه وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه والتنكب عن طريقه وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبة لهم يتلاعبون به ويضعون حماقات أنظارهم وخزعبلات أفكارهم عليه
الثاني التفسير بتوقيف عن صاحب الشرع وهذا هو المهيع الواضح والسبيل القويم بل الجادة التي ما سواها مردوم والطريقة العامرة التي ما عداها معدوم فمن وجد شيئا من هذا فغير ملوم أن يقول بملء فيه ويتكلم بما وصل إليه علمه ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل لا أدري أو الله أعلم بمراده فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه ومحاولة الوقوف على علمه مع كونه ألفاظا عربية وتراكيب مفهومة وقد جعل الله تتبع ذلك صنيع الذين في قلوبهم زيغ فكيف بما نحن بصدده فإنه ينبغي أن يقال فيه إنه متشابه المتشابه على فرض أن للفهم إليه سبيلا ولكلام العرب فيه مدخلا فكيف وهو خارج عن ذلك على كل التقدير وانظر كيف فهم اليهود عند سماع الم فإنهم لما لم يجدوها على نمط لغة العرب فهموا أن الحروف المذكورة رمز إلى ما يصطلحون عليه من العدد الذي يجعلونه لها كما أخرج ابن إسحاق والبخاري في تاريخه وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس عن جابر بن عبدالله قال ( مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يتلو فاتحة سورة البقرة ) الم ذلك الكتاب لا ريب ( فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه ) الم ذلك الكتاب ( فقال أنت سمعته فقال نعم فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا محمد ألم تذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك ) الم ذلك الكتاب ( قال بلى قالوا أجاءك بهذا جبريل من عند الله قال نعم قالوا لقد بعث الله قبلك الأنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك فقال حيي بن أخطب وأقبل على من كان معه الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه واجل أمته إحدى وسبعون سنة ثم أقبل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد هل مع هذا غيره قال نعم قال وما ذاك قال ) المص ( قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وستون ومائة سنة هل مع هذا يا محمد غيره قال نعم قال وما ذاك قال ) الر ( قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان هذه إحدى وثلاثون سنة ومائتان فهل مع هذا غيره قال نعم ) المر ( قال فهذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون سنة ومائتان ثم قال لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري قليلا أعطيت أم كثيرا ثم قاموا فقال أبو ياسر لأخيه حيي ومن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وستون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم ) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ( فانظر ما بلغت إليه أفهامهم من هذا الأمر المختص بهم من عدد الحروف مع كونه ليس من لغة العرب في شيء وتأمل أي موضع أحق بالبيان من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من هذا الموضع فإن هؤلاء الملاعين قد جعلوا ما فهموه عند سماع ) الم ذلك الكتاب ( من ذلك العدد موجبا للتثبيط عن الإجابة له والدخول في شريعته فلو كان لذلك معنى يعقل ومدلول يفهم لدفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما ظنوه بادئ بدء حتى لا يتأثر عنه ما جاءوا به من التشكيك على من معهم
فإن قلت هل ثبت عن رسول الله في هذه الفواتح شيء يصلح للتمسك به قلت لا أعلم أن رسول الله


"""""" صفحة رقم 32 """"""
( صلى الله عليه وسلم ) تكلم في شيء من معانيها بل غاية ما ثبت عنه هو مجرد عدد حروفها فأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وصححة والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) وله طرق عن ابن مسعود وأخرج ابن أبي شيبة والبزار بسند ضعيف عن عوف بن مالك الأشجعي نحوه مرفوعا فإن قلت هل روى عن الصحابة شيء من ذلك بإسناد متصل بقائله أم ليس إلا ما تقدم من حكاية القرطبي عن ابن عباس وعلي قلت قد روى ابن جرير والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن ابن مسعود أنه قال الم حرف اشتقت من حروف اسم الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله آلم وحم ون قال اسم مقطع وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء عن ابن عباس أيضا في وقوله الم والمص والر والمر وكهيعص وطه وطسم وطس ويس وص وحم وق ون قال هو قسم أقسمه الله وهو من أسماء الله وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله الم قال هي اسم الله الأعظم وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله الم قال ألف مفتاح اسمه الله ولام مفتاح اسمه لطيف وميم مفتاح اسمه مجيد وقد روى نحو هذه التفاسير عن جماعة من التابعين فيهم عكرمة والشعبي والسدي وقتادة ومجاهد والحسن فإن قلت هل يجوز الاقتداء بأحد من الصحابة قال في تفسير شيء من هذه الفواتح قولا صح إسناده إليه قلت لا لما قدمنا إلا أن يعلم أنه قال ذلك عن علم أخذه عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن قلت هذا مما لا مجال للإجتهاد فيه ولا مدخل للغة العرب فلم لا يكون له حكم الرفع قلت تنزيل هذا منزلة المرفوع وإن قال به طائفة من أهل الأصول وغيرهم فليس مما ينشرح له صدور المنصفين ولا سيما إذا كان في مثل هذا المقام وهو التفسير لكلام الله سبحانه فإنه دخول في أعظم الخطر بما لا برهان عليه صحيح إلا مجرد قولهم إنه يبعد من الصحابي كل البعد أن يقول بمحض رأيه فيما لا مجال فيه للإجتهاد وليس مجرد هذا الاستبعاد مسوغا للوقوع في خطر الوعيد الشديد على أنه يمكن أن يذهب بعض الصحابة إلى تفسير بعض المتشابه كما تجده كثيرا في تفاسيرهم المنقولة عنهم ويجعل هذه الفواتح من جملة المتشابه ثم ها هنا مانع آخر وهو أن المروي عن الصحابة في هذا مختلف متناقض فإن عملنا بما قاله أحدهم دون الآخر كان تحكما لا وجه له وإن عملنا بالجميع كان عملا بما هو مختلف متناقض ولا يجوز ثم ها هنا مانع غير هذا المانع وهو أنه لو كان شيء لما قالوه مأخوذا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لاتفقوا عليه ولم يختلفوا كسائر ما هو مأخوذ عنه فلما اختلفوا في هذا علمنا أنه لم يكن مأخوذا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم لو كان عندهم شيء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في هذا لما تركوا حكياته عنه ورفعه إليه لا سيما عند اختلافهم واضطراب اقوالهم في مثل هذا الكلام الذي لا مجال للغة العرب فيه ولا مدخل لها والذي أراه لنفسي ولكل من أحب السلامة واقتدى بسلف الأمة أن لا يتكلم بشيء من ذلك مع الاعتراف بأن في إنزالها حكمة لله عز وجل لا تبلغها عقولنا ولا تهتدي إليها أفهامنا وإذا انتهيت إلى السلامة في مداك فلا تجاوزه وسيأتي لنا عند تفسير قوله تعالى ) منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ( كلام طويل الذيول وتحقيق تقبله صحيحات الأفهام وسليمات العقول


"""""" صفحة رقم 33 """"""
البقرة 2
البقرة : ( 2 ) ذلك الكتاب لا . . . . .
الإشارة بقوله ذلك إلى الكتاب المذكور بعده قال ابن جرير قال ابن عباس ) ذلك الكتاب ( هذا الكتاب وبه قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدى ومقاتل وزيد بن أسلم وابن جريج وحكاه البخاري عن أبي عبيدة والعرب قد تستعمل الإشارة إلى البعيد الغائب مكان الإشارة إلى القريب الحاضر كما قال خفاف أقول له والرمح يأطر متنه
تأمل خفافا أنني أنا ذلكا
أي أنا هذا ومنه قوله تعالى ) ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ( ) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم ( ) تلك آيات الله نتلوها عليك ( ) ذلكم حكم الله يحكم بينكم ( وقيل إن الإشارة إلى غائب واختلف في ذلك الغائب فقيل هو الكتاب الذي كتب على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق ) لا ريب فيه ( أي لا مبدل له وقيل ذلك الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل أن رحمته سبقت غضبه كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي ) وفي رواية ( سبقت ) وقيل الإشارة إلى ما قد نزل بمكة وقيل إلى ما في التوراة والإنجيل وقيل إشارة إلى قوله قبله الم ورجحه الزمخشري وقد وقع الاختلاف في ذلك إلى تمام عشرة أقوال حسبما حكاه القرطبي وارجحها ما صدرناه واسم الإشارة مبتدأ والكتاب صفته والخبر لا ريب فيه ومن جوز الابتداء بالم جعل ذلك مبتدأ ثانيا وخبره الكتاب أو هو صفته والخبر لا ريب فيه والجملة خبر المبتدأ ويجوز أن يكون المبتدأ مقدرا وخبره الم وما بعده والريب مصدر وهو قلق النفس واضطرابها وقيل إن الريب الشك قال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذا خلافا وقد يستعمل الريب في التهمة والحاجة حكى ذلك القرطبي ومعنى هذا النفي العام أن الكتاب ليس بمظنة للريب لوضوح دلالته وضوحا يقوم مقام البرهان المقتضي لكونه لا ينبغي الارتياب فيه بوجه من الوجوه والوقف على فيه هو المشهور وقد روى عن نافع وعاصم الوقف على لا ريب قال في الكشاف ولا بد للواقف من أن ينوي خبرا ونظيره قوله تعالى ) قالوا لا ضير ( وقول العرب لا بأس وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز والتقدير لا ريب فيه فيه هدى والهدى مصدر قال الزمخشري وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلال في مقابلته انتهى ومحله الرفع على الابتداء وخبره الظرف المذكور قبله على ما سبق قال القرطبي الهدى هديان هدى دلالة وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم قال الله تعالى ) ولكل قوم هاد ( وقال ) وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه وتفرد سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق فقال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) إنك لا تهدي من أحببت ( فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ومنه قوله تعالى ) أولئك على هدى من ربهم ( وقوله ) ولكن الله يهدي من يشاء ( انتهى والمتقين من ثبتت لهم التقوى قال ابن فارس واصلها في اللغة قلة الكلام وقال في الكشاف المتقي في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى والوقاية الصيانة ومنه فرس واق وهذه الدابة تقي من وجارها إذا أصابها ضلع من غلظ الأرض ورقة الحافر فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء يؤلمه وهو في الشريعة الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك انتهى وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن الكتاب القرآن لا ريب فيه لا شك فيه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( لا ريب فيه ) قال لا شك فيه وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال الريب الشك وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله وكذا ابن جرير عن مجاهد وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) هدى للمتقين ( قال نور للمتقين وهم المؤمنون وأخرج ابن إسحاق وابن جرير


"""""" صفحة رقم 34 """"""
وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) هدى للمتقين ( أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق مما جاء منه وأخرج ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل أنه قيل له من المتقون فقال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة أن رجلا قال له ما التقوى قال هل وجدت طريقا ذا شوك قال نعم قال فكيف صنعت قال إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه قال ذاك التقوى وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة حين يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام وقد روي نحو ما قاله أبو الدرداء عن جماعة من التابعين وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنة وابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عطية السعدي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس ) فالمصير إلى ما افاده هذا الحديث واجب ويكون هذا معنى شرعيا للمتقي أخص من المعنى الذي قدمنا عن صاحب الكشاف زاعما أنه المعنى الشرعي
3 ) الذين يؤمنون بالغيب (
البقرة : ( 3 ) الذين يؤمنون بالغيب . . . . .
هو وصف للمتقين كاشف والإيمان في اللغة التصديق وفي الشرع ما سيأتي والغيب في كلام العرب كل ما غاب عنك قال القرطبي واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا فقالت فرقة الغيب في هذه الآية هو الله سبحانه وضعفه ابن العربي وقال آخرون القضاء والقدر وقال آخرون القرآن وما فيه من الغيوب وقال آخرون الغيب كل ما أخبر به الرسول مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار قال ابن عطية وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها قال وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل حين قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت ) انتهى وهذا الحديث هو ثابت في الصحيح بلفظ ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره )
الآيات الواردة في تفسير الآية
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن تويلة بنت أسلم قالت ( صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا بأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد استقبل البيت فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فصلينا السجدتين الباقتين ونحن مستقبلون البيت الحرام فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أولئك قوم آمنوا بالغيب ) وأخرج البزار وأبو يعلى والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال ( كنت جالسا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا فقالوا يا رسول الله الملائكة قال هم كذلك ويحق لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا يا رسول الله الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته والنبوة قال هم كذلك ويحق لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء قال هم كذلك وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة قالوا فمن يا رسول الله قال أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ويصدقوني ولم يروني يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا ) وفي إسناده محمد بن أبي حميد وفيه ضعف وأخرج الحسن بن


"""""" صفحة رقم 35 """"""
عرفة في حزبه المشهور والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحو الحديث الأول وفي إسناده المغيرة بن قيس البصري وهو منكر الحديث وأخرج نحوه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا والإسماعيلي عن أبي هريرة مرفوعا أيضا والبزار عن أنس مرفوعا وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يا ليتني قد لقيت إخواني قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك قال بلى ولكن قوم يجيئون من بعدكم يؤمنون بي إيمانكم ويصدقوني تصديقكم وينصروني نصركم فيا لتني قد لقيت إخواني ) وأخرج نحوه ابن عساكر في الأربعين السباعية من حديث أنس وفي إسناده أبو هدبة وهو كذاب وزاد فيه ( ثم قرا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ( الآية ) وأخرج أحمد والدارمي والبارودي وابن قانع معا في معجم الصحابة والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي جمعة الأنصاري قال ( قلت يا رسول الله هل من قوم أعظم منا اجرا آمنا بك واتبعناك قال ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء بل قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون بي ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا ) وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والحاكم عن أبي عبدالرحمن الجهني قال ( بينما نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذ طلع راكبان فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كنديان أو مذحجيان حتى أتيا فإذا رجلان من مذحج فدنا أحدهما ليبايعه فلما أخذ بيده قال يا رسول الله أرأيت من جاءك فآمن بك واتبعك وصدقك فماذا له قال طوبى له فمسح على زنده وانصرف ثم جاء الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه فقال يا رسول الله أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك قال طوبى له ثم طوبى له ثم مسح على زنده وانصرف ) وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبي لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات ) وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد ( أن رجلا قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك قال طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ) وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن ابن عمر نحوه وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث أنس نحو حديث أبي أمامة الباهلي المتقدم وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد ابن منيع في مسنده وابن أبي حاتم وابن الضباري والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه قال والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ ) الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ( إلى قوله ) المفلحون ( وللتابعين أقوال والراجح ما تقدم من الإيمان الشرعي يصدق على جميع ما ذكر هنا قال ابن جرير والأولى أن تكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولا واعتقادا وعملا قال وتدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل وقال ابن كثير إن الإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا هكذا ذهب إليه اكثير الأئمة بل قد حكاه الشافي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وقد ورد فيه آيات كثيرة انتهى
3 ) ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (
هو معطوف على يؤمنو والإقامة في الأصل الدوام والثبات يقال قام الشيء أي دام وثبت وليس من القيام على الرجل وإنما هو من قولك قام الحق أي ظهر وثبت قال الشاعر وقامت الحرب بنا على ساق
وقال آخر وإذا يقال أقيموا لم تبرحوا
حتى تقيم الخيل سوق طعان


"""""" صفحة رقم 36 """"""
وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها والصلاة أصلها في اللغة الدعاء من صلى يصلي إذا دعا وقد ذكر هذا الجوهري وغيره وقال قوم هي مأخوذة من الصلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل لأنه يأتي في الحلبة ورأسه عند صلوي السابق فاشتقت منه الصلاة لأنها ثانية للإيمان فشبهت بالمصلى من الخيل وإما لأن الراكع يثني صلويه والصلا مغرز الذنب من الفرس والإثنان صلوان والمصلى تالي السابق لأن رأسه عند صلوه ذكر هذا القرطبي في تفسيره وقد ذكر المعنى الثاني في الكشاف هذا المعنى اللغوي وأما المعنى الشرعي فهو هذه الصلاة التي هي ذات الأركان والأذكار وقد اختلف أهل العلم هل هي مبقاة على أصلها اللغوي أو موضوعة وضعا شرعيا ابتدائيا فقيل بالأول وإنما جاء الشرع بزيادات هي الشروط والفروض الثابتة فيها وقال قوم بالثاني والرزق عند الجمهور ما صلح للإنتفاع به حلالا كان أو حراما خلافا للمعتزلة فقالوا إن الحرام ليس برزق وللبحث في هذه المسألة موضع غير هذا والإنفاق إخراج المال من اليد وفي المجيء بمن التبعيضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك الإسراف وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله ) يقيمون الصلاة ( قال الصلوات الخمس ) ومما رزقناهم ينفقون ( قال زكاة أموالهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أن إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها ) ومما رزقناهم ينفقون ( قال أنفقوا في فرائض الله التي افترض عليهم في طاعته وسبيله وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) ومما رزقناهم ينفقون ( قال هي نفقة الرجل على أهله وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كانت النفقات قربات يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر ميسورهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة هن الناسخات المبينات واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات وهو الحق من غير فرق بين النفقة على الأقارب وغيرهم وصدقة الفرض والنفل وعدم التصريح بنوع من الأنواع التي يصدق عليها مسمى الإنفاق يشعر أتم إشعار بالتعميم
البقرة 4
البقرة : ( 4 ) والذين يؤمنون بما . . . . .
قيل هم مؤمنو أهل الكتاب فإنهم جمعوا بين الإيمان بما أنزل الله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما انزله على من قبله وفيهم نزلت وقد رجح هذا ابن جرير ونقله السدي في تفسيره عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة واستشهد له ابن جرير بقوله تعالى ) وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ( وبقوله تعالى ) الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين ( الآية والآية الأولى نزلت في مؤمني العرب وقيل الآيتان جميعا في المؤمنين على العموم وعلى هذا فهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى صفة للمتقين بعد صفة ويجوز أن تكون مرفوعة على الاستئناف ويجوز أن تكون معطوفة على المتقين فيكون التقدير هدى للمتقين وللذين يؤمنون بما أنزل إليك والمراد بما أنزل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو القرآن وما أنزل من قبله هو الكتب السالفة والإيقان إيقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه قاله في الكشاف والمراد أنهم يوقنون بالبعث والنشور وسائر أمور الآخرة من دون شك والآخرة تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول وهي صفة الدار كما في قوله تعالى ) تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ( وفي تقديم الظرف مع بناء


"""""" صفحة رقم 37 """"""
الفعل على الضمير المذكور إشعار بالحصر وأن ما عدا هذا الأمر الذي هو أساس الإيمان ورأسه ليس بمستأهل للإيقان به والقطع بوقوعه وإنما عبر بالماضي مع أنه لم ينزل إذ ذاك إلا البعض لا الكل تغليبا للموجود على ما لم يوجد أو تنبيها على تحقق الوقوع كأنه بمنزلة النازل قبل نزوله وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ( أي يصدقونك بما جئت به من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم ) وبالآخرة هم يوقنون ( إيمانا بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان أي لا هؤلاء الذي يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاء من ربك وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه
والحق أن هذه الآية في المؤمنين كالتي قبلها وليس مجرد ذكر الإيمان بما أنزل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما أنزل إلى من قبله بمقتض لجعل ذلك وصفا لمؤمني أهل الكتاب ولم يأت ما يوجب المخالفة لهذا ولا في النظم القرآني ما يقتضي ذلك وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين في غير آية فمن ذلك قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ( وكقوله ) وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ( وقوله ) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ( وقال ) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم (
سورة البقرة 5
البقرة : ( 5 ) أولئك على هدى . . . . .
هذا كلام مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل كيف حال هؤلاء الجامعين بين التقوى والإيمان بالغيب والإتيان بالفرائض والإيمان بما أنزل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقيل ) أولئك على هدى ( ويمكن أن يكون هذا خبرا عن الذين يؤمنون بالغيب إلخ فيكون متصلا بما قبله قال في الكشاف ومعنى الاستعلاء في قوله ) على هدى ( مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه ونحوه هو على الحق وعلى الباطل وقد صرحوا بذلك في قوله جعل الغواية مركبا وامتطى الجهل واقتعد عارب الهوى انتهى وقد أطال المحققون الكلام على هذا بما لا يتسع له المقام واشتهر الخلاف في ذلك بين المحقق السعد والمحقق الشريف واختلف من بعدهم في ترجيح الراجح من القولين وقد جمعت في ذلك رسالة سميتها [ الطود المنيف في ترجيح ما قاله السعد على ما قاله الشريف ] فليرجع إليها من أراد أن يتضح له المقام ويجمع بين أطراف الكلام على التمام قال ابن جرير إن معنى ) أولئك على هدى من ربهم ( على نور من ربهم وبرهان وإستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفيقه لهم و ) المفلحون ( أي المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله هذا معنى كلامه والفلاح أصله في اللغة الشق والقطع قاله أبو عبيد ويقال الذي شقت شفته أفلح ومنه سمى الأكار فلاحا لأنه شق الأرض بالحرث فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه قال القرطبي وقد يستعمل في الفوز والبقاء وهو أصله أيضا في اللغة فمعنى ) أولئك هم المفلحون ( الفائزون بالجنة والباقون وقال في الكشاف المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه انتهى وقد استعمل الفلاح في السحور ومنه الحديث الذي أخرجه أبو داود ( حتى كاد يفوتنا الفلاح مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قلت وما الفلاح قال السحور فكأن معنى الحديث أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سمي فلاحا وفي تكرير اسم الإشارة دلالة على أن كلا من


"""""" صفحة رقم 38 """"""
الهدى والفلاح المستقل بتميزهم به عن غيرهم بحيث لو انفرد أحدهما لكفى تميزا على حياله وفائدة ضمير الفصل الدلالة على اختصاص المسند إليه بالمسند دون غيره وقد روى السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة أن الذي يؤمنون بالغيب هم المؤمنون من العرب الذين يؤمنون بما أنزل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما أنزل إلى من قبله هم والمؤمنون من أهل الكتاب ثم جمع الفريقين فقال ) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( وقد قدمنا الإشارة إلى هذا وإلى ما هو أرجح منه كما هو منقول عن مجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة وأخرج ابن أبي حاتم من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( قيل يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نيأس أو كما قال فقال ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار قالوا بلى يا رسول الله قال ) الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ( إلى قوله ) المفلحون ( هؤلاء أهل الجنة قالوا إنا نرجو أن نكون هؤلاء ثم قال ) إن الذين كفروا سواء عليهم ( إلى قوله ) عظيم ( هؤلاء أهل النار قالوا ألسنا هم يا رسول الله قال أجل )
وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث منها ما أخرجه عبدالله بن أحمد في زوائد المسند والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب قال ( كنت عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فجاء أعرابي فقال يا نبي الله إن لي أخا وبه وجع فقال وما وجعه قال به لمم قال فائتني به فوضعه بين يديه فعوذه النبي بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة وهاتين الآيتين ) وإلهكم إله واحد ( وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة وآية من آل عمران ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( وآية من الأعراف ) إن ربكم الله ( وآخر سورة المؤمنين ) فتعالى الله الملك الحق ( وآية من سورة الجن ) وأنه تعالى جد ربنا ( وعشر آيات من أول الصافات وثلاث آيات من آخر سورة الحشر وقل هو الله أحد والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشتك قط ) وأخرج نحوه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عبدالرحمن بن أبي يعلى عن رجل عن أبي مثله وأخرج الدارمي وابن الضريس عن ابن مسعود قال من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعد آية الكرسي وثلاثا من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه في أهله ولا ماله ولا تقرأ على مجنون إلا أفاق وأخرج الدارمي وابن المنذر والطبراني عنه قال من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح أربع من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث خواتمها أولها ) لله ما في السماوات ( ) وأخرج سعيد بن منصور والدارمي والبيهقي عن المغيرة بن سبيع وكان من أصحاب عبدالله بن مسعود بنحوه وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا مات أحدكم فلا تحبسوه واسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة ) وقد ورد في ذلك غير هذا
البقرة 6 7
البقرة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . .
ذكر سبحانه فريق الشر بعد الفراغ من ذكر فريق الخير قاطعا لهذا الكلام عن الكلام الأول معنونا له بما يفيد أن شأن جنس الكفرة عدم إجداء الإنذار لهم وأنه لا يترتب عليهم ما هو المطلوب منهم من الإيمان وأن وجود ذلك كعدمه وسواء اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر والهمزة وأم مجردتان لمعنى


"""""" صفحة رقم 39 """"""
الاستواء غير مراد بهما ما هو أصلهما من الاستفهام وصح الابتداء بالفعل والإخبار عنه بقوله سواء هجرا لجانب اللفظ إلى جانب المعنى كأنه قال الإنذار وعدمه سواء كقولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أي سماعك وأصل الكفر في اللغة الستر والتغطية قال الشاعر في ليلة كفر النجوم غمامها
أي سترها ومنه سمى الكافر كافرا لأنه يغطي بكفره ما يجب أن يكون عليه من الإيمان والإنذار الإبلاغ والإعلام قال القرطبي واختلف العلماء في تأويل هذه الاية فقيل هي عامة ومعناها الخصوص فيمن سبقت عليه كلمة العذاب وسبق في علم الله أنه يموت على كفره أراد الله تعالى أن يعلم الناس أن فيهم من هذا حاله دون أن يعين أحدا وقال ابن عباس والكلبي نزلت في رؤساء اليهود حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظرائهما وقال الربيع بن أنس نزلت فيمن قتل يوم بدر من قادة الأحزاب والأول أصح فإن من عين أحدا فإنما مثل بمن كشف الغيب بموته على الكفر انتهى وقوله ) لا يؤمنون ( خبر مبتدأ محذوف أي هم لا يؤمنون وهي جملة مستأنفة لأنها جواب سؤال مقدر كأنه قيل هؤلاء الذين استوى حالهم مع الإنذار وعدمه ماذا يكون منهم فقيل لا يؤمنون أي هم لا يؤمنون وقال في الكشاف إنها جملة مؤكدة للجملة الأولى أو خبر لأن والجملة قبلها اعتراض انتهى والأولى ما ذكرناه لأن المقصود الإخبار عن عدم الاعتداد بإنذارهم وأنه لا يجدي شيئا بل بمنزلة العدم فهذه الجملة هي التي وقعت خبرا لأن وما بعدها من عدم الإيمان متسبب عنها لا أنه المقصود وقد قال بمثل قول الزمخشري القرطبي وقال ابن كيسان إن خبر إن سواء وما بعده يقوم مقام الصلة وقال محمد ابن يزيد المبرد سواء رفع بالابتداء وخبره أأنذرتهم أم لم تنذرهم والجملة خبر إن
البقرة : ( 7 ) ختم الله على . . . . .
والختم مصدر ختمت الشيء ومعناه التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء ومنه ختم الكتاب والباب وما يشبه ذلك حتى لا يوصل إلى ما فيه ولا يوضع فيه غيره والغشاوة الغطاء ومنه غاشية السرج والمراد بالختم والغشاوة هنا هما المعنويان لا الحسيان أي لما كانت قلوبهم غير واعية لما وصل إليها والأسماع غير مؤدية لما يطرقها من الآيات البينات إلى العقل على وجه مفهوم والأبصار غير مهدية للنظر في مخلوقاته وعجائب مصنوعاته جعلت بمنزلة الأشياء المختوم عليها ختما حسيا والمستوثق منها استيثاقا حقيقيا والمغطاة بغطاء مدرك استعارة أو تمثيلا وإسناد الختم إلى الله قد احتج به أهل السنة على المعتزلة وحاولوا دفع هذه الحجة بمثل ما ذكره صاحب الكشاف والكلام على مثل هذا متقرر في مواطنه
وقد اختلف في قوله تعالى ) وعلى سمعهم ( هل هو داخل في حكم الختم فيكون معطوفا على القلوب أو في حكم التغشية فقيل إن الوقف على قوله ) وعلى سمعهم ( تام وما بعده كلام مستقل فيكون الطبع على القلوب والأسماع والغشاوة على الأبصار كما قاله جماعة وقد قرئ ) غشاوة ( بالنصب قال ابن جرير يحتمل أنه نصبها بإضمار فعل تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة ويحتمل أن يكون نصبها على الإتباع على محل ) وعلى سمعهم ( كقوله تعالى ) وحور عين ( وقول الشاعر
علفتها تبنا وماء باردا
وإنما وحد السمع مع جمع القلوب والأبصار لأنه مصدر يقع على القليل والكثير والعذاب هو ما يؤلم وهو مأخوذ من الحبس والمنع يقال في اللغة أعذبه عن كذا حبسه ومنعه ومنه عذوبة الماء لأنها حبست في الإناء حتى صفت
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) سواء عليهم أأنذرتهم ( قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول وأخرج


"""""" صفحة رقم 40 """"""
ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا في تفسير الآية أنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق فكيف يسمعون منك انذارا وتحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك ) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) إن الذين كفروا ( قال نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( قال فهم الذين قتلوا يوم بدر ولم يدخل القادة في الإسلام إلا رجلان أبو سفيان والحكم بن العاص وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله ) أأنذرتهم أم لم تنذرهم ( قال أوعظتهم أم لم تعظهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في هذه الآية قال أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الختم على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم فلا يعقلون ولا يسمعون وجعل على أبصارهم يعني أعينهم غشاوة فهم لا يبصرون وروى ذلك السدي عن جماعة من الصحابة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال الختم على القلب والسمع والغشاوة على البصر قال الله تعالى ) فإن يشأ الله يختم على قلبك ( وقال ) وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ( قال ابن جرير في معنى الختم والحق عندي في ذلك ما صح نظيره عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ذكر إسنادا متصلا بأبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تغلق قلبه ) فذلك الران الذي قال الله ) كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( ) وقد رواه من هذا الوجه الترمذي وصححه والنسائي ثم قال ابن جرير فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله سبحانه والطبع فلا يكون اليها مسلك ولا للكفر منها مخلص فذلك هو الختم الذي أذكره الله في قوله ) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ( نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها فذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قولبهم إلا بعد فض خاتمه وحل رباطه عنها
البقرة 8 9
البقرة : ( 8 ) ومن الناس من . . . . .
ذكر سبحانه في أول هذه السورة المؤمنين الخلص ثم ذكر بعدهم الكفرة الخلص ثم ذكر ثالثا المنافقين وهم الذين لم يكونوا من إحدى الطائفتين بل صاروا فرقة ثالثة لأنهم وافقوا في الظاهر الطائفة الأولى وفي الباطن الطائفة الثانية ومع ذلك فهم أهل الدرك الأسفل من النار وأصل ناس أناس حذفت همزته تخفيفا وهو من النوس وهو الحركة يقال ناس ينوس أي تحرك وهو من أسماء الجموع جمع إنسان وإنسانة على غير لفظه واللام الداخلة عليه للجنس ومن تبعضية أي بعض الناس ومن موصوفة أي ومن الناس ناس يقول والمراد باليوم الآخر الوقت الذي لا ينقطع بل هو دائم أبدا
البقرة : ( 9 ) يخادعون الله والذين . . . . .
والخداع في أصل اللغة الفساد حكاه ثعلب وقال عن ابن الأعرابي وأنشد


"""""" صفحة رقم 41 """"""
أبيض اللون رقيق طعمه
طيب الريق إذا الريق خدع
وقيل أصله الإخفاء ومنه مخدع البيت الذي يحرز فيه الشيء حكاه ابن فارس وغيره والمراد من مخادعتهم لله أنهم صنعوا معه صنع المخادعين وإن كان العالم الذي لا يخفى عليه شيء لا يخدع وصيغة فاعل تفيد الاشتراك في أصل الفعل فكونهم يخادعون الله والذين آمنوا يفيد أن الله سبحانه والذين آمنوا يخادعونهم والمراد بالمخادعة من الله أنه لما أجرى عليهم أحكام الإسلام مع أنهم ليسوا منه في شيء فكأنه خادعهم بذلك كما خادعوه بإظهار الإسلام وإبطال الكفر مشاكلة لما وقع منهم بما وقع منه والمراد بمخادعة المؤمنين لهم هو أنهم أجروا عليهم ما أمرهم الله به من أحكام الإسلام ظاهرا وإن كانوا يعلمون فساد بواطنهم كما أن المنافقين خادعوهم بإظهار الإسلام وإبطان الكفر والمراد بقوله تعالى ) وما يخدعون إلا أنفسهم ( الإشعار بأنهم لما خادعوا من لا يخدع كانوا مخادعين لأنفسهم لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن وأما من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع فإنما يخدع نفسه وما يشعر بذلك ومن هذا قول من قال من خادعته فانخدع لك فقد خدعك وقد قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ) يخادعون ( في الموضعين وقرأ حمزة وعاصم والكسائي وابن عامر في الثاني ) يخدعون ( والمراد بمخادعتهم أنفسهم أنه يمنونها الأماني الباطلة وهي كذلك تمنيهم قال أهل اللغة شعرت بالشيء فطنت قال في الكشاف والشعور علم الشيء علم حس من الشعار ومشاعر الإنسان حواسه والمعنى أن لحوق ضرر ذلك لهم كالمحسوس وهم لتمادي غفلتهم كالذي لا حس له والمراد بالأنفس هنا ذواتهم لا سائر المعاني التي تدخل في مسمى النفس كالروح والدم والقلب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنهم المنافقون من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود أنه قال والمراد بهذه الآية المنافقون وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج ابن المنذر عن ابن سيرين قال لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية ) ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( وأخرج ابن سعد عن حذيفة أنه قيل له ما النفاق قال أن يتكلم بالإسلام ولا يعمل به وأخرج أحمد بن منيع في مسنده بسند ضعيف عن رجل من الصحابة أن قائلا من المسلمين قال يا رسول الله ما النجاة غدا قال لا تخادع الله قال وكيف نخادع الله قال أن تعمل بما أمرك الله به تريد به غيره فاتقوا الرياء فإنه الشرك بالله فإن المرائي ينادى يوم القيامة على رءوس الخلائق بأربعة أسماء يا كافر يا فاجر يا خاسر يا غادر ضل عملك وبطل أجرك فلا خلاق لك اليوم عند الله فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع وقرأ آيات من القرآن ) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ( الآية و ) إن المنافقين يخادعون الله ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن وهب قال سألت ابن زيد عن قوله ) يخادعون الله والذين آمنوا ( قال هؤلاء المنافقون يخادعون الله ورسوله والذين آمنوا أنهم مؤمنون بما أظهروه وعن قوله ) وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ( أنهم ضروا أنفسهم بما أضمروا من الكفر والنفاق وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) يخادعون الله ( قال يظهرون لا إله إلا الله يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم وفي أنفسهم غير ذلك
البقرة 10
البقرة : ( 10 ) في قلوبهم مرض . . . . .
المرض كل ما يخرج به الإنسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في أمر قاله ابن فارس وقيل هو الألم فيكون على هذا مستعارا للفساد الذي في عقائدهم إما شكا ونفاقا أو جحدا وتكذيبا وتقديم


"""""" صفحة رقم 42 """"""
الخبر للإشعار بأن المرض مختص بها مبالغة في تعلق هذا الداء بتلك القلوب لما كانوا عليه من شدة الحسد وفرط العداوة والمراد بقوله ) فزادهم الله مرضا ( الإخبار بأنهم كذلك بما يتجدد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من النعم ويتكرر له من منن الله الدنيوية والدينية ويحتمل أن يكون دعاء عليهم بزيادة الشك وترادف الحسرة وفرط النفاق والأليم المؤلم أي الموجع و ( ما ) في قوله ) بما كانوا يكذبون ( مصدرية أي بتكذيبهم وهو قولهم ) آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( والقراء مجمعون على فتح الراء من قوله مرض إلا ما رواه الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأ بإسكان الراء وقرأ حمزة وعاصم والكسائي ( يكذبون ) بالتخفيف والباقون بالتشديد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) في قلوبهم مرض ( قال شك ) فزادهم الله مرضا ( قال شكا وأخرج عنه ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) في قلوبهم مرض ( قال النفاق ) ولهم عذاب أليم ( قال نكال موجع ) بما كانوا يكذبون ( قال يبدلون ويحرفون وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثل ما قاله ابن عباس أولا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كل شيء في القرآن اليم فهو الموجع وأخرج أيضا عن أبي العالية مثله وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) في قلوبهم مرض ( أي ريبة وشك في أمر الله ) فزادهم الله مرضا ( ريبة وشكا ) ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ( قال إياكم والكذب فإنه باب النفاق وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال هذا مرض في الدين وليس مرضا في الأجساد وهم المنافقون والمرض الشك الذي دخل في الإسلام وروى عن عكرمة وطاوس أن المرض الرياء
البقرة 11 12
البقرة : ( 11 ) وإذا قيل لهم . . . . .
( إذا ) في موضع نصب على الظرف والعامل فيه قالوا المذكور بعده وفيه معنى الشرط والفساد ضد الصلاح وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى ضدها فسد الشيء يفسد فسادا وفسودا فهو فاسد وفسيد والمراد في الآية لا تفسدوا في الأرض بالنفاق وموالاة الكفرة وتفريق الناس عن الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن فإنكم إذا فعلتم ذلك فسد ما في الأرض بهلاك الأبدان وخراب الديار وبطلان الزرائع كما هو مشاهد عند ثوران الفتن والتنازع و ( إنما ) من أدوات القصر كما هو مبين في علم المعاني والصلاح ضد الفساد لما نهاهم الله عن الفساد الذي هو دابهم أجابوا بهذه الدعوى العريضة ونقلوا أنفسهم من الأتصاف بما هي عليه حقيقة وهو الفساد إلى الإتصاف بما هو ضد لذلك وهو الصلاح ولم يقفوا عند هذا الكذب البحت والزور المحض حتى جعلوا صفة الصلاح مختصة بهم خالصة لهم
البقرة : ( 12 ) ألا إنهم هم . . . . .
فرد الله عليهم ذلك أبلغ رد لما يفيده حرف التنبيه من تحقيق ما بعده ولما في إن من التأكيد وما في تعريف الخبر مع توسيط ضمير الفصل من الحصر المبالغ فيه بالجمع بين أمرين من الأمور المفيدة له وردهم إلى صفة الفساد التي هم متصفون بها في الحقيقة ردا مؤكدا مبالغا فيه بزيادة على ما تضمنته دعواهم الكاذبة من مجرد الحصر المستفاد من إنما وأما نفي الشعور عنهم فيحتمل أنهم لما كانوا يظهرون الصلاح مع علمهم أنهم على الفساد الخاص ظنوا أن ذلك ينفق على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وينكتم عنه بطلان ما أضمروه ولم يشعروا بأنه عالم به وأن الخبر يأتيه بذلك من السماء فكان نفي الشعور عنهم من هذه


"""""" صفحة رقم 43 """"""
الله تبارك وتعالى الرب عز وجل الحيثية لا من جهة أنهم لا يشعرون بأنهم على الفساد ويحتمل أن فسادهم كان عندهم صلاحا لما استقر في عقولهم من محبة الكفر وعداوة الإسلام
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن مسعود أنه قال الفساد هنا هو الكفر والعمل بالمعصية وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إنما نحن مصلحون ( أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب وأخرج ابن جرير عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال إذا ركبوا معصية فقيل لهم لا تفعلوا كذا قالوا إنما نحن على الهدى وأخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمان أنه قرأ هذه الآية فقال لم يجيء أهل هذه الآية بعد قال ابن جرير يحتمل أن سلمان أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادا من الذين كانوا في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا أنه عني أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد انتهى ويحتمل أن سلمان يرى أن هذه الآية ليست في المنافقين بل يحملها على مثل أهل الفتن التي يدين أهلها بوضع السيف في المسلمين كالخوارج وسائر من يعتقد في فساده أنه صلاح لما يطرأ عليه من الشبه الباطلة
البقرة 13
البقرة : ( 13 ) وإذا قيل لهم . . . . .
أي وإذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من المهاجرين والأنصار أجابوا بأحمق جواب وأبعده عن الحق والصواب فنسبوا إلى المؤمنين السفه استهزاء واستخفافا فتسببوا بذلك إلى تسجيل الله عليهم بالسفه بأبلغ عبارة وآكد قول وحصر السفاهة وهي رقة الحلوم وفساد البصائر وسخافة العقول فيهم مع كونهم لا يعلمون أنهم كذلك إما حقيقة أو مجازا تنزيلا لإصرارهم على السفه منزلة عدم العلم بكونهم عليه وأنهم متصفون به ولما ذكر الله هنا السفه ناسبه نفي العلم عنهم لأنه لا يتسافه إلا جاهل والكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف أي إيمانا كإيمان الناس
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في وقوله ) وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ( أي صدقوا كما صدق أصحاب محمد أنه نبي ورسول وأن ما أنزل عليه حق ) قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ( يعنون أصحاب محمد ) ألا إنهم هم السفهاء ( يقول الجهال ) ولكن لا يعلمون ( يقول لا يعقلون وروى عن ابن عساكر في تاريخه بسند واه أنه قال ) آمنوا كما آمن الناس ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) كما آمن السفهاء ( قال يعنون أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عن الربيع وابن زيد مثله وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود أي إذا قيل لهم يعني اليهود ) آمنوا كما آمن الناس ( عبدالله بن سلام وأصحابه ) قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء (
البقرة 14 15
البقرة : ( 14 ) وإذا لقوا الذين . . . . .
( لقوا ) أصله لقيوا نقلت الضمة إلى القاف وحذفت الياء لالتقاء الساكنين ومعنى لقيته ولاقيته استقبلته قريبا وقرأ محمد بن السميفع اليماني وأبو حنيفة لاقوا وأصله لاقيوا تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا


"""""" صفحة رقم 44 """"""
ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين وخلوت بفلان وإليه إذا انفردت به وإنما عدى بإلى وهو يتعدى بالباء فيقال خلوت به لا خلوت إليه لتضمنه معنى ذهبوا وانصرفوا والشياطين جمع شيطان على التكسير وقد اختلف كلام سيبويه في نون الشيطان فجعلها في موضع من كتابه أصلية وفي آخر زائدة فعلى الأول هو من شطن أي بعد عن الحق وعلى الثاني من شط أي بعد أو شاط أي بطل وشاط أي احترق وأشاط إذا هلك قال وقد يشيط على أرماحنا البطل
أي يهلك وقال آخر وأبيض ذي تاج أشاطت رماحنا
لمعترك بين الفوارس أقتما
أي أهلكت وحكي سيبويه أن العرب تقول تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين ولو كان من شاط لقالوا تشيط ومنه قول أمية بن أبي الصلت أيما شاطن عصاه عكا
ورماه في السجن والأغلال
وقوله ( إنا معكم ) معناه مصاحبوكم في دينكم وموافقوكم عليه والهزوء السخرية واللعب قال الراجز قد هزئت مني أم طيسله
قالت أراه معدما لا مال له
قال في الكشاف واصل الباب الخفة من الهزء وهو القتل السريع وهزأ يهزأ مات على المكان عن بعض العرب مشيت فلغبت فظننت لأهزأن على مكاني وناقته تهزأ به أي تسرع وتخف انتهى وقيل أصله الانتقام قال الشاعر قد استهزءوا منهم بألفي مدجج
سراتهم وسط الصحاصح جثم
فافاد قولهم ) إنا معكم ( أنهم ثابتون على الكفر وأفاد قولهم ) إنما نحن مصلحون ( ردهم للإسلام ورفعهم للحق وكأنه جواب سؤال مقدر ناشيء من قولهم إنا معكم أي إذا كنتم معنا فما بالكم إذا لقيتم المسلمين وافقتموهم فقالوا إنما نحن مستهزءون بهم في تلك الموافقة ولم تكن بواطننا موافقة لهم ولا مائلة إليهم
البقرة : ( 15 ) الله يستهزئ بهم . . . . .
فرد الله ذلك عليهم بقوله ) الله يستهزئ بهم ( أي ينزل بهم الهوان والحقارة وينتقم منهم ويستخف بهم انتصافا منهم لعباده المؤمنين وإنما جعل سبحانه ما وقع منه استهزاء مع كونه عقوبة ومكافأة ماشكلة وقد كانت العرب إذا وضعت لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ذكرته بمثل ذلك اللفظ وإن كان مخالفا له في معناه وورد ذلك في القرآن كثيرا ومنه ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( ) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حتى ومنه ) ومكروا ومكر الله ( و ) إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا ( ) يخادعون الله والذين آمنوا ( ) يخادعون الله وهو خادعهم ( ) تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( وهو في السنة كثير كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله لا يمل حتى تملوا ) وإنما قال ) الله يستهزئ بهم ( لأنه يفيد التجدد وقتا بعد وقت وهو أشد عليهم وأنكأ لقلوبهم وأوجع لهم من الاستهزاء الدائم الثابت المستفاد من الجملة الإسمية لما هو محسوس من أن العقوبة الحادثة وقتا بعد وقت والمتجددة حينا بعد حين أشد على من وقعت عليه من العذاب الدائم المستمر لأنه يألفه ويوطن نفسه عليه والمد الزيادة قال يونس بن حبيب يقال مد في الشر وأمد في الخير ومنه ) وأمددناكم بأموال وبنين ( ) وأمددناهم بفاكهة ولحم ( وقال الأخفش مددت له إذا تركته وأمددته إذا أعطيته وقال الفراء واللحياني مددت فيما كانت زيادته من مثله يقال مد النهر ومنه ) والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ( وأمددت فيما كانت زيادته من غيره ومنه ) يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة ( والطغيان مجاوزة الحد والغلو في الكفر ومنه ) إنا لما طغى الماء ( أي تجاوز المقدار الذي قدرته الخزان وقوله في فرعون ) إنه طغى ( أي أسرف في الدعوى حيث قال ) أنا ربكم الأعلى ( والعمه والعامه الحائر المتردد


"""""" صفحة رقم 45 """"""
وذهبت إبله لعمهى إذا لم يدر أين ذهبت والعمه في القلب كالعمى في العين قال في الكشاف العمه مثل العمى إلا أن العمى في البصر والرأي والعمه في الرأي خاصة انتهى والمراد أن الله سبحانه يطيل لهم المدة ويمهلهم كما قال ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( قال ابن جرير ) في طغيانهم يعمهون ( في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم يترددون حيارى ضلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها فلا يبصرون رشدا ولا يهتدون سبيلا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الواحدي والثعلبي بسند واه لأن فيه محمد بن مروان وهو متروك عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي وأصحابه وذكر قصة وقعت لهم مع أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو بعضهم قالوا إنا على دينكم ) وإذا خلوا إلى شياطينهم ( وهم إخوانهم قالوا ) إنا معكم ( على مثل ما أنتم عليه ) إنما نحن مستهزؤون ( بأصحاب محمد ) الله يستهزئ بهم ( قال يسخر بهم للنقمة منهم ) ويمدهم في طغيانهم ( قال في كفرهم ) يعمهون ( قال يترددون وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه بمعناه وأطول منه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه بنحو الأول وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) وإذا خلوا إلى شياطينهم ( قال رؤسائهم في الكفر وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال ) وإذا خلوا ( أي مضوا واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحو ما قاله ابن مسعود وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) ويمدهم ( قال يملي لهم ) في طغيانهم يعمهون ( قال في كفرهم يتمادون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحو ما قاله ابن مسعود في تفسير يعمهون وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) يمدهم ( يزيدهم ) في طغيانهم يعمهون ( قال يلعبون ويترددون في الضلالة وأخرج أحمد في المسند عن أبي ذر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين قال نعم
البقرة 16
البقرة : ( 16 ) أولئك الذين اشتروا . . . . .
قال سيبويه صحت الواو في ) اشتروا ( فرقا بينها وبين الواو الأصلية في نحو ) وأن لو استقاموا ( وقال الزجاج حركت بالضم كما يفعل في نحن وقرأ يحيى بن يعمر بكسر الواو على أصل إلتقاء الساكنين وقرأ أبو السماك العدوي بفتحها لخفة الفتحة وأجاز الكسائي همز الواو والشراء هنا مستعار للإستبدال أي استبدلوا الضلالة بالهدى كقوله تعالى ) فاستحبوا العمى على الهدى ( فأما أن يكون معنى الشراء المعاوصة كما هو أصله حقيقة فلا لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين فيبيعوا إيمانهم والعرب قد تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئا بشيء قال أبو ذؤيب فإن تزعميني كنت أجهل فيكمو
فإن شريت الحلم بعدك بالجهل
واصل الضلالة الحيرة والجور عن القصد وفقد الاهتداء وتطلق على النسيان ومنه قوله تعالى ) قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ( وعلى الهلاك كقوله ) وقالوا أئذا ضللنا في الأرض ( وأصل الربح الفضل والتجارة صناعة التاجر وأسند الربح إليها على عادة العرب في قولهم ربح بيعك وخسرت صفقتك وهو من الإسناد المجازي وهو إسناد الفعل إلى ملابس للفاعل كما هو مقرر في علم المعاني والمراد ربحوا وخسروا والاهتداء قد سبق تحقيقه أي وما كانوا مهتدين في شرائهم الضلالة وقيل في سابق علم الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن


"""""" صفحة رقم 46 """"""
جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ) اشتروا الضلالة بالهدى ( أي الكفر بالإيمان وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال أخذوا الضلالة وتركوا الهدى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال آمنوا ثم كفروا وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال استحبوا الضلالة على الهدى قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة
البقرة 17 18
البقرة : ( 17 ) مثلهم كمثل الذي . . . . .
) مثلهم ( مرتفع بالإبتداء وخبره إما الكاف في قوله ( كمثل ) لأنها اسم أي مثل مثل كما في قول الأعشي أتنتهون ولن تنهي ذوي شطط
كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
وقول امرئ القيس ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا
تصوب فيه العين طورا وترتقي
أراد مثل الطعن وبمثل ابن الماء ويجوز أن يكون الخبر محذوفا أي مثلهم مستنير كمثل فالكاف على هذا حرف والمثل الشبه والمثلان المتشابهان ( والذي ) موضوع موضع الذين أي كمثل الذين استوقدوا وذلك موجود في كلام العرب كقول الشاعر وإن الذي حانت بفلج دماؤهم
هم القوم كل القوم يا أم خالد
ومنه ) وخضتم كالذي خاضوا ( ومنه ) والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ( ووقود النار سطوعها وارتفاع لهبها ) استوقد ( بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب فالسين والتاء زائدتان قاله الأخفش ومنه قول الشاعر وداع دعا يا من يجيب إلى الندا
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
البقرة : ( 18 ) صم بكم عمي . . . . .
أي يجبه والإضاءة فرط الإنارة وفعلها يكون لازما ومتعديا و ( ما حوله ) قيل ما زائدة وقيل هي موصولة في محل نصب على أنها مفعول أضات وحوله منصوب على الظرفية و ( ذهب ) من الذهاب وهو زوال الشيء و ( تركهم ) أي أبقاهم ) في ظلمات ( جمع ظلمة وقرأ الأعمش بإسكان اللام على الاصل وقرأ أشهب العقيلي بفتح اللام وهي عدم النور و ( صم ) وما بعده خبر مبتدأ محذوف أي هم وقرأ ابن مسعود صما بكما عميا بالنصب على الذم ويجوز أن ينتصب بقوله تركهم والصمم الإنسداد يقال قناة صماء إذا لم تكن مجوفة وصممت القارورة إذا سددتها وفلان أصم إذا انسدت خروق مسامعه والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم فإذا فهم فهو الأخرس وقيل الأخرس والأبكم واحد والعمى ذهاب البصر والمراد بقوله ) فهم لا يرجعون ( أي إلى الحق والجواب لما في قوله فلما أضاءت قيل هو ) ذهب الله بنورهم ( وقيل محذوف تقديره طفئت فبقوا حائرين وعلى الثاني فيكون قوله ) ذهب الله بنورهم ( كلاما مستأنفا أو بدلا من المقدر
ضرب الله هذا المثل للمنافقين لبيان ان ما يظهرونه من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق لا يثبت لهم به أحكام


"""""" صفحة رقم 47 """"""
الإسلام كمثل المستوقد الذي أضاءت ناره ثم طفئت فإنه يعود إلى الظلمة ولا تنفعه تلك الإضاءة اليسيرة فكان بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردده وإنما وصفت هذه النار بالإضاءة مع كونها نار باطل لأن الباطل كذلك تسطع ذوائب لهب ناره لحظة ثم تخفت ومنه قولهم للباطل صولة ثم يضمحل وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأنا عظيما في إبراز خفيات المعاني ورفع أستار محجبات الدقائق ولهذا استكثر الله من ذلك في كتابه العزيز وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكثر من ذلك في مخاطباته ومواعظه قال ابن جرير إن هؤلاء المضروب لهم المثل ها هنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات واحتج بقوله تعالى ) ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( وقال ابن كثير إن الصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ثم سلبوه وطبع على قلوبهم كما يفيده قوله تعالى ) ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ( قال ابن جرير وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال ) رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ( أي كدوران عيني الذي يغشى عليه من الموت وقال تعالى ) مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ( ا ه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) قال هذا مثل ضربه الله للمنافقين كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله العز كما سلب صاحب النار ضوءه ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) يقول في عذاب ( صم بكم عمي ) فهم لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) قالوا إن ناسا دخلوا في الإسلام عند مقدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة ثم نافقوا فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقد نارا فأضاءت ما حوله من قذى وأذى فأبصره حتى عرف ما يتقي فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم فعرف الحلال من الحرام والخير من الشر فبينما هو كذلك إذ كفر فصار لا يعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشر فهم صم بكم هم الخرس فهم لا يرجعون إلى الإسلام وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) كمثل الذي استوقد نارا ( قال ضربه الله مثلا للمنافق وقوله ) ذهب الله بنورهم ( قال أما النور فهو إيمانهم الذي يتكلمون به وأما الظلمة فهو ضلالهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرجا أيضا عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة والحسن والسدي والربيع بن أنس نحو ما تقدم
البقرة 19 20
البقرة : ( 19 ) أو كصيب من . . . . .
عطف هذا المثل على المثل الأول بحرف الشك لقصد التخيير بين المثلين أي مثلوهم بهذا أو هذا وهي وإن


"""""" صفحة رقم 48 """"""
كانت في الأصل للشك فقد توسع فيها حتى صارت لمجرد التساوى من غير شك وقيل إنها بمعنى الواو قاله الفراء وغيره وأنشد وقد زعمت ليلى بأني فاجر
لنفسي تقاها أو عليها فجورها
وقال آخر نال الخلافة أو كانت له قدرا
كما أتى ربه موسى على قدر
والمراد بالصيب المطر واشتقاقه من صاب يصوب إذا نزل قال علقمة فلا تعدلي بيني وبين معمر
سقتك روايا الموت حيث تصوب
وأصله صيوب اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت كما فعلوا في ميت وسيد والسماء في الأصل كل ما علاك فأظلك ومنه قيل لسقف البيت سماء والسماء أيضا المطر سمى بها لنزوله منها وفائدة ذكر نزوله من السماء مع كونه لا يكون إلا منها أنه لا يختص نزوله بجانب منها دون جانب وإطلاق السماء على المطر واقع كثيرا في كلام العرب فمنه قول حسان ديار من بني الحسحاس قفر
تعفيها الدوامس والسماء
وقال آخر إذا نزل السماء بأرض قوم
والظلمات قد تقدم تفسيرها وإنما جمعها إشارة إلى أنه انضم إلى ظلمة الليل ظلمة الغيم والرعد اسم لصوت الملك الذي يزجر السحاب وقد أخرج الترمذي من حديث ابن عباس قال ( سألت اليهود النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الرعد ما هو قال ملك من الملائكة بيده مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله قالوا فما هذا الصوت الذي نسمع قال زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر قالت صدقت ) الحديث بطوله وفي إسناده مقال قال القرطبي وعلى هذا التفسير أكثر العلماء وقيل هو اضطراب أجرام السحاب عند نزول المطر منها وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين تبعا للفلاسفة وجهلة المتكلمين وقيل غير ذلك والبرق مخراق حديد بيد الملك الذي يسوق السحاب وإليه ذهب كثير من الصحابة وجمهور علماء الشريعة للحديث السابق وقال بعض المفسرين تبعا للفلاسفة إن البرق ما ينقدح من اصطكاك أجرام السحاب المتراكمة من الأبخرة المتصعدة المشتملة على جزء ناري يلتهب عند الإصطكاك وقوله ) يجعلون أصابعهم في آذانهم ( جملة مستأنفة لا محل لها كأن قائلا قال فكيف حالهم عند ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم وإطلاق الأصبع على بعضها مجاز مشهور والعلاقة الجزئية والكلية لأن الذي يجعل في الأذن إنما هو رأس الأصبع لا كلها والصواعق ويقال الصواقع هي قطعة نار تنفصل من مخراق الملك الذي يزجر السحاب عند غضبه وشدة ضربه لها ويدل على ذلك ما في حديث ابن عباس الذي ذكرنا بعضه قريبا وبه قال كثير من علماء الشريعة ومنهم من قال إنها نار تخرج من فم الملك وقال الخليل هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحيانا قطعة نار تحرق ما أتت عليه وقال أبو زيد الصاعقة نار تسقط من السماء في رعد شديد وقال بعض المفسرين تبعا للفلاسفة ومن قال بقولهم إنها نار لطيفة تنقدح من السحاب اذا اصطكت أجرامها وسيأتي في سورة الرعد إن شاء الله في تفسير الرعد والبرق والصواعق ما له مزيد فائدة وإيضاح ونصب ( حذر الموت ) على أنه مفعول لأجله وقال الفراء منصوب على التمييز والموت ضد الحياة والإحاطة الأخذ من جميع الجهات حتى لا تفوت المحاط به بوجه من الوجوه
البقرة : ( 20 ) يكاد البرق يخطف . . . . .
وقوله ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) جملة مستأنفة كأنه قيل فكيف حالهم مع ذلك البرق ويكاد يقارب والخطف الأخذ بسرعة ومنه سمى الطبر خطافا لسرعته وقرأ مجاهد ( يخطف ) بكسر الطاء والفتح أفصح وقوله ) كلما أضاء لهم مشوا فيه (


"""""" صفحة رقم 49 """"""
كلام مستأنف كأنه قيل كيف تصنعون في تارتي خفوق البرق ويكونه وهو تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أهل الصيب ) ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ( بالزيادة في الرعد والبرق ) إن الله على كل شيء قدير ( وهذا من جملة مقدوراته سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( أو كصيب ) هو المطر ضرب مثله في القرآن ) فيه ظلمات ( يقول ابتلاء ) ورعد وبرق ( تخويف ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) يقول كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا أطمأنوا فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله ) ومن الناس من يعبد الله على حرف ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق فجعلا كلما أصابهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا قاما مكانهما لا يمشيان فجعلا يقولان ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع ايدينا في يده فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا كما كان ذلك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما واذا أضاء لهم مشوا فيه أي فإذا كثرت أموالهم وأولادهم أصابوا غنيمة وفتحا مشوا فيه وقالوا إن دين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حينئذ صدق واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا اضاء لهم البرق وإذا أظلم عليهم قاموا فكانوا إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا هذا من أجل دين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وارتدوا كفرا كما قام المنافقان حين أظلم البرق عليهما وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال ( أو كصيب ) قال هو المطر وهو مثل للمنافق في ضوئه يتكلم بما معه من كتاب الله مراآة الناس فإذا خلا وحده عمل بغيره فهو في ظلمة ما أقام على ذلك وأما الظلمات فالضلالات وأما البرق فالإيمان وهم أهل الكتاب وإذا أظلم عليهم فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا نحو ما سلف وقد روى تفسيره بنحو ذلك عن جماعة من التابعين
فائدة : أصناف المنافقين
واعلم أن المنافقين أصناف فمنهم من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ومنهم من قال فيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ( ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ) وورد بلفظ أربع وزاد ( وإذا خاصم فجر ) وورد بلفظ ( وإذا عاهد غدر ) وقد ذكر ابن جرير ومن تبعه من المفسرين أن هذين المثلين لصنف واحد من المنافقين
البقرة 21 22


"""""" صفحة رقم 50 """"""
البقرة : ( 21 ) يا أيها الناس . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر المؤمنين والكافرين والمنافين أقبل عليهم بالخطاب إلتفاتا للنكتة السابقة في الفاتحة ويا حرف نداء والمنادى أي وهو اسم مفرد مبني على الضم وها حرف تنبيه مقحم بين المنادى وصفته قال سيبويه كأنك كررت ( يا ) مرتين وصار الإسم بينهما كما قالوا ها هو ذا وقد تقدم الكلام في تفسير الناس والعبادة وإنما خص نعمة الخلق وامتن بها عليهم لأن جميع النعم مترتبة عليها وهي أصلها الذي لا يوجد شيء منها بدونها وأيضا فالكفار مقرون بأن الله هو الخالق ) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ( فامتن عليهم بما يعترفون به ولا ينكرونه وفي أصل معنى الخلق وجهان أحدهما التقدير يقال خلفت الأديم للسقاء إذا قدرته قبل القطع قال زهير ولأنت تفري ما خلقت وبع
ض القوم يخلق ثم لا يفري
الثاني الإنشاء والإختراع والإبداع ولعل أصلها الترجي والطمع والتوقع والإشتفاق وذلك مستحيل على الله سبحانه ولكنه لما كانت المخاطبة منه سبحانه للبشر كان بمنزلة قوله لهم افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع وبهذا قال جماعة من أئمة العربية منهم سيبويه وقيل إن العرب استعملت لعل مجردة من الشك بمعنى لام كي والمعنى هنا لتتقوا وكذلك ما وقع هذا الموقع ومنه قول الشاعر وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا
نكف ووثقتم لنا كل موثق
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم
كشبه سراب في الملا متألق
أي كفوا عن الحرب لنكف ولو كانت لعل للشك لم يوثقوا لهم كل موثق وبهذا قال جماعة منهم قطرب وقيل إنها بمعنى التعرض للشيء كأنه قال متعرضين للتقوى
البقرة : ( 22 ) الذي جعل لكم . . . . .
وجعل هنا بمعنى صير لتعديه إلى المفعولين ومنه قول الشاعر وقد جعلت أرى الإثنين أربعة
والأربع اثنين لما هدني الكبر
و ( فراشا ) أي وطاء يستقرون عليها لما قدم نعمة خلقهم أتبعه بنعمة خلق الأرض فراشا لهم لما كانت الأرض التي هي مسكنهم ومحل استقرارهم من أعظم ما تدعوا إليه حاجتهم ثم أتبع ذلك بنعمة جعل السماء كالقبة المضروبة عليهم والسقف للبيت الذي يسكنونه كما قال ) وجعلنا السماء سقفا محفوظا ( وأصل البناء وضع لبنة على أخرى ثم امتن عليهم بإنزال الماء من السماء وأصل ماء موه قلبت الواو لتحركها وانفتاح ما قبلها ألفا فصار ماه فاجتمع حرفان خفيفان فقلبت الهاء همزة والثمرات جمع ثمرة والمعنى أخرجنا لكم ألوانا من الثمرات وأنواعا من النبات ليكون ذلك متاعا لكم إلى حين والأنداد جمع ند وهو المثل والنظير وقوله ( وأنتم تعلمون ) جملة حالية والخطاب للكفار والمنافقين فإن قيل كيف وصفهم بالعلم وقد نعتهم بخلاف ذلك حيث قال ) ولكن لا يعلمون ( ) ولكن لا يشعرون ( ) وما كانوا مهتدين ( ) صم بكم عمي ( فيقال إن المراد أن جهلهم وعدم شعورهم لا يتناول هذا أي كونهم يعلمون أنه المنعم دون غيره من الأنداد فإنهم كانوا يعلمون هذا ولا ينكرونه كما حكاه الله عنهم في غير آية وقد يقال المراد وأنتم تعلمون وحدانيته بالقوة والإمكان لو تدبرتم ونظرتم وفيه دليل على وجوب استعمال الحجج وترك التقليد قال ابن فورك المراد وتجعلون لله أنداد بعد علمكم الذي هو في الجهل بأن الله واحد انتهى وحذف مفعول تعلمون للدلالة على عدم اختصاص ما هم عليه من العلم بنوع واحد من الأنواع الموجبة للتوحيد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البزار والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال ما كان


"""""" صفحة رقم 51 """"""
) يا أيها الذين آمنوا ( فهو أنزل بالمدينة وما كان ) يا أيها الناس ( فهو أنزل بمكة وروى نحو ذلك عن ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وروى نحوه أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر من قول علقمة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه وابن المنذر عن الضحاك مثله وكذا أخرج أبو عبيد عن ميمون بن مهران وأخرج نحوه أيضا ابن أبي شيبة وابن مردويه عن عروة وعكرمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الناس ( قال هي للفريقين جميعا من الكفار والمؤمنين وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ( لعلكم ) يعني كي وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عون بن عبدالله بن عتبة قال لعل من الله واجب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ( الذي جعل لكم الأرض فراشا ) أي تمشون عليها وهي المهاد والقرار ( والسماء بناء ) قال كهيئة القبة وهي سقف الأرض وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن أنه سئل المطر من السماء أم من السحاب قال من السماء وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال السحاب غربال المطر ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض والبذر وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال المطر ماء يخرج من تحت العرش فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في سماء الدنيا فيجتمع في موضع يقال له الأبزم فتجيء السحاب السود فتدخله فتشربه مثل شرب الإسفنجة فيسوقها الله حيث يشاء وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال ينزل الماء من السماء السابعة فتقع القطرة منه على السحاب مثل البعير وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن يزيد قال المطر منه من السماء ومنه ما يستقيه الغيم من البحر فيعذبه الرعد والبرق وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن ابن عباس قال إذا جاء القطر من السماء تفتحت له الأصداف فكان لؤلؤا وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وأبو الشيخ في العظمة عن المطلب بن حنطب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء ) وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال ما نزل مطر من السماء إلا ومعه البذر أما لو أنكم بسطتم نطعا لرأيتموه وأخرج ابن أبي الدينا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال المطر مزاجة من الجنة فإذا كثر المزاج عظمت البركة وإن قل المطر وإذا قل المزاج قلت البركة وإن كثر المطر وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء وينزل مع المطر كذا وكذا من الملائكة يكتبون حيث يقع ذلك المطر ومن يرزقه ومن يخرج منه مع كل قطرة وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فلا تجعلوا لله أندادا ( أي لا تشركوا به غيره من الأنداد التي لا تضر ولا تنفع ( وأنتم تعلمون ) لأنه لا رب لكم يرزقكم غيره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عباس ( أندادا ) قال أشباها وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ( أندادا ) قال أكفاء من الرجال يطيعونهم في معصية الله وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ( أندادا ) قال شركاء وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجة وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال ( قال رجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما شاء الله وشئت قال جعلتني لله ندا ما شاء الله وحده ) وأخرج ابن سعد عن قتيلة بنت صيفي قالت ( جاء حبر من الأحبار إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال وكيف قال يقول أحدكم لا والكعبة فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حلف فليحلف برب الكعبة فقال يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله ندا قال وكيف ذلك قال يقول أحدكم ما شاء الله وشئت فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فمن قال منكم ما شاء الله قال ثم شئت )


"""""" صفحة رقم 52 """"""
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان ) وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي وابن مردويه عن طفيل بن سخبرة ( أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مر برهط من اليهود فقال أنتم نعم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرا ابن الله فقالوا وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد ثم مر برهط من النصارى فقال أنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله قالوا وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد فلما أصبح اخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فخطب فقال إن طفيلا رأى رؤيا وإنكم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم فلا تقولوها ولكن قولوا ما شاء الله وحده لا شريك له ) وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفا سوداء في ظلمة الليل وهو أن تقول والله وحياتك يا فلان وحياتي وتقول لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص ولولا القط في الدار لأتى اللصوص وقول الرجل ما شاء الله وشئت وقول الرجل لولا الله وفلان هذا كله شرك وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال ( قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك ) الحديث
البقرة 23 24
البقرة : ( 23 ) وإن كنتم في . . . . .
( في ريب ) أي شك مما نزلنا على عبدنا أي القرآن أنزله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والعبد مأخوذ من التعبد وهو التذلل والتنزيل التدريج والتنجيم وقوله ( فأتوا ) الفاء جواب الشرط وهو أمر معناه التعجيز لما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ويبطل الشرك عقبه بما هو الحجة على إثبات نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما يدفع الشبهة في كون القرآن معجزة فتحداهم بأن يأتوا بسورة من سوره والسورة الطائفة من القرآن المسماة باسم خاص سميت بذلك لأنها مشتملة على كلماتها كاشتمال سور البلد عليها و ( من ) في قوله ( من مثله ) زائدة لقوله فأتوا بسورة مثله والضمير في مثله عائد على القرآن عند جمهور أهل العلم وقيل عائد على التوراة والإنجيل لأن المعنى فأتوا بسورة من كتاب مثله فإنها تصدق ما فيه وقيل يعود على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى من بشر مثل محمد أي لا يكتب ولا يقرأ والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو المعاون والمراد هنا الآلهة ومعنى ( دون ) أدنى مكان من الشيء واتسع فيه حتى استعمل في تخطي الشيء إلى شيء آخر ومنه ما في هذه الآية وكذلك قوله تعالى ) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ( وله معان آخر منها التقصير عن الغاية والحقارة يقال هذا الشيء دون أي حقير ومنه إذا ما علا المرء رام العلا
ويقنع بالدون من كان دونا
والقرب يقال هذا دون ذاك أي أقرب منه ويكون إغراء تقول دونك زيدا أي خذه من أدنى مكان ( من دون الله ) متعلق بادعوا أي أدعوا الذين يشهدون لكم من دون الله إن كنتم صادقين فيما قلتم من أنكم تقدرون على المعارضة وهذا تعجيز لهم وبيان لانقطاعهم والصدق خلاف الكذب وهو مطابقة الخبر للواقع أو للإعتقاد أو لهما على الخلاف المعروف في علم المعاني
البقرة : ( 24 ) فإن لم تفعلوا . . . . .
) فإن لم تفعلوا ( يعني فيما مضى ) ولن تفعلوا ( أي تطيقوا ذلك فيما يأتي


"""""" صفحة رقم 53 """"""
وتبين لكم عجزكم عن المعارضة ( فاتقوا النار ) بالإيمان بالله وكتبه ورسله والقيام بفرائضه واجتناب مناهيه وعبر عن الإتيان بالفعل لأن الإتيان فعل من الأفعال لقصد الاختصار وجملة لن تفعلوا لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية ولن للنفي المؤكد لما دخلت عليه وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها لأنها لم تقع المعارضة من أحد من الكفرة في أيام النبوة وفيما بعدها وإلى الآن والوقود بالفتح الحطب وبالضم التوقيد أي المصدر وقد جاء فيه الفتح والمراد بالحجارة الأصنام التي كانوا يعبدونها لأنهم قرنوا أنفسهم بها في الدينا فجعلت وقودا للنار معهم ويدل على هذا قوله تعالى ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( أي حطب جهنم وقيل المراد بها حجارة الكبريت وفي هذا من التهويل ما لا يقدر قدره من كون هذه النار تتقد بالناس والحجارة فأوقدت بنفس ما يراد إحراقه بها والمراد بقوله ( أعدت ) جعلت عدة لعذابهم وهيئت لذلك وقد كرر الله سبحانه تحدي الكفار بهذا في مواضع في القرآن منها هذا ومنها قوله تعالى في سورة القصص ) قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ( وقال في سورة سبحان ) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( وقال في سورة هود ) أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ( وقال في سورة يونس ) وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (
وقد وقع الخلاف بين أهل العلم هل وجه الإعجاز في القرآن هو كونه في الرتبة العلية من البلاغة الخارجة عن طوق البشر أو كان العجز عن المعارضة للصرفة من الله سبحانه لهم عن ان يعارضوه والحق الأول والكلام في هذا مبسوط في مواطنه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فارجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ) وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ( وإن كنتم في ريب ) قال هذا قول الله لمن شك من الكفار فيما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ( وإن كنتم في ريب ) قال في شك ( مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) قال من مثل القرآن حقا وصدقا لا باطل فيه ولا كذب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) فأتوا بسورة من مثله ( قال مثل القرآن ) وادعوا شهداءكم ( قال ناس يشهدون لكم إذا أتيتم بها أنها مثله وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( شهداءكم ) قال أعوانكم على ما أنتم عليه ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ) فقد بين لكم الحق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ) يقول لن تقدروا على ذلك ولن تطيقوه وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه كان يقرأ كل شيء في القرآن وقودها برفع الواو الأولى إلا التي في السماء ذات البروج ) النار ذات الوقود ( بنصب الواو وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال إن الحجارة التي ذكرها الله في القرآن في قوله ) وقودها الناس والحجارة ( حجارة من كبريت خلقها الله عنده كيف شاء وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير أيضا عن عمرو بن ميمون مثله أيضا وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال ( تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) وقودها الناس والحجارة ( قال أوقد عليها ألف عام حتى احمرت


"""""" صفحة رقم 54 """"""
وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها ) وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا مثله وأخرج أحمد ومالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم قالوا يا رسول الله إن كانت لكافية قال فإنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ) واخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد مرفوعا نحوه وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون إنها لأشد سوادا من القار وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أعدت للكافرين ( قال أي لمن كان مثل ما أنتم عليه من الكفر
البقرة 25
البقرة : ( 25 ) وبشر الذين آمنوا . . . . .
لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقبه بجزاء المؤمنين ليجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد كما هي عادته سبحانه في كتابه العزيز لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه والتبشير الإخبار بما يظهر أثره على البشرة وهي الجلدة الظاهرة من البشر والسرور قال القرطبي أجمع العلماء على أن المكلف إذا قال من بشرني من عبيدي فهو حر فبشره واحد من عبيده فأكثر فإن أولهم يكون حرا دون الثاني واختلفوا إذا قال من أخبرني من عبيدي بكذا فهو حر فقال أصحاب الشافعي يعم لأن كل واحد منهم مخبر وقال علماؤنا لا لأن المكلف إنما قصد خبرا يكون بشارة وذلك مختص بالأول انتهى والحق أنه إن أراد مدلول الخبر عتقوا جميعا وإن أراد الخبر المقيد بكونه بشارة عتق الأول فالخلاف لفظي والمأمور بالتبشير قيل هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو كل أحد كما في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( بشر المشائين ) وهذه الجمل وإن كانت مصدرة بالإنشاء فلا يقدح ذلك في عطفها على ما قبلها لأن المراد عطف جملة وصف ثواب المطيعين على جملة وصف عقاب العاصين من دون نظر إلى ما اشتمل عليه الوصفان من الأفراد المتخالفة خبرا وإنشاء وقيل إن قوله ( وبشر ) معطوف على قوله ( فاتقوا النار ) وليس هذا بجيد و ( الصالحات ) الأعمال المستقيمة والمراد هنا الأعمال المطلوبة منهم المفترضة عليهم وفيه رد على من يقول إن الإيمان بمجرده يكفي فالجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح والجنات البساتين وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها أي تستره بشجرها وهو اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة والأنهار جمع نهر وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر والمراد الماء الذي يجري فيها وأنشد الجرى إليها مجازا والجاري حقيقة هو الماء كما في قوله تعالى ) واسأل القرية ( أي أهلها وكما قال الشاعر ونبئت أن النار بعدك أوقدت
واستب بعدك يا كليب المجلس
والضمير في قوله ( من تحتها ) عائد إلى الجنات لاشتمالها على الأشجار أي من تحت أشجارها وقوله ( كلما رزقوا ) وصف آخر للجنات أو هو جملة مستأنفة كأن سائلا قال كيف ثمارها و ( من ثمرة ) في معنى من أي


"""""" صفحة رقم 55 """"""
ثمرة أي نوع من أنواع الثمرات والمراد بقوله ( هذا الذي رزقنا من قبل ) أنه شبيهه ونظيره لا أنه هو لأن ذات الحاضر لا تكون عين ذات الغائب لاختلافهما وذلك أن اللون يشبه اللون وإن كان الحجم والطعم والرائحة والماوية متخالفة والضمير في به عائد إلى الرزق وقيل المراد أنهم أتوا بما يرزقونه في الجنة متشابها فما يأتيهم في أول النهار يشابه الذي يأتيهم في آخره فيقولون هذا الذي رزقنا من قبل فإذا أكلوا وجدوا له طعما غير طعم الأول و ( متشابها ) منصوب على الحال والمراد بتطهير الأزواج أنه لا يصيبهن ما يصيب النساء من قذر الحيض والنفاس وسائر الأدناس التي لا يمتنع تعلقها بنساء الدنيا والخلود البقاء الدائم الذي لا ينقطع وقد يستعمل مجازا فيما يطول والمراد هنا الأول
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن ماجة وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي وابن مردويه عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة خضراء ) الحديث والأحاديث في وصف الجنة كثيرة جدا ثابتة في الصحيحين وغيرهما وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أنهار الجنة تفجر من تحت جبال مسك ) وأخرج ابن أبي شيبة وأبو حاتم وأبو الشيخ وابن حبان والبيهقي في البعث وصححه عن ابن مسعود نحوه موقوفا وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ( تجري من تحتها الأنهار ) قال يعني المساكن تجري اسفلها أنهارها وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا ( قال أتوا بالثمرة في الجنة فنظروا إليها ) قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ( في الدنيا ) وأتوا به متشابها ( في اللون والمرأى وليس يشبه الطعم عبد بن حميد عن علي بن زيد وقتادة نحوه وأخرج مسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ليس في الدنيا مما في الجنة شيء إلا الأسماء وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال قولهم ) من قبل ( معناه هذا مثل الذي كان بالأمس وأخرج ابن جرير عن يحيى بن أبي كثير نحوه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال ( متشابها ) في اللون مختلفا في الطعم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) متشابها ( قال خيار كله يشبه بعضه بعضا لا رذل فيه ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) ولهم فيها أزواج مطهرة ( قال من الحيض والغائط والبزاق والنخامة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال من القذر والأذى وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في صفات أهل الجنة في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة أن أهل الجنة لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون وثبت أيضا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من صفات نساء أهل الجنة ما لا يتسع المقام لبسطه فلينظر في دواوين الإسلام وغيرها وأخرج ابن جرير وابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وهم فيها خالدون ( أي خالدون أبدا يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله ابدا لا انقطاع له وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وهم فيها خالدون ( يعني لا يموتون وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت


"""""" صفحة رقم 56 """"""
ويا أهل الجنة لا موت كل هو خالد فيما هو فيه ) وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة نحوه وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث معاذ نحوه وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا ولكن جعل لهم الأبد )
البقرة 26 27
البقرة : ( 26 ) إن الله لا . . . . .
أنزل الله هذه الآية ردا على الكفار لما أنكروا ما ضربه سبحانه من الأمثال كقوله ) مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ( وقوله ) أو كصيب من السماء ( فقالوا الله أجل وأعلا من أن يضرب الأمثال وقال الرازي إنه تعالى لما بين بالدليل كون القرآن معجزا أورد ها هنا شبهة أوردها الكفار قدحا في ذلك وأجاب عنها وتقرير الشبهة أنه جاء في القرآن ذكر النحل والعنكبوت والنمل وهذه الأشياء لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء فاشتمال القرآن عليها يقدح في فصاحته فضلا عن كونه معجزا وأجاب الله عنها بأن صغر هذه الأشياء لا تقدح في الفصاحة إذا كان ذكرها مشتملا على حكمة بالغة انتهى ولا يخفاك أن تقرير هذه الشبهة على هذا الوجه وإرجاع الإنكار إلى مجرد الفصاحة لا مستند له ولا دليل عليه وقد تقدمه إلى شيء من هذا صاحب الكشاف والظاهر ما ذكرناه أولا لكون هذه الآية جاءت بعقب المثلين اللذين هما مذكوران قبلها ولا يستلزم استنكارهم لضرب الأمثال بالأشياء المحقرة أن يكون ذلك لكونه قادحا في الفصاحة والإعجاز والحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم كذا في الكشاف وتبعه الرازي في مفاتيح الغيب وقال القرطبي أصل الإستحياء الإنقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح وهذا محال على الله انتهى وقد اختلفوا في تأويل ما في هذه الآية من ذكر الحياء فقيل ساغ ذلك لكونه واقعا في الكلام المحكي عن الكفار وقيل هو من باب المشاكلة كما تقدم وقيل هو جار على سبيل التمثيل قال في الكشاف مثل تركه تخييب العبد وأنه لا يرد يديه صفرا من عطائه لكرمه بترك من يترك رد المحتاج إليه حياء منه انتهى وقد قرأ ابن محيصن وابن كثير في رواية عنه ( يستحي ) بياء واحدة وهي لغة تميم وبكر بن وائل نقلت فيها حركة الياء الأولى إلى الحاء فسكنت ثم استثقلت الضمة على الثانية فسكنت فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين وضرب المثل اعتماده وصنعه و ( ما ) في قوله ) ما بعوضة ( إبهامية أي موجبة لإبهام ما دخلت عليه حتى يصير أعم مما كان عليه وأكثر شيوعا في أفراده وهي في موضع نصب على البدل من قوله ( مثلا ) و ( بعوضة ) نعت لها لإبهامها قاله الفراء والزجاج وثعلب وقيل إنها زائدة وبعوضة بدل من مثل ونصب بعوضة في هذين الوجهين ظاهر وقيل إنها منصوبة بنزع الخافض والتقدير أن يضرب مثلا ما بين بعوضة فخذف لفظ بين وقد روى هذا عن الكسائي وقيل إن يضرب بمعنى يجعل فتكون


"""""" صفحة رقم 57 """"""
بعوضة المفعول الثاني وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورؤية بن العجاج ( بعوضة ) بالرفع وهي لغة تميم قال أبو الفتح وجه ذلك أن ( ما ) اسم بمنزلة الذي وبعوضة رفع على إضمار المبتدأ ويحتمل أن تكون ( ما ) استفهامية كأنه قال تعالى ) ما بعوضة فما فوقها ( حتى لا يضرب المثل به بل يدان لمثل بما هو أقل من ذلك بكثير والبعوضة فعولة من بعض إذا قطع يقال بعض وبضع بمعنى والبعوض البق الواحدة بعوضة سميت بذلك لصغرها قاله الجوهري وغيره وقوله ( فما فوقها ) قال الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما فما فوقها والله أعلم ما دونها أي أنها فوقها في الصغر كجناحها قال الكسائي وهذا كقولك في الكلام أتراه قصيرا فيقول القائل أو فوق ذلك أي أقصر مما ترى ويمكن أن يراد فما زاد عليها في الكبر وقد قال بذلك جماعة وقوله ) فأما الذين آمنوا ( أما حرف فيه معنى الشرط وقدره سيبويه بمهما يكن من شيء فكذا وذكر صاحب الكشاف أن فائدته في الكلام أنه يعطيه فضل توكيد وجعل تقدير سيبويه دليلا على ذلك والضمير في ( أنه ) راجع إلى المثل و ( الحق ) الثابت وهو المقابل للباطل والحق واحد الحقوق والمراد هنا الأول وقد اختلف النحاة في ( ماذا ) فقيل هي بمنزلة اسم واحد بمعنى أي شيء أراد الله فتكون في موضع نصب بأراد قال ابن كيسان وهو الجيد وقيل ( ما ) اسم تام في موضع رفع بالابتداء و ( ذا ) بمعنى الذي وهو خبر المبتدأ مع صلته وجوابه يكون على الأول منصوبا وعلى الثاني مرفوعا والإرادة نقيض الكراهة وقد اتفق المسلمون على أنه يجوز إطلاق هذا اللفظ على الله سبحانه و ( مثلا ) قال ثعلب منصوب على القطع والتقدير أراد مثلا وقال ابن كيسان هو منصوب على التمييز الذي وقع موقع الحال وهذا أقوى من الأول وقوله ) يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا ( هو كالتفسير للجملتين السابقتين المصدرتين بأما فهو خبر من الله سبحانه وقيل هو حكاية لقول الكافرين كأنهم قالوا ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى وليس هذا بصحيح فإن الكافرين لا يقرون بأن في القرآن شيئا من الهداية ولا يعترفون على أنفسهم بشيء من الضلالة قال القرطبي ولا خلاف أن قوله ) وما يضل به إلا الفاسقين ( من كلام الله سبحانه وقد أطال المتكلمون الخصام في تفسير الضلال المذكور هنا وفي نسبته إلى الله سبحانه وقد نقح البحث الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب في هذا الموضع تنقيحا نفيسا وجوده وطوله وأوضح فروعه وأصوله فليرجع إليه فإنه مفيد جدا وأما صاحب الكشاف فقد اعتمد ها هنا على عصاه التي يتوكأ عليها في تفسيره فجعل إسناد الإضلال إلى الله سبحانه بكونه سببا فهو من الإسناد المجازي إلى ملابس للفاعل الحقيقي وحكى القرطبي عن أهل الحق من المفسرين أن المراد بقوله ( يضل ) يخذل والفسق الخروج عن الشيء يقال فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها والفأرة من جحرها ذكر معنى هذا الفراء وقد استشهد أبو بكر بن الأنباري في كتاب الزاهر له على معنى الفسق بقول رؤبة بن العجاج يهوين في نجد وغورا غائرا
فواسقا عن قصدها جوائر
قد زعم ابن الأعرابي أنه لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق وهذا مردود عليه فقد حكى ذلك عن العرب وأنه من كلامهم جماعة من أئمة اللغة كابن فارس والجوهري وابن الأنباري وغيرهم وقد ثبت في الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( خمس فواسق ) الحديث وقال في الكشاف الفسق الخروج عن القصد ثم ذكر عجز بيت رؤبة المذكور ثم قال والفاسق في الشريعة الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة انتهى وقال القرطبي والفسق في عرف الاستعمال الشرعي الخروج من طاعة الله عز وجل فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان انتهى وهذا هو أنسب بالمعنى اللغوي ولا وجه لقصره على


"""""" صفحة رقم 58 """"""
بعض الخارجين دون بعض قال الرازي في تفسيره واختلف أهل القبلة هل هو مؤمن أو كافر فعند أصحابنا أنه مؤمن وعند الخوارج أنه كافر وعند المعتزلة لا مؤمن ولا كافر واحتج المخالف بقوله تعالى ) بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ( وقوله ) إن المنافقين هم الفاسقون ( وقوله ) حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ( وهذه المسألة طويلة مذكورة في علم الكلام انتهى
البقرة : ( 27 ) الذين ينقضون عهد . . . . .
وقوله ) الذين ينقضون ( في محل نصب وصفا للفاسقين والنقض إفساد ما أبرم من بناء حبل أو عهد والنقاضة ما نقض من حبل الشعر والعهد قيل هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره وقيل هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسن رسله ونقضهم ذلك ترك العمل به وقيل بل هو نصب الأدلة على وحدانيته بالسموات والأرض وسائر مخلوقاته ونقضه ترك النظر فيه وقيل هو ما عهده إلى الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس والميثاق العهد المؤكد باليمين مفعال من الوثاقة وهي الشدة في العقد والربط والجمع المواثيق والمياثيق وأنشد ابن الأعرابي حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا
ولا نسأل الأقوام عهد المياثق
واستعمال النقض في إبطال العهد على سبيل الاستعارة والقطع معروف والمصدر في الرحم القطيعة وقطعت الحبل قطعا وقطعت النهر قطعا ( وما ) في قوله ( ما أمر الله به ) في موضع نصب بيقطعون و ( أن يوصل ) في محل نصب بأمر ويحتمل أن يكون بدلا من ما أو من الهاء في به واختلفوا ما هو الشيء الذي أمر الله بوصله فقيل الأرحام وقيل أمر أن يوصل القول بالعمل وقيل أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه فقطعوه بتصديق بعضهم وتكذيب البعض الآخر وقيل المراد به حفظ شرائعه وحدوده التي أمر في كتبه المنزلة وعلى ألسن رسله بالمحافظة عليها فهي عامة وبه قال الجمهور وهو الحق والمراد بالفساد في الأرض الأفعال والأقوال المخالفة لما أمر الله به كعبادة غيره والإضرار بعباده وتغيير ما أمر بحفظه وبالجملة فكل ما خالف الصلاح شرعا أو عقلا فهو فساد والخسران النقصان والخاسر هو الذي نقص نفسه من الفلاح والفوز وهؤلاء لما استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل كان عملهم فسادا لما نقصوا أنفسهم من الفلاح والربح
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مسعود وناس من الصحابة قال لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين قوله ) مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ( وقوله ) أو كصيب من السماء ( قال المنافقون الله أعلا وأجل من أن يضرب هذه الأمثال فانزل الله ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ) الآية وأخرج الواحدي في تفسيره عن ابن عباس قال إن الله ذكر آلهة المشركين فقال ) وإن يسلبهم الذباب شيئا ( وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شيء كان يصنع بهذا فأنزل الله ) إن الله لا يستحيي ( وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحو قول ابن عباس وأخرج ابن أبي خاتم عن الحسن قال لما نزلت ) يا أيها الناس ضرب مثل ( قال المشركون ما هذا من الأمثال فيضرب فأنزل الله هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى ) فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ( قال يؤمن به المؤمن ويعلمون أنه الحق من ربهم ويهديهم الله به ويعرفه الفاسقون فيكفرون به وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) يضل به كثيرا ( يعني المنافقين ) ويهدي به كثيرا ( يعني المؤمنين ) وما يضل به إلا الفاسقين ( قال هم المنافقون وفي قوله ) ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ( قال هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 59 """"""
في قوله ) وما يضل به إلا الفاسقين ( يقول يعرفه الكافرون فيكفرون به وأخرج ابن جرير عن قتادة قال فسقوا فأضلهم الله بفسقهم وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص قال الحرورية هم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان يسميهم الفاسقين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال ما نعلم الله أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليوف به الله وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في أحاديث ثابتة في الصحيح وغيره من طريق جماعة من الصحابة النهي عن نقض العهد والوعيد الشديد عليه واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ( قال الرحم والقرابة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ويفسدون في الأرض ( قال يعملون فيها بالمعصية وأخرج ابن المنذر عن مقاتل في قوله ) أولئك هم الخاسرون ( يقول هم أهل النار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام مثل خاسر ومسرف وظالم ومجرم وفاسق فإنما يعني به الكفر وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذم
البقرة 28
البقرة : ( 28 ) كيف تكفرون بالله . . . . .
كيف مبنية على الفتح لخفته وهي في موضع نصب بتكفرون ويسأل بها عن الحال وهذا الإستفهام هو للإنكار عليهم والتعجيب من حالهم وهي متضمنة لهمزة الإستفهام والواو في ) وكنتم ( للحال وقد مقدرة كما قال الزجاج والفراء وإنما صح جعل هذا الماضي حالا لأن الحال ليس هو مجرد قوله ) وكنتم أمواتا ( بل هو وما بعده إلى قوله ) ترجعون ( كما جزم به صاحب الكشاف كأنه قال كيف تكفرون وقصتكم هذه أي وأنتم عالمون بهذه القصة وبأولها وآخرها والأموات جمع ميت واختلف المفسرون في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين فقيل إن المراد ) وكنتم أمواتا ( قبل أن تخلقوا أي معدومين لأنه يجوز إطلاق اسم الموت على المعدوم لاجتماعهما في عدم الإحساس ) فأحياكم ( أي خلقكم ) ثم يميتكم ( عند انقضاء آجالكم ) ثم يحييكم ( يوم القيامة وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة فمن بعدهم قال ابن عطية وهذا القول هو المراد بالاية وهو الذي لا محيد للكفار عنه وإذا أذعنت نفوس الكفار بكونهم كانوا معدومين ثم أحياء في الدنيا ثم أمواتا فيها لزمهم الإقرار بالحياة الأخرى قال غيره والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم حياة الدنيا وقيل إن المراد كنتم أمواتا في ظهر آدم ثم أخرجكم من ظهره كالذر ثم يميتكم موت الدنيا ثم يبعثكم وقيل ) وكنتم أمواتا ( أي نطفا في أصلاب الرجال ) ثم يحييكم ( حياة الدنيا ) ثم يميتكم ( بعد هذه الحياة ) ثم يحييكم ( في القبور ) ثم يميتكم ( في القبر ) ثم يحييكم ( الحياة التي ليس بعدها موت قال القرطبي فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات وثلاث إحياءات وكونهم موتى في ظهر آدم وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفا في أصلاب الرجال فعلى هذا يجيء أربع موتات وأربع إحياءات وقد قيل إن الله أوجدهم قبل خلق آدم كالبهائم وأمهاتهم فيكون على هذا خمس موتات وخمس إحياءات وموتة سادسة للعصاة من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كما ورد في الحديث ( ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فاماتهم الله إماتة حتى اذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فجيء بهم إلى أن قال فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ) وهو في الصحيح من حديث أبي سعيد وقوله ) ثم إليه ترجعون ( أي إلى الله سبحانه فيجازيكم


"""""" صفحة رقم 60 """"""
بأعمالكم وقد قرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق ومجاهد وسلام ويعقوب بفتح حرف المضارعة وقرأ الجماعة بضمه قال في الكشاف عطف الأول بالفاء وما بعده بثم لأن الإحياء الأول قد تعقب الموت بغير تراخ وأما الموت فقد تراخى عن الإحياء والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخيا ظاهرا وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النشور انتهى ولا يخفاك أنه إن أراد بقوله أن الإحياء الأول قد تعقب الموت أنه وقع على ما هو متصف بالموت فالموت الآخر وقع على ما هو متصف بالحياة وإن أراد أنه وقع الإحياء الأول عند أول اتصافه بالموت بخلاف الثاني فغير مسلم فإنه وقع عند آخر أوقات موته كما وقع الثاني عند آخر أوقات حياته فتأمل هذا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى ) وكنتم أمواتا ( الآية قال لم تكونوا شيئا فخلقكم ) ثم يميتكم ثم يحييكم ( يوم القيامة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال يميتكم ثم يحيكم في القبر ثم يميتكم وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) وكنتم أمواتا ( قال حين لم تكونوا شيئا ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة ثم يرجعون إليه بعد الحياة وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال خلقهم من ظهر آدم فأخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة والصحيح الأول
البقرة 29
البقرة : ( 29 ) هو الذي خلق . . . . .
قال ابن كيسان ) خلق لكم ( أي من أجلكم وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة حتى يقوم دليل يدل على النقل عن هذا الأصل ولا فرق بين الحيوانات وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر وفي التأكيد بقوله ) جميعا ( أقوى دلالة على هذا وقد استدل بهذه الآية على تحريم أكل الطين لأنه تعالى خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض وقال الرازي في تفسيره إن لقائل أن يقول إن في جملة الأرض ما يطلق عليه أنه في الأرض فيكون جامعا للوصفين ولا شك أن المعادن داخلة في ذلك وكذلك عروق الأرض وما يجري مجرى البعض لها ولأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه انتهى وقد ذكر صاحب الكشاف ما هو أوضح من هذا فقال فإن قلت هل لقول من زعم أن المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة قلت إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء ويراد الجهات العلوية جاز ذلك فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية انتهى وأما التراب فقد ورد في السنة تحريمه وهو أيضا ضار فليس مما ينتفع به أكلا ولكنه ينتفع فيه في منافع أخرى وليس المراد منفعة خاصة كمنفعة الأكل بل كل ما يصدق عليه أنه ينتفع به بوجه من الوجوه وجميعا منصوب على الحال والاستواء في اللغة الاعتدال والاستقامة قاله في الكشاف ويطلق على الإرتفاع والعلو على الشيء قال تعالى ) فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ( وقال ) لتستووا على ظهوره ( وهذا المعنى هو المناسب لهذه الآية وقد قيل إن هذه الآية من المشكلات وقد ذهب كثير من الأئمة إلى الإيمان بها وترك التعرض لتفسيرها وخالفهم آخرون والضمير في قوله ) فسواهن ( مبهم يفسره ما بعده كقولهم زيد رجلا وقيل إنه راجع إلى السماء لأنها في معنى الجنس والمعنى أنه عدل خلقهن فلا اعوجاج فيه وقد استدل بقوله ) ثم استوى ( على أن خلق الأرض متقدم على خلق السماء وكذلك الآية التي في حم السجدة وقال في النازعات


"""""" صفحة رقم 61 """"""
) أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ( فوصف خلقها ثم قال ) والأرض بعد ذلك دحاها ( فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض وكذلك قوله تعالى ) الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ( وقد قيل إن خلق جرم الأرض متقدم على السماء ودحوها متأخر وقد ذكر نحو هذا جماعة من أهل العلم وهذا جمع جيد لابد من المصير إليه ولكن خلق ما في الأرض لا يكون إلا بعد الدحو والآية المذكورة هنا دلت على أنه خلق ما في الأرض قبل خلق السماء وهذا يقتضي بقاء الإشكال وعدم التخلص عنه بمثل هذا الجمع وقوله ) سبع سماوات ( فيه التصريح بأن السموات سبع وأما الأرض فلم يأت في ذكر عددها إلا قوله تعالى ) ومن الأرض مثلهن ( فقيل أي في العدد وقيل أي في غلظهن وما بينهن وقال الداودي إن الأرض سبع ولكن لم يفتق بعضها من بعض والصحيح أنها سبع كالسموات وقد ثبت في الصحيح قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه الله من سبع أرضين ) وهو ثابت من حديث عائشة وسعيد بن زيد ومعنى قوله تعالى ) فسواهن ( سوى سطوحهن بالإملاس وقيل جعلهن سواء قال الرازي في تفسيره فإن قيل فهل يدل التنصيص على سبع سموات أي فقط قلنا الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد والله أعلم انتهى وفي هذا إشارة إلى ما ذكره الحكماء من الزيادة على السبع ونحن نقول إنه لم يأتنا عن الله ولا عن رسوله إلا السبع فنقتصر على ذلك ولا نعمل بالزيادة إلا إذا جاءت من طريق الشرع ولم يأت شيء من ذلك وإنما أثبت لنفسه سبحانه أنه بكل شيء عليم لأنه يجب أن يكون عالما بجميع ما ثبت أنه خالقه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله تعالى ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ( قال سخر لكم ما في الأرض جميعا كرامة من الله ونعمة لابن آدم وبلغة ومنفعة إلى أجل وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ( قال سخر لكم ما في الأرض جميعا ) ثم استوى إلى السماء ( قال خلق الأرض قبل السماء فلما خلق الأرض ثار منها دخان فذلك قوله ) ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ( يقول خلق سبع سموات بعضهن فوق بعض وسبع أرضين بعضهن فوق بعض وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض ( الآية قالوا إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء فلما أراد يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم انبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها سبع أرضين في يومين الأحد والإثنين فخلق الأرض على حوت وهو الذي ذكره في قوله ) ن والقلم ( والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت فذلك قوله تعالى ) وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ( وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها سخرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك قوله ) أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض ( إلى قوله ) وبارك فيها ( يقول أنبت شجرها ) وقدر فيها أقواتها ( يقول أقوات أهلها ) في أربعة أيام سواء للسائلين ( يقول لمن سأل فهكذا الامر ) ثم استوى إلى السماء وهي دخان ( وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض ) وأوحى في كل سماء أمرها ( قال خلق في كل أسماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظا من الشياطين فلما فرغ


"""""" صفحة رقم 62 """"""
من خلق ما أحب استوى على العرش وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس ي قوله ) ثم استوى إلى السماء ( يعني صعد أمره إلى السماء فسواهن يعني خلق سبع سموات قال أجرى النار على الماء فبخر البحر فصعد في الهواء فجعل السموات منه وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حديث أبي هريرة في الصحيح قال ( أخذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة بعد العصر ) وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من طرق عند أهل السنن وغيرهم عن جماعة من الصحابة أحاديث في وصف السموات وأن غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام وما بين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام وأنها سبع سموات وان الأرض سبع ارضين وكذلك ثبت في وصف السماء آثار عن جماعة من الصحابة وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور بعض ذلك في تفسير هذه الآية وإنما تركنا ذكره ها هنا لكونه غير متعلق بهذه الآية على الخصوص بل هو متعلق بما هو أعم منها
البقرة 30
البقرة : ( 30 ) وإذ قال ربك . . . . .
( إذ ) من الظروف الموضوعة للتوقيت وهي للمستقبل وإذا للماضي وقد توضع إحداهما موضع الأخرى وقال المبرد هي مع المستقبل للمضي ومع الماضى للاستقبال وقال أبو عبيدة إنها هنا زائدة وحكاه الزجاج وابن النحاس وقالا هي ظرف زمان ليست مما يزاد وهي هنا في موضع نصب بتقدير اذكر أو بقالوا وقيل هو متعلق بخلق لكم وليس بظاهر والملائكة جمع ملك بوزن فعل قاله ابن كيسان وقيل جمع ملأك بوزن مفعل قاله أبو عبيدة من لأك إذا أرسل والألوكة الرسالة قال لبيد وغلام أرسلته أمه
بألوك فبذلنا ما سأل
وقال عدي بن زيد أبلغ النعمان عني مألكا
أنه قد طال حبسي وانتظار
ويقال ألكني أي أرسلني وقال النضر بن شميل لا اشتقاق لملك عند العرب والهاء في الملائكة تأكيد لتأنيث الجمع ومثله الصلادمة والصلادم الخيل الشداد واحدها صلدم وقيل هي المبالغة كعلامة ونسابة و ( جاعل ) هنا من جعل المتعدي إلى مفعولين وذكر المطرزي أنه بمعنى خالق وذلك يقتضي أنه متعد إلى مفعول واحد والأرض هنا هي هذه الغبراء ولا يختص ذلك بمكان دون مكان وقيل إنها مكة والخليفة هنا معناه الخالف لمن كان قبله من الملائكة ويجوز أن يكون معنى المخلوف أي يخلفه غيره قيل هو آدم وقيل كل من له خلافة في الأرض ويقوي الأول قول خليفة دون خلائف واستغني بآدم عن ذكر من بعده قيل خاطب الله الملائكة بهذا الخطاب لا للمشورة ولكن لاستخراج ما عندهم وقيل خاطبهم بذلك لأجل أن يصدر منهم ذلك السؤال فيجابون بذلك الجواب وقيل لأجل تعليم عباده مشروعية المشاورة لهم وأما قولهم ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( فظاهره أنهم استنكروا استخلاف بني آدم في الأرض لكونهم مظنة للإفساد في الأرض وإنما قالوا هذه المقالة قبل أن يتقدم لهم معرفة ببني آدم بل قبل وجود آدم فضلا عن ذريته لعلم قد علموه من


"""""" صفحة رقم 63 """"""
الله سبحانه بوجه من الوجوه لأنهم لا يعلمون الغيب قال بهذا جماعة من المفسرين وقال بعض المفسرين إن في الكلام حذفا والتقدير إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا فقالوا ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( وقوله ( يفسد ) قائم مقام المفعول الثاني والفساد ضد الصلاح وسفك الدم صبه قاله ابن فارس والجوهري ولا يستعمل السفك إلا في الدم وواحد الدماء دم وأصله دمي حذف لامه وجملة ونحن نسبح بحمدك حالية والتسبيح في كلام العرب التنزيه والتبعيد من السوء على وجه التعظيم قال الأعشى اقول لما جاءني فخره
سبحان من علقمة الفاخر
( وبحمدك ) في موضع الحال أي حامدين لك وقد تقدم معنى الحمد والتقديس التطهير أي ونطهرك عما لا يليق بك مما نسبه إليك الملحدون وافتراه الجاحدون وذكر في الكشاف أن معنى التسبيح والتقديس واحد وهو تبعيد الله من السوء وأنهما من سبح في الأرض والماء وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد وفي القاموس وغيره من كتب اللغة ما يرشد إلى ما ذكرناه والتأسيس خير من التأكيد خصوصا في كلام الله سبحانه ولما كان سؤالهم واقعا على صفة تستلزم إثبات شيء من العلم لأنفسهم أجاب الله سبحانه عليهم بقوله ) إني أعلم ما لا تعلمون ( وفي هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل لأن من علم ما لا يعلم المخاطب له كان حقيقا بأن يسلم له ما يصدر عنه وعلى من لا يعلم أن يعترف لمن يعلم بأن أفعاله صادرة على ما يوجبه العلم وتقتضيه المصلحة الراجحة والحكمة البالغة ولم يذكر متعلق قوله ( تعلمون ) ليفيد التعميم ويذهب السامع عند ذلك كل مذهب ويعترف بالعجز ويقر بالقصور
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال إن الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه ثم قرأ ) إني جاعل في الأرض خليفة ( وأخرج الحاكم وصححه عنه أيضا نحوه وزاد وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فلما أفسدوا في الأرض بعث الله عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور فلما قال الله ) إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( كما فعل أولئك الجان فقال الله ) إني أعلم ما لا تعلمون ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أطول منه وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره كبر وقال ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي فاطلع الله على ذلك منه فقال للملائكة ) إني جاعل في الأرض خليفة ( قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة قال يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا قالوا ربنا ) قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ( وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال قد علمت الملائكة وعلم الله أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدماء والفساد في الأرض وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال إياكم والرأي فإن الله رد الرأي على الملائكة وذلك أن الله قال ) إني جاعل في الأرض خليفة ( قالت الملائكة ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( قال ) إني أعلم ما لا تعلمون ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي سابط أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( دحيت الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت ) فهي أول من طاف به وهي الأرض التي قال الله ) إني جاعل في الأرض خليفة ( قال ابن كثير وهذا مرسل في سنده ضعف وفيه مدرج وهو أن المراد بالأرض مكة والظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك انتهى وأخرج


"""""" صفحة رقم 64 """"""
عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال التسبيح والتقديس المذكور في الآية هو الصلاة وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن أول من لبي الملائكة قال الله تعالى ) إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( قال فرادوه فأعرض عنهم فطافوا بالعرش ست سنين يقولون لبيك لبيك اعتذارا إليك لبيك لبيك نستغفرك ونتوب إليك ) وثبت في الصحيح من حديث أبي ذر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أحب الكلام إلى الله ما اصطفاه لملائكته سبحان ربي وبحمده ) وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) ونقدس لك ( قال نصلي لك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال التقديس التطهير وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ونقدس لك ( قال نعظمك ونكبرك وأخرجا عن أبي صالح قال نعظمك ونمجدك وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) أعلم ما لا تعلمون ( قال علم من إبليس المعصية وخلقه لها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في تفسيرها قال كان في علم الله أنه سيكون من الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنوا الجنة وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب عن عبدالله بن عمر أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( إن آدم لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أي رب ) أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( الآية قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله لملائكته هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبطا إلى الأرض فننظر كيف يعملان فقالوا ربنا هاروت وماروت قال فاهبطا إلى الأرض فتمثلت لهما الزهرة إمرأة من أحسن البشر وذكر القصة وقد ثبت في كتب الحديث المعتبرة أحاديث من طريق جماعة من الصحابة في صفة خلقه سبحانه لآدم وهي موجودة فلا نطول بذكرها
البقرة 31 33
البقرة : ( 31 ) وعلم آدم الأسماء . . . . .
( آدم ) أصله أأدم بهمزتين إلا أنهم لينوا الثانية وإذا حركت قلبت واو كما قالوا في الجمع أوادم قاله الأخفش واختلف في اشتقاقه فقيل من أديم الأرض وهو وجهها وقيل من الأدمة وهي السمرة قال في الكشاف وما آدم إلا اسم عجمي واقرب أمره أن يكون على فاعل كآزر وعازر وعابر وشالخ وفالغ وأشباه ذلك و ( الأسماء ) هي العبارات والمراد أسماء المسميات قال بذلك أكثر بذلك العلماء وهو المعنى الحقيقي للاسم والتأكيد بقوله ( كلها ) يفيد أنه علمه جميع الأسماء ولم يخرج عن هذا شيء منها كائنا ما كان وقال ابن جرير إنها أسماء الملائكة واسماء ذرية آدم ثم رجع هذا وهو غير راجح وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم أسماء الذرية وقال الربيع بن خيثم أسماء الملائكة واختلف أهل العلم هل عرض على الملائكة المسميات أو الأسماء والظاهر الأول لأن عرض نفس الأسماء غير واضح وعرض الشيء إظهاره ومنه عرض الشيء للبيع وإنما


"""""" صفحة رقم 65 """"""
ذكر ضمير المعروضين تغليبا للعقلاء على غيرهم وقرأ ابن مسعود ( عرضهن ) وقرأ أبي ( عرضها ) وإنما رجع ضمير عرضهم إلى مسميات مع عدم تقدم ذكرها لأنه قد تقدم ما يدل عليها وهو أسماؤها قال ابن عطية والذي يظهر أن الله علم آدم الأسماء وعرض عليه مع ذلك الأجناس أشخاصا ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن أسماء مسمياتها التي قد تعلمها آدم فقال لهم آدم هذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا قال الماوردي فكان الأصح توجه العرض إلى المسمين ثم في زمن عرضهم قولان أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم الثاني أنه صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم وأما أمره سبحانه للملائكة بقوله ) أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( فهذا منه تعالى لقصد التبكيت لهم مع علمه بأنهم يعجزون عن ذلك والمراد ) إن كنتم صادقين ( أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبئوني كذا قال المبرد وقال أبو عبيد وابن جرير إن بعض المفسرين قال معنى ) إن كنتم صادقين ( إذ كنتم قالا وهذا خطأ ومعنى ( أنبؤني ) أخبروني فلما قال لهم ذلك اعترفوا بالعجز والقصور
البقرة : ( 32 ) قالوا سبحانك لا . . . . .
فقالوا ) سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ( وسبحان منصوب على المصدرية عند الخليل وسيبويه وقال الكسائي هو منصوب على أنه منادى مضاف وهذا ضعيف جدا والعليم للمبالغة والدلالة على كثرة المعلومات والحكيم صيغة مبالغة في إثبات الحكمة له
البقرة : ( 33 ) قال يا آدم . . . . .
ثم أمر الله سبحانه آدم أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة فعجزوا واعترفوا بالقصور ولهذا قال سبحانه ) ألم أقل لكم ( الآية قال فيما تقدم ) أعلم ما لا تعلمون ( ثم قال هنا ) أعلم غيب السماوات والأرض ( تدرجا من المجمل إلى ما هو مبين بعض بيان ومبسوط بعض بسط وفي اختصاصه بعلم غيب السموات والأرض رد لما يتكلفه كثير من العباد من الاطلاع على شيء من علم الغيب كالمنجمين والكهان وأهل الرمل والسحر والشعوذة والمراد بما يبدون وما يكتمون ما يظهرون ويسرون كما يفيده معنى ذلك عند العرب ومن فسره بشيء خاص فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وعلم آدم الأسماء كلها ( قال علمه اسم الصحفة والقدر وكل شيء وأخرج ابن جرير عنه نحوه واخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه في تفسير الآية قال عرض عليه أسماء ولده إنسانا إنسانا والدواب فقيل هذا الجمل هذا الحمل هذا الفرس وأخرج الحاكم في تاريخه وابن عساكر والديلمي عن عطية بن بشر مرفوعا في قوله ) وعلم آدم الأسماء كلها ( قال علم الله آدم في تلك الأسماء ألف حرفة من الحرف وقال له قل لأولادك ولذريتك إن لم تصبروا عن الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين فإن الدين لي وحدي خالصا ويل لمن طلب الدنيا بالدين ويل له وأخرج الديلمي عن أبي رافع قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مثلت لي أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها ) وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في تفسير الآية قال أسماء ذريته أجمعين ) ثم عرضهم ( قال أخذهم من ظهره وأخرج عن الربيع بن أنس قال أسماء الملائكة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس ( ثم عرضهم ) يعني عرض أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف الخلق ) فقال أنبئوني ( يقول أخبروني ) بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة ) قالوا سبحانك ( تنزيها لله من أن يكون يعلم الغيب أحد غيره تبنا إليك ) لا علم لنا ( تبرءوا منهم من علم الغيب ) إلا ما علمتنا ( كما علمت آدم وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال عرض أصحاب الأسماء على الملائكة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) إنك أنت العليم الحكيم ( قال


"""""" صفحة رقم 66 """"""
العليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ( إن كنتم صادقين ) أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ( وأعلم ما تبدون ) قال قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها وما كنتم تكتمون ) يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال ( ما تبدون ) ما تظهرون ( وما كنتم تكتمون ) يقول أعلم السر كما أعلم العلانية
البقرة 34
البقرة : ( 34 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
( إذ ) متعلق بمحذوف تقديره واذكر إذ قلنا وقال أبو عبيدة إذ زائدة وهو ضعيف وقد تقدم الكلام في الملائكة وآدم السجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع وغايته وضع الوجه على الأرض قال ابن فارس سجد إذا تطامن وكل ما سجد فقد ذل والإسجاد إدامة النظر وقال أبو عمر وسجد إذا طأطأ رأسه وفي هذه الآية فضيلة لآدم عليه السلام عظيمة حيث اسجد الله له ملائكته وقيل إن السجود كان لله ولم يكن لآدم وإنما كانوا مستقبلين له عند السجود ولا ملجىء لهذا فإن السجود للبشر قد يكون جائزا في بعض الشرائع بحسب ما تقتضيه المصالح وقد دلت هذه الآية على أن السجود لآدم وكذلك الآية الأخرى أعني قوله ) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ( وقال تعالى ) ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا ( فلا يستلزم تحريمه لغير الله في شريعة نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يكون كذلك في سائر الشرائع ومعنى السجود هنا هو وضع الجبهة على الأرض واليه ذهب الجمهور وقال قوم هو مجرد التذلل والإنقياد وقد وقع الخلاف هل كان السجود من الملائكة لآدم قبل تعليمه الأسماء أم بعده وقد أطال البحث في ذلك البقاعي في تفسيره وظاهر السياق أنه وقع التعليم وتعقبه الأمر بالسجود وتعقبه إسكانه الجنة ثم إخراجه منها وإسكانه الأرض وقوله ( إلا إبليس ) استثناء متصل لأنه كان من الملائكة على ما قاله الجمهور وقال شهر بن حوشب وبعض الأصوليين ( كان من الجن ) الذين كانوا في الأرض فيكون الاستنثاء على هذا منقطعا واستدلوا على هذا بقوله تعالى ) لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ( وبقوله تعالى ) إلا إبليس كان من الجن ( والجن غير الملائكة وأجاب الأولون بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس عن جملة الملائكة لما سبق في علم الله من شقائه عدلا منه ) لا يسأل عما يفعل ( وليس في خلقه من نار ولا تركيب الشهوة فيه حين غضب عليه ما يدفع أنه من الملائكة وأيضا على تسليم ذلك لا يمتنع أن يكون الاستنثاء متصلا تغليبا للملائكة الذين هم ألوف مؤلفة على إبليس الذي هو فرد واحد بين أظهرهم ومعنى ( أبى ) امتنع من فعل ما أمر به والاستكبار الاستعظام للنفس وقد ثبت في الصحيح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ( أن الكبر بطر الحق وغمط الناس ) وفي رواية ( غمص ) بالصاد المهملة ( وكان من الكافرين ) أي من جنسهم قيل إن ( كان ) هنا بمعنى صار وقال ابن فورك إنه خطأ ترده الأصول
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كانت السجدة لآدم والطاعة لله وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال سجدوا كرامة من الله أكرم بها آدم وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم المزني قال إن الله جعل آدم كالكعبة وأخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن عباس قال كان إبليس اسمه عزازيل وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة ثم أبلس بعد وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال إنما سمي إبليس لأن الله أبلسه من الخير كله أي آيسه منه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن الأنباري عنه


"""""" صفحة رقم 67 """"""
قال كان إبليس قبل أن يرتكب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما فذلك دعاه إلى الكبر وكان من حي يسمون جنا وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عنه قال كان إبليس من خزان الجنة وكان يدبر أمر سماء الدنيا وأخرج محمد بن نصر عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله أمر آدم بالسجود فسجد فقال لك الجنة ولمن سجد من ولدك وامر إبليس بالسجود فأبي أن يسجد فقال لك النار ولمن أبي من ولدك أن يسجد ) وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( وكان من الكافرين ) قال جعله الله كافرا لا يستطيع أن يؤمن وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة وعمل بعمل الملائكة فصيره إلى ما ابتدىء إليه خلقه من الكفر قال الله ( وكان من الكافرين )
البقرة 35 39
الآثار الوارده في تفسير الآيات
( اسكن ) أي اتخذ الجنة مسكنا وهو محل السكون وأما ما قاله بعض المفسرين من أن في قوله ( اسكن ) تنبيها على الخروج لأن السكنى لا تكون ملكا وأخذ ذلك من قول جماعة من العلماء أن من أسكن رجلا منزلا له فإنه لا يملكه بذلك وإن له أن يخرجه منه فهو معنى عرفي والواجب الأخذ بالمعنى العربي إذا لم تثبت في اللفظ حقيقة شرعية و ( أنت ) تأكيد للضمير المستكن في الفعل ليصح العطف عليه كما تقرر في علم النحو أنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المستكن إلا بعد تأكيده بمنفصل وقد يجيء العطف نادرا بغير تأكيد كقول الشاعر قلت إذا أقبلت وزهر تهادى
كنعاج الملا تعسفن رملا
وقوله ( وزوجك ) أي حواء وهذه هي اللغة الفصيحة زوج بغير هاء وقد جاء بها قليلا كما في صحيح مسلم من حديث أنس ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه وقال يا فلان هذه زوجتي فلانة ) الحديث ومنه قول الشاعر وإن الذي يسعي ليفسد زوجتي
كساع إلى أسد الشرى يستميلها
و ( رغدا ) بفتح المعجمة وقرأ النخعي وابن وثاب بسكونها والرغد العيش الهنيء الذي لا عناء فيه وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف و ( حيث ) مبنية على الضم وفيها لغات كثيرة مذكورة في كتب العربية القرب الدنو قال في الصحاح قرب الشيء بالضم يقرب قربا أي دنا وقربته بالكسر أقربه قربانا أي دنوت منه وقربت أقرب قرابة مثل كتبت أكتب كتابة إذا سرت إلى الماء وبينك وبينة ليلة والاسم القرب


"""""" صفحة رقم 68 """"""
قال الأصمعي قلت لأعرابي ما القرب قال سير الليل لورود الغد والنهي عن القرب فيه سد للذريعة وقطع للوسيلة ولهذا جاء به عوضا عن الأكل ولا يخفى أن النهي عن القرب لا يستلزم النهي عن الأكل لأنه قد يأكل من ثمر الشجرة من هو بعيد عنها إذا يحمل إليه فالأولى أن يقال المنع من الأكل مستفاد من المقام والشجر ما كان له ساق من نبات الأرض وواحده شجرة وقريء بكسر الشين وبالياء المثناة من تحت مكان الجيم وقرأ ابن محيصن ( هذي ) بالياء بدل الهاء وهو الأصل واختلف أهل العلم في تفسير هذه الشجرة فقيل هي الكرم وقيل النسنبلة وقيل التين وقيل الحنطة وسيأتي ما روى عن الصحابة فمن بعدهم في تعيينها وقوله ( فتكونا ) معطوف على ( تقربا ) في الكشاف أو نصب في جواب النهي وهو الأظهر والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه والأرض المظلومة التي لم تحفر قط ثم حفرت ورجل ظليم شديد الظلم والمراد هنا ( فتكونا من الظالمين ) لأنفسهم بالمعصية وكلام أهل العلم في عصمة الأنبياء واختلاف مذاهبهم في ذلك مدون في مواطنه وقد أطال البحث في ذلك الرازي في تفسيره في هذا الموضع فليرجع إليه فإنه مفيد
البقرة : ( 36 ) فأزلهما الشيطان عنها . . . . .
وأزلهما من الزلة وهي الخطيئة أي استزلهما وأوقعهما فيها وقرأ حمزة ( فأزالهما ) بإثبات الألف من الإزالة وهي التنحية أي نحاهما وقرأ الباقون بحذف الألف قال ابن كيسان هو من الزوال أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة إلى المعصية قال القرطبي وعلى هذا تكون القراءتان بمعنى إلا أن قراءة الجماعة أمكن في المعنى يقال منه أزللته فزل و ( عنها ) متعلق بقوله أزلهما على تضمينه معنى أصدر أي أصدر الشيطان زلتهما عنها أي بسببها يعني الشجرة وقيل الضمير للجنة وعلى هذا فالفعل مضمن معنى أبعدهما أي أبعدهما عن الجنة وقوله ) فأخرجهما ( تأكيد لمضمون الجملة الأولى أي أزلهما إن كان معناه زال عن المكان وإن لم يكن معناه كذلك فهو تأسيس لأن الإخراج فيه زيادة على مجرد الصرف والإبعاد ونحوهما لأن الصرف عن الشجرة والإبعاد عنها قد يكون مع البقاء في الجنة بخلاف الاخراج لهما عما كانا فيه من النعيم والكرامة أو من الجنة وإنما نسب ذلك إلى الشيطان لأنه الذي تولى إغواء آدم حتى أكل من الشجرة وقد اختلف أهل العلم في الكيفية التي فعلها الشيطان في إزلالهما فقيل إنه كان ذلك بمشافهة منه لهما واليه ذهب الجمهور واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ( والمقاسمة ظاهرها المشافهة وقيل لم يصدر منه إلا مجرد الوسوسة وقيل غير ذلك مما سيأتي في المروي عن السلف وقوله ) اهبطوا ( خطاب لآدم وحواء وخوطبا بما يخاطب به الجمع لأن الإثنين أقل الجمع عند البعض من أئمة العربية وقيل إنه خطاب لهما ولذريتهما لأنهما لما كانا أصل هذا النوع الإنساني جعلا بمنزلته ويدل على ذلك قوله ) بعضكم لبعض عدو ( فإن هذه الجملة الواقعة حالا مبينا للهيئة الثابتة للمأمورين بالهبوط تفيد ذلك والعدو خلاف الصديق وهو من عدا إذا ظلم ويقال ذئب عدوان أي يعدو على الناس والعدوان الظلم الصراح وقيل إنه مأخوذ من المجاوزة يقال عداه إذا جاوزه والمعنيان متقاربان فإن من ظلم فقد تجاوز وإنما أخبر عن قوله ( بعضكم ) بقوله ( عدو ) مع كونه مفردا لأن لفظ بعض وإن كان معناه محتملا للتعدد فهو مفرد فروعي جانب اللفظ واخبر عنه بالمفرد وقد يراعى المعنى فيخبر عنه بالمتعدد وقد يجاب بأن ( عدو ) وإن كان مفردا فقد يقع موقع المتعدد كقوله تعالى ) وهم لكم عدو ( وقوله ) يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو ( قال ابن فارس العدو اسم جامع للواحد والإثنين والثلاثة والمراد بالمستقر موضع الاستقرار ومنه ) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ( وقد يكون بمعنى الاستقرار ومنه ) إلى ربك يومئذ المستقر ( فالآية محتملة للمعنيين ومثلها قوله ) جعل لكم الأرض قرارا ( والمتاع ما يستمتع به من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها واختلف المفسرون في قوله


"""""" صفحة رقم 69 """"""
( إلى حين ) فقيل إلى الموت وقيل إلى قيام الساعة واصل معنى الحين في اللغة الوقت البعيد ومنه ) هل أتى على الإنسان حين من الدهر ( والحين الساعة ومنه ) أو تقول حين ترى العذاب ( والقطعة من الدهر ومنه ) فذرهم في غمرتهم حتى حين ( أي حتى تفنى آجالهم ويطلق على السنة وقيل على ستة أشهر ومنه ) تؤتي أكلها كل حين ( ويطلق على المساء والصباح ومنه ) حين تمسون وحين تصبحون ( وقال الفراء الحين حينان حين لا يوقف على حده ثم ذكر الحين الآخر واختلافه بحسب اختلاف المقامات كما ذكرنا وقال ابن العربي الحين المجهول لا يتعلق به حكم والحين المعلوم سنة
البقرة : ( 37 ) فتلقى آدم من . . . . .
ومعنى تلقي آدم للكلمات أخذه لها وقبوله لما فيها وعمله بها وقيل فهمه لها وفطانته لما تضمنته واصل معنى التلقي الاستقبال أي استقبل الكلمات الموحاة إليه ومن قرأ بنصب ( آدم ) جعل معناه استقبلته الكلمات وقيل إن معنى تلقي تلقن ولا وجه له في العربية واختلف السلف في تعيين هذه الكلمات وسيأتي والتوبة الرجوع يقال تاب العبد إذا رجع إلى طاعة مولاه وعبد تواب كثير الرجوع فمعنى تاب عليه رجع عليه بالرحمة فقبل توبته أو وفقه للتوبة واقتصر على ذكر التوبة على آدم دون حواء مع اشتراكهما في الذنب لأن الكلام من أول القصة معه فاستمر على ذلك واستغنى بالتوبة عليه عن ذكر التوبة عليها لكونها تابعة له كما استغنى بنسبة الذنب إليه عن نسبته إليها في قوله ) وعصى آدم ربه فغوى )
البقرة : ( 38 ) قلنا اهبطوا منها . . . . .
وأما قوله ) قلنا اهبطوا ( بعد قوله ) قلنا اهبطوا ( فكرره للتوكيد والتغليظ وقيل إنه لما تعلق به حكم غير الحكم الأول كرره ولا تزاحم بين المقتضيات فقد يكون التكرير للأمرين معا وجواب الشرط في قوله ) فإما يأتينكم مني هدى ( هو الشرط الثاني مع جوابه قاله سيبويه وقال الكسائي إن جواب الشرط الأول والثاني قوله ) فلا خوف ( واختلفوا في معنى الهدى المذكور فقيل هو كتاب الله وقيل التوفيق للهداية والخوف هو الذعر ولا يكون إلا في المستقبل وقرأ الزهري والحسن وعيسى بن عمار وابن أبي إسحاق ويعقوب ( فلا خوف ) بفتح الفاء والحزن ضد السرور قال اليزيدي حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما
البقرة : ( 39 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
وصحبة أهل النار لها بمعنى الاقتران والملازمة وقد تقدم ذكر تفسير الخلود
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي ذر قال ( قلت يا رسول الله أرأيت آدم نبيا كان قال نعم كان نبيا رسولا كلمه الله قال له ) يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ( وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي ذر قال ( قلت يا رسول الله من أول الأنبياء قال آدم قلت نبي قال نعم قلت ثم من قال نوح وبينهما عشرة آباء ) وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والبيهقي في الشعب نحوه من حديث أبي ذر مرفوعا وزاد ( كم كان المرسلون قال ثلثمائة وخمسة عشر جما غفيرا ) وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة الباهلي أن رجلا قال ( يا رسول الله أنبي كان آدم قال نعم قال كم بينه وبين نوح قال عشرة قرون قال كم بين نوح وبين إبراهيم قال عشرة قرون قال يا رسول الله كم الأنبياء قال مائة ألف واربعة وعشرون ألفا قال يا رسول الله كم كانت الرسل من ذلك قال ثلثمائة وخمسة عشر جما غفيرا ) وأخرج أحمد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه من حديث أبي أمامة نحوه وصرح بأن السائل أبو ذر وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس وأخرج عبدالرزاق وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عنه قال ( ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى أهبط من الجنة ) وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن قال لبث آدم في الجنة ساعة من نهار تلك الساعة مائة وثلاثون سنة من أيام الدنيا وقد روى تقدير الليث في الجنة عن سعيد بن جبير بمثل ما تقدم عن ابن عباس كما رواه أحمد في الزهد وأخرج


"""""" صفحة رقم 70 """"""
ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة قالوا لما سكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء من الضلع رأسه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته تركته وفيه عوج ) وروى أبو الشيخ وابن عساكر عن ابن عباس قال إنما سميت حواء لأنها أم كل حي وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن النخعي قال لما خلق الله آدم وخلق له زوجه بعث إليه ملكا وأمره بالجماع ففعل فلما فرغ قالت له حواء يا آدم هذا طيب زدنا منه وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال الرغد الهنيء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الرغد سعة المعيشة وأخرجا عنه في قوله ) وكلا منها رغدا حيث شئتما ( قال لا حساب عليكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال الشجرة التي نهى الله عنها آدم السنبلة وفي لفظ البر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال هي الكرم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله وأخرج أبو الشيخ عنه قال هي اللوز وأخرج ابن جرير عن بعض الصحابة قال هي التينة وروى مثله أبو الشيخ عن مجاهد وابن أبي حاتم عن قتادة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب ابن منبه قال هي البر وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك قال هي النخلة وأخرج أبو الشيخ عن يزيد عن عبدالله ابن قسيط قال هي الأترج وأخرج أحمد في الزهد عن شعيب الجبائي قال هي تشبه البر وتسمى الدعة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فأزلهما ( قال فأغواهما وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم بن بهدلة قال ) فأزلهما ( فنحاهما وأخرج أبو داود في المصاحف عن الأعمش قال قراءتنا في البقرة مكان فأزلهما فوسوس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة فمنعته الخزنة فأتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير وهي كأحسن الدواب فكلمها أن تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم فأدخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة فدخلت ولا يعلمون لما أراد الله من الأمر فكلمه من فمها فلم يبال بكلامه فخرج إليه فقال يا آدم ) هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ( وحلف لهما بالله ) إني لكما لمن الناصحين ( فابى آدم أن يأكل منها فتقدمت حواء فأكلت ثم قالت يا آدم كل فإني قد أكلت فلم يضرني فلما أكلا ) بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( وقد أخرج قصة الحية ودخول إبليس معها عبدالرزاق وابن جرير عن ابن عباس وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي بن كعب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن آدم كان رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق طوله ستون ذراعا كثير شعر الرأس فلما ركب الخطيئة بدت له عورته ) الحديث وأخرج ابن منيع وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال قال الله لآدم ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها قال يا رب زينته لي حواء قال فإني عاقبتها بأن لا تحمل لا كرها ولا تضع إلا كرها وأدميتها في كل شهر مرتين وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ) وقد ثبتت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما في محاجة آدم وموسى وحج


"""""" صفحة رقم 71 """"""
آدم موسى بقوله أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ( قال آدم وحواء وإبليس والحية ) ولكم في الأرض مستقر ( قال القبور ) ومتاع إلى حين ( قال الحياة وروى نحو ذلك عن مجاهد وأبي صالح وقتادة كما أخرجه عن الأول والثاني أبو الشيخ وعن الثالث عبد بن حميد وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله ) ولكم في الأرض مستقر ( قال القبور ( ومتاع إلى حين ) قال إلى يوم القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال اهبط آدم بالصفا وحواء بالمروة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال ( أول ما أهبط الله آدم إلى أرض الهند ) وفي لفظ ( بدجنى أرض الهند ) وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه أهبط إلى أرض بين مكة والطائف وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عنه قال قال علي بن أبي طالب أطيب ريح الأرض الهند هبط بها آدم فعلق شجرها من ريح الجنة وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي عباس قال أهبط آدم بالهند وحواء بجدة فجاء في طلبها حتى أتى جمعا فازدلفت إليه حواء فلذلك سميت المزدلفة واجتمعا بجمع وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أنزل آدم عليه السلام بالهند فاستوحش فنزل جبريل فنادى بالأذان فلما سمع ذكر محمد قال له ومن محمد هذا قال هذا آخر ولدك من الأنبياء ) وقد روى عن جماعة من الصحابة أن آدم أهبط إلى أرض الهند منهم جابر أخرجه ابن أبي الدنيا وابن المنذر وابن عساكر ومنهم ابن عمر أخرجه الطبراني وأخرج ابن عساكر عن علي قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله لما خلق الدنيا لم يخلق فيها ذهبا ولا فضة فلما أهبط آدم وحواء أنزل معهما ذهبا وفضة فسلكه ينابيع في الأرض منفعة لأولادهما من بعهدهما وجعل ذلك صداق لحواء فلا ينبغي لأحد أن يتزوج إلا بصداق ) وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( هبط آدم وحواء عريانين جميعا عليهم ورق الجنة قعد يبكي ويقول لها يا حواء قد آذاني الحر فجاءه جبريل بقطن وأمرها أن تغزل وعلمها وأمر آدم بالحياكة وعلمه ) وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعا ( أول من حاك آدم عليه السلام ) وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم حكايات في صفة هبوط آدم من الجنة وما أهبط معه وما صنع عند وصوله إلى الأرض ولا حاجة لنا ببسط جميع ذلك وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) فتلقى آدم من ربه كلمات ( قال أي رب ألم تخلقني بيدك قال بلى قال أي رب الم تنفخ في من روحك قال بلى قال أي رب ألم تسبق إلي رحمتك قبل غضبك قال بلى قال أي رب ألم تسكني جنتك قال بلى قال أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة قال نعم وأخرج الطبراني في الاوسط وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لما أهبط الله آدم إلى الأرض قام وجاه الكعبة فصلى ركعتين ) الحديث وقد روى نحوه بإسناد لا بأس به أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدعوات وابن عساكر من حديث بريدة مرفوعا وأخرج الثعلبي عن ابن عباس في وقوله ) فتلقى آدم من ربه كلمات ( قال قوله ) ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جرير عنه مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن محمد بن كعب القرظي في قوله ) فتلقى آدم من ربه كلمات ( مثله وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن


"""""" صفحة رقم 72 """"""
مجاهد مثله وأخرج عبد بن حميد عن الحسن والضحاك مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قيل له ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه قال علم شأن الحج فهي الكلمات وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن زيد في قوله ) فتلقى آدم من ربه كلمات ( قال لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم وأخرج نحوه البيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن أنس وأخرج نحوه هنا وفي الزهد عن سعيد بن جبير وأخرج نحوه ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس وأخرج نحوه الديلمي في مسند الفردوس بسند ضعيف عن علي مرفوعا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) فإما يأتينكم مني هدى ( قال الهدى الأنبياء والرسل والبيان وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي الطفيل قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فمن تبع هدي ) بتثقيل الياء وفتحها وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) فلا خوف عليهم ( يعني في الآخرة ) ولا هم يحزنون ( يعني لا يحزنون للموت
البقرة 40 42
الترابط بين الآيات
اعلم أن كثيرا من المفسرين جاءوا بعلم متكلف وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة بل أوقعوا أنفسهم في التكلم بمحض الرأي المنهي عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه وذلك أنهم ارادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف فجاءوا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الإنصاف ويتنزه عنها كلام البلغاء فضلا عن كلام الرب سبحانه حتى أفردوا ذلك بالتصنيف وجعلوه المقصد الأهم من التأليف كما فعله البقاعي في تفسيره ومن تقدمه حسبما ذكر في خطبته وإن هذا لمن أعجب ما يسمعه من يعرف أن هذا القرآن ما زال ينزل مفرقا على حسب الحوادث المقتضية لنزوله منذ نزول الوحي على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أن قبضه الله عز وجل إليه وكل عاقل فضلا عن عالم لا يشك أن هذه الحوادث المقتضية نزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها بل قد تكون متناقضة كتحريم أمر كان حلالا وتحليل أمر كان حراما وإثبات أمر لشخص أو أشخاص يناقض ما كان قد ثبت لهم قبله وتارة يكون الكلام مع المسلمين وتارة مع الكافرين وتارة مع من مضي وتارة مع من حضر وحينا في عبادة وحينا في معاملة ووقتا في ترغيب ووقتا في ترهيب وآونة في بشارة وآونة في نذارة وطورا في أمر دنيا وطورا في أمر آخرة ومرة في تكاليف آتية ومرة في أقاصيص ماضية وإذا كانت أسباب النزول مختلفة هذا الاختلاف ومتباينة هذا التباين الذي لا يتيسر معه الائتلاف فالقرآن النازل فيها هو بإعتباره نفسه مختلف كإختلافها فكيف يطلب العاقل المناسبة بين الضب والنون والماء والنار والملاح والحادي وهل هذا إلا من


"""""" صفحة رقم 73 """"""
فتح أبواب الشك وتوسيع دائرة الريب على من في قلبه مرض أو كان مرضه مجرد الجهل والقصور فإنه إذا وجد أهل العلم يتكلمون في التناسب بين جميع آي القرآن ويفردون ذلك بالتصنيف تقرر عنده أن هذا أمر لا بد منه وأنه لا يكون القرآن بليغا معجزا إلا إذا ظهر الوجه المقتضى للمناسبة وتبين الأمر الموجب للإرتباط فإن وجد الاختلاف بين الآيات فرجع إلى ما قاله المتكلمون في ذلك فوجده تكلفا محضا وتعسفا بينا انقدح في قلبه ما كان عنه في عافية وسلامة هذا على فرض أن نزول القرآن كان مترتبا على هذا الترتيب الكائن في المصحف فكيف وكل من له أدنى علم بالكتاب وأيسر حظ من معرفته يعلم علما يقينا أنه لم يكن كذلك ومن شك في هذا وإن لم يكن مما يشك فيه أهل العلم رجع إلى كلام أهل العلم العارفين بأسباب النزول المطلعين على حوادث النبوة فإنه ينثلج صدره ويزول عنه الريب بالنظر في سورة من السور المتوسطة فضلا عن المطولة لأنه لا محالة يجدها مشتملة على آيات نزلت في حوادث مختلفة وأوقات متباينة لا مطابقة بين أسبابها وما نزل فيها في الترتيب بل يكفي المقصر أن يعلم أن أول ما نزل ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( وبعده ) يا أيها المدثر ( ) يا أيها المزمل ( وينظر وينظر أين موضع هذه الآيات والسور في ترتيب المصحف وإذا كان الأمر هكذا فأي معنى لطلب المناسبة بين آيات نعلم قطعا أنه قد تقدم في ترتيب المصحف ما أنزله الله متأخرا وتأخر ما أنزله الله متقدما فإن هذا عمل لا يرجع إلى ترتيب نزول القرآن بل إلى ما وقع من الترتيب عند جمعه ممن تصدى لذلك من الصحابة وما أقل نفع مثل هذا وأنزر ثمرته وأحقر فائدته بل هو عند من يفهم ما يقول وما يقال له من تضييع الأوقات وإنفاق الساعات في أمر لا يعود بنفع على فاعله ولا على من يقف عليه من الناس وأنت تعلم أنه لو تصدى رجل من أهل العلم للمناسة بين ما قاله رجل من البلغاء من خطبه ورسائله وإنشاءاته أو إلى ما قاله شاعر من الشعراء من القصائد التي تكون تارة مدحا واخرى هجاء وحينا نسيبا وحينا رثاء وغير ذلك من الأنواع المتخالفة فعمد هذا المتصدي إلى ذلك المجموع فناسب بين فقره ومقاطعه ثم تكلف تكلفا آخر فناسب بين الخطبة التي خطبها في الجهاد والخطبة التي خطبها في الحج والخطبة التي خطبها في النكاح ونحو ذلك وناسب بين الإنشاء الكائن في العزاء والإنشاء الكائن في الهناء وما يشابه ذلك لعد هذا المتصدي لمثل هذا مصابا في عقله متلاعبا بأوقاته عابثا بعمره الذي هو رأس ماله وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وهو ركوب الأحموقة في كلام البشر فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب وأبكمت فصاحته فصحاء عدنان وفحطان وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي وأنزله بلغة العرب وسلك فيه مسالكهم في الكلام وجرى به مجاريهم في الخطاب وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متحالفة وطرائق متباينة فضلا عن المقامين فضلا عن المقامات فضلا عن جميع ما قاله ما دام حيا وكذلك شاعرهم ولنكتف بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي تعثر في ساحاتها كثير من المحققين وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم عليه السلام فإذا قال متكلف كيف ناسب هذا ما قبله قلنا لا كيف فدع عنك نهبا صيح في حجراته
وهات حديثا ما حديث الرواحل
البقرة : ( 40 ) يا بني إسرائيل . . . . .
قوله ( يا بني إسرائيل ) اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ومعناه


"""""" صفحة رقم 74 """"""
عبدالله لأن إسر في لغتهم هو العبد وإيل هو الله قيل إن له اسمين وقيل إسرائيل لقب له وهو اسم عجمي غير منصرف وفيه سبغ لغات إسرائيل بزنة إبراهيم وإسرائل بمدة مهموزة مختلسة رواها ابن شنبوذ عن ورش وإسرائيل بمدة بعد الياء من غير همز وهي قراءة الأعمش وعيسى بن عمر وقرأ الحسن من غير همز ولا مد وإسرائل بهمزة مكسورة وإسراءل بهمزة مفتوحة وتميم يقولون إسرائين والذكر هو ضد الإنصات وجعله بعض أهل اللغة مشتركا بين ذكر القلب واللسان وقال الكسائي ما كان بالقلب فهو مضموم الذال وما كان باللسان فهو مكسور الذال قال ابن الأنباري والمعنى في الآية اذكروا شكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة وهي اسم جنس ومن جملتها أنه جعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتب والمن والسلوى وأخرج لهم الماء من الحجر ونجاهم من آل فرعون وغير ذلك والعهد قد تقدم تفسيره واختلف أهل العلم في العهد المذكور في هذه الآية ما هو فقيل هو المذكور في قوله تعالى ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( وقيل هو ما في قوله ) ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ( وقيل هو قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ( وقال الزجاج هو ما أخذ عليهم في التوراة من اتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو أداء الفرائض ولا مانع من حمله على جميع ذلك ومعنى قوله ) أوف بعهدكم ( أي بما ضمنت لكم من الجزاء والرهب والرهبة الخوف ويتضمن الأمر به معنى التهديد وتقديم معمول الفعل يفيد الاختصاص كما تقدم في ) إياك نعبد ( وإذا كان التقديم على طريقة الإضمار والتفسير مثل زيدا ضربته ) وإياي فارهبون ( كان أوكد في إفادة الإختصاص ولهذا قال صاحب الكشاف وهو أوكد في إفادة الاختصاص من إياك نعبد وسقطت الياء من قوله ) فارهبون ( لأنها رأس آية ) ومصدقا ( حال من ( ما ) في قوله ) ما أنزلت ( أو من ضميرها المقدر بعد الفعل أي أنزلته
البقرة : ( 41 ) وآمنوا بما أنزلت . . . . .
وقوله ) أول كافر به ( إنما جاء به مفردا ولم يقل كافرين حتى يطابق ما قبله لأنه وصف لموصوف محذوف مفرد اللفظ متعدد المعنى نحو فريق أو فوج وقال الأخفش والفراء إنه محمول على معنى الفعل لأن المعنى أول من كفر وقد يكون من باب قولهم هو أظرف الفتيان وأجمله كما حكى ذلك سبيويه فيكون هذا المفرد قائما مقام الجمع وإنما قال أول مع أنه قد تقدمهم إلى الكفر به كفار قريش لأن المراد أول كافر به من أهل الكتاب لأنهم العارفون بما يجب للأنبياء وما يلزم من التصديق والضمير في به عائد إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي لا تكونوا أول كافر بهذا النبي مع كونكم قد وجدتموه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل مبشرا به في الكتب المنزلة عليكم وقد حكى الرازي في تفسيره في هذا الموضع ما وقف عليه من البشارات برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الكتب السالفة وقيل إنه عائد إلى القرآن المدلول عليه بقوله ) بما أنزلت ( وقيل عائد إلى التوراة المدلول عليها بقول ) لما معكم ( وقوله ) ولا تشتروا بآياتي ( أي بأوامري ونواهي ) ثمنا قليلا ( أي عيشا نزرا ورئاسة لا خطر لها جعل ما اعتاضوه ثمنا وأوقع الاشتراء عليه وإن كان الثمن هو المشتري به لأن الاشتراء هنا مستعار للاستبدال أي لا تستبدلوا بآياتي ثمنا قليلا وكثيرا ما يقع مثل هذا في كلامهم وقد قدمنا الكلام عليه في تفسير قوله تعالى ) اشتروا الضلالة بالهدى ( ومن إطلاق اسم الثمن على نيل عرض من أعراض الدنيا قول الشاعر إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها
فما أصبت بترك الحج من ثمن
وهذه الآية وإن كانت خطابا لبني إسرائيل ونهيا لهم فهي متناولة لهذه الأمة بفحوى الخطاب أو بلحنه فمن أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به أو إثبات باطل نهى الله عنه أو امتنع من تعليم


"""""" صفحة رقم 75 """"""
ما علمه الله وكتم البيان الذي أخذ الله عليه ميثاقه به فقد اشترى بآيات الله ثمنا قليلا وقوله ) وإياي فاتقون ( الكلام فيه كالكلام في قوله تعالى ) وإياي فارهبون ( وقد تقدم قريبا
البقرة : ( 42 ) ولا تلبسوا الحق . . . . .
واللبس الخلط يقال لبست عليه الأمر ألبسه إذا خلطت حقه بباطله وواضحه بمشكله قال الله تعالى ) وللبسنا عليهم ما يلبسون ( قالت الخنساء ترى الجليس يقول الحق تحسبه
رشدا وهيهان فانظر ما به التبسا
صدق مقالته واحذر عداوته
والبس عليه أمورا مثل ما لبسا
وقال العجاج لما لبست الحق بالتجني
عتبن فاستبدلن زيدا مني
ومنه قول عنترة وكتيبة لبستها بكتيبة
حتى إذا التبست نفضت لها يدي
وقيل هو مأخذو من التغطية أي لا تغطوا الحق بالباطل ومنه قول الحعدي إذا ما الضجيع ثنى جيدها
تثنت عليه وكانت لباسا
وقول الأخطل وقد لبست لهذا الأمر أعصره
حتى تجلل رأسي الشيب فاشتعلا
والأول أولى والباطل في كلام العرب الزائل ومنه قول لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وبطل الشيء يبطل بطولا وبطلانا وأبطله غيره ويقال ذهب دمه بطلا أي هددا والباطل الشيطان وسمي الشجاع بطلا لأنه يبطل شجاعة صاحبه والمراد به هنا خلاف الحق والباء في قوله بالباطل يحتمل أن تكون صله وأن تكون للاستعانة ذكر معناه في الكشاف ورجح الرازي في تفسيره الثاني وقوله ) وتكتموا ( يجوز أن يكون داخلا تحت حكم النهي أو منصوبا بإضمار أن وعلى الأول يكون كل واحد من اللبس والكتم منهيا عنه وعلى الثاني يكون المنهي عنه هو الجمع بين الامرين ومن هذا يلوح رجحان دخوله تحت حكم النهي وأن كل واحد منهما لا يجوز فعله على انفراده والمراد النهى عن كتم حجج الله التى أوجب عليهم تبليغها وأخذ عليهم بيانها ومن فسر اللبس أو الكتمان بشيء معين ومعنى خاص فلم يصب إن أراد أن ذلك هو المراد دون غيره لا إن أراد أنه مما يصدق عليه وقوله ) وأنتم تعلمون ( جملة حالية وفيه أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل وذلك أغلظ للذنب وأوجب للعقوبة وهذا التقييد لا يفيد جواز اللبس والكتمان مع الجهل لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شيء حتى يعلم بحكمه خصوصا في أمور الدين فإن التكلم فيها والتصدي للإصدار والإيراد في أبوابها إنما أذن الله به لمن كان رأسا في العلم فردا في الفهم وما للجهال والدخول فيما ليس من شأنهم والقعود في غير مقاعدهم وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يا بني إسرائيل ( قال للأحبار من اليهود ) اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ( أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه ) وأوفوا بعهدي ( الذي أخذت في أعناقكم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا جاءكم ) أوف بعهدكم ( أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال ) وإياي فارهبون ( أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات ) وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ( وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم ) وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ( أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاءكم به وأنتم تجدونه عندكم فيما يعلمون من الكتب التي بأيديكم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وأوفوا بعهدي ( يقول ما أمرتكم به من طاعتي ونيهتكم عنه من معصيتي في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وغيره ) أوف بعهدكم ( يقول أرض عنكم وأدخلكم الجنة وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن المنذر عن


"""""" صفحة رقم 76 """"""
مجاهد في قوله ) وأوفوا بعهدي ( قال هو الميثاق الذي أخذه عليهم في سورة المائدة ) لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ( الآية وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال أوفوا لي بما افترضت عليكم أوف لكم بما وعدتكم وأخرج عبدالله بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) وإياي فارهبون ( قال فاخشون وأخرج عبد بن حميد وابن جريج عن مجاهد في قوله ) وآمنوا بما أنزلت ( قال القرآن ) مصدقا لما معكم ( قال التوراة والإنجيل وأخرج ابن جريج عن ابن جرير في قوله ) أول كافر به ( قال بالقرآن وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال يقول يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما انزلت على محمد مصدقا لما معكم لأنهم يجدنه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) ولا تكونوا أول كافر به ( أي أول من كفر بمحمد ) ولا تشتروا بآياتي ( يقول لا تأخذوا عليه أجرا قال وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول يا بن آدم علم مجانا كما علمت مجانا وأخرج أبو الشيخ عنه قال لا تأخذ على ما علمت أجرا إنما أجر العلماء والحكماء والحلماء على الله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) ولا تلبسوا الحق بالباطل ( قال لا تخلطوا الصدق بالكذب ) وتكتموا الحق ( قال لا تكتموا الحق وأنتم قد علمتم أن محمدا رسول الله وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) ولا تلبسوا ( الآية قال لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ) وتكتموا الحق ( قال كتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال الحق التوراة والباطل الذي كتبوه بأيديهم
البقرة 43 46
البقرة : ( 43 ) وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . .
قد تقدم الكلام في تفسير إقامة الصلاة واشتقاقها والمراد هنا الصلاة المعهودة وهي صلاة المسلمين على أن التعريف للعهد ويجوز أن تكون للجنس ومثلها الزكاة والإيتاء الإعطاء يقال آتيته أي أعطيته والزكاة مأخوذة من الزكاء وهو النماء زكا الشيء إذا نما وزاد ورجل زكي أي زائد الخير وسمى اخراج جزء من المال زكاة أي زيادة مع أنه نقص منه لأنها تكثر بركته بذلك أو تكثر أجر صاحبه وقيل الزكاة مأخوذة من التطهير كما يقال زكا فلان أي طهر
والظاهر أن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها قد نقلها الشرع إلى معان شرعية هي المرادة بما هو مذكور في الكتاب والسنة منها وقد تكلم أهل العلم على ذلك بما لا يتسع المقام لبسطه وقد اختلف أهل العلم في المراد بالزكاة هنا فقيل المراد المفروضة لاقترانها بالصلاة وقيل صدقة الفطر والظاهر أن المراد ما هو أعم من ذلك والركوع في اللغة الإنحناء وكل منحن راكع قال لبيد أخبر أخبار القرون التي مضت
أدب كأني كلما قمت راكع
وقيل الإنحناء يعم الركوع والسجود ويستعار أيضا للإنحطاط في المنزلة قال الشاعر


"""""" صفحة رقم 77 """"""
لا تهين الفقير علك أن
تركع يوما والدهر قد رفعه
وإنما خص الركوع بالذكر هنا لأن اليهود لا ركوع في صلاتهم وقيل لكونه كان ثقيلا على أهل الجاهلية وقيل إنه أراد بالركوع جميع أركان الصلاة والركوع الشرعي هو أن ينحني الرجل ويمد ظهره وعنقه ويفتح أصابع يديه ويقبض على ركبتيه ثم يطمئن راكعا ذاكرا بالذكر المشروع وقوله ) مع الراكعين ( فيه الإرشاد إلى شهود الجماعة والخروج إلى المساجد وقد ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما ما هو معروف وقد أوجب حضور الجماعة بعض أهل العلم على خلاف بينهم في كون ذلك عينا أو كفاية وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة مرغب فيها وليس بواجب وهو الحق للأحاديث الصحيحة الثابتة عن جماعة من الصحابة من أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة أو بسبع وعشرين درجة وثبت في الصحيح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) الذي يصلي مع الإمام أفضل من الذي يصلي وحده ثم ينام والبحث طويل الذيول كثير النقول
البقرة : ( 44 ) أتأمرون الناس بالبر . . . . .
والهمزة في قوله ) أتأمرون الناس بالبر ( للإستفهام مع التوبيخ للمخاطبين وليس المراد توبيخهم على نفس الأمر بالبر فإنه فعل حسن مندوب إليه بل بسبب ترك فعل البر المستفاد من قوله ) وتنسون أنفسكم ( مع التطهر بتزكية النفس والقيام في مقام دعاة الخلق إلى الحق إيهاما للناس وتلبيسا عليهم كما قال أبو العتاهية وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى
وريح الخطايا من ثيابك يسطع
والبر الطاعة والعمل الصالح والبر سعة الخير والمعروف والبر الصدق والبر ولد الثعلب والبر سوق الغنم ومن إطلاقه على الطاعة قول الشاعر لاهم رب أن يكونوا دونكا
يبرك الناس ويفجرونكا
أي يطيعونك ويعصونك والنسيان بكسر النون هو هنا بمعنى الترك أي وتتركون أنفسكم وفي الأصل خلاف الذكر والحفظ أي زوال الصورة التي كانت محفوظة عن المدركة والحافظة والنفس الروح ومنه قوله تعالى ) الله يتوفى الأنفس حين موتها ( يريد الأرواح وقال أبو خراش نجا سالم والنفس منه بشدقه
والنفس أيضا الدم
ومنه قولهم سالت نفسه قال الشاعر تسيل على حد السيوف نفوسنا
وليس على غير الظبات تسيل
والنفس الجسد ومنه نبئت أن بني سحيم أدخلوا
أبياتهم تأمور نفس المنذر
والتأمور البدن وقوله ) وأنتم تتلون الكتاب ( جملة حالية مشتملة على أعظم تقريع وأشد توبيخ وأبلغ تبكيت أي كيف تتركون البر الذي تأمرون الناس به وأنتم من أهل العلم العارفين بقبح هذا الفعل وشدة الوعيد عليه كما ترونه في الكتاب الذي تتلونه والآيات التي تقرءونها من التوراة والتلاوة القراءة وهي المراد هنا وأصلها الاتباع يقال تلوته إذا تبعته وسمى القارئ تاليا والقراءة تلاوة لأنه يتبع بعض الكلام ببعض على النسق الذي هو عليه وقوله ) أفلا تعقلون ( استفهام للإنكار عليهم والتقريع لهم وهو أشد من الأول وأشد وأشد وأشد ما قرع الله في هذا الموضع من يأمر بالخير ولا يفعله من العلماء الذين هم غير عاملين بالعلم فاستنكر عليهم أولا أمرهم للناس بالبر مع نسيان أنفسهم في ذلك الأمر الذي قاموا به في المجامع ونادوا به في المجالس إيهاما للناس بأنهم


"""""" صفحة رقم 78 """"""
مبلغون عن الله ما تحملوه من حججه ومبينون لعباده ما أمرهم ببيانه وموصلون إلى خلقه ما استودعهم وائتمنهم عليه وهم أترك الناس لذلك وأبعدهم من نفعه وأزهدهم فيه ثم ربط هذه الجملة بجملة أخرى جعلها مبينة لحالهم وكاشفة لعوارهم وهاتكة لأستارهم وهي أنهم فعلوا هذه الفعلة الشنيعة والخصلة الفظيعة على علم منهم ومعرفة بالكتاب الذي أنزل عليهم وملازمة لتلاوته وهم في ذلك كما قال المعرى
وإنما حمل التوراة قارئها كسب الفوائد لا حب التلاوات
ثم انتقل معهم من تقريع إلى تقريع ومن توبيخ إلى توبيخ فقال إنكم لو لم تكونوا من أهل العلم وحملة الحجة وأهل الدراسة لكتب الله لكان مجرد كونكم ممن يعقل حائلا بينكم وبين ذلك ذائدا لكم عنه زاجرا لكم منه فكيف أهملتم ما يقتضيه العقل بعد إهمالكم لما يوجبه العلم والعقل في أصل اللغة المنع ومنه عقال البعير لأنه يمنعه عن الحركة ومنه العقل في الدية لأنه يمنع ولي المقتول عن قتل الجاني والعقل نقيض الجهل ويصح تفسير ما في الآية هنا بما هو أصل معنى العقل عند أهل اللغة أي أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المزرية ويصح أن يكون معنى الآية افلا تنظرون بعقولكم التي رزقكم الله إياها حيث لم تنتفعوا بما ليدكم من العلم
البقرة : ( 45 ) واستعينوا بالصبر والصلاة . . . . .
وقوله ) واستعينوا بالصبر ( الصبر في اللغة الحبس وصبرت نفسي على الشيء حبستها ومنه قول عنترة
فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع
والمراد هنا استعينوا بحبس أنفسكم عن الشهوات وقصرها على الطاعات على دفع ما يرد عليكم من المكروهات وقيل الصبر هنا هو خاص بالصبر على تكاليف الصلاة واستدل هذا القائل بقوله تعالى ) وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ( وليس في هذا الصبر الخاص بهذه الآية ما ينفي ما تفيده الألف واللام الداخلة على الصبر من الشمول كما أن المراد بالصلاة هنا جميع ما تصدق عليه الصلاة الشرعية من غير فرق بين فريضة ونافلة واختلف المفسرون في رجوع الضمير في قوله ) وإنها لكبيرة ( فقيل إنه راجع إلى الصلاة وإن كان المتقدم هو الصبر والصلاة فقد يجوز إرجاع الضمير إلى أحد الأمرين المتقدم ذكرهما كما قال تعالى ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( إذا كان أحدهما داخلا تحت الآخر بوجه من الوجوه ومنه قول الشاعر
إن شرخ الشباب والشعر الأس ود ما لم يعاض كان جنونا
ولم يقل ما لم يعاضا بل جعل الضمير راجعا إلى الشباب لأن الشعر الأسود داخل فيه وقيل إنه عائد إلى الصلاة من دون اعتبار دخول الصبر تحتها لأن الصبر هو عليها كما قيل سابقا وقيل إن الضمير راجع إلى الصلاة ون كان الصبر مرادا معها لكن لما كانت آكد وأعم تكليفا وأكثر ثوابا كانت الكناية بالضمير عنها ومنه قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ( كذا قيل وقيل إن الضمير راجع إلى الأشياء المكنوزة ومثل ذلك قوله تعالى ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( فارجع الضمير هنا إلى الفضة والتجارة لما كانت الفضة أعم نفعا وأكثر وجودا والتجارة هي الحاملة على الإنفضاض والفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأول أن الصبر هناك جعل داخلا تحت الصلاة وهنا لم يكن داخلا وإن كان مرادا وقيل إن المراد الصبر والصلاة ولكن أرجع الضمير إلى أحدهما استغناء به عن الآخر ومنه قوله تعالى ) وجعلنا ابن مريم وأمه آية ( أي ابن مريم آية وأمه آية ومنه قول الشاعر
ومن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب


"""""" صفحة رقم 79 """"""
وقال آخر لكل هم من الهموم سعة
والصبح والمساء لا فلاح معه
وقيل رجع الضمير إليهما بعد تأويلهما بالعبادة وقيل رجع إلى المصدر المفهوم من قوله ) واستعينوا ( وهو الاستعانة وقيل رجع إلى جميع الأمور التي نهى عنها بنو إسرائيل والكبيرة التي يكبر أمرها ويتعاظم شأنها على حاملها لما يجده عند تحملها والقيام بها من المشقة ومنه ) كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ( والخاشع هو المتواضع والخشوع التواضع قال في الكشاف والخشوع الإخبات والتطامن ومنه الخشعة للرملة المتطامنة وأما الخضوع فاللين والإنقياد ومنه خضعت بقولها إذا لينته انتهى وقال الزجاج الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه كخشوع الدار بعد الأقوى ومكان خاشع لا يهتدي إليه وخشعت الأصوات أي سكنت وخشع ببصره إذا غضه والخشعة قطعة من الأرض رخوة وقال سفيان الثوري سالت الأعمش عن الخشوع فقال يا ثوري أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطىء الرأس لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء وتخشع لله في كل فرض افترض عليك انتهى وما أحسن ما قاله بعض المحققين في بيان ماهيته إنه هيئة في النفس يظهر منها في الجوراح سكون وتواضع واستثنى سبحانه الخاشعين مع كونهم باعتبار استعمال جوراحهم في الصلاة وملازمتهم لوظائف الخشوع الذي هو روح الصلاة وإتعابهم لأنفسهم إتعابا عظيما في الاسباب الموجبة للحضور والخضوع لأنهم لما يعلمونه من تضاعف الأجر وتوفر الجزاء والظفر بما وعد الله به من عظيم الثواب تسهل عليهم تلك المتاعب ويتذلل لهم ما يرتكبونه من المصاعب بل يصير ذلك لذة لهم خالصة وراحة عندهم محضة ولأمر ما هان على قوم ما يلاقونه من حر السيوف عند تصادم الصفوف وكانت الأمنية عندهم طعم المنية حتى قال قائلهم ولست أبالي حين أقتل مسلما
على أي جنب كان في الله مصرعي
البقرة : ( 46 ) الذين يظنون أنهم . . . . .
والظن هنا عند الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى ) إني ظننت أني ملاق حسابيه ( وقوله ) فظنوا أنهم مواقعوها ( ومنه قول دريد بن الصمة فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج
سراتهم بالفارسي المسود
وقيل إن الظن في الآية على بابه ويضمر في الكلام بذنوبهم فكأنهم توقعوا لقاءه مذنبين ذكره المهدوي والماوردي والأول أولى وأصل الظن الشك مع الميل إلى أحد الطرفين وقد يقع موقع اليقين في مواضع منها هذه الآية ومعنى قوله ) ملاقوا ربهم ( ملاقوا جزائه والمفاعلة هنا ليست على بابها ولا أرى في حمله على اصل معناه من دون تقدير المضاف بأسا وفي هذا مع ما بعده من قوله ) وأنهم إليه راجعون ( إقرار بالبعث وما وعد الله به في اليوم الآخر وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) واركعوا ( قال صلوا
سبب النزول
وأخرج ابن أبي حاتم أيضا عن مقاتل في قوله ) واركعوا مع الراكعين ( قال أمرهم أن يركعوا مع أمة محمد يقول كونوا منهم ومعهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى ) أتأمرون الناس بالبر ( الآية قال أولئك أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ولا ينتفعون بما فيه وأخرج الثعلبي والواحدي عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره ولذي قرابته ولمن بينه وبينه رضاع من المسلمين اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فإن أمره حق وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه وأخرج ابن جرير عنه


"""""" صفحة رقم 80 """"""
في قوله ) أتأمرون الناس بالبر ( قال بالدخول في دين محمد وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسلي وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي عن أبي الدرداء في الآية قال لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت رجعت فقلت لجبريل من هؤلاء قال هؤلاء خطباء من أمتك كانوا يأمرون الناس البر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون وثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون يا فلان مالك ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه وفي الباب أحاديث منها عن جابر مرفوعا عند الخطيب وابن النجار وعن الوليد بن عقبة مرفوعا عند الطبراني والخطيب بسند ضعيف وعند عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد عند موقوفا ومعناها جميعا أنه يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون لهم بما دخلتم النار وإنما دخلنا الجنة بتعليمكم قالوا إنا كنا نأمركم ولا نفعل وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء والأصبهاني في الترغيب بسند جيد عن جندب بن عبدالله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ) وأخرج ابن أبي شيبة وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد عنه نحوه وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء عن أبي برزة مرفوعا نحوه وأخرج ابن قانع في معجمه والخطيب في الاقتضاء عن سليك مرفوعا نحوه وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال ( ويل للذي لا يعلم مرة ولو شاء الله لعلمه وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات ) وأخرج أحمد في الزهد عن عبدالله بن مسعود مثله وما أحسن ما أخرجه ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن ابن عباس أنه جاءه رجل فقال يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر قال أوبلغت ذلك قال ارجو قال فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل قال وما هن قال قوله عز وجل ) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ( أحكمت هذه الآية قال لا قال فالحرف الثاني قال قوله تعالى ) لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( أحكمت هذه الآية قال لا قال فالحرف الثالث قال قول العبد الصالح شعيب ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( أحكمت هذه الآية قال لا قال فأبدأ بنفسك وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى ) واستعينوا بالصبر والصلاة ( قال إنهما معونتان من الله فاستعينوا بهما وقد أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وأبو الشيخ في الثواب والديلمي في مسند الفردوس عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية ) وقد وردت أحاديث كثيرة في مدح الصبر والترغيب فيه والجزاء للصابرين ولم يذكرها هنا لأنها ليست بخاصة بهذه الآية بل هي واردة في مطلق الصبر وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور ها هنا منها شطرا صالحا وفي الكتاب العزيز من الثناء على ذلك والترغيب فيه الكثير الطيب وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير عن حذيفة قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا حزبه


"""""" صفحة رقم 81 """"""
أمر فزع إلى الصلاة ) وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان عن صهيب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كانوا يعني الأنبياء يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة ) وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن أبي الدرداء مرفوعا نحو حديث حذيفة وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أنه كان في مسير له فنعى إليه ابن له فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع فقال فعلنا كما أمرنا الله فقال ) واستعينوا بالصبر والصلاة ( ) وقد روى عنه نحو ذلك سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي لما نعى إليه أخوه قثم وقد روى نحو ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) وإنها لكبيرة ( قال لثقيلة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا على الخاشعين ( قال المؤمنين حقا وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) إلا على الخاشعين ( قال الخائفين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كل ظن في القرآن فهو يقين ولا يتم هذا في مثل قوله ) إن الظن لا يغني من الحق شيئا ( وقوله ) إن بعض الظن إثم ( ولعله يريد الظن المتعلق بأمور الآخرة كما رواه ابن جريرة عن قتادة قال ما كان من ظن الآخرة فهو علم وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) وأنهم إليه راجعون ( قال يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة
البقرة 47 50
البقرة : ( 47 ) يا بني إسرائيل . . . . .
قوله ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ( قد تقدم تفسيره وإنما كرر ذلك سبحانه توكيدا للحجة عليهم وتحذيرا لهم من ترك اتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قرنه بالوعيد وهو قوله ) واتقوا يوما ( وقوله ) وأني فضلتكم ( معطوف على مفعول اذكروا أي اذكروا نعمتي وتفضيلي لكم على العالمين قيل المراد بالعالمين عالم زمانهم وقيل على جميع العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء وقال في الكشاف على الجم الغفير من الناس كقوله ) باركنا فيها للعالمين ( يقال رأيت عالما من الناس يراد الكثرة انتهى قال الرازي في تفسيره وهذا ضعيف لأن لفظ العالم مشتق من العلم وهو الدليل وكل ما كن دليلا على الله كان علما وكان من العالم وهذا تحقيق قول المتكلمين العالم كل موجود سوى الله وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالم ببعض المحدثات انتهى وأقول هذا الاعتراض ساقط أما أولا فدعوى اشتقاقه من العلم لا برهان عليه وأما ثانيا فلو سلمنا صحة هذا الاستقاق كان المعنى موجودا بما يتحصل معه مفهوم الدليل على الله الذي يصح إطلاق اسم العلم عليه وهو كائن في كل فرد من أفراد المخلوقات التي يستدل بها على الخالق وغايته أن جمع العالم يستلزم أن يكونوا مفضلين على افراد كثيرة من المحدثات وأما أنهم مفضلون على كل المحدثات في كل زمان فليس في اللفظ ما يفيد هذا ولا في اشتقاقه ما يدل عليه وأما من جعل العالم أهل العصر فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصور لا على


"""""" صفحة رقم 82 """"""
أهل كل عصر فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين فيهم نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ولا على ما بعده من العصور ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسيره قوله تعالى ) إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( وعند قوله تعالى ) ولقد اخترناهم على علم على العالمين ( وعند قوله تعالى ) إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ( فإن قيل إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم قلت لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزما ما لكونهم افضل من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لقوله تعالى ) كنتم خير أمة أخرجت للناس ( فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات
البقرة : ( 48 ) واتقوا يوما لا . . . . .
وقوله ) واتقوا يوما ( أمر معناه الوعيد وقد تقدم معنى التقوى والمراد باليوم يوم القيامة أي عذابه وقوله ) لا تجزي نفس عن نفس شيئا ( في محل نصب صفة ليوم والعائد محذوف قال البصريون في هذا وأمثاله تقديره فيه وقال الكسائي هذا خطأ بل التقدير لا تجزيه لأن حذف الظرف لا يجوز ويجوز حذف الضمير وحده وقد روى عن سيبويه والأخفش والزجاج جواز الأمرين ومعنى لا تجزي لا تكفي وتقضي يقال جزا عني هذا الأمر يجزي أي قضى واجتزأت بالشيء أجتزي أي اكتفيت ومنه قول الشاعر فإن الغدر في الأقوام عار
وإن الحر يجزي بالكراع
والمراد أن هذا اليوم لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تكفي عنها ومعنى التنكير التحقير أي شيئا يسيرا حقيرا وهو منصوب على المفعولية أو على أنه صفة مصدر محذوف أي جزاء حقيرا والشفاعة مأخوذة من الشفع وهو الاثنان تقول استشفعته أي سألته أن يشفع لي أي يضم جاهه إلى جاهك عند المشفوع إليه ليصل النفع إلى المشفوع له وسميت الشفعة شفعة لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو تقبل بالمثناة الفوقية لأن الشفاعة مؤنثة وقرأ الباقون بالياء التحتية لأنها بمعنى الشفيع قال الأخفش الأحسن التذكير وضمير منها يرجع إلى النفس المذكور ثانيا أي إن جاءت بشفاعة شفيع ويجوز أن يرجع إلى النفس المذكورة أولا أي إذا شفعت لم يقبل منها والعدل بفتح العين الفداء وبكسرها المثل يقال عدل وعديل للذي ماثل في الوزن والقدر وحكى ابن جرير أن في العرب من يكسر العين في معنى الفدية والنصر العون والأنصار الأعوان وانتصر الرجل انتقم والضمير أي هم يرجع إلى النفوس المدلول عليها بالنكرة في سياق النفي والنفس تذكر وتؤنث
البقرة : ( 49 ) وإذ نجيناكم من . . . . .
وقوله ) وإذ نجيناكم ( متعلق بقوله ) اذكروا ( والنجاة النجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها ثم سمى كل فائز ناجيا وآل فرعون قومه وأصل آل أهل بدليل تصغيره على أهيل وقيل غير ذلك وهو يضاف إلى ذوي الخطر قال الأخفش إنما يقال في الرئيس الأعظم نحو آل محمد ولا يضاف إلى البلدان فلا يقال من آل المدينة وقال الأخفش قد سمعناه في البلدان قالوا آل المدينة واختلفوا هل يضاف إلى المضمر أم لا فمنعه قوم وسوغه آخرون وهو الحق ومنه قول عبدالمطلب وانصر على آل الصلي
ب وعابديه اليوم آلك
وفرعون قيل هو اسم ذلك الملك بعينه وقيل إنه اسم لكل ملك من ملوك العمالقة كما يسمى من ملك الفرس كسرى ومن ملك الروم قيصر ومن ملك الحبشة النجاشي واسم فرعون موسى المذكور هنا قابوس في قول أهل الكتاب وقال وهب اسمه الوليد بن مصعب بن الريان قال المسعودي لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية وقال الجوهري إن كل عات يقال له فرعون وقد تفرعن وهو ذو فرعنة أي دهاء ومكر وقال في


"""""" صفحة رقم 83 """"""
الكشاف تفرعن فلان إذا عتا وتجبر ومعنى قوله ) يسومونكم ( يولونكم قاله أبو عبيدة وقيل يذيقونكم ويلزمونكم إياه وأصل السوم الدوام ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي ويقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها وقال في الكشاف أصله من سام السلعة إذا طلبها كأنه بمعنى يبغونكم سوؤ العذاب ويريدونكم عليه انتهى وسوء العذاب أشده وهو صفة مصدر محذوف أي يسومونكم سوما سوء العذاب ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا وهذه الجملة في محل رفع على أنها خبر لمبتدأ مقدر ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال أي سائمين لكم وقوله ) يذبحون ( وما بعده بدل من قوله ) يسومونكم ( وقال الفراء إنه تفسير لما قبله وقرأه الجماعة بالتشديد وقرأ ابن محيصن بالتخفيف والذبح في الأصل الشق وهو فرى أوداج المذبوح والمراد بقوله تعالى ) ويستحيون نساءكم ( يتركونهن أحياء ليستخدموهن ويمتهنوهن وإنما أمر بذبح الأبناء واستحياء البنات لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده وعبر عن البنات باسم النساء لأنه جنس يصدق على البنات وقالت طائفة أنه أمر بذبح الرجال واستدلوا بقوله ) نساءكم ( والأول أصح بشهادة السبب ولا يخفي ما في قتل الأبناء واستحياء البنات للخدمة ونحوها من إنزال الذل بهم وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار والإشارة بقوله ) وفي ذلكم ( إلى جملة الأمر والبلاء يطلق تارة على الخبر وتارة على الشر فإن أريد به هنا الشر كانت الإشارة بقوله ) وفي ذلكم ( إلى جملة الأمر والبلاء يطلق تارة على الخير وتارة على الشر فإن أريد به هنا الشر كانت الإشارة بقوله ) وفي ذلكم بلاء ( إلى ما حل بهم من النقمة بالذبح ونحوه وإن أريد به الخير كانت الإشارة إلى النعمة التي أنعم إله عليهم بالإنجاء وما هو مذكور قبله من تفضيلهم على العالمين وقد اختلف السلف ومن بعدهم في مرجع الإشارة فرجح الجمهور الأول ورجح الآخرون الآخر قال ابن جرير وأكثر ما يقال في الشر بلوته أبلوه بلاء وفي الخير أبليه إبلاء وبلاء قال زهير جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
قال فجمع بين اللغتين لأنه أراد فأنعم عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده
البقرة : ( 50 ) وإذ فرقنا بكم . . . . .
وقوله ) وإذ فرقنا ( متعلق بما تقدم من قوله ) اذكروا ( وفرقنا فلقنا وأصل الفرق الفصل ومنه فرق الشعر وقرأ الزهري ) فرقنا ( بالتشديد والباء في قوله ) بكم ( قيل هي بمعنى اللام أي لكم وقيل هي الباء السببية أي فرقناه بسببكم وقيل إن الجار والمجرور في محل الحال أي فرقناه متلبسا بكم والمراد ها هنا أن فرق البحر كان بهم أي بسبب دخولهم فيه أي لما صاروا بين الماءين صار الفرق بهم واصل البحر في اللغة الاتساع أطلق على البحر الذي هو مقابل البر لما فيه من الاتساع بالنسبة إلى النهر والخليج ويطلق على الماء المالح ومنه أبحر الماء إذا ملح قال نصيب
وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب
وقوله ) فأنجيناكم ( أي أخرجناكم منه ) وأغرقنا آل فرعون ( فيه وقوله ) وأنتم تنظرون ( في محل نصب على الحال أي حال كونكم ناظرين إليهم بأبصاركم وقيل معناه وأنتم تنظرون أي ينظر بعضكم إلى البعض الآخر من السالكين في البحر وقيل نظروا إلى أنفسهم ينجون وإلى آل فرعون يغرقون والمراد بآل فرعون هنا هو قومه وأتباعه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وأسباب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا ) اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ( قال مضى القوم وإنما يعني به أنتم وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عيينة قال في قومه ) اذكروا نعمتي ( هي أيادي الله وأيامه واخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال نعمة الله التي أنعم بها على بني


"""""" صفحة رقم 84 """"""
إسرائيل فيما سمى وفيما سوى ذلك فجر لهم الحجر وأنزل عليهم المن والسلوى وأنجاهم من عبودية آل فرعون وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وأني فضلتكم على العالمين ( قال فضلوا على العالم الذي كانوا فيه ولكل زمان عالم وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه واخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي العالية في قوله ) فضلتكم على العالمين ( قال بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالما وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) لا تجزي نفس عن نفس شيئا ( قال لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا وأخرج ابن جرير عن عمرو بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن الثناء عليه قال ( قيل يا رسول الله ما العدل قال العدل الفدية ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه قال ابن أبي حاتم وروى عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك وأخرج عبدالرزاق عن علي في تفسير الصرف والعدل قال التطوع والفريضة قال ابن كثير وهذا القول غريب ههنا والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قالت الكهنة لفرعون إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكه فجعل فرعون على كل ألف إمرأة مائة رجل وعلى كل مائة عشرة وعلى كل عشر رجلا فقال انظروا كل إمرأة حامل في المدينة فإذا وضعت حملها فإن كان ذكرا فاذبحوه وإن كان أنثى فخلوا عنها وذلك قوله ) يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) يسومونكم سوء العذاب ( قال إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة فقالت له الكهنة إنه سيولد العام بمصر غلام يكون هلاكك على يديه فبعث في أهل مصر نساء قوابل فإذا ولدت إمرأة غلاما أتى فرعون فقتله ويستحي الجواري وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بلاء من ربكم عظيم ( يقول نقمة وأخرج وكيع عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وإذ فرقنا بكم البحر ( فقال إي والله لفرق البحر بينهم حتى صار طريقا يبسا يمشون فيه فأنجاهم الله وأغرق آل فرعون عدوهم وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال ( قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال ما هذا اليوم قالوا هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نحن أحق بموسى منكم فصامه وامر بصومه ) وقد أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير أن هرقل كتب إلى معاوية يسأله عن أمور منها عن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة فكتب معاوية إلى ابن عباس فأجابه عن تلك الأمور وقال وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل ولعله سيأتي إن شاء الله تعالى زيادة على ما هنا عند تفسير قوله تعالى ) أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم (
البقرة 51 54


"""""" صفحة رقم 85 """"""
البقرة : ( 51 ) وإذ واعدنا موسى . . . . .
قرأ أبو عمرو ) وعدنا ( بغير ألف ورجحه أبو عبيدة وأنكر ( واعدنا ) قال لأن المواعدة إنما تكون من البشر فأما من الله فإنما هو التفرد بالوعد على هذا وجدنا القرآن كقوله ) وعدكم وعد الحق ( وقوله ) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ( ومثله قال أبو حاتم ومكي وإنما قالوا هكذا نظرا إلى أصل المفاعلة أنها تفيد الاشتراك في أصل الفعل وتكون من كل واحد من المتواعدين ونحوهما ولكنها قد تأتي للواحد في كلام العرب كما في قولهم داويت العليل وما قبت اللص وطارقت النعل وذلك كثير في كلامهم وقرأه الجمهور ( واعدنا ) قال النحاس وهي أجود وأحسن وليس قوله ) وعد الله الذين آمنوا ( من هذا من شيء لأن واعدنا موسى إنما هو من باب الموافاة وليس هو من الوعد والوعيد في شيء وإنما هو من قولك موعدك يوم الجمعة وموعدك موضع كذا والفصيح في هذا أن يقال واعدته قال الزجاج واعدنا بالألف ها هنا جيد لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة فمن الله سبحانه وعد ومن موسى قبول قوله ) أربعين ليلة ( قال الزجاج التقدير تمام أربعين ليلة وهي عند أكثر المفسرين ذو القعدة وعشر من ذي الحجة وإنما خص الليالي بالذكر دون الأيام لأن الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة ومعنى قوله ) ثم اتخذتم العجل ( أي جعلتم العجل إلها من بعده أي من بعد مضي موسى إلى الطور وقد ذكر بعض المفسرين أنهم عدوا عشرين يوما وعشرين ليلة وقالوا قد اختلف موعده فاتخذوا العجل وهذا غير بعيد منهم فقد كانوا يسلكون طرائق من التعنت خارجة عن قوانين العقل مخالفة لما يخاطبون به بل ويشاهدونه بأبصارهم فلا يقال كيف تعدون الأيام والليالي على تلك الصفة وقد صرح لهم في الوعد بأنها أربعون ليلة وإنما سماهم ظالمين لأنهم أشركوا بالله وخالفوا موعد نبيهم عليه السلام والجملة في موضع نصب على الحال
البقرة : ( 52 ) ثم عفونا عنكم . . . . .
وقوله ) من بعد ذلك ( أي من بعد عبادتكم العجل وسمي العجل عجلا لاستعجالهم عبادته كذا قيل وليس بشيء لأن العرب تطلق هذا الإسم على ولد البقر وقد كان جعله لهم السامري على صورة العجل وقوله ) لعلكم تشكرون ( أي لكي تشكروا ما أنعم الله به عليكم من العفو عن ذنبكم العظيم الذي وقعتم فيه واصل الشكر في اللغة الظهور من قولهم دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطي من العلف قال الجوهري الشكر الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح وقد تقدم معناه والكشران خلاف الكفران
البقرة : ( 53 ) وإذ آتينا موسى . . . . .
والكتاب التوراة بالإجماع من المفسرين واختلفوا في الفرقان وقال الفراء وقطرب المعنى آتينا موسى التوراة ومحمدا الفرقان وقد قيل إن هذا غلط أوقعهما فيه أن الفرقان مختص بالقرآن وليس كذلك فقد قال تعالى ) ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ( وقال الزجاج إن الفرقان هو الكتاب أعيد ذكره تأكيدا وحكى نحوه عن الفراء ومنه قول عنترة حييت من طلل تقادم عهده
أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
وقيل إن الواو صلة والمعنى آتينا موسى الكتاب الفرقان والواو قد تزاد في النعوت كقول الشاعر إلى الملك القرم وابن الهمام
وليث الكتيبة في المزدحم
وقيل المعنى أن ذلك المنزل جامع بين كونه كتابا وفارقا بين الحق والباطل وهو كقوله ) ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء ( وقيل الفرقان الفرق بينهم وبين قوم فرعون أنجى هؤلاء وأغرق هؤلاء وقال ابن زيد الفرقان انفراق البحر وقيل الفرقان الفرج من الكرب وقيل إنه الحجة والبيان بالآيات التي أعطاه الله من العصا واليد وغيرهما وهذا أولى وأرجح ويكون العطف على بابه كأنه قال


"""""" صفحة رقم 86 """"""
آتينا موسى التوراة والآيات التي أرسلناه بها معجزة له
البقرة : ( 54 ) وإذ قال موسى . . . . .
قوله ) يا قوم ( القوم يطلق تارة على الرجال دون النساء ومنه قول زهير وما أدري وسوف إخال أدري
أقوم آل حصن أم نساء
ومنه قوله تعالى ) لا يسخر قوم من قوم ( ثم قال ) ولا نساء من نساء ( ومنه ) ولوطا إذ قال لقومه ( أراد الرجال وقد يطلق على الجميع كقوله تعالى ) إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ( والمراد هنا بالقوم عبدة العجل والبارىء الخالق وقيل إن البارىء هو المبدع المحدث والخالق هو المقدر الناقل من حال إلى حال وفي ذكر البارىء إشارة إلى عظيم جرمهم أي فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره والفاء في قوله ) فتوبوا ( للسببية أي لتسبب التوبة عن الظلم وفي قوله ) فاقتلوا ( للتعقيب أي اجعلوا القتل متعقبا للتوبة قال القرطبي وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده قيل قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا وقيل وقف الذين عبدوا العجل ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم وقوله ) فتاب عليكم ( قيل في الكلام حذف أي فقتلتم نفسكم فتاب عليكم أي على الباقين منكم وقيل هو جواب شرط محذوف كأنه قال فإن فعلتم فقد تاب عليكم وأما ما قاله صاحب الكشاف من أنه يجوز أن يكون خطابا من الله لهم على طريقة الالتفات فيكون التقدير ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم فهو بعيد جدا كما لا يخفى
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) أربعين ليلة ( قال ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة وقد أخرج ابن جرير عنه في قوله ) من بعد ذلك ( قال من بعد ما اتخذتم العجل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ( قال الكتاب هو الفرقان فرق بين الحق والباطل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال الفرقان جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وأخرج ابن جرير عنه قال أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا انفسهم واختبأ الذين عكفوا على العجل فجلسوا وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضا فانجلت الظلمة عنهم عن سبعين ألف قتيل كل من قتل منهم كانت له توبة وكل من بقي كانت له توبة وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال قالوا لموسى ما توبتنا قال يقتل بعضكم بعضا فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفا فأوحى الله إلى موسى مرهم فليرفوا أيديهم وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن الزهري نحوا مما سبق وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) إلى بارئكم ( قال خالقكم
البقرة 55 57
البقرة : ( 55 ) وإذ قلتم يا . . . . .
قوله ( وإذ قلتم ) هذه الجملة معطوفة على التي قبلها وظاهر السياق أن القائلين هذه المقالة هم قوم موسى


"""""" صفحة رقم 87 """"""
وقيل هم السبعون الذين اختارهم وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله قالوا له بعد ذلك هذه المقالة فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم ثم دعا موسى ربه فأحياهم كما قال تعالى هنا ) ثم بعثناكم من بعد موتكم ( وسيأتي ذلك في الأعراف إن شاء الله والجهرة المعاينة وأصلها الظهور ومنه الجهر بالقراءة والمجاهرة بالمعاصي ورأيت الأمر جهرة جهارا أي غير مستتر بشيء وهي مصدر واقع موقع الحال وقرأ ابن عباس ( جهرة ) بفتح الهاء وهي لغتان أهل زهرة وزهر ويحتمل أن يكون على هذه القراءة جمع جاهر والصاعقة قد تقدم تفسيرها وقرأ عمر وعثمان وعلي ( الصعقة ) وهي قراءة ابن محيصن والمراد بأخذ الصاعقة إصابتها إياهم ) وأنتم تنظرون ( في محل نصب على الحال والمراد من هذا النظر الكائن منهم أنهم نظروا أوائل الصاعقة النازلة بهم الواقعة عليهم لا آخرها الذي ماتوا عنده وقيل المراد بالصاعقة الموت واستدل عليه بقوله ) ثم بعثناكم من بعد موتكم ( ولا موجب للمصير إلى هذا التفسير لأن المصعوق قد يموت كما في هذه الآية وقد يغشى عليه ثم يفيق كما في قوله تعالى ) وخر موسى صعقا فلما أفاق ( ومما يوجب بعد ذلك قوله ) وأنتم تنظرون ( فإنها لو كانت الصاعقة عبارة عن الموت لم يكن لهذه الجملة كبير معنى بل قد يقال إنه لا يصح أن ينظروا الموت النازل بهم إلا أن يكون المراد نظر الأسباب المؤثرة للموت
البقرة : ( 56 ) ثم بعثناكم من . . . . .
والمراد بقوله ) ثم بعثناكم ( الإحياء لهم لوقوعه بعد الموت واصل البعث الإثارة للشيء من محله يقال بعثت الناقة أي أثرتها ومنه قول امرئ القيس وإخوان صدق قد بعثت بسحرة
فقاموا جميعا بين غاث ونشوان
وقوله عنترة وصحابة شم الأنوف بعثتهم
ليلا وقد مال الكرى بطلاها
وإنما عوقبوا بأخذ الصاعقة لهم لأنهم طلبوا ما لم يأذن الله به من رؤيته في الدنيا وقد ذهبت المعتزلة ومن تابعهم إلى إنكار الرؤية في الدنيا والآخرة وذهب من عداهم إلى جوازها في الدنيا والآخرة ووقوعها في الآخرة وقد تواترت الأحاديث الصحيحة بأن العباد يرون ربهم في الآخرة وهي قطعية الدلالة لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة وزعموا أن العقل قد حكم بها دعوى مبنية على شفا جرف هار وقواعد لا يغتر بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب وسيأتيك إن شاء الله بيان ما تمسكوا به من الأدلة القرآنية وكلها خارج عن محل النزاع بعيد من موضع الحجة وليس هذا موضع المقال في هذه المسألة
البقرة : ( 57 ) وظللنا عليكم الغمام . . . . .
قوله ) وظللنا عليكم الغمام ( أي فعلناه كالظلة والغمام جمع غمامة كسحابة وسحاب قاله الأخفش قال الفراء ويجوز غمائم وقد ذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين والمن قيل هو الترنجبين قال النحاس هو بتشديد الراء وإسكان النون ويقال الطرنجبين بالطاء وعلى هذا أكثر المفسرين وهو طل ينزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو وينعقد عسلا ويجف جفاف الصمغ ذكر معناه في القاموس وقيل إن المن العسل وقيل شراب حلو وقيل خبز الرقاق وقيل إنه مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ومنه ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد بن زيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أن الكمأة من المن الذي أنزل على موسى وقد ثبت مثله من حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي ومن حديث جابر وأبي سعيد وابن عباس عند النسائي والسلوى قيل هو السماني كحبارى طائر يذبحونه فيأكلونه قال ابن عطية السلوى طير بإجماع المفسرين وقد غلط الهذلي فقال وقاسمهما بالله جهدا لأنتما
ألذ من السلوى إذا ما أشورها


"""""" صفحة رقم 88 """"""
ظن أن السلوى العسل قال القرطبي ما ادعاه من الإجماع لا يصح وقد قال المؤرج أحد علماء اللغة والتفسير إنه العسل واستدل ببيت الهذلي وذكر أنه كذلك بلغة كنانة وأنشد لو شربت السلوى ما سلوت
ما غنا عنك وإن غنيت
وقال الجوهري والسلوى العسل قال الأخفش السلوى لا واحد له من لفظه مثل الخير والشر وهو يشبه أن يكون واحده سلوى وقال الخليل واحده سلواة وأنشد وإني لتعروني لذكراك سلوة
كما انتفض السلواة من سلكه القطر
وقال الكسائي السلوى واحدة وجمعه سلاوي وقوله ) كلوا ( أي قلنا لهم كلوا وفي الكلام حذف والتقدير قلنا كلوا فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر فظلموا أنفسهم وما ظلمونا فحذف هذا لدلالة ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( عليه وتقديم الأنفس هنا يفيد الاختصاص وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) حتى نرى الله جهرة ( قال علانية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال هم السبعون الذين اختارهم موسى ) فأخذتكم الصاعقة ( قال ماتوا ) ثم بعثناكم من بعد موتكم ( قال فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ثم بعثناكم ( نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وظللنا عليكم الغمام ( قال غمام أبرد من هذا وأطيب وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر وكان معهم في التيه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وظللنا عليكم الغمام ( قال كان هذا الغمام في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس وأطعمهم المن والسلوى حين برزوا إلى البرية فكان المن يسقط عليهم في محلتهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فيأخذ الرجل قدر ما يكفيه يومه ذلك فإن تعدى ذلك فسد ما يبقى عنده حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه فبقي عنده لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر المعيشة ولا لطلبة شيء وهذا كله في البرية وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال المن شيء أنزل الله عليهم مثل الطل والسلوى طير أكبر من العصفور وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال المن صمغة والسلوى طائر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال قالوا يا موسى كيف لنا بما ها هنا أين الطعام فأنزل الله عليهم المن فكان يسقط على الشجرة الترنجبين وأخرجوا عن وهب أنه سئل ما المن قال خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان المن ينزل عليهم بالليل على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا والسلوى طائر يشبه السماني كانوا يأكلون منه ما شاءوا وأخرج ابن جرير عنه نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في السلوى مثله وقد روى نحو ذلك عن جماعة من التابعين ومن بعدهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وما ظلمونا ( قال نحن أعز من أن نظلم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( قال يضرون
البقرة 58 59


"""""" صفحة رقم 89 """"""
البقرة : ( 58 ) وإذ قلنا ادخلوا . . . . .
قال جمهور المفسرين القرية هي بيت المقدس وقيل إنها أريحاء قرية من قرى بيت المقدس وقيل من قرى الشام وقوله ) كلوا ( أمر إباحة و ) رغدا ( كثيرا واسعا وهو نعت لمصدر محذوف أي أكلا رغدا ويجوز أن يكون في موضع الحال وقد تقدم تفسيره والباب الذي أمروا بدخوله هو باب في بيت المقدس يعرف اليوم بباب حطة وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل والسجود قد تقدم تفسيره وقيل هو هنا الانحناء وقيل التواضع والخضوع واستدلوا على ذلك بأنه لو كان المراد السجود الحقيقي الذي هو وضع الجبهة على الأرض لامتنع الدخول المأمور به لأنه لا يمكن الدخول حال السجود الحقيقي وقال في الكشاف إنهم أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله وتواضعا واعترضه أبو حيان في النهر الماد فقال لم يؤمروا بالسجود بل هو قيد في وقوع المأمور به وهو الدخول والأحوال نسب تقييدية والأوامر نسب إسنادية انتهى ويجاب عنه بأن الأمر بالمقيد أمر بالقيد فمن قال أخرج مسرعا فهو ى مر بالخروج على هذه الهيئة فلو خرج غير مسرع كان عند أهل اللسان مخالفا للأمر ولا ينافي هذا كون الأحوال نسبا تقييدية فإن اتصافها بكونها قيودا مأمورا بها هو شيء زائد على مجرد التقييد وقوله ) حطة ( بالرفع في قراءة الجمهور على إضمار مبتدا قال الأخفش وقرئت ( حطة ) نصبا على معنى احطط عنا ذنوبنا حطة وقيل معناها الاستغفار ومنه قول الشاعر فاز بالحطة التي أمر الله بها ذنب عبده مغفورا
وقال ابن فارس في المجمل ( حطة ) كلمة أمروا بها ولو قالوها لحطت أوزارهم قال الرازي في تفسيره أمرهم بأن يقولوا ما يدل على التوبة وذلك لأن التوبة صفة القلب فلا يطلع الغير عليها وإذا اشتهر وأخذ بالذنب ثم تاب بعده لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذنب لأن التوبة لا تتم إلا به انتهى وكون التوبة لا تتم إلا بذلك لا دليل عليه بل مجرد عقد القلب عليها يكفي سواء اطلع الناس على ذنبه أم لا وربما كان التكتم بالتوبة على وجه لا يطلع عليها إلا الله عز وجل أحب إلى الله وأقرب إلى مغفرته وأما رفع ما عند الناس من اعتقادهم بقاءه على المعصية فذلك باب آخر وقوله ) يغفر لكم ( قرأه نافع بالياء التحتية المضمومة وقرأه ابن عامر بالتاء الفوقية المضمومة وقرأه الباقون بالنون وهي أولى والخطايا جمع خطيئة بالهمز وقد تكلم علماء العربية في ذلك بما هو معروف في كتب الصرف وقوله ) وسنزيد المحسنين ( أي نزيدهم إحسانا على إحسانهم المتقدم وهو اسم فاعل من أحسن وقد ثبت في الصحيح ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن الإحسان فقال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
البقرة : ( 59 ) فبدل الذين ظلموا . . . . .
وقوله ) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ( قيل إنهم قالوا حنظة وقيل غير ذلك والصواب أنهم قالوا حبة في شعرة كما سيأتي مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) فأنزلنا على الذين ظلموا ( هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة كما تقرر في علم البيان وهي هنا تعظيم الأمر عليهم وتقبيح فعلهم ومنه قول عدي بن يزيد


"""""" صفحة رقم 90 """"""
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
فكرر الموت في البيت ثلاثا تهويلا لأمره وتعظيما لشأنه وقوله ) رجزا ( بكسر الراء في قراءة الجميع إلا ابن محيصن فإنه قرأ بضم الراء والرجز العذاب والفسق قد تقدم تفسيره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ادخلوا هذه القرية ( قال بيت المقدس وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال هي أريحاء قرية من بيت المقدس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) ادخلوا الباب ( قال باب ضيق ) سجدا ( قال ركعا وقوله ) حطة ( قال مغفرة فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة استهزاء قال فذلك قوله تعالى ) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ( وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الباب هو أحد أبواب بيت المقدس وهو يدعى باب حطة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال قيل لهم ) ادخلوا الباب سجدا ( فدخلوا مقنعي رءوسهم وقالوا حنطة حبة حمراء فيها شعيرة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) وادخلوا الباب سجدا ( قال طأطئوا رءوسكم ) وقولوا حطة ( قال قولوا لا إله إلا الله وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ) وقولوا حطة ( قال لا إله إلا الله وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كان الباب قبل القبلة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( قيل لبني إسرائيل ادخوا الباب سجدا وقولا حطة فبدلوا فدخوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنظة في شعيرة والأول أرجح لكونه في الصحيحين وقد أخرجه معهما من أخرج هذا الحديث الآخر أعني ابن جرير وابن المنذر وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني اسرائيل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب وأخرج مسلم وغيره من حديث أسامة بن زيد وسعد بن مالك وخزيمة بن ثابت قالوا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( وإن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها )
البقرة 60 61


"""""" صفحة رقم 91 """"""
البقرة : ( 60 ) وإذ استسقى موسى . . . . .
الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس المطر ومعناه في اللغة طلب السقيا وفي الشرع ما ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في صفته من الصلاة والدعاء والحجر يحتمل أن يكون حجرا معينا فتكون اللام للعهد ويحتمل أن لا يكون معينا فتكون للجنس وهو أظهر في المعجزة وأقوى للحجة وقوله ) فانفجرت ( الفاء مترتبة على محذوف تقديره فضرب فانفجرت والإنفجار الانشقاق وانفجر الماء انفجارا تفتح والفجرة موضع تفتح الماء قال ابن عطية ولا خلاف أنه كان حجرا مربعا يخرج من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى سالت العيون وإذا استغنوا عن الماء جفت والمشرب موضع الشرب وقيل هو المشروب نفسه وفيه دليل على أنه يشرب من كل عين قوم منهم لا يشاركهم غيرهم قيل كان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها إلى غيرها والأسباط ذرية الإثنى عشر من أولاد يعقوب وقوله ( كلوا ) أي قلنا لهم كلوا المن والسلوى واشربوا الماء المتفجر من الحجر وعثا يعثي عثيا وعثا يعثو عثوا وعاث يعيث عيثا لغات بمعنى افسد وقوله ) مفسدين ( حال مؤكدة قال في القاموس عثى كرمى وسعى ورضي عثيا وعثيا وعثيانا وعثا يعثو عثوا أفسد وقال في الكشاف العثي أشد الفساد فقيل لهم لا تمادوا في الفساد في حال فسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه انتهى
البقرة : ( 61 ) وإذ قلتم يا . . . . .
قوله ) لن نصبر على طعام واحد ( تضجر منهم بما صاروا فيه من النعمة والرزق الطيب والعيش المستلذ ونزوع إلى ما ألفوه قبل ذلك من خشونة العيش إن الشقي بالشقاء مولع
لا يملك الرد له إذا أتى
يحتمل أن لا يكون هذا منهم تشوقا إلى ما كانوا فيه ونظرا لما صاروا إليه من العيشة الرافهة بل هو باب من تعنتهم وشعبة من شعب تعجرفهم كما هو دأبهم وهجيراهم في غالب ما قص علينا من أخبارهم وقال الحسن البصري إنهم كانوا أهل كراث وأبصال وأعداس فنزعوا إلى عكرهم أي أصلهم عكر السوء واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم فقالوا ) لن نصبر على طعام واحد ( والمراد بالطعام الواحد هو المن والسلوى وهما وإن كانا طعامين لكن لما كانوا يأكلون أحدهما بالآخر جعلوهما طعاما واحد وقيل لتكررهما في كل يوم وعدم وجود غيرهما معهما ولا تبدلة بهما ومن قوله ) مما تنبت ( تخرج قال الأخفش زائدة وخالفه سيبويه لكونها لا تزاد في الكلام الموجب قال النحاس وإنما دعا الأخفش إلى هذا لأنه لم يجد مفعولا ليخرج فأراد أن يجعل ما مفعولا والأولى أن يكون الفعول محذوفا دل عليه سياق الكلام أي تخرج لنا مأكولا وقوله ) من بقلها ( بدل من ما بإعادة الحرف والبقل كل نبات ليس له ساق والشجر ما له ساق قال في الكشاف البقل ما أنبتته الأرض من الخضر والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها انتهى والقثاء بكسر القاف وفتحها والأولى قراءة الجمهور والثانية قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف وهو معروف والفوم قيل هو الثوم وقد قرأه ابن مسعود بالثاء وروى نحو ذلك عن ابن عباس وقيل الفوم الحنطة واليه ذهب أكثر المفسرين كما قال القرطبي وقد رجح هذا ابن النحاس وقال الجوهري الفوم الحنطة وممن قال بهذا الزجاج والأخفش وأنشد قد كنت أحسبني كأغنى واحد
ترك المدينة عن زراعة فوم
وقال بالقول الأول الكسائي والنضر بن شميل ومنه قول أمية بن أبي الصلت كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة
فيها الفراديس والفومات والبصل


"""""" صفحة رقم 92 """"""
أي الثوم وقال حسان وأنتم أناس لئام الأصول
طعامكم الفوم والحوقل
يعني الثوم والبصل وقيل الفوم السنبلة وقيل الحمص وقيل الفوم كل حب يخبز والعدس والبصل معروفان والاستبدال وضع الشيء موضع الآخر ) وأدنى ( قال الزجاج إنه مأخوذ من الدنو أي القرب والمراد أتضعون هذه الأشياء التي هي دون موضع المن والسلوى اللذين هما خير منها من جهة الاستلذاذ والوصول من عند الله بغير واسطة أحد من خلقه والحل الذي لا تطرقه الشبهة وعدم الكلفة بالسعي له والتعب في تحصيله وقوله ) اهبطوا مصرا ( أي انزلوا وقد تقدم معنى الهبوط وظاهر هذا أن الله أذن لهم بدخول مصر وقيل إن الأمر للتعجيز لأنهم كانوا في التيه فهو مثل قوله تعالى ) كونوا حجارة أو حديدا ( وصرف مصر هنا مع اجتماع العلمية والتأنثيث لأنه ثلاثي ساكن الوسط وهو يجوز صرفه مع حصول السببين وبه قال الأخفش والكسائي وقال الخليل وسيبويه إن ذلك لا يجوز وقالا إنه لا علمية هنا لأنه أراد مصرا من الأمصار ولم يرد المدينة المعروفة وهو خلاف الظاهر وقرأ الحسن وابان بن تغلب وطلحة بن مصرف بترك التنوين وهو كذلك في مصحف أبي وابن مسعود ومعنى ضرب الذلة والمسكنة إلزامهم بذلك والقضاء به عليهم قضاء مستمرا لا يفارقهم ولا ينفصل عنهم مع دلالته على أن ذلك مشتمل عليهم اشتمال القباب على من فيها ومنه قول الفرزدق يهجو جريرا ضربت عليك العنكبوت بوزنها
وقضى عليك به الكتاب المنزل
وهو ضرب من الهجاء بليغ كما أنه إذا استعمل في المديح كان في منزلة رفيعة ومنه قول الشاعر إن المروءة والشجاعة والندى
في قبة ضربت على ابن الحشرج
وهذا الخبر الذي أخبرنا الله به هو معلوم في جميع الأزمنة فإن اليهود أقماهم الله أزل الفرق وأشدهم مسكنة وأكثرهم تصاغرا لم ينتظم لهم جمع ولا خفقت على رءوسهم راية ولا ثبتت لهم ولاية بل ما زالوا عبيد العصى في كل زمن وطروقة كل فحل في كل عصر ومن تمسك منهم بنصيب من المال وإن بلغ في الكثرة أي مبلغ فهو متظاهر بالفقر مترد بأثواب المسكنة ليدفع عن نفسه أطماع الطامعين في ماله إما بحق كتوفير ما عليه من الجزية أو بباطل كما يفعله كثير من الظلمة من التجرىء على الله بظلم من لا يستطيع الدفع عن نفسه ومعنى ( باءوا ) رجعوا يقال باء بكذا أي رجع به وباء إلى المباءة أي رجع إلى المنزل والبواء الرجوع ويقال هم في هذا الأمر بواء أي سواء يرجعون فيها إلى معنى واحد وباء فلان بفلان إذا كان حقيقا بأن يقبل به لمساواته له ومنه قول الشاعر ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي
محاربنا لا يبوا الدم بالدم
والمراد في الآية أنهم رجعوا بغضب من الله أو صاروا أحقاء بغضبه وقد تقدم تفسير الغضب والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من حديث الذلة وما بعده بسبب كفرهم بالله وقتلهم لأنبيائه بغير حق يحق عليهم اتباعه والعمل به ولم يخرج هذا مخرج التقييد حتى يقال إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال لمكان العصمة بل المراد نعي هذا الأمر عليهم وتعظيمه وأنه ظلم بحت في نفس الأمر ويمكن أن يقال أنه ليس بحق في اعتقادهم الباطل لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يعارضوهم في مال ولا جاه بل أرشدوهم إلى مصالح الدين


"""""" صفحة رقم 93 """"""
والدنيا كما كان من شعيبا وزكريا ويحيى فإنهم قتلوهم وهم يعلمون ويعتقدون أنهم ظالمون وتكرير الإشارة لقصد التأكيد وتعظيم الأمر عليهم وتهويله ومجموع ما بعده الإشارة الأولى والاشارة الثانية هو السبب لضرب الذلة وما بعده وقيل يجوز أن تكون الإشارة الثانية إلى الكفر والقتل فيكون ما بعدها سببا للسبب وهو بعيد جدا والاعتداء تجاوز الحد في كل شيء
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وإذ استسقى موسى لقومه ( قال ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار فيها اثنتا عشرة عينا من ماء لكل سبط منهم عين يشربون منها وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ومجاهد وابن أبي حاتم عن جويبر نحو ذلك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تعثوا في الأرض ( قال لا تسعوا في الأرض فسادا واخرج ابن جرير عن أبي العالية مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال يعني ولا تمشوا بالمعاصي وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال لا تسيروا في الأرض مفسدين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) لن نصبر على طعام واحد ( قال المن والسلوى استبدلوا به البقل وما حكى معه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وفومها ( قال الخبز وفي لفظ البر وفي لفظ الحنطة وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال الفوم الثوم وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود أنه قرأ ( وثومها ) وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه قال قراءتي قراءة زيد وأنا آخذ ببضعة عشر حرفا من قراءة ابن مسعود هذا أحدها ( من بقلها وقثائها وثومها ) وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) الذي هو أدنى ( قال أردأ وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) اهبطوا مصرا ( قال مصرا من الأمصار وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أنه مصر فرعون وأخرج نحوه ابن أبي داود وابن الأنباري عن الأعمش وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وضربت عليهم الذلة ( قال هم أصحاب الجزية وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة والحسن قال ضربت عليهم الذلة والمسكنة أي يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال المسكنة الفاقة وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) وباؤوا بغضب من الله ( قال استحقوا الغضب من الله وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وباؤوا ( قال انقلبوا وأخرج أبو داود الطيالسي وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار
البقرة 62
البقرة : ( 62 ) إن الذين آمنوا . . . . .
قيل إن المراد بالذين آمنوا المنافقون بدلالة جعلهم مقترنين باليهود والنصارى والصابئين أي آمنوا في الظاهر والأولى أن يقال إن المراد الذين صدقوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصاروا من جملة أتباعه وكأنه سبحانه أراد أن يبين أن حال هذه الملة الإسلامية وحال من قبلها من سائر الملل يرجع إلى شيء واحد وهو أن من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا استحق ما ذكره الله من الأجر ومن فاته ذلك فاته الخير كله والأجر دقه وجله والمراد بالإيمان ها هنا هو ما بينه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله لما سأله جبريل عن الإيمان


"""""" صفحة رقم 94 """"""
فقال ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره ) ولا يتصف بهذا الإيمان إلا من دخل في الملة الإسلامية فمن لم يؤمن بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولا بالقرآن فليس بمؤمن ومن آمن بهما صار مسلما مؤمنا ولم يبق يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا وقوله ) هادوا ( معناه صاروا يهودا قيل هو نسبة لهم إلى يهوذا بن يعقوب بالذال المعجنة فقلبتها العرب دالا مهملة وقيل معنى هادوا تابوا لتوبتهم عن عبادة العجل ومنه قوله تعالى ) إنا هدنا إليك ( أي تبنا وقيل إن معناه السكون والموادعة وقال في الكشاف إن معناه دخل في اليهودية والنصارى قال سيبويه مفردة نصران ونصرانة كندمان وندمانة وأنشد شاهدا على ذلك قول الشاعر تراه إذا زار العشا متخففا
ويضحى لديه وهو نصران شامس
وقال الاخر فكلتاهما خرت وأسجد رأسها
كما سجدت نصرانة لم تحنف
قال ولكن لا يستعمل إلا بياء النسب فيقال رجل نصراني وامرأة نصرانية وقال الخليل واحد النصارى نصرى وقال الجوهري ونصران قرية بالشام تنسب إليها النصارى ويقال ناصرة وعلى هذا فالياء للنسب وقال في الكشاف إن الياء للمبالغة كالتي في أحمرى سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح والصابين جمع صابي وقيل صاب وقد اختلف فيه القراء فهمزوه جميعا إلا نافعا فمن همزة جعله من صبأت النجوم إذا طلعت وصبأت ثنية الغلام إذا خرجت ومن لم يهمزه جعله من صبا يصبو إذا مال والصابيء في اللغة من خرج ومال من دين إلى دين ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبأ وسموا هذه الفرقة صابئة لأنها خرجت من دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة وقوله ) من آمن بالله ( في موضع نصب بدلا من الذين آمنوا وما بعده وقد تقدم معنى الإيمان ويكون خبر إن قوله ) فلهم أجرهم ( ويجوز أن يكون قوله ) من آمن بالله ( في محل رفع على أنه مبتدأ خبره قوله ) فلهم أجرهم ( هما جميعا خبر إن والعائد مقدر في الجملة الأولى أي من آمن منهم ودخلت الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط وقد تقدم تفسير قوله تعالى ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سلمان قال سألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن أهل دين كنت معهم فذكرت من صلاتهم وعبادتهم فنزلت ) إن الذين آمنوا والذين هادوا ( الآية وأخرج الواحدي عن مجاهد نحو ذلك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في ذكر السبب بنحو ما سبق وحكى قصة طويلة واخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن الذين آمنوا والذين هادوا ( قال فأنزل الله بعد هذا ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن علي قال إنما سميت اليهود لأنهم قالوا ) إنا هدنا إليك ( وأخرج ابن حاتم عن ابن مسعود قال نحن أعلم من أين سميت اليهود باليهوديه من كلمة موسى عليه السلام ) إنا هدنا إليك ( ولم تسمت النصارى بالنصرانية من كلمة عيسى عليه السلام ) كونوا أنصار الله ( وأخرج أبو الشيخ نحوه عنه وأخرج ابن جرير عن قتادة إنما تسموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير عن ابن عباس قال إنما سميت النصارى لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال الصابئون فرقة بين اليهود والنصارى والمجوس ليس لهم دين وأخرج عبدالرزاق عنه قال قال ابن عباس فذكر نحوه وقد روى في تفسير الصابئين غير هذا
البقرة 63 66


"""""" صفحة رقم 95 """"""
البقرة : ( 63 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .
قوله ) وإذ ( وإذ أخذنا هو في محل نصب بعامل مقدر هو اذكروا كما تقدم غير مرة وقد تقدم تفسير الميثاق والمراد أنه أخذ سبحانه عليهم الميثاق بأن يعملوا بما شرعه لهم في التوراة وبما هو أعم من ذلك أو أخص والطور اسم جبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة فيه وقيل هو اسم لكل جبل بالسريانية وقد ذكر كثير من المفسرين أن موسى لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح قال لهم خذوها والتزموها فقالوا إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك فصعقوا ثم أحيوا فقال لهم خذوها والتزموها فقالوا لا فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله وكذلك كان عسكرهم فجعل عليهم مثل الظلة وأتوا ببحر من خلفهم ونار من قبل وجوههم وقيل لهم خذوها وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها وإلا سقط عليكم الجبل فسجدوا توبة لله وأخذوا التوراة بالميثاق قال ابن جرير عن بعض العلماء لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق قال ابن عطية والذي لا يصح سواه أن الله سبحانه اخترع وقت سجودهم الإيمان لا أنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة انتهى وهذا تكلف ساقط حمله عليه المحافظة على ما قد ارتسم لديه من قواعد مذهبية قد سكن قلبه إليها كغيره وكل عاقل يعلم أنه لا سبب من أسباب الإكراه أقوى من هذا أو أشد منه ونحن نقول أكرههم الله على الإيمان فآمنوا مكرهين ورفع عنهم العذاب بهذا الإيمان وهو نظير ما ثبت في شرعنا من رفع السيف عن من تكلم بكلمة الإسلام والسيف مصلت قد هزه حامله على رأسه وقد ثبت في الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لمن قتل من تكلم بكلمة الإسلام معتذرا عن قتله بأنه قالها تقية ولم تكن عن قصد صحيح ( أأنت فتشت عن قلبه ) وقال ( لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ) وقوله ) خذوا ( أي وقلنا لكم خذو ) ما آتيناكم بقوة ( والقوة الجد والاجتهاد والمراد بذكر ما فيه أن يكون محفوظا عندهم ليعملوا به
البقرة : ( 64 ) ثم توليتم من . . . . .
قوله ) ثم توليتم ( أصل التولي الإدبار عن الشيء والإعراض بالجسم ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات إتساعا ومجازا والمراد هنا إعراضهم عن الميثاق المأخوذ عليهم وقوله ) من بعد ذلك ( أي من بعد البرهان لهم والترهيب بأشد ما يكون وأعظم ما تجوزه العقول وتقدره الأفهام وهو رفع الجبل فوق رءوسهم كأنه ظلة عليهم وقوله ) فلولا فضل الله عليكم ( بأن تدارككم بلطفه ورحمته حتى أظهرتم التوبة لخسرتم والفضل الزيادة قال ابن فارس في المجمل الفضل الزيادة والخير والإفضال الإحسان انتهى والخسران النقصان وقد تقدم تفسيره
البقرة : ( 65 ) ولقد علمتم الذين . . . . .
والسبت في أصل اللغة القطع لأن الأشياء تمت فيه وانقطع العمل وقيل هو مأخوذ من السبوت وهو الراحة والدعة وقال في الكشاف السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت انتهى وقد ذكر جماعة من المفسرين أن اليهود افترقت فرقتين ففرقة اعتدت في السبت أي جاوزت ما أمرها الله به من العمل فيه فصادوا السمك الذي نهاهم الله عن صيده فيه والفرقة الأخرى انقسمت إلى فرقتين ففرقة جاهرت بالنهي واعتزلت وفرقة لم توافق المعتدين ولا صادوا معهم لكنهم جالسوهم ولم يجاهروهم بالنهي ولا اعتزلوا عنهم فمسخهم الله جميعا ولم تنج إلا الفرقة الأولى فقط ) وهذه من جملة المحن التي امتحن الله بها هؤلاء الذين بالغوا في العجرفة وعاندوا


"""""" صفحة رقم 96 """"""
أنبياءهم وما زالوا في كل موطن يظهرون من حماقاتهم وسخف عقولهم وتعنتهم نوعا من أنواع التعسف وشعب من شعب التكلف فإن الحيتان كانت يوم السبت كما وصف الله سبحانه بقوله ) إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم ( فاحتالوا لصيدها وحفروا الحفائر وشقول الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصيدونها يوم الأحد فلم ينتفعوا بهذه الحيلة الباطلة والخاسىء المبعد يقال خسأته فخسأ وخسىء وانخسأ أبعدته فبعد ومنه قوله تعالى ) ينقلب إليك البصر خاسئا ( أي مبعدا وقوله ) اخسؤوا فيها ( أي تباعدوا تباعد سخط ويكون الخاسىء بمعنى الصاغر والمراد هنا كونوا بين المصير إلى أشكال القردة مع كونهم مطرودين صاغرين فقردة خبر الكون وخاسئين خبر آخر وقيل إنه صفة لقردة والأول أظهر
البقرة : ( 66 ) فجعلناها نكالا لما . . . . .
واختلف في مرجع الضمير في قوله ) فجعلناها ( وفي قوله ) لما بين يديها وما خلفها ( فقيل العقوبة وقيل الأمة وقيل القرية وقيل القردة وقيل الحيتان والأول أظهر والنكال الزج والعقاب والنكل القيد لأنه يمنع صاحبه ويقال للجام الدابة نكل لأنه يمنعها والموعظة مأخوذة من الاتعاظ والإنزجار والوعظ التخويف وقال الخليل الوعظ التذكير بالخير
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الطور الجبل الذي أنزلت عليه التوراة وكان بنو إسرائيل أسفل منه وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال الطور ما أنبت من الجبال وما لم ينبت فليس بطور وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( قال أيجد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) واذكروا ما فيه ( قال اقرءوا ما في التوراة واعملوا به وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن أبي عباس في قوله ) لعلكم تتقون ( قال لعلكم تنزعون عما أنتم عليه وأخرج ابن جرير عنه قال ) ولقد علمتم ( أي عرفتم ) اعتدوا ( يقول اجترءوا في السبت بصيد السمك فمسخهم الله قردة بمعصيتهم ولم يعش مسيخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل وأخرج ابن المنذر عنه قال القردة والخنازير من نسل الذين مسخوا وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال انقطع ذلك النسل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله لهم كقوله ) كمثل الحمار يحمل أسفارا ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال أحلت لهم الحيتان وحرمت عليهم يوم السبت ليعلم من يطيعه ممن يعصيه فكان فيهم ثلاثة أصناف وذكر نحو ما قدمناه عن المفسرين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال صار شباب القوم قردة والمشيخة صاروا خنازير وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) خاسئين ( قال ذليلين وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ) خاسئين ( قال صاغرين وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فجعلناها نكالا لما بين يديها ( من القرى ) وما خلفها ( من القرى ) وموعظة للمتقين ( الذين من بعدهم إلى يوم القيامة وأخرج ابن جرير عنه ) فجعلناها ( يعني الحيتان ) نكالا لما بين يديها وما خلفها ( من الذنوب التي عملوا قبل وبعد وأخرج ابن جرير عنه ) فجعلناها ( قال جعلنا تلك العقوبة وهي المسخة ) نكالا ( عقوبة ) لما بين يديها ( يقول ليحذر من بعدهم عقوبتي ) وما خلفها ( يقول الذين كانوا معهم ) وموعظة ( قال تذكرة وعبرة للمتقين
البقرة 67 71


"""""" صفحة رقم 97 """"""
البقرة : ( 67 ) وإذ قال موسى . . . . .
قيل إن قصة ذبح البقرة المذكورة هنا مقدم في التلاوة ومؤخر في المعنى على قوله تعالى ) وإذ قتلتم نفسا ( ويجوز أن يكون قوله قتلتم مقدما في النزول ويكون الأمر بالذبح مؤخرا ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها ثم وقع ما وقع من أمر القتل فأمروا أن يضربوه ببعضها هذا على فرض أن الواو تقتضي الترتيب وقد تقرر في علم العربية أنها لمجرد الجمع من دون ترتيب ولا معية وسيأتي في قصة القتل تمام الكلام والبقرة اسم للأنثى ويقال للذكر ثور وقيل إنها تطلق عليهما وأصله من البقر وهو الشق لأنها تشق الأرض بالحرث قال الأزهري البقر اسم جنس وجمعه باقر وقد قرأ عكرمة ويحيى ابن يعمر ( إن الباقر تشابه علينا ) وقوله ) هزوا ( الهزو هنا اللعب والسخرية وقد تقدم تفسيره وإنما يفعل ذلك أهل الجهل لأنه نوع من العبث الذي لا يفعله العقلاء ولهذا أجابهم موسى بالاستعاذة بالله سبحانه من الجهل
البقرة : ( 68 ) قالوا ادع لنا . . . . .
وقوله ) قالوا ادع لنا ربك ( هذا نوع من أنواع تعنتهم المألوفة فقد كانوا يسلكون هذه المسالك في غالب ما أمره الله به ولو تركوا التعنت والأسئلة المتكلفة لأجزأهم ذبح بقرة من عرض البقر ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم كما سيأتي بيانه والفارض المسنة ومعناه في اللغة الواسع قال في الكشاف وكأنها سميت فارضا لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها انتهى ويقال للشيء القديم فارض ومنه قول الراجز يا رب ذي ضغن علي فارض
له قرو كقرو الحائض
أي قديم وقيل الفارض التي قد ولدت بطونا كثيرة فيتسع جوفها والبكر الصغيرة التي لم تحمل وتطلق في إناث البهائم وبني آدم على ما لم يفتحله الفحل وتطلق أيضا على الأول من الأولاد ومنه قول الراجز يا بكر بكرين ويا صلب الكبد
أصبحت مني كذراع من عضد
والعوان المتوسطة بين سني الفارض والبكر وهي التي قد ولدت بطنا أو بطنين ويقال هي التي قد ولدت مرة بعد مرة والإشارة بقوله ) بين ذلك ( إلى الفارض والبكر وهما وإن كانتا مؤنثتين فقد اشير إليهما بما هو للمذكر على تأويل المذكور كأنه قال بين ذلك المذكور وجاز دخول بين المقتضية لشيئين لأن المذكور متعدد وقوله ) فافعلوا ( تجديد للأمر وتأكيد له وزجر لهم عن التعنت فلم ينفعهم ذلك ولا نجع فيهم بل رجعوا إلى طبيعتهم وعادوا إلى مكرهم واستمروا على عادتهم المألوفة
البقرة : ( 69 ) قالوا ادع لنا . . . . .
ف ) قالوا ادع لنا ربك ( واللون واحد


"""""" صفحة رقم 98 """"""
الألوان وجمهور المفسرين على أنها كانت جميعها صفراء قال بعضهم حتى قرنها وظلفها وقال الحسن وسعيد ابن جبير إنها كانت صفراء القرن والظلف فقط وهو خلاف الظاهر والمراد بالصفرة هنا الصفرة المعروفة
وروي عن الحسن أن صفراء معناه سوداء وهذا من بدع التفاسير ومنكراتها وليت شعري كيف يصدق على اللون الأسود الذي هو أقبح الألوان أنه يسر الناظرين وكيف يصح وصفه بالفقوع الذي يعلم كل من يعرف لغة العرب أنه لا يجزي على الأسود بوجه من الوجوه فإنهم يقولون في وصف الأسود حالك وحلكوك ودجوجي وغربيب قال الكسائي يقال فقع لونها يفقع فقوعا إذا خلصت صفرته وقال في الكشاف الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه ومعنى ) تسر الناظرين ( تدخل عليهم السرور إذا نظروا إليها إعجابا بها واستحسانا للونها قال وهب كانت كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها
البقرة : ( 70 ) قالوا ادع لنا . . . . .
ثم لم ينزعوا عن غوايتهم ولا ارعووا من سفههم وجهلهم بل عادوا إلى تعنتهم فقال ) ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا ( أي أن جنس البقر يتشابه عليهم لكثرة ما يتصف منها بالعوان الصفراء الفاقعة ووعدوا من أنفسهم بالاهتداء إلى ما دلهم عليه والامتثال لما أمروا به
البقرة : ( 71 ) قال إنه يقول . . . . .
والذلول التي لم يذللها العمل أي هي غير مذللة بالعمل ولا ريضة به وقوله ) تثير ( في موضع رفع على الصفة لبقرة أي هي بقرة لا ذلول مثيرة وكذلك قوله ) ولا تسقي الحرث ( في محل رفع لأنه وصف لها أي ليست من النواضح التي يسنى عليها لسقي الزروع وحرف النفي الآخر توكيد للأول أي هي بقرة غير مذللة بالحرث ولا بالنضح ولهذا قال الحسن كانت البقرة وحشية وقال قوم إن قوله ) تثير ( فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث لها والنضح بها والأول أرجح لأنها لو كانت مثيرة ساقية لكانت مذللة ريضة وقد نفى الله ذلك عنها وقوله ) مسلمة ( مرتفع على أنه من أوصاف البقرة ويجوز أن يكون مرتفعا على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي هي مسلمة والجملة في محل رفع على أنها صفة والمسلمة هي التي لا عيب فيها وقيل مسلمة من العمل وهو ضعيف لأن الله سبحانه قد نفى ذلك عنها والتأسيس خير من التأكيد وألإفادة أولى من الإعادة والشية أصلها وشية حذفت الواو كما حذفت من يشي وأصله يوشي ونظيره الزنة والعدة والصلة وهي مأخوذة من وشى الثوب إذا نسج على لونين مختلفين وثور موسى في وجهه وقوائمه سواد والمراد أن هذه البقرة خالصة الصفرة ليس في جسمها لمعة من لون آخر فلما سمعوا هذه الأوصاف التي لا يبقى بعدها ريب ولا يخالج سامعها شك ولا تحتمل الشركة بوجه من الوجوه أقصروا من غوايتهم وانتبهوا من رقدتهم وعرفوا بمقدار ما أوقعهم فيه تعنتهم من التضييق عليهم ) قالوا الآن جئت بالحق ( أي أوضحت لنا الوصف وبينت لنا الحقيقة التي يجب الوقوف عندها فحصلوا تلك البقرة الموصوفة بتلك الصفات ) فذبحوها ( وامتثلوا الأمر الذي كان يسرا فعسروه وكان واسعا فضيقوه ) وما كادوا يفعلون ( ما أمروا به لما وقع منهم من التثبط والتعنت وعدم المبادرة فكان ذلك مظنة للاستبعاد ومحلا للمجيء بعبارة مشعرة بالتثبط الكائن منهم وقيل إنهم ما كادوا يفعلون لعدم وجدان البقرة المتصفة بهذه الأوصاف وقيل لارتفاع ثمنها وقيل لخوف انكشاف أمر المقتول والأول ارجح وقد استدل جماعة من المفسرين والأصوليين بهذه الآية على جواز النسخ قبل إمكان الفعل
وليس ذلك عندي بصحيح لوجهين الأول أن هذه الأوصاف المزيدة بسبب تكرر السؤال هي من باب التقييد للمأمور به لا من باب النسخ وبين البابين بون بعيد كما هو مقرر في علم الأصول الثاني أنا لو سلمنا أن هذا من باب النسخ لا من باب التقييد لم يكن فيه دليل على ما قالوه فإنه قد كان يمكنهم بعد الأمر الأول أن يعمدوا


"""""" صفحة رقم 99 """"""
إلى بقرة من عرض البقر فيذبحوها ثم كذلك بعد الوصف بكونها جامعة بين الوصف بالعوان والصفراء ولا دليل يدل على أن هذه المحاورة بينهم وبين موسى عليه السلام واقعة في لحظة واحدة بل الظاهر أن هذه الأسئلة المتعنتة كانوا يتواطؤون عليها ويديرون الرأي بينهم في أمرها ثم يوردونها وأقل الأحوال الاحتمال القادح في الاستدلال
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني قال كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم إلى بعض فقال ذو الرأي منهم علام يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم فأتوا موسى فذكروا ذلك له فقال ) إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ( الآية قال فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا فأخذوها بملء جلدها ذهبا فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا من قتلك فقال هذا لابن أخيه ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا ولم يورث قاتل بعده وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ( من عاش بعد الموت ) عن ابن عباس أن القتيل وجد بين قريتين وأن البقرة كانت لرجل كان يبر أباه فاشتروها بوزنها ذهبا وأخرج ابن جرير عنه نحوا من ذلك ولم يذكر ما تقدم في البقرة وقد روى في هذا قصص مختلفة لا يتعلق بها كثير فائدة وأخرج البزار عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزأهم أو لأجزأت عنهم ) وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لولا أن بني إسرائيل قالوا ) وإنا إن شاء الله لمهتدون ( ما أعطوا ابدا ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم ) وأخرج نحوه الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر عن عكرمة يبلغ به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرجه ابن جرير عن ابن جريج يرفعه وأخرجه ابن جرير عن قتادة يرفعه أيضا وهذه الثلاثة مرسلة وأخرج نحوه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال الفارض الهرمة والبكر الصغيرة والعوان النصف وأخرج نحوه عن مجاهد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) عوان بين ذلك ( قال بين الصغيرة والكبيرة وهي أقوى ما يكون وأحسنه وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) صفراء فاقع لونها ( قال شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله ) صفراء ( قال صفراء الظلف ) فاقع لونها ( قال صافي وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال ) فاقع لونها ( أي صاف ) تسر الناظرين ( أي تعجب وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) صفراء فاقع لونها ( قال سوداء شديدة السواد وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) لا ذلول ( أي لم يذلها العمل ) تثير الأرض ( يعني ليست بذلول فتثير الأرض ) ولا تسقي الحرث ( يقول ولا تعمل في الحرث ) مسلمة ( قال من العيوب واخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وقال ) لا شية فيها ( لا بياض فيها ولا سواد وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) مسلمة ( لا عوار فيها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) قالوا الآن جئت بالحق ( قالوا الآن بينت لنا ) فذبحوها وما كادوا يفعلون ( وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب في قوله ) وما كادوا يفعلون ( لغلاء ثمنها


"""""" صفحة رقم 100 """"""
البقرة 72 74
البقرة : ( 72 ) وإذ قتلتم نفسا . . . . .
قد تقدم ما ذكرناه في قصة البقرة فيكون تقدير الكلام ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ) فقال موسى لقومه ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) إلى آخر القصة وبعدها ) فقلنا اضربوه ببعضها ( الآية وقال الرازي في تفسيره أعلم أن وقوع القتل لا بد أن يكون متقدما لأمره تعالى بالذبح فأما الإخبار عن وقوع ذلك القتل وعن أنه لا بد أن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة فلا يجب أن يكون متقدما على الإخبار عن قصة البقرة فقول من يقول هذه القصة يجب أن تكون متقدمة في التلاوة على الأولى خطأ لأن هذه القصة في نفسها يجب أن تكون متقدمة على الأولى في الوجود فأما التقدم في الذكر فغير واجب لأنه تارة يقدم ذكر السبب على ذكر الحكم واخرى على العكس من ذلك فكأنهم لما وقعت لهم تلك الواقعة أمرهم الله بذبح البقرة فلما ذبحوها قال وإذ قتلتم نفسا من قبل ونسب القتل إليهم بكون القاتل منهم وأصل ادارأتم تدارأتم ثم أدغمت التاء في الدال ولما كان الابتداء بالمدغم الساكن لا يجوز زادوا ألف الوصل ومعنى ادارأتم اختلفتم وتنازعتم لأن المتنازعين يدرأ بعضهم بعضا أي يدفعه ومعنى ( مخرج ) مظهر أي ما كتمتم بينكم من أمر القتل فالله مظهره لعباده ومبينه لهم وهذه الجملة معترضة بين أجزاء الكلام أي فادارأتم فيها فقلنا
البقرة : ( 73 ) فقلنا اضربوه ببعضها . . . . .
واختلف في تعيين البعض الذي أمروا بأن يضربوا القتيل به ولا حاجة إلى ذلك مع ما فيه من القول بغير علم ويكفينا أن نقول أمرهم الله بأن يضربوه ببعضها فأي بعض ضربوا به فقد فعلوا ما أمروا به وما زاد على هذا فهو من فضول العلم إذا لم يرد به برهان قوله ) كذلك يحيي الله الموتى ( في الكلام حذف والتقدير ( فقلنا اضربوه ببعضها ) فأحياه الله ) كذلك يحيي الله الموتى ( أي إحياء كمثل هذا الإحياء ) ويريكم آياته ( أي علاماته ودلائله الدالة على كمال قدرته وهذا يحتمل أن يكون خطابا لمن حضر القصة ويحتمل أن يكون خطابا للموجودين عند نزول القرآن
البقرة : ( 74 ) ثم قست قلوبكم . . . . .
والقسوة الصلابة واليبس وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لايات الله مع وجود ما يقتضي خلاف هذه القسوة من إحياء القتيل وتكلمه وتعيينه لقاتله والإشارة بقوله ) من بعد ذلك ( إلى ما تقدم من الآيات الموجبة للين القلوب ورقتها قيل ( أو ) في قوله ( أو أشد قسوة ) بمعنى الواو كما في قوله تعالى ) آثما أو كفورا ( وقيل هي بمعنى بل وعلى أن ( أو ) على أصلها أو بمعنى الواو فالعطف على قوله ( كالحجارة ) أي هذه القلوب هي كالحجارة أو هي أشد قسوة منها فشبهوها بأي الأمرين شئتم فإنكم مصيبون في هذا التشبيه وقد أجاب الرازي في تفسيره عن وقوع ( أو ) ههنا مع كونها للترديد أي لا يليق لعلام الغيوب بثمانية أوجه وإنما توصل إلى أفعل التفضيل بأشد مع كونه يصح أن يقال وأقسى من الحجارة لكونه ابين وأدل على فرط القسوة كما قاله في


"""""" صفحة رقم 101 """"""
الكشاف وقرأ الأعمش ( أو أشد ) بنصب الدال وكأنه عطفه على الحجارة فيكون أشد مجرورا بالفتحة وقوله ) وإن من الحجارة ( إلى آخره قال في الكشاف إنه بيان لفضل قلوبهم على الحجارة في شدة القسوة وتقرير لقوله ) أو أشد قسوة ( انتهى وفيه أن مجيء البيان بالواو غير معروف ولا مألوف والأولى جعل ما بعد الواو تذييلا أو حالا التفجر التفتح وفد سبق تفسيره واصل ( يشقق ) يتشقق أدغمت التاء في الشين وقد قرأ الأعمش ( يتشقق ) على الأصل وقرأ ابن مصرف ينشق بالنون والشق واحد الشقوق وهو يكون بالطول أو بالعرض بخلاف الإنفجار فهو الانفتاح من موضع واحد مع اتساع الخرق والمراد أن الماء يخرج من الحجارة من مواضع الإنفجار والإنشقاق ومن الحجارة ما يهبط أي ينحط من المكان الذي هو فيه إلى أسفل منه من الخشية لله التي تداخله وتحل به وقيل إن الهبوط مجاز عن الخشوع منها والتواضع الكائن فيها انقيادا لله عز وجل فهو مثل قوله تعالى ) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ( وقد حكى ابن جرير عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة كما استعيرت الإرادة للجدار وكما قال الشاعر لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة والجبال الخشع
وذكر الجاحظ أن الضمير في قوله ) وإن منها ( راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة وهو فاسد فإن الغرض من سياق هذا الكلام هو التصريح بأن قلوب هؤلاء بلغت في القسوة وفرط اليبس الموجبين لعدم قبول الحق والتأثر للمواعظ إلى مكان لم تبلغ إليه الحجارة التي هي أشد الأجسام صلابة وأعظمها صلادة فإنها ترجع إلى نوع من اللين وهي تفجرها بالماء وتشققها عنه وقبولها لما توجبه الخشية لله من الخشوع والانقياد بخلاف تلك القلوب وفي قوله تعالى ) وما الله بغافل عما تعملون ( من التهديد وتشديد الوعيد ما لا يخفى فإن الله عز وجل إذا كان عالما بما يعملونه مطلعا عليه غير غافل عنه كان لمجازاتهم بالمرصاد
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ( قال اختلفتم فيها ) والله مخرج ما كنتم تكتمون ( قال ما تغيبون وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن المسيب بن رافع قال ( ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وتصديق ذلك في كتاب الله ) والله مخرج ما كنتم تكتمون ( وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لو أن رجلا عمل عملا في صخرة صماء لا باب لها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنا ما كان ) وأخرج البيهقي من حديث عثمان قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله عليها منها رداء يعرف به ) ورواه البيهقي أيضا بنحوه من قول عثمان قال والموقوف أصح وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن أنس مرفوعا حديثا طويلا في هذا المعنى ومعناه أن الله يلبس كل عامل عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون ولو عمله في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت باب من حديد وفي إسناده ضعف وأخرج ابن عدي من حديث أنس أيضا مرفوعا ( إن الله مرد كل امرئ رداء عمله ) ولجماعة من الصحابة والتابعين كلمات تفيد هذا المعنى وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فقلنا اضربوه ببعضها ( قال ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنهم ضربوه بفخذها وأخرج مثله ابن جرير عن عكرمة وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وأخرج ابن جرير عن السدي قال ضرب بالبضعة التي بين الكتفين وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن


"""""" صفحة رقم 102 """"""
وهب بن منبه قصة طويلة في ذكر البقرة وصاحبها لا حاجة إلى التطويل بذكرها وقد استوفاها في الدر المنثور وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ( قال من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى ومن بعد ما اراهم من أمر القتيل ) فهي كالحجارة أو أشد قسوة ( ثم عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي بني آدم فقال ) وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ( إلى آخر الآية وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أي من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( إن الحجر ليقع على الأرض ولو اجتمع عليه فئام من الناس ما استطاعوه وأنه ليهبط من خشية الله )
البقرة 75 77
البقرة : ( 75 ) أفتطمعون أن يؤمنوا . . . . .
قوله ) أفتطمعون ( هذا الاستفهام فيه معنى الإنكار كأنه آيسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود والخطاب لأصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أوله ولهم و ) يؤمنوا لكم ( أي لأجلكم أو على تضمين آمن معنى استجاب أي أتطمعون أن يستجيبوا لكم والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه و ) كلام الله ( أي التوراة وقيل إنهم سمعوا خطاب الله لموسى حين كلمه وعلى هذا فيكون الفريق هم السبعون الذين اختارهم موسى وقرأ الأعمش ) كلم الله ( والمراد من التحريف أنهم عمدوا إلى ما سمعوه من التوراة فجعلوا حلاله حراما أو نحو ذلك مما فيه موافقة لأهوائهم كتحريفهم صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإسقاط الحدود عن أشرافهم أو سمعوا كلام الله لموسى فزادوا فيه ونقصوا وهذا إخبار عن إصرارهم على الكفر وإنكار على من طمع في إيمانهم وحالهم هذه الحال أي ولهم سلف حرفوا كلام الله وغيروا شرائعه وهم مقتدون بهم متبعون سبيلهم ومعنى قوله ) من بعد ما عقلوه ( أي من بعد ما فهموه بعقولهم مع كونهم يعلمون أن ذلك الذي فعلوه تحريف مخالف لما أمرهم الله به من تبليغ شرائعه كما هي فهم وقعوا في المعصية عالمين بها وذلك أشد لعقوبتهم وأبين لضلالهم
البقرة : ( 76 ) وإذا لقوا الذين . . . . .
( وإذا لقوا الذين آمنوا ) يعني أن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا ) قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض ( أي إذا خلا الذين لم ينافقوا بالمنافقين قالوا لهم عاتبين عليهم ) أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ( أي حكم عليكم من العذاب وذلك أن ناسا من اليهود أسلموا ثم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذب به آباؤهم وقيل إن المراد ما فتح الله عليهم في التوراة من صفة محمد وقد تقدم معنى خلا والفتح عند العرب القضاء والحكم والفتاح القاضي بلغة اليمن والفتح النصر ومن ذلك قوله تعالى ) يستفتحون على الذين كفروا ( وقوله ) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( ومن الأول ثم يفتح بيننا بالحق وهو خير الفاتحين أي الحاكمين ويكون الفتح بمعنى الفرق بين الشيئين والمحاجة إبراز الحجة أي لا تخبروهم بما حكم الله به عليكم من العذاب فيكون ذلك حجة لهم عليكم فيقولون نحن أكرم على الله منكم وأحق بالخير منه والحجة الكلام المستقيم وحاججت فلانا فحججته أي غلبته بالحجة ) أفلا تعقلون ( ما فيه الضرر عليكم من هذا التحدث الواقع منكم لهم
البقرة : ( 77 ) أو لا يعلمون . . . . .
ثم وبخهم الله سبحانه


"""""" صفحة رقم 103 """"""
) أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( من جميع أنواع الأسرار وأنواع الإعلان ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ثم قال الله لنبيه ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم ) أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ( وليس قوله يسمعون التوراة كلهم قد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها وأخرج عبد بن حمبد وابن جرير عن قتادة في قوله ) أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ( الآية قال هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما سمعوه ووعوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ( الآية قال الذين يحرفونه والذين يكتبونه هم العلماء منهم والذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هؤلاء كلهم يهود وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) يسمعون كلام الله ( قال هي التوراة حرفوها وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ( أي بصاحبكم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكنه إليكم خاصة ) وإذا خلا بعضهم إلى بعض ( قالوا لا تحدثوا العرب بهذا فقد كنتم تستفتحون به عليهم وكان منهم ) ليحاجوكم به عند ربكم ( أي تقرون بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ عليكم الميثاق بإتباعه وهو يخبرهم أنه النبي الذي كان ينتظر ونجد في كتابنا اجحدوه ولا تقروا به وأخرج ابن جرير عنه أن هذه الآية في المنافقين من اليهود وقوله ) بما فتح الله عليكم ( يعني بما أكرمكم به واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال نزلت هذه الآية في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به فقالوا بعضهم لبعض أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب لتقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم وقد أخرج ابن جرير عن ابن زيد أن سبب نزول الآية أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن فكان اليهود يظهرون الإيمان فيدخلون ويرجعون إلى قومهم بالأخبار وكان المؤمنون يقولون لهم أليس قد قال الله في التوراة كذا وكذا فيقولون نعم فإذا رجعوا إلى قومهم ) قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ( الآية ) وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أن سبب نزول الآية ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قام لقوم قريظة تحت حصونهم فقال يا إخوان القردة والخنازير ويا عبدة الطاغون فقالوا من أخبر هذا الأمر محمدا ما خرج هذا الأمر إلا منكم ) أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ( أي بما حكم الله ليكون لهم حجة عليكم وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة أن السبب في نزول الآية ( أن إمرأة من اليهود أصابت فاحشة فجاءوا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عالمهم وهو ابن صوريا فقال له احكم قال فجبوه والتجبية يحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ابحكم الله حكمت قال لا ولكن نساءنا كن حسانا فأسرع فيهن رجالنا فغيرنا الحكم وفيه نزل ) وإذا خلا بعضهم إلى بعض ( الآية ) وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ( قال هم اليهود وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم ) وإذا خلا بعضهم إلى بعض ( نهى بعضهم بعضا أن يحدثوا بما فتح الله عليهم وبين لهم في كتابه من أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونعته ونبوته وقالوا إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا بذلك عليكم عند ربكم ) أفلا تعقلون أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( قال ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا لقوا الذين


"""""" صفحة رقم 104 """"""
آمنوا وما يسرون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتكذييهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( يعني من كفرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولكذبهم وما يعلنون حين قالوا للؤمنين آمنا وقد قال بمثل هذا جماعة من السلف
البقرة 78 82
البقرة : ( 78 ) ومنهم أميون لا . . . . .
قولهم ( ومنهم ) أي من اليهود والأمي منسوب إلى الأمة الأمية التي هي علي أصل ولادتها من أمهاتها لم تتعلم الكتابة ولا تحسن القراءة للمكتوب ومنه احديث ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) وقال أبو عبيدة إنما قيل لهم أميون لنزول الكتاب عليهم كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب فكأنه قال ومنهم أهل الكتاب وقيل هم نصارى العرب وقيل هم قوم كانوا أهل كتاب فرفع كتابهم لذنوب ارتكبوها وقيل هم المجوس وقيل غير ذلك والراجح الأول ومعنى ) لا يعلمون الكتاب إلا أماني ( أنه لا علم لهم به إلا ما هم عليه من الأماني التي يتمنونها ويعللون بها أنفسهم والأماني جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان لنفسه فهؤلاء لا علم لهم بالكتاب الذي هو التوراة لما هم عليه من كونهم لا يكتبون ولا يقرءون المكتوب والاستثناء منقطع أي لكن الأماني ثابتة لهم من كونهم مغفورا لهم بما يدعونه لأنفسهم من الأعمال الصالحة أو بما لهم من السلف الصالح في اعتقادهم وقيل الأماني الأكاذيب كما سيأتي عن ابن عباس ومنه قول عثمان بن عفان ما تمنيت منذ أسلمت أي ما كذبت حكاه عنه القرطبي في تفسيره وقيل الأماني التلاوة ومنه قوله تعالى ) إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ( أي إذا تلا القى الشيطان في تلاوته أي لا علم لهم إلا مجرد التلاوة من دون تفهم وتدبر ومنه قول كعب بن مالك تمنى كتاب الله أول ليلة
وآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر تمنى كتاب الله آخر ليلة
تمنى داود الزبور على رسل
وقيل الأماني التقدير قال الجوهري يقال منى له أي قدر ومه قول الشاعر لا تأمنن وإن أمسيت في حرم
حتى تلاقي ما يمنى لك الماني
أي يقدر لك المقدر قال في الكشاف والاشتقاق من منى إذا قدر لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه


"""""" صفحة رقم 105 """"""
وكذلك المختلق والقارىء يقدر أن كلمة كذا بعد كذا انتهى ( وإن ) في قوله ) وإن هم إلا يظنون ( نافية أي ما هم والظن هو التردد الراجح بين طرفي الإعتقاد الغير الجازم كذا في القاموس أي ما هم إلا يترددون بغير جزم ولا يقين وقيل الظن هنا بمعنى الكذب وقيل هو مجرد الحدس لما ذكر الله سبحانه أهل العلم منهم بأنهم غير عاملين بل يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ذكر أهل الجهل منهم بأنهم يتكلمون على الأماني ويعتمدون على الظن الذي لا يقفون من تقليدهم على غيره ولا يظفرون بسواه
البقرة : ( 79 ) فويل للذين يكتبون . . . . .
والويل الهلاك وقال الفراء لأصل في الويل وي أي حزن كما تقول وي لفلان أي حزن له فوصلته العرب باللام قال الخليل ولم نسمع على بنائه إلا ويح وويس وويه وويك وويب وكله متقارب في المعنى وقد فرق بينها قوم وهي مصادر لم ينطق العرب بأفعالها وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأن فيه معنى الدعاء والكتابة معروفة والمراد أنهم يكتبون الكتاب المحرف ولا يبينون ولا ينكرونه على فاعله وقوله ) بأيديهم ( تأكيد لأن الكتابة لا تكون إلا باليد فهو مثل قوله ) ولا طائر يطير بجناحيه ( وقوله ) يقولون بأفواههم ( وقال ابن السراج هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم قوله ) يكتبون الكتاب ( فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك والاشتراء الاستبدال وقد تقدم الكلام عليه ووصفه بالقلة لكونه فانيا لا ثواب فيه أو لكونه حراما لا تحل به البركة فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ولا بالكتابة لذلك المحرف حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله لينالوا بهذه المعاصي والمتكررة هذا الغرض النزير والعوض الحقير وقوله ) مما يكسبون ( قيل من الرشا ونحوها وقيل من المعاضي وكرر الويل تغليظا عليهم وتعظيما لفعلهم وهتكا لأستارهم
البقرة : ( 80 ) وقالوا لن تمسنا . . . . .
( وقالوا ) أي اليهود ) لن تمسنا النار ( الآية وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي بيانه والمراد بقوله ) قل أتخذتم عند الله عهدا ( الإنكار عليهم لما صدر منهم من هذه الدعوى الباطلة أنها لن تمسهم النار إلا أياما معدودة أي لم يتقدم لكم مع الله عهدا بهذا ولا أسلفتم من الأعمال الصالحة ما يصدق هذه الدعوى حتى يتعين الوفاء بذلك وعدم إخلاف العهد أي إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون قال في الكشاف و ( أم ) إما أن تكون معادلة بمعنى أي الامرين كائن على سبيل التقرير لأن العلم واقع بكون أحدهما ويجوز أن تكون منقطعة انتهى وهذا توبيخ لهم شديد قال الرازي في تفسيره العهد في هذا الموضع يجري مجرى الوعد وإنما سمى خبره سبحانه عهدا لأن خبره أوكد من العهود المؤكدة
البقرة : ( 81 ) بلى من كسب . . . . .
وقوله ) بلى ( إثبات بعد النفي أي بلى تمسكم لا على الوجه الذي ذكرتم من كونه أياما معدودة والسيئة المراد بها الجنس هنا ومثله قوله تعالى ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( ) من يعمل سوءا يجز به ( ثم أوضح سبحانه أن مجرد كسب السيئة لا يوجب الخلود في النار بل لا بد أن تكون سيئة محيطة به قيل هي الشرك وقيل الكبيرة وتفسيرها بالشرك أولى لما ثبت في السنة تواترا من خروج عصاة الموحدين من النار ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود وإن كان الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقد قرأ نافع ( خطيئاته ) بالجمع وقرأ الباقون بالإفراد
البقرة : ( 82 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
وقد تقدم تفسير الخلود
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ( قال لا يدرون ما فيه ) وإن هم إلا يظنون ( قال وهم يجحدون نبوتك بالظن وأخرج ابن جرير عنه قال الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله
وقد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله وأخرج ابن جرير عن النخعي قال


"""""" صفحة رقم 106 """"""
منهم من لا يحسن أن يكتب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا أماني ( قال الأحاديث وأخرج ابن جرير عنه أنها الكذب وكذا روى مثله عبد بن حميد عن مجاهد وزاد ) وإن هم إلا يظنون ( قال إلا يكذبون وخرج النسائي وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فويل للذين يكتبون الكتاب ( قال نزلت في أهل الكتاب وأخرج أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه عن أبي سعيد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ) وأخرج ابن جرير من حديث عثمان مرفوعا قال الويل جبل في النار ) وأخرج البزار وابن مردويه من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا أنه حجر في النار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فويل للذين يكتبون الكتاب ( قال هم أحبار اليهود وجدوا صفة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مكتوبة في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فلما وجدوه في التوراة محوه حسدا وبغيا فأتاهم نفر من قريش فقالوا تجدون في التوراة نبيا أميا فقالوا نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر فأنكرت قريش وقالوا ليس هذا منا وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) ثمنا قليلا ( قال عرضا من عرض الدنيا ) فويل لهم ( قال فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب ) وويل لهم مما يكسبون ( يقول مما يأكلون به الناس السفلة عندهم وقد ذكر صاحب الدر المنثور آثارا عن جماعة من السلف أنهم كرهوا بيع المصاحف مستدلين بهذه الآية ولا دلالة فيها على ذلك ثم ذكر آثارا عن جماعة منهم أنهم جوزوا ذلك ولم يكرهوه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار وإنما هي سبعة أيام معدودة ثم ينقطع العذاب فأنزل الله في ذلك ) وقالوا لن تمسنا النار ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين فقالوا لن تعذب أهل النار إلا قدر أربعين فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة فقال لهم خزنة النار يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة فقد انقضى العدد وبقي الأبد فيؤخذون في الصعود يرهقون على وجوههم وأخرج ابن جرير عنه أن اليهود قالوا لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة مدة عبادة العجل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال اجتمعت يهود يوما فخاصموا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات أربعين يوما ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورد يديه على رأسه ( كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لانخلفكم فيها إن شاء الله أبدا ففيهم نزلت هذه الآية ) وقالوا لن تمسنا النار ( ) وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم مرفوعا نحوه واخرج أحمد والبخاري والدارمي والنسائي من حديث أبي هريرة ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سأل اليهود في خيبر من أهل النار فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبدا ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) قل أتخذتم عند الله عهدا ( أي موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه فسر العهد هنا بأنهم قالوا لا إله إلا الله لم يشركوا به ولم يكفروا وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) أم تقولون على الله ما لا تعلمون ( قال قال القوم الكذب والباطل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بلى من كسب سيئة ( قال الشرك وأخرج عبدالله عن مجاهد


"""""" صفحة رقم 107 """"""
وعكرمة وقتادة مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله ) وأحاطت به خطيئته ( قال أحاط به شركه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) بلى من كسب سيئة ( أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم حتى يحيط كفره بما له من حسنة ) فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات ( أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وأحاطت به خطيئته ( قال هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن أنه قال كل ما وعد الله عليه النار فهو الخطيئة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الربيع ابن خيثم قال هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب وأخرج مثله ابن جرير عن الأعمش
البقرة 83 86
البقرة : ( 83 ) وإذ أخذنا ميثاق . . . . .
قد تقدم تفسير الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل وقال مكي إن الميثاق الذي أخذه الله عليهم هنا هو ما أخذه الله عليهم في حياتهم على ألسن أنبيائهم وهو قوله ) لا تعبدون إلا الله ( وعبادة الله إثبات توحيده وتصديق رسله والعمل بما أنزل في كتبه قال سيبويه إن قوله ) لا تعبدون إلا الله ( هو جواب قسم والمعنى استحلفناهم والله لا تعبدون إلا الله وقيل هو إخبار في معنى الأمر ويدل عليه قراءة أبي وابن مسعود ( لا تعبدوا ) على النهي ويدل عليه أيضا ما عطف عليه من قوله ( وقولوا وأقيموا وآتوا ) وقال قطرب والمبرد إن قوله ) لا تعبدون ( جملة حالية أي أخذنا ميثاقهم موحدين أو غير معاندين قال القرطبي وهذا إنما يتجه على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ( يعبدون ) بالياء التحتية وقال الفراء والزجاج وجماعة إن معناه أخذنا ميثاقكم بأن لا تعبدوا إلا الله وبأن تحسنوا بالوالدين وبأن لا تسفكوا الدماء ثم حذف أن فارتفع الفعل لزوالها قال المبرد هذا خطأ لأن كل ما أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهرا وقال القرطبي ليس بخطأ بل هما وجهان صحيحان وعليهما أنشد


"""""" صفحة رقم 108 """"""
ألا أي هذا الزاجري أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
بالنصب لقوله أحضر وبالرفع والإحسان إلى الوالدين معاشرتهما بالمعروف والتواضع لهما وامتثال أمرهما وسائر ما أوجبه الله على الولد لوالديه من الحقوق والقربى مصدر كالرجعي والعقبى هم القرابة والإحسان بهم صلتهم والقيام بما يحتاجون إليه بحسب الطاقة وبقدر ما تبلغ إليه القدرة واليتامى جمع يتيم واليتيم في بني آدم من فقد أبوه وفي سائر الحيوانات من فقدت أمه وأصله الإنفراد يقال صبي يتيم أي منفرد من أبيه والمساكين جمع مسكين وهو من أسكنته الحاجة وذللته وهو أشد فقرا من الفقير عند أكثر أهل اللغة وكثير من أهل الفقه وروى عن الشافعي أن الفقير أسود أسوأ حالا من المسكين وقد ذكر أهل العلم لهذا البحث أدلة مستوفاة في مواطنها ومعنى قوله ) وقولوا للناس حسنا ( أي قولوا لهم قولا حسنا فهو صفة مصدر محذوف وهو مصدر كبشرى وقرأ حمزة والكسائي ( حسنا ) بفتح الحاء والسين وكذلك قرأ زيد بن ثابت وابن مسعود قال الأخفش هما بمعنى واحد مثل البخل والبخل والرشد والرشد وحكى الأخفش أيضا ( حسنى ) بغير تنوين على فعلى قال النحاس وهذا لا يجوز في العربية لا يقال من هذا شيء إلا بالألف واللام نحو الفضلى والكبرى والحسنى وهذا قول سيبويه وقرأ عيسى بن عمر ( حسنا ) بضمتين والظاهر أن هذا القول الذي أمرهم الله به لا يختص بنوع معين بل كل ما صدق عليه أنه حسن شرعا كان من جملة ما يصدق عليه هذا الأمر وقد قيل إن ذلك هو كلمة التوحيد وقيل الصدق وقيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيل غير ذلك وقوله ) وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( قد تقدم تفسيره وهو خطاب لبني إسرائيل فالمراد الصلاة التي كانوا يصلونها والزكاة التي كانوا يخرجونها قال ابن عطية وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يقبل ولا تنزل على ما لا يقبل وقوله ( ثم توليتم ) قيل الخطاب للحاضرين منهم في عصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم مثل سلفهم في ذلك وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب وقوله ( إلا قليلا ) منصوب على الاستثناء ومنهم عبدالله بن سلام وأصحابه وقوله ) وأنتم معرضون ( في موضع النصب على الحال والإعراض والتولي بمعنى واحد وقيل التولي بالجسم والإعراض بالقلب
البقرة : ( 84 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .
وقوله ( لا تسفكون ) الكلام فيه كالكلام في لا تعبدون وقد سبق وقرأ طلحة بن مصرف وشعيب بن أبي حمزة بضم الفاء وهي لغة وقرأ أبو نهيك بضك الياء وتشديد الفاء وفتح السين والسفك الصب وقد تقدم والمراد أنه لا يفعل ذلك بعضهم ببعض والدار المنزل الذي فيه ابنية المقام بخلاف منزل الارتحال وقال الخليل كل موضع حله قوم فهو دار لهم وإن لم يكن فيه أبنية وقيل سميت دارا لدورها على سكانها كما يسمى الحائط حائطا لإحاطته على ما يحويه وقوله ( ثم أقررتم ) من الإقرار أي حصل منكم الاعتراف بهذا الميثاق المأخوذ عليكم في حال شهادتكم على أنفسكم بذلك قيل الشهادة هنا بالقلوب وقيل هي بمعنى الحضور أي أنكم الآن تشهدون على أسلافكم بذلك وكان الله سبحانه قد أخذ في التوراة على بني إسرائيل أن لا يقتل بعضهم بعضا ولا ينفيه ولا يسترقه
البقرة : ( 85 ) ثم أنتم هؤلاء . . . . .
وقوله ) ثم أنتم هؤلاء ( أي أنتم هؤلاء المشاهدون الحاضرون تخالفون ما أخذه الله عليكم في التوراة فتقتلون أنفسكم إلى آخر الآية وقيل إن هؤلاء منصوب بإضمار أعني ويمكن أن يقال منصوب بالذم أو الاختصاص أي أذم أو أخص وقال القتيبي إن التقدير يا هؤلاء قال النحاس هذا خطأ على قول سيبويه لا يجوز وقال الزجاج هؤلاء بمعنى الذين أي ثم أنتم الذين تقتلون وقيل هؤلاء مبتدأ وأنتم خبر مقدم وقرأ الزهري ( تقتلون ) مشددا فمن جعل قوله ) أنتم هؤلاء ( مبتدأ وخبرا جعل قوله ( تقتلون ) بيانا لأن معنى قوله ( أنتم هؤلاء ) أنهم على حاله كحالة أسلافهم من نقض الميثاق ومن جعل


"""""" صفحة رقم 109 """"""
هؤلاء منادى أو منصوبا بما ذكرنا جعل الخبر تقتلون وما بعده وقوله ) تظاهرون ( بالتشديد وأصله تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء لقربها منها في المخرج وهي قراءة أهل مكة وقرأ أهل الكوفة ( تظاهرون ) مخففا بحذف التاء الثانية لدلالة الأولى عليها وأصل المظاهرة المعاونة مشتقة من الظهر لأن بعضهم يقوى بعضا فيكون له كالظهر ومنه قول الشاعر تظاهرتم من كل أوب ووجهة
على واحد لا زلتم قرن واحد
ومنه قوله تعالى ) وكان الكافر على ربه ظهيرا ( وقوله ) والملائكة بعد ذلك ظهير ( وأسارى حال قال أبو عبيد وكان أبو عمرو يقول ما صار في أيديهم فهو أسارى وما جاء مستأسرا فهو الأسرى ولا يعرف أهل اللغة ما قال أبو عمرو وإنما هذا كما تقول سكارى وسكرى وقد قرأ حمزة ( اسرى ) وقرأ الباقون ( أسارى ) والأسرى جمع أسير كالقتلى جمع قتيل والجرحى جمع جريح قال أبو حاتم ولا يجوز أسارى وقال الزجاج يقال أسارى كما يقال سكارى وقال ابن فارس يقال في جمع أسير أسرى وأسارى انتهى فالعجب من أبي حاتم حيث ينكر ما ثبت في التنزيل وقرا به الجمهور والأسير مشتق من السير وهو القيد الذي يشد به المحمل فسمى أسيرا لأنه يشد وثاقه والعرب تقول قد اسرقته أيد شده ثم سمى كل أخيذ أسيرا وإن لم يؤخذ وقوله ) تفادوهم ( جواب الشرط وهي قراءة حمزة ونافع والكسائي وقرأ الباقون ( تفدوهم ) والفداء هو ما يوجد من الأسير ليفك به أسره يقال فداه وفاداه إذا أعطاه فداءه قال الشاعر قفي فادي أسيرك إن قومي
وقومك ما أرى لهم اجتماعا
وقوله ) وهو محرم عليكم إخراجهم ( الضمير للشأن وقيل مبهم تفسره الجملة التي بعده وزعم الفراء أن هذا الضمير عماد واعترض عليه بأن العماد لا يكون في أول الكلام و ( إخراجهم ) مرتفع بقول ( محرم ساد مسد الخبر وقيل بل مرتفع بالابتداء ومحرم خبره قال المفسرون كان الله سبحانه قد أخذ على بني إسرائيل أربعة عهود ترك القتل وترك الإخراج وترك المظاهرة وفداء أسراهم فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء فوبخهم الله على ذلك بقوله ) أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ( والخزي الهوان قال الجوهري والخزي بالكسر يخزي خزيا إذا ذل وهان وقد وقع هذا الجزاء الذي وعد الله به الملاعين اليهود موفرا فصاروا في خزي عظيم بما ألصق بهم من الذل والمهانة بالقتل والأسر وضرب الجزية والجلاء وإنما ردهم الله يوم القيامة إلى أشد العذاب لأنهم جاءوا بذنب شديد ومعصية فظيعة وقد قرأ الجمهور يردون بالياء التحتية وقرأ الحسن بالفوقية على الخطاب وقد تقدم تفسير قوله ) وما الله بغافل عما يعملون )
البقرة : ( 86 ) أولئك الذين اشتروا . . . . .
وكذلك تفسير ) أولئك الذين اشتروا ( وقوله ) فلا يخفف ( إخبار من الله سبحانه بأن اليهود لا يزالون في عذاب موفر لازم لهم بالجزية والصغار والذلة والمهانة فلا يخفف عنهم ذلك أبدا ما داموا ولا يوجد لهم ناصر يدفع عنهم ولا يثبت لهم نصر في أنفسهم على عدوهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ( قال يؤنبهم أي ميثاقكم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وقولوا للناس حسنا ( قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وروى البيهقي في الشعب عن علي في قوله ) وقولوا للناس حسنا ( قال يعني الناس كلهم ومثله روى عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 110 """"""
في قوله ( ثم توليتم ) قال أي تركتم ذلك كله وأخرج ابن جرير عنه أنه قال معناه أعرضتم عن طاعتي إلا قليلا منكم وهم الذين اخترتهم لطاعتي وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) لا تسفكون دماءكم ( لا يقتل بعضكم بعضا ) ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ( لا يخرج بعضكم بعضا من الديار ) ثم أقررتم ( بهذا الميثاق ) وأنتم تشهدون ( وأنتم شهود وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ثم أقررتم ( أن هذا حق من ميثاقي عليكم ) ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ( أي أهل الشرك حتى تسفكوا دماءهم معهم ) وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ( قال تخرجونهم من ديارهم معهم ) تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ( فكانوا إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت معهم بنو قينقاع مع الخزرج والنضير وقريظة مع الأوس وظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يسافكوا دماءهم فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة ) وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ( وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم ) وهو محرم عليكم ( في كتابكم لإخراجهم ) أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ( أتفادونهم مؤمنين بذلك وتخرجونهم كفرا بذلك وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ( قال استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة
البقرة 87 88
البقرة : ( 87 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
الكتاب التوراة والتقفية الاتباع والإرداف مأخوذة من القفا وهو مؤخر العنق تقول استقفيته إذا جئت من خلفه ومنه سميت قافية الشعر لأنها تتلو سائر الكلام والمراد أن الله سبحانه أرسل على أثره رسلا جعلهم تابعين له وهم أنبياء بني إسرائيل المبعوثون من بعده و ( البينات ) الأدلة التي ذكرها الله في آل عمران والمائدة والتأييد التقوية وقرأ مجاهد وابن محيصن ( آيدناه ) بالمد وهما لغتان وروح القدس من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدسة والقدس الطهارة والمقدس المطهر وقيل هو جبريل أيد الله به عيسى ومنه قول حسان وجبريل أمين الله فينا
وروح القدس ليس به خفاء
قال النحاس وسمى جبريل روحا وأضيف إلى القدس لأنه كان بتكوين الله له من غير ولادة وقيل القدس هو الله عز وجل ورحوحه جبريل وقيل المراد بروح القدس الإسم الذي كان عيسى يحيى به الموتى وقيل المراد به الإنجيل وقيل المراد به الروح المنفوخ فيه أيده الله به لما فيه من القوة وقوله ) بما لا تهوى أنفسكم ( أي بما لا يوافقها ويلائمها وأصل الهوى الميل إلى الشيء قال الجوهري وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار وبخهم الله سبحانه بهذا الكلام المعنون بهمزة التوبيخ فقال ) أفكلما جاءكم رسول ( منكم ) بما لا ( يوافق ما تهوونه استكبرتم عن إجابته احتقارا للرسل واستبعادا للرسالة والفاء في قوله ) أفكلما ( للعطف على مقدر أي آتيناكم يا بني إسرائيل من الأنبياء ما آتيناكم أفكلما جاءكم رسول وفريقا منصوب بالفعل الذي بعده والفاء


"""""" صفحة رقم 111 """"""
للتفصيل ومن الفريق المكذبين عيسى ومحمد ومن الفريق المقتولين يحيى وزكريا
البقرة : ( 88 ) وقالوا قلوبنا غلف . . . . .
والغلف جمع أغلف المراد به هنا الذي عليه غشاوة تمنع من وصول الكلام إليه ومنه غلفت السيف أي جعلت له غلافا قال في الكشاف هو مستعار من الأغلف الذي لم يختن كقوله ) قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ( وقيل إن الغلف جمع غلاف مثل حمار وحمر أي قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم عنك وقد وعينا علما كثيرا فرد الله عليهم ما قالوه فقال ) بل لعنهم الله بكفرهم ( واصل اللعن في كلام العرب الطرد والإبعاد ومنه قول الشماخ ذعرت بع القطا ونفيت عنه
مقام الذئب كالرجل اللعين
اي كالرجل المطرود والمعنى أبعدهم الله من رحمته و ( قليلا ) نعت لمصدر محذوف أي إيمانا قليلا ) ما يؤمنون ( و ( ما ) زائدة وصف إيمانهم بالقلة لأنهم الذين قص الله علينا من عنادهم وعجرفتهم وشدة لجاجهم وبعدهم عن إجابة الرسل ما قصه ومن جملة ذلك أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض وقال معمر المعنى لا يؤمنون إلا قليلا مما في أيديهم ويكفرون بأكثره وعلى هذا يكون قليلا منصوبا بنزع الخافض وقال الواقدي معناه لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا قال الكسائي تقول العرب مررنا بأرض قل ما تنبت الكراث والبصل أي لا تنبت شيئا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عباس في قوله ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( يعني به التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة ) وقفينا من بعده بالرسل ( يعني رسولا يدعى أشمويل بن بابل ورسولا يدعى منشابيل ورسولا يدعى شعياء ورسولا يدعى حزقيل ورسولا يدعى أرمياء وهو الخضر ورسولا يدعى داود وهو أبو سليمان ورسولا يدعى المسح عيسى ابن مريم فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم من الأمة بعد موسى فأخذنا عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أمتهم صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وصفة أمته وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وآتينا عيسى ابن مريم البينات ( قال هي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب وما ورد عليهم من التوراة والإنجيل الذي أحدث الله إليه وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) وأيدناه ( قال قويناه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال روح من القدس الإسم الذي كان عيسى يحيي بن الموتى وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال القدس الله تعالى وأخرج عن الربيع بن أنس مثله وأخرج عن ابن عباس قال القدس الطهر وأخرج عن السدي قال القدس البركة وأخرج عن إسماعيل بن أبي خالد أن روح القدس جبريل وأخرج عن ابن مسعود مثله واخرج أبو الشيخ في العظمة عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال روح القدس جبريل وقد ثبت في الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( اللهم أيد حسان بروح القدس ) وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير في قوله ( فريقا ) قال طائفة وأخرج عن ابن عباس قال إنما سمي القلب لتقلبه وأخرج الطبراني في الأوسط عنه أنه كان يقرأ ( قلوبنا غلف ) مثقلة أي كيف نتعلم وقلوبنا غلف للحكمة أي أوعية للحكمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وقالوا قلوبنا غلف ( مملوءة علما لا تحتاج إلى علم محمد ولا غيره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) قلوبنا غلف ( قال في غطاء وروى ابن إسحاق وابن جرير عنه أنه قال في أكنة وأخرج ابن جرير عنه أنه قال هي القلوب المطبوع عليها وأخرج وكيع عن عكرمة وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال هي التي لا تفقه وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الاخلاص وابن جرير عن حذيفة قال القلوب أربعة قلب أغلف فذلك


"""""" صفحة رقم 112 """"""
قلب الكافر وقلب مصفح فذلك قلب المنافق وقلب أجرد فيه مثل السراج فذلك قلب المؤمن وقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب ومثل المنافق كمثل قرحة يمدها القيح والدم وأخرج أحمد بسند جيد عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يزهى وقلب أغلف مربوط على غلافه وقلب منكوس وقلب مصفح فأما القلب الأجرد فقلت المؤمن سراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثلة البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه ) وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمان الفارسي مثله سواء موقوفا وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) فقليلا ما يؤمنون ( قال لا يؤمن منهم إلا قليل
البقرة 89 92
البقرة : ( 89 ) ولما جاءهم كتاب . . . . .
( ولما جاءهم ) يعني اليهود ( كتاب ) يعني القرآن و ( مصدق ) وصف له وهو في مصحف أبي منصور ونصبه على الحال وإن كان صاحبها نكرة فقد تخصصت بوصفها بقوله ( من عند الله ) وتصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل أنه يخبرهم ما فيها ويصدقه ولا يخالفه والاستفتاح الاستنصار أي كانوا من قبل يطلبون من الله النصر على أعدائهم بالنبي المنعوت في آخر الزمان الذي يجدون صفته عندهم في التوراة وقيل الاستفتاح هنا بمعنى الفتح أي يخبرونهم بأنه سيبعث ويعرفونهم بذلك وجواب ( لما ) في قوله ( ولما جاءهم كتاب ) قيل هو قوله ( فلما جاءهم ما عرفوا ) وما بعده وقيل هو محذوف أي كذبوا أو نحوه كذا قال الأخفش والزجاج وقال المبرد إن جواب ( لما ) الأولى هو قوله ( كفروا ) وأعيدت ( لما ) الثانية لطول الكلام واللام في الكافرين للجنس ويجوز أن تكون للعهد ويكون هذا من وضع الظاهر موضع المضمر والأول أظهر
البقرة : ( 90 ) بئسما اشتروا به . . . . .
و ( ما ) في قوله ( بئسما ) موصولة أو موصوفة اي بئس الشيء أو شيئا اشتروا به أنفسهم قاله سيبويه وقال الاخفش ما في في موضع نصب على التمييز كقولك بئس رجلا زيد وقال الفراء بئسما بجملته شيء واحد ركب كحبذا وقال الكسائي ( ما ) و ( اشتروا ) بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه والتقدير بئس اشتراؤهم أن يكفروا وقوله ( أن يكفروا ) في موضع رفع على الابتداء عند سيبويه وخبره ما قبله وقال الفراء والكسائي إن شئت كان


"""""" صفحة رقم 113 """"""
في موضع خفض بدلا من الهاء في به أي اشتروا أنفسهم بأن يكفروا وقال في الكشاف إن ( ما ) نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس بمعنى شيئا اشتروا به أنفسهم والمخصوص بالذم أن يكفروا واشتروا بمعنى باعوا وقوله 0 بغيا ) أي حسدا قال الأصمعي البغي مأخوذ من قولهم قد بغى الجرح إذا فسد وقيل أصله الطلب ولذلك سميت الزانية بغيا وهو علة لقوله ( اشتروا ) وقول ( أن ينزل ) علة لقوله ( بغيا ) أي لأن ينزل والمعنى أنهم باعوا أنفسهم بهذا الثمن البخس حسدا ومنافسة ( أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن ( أن ينزل ) بالتخفيف ( فباءوا ) أي رجعوا وصاروا أحقاء ( بغضب على غضب ) وقد تقدم معنى باؤوا ومعنى الغضب قيل الغضب الأول لعبادتهم العجل والثاني لكفرهم بمحمد وقيل كفرهم بعيسى ثم كفرهم بمحمد وقيل كفرهم بمحمد ثم البغي عليه وقيل غير ذلك والمهين مأخوذ من الهوان قيل وهو ما اقتضى الخلود في النار
البقرة : ( 91 ) وإذا قيل لهم . . . . .
وقوله ( بما أنزل الله ) هو القرآن وقيل كل كتاب أي صدقوا بالقرآن أو صدقوا بما أنزل الله من الكتب قالوا ( نؤمن ) أي نصدق ( بما أنزل علينا ) أي التوراة وقوله ( ويكفرون بما وراءه ) قال الفراء بما سواه وقال أبو عبيدة بما بعده قال الجوهري وراء بمعنى خلف وقد يكون بمعنى قدام وهي من الأضداد ومنه قوله تعالى ) وكان وراءهم ملك ( أي قدامهم وهذه الجملة أعني ويكفرون في محل النصب على الحال أي قالوا نؤمن بما أنزل علينا حال كونهم كافرين بما وراءه مع كون هذا الذي هو وراء ما يؤمنون به هو الحق وقوله ( مصدقا ) حال مؤكدة وهذه أحوال متداخلة أعني قوله ( ويكفرون ) وقوله ( وهو الحق ) وقوله ( مصدقا ) ثم اعترض الله سبحانه عليهم لما قال نؤمن بما أنزل علينا بهذه الجملة المشتملة على الاستفهام المفيد للتوبيخ أي إن كنتم تؤمنون بما أنزل عليكم فكيف تقتلون الأنبياء وقد نهيتم عن قتلهم فيما أنزل عليكم وهذا الخطاب وإن كان مع الحاضرين من اليهود فالمراد به أسلافهم وكلنهم لما كانوا يرضون بأفعال سلفهم كانوا مثلهم
البقرة : ( 92 ) ولقد جاءكم موسى . . . . .
واللام في قوله ( ولقد ) جواب لقسم مقدر والبينات يجوز أن يراد بها التوراة أو التسع الآيات المشار إليها بقوله تعالى ) ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ( ويجوز أن يراد الجميع ثم عبدتم العجل بعد النظر في تلك البينات حال كونكم ظالمين بهذه العبادة الصادرة منكم عنادا بعد قيام الحجة عليكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق ( قال هو القرآن ) مصدق لما معهم ( من التوراة والإنجيل وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري قال حدثني أشياخ منا قالوا لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منا لأن معنا يهود وكانوا أهل كتاب وكنا أصحاب وثن وكانوا إذا بلغهم منا ما يكرهون قالوا إن نبيا ليبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اتبعناه وكفروا به ففينا والله وفيهم أنزل الله ) وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ( وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة قالوا كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم وكانوا يجدون محمدا في التوراة فيسألون الله أن يبعثه نبيا فيقاتلون معه العرب فلما جاء محمد كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل وقد روى نحو هذا عن ابن عباس من غير وجه بألفاظ مختلفة ومعانيها متقاربة وروى عن غيره من السلف نحو ذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) بئسما اشتروا به أنفسهم (


"""""" صفحة رقم 114 """"""
قال هم اليهود كفروا بما أنزل الله وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) بغيا وحسدا للعرب ) فباؤوا بغضب على غضب ( قال غشب الله عليهم مرتين بكفرهم بالإنجيل وبعيسى وبكفرهم بالقرآن وبمحمد وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بغيا أن ينزل الله ( أي ان الله جعله من غيرهم ) وباؤوا بغضب ( بكفرهم بهذا النبي ) على غضب ( كان عليهم بما صنعوه من التوراة وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج أيضا عن مجاهد معناه وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) ويكفرون بما وراءه ( قال بما بعده وأخرج ابن جرير عن السدي قال بما وراءه أي القرآن
البقرة 93 96
البقرة : ( 93 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .
قد تقدم تفسير أخذ الميثاق ورفع الطور والأمر بالسماع معناه الطاعة والقبول وليس المراد مجرد الإدراك بحاسة السمع ومنه قولهم ( سمع الله لمن حمده ) أي قبل واجاب ومنه قول الشاعر دعوت الله حتى خفت أن لا
يكون الله يسمع ما أقول
أي يقبل وقولهم في الجواب ( سمعنا ) هو علي بابه وفي معناه أي سمعنا قولك بحاسة السمع وعصيناك أي لا نقبل ما تأمرنا به ويجوز أن يكونوا ارادوا بقولهم ( سمعنا ) ما هو معهود من تلاعبهم واستعمالهم المغالطة في مخاطبة أنبيائهم وذلك بأن يحملوا قوله تعالى ( اسمعوا ) على معناه الحقيقي أي السماع بالحاسة ثم أجابوا بقولهم ( سمعنا ) أي أدركنا ذلك بأسماعنا عملا بموجب ما تأمر به ولكنهم لما كانوا يعلمون أن هذا غير مراد الله عز وجل بل مراده بالأمر بالسماع الأمر بالطاعة والقبول لم يقتصروا على هذه المغالطة بل ضموا إلى ذلك ما هو الجواب عندهم فقالوا ( عصينا ) وفي قوله ( وأشربوا ) تشبيه بليغ أي جعلت قلوبهم لتمكن حب العجل منها كأنها تشربه ومثله قول زهير فصحوت عنها بعد حب داخل
والحب يشربه فؤادك دائما
وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها والطعام يجاوزها ولا يتغلغل فيها والباء في قولهم ) بكفرهم ( سببية أي كان ذلك بسبب كفرهم عقوبة لهم وخذلانا وقوله ) قل بئسما يأمركم به إيمانكم ( الذي زعمتم أنكم تؤمنون بماأنزل عليكم وتكفرون بما وراءه فإن هذا الصنع وهو قولكم ) سمعنا وعصينا ( في جواب ما أمرتم به في كتابكم وأخذ عليكم الميثاق به مناد عليكم بأبلغ نداء بخلاف ما زعمتم وكذلك ما وقع منكم من عباده العجل ونزول حبه من قلوبكم منزلة الشراب هو من أعظم ما يدل


"""""" صفحة رقم 115 """"""
على أنكم كاذبون في قولكم ) نؤمن بما أنزل علينا ( لا صادقون فإن زعمتم أن كتابكم الذي آمنتم به أمركم بهذا فبئسما يأمركم به إيمانكم بكتابكم وفي هذا من التهكم بهم ما لا يخفى
البقرة : ( 94 ) قل إن كانت . . . . .
وقوله ) قل إن كانت لكم الدار الآخرة ( هو رد عليهم لما ادعوا أنهم يدخلون الجنة ولا يشاركهم في دخولها غيرهم وإلزام لهم بما يتبين به أنهم كاذبون في تلك الدعوى وأنها صادرة منهم لا عن برهان و ( خالصة ) منصوب على الحال ويكون خبر كان هو عند الله أو يكون خبر كان هو خالصة ومعنى الخلوص أنه لا يشاركهم فيها غيرهم إذا كانت اللام في قوله ) من دون الناس ( للجنس أو لا يشاركهم فيها المسلمون إن كانت اللام للعهد وهذا أرجح لقولهم في الآية الأخرى ) وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ( وإنما أمرهم بتمني الموت لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة ولما كان ذلك منهم مجرد دعوى أحجموا
البقرة : ( 95 ) ولن يتمنوه أبدا . . . . .
ولهذا قال سبحانه ) ولن يتمنوه أبدا ( و ( ما ) في قوله ( بما قدمت أيديهم ) موصولة والعائد محذوف أي بما قدمته من الذنوب التي يكون فاعلها غير آمن من العذاب بل غير طامع في دخول الجنة فضلا عن كونه قاطعا بها فضلا عن كونها خالصة له مختصة به وقيل إن الله سبحانه صرفهم عن التمني ليجعل ذلك آية لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالتمني هنا هو التلفظ بما يدل عليه لا مجرد خطوره بالقلب وميل النفس إليه فإن ذلك لا يراد في مقام المحاجة ومواطن الخصومة ومواقف التحدي وفي تركهم للتمني أو صرفهم عنه معجزة لرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فإنهم قد كانوا يسلكون من التعجرف والتجريء على الله وعلى أنبيائه بالدعاوي الباطلة في غير موطن ما قد حكاه عنهم التنزيل فلم يتركوا عادتهم هنا إلا لما قد تقرر عندهم من أنهم إذا فعلوا ذلك التمني نزل بهم الموت إما لأمر قد علموه أو للصرفة من الله عز وجل وقد يقال ثبت النهي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن تمني الموت فكيف أمره الله أن يأمرهم بما هو منهي عنه في شريعته ويجاب بأن المراد هنا إلزامهم الحجة وإقامة البرهان على بطلان دعواهم
وقوله ( والله عليم بالظالمين ) تهديد لهم وتسجيل عليهم بأنهم كذلك
البقرة : ( 96 ) ولتجدنهم أحرص الناس . . . . .
واللام في قوله ) ولتجدنهم ( جواب قسم محذوف وتنكير حياة للتحقير أي أنهم أحرص الناس على أحقر حياة واقل لبث في الدنيا فكيف بحياة كثيرة ولبق متطاول وقال في الكشاف إنه أراد بالتنكير حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة وتبعه في ذلك الرازي في تفسيره وقوله ( ومن الذين أشركوا ) قيل هو كلام مستأنف والتقدير ومن الذين أشركوا ناس ( يود أحدهم ) وقيل إنه معطوف على الناس أي أحرص الناس وأحرص من الذين أشركوا وعلى هذا يكون قوله يود أحدهم راجعا إلى اليهود بيانا لزيادة حرصهم على الحياة ووجه ذكر الذين أشركوا بعد ذكر الناس مع كونهم داخلين فيهم الدلالة على مزيد حرص المشركين من العرب ومن شابههم من غيرهم فمن كان أحرص منهم وهم اليهود كان بالغا في الحرص إلى غاية لا يقادر قدرها وإنما بلغوا في الحرص إلى هذا الحد الفاضل على حرص المشركين لأنهم يعلمون بما يحل بهم من العذاب في الآخرة بخلاف المشركين من العرب ونحوهم فإنهم لا يقرون بذلك وكان حرصهم على الحياة دون حرص اليهود والأول وإن كان فيه خروج من الكلام في اليهود إلى غيرهم من مشركي العرب لكنه ارجح لعدم استلزامه للتكليف ولا ضير في استطراد ذكر حرص المشركين بعد ذكر حرص اليهود وقال الرازي إن الثاني أرجح ليكون ذلك ابلغ في إبطال دعواهم وفي إظهار كذبهم في قولهم إن الدار الآخرة لنا لا لغيرنا انتهى ويجاب عنه بأن هذا الذي جعله مرجحا قد أفاده قوله تعالى ) ولتجدنهم أحرص الناس ( ولا يستلزم استئناف الكلام في المشركين أن لا يكونوا من جملة الناس وخص الألف بالذكر لأن العرب كانت تذكر ذلك عند إرادة المبالغة واصل سنة سنهة وقيل سنوة واختلف في الضمير في قوله ) وما هو بمزحزحه (


"""""" صفحة رقم 116 """"""
فقيل هو راجع إلى أحدهم والتقدير وما أحدهم بمزحزحه من العذاب أن يعمر وعلى هذا يكون قوله ( أن يعمر ) فاعلا لمزحزحه وقيل هو لما دل عليه يعمر من مصدره أي وما التعمير بمزحزحه ويكون قوله ( أن يعمر ) بدلا منه وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت هو عماد وقيل هو ضمير الشأن وقيل ( ما ) هي الحجازية والضمير اسمها وما بعده خبرها والأول أرجح وكذلك الثاني والثالث ضعيف جدا لأن العماد لا يكون إلا بين شيئين ولهذا يسمونه ضمير الفصل والرابع فيه أن ضمير الشأن يفسر بجملة سالمة عن حرف جر كما حكاه ابن عطية عن النحاة والزحزحة التنحية يقال زحزحته فتزحزح أي نحيته فتنحى وتباعد ومنه قول ذي الرمة يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا
وغافر الذنب زحزحني عن النار
والبصير العالم بالشيء الخبير به ومنه قولهم فلان بصير بكذا أي خبير به ومنه قول الشاعر فإن تسألوني بالنساء فإنني
بصير بأدواء النساء طبيب
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) وأشربوا في قلوبهم العجل ( قال أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أن اليهود لما قالوا ) لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ( الآية نزل قوله تعالى ) قل إن كانت لكم الدار الآخرة ( الآية وأخرج ابن جرير مثله عن قتادة وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن قوله ) خالصة من دون الناس ( يعني المؤمنين ) فتمنوا الموت ( فقال لهم رسول الله ( إن كنتم في مقالتكم صادقين فقولوا اللهم أمتنا فالوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه ) وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فتمنوا الموت ( أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فابوا ذلك ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم عنه قال ( لو تمنى اليهود الموت لماتوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه نحوه وأخرج البخاري وغيره من حديثه مرفوعا لو أن اليهود تمنوا لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه في قوله ) ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ( قال اليهود ( ومن الذين أشركوا ) قال وذلك أن المشركين لا يرجون بعثا بعد الموت فهو يحب طول الحياة وأن اليهودي قال قد عرف ما له من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم ) وما هو بمزحزحه ( قال بمنحيه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر واحاكم عنه في قوله ) يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ( قال هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم ( ذه هز إرسال ) يعني عش ألف سنة
البقرة 97 98
البقرة : ( 97 ) قل من كان . . . . .
هذه الآية قد أجمع المفسرون أنها نزلت في اليهود قال ابن جرير الطبري وأجمع أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت جوابا على اليهود إذ زعموا أن جبريل عدو لهم وأن ميكائيل ولي لهم ثم اختلفوا ما كان سبب قولهم ذلك فقال بعضهم إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 117 """"""
وآله وسلم من أمر نبوته ثم ذكر روايات في ذلك ستأتي آخر البحث إن شاء الله والضمير في قوله ( فإنه ) يحتمل وجهين الأول أن يكون لله ويكون الضمير في قوله ) نزله ( لجبريل أي فإن الله سبحانه نزل جبريل على قلبك وفيه ضعف كما يفيده قوله ) مصدقا لما بين يديه ( الثاني أنه لجبريل والضمير في ) نزله ( للقرآن أي فإن جبريل نزل القرآن على قلبك وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وقوله ( بإذن الله ) أي بعلمه وإرادته وتيسيره وتسهيله و ( ما بين يديه ) هو التوراة كما سلف أو جميع الكتب المنزلة وفي هذا دليل على شرف جبريل وارتفاع منزلته وأنه لا وجد لمعاداة اليهود له حيث كان منه ما ذكر من تنزيل الكتاب على قلبك أو من تنزيل الله له على قلبك وهذا هو وجه الربط بين الشرط والجواب أي من كان معاديا لجبريل منهم فلا وجه لمعاداته له فإنه لم يصدر منه إلا ما يوجب المحبة دون العداوة أو من كان معاديا له فإن سبب معاداته أنه وقع منه ما يكرهونه من التنزيل وليس ذلك بذنب له وإن نزهوه فان هذه الكراهة منهم له بهذا السبب ظلم وعدوان لأن هذا الكتاب الذي نزل به هو مصدق لكتابهم وهدى وبشرى للمؤمنين
البقرة : ( 98 ) من كان عدوا . . . . .
ثم أتبع سبحانه هذا الكلام بجملة مشتملة على شرط وجزاء يتضمن الذم لمن عادى جبريل ذلك السبب والوعيد الشديد له فقال ) من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ( والعداوة من العبد هي صدور المعاصي منه لله والبغض لأوليائه والعداوة من الله للعبد هي تعذيبه بذنبه وعدم التجاوز عنه والمغفرة له وإنما خص جبريل وميكائيل بالذكر بعد ذكر الملائكة لقصد التشريف لهما والدلالة على فضلهما وأنهما وإن كانا من الملائكة فقد صارا باعتبار ما لهما من المزية بمنزلة جنس آخر اشرف من جنس الملائكة تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما ذكره صاحب الكشاف وقرره علماء البيان وفي جبريل عشر لغات ذكرها ابن جرير الطبري وغيره وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك وفي ميكائيل ست لغات وهما إسمان عجميان والعرب إذا نطقت بالعجي تساهلت فيه وحكى الزمخشري عن ابن جني أنه قال العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه وقوله ) للكافرين ( من وضع الظاهر موضع المضمر أي فإن الله عدو لهم لقصد الدلالة على أن هذه العداوة موجبة لكفر من وقعت منه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال ( حضرت عصابة من اليهود النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسالك عنهن لا يعلمهن إلا نبي قال سلوني عما شئتم فسألوه وأجابهم ثم قالوا فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك فقال وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة لاتبعناك وصدقناك قال فما يمنعكم أن تصدقوه قالوا هذا عدونا فعند ذلك أنزل الله الآية ) وأخرج نحو ذلك ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب في قصة جرت له معهم وإسنادها صحيح ولكن الشعبي لم يدرك عمر وقد رواها عكرمة وقتادة والسدي وعبدالرحمن ابن أبي ليلى عن عمر واخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وغيرهم عن أنس قال ( سمع عبدالله بن سلام بمقدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في أرض يخترف فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه فقال أخبرني بهن جبريل آنفا فقال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية ) من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ( قال أما أول اشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب وأما أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما ما ينزع الولد إلى أبيه


"""""" صفحة رقم 118 """"""
أو أمه فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها قال اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فإنه نزله على قلبك بإذن الله ( يقول فإن جبريل نزل القرآن بأمر الله يشدد به فؤادك ويربط به على قلبك ( مصدقا لما بين يديه ) يقول لما قبله من الكتب التي أنزلها والآيات والرسل الذين بعثهم الله وقد ذكر السيوطي في هذا الموضع من تفسيره ( الدر المنثور ) أحاديث كثيرة واردة في جبريل وميكائيل وليست مما يتعلق بالتفسير حتى نذكرها
البقرة 99 103
البقرة : ( 99 ) ولقد أنزلنا إليك . . . . .
الضمير في قوله ( إليك ) للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي أنزلنا إليك علامات واضحات دالة على نبوتك وقوله ( إلا الفاسقون ) قد تقدم تفسيره والظاهر أن المراد جنس الفاسقين ويحتمل أن يراد اليهود لأن الكلام معهم
البقرة : ( 100 ) أو كلما عاهدوا . . . . .
والواو في قوله ( أو كلما ) للعطف دخلت عليها همزة الاستفهام كما تدخل على الفاء ومن ذلك قوله تعالى ) أفحكم الجاهلية يبغون ( ) أفأنت تسمع الصم ( ) أفتتخذونه وذريته ( وكما تدخل على ثم ومن ذلك قوله تعالى ) أثم إذا ما وقع ( وهذا قول سيبويه وقال الأخفش الواو زائدة وقال الكسائي إنها أو حركت الواو تسهيلا قال ابن عطية وهذا كله متكلف والصحيح قول سيبويه والمعطوف عليه محذوف والتقدير أكفروا بالآيات البينات وكلما عاهدوا قوله ( نبذ فريق ) قال ابن جرير أصل النبذ الطرح والإلقاء ومنه سمي اللقيط منبوذا ومنه سمي النبيذ وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء قال أبو الأسود نظرت إلى عنوانه فنبذته
كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
وقال آخر إن الذين أمرتهم أن يعدلوا
نبذوا كتابك واستحل المحرم


"""""" صفحة رقم 119 """"""
البقرة : ( 101 ) ولما جاءهم رسول . . . . .
وقوله ( وراء ظهروهم ) أي خلف ظهورهم وهو مثل يضرب لمن يتسخف بالشيء فلا يعمل به يقول العرب اجعل هذا خلف ظهرك ودبر أذنك وتحت قدمك أي ارتكه وأعرض عنه ومنه ما أنشده الفراء تميم بن زيد لا تكونن حاجتي
بظهر فلا يعبي علي جوابها
وقوله ) كتاب الله ( أي التوراة لأنهم لما كفروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبما أنزل عليه بعد أن أخذ الله عليهم في التوراة الإيمان به وتصديقه واتباعه وبين لهم صفته كان ذلك منهم نبذا للتوراة ونقضا لها ورفضا لما فيها ويجوز أن يراد بالكتاب هنا القرآن أي لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم من التوراة نبذوا كتاب الله الذي جاء به هذا الرسول وهذا أظهر من الوجه الأول وقوله ) كأنهم لا يعلمون ( تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئا مع كونهم يعلمون علما يقينا من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي ولكنهم لما لم يعملوا بالعلم بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم كانوا بمنزلة من لا يعلم
البقرة : ( 102 ) واتبعوا ما تتلوا . . . . .
قوله ) واتبعوا ما تتلوا الشياطين ( معطوف على قوله ) نبذه ( أي نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين من السحر ونحوه قال الطبري اتبعوا بمعنى فعلوا ومعنى ( تتلوا ) تتقوله وتقرؤه و ( على ملك سليمان ) على عهد ملك سليمان قاله الزجاج وقيل المعنى في ملك سليمان يعني في قصصه وصفاته وأخباره قال الفراء تصلح ( على ) وفي في هذا الموضع والأول أظهر وقد كانوا يظنون أن هذا هو علم سليمان وأنه يستجيزه ويقول به فرد الله ذلك عليهم وقال ) وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ( ولم يتقدم أن أحدا نسب سليمان إلى الكفر ولكن لما نسبته اليهود إلى السحر صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر لأن السحر يوجب ذلك ولهذا أثبت الله سبحانه كفر الشياطين فقال ( ولكن الشياطين كفروا ) أي بتعليمهم وقوله ) يعلمون الناس السحر ( في محل نصب على الحال ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر بعد خبر وقرأ ابن عامر والكوفيون سوى عاصم ( ولكن الشياطين ) بتخفيف لكن ورفع الشياطين والباقون بالتشديد والنصب والسحر هو ما يفعله الساحر من الحيل والتخييلات التي تحصل بسببها للمسحور ما يحصل من الخواطر الفاسدة الشبيهة بما يقع لمن يرى السراب فيظنه ماء وما يظنه راكب السفينة أو الدابة من أن الجبال تسير وهو مشتق من سحرت الصبي إذا خدعته وقيل أصله الخفاء فإن الساحر يفعله خفية وقيل أصله الصرف لأن السحر مصروف عن جهته وقيل أصله الاستمالة لأن من سحرك فقد استمالك وقال الجوهري السحر الأخذة وكل ما لظف مأخذه ودق فهو سحر وقد سحره يسحره سحرا والساحر العالم وسحره أيضا بمعنى خدعه وقد اختلف هل له حقيقة أم لا فذهبت المعتزلة وأبو حنيفة إلى أنه خدع لا أصل له ولا حقيقة وذهب من عداهم إلى أن له حقيقة مؤثرة وقد صح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سحر سحره لبيد ابن الأعصم اليهوي حتى كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولم يكن قد أتاه ثم شفاه الله سبحانه والكلام في ذلك يطول وقوله ( وما أنزل على الملكين ) أي ويعلمون الناس ما أنزل على الملكين فهو معطوف على السحر وقيل هو معطوف على قوله ما تتلو الشياطين أي واتبعوا ما أنزل على الملكين وقيل إن ( ما ) في قوله ( وما أنزل على الملكين ) نافية والواو عاطفة على قوله ( وما كفر سليمان ) وفي الكلام تقديم وتأخير والتقدير وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت فهاروت وماروت بدل من الشياطين في قوله ( ولكن الشياطين كفروا ) ذكر هذا ابن جرير وقال فإن قال لنا قائل وكيف وجه تقديم ذلك قيل وجه تقديمه أن يقال واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان وما أنزل الله على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت فيكون معنيا


"""""" صفحة رقم 120 """"""
بالملكين جبريل وميكائيل لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود فأكذبهم الله بذلك واخبر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر وبرأ سليمان مما نحلوه من السحر وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين وأنها تعلم الناس ذلك ببابل وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان أحدهما هاروت والآخر ماروت فيكون هاروت وماروت على هذا التاويل ترجمة عن الناس وردا عليهم انتهى وقال القرطبي في تفسيره بعد أن حكى معنى هذا الكلام ورجح أن هاروت وماروت بدل من الشياطين ما لفظه هذا أولى ما حملت عليه الآية وأصح ما قيل فيها ولا يلتفت إلى سواه فالسحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة أفهامهم وأكثر ما يتعاطاه من الإنس النساء وخاصة في حالة طمثهن قال الله ) ومن شر النفاثات في العقد ( ثم قال إن قيل كيف يكون اثنان بدلا من جمع والبدل إنما يكون على حد المبدل ثم أجاب عن ذلك بأن الإثنين قد يطلق عليهما الجمع أو أنهما خصا بالذكر دون غيرهما لتمردهما ويؤيد هذا أنه قرأ ابن عباس والضحاك والحسن ( الملكين ) بكسر اللام ولعل وجه الجزم بهذا التأويل مع بعده وظهور تكلفه تنزيه الله سبحانه أن ينزل السحر إلى ارضه فتنة لعباده على السن ملائكته وعندي أنه لا موجب لهذا التعسف المخالف لما هو الظاهر فإن لله سبحانه أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن بنهر طالوت ولهذا يقول الملكان ) إنما نحن فتنة ( قال ابن جرير وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء وأنهما أنزلا إلى الأرض فكان من أمرهما ما كان وبابل قيل هي العراق وقيل نهاوند وقيل نصيبين وقيل المغرب وهاروت وماروت اسمان أعجميان لا ينصرفان وقوله ) وما يعلمان من أحد حتى يقولا ( قال الزجاج تعليم إنذار من السحر لا تعليم دعاء إليه قال وهو الذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر ومعناه أنهما يعلمان على النهي فيقولان لهم لا تفعلوا كذا و ( من ) في قوله ( من أحد ) زائدة للتوكيد وقد قيل إن قوله ( يعلمان ) من الإعلام لا من التعلم وقد جاء في كلام العرب تعلم بمعنى أعلم كما حكاه ابن الأنباري وابن الأعرابي وهو كثير في أشعارهم كقول كعب بن مالك تعلم رسول الله أنك مدركي وأن وعيدا منك كالأخذ باليد
وقال القطامي
تعلم أن بعد الغي رشدا وأن لذلك الغي انقشاعا
وقوله ( إنما نحن فتنة ) هو على ظاهره أي إنما نحن ابتلاء واختبار من الله لعباده وقيل إنه استهزاء منهما لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا ضلاله وفي قولهما ( فلا تكفر ) أبلغ إنذار وأعظم تحذير أي أن هذا ذنب يكون من فعله كافر فلا تكفر وفيه دليل على أن تعلم السحر كفر وظاهره عدم الفرق بين المعتقد وغير المعتقد وبين من تعلمه ليكون ساحرا ومن تعلمه ليقدر على دفعه وقوله ) فيتعلمون ( فيه ضمير يرجع إلى قوله ) من أحد ( قال سيبويه التقدير فهم يتعلمون قال ومثله ) كن فيكون ( وقيل هو معطوف على موضع ما يعلمان لأنه وإن كان منفيا فهو يتضمن الإيجاب وقال الفراء هي مردودة على قوله ( يعلمون الناس السحر ) أي يعلمون الناس فيتعلمون وقوله ( ما يفرقون به بين المرء وزوجة ) في إسناد التفريق إلى السحرة وجعل السحر سببا لذلك دليل على أن للسحر تأثيرا في القلوب بالحب والبغض والجمع والفرقة والقرب والبعد وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر لا يقدر على أكثر مما أخبر الله به من التفرقة لأن الله ذكر ذلك في معرض الذم للسحر وبين ما هو الغاية في تعليمه فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره وقالت طائفة أخرى إن ذلك خرج مخرج الأغلب وأن الساحر يقدر


"""""" صفحة رقم 121 """"""
على غير ذلك المنصوص عليه وقيل ليس للسحر تأثير في نفسه أصلا لقوله تعالى ) وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ( والحق أنه لا تنافى بين قوله ) فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ( وبين قوله ) وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ( فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيرا في نفسه ولكنه لا يؤثر ضررا إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيرا في نفسه وحقيقة ثابتة ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة كما تقدم وقوله ) ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ( فيه تصريح بأن السحر لا يعود على صاحبه بفائدة ولا يجلب إليه منفعة بل هو ضر محض وخسران بحت واللام في قوله ( ولقد ) جواب قسم محذوف وفي قوله ( لمن اشتراه ) للتأكيد و ( من ) موصولة هي في محل رفع على الابتداء والخبر قوله ( ما له في الآخرة من خلاق ) وقال الفراء إنها شرطية للمجازاة وقال الزجاج ليس هذا بموضع شرط ورجح أنها موصوله كما ذكرنا والمراد بالشراء هنا الاستبدال آي من استبدل ما تتلوا الشياطين على كتاب الله والخلاق النصيب عند أهل اللغة كذا قال الزجاج والمراد بقوله ( ما شروا به أنفسهم ) أي باعوها وقد اثبت لهم العلم في قوله ( ولقد علموا ) ونفاه عنهم في قوله ( لو كانوا يعلمون ) واختلفوا في توجيه ذلك فقال قطرب والأخفش إن المراد بقوله ( ولقد علموا ) الشياطين والمراد بقوله ( لو كانوا يعلمون ) الإنس وقال الزجاج إن الأول للملكين وإن كان بصيغة الجمع فهو مثل قولهم الزيدان قاموا والثاني المراد به علماء اليهود وإنما قال ( لو كانوا يعلمون ) لأنهم تركوا العمل بعلمهم
البقرة : ( 103 ) ولو أنهم آمنوا . . . . .
وقوله ) ولو أنهم آمنوا ( أي بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما جاء به من القرآن ( واتقوا ) ما وقعوا فيه من السحر والكفر واللام في قوله ( لمثوبة ) جواب لو والمثوبة الثواب وقال الأخفش إن الجواب محذوف والتقدير ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا فحذف لدلالة قوله ( لمثوبة ) عليه وقوله ( لو كانوا يعلمون ) هو إما للدلالة على أنه لا علم لهم أو لتنزيل علمهم مع عدم العمل منزلة العدم
سبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( قال ابن صوريا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يا محمد ما جئتنا بشيء يعرف وما أنزل الله عليك من آية بينة فأنزل الله تعالى في ذلك ) ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ( ) وقال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا شيئا فأنزل الله ) أو كلما عاهدوا ( الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) آيات بينات ( يقول فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك وأنت عندهم أمي لم تقرأ الكتاب وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه ففي ذلك عبرة لهم وحجة عليهم ) لو كانوا يعلمون ( وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) نبذه ( قال نقضه وأخرج أيضا عن السدي في قوله ( مصدق لما معهم ) قال لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة واتفقت التوراة مع القرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت كأنهم لا يعلمون بما في التوراة من الأمر باتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتصديقه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب معها ألف كذبة فاشربتها قلوب الناس وأتخذوها دواوين فأطلع الله على ذلك سليمان بن داود فأخذها فدفنها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع قالوا نعم فأخرجوه فإذا هو سحر فتناسختها الأمم وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر فقال


"""""" صفحة رقم 122 """"""
) واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ( الآية وأخرج النسائي وابن أبي حاتم عنه قال كان آصف كاتب سليمان وكان يعلم الإسم الأعظم وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل بها فأكفره جهال الناس وسبوه ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله على محمد ) واتبعوا ما تتلوا الشياطين ( الآية واخرج ابن جرير عنه قال كان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئا من شأنه أعطى الجرادة وهي امرأته خاتمه فلما أراد الله ان يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها هاتي خاتمي فأخذه فلبسه فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس فجاء سليمان فقال هاتي خاتمي فقالت كذبت لست سليمان فعرف أنه بلاء ابتلي به فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ثم أخرجوها فقرءوها على الناس وقالوا إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب فبريء الناس من سليمان وأكفروه حتى بعث الله محمدا وأنزل عليه ) وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ( وأخرج ابن جرير عنه في قوله ( وما تتلوا ) قال ما تتبع وأخرج أيضا عن عطاء في قوله ( ما تتلوا ) قال نراه ما تحدث وأخرج أيضا عن ابن جريج في قوله ( على ملك سليمان ) يقول في ملك سليمان وأخرج أيضا عن السدي في قوله ( وما أنزل على الملكين ) قال هذا سحر آخر خاصموه به فإن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس فصنع وعمل به كان سحرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( وما أنزل على الملكين ) قال لم ينزل الله السحر وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال هما ملكان من ملائكة السماء وأخرج نحوه ابن مردويه من وجه آخر عنهم مرفوعا وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر عن ابن عباس ( وما أنزل على الملكين ) يعني جبريل وميكائيل ( ببابل هاروت وماروت ) يعلمان الناس السحر وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالرحمن بن البزي أنه كان يقرؤها وما أنزل على الملكين داود وسليمان وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال هما علجان من أهل بابل وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أشرفت الملائكة على الدنيا فرأت بني آدم يعصون فقالت يا رب ما أجهل هؤلاء ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك فقال الله لو كنتم في محلاتهم لعصيتموني قالوا كيف يكون هذا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال فاختاروا منكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت ثم أهبطا إلى الأرض وركبت فيهما شهوات بني آدم ومثلت لهما إمرأة فما عصما حتى واقعا المعصية فقال الله اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فنظر أحدهما لصاحبه قال ما تقول قال أقول إن عذاب الدنيا ينقطع وإن عذاب الآخرة لا ينقطع فاختارا عذاب الدنيا فهما اللذان ذكر الله في كتابه ( وما أنزل علي الملكين ) الآية وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر أنه كان يقول اطلعت الحمراء بعد فإذا رآها قال لا مرحبا ثم قال إن ملكين من الملائكة هاروت وماروت سألا الله أن يهبطهما إلى الأرض فأهبطا إلا الأرض فكانا يقضيان بين الناس فإذا أمسيا تكلما بكلمات فعرجا بها إلى السماء فقيض لهما إمرأة من أحسن النساء وألقيت عليهما الشهوة فجعلا يؤخرانها وألقيت في أنفسهما فلم يزالا يفعلان حتى وعدتهما ميعادا فأتتهما للميعاد فقالت علماني الكلمة التي تعرجان بها فعلماها الكلمة فتكلمت بها فعرجت إلى السماء فمسخت فجعلت كما ترون فلما أمسيا تكلما بالكلمة فلم يعرجا فبعث إليهما إن شئتما فعذاب الآخرة وإن شئتما فعذاب الدنيا إلى أن تقوم الساعة على أن


"""""" صفحة رقم 123 """"""
تلقيا الله فإن شاء عذبكما وإن شاء رحمكما فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال بل نختار عذاب الدنيا ألف ألف ضعف فهما يعذبان إلى يوم القيامة وقد رويت هذه القصة عن ابن عمر بألفاظ وفي بعضها أنه يروي ذلك ابن عمر عن كعب الأحبار كما أخرجه عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب فقيل لو كنتم مكانهم لأتيتم مثل ما يأتون فاختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما إني أرسل إلى بني آدم رسلا فليس بيني وبينكم رسول انزلا لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال كعب فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استعملا جميع ما نهيا عنه قال ابن كثير وهذا أصح يعني من الإسنادين اللذين ذكرهما قبله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال إن هذه الزهرة تسميها العرب الزهرة والعجم أناهيد وذكر نحو الرواية السابقة عن ابن عمر عند الحاكم قال ابن كثير وهذا الإسناد رجاله ثقات وهو غريب جدا وقد أخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال كانت الزهرة امرأة واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عنه أن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت فهي هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه فذكر قصة طويلة وفيها التصريح بأن الملكين شربا الخمر وزنيا بالمرأة وقتلاها وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس هذه القصة وقالا إنها أنزلت إليهما الزهرة في صورة إمرأة وأنهما وقعا في الخطيئة وقد روى في هذا الباب قصص طويلة وروايات مختلفة استوفاها السيوطي في الدر المنثور وذكر ابن كثير في تفسيره بعضها ثم قال وقد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال انتهى وقال القرطبي بعد سياق بعض ذلك قلنا هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمرو وغيره لا يصح منه شيء فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه وسفراؤه إلى رسله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ثم ذكر ما معناه أن العقل يجوز وقوع ذلك منهم لكن وقوع هذا الجائز لا يدرى إلا بالسمع ولم يصح انتهى واقول هذا مجرد استبعاد وقد ورد الكتاب العزيز في هذا الموضع بما تراه ولا وجه لإخراجه عن ظاهره بهذه التكلفات وما ذكره من أن الأصول تدفع ذلك فعلى فرض وجود هذه الأصول فهي مخصصة بما وقع في هذه القصة ولا وجه لمنع التخصيص وقد كان إبليس يملك المنزلة العظيمة وصار أشر البرية وأكفر العالمين وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) إنما نحن فتنة ( قال بلا وأخرج البزار بإسناد صحيح والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال ( من أتى كاهنا أو ساحرا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) وأخرج البزار عن عمران بن حصين قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن عقد عقدة ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) وأخرج عبدالرزاق عن صفوان بن سليم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 124 """"""
( من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا كان آخر عهده من الله ) وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) من خلاق ( قال قوام وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال ( خلاق ) من نصيب وكذا روى ابن جري عن مجاهد وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن الحسن ( ما له في الآخرة من خلاق ) قال ليس له دين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ( ولبئس ما شروا به ) قال باعوا وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ( لمثوبة ) قال ثواب
البقرة 104 105
البقرة : ( 104 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ( راعنا ) أي راقبنا واحفظنا وصيغة المفاعلة تدل على أن معنى ( راعنا ) ارعنا ونرعاك واحفظنا ونحفظك وارقبنا ونرقبك ويجوز أن يكون من ارعنا سمعك أي فرغه لكلامنا وجه النهي عن ذلك أن هذا اللفظ كان بلسان اليهود سبا قيل إنه في لغتهم بمعنى اسمع لا سمعت وقيل غير ذلك فلما سمعوا المسلمين يقولون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) راعنا طلبا منه أن يراعيهم من المراعاة اغتنموا الفرصة وكانوا يقولون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) كذلك مظهرين أنهم يريدون المعنى العربي مبطنين أنهم يقصدون السب الذي هو معنى هذا اللفظ في لغتهم وفي ذلك دليل على أنه ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة للسب والنقص وإن لم يقصد المتكلم بها ذلك المعنى المفيد للشتم سدا للذريعة ودفعا للوسيلة وقطعا لمادة المفسدة والتطرق إليه ثم أمرهم الله بأن يخاطبوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بما لا يحتمل النقص ولا يصلح للتعريض فقال ( وقولوا انظرنا ) أي أقبل علينا وانظر إلينا فهو من باب الحذف والإيصال كما قال الشاعر ظاهرات الجمال والحسن ينظر
ن كما ينظر الأراك الظباء
أي إلى الأراك وقيل معناه انتظرنا وتأن بنا ومنه قول الشاعر فإنكما إن تنظراني ساعة
من الدهر تنفعني لدى أم جندب
وقرأ الأعمش ( أنظرنا ) بقطع الهمزة وكسر الظاء بمعنى أخرنا وأمهلنا حتى نفهم عنك ومنه قول الشاعر أبا هند فلا تعجل علينا
وأنظرنا نخبرك اليقينا
وقرأ الحسن ( راعنا ) بالتنوين وقال الراعن من القول السخري منه انتهى وأمرهم بعد هذا النهي والأمر بأمر آخر وهو قوله ( واسمعوا ) أي اسمعوا ما أمرتم به ونهيتم عنه ومعناه أطيعوا الله في ترك خطاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك اللفظ وخاطبوه بما أمرتم به ويحتمل أن يكون معناه اسمعوا ما يخاطبكم به الرسول من الشرع حتى يحصل لكم المطلوب بدون طلب للمراعاة ثم توعد اليهود بقوله ) وللكافرين عذاب أليم ( ويحتمل أن يكون وعيدا شاملا لجنس الكفرة قال ابن جرير والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ( راعنا ) لأنها كلمة كرهها الله أن يقولوها لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) نظير الذي ذكر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( لا تقولوا للعنب الكرم ولكن قولوا الحبلة ولا


"""""" صفحة رقم 125 """"""
تقولوا عبدي ولكن قولوا فتاي ) وما أشبه ذلك
البقرة : ( 105 ) ما يود الذين . . . . .
وقوله ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ) الآية فيه بيان شدة عداوة الكفار للمسلمين حيث لا يودون إنزال الخير عليهم من الله سبحانه ثم رد الله سبحانه ذلك عليهم فقال ) والله يختص برحمته من يشاء ( الآية وقوله ) أن ينزل ( في محل نصب على المفعولية و ( من ) في قوله ( من خير ) زائدة قاله النحاس وفي الكشاف أن ( من ) في قوله ( من أهل الكتاب ) بيانية وفي قوله ( من خير ) مزيدة لاستغراق الخير وفي قوله ( من ربكم ) لابتداء الغاية وقد قيل بأن الخير الوحي وقيل غير ذلك والظاهر أنهم لا يودون أن ينزل على المسلمين أي خير كان فهو لا يختص بنوع معين كما يفيده وقوع هذه النكرة في سياق النفي وتأكيد العموم بدخول ( من ) المزيدة عليها وإن كان بعض أنواع الخير أعظم من بعض فذلك لا يوجب التخصيص والرحمة قيل هي القرآن وقيل النبوة وقيل جنس الرحمة من غير تعيين كما يفيد ذلك الإضافة إلى ضميره تعالى ) والله ذو الفضل العظيم ( أي صاحب الفضل العظيم فكيف لا تودون أن يختص برحمته من يشاء من عباده
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أن رجلا أتاه فقال اعهد إلي فقال إذا سمعت الله يقول ( يا أيها الذين آمنوا ) فأوعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال ( راعنا ) بلسان اليهود السب القبيح وكان اليهود يقولون ذلك لرسول الله سرا فلما سمعوا أصحابه يقولون ذلك أعلنوا بها فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم فأنزل الله الآية وأخرج أبو نعيم في الدلائل عنه أنه قال المؤمنون بعد هذه الآية من سمعتموه يقولها فاضربوا عنقه فانتهت اليهود بعد ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال كان رجلان من اليهود مالك بن الصيف ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالا له وهما يكلمانه راعنا سمعك واسمع غير مسمع فظن المسلمون أن هذا شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبيائهم فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله الآية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صخر قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين فقالوا ارعنا سمعك فأعظم الله رسوله أن يقال له ذلك وامرهم أن يقولوا ( انظرنا ) ليعززوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويوقروه وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن قتادة أن اليهود كانت نقول ذلك استهزاء فكره الله للمؤمنين أن يقولوا كقولهم وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال الرحمة القرآن والإسلام
البقرة 106 107
البقرة : ( 106 ) ما ننسخ من . . . . .
النسخ في كلام العرب على وجهين أحدهما النقل كنقل كتاب من آخر وعلى هذا يكون القرآن كله منسوخا أعني من اللوح المحفوظ فلا مدخل لهذا المعنى في هذه الآية ومنه ) إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ( أي نأمر بنسخه الوجه الثاني الإبطال الإزالة وهو المقصود هنا وهذا الوجه الثاني ينقسم إلى قسمين عند أهل


"""""" صفحة رقم 126 """"""
اللغة أحدهما إبطال الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه ومنه نسخت الشمس الظل إذا اذهبته وحلت محله وهو معنى قوله ) ما ننسخ من آية ( وفي صحيح مسلم ( لم تكن نبوة قط إلا تناسخت ) أي تحولت من حال إلى حال والثاني إزالة الشيء دون أن يقوم مقامه آخر كقولهم نسخت الريح الأثر ومن هذا المعنى فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي يزيله وروى عن أبي عبيد أن هذا قد كان يقع في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكانت تنزل عليه السورة فترفع فلا تتلى ولا تكتب ومنه ما روى عن أبي وعائشة أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة في الطول قال ابن فارس النسخ نسخ الكتاب والنسخ أن تزيل أمرا كان من قبل يعمل به ثم تنسخه بحادث غيره كالآية تنزل بأمر ثم تنسخ بأخرى وكل شيء خلف شيئا فقد انتسخه يقال نسخت الشمس الظل والشيب والشباب وتناسخ الورثة أن يموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم وكذا تناسخ الأزمنة والقرون وقال ابن جرير ( ما ننسخ ) ما ننقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره وذلك أن نحول الحلال حراما والحرام حلالا والمباح محظورا والمحظور مباحا ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ وأصل النسخ من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة أخرى فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره إنما هو تحويله إلى غيره وسواء نسخ حكمها أو خطها إذ هي في كلتى حالتيها منسوخة انتهى وقد جعل علماء الأصول مباحث النسخ من جلمة مقاصد ذلك الفن فلا نطول بذكره بل نحيل من أراد الاستشفاء عليه وقد اتفق أهل الإسلام على ثبوته سلفا وخلفا ولم يخالف في ذلك أحد إلا من لا يعتد بخلافه ولا يؤبه لقوله وقد اشتهر عن اليهود أقماهم الله إنكاره وهم محجوجون بما في التوراة أن الله قال لنوح عليه السلام عند خروجه من السفينة إني إن قد جعلت كل دابة مأكلا لك ولذريتك وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه ثم قد حرم على موسى وعلى بني إسرائيل كثيرا من الحيوان وثبت في التوراة أن آدم كان يزوج الأخ من الأخت وقد حرم الله ذلك على موسى عليه السلام وعلى غيره وثبت فيها أن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ابنه ثم قال الله له لا تذبحه وبأن موسى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد منهم العجل ثم أمرهم برفع السيف عنهم ونحو هذا كثير في التوراة الموجودة بأيديهم وقوله ( أو ننسها ) قرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح النون والسين والهمز وبه قرأ عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وأبي بن كعب وعبيد بن عمير والنخعي وابن محيصن ومعنى هذه القراءة نؤخرها عن النسخ من قولهم نسأت هذا الأمر إذا أخرته قال ابن فارس ويقولون نسأ الله في أجلك وأنسأ الله أجلك وقد انتسأ القوم إذا تأخروا وتباعدوا ونسأتهم أنا أخرتهم وقيل معناه نؤخر نسخ لفظها أي نتركه في أم الكتاب فلا يكون وقيل نذهبها عنكم حتى لا تقرأ ولا تذكر وقرأ الباقون ( ننسها ) بضم النون من النسيان الذي بمعنى الترك أي نتركها فلا نبدلها ولا ننسخها ومنه قوله تعالى ) نسوا الله فنسيهم ( أي تركوا عبادته فتركهم في العذاب واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وحكى الأزهري أن معناه نأمر بتركها يقال أنسيته الشيء أي أمرته بتركه ونسيته تركته ومنه قول الشاعر إن علي عقبة أقضيها
لست بناسيها ولا منسيها
أي ولا آمر بتركها وقال الزجاج إن القراء بضم النون لا يتوجه فيها معنى الترك لا يقال أنسى بمعنى ترك قال وما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( أو ننسها ) قال نتركها لا نبدلها فلا يصح والذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر أن معنى ( أو ننسها ) نبح لكم تركها من نسي إذا ترك ثم تعديه ومعنى ( نأت بخير منها أو مثلها )


"""""" صفحة رقم 127 """"""
نأت بما هو أنفع للناس منها في العاجل والآجل أو في أحدهما أو بما هو مماثل لها من غير زيادة ومرجع ذلك إلى إعمال النظر في المنسوخ والناسخ فقد يكون الناسخ أخف فيكون أنفع لهم في العاجل وقد يكون أثقل وثوابه أكثر فيكون أنفع لهم في الآجل وقد يستويان فتحصل المماثلة
البقرة : ( 107 ) ألم تعلم أن . . . . .
وقوله ) ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ( يفيد أن النسخ من مقدوراته وأن إنكاره إنكار للقدرة الإلهية وهكذا قوله ) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ( أي له التصرف في السموات والأرض بالإيجاد والاختراع ونفوذ الأمر في جميع مخلوقاته فهو أعلم بمصالح عباده وما فيه النفع لهم من أحكامه التي تعبدهم بها وشرعها لهم وقد يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأزمنة والأشخاص وهذا صنع من لا ولي لهم غيره ولا نصير سواه فعليهم أن يتلقوه بالقبول والامتثال والتعظيم والإجلال
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن عدي وابن عساكر عن ابن عباس قال كان مما ينزل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الوحي بالليل وينساه بالنهار فأنزل الله ) ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ( وفي إسناده الحجاج الجزري ينظر فيه وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال ( قرأ رجلان من الأنصار سورة أقرأهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكانا يقرآن بها فقاما يقرآن ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إنها مما نسخ أو نسي فالهوا عنها ) وفي إسناده سليمان ابن أرقم وهو ضعيف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ( ما ننسخ من آية أو ننسأها ) يقول ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها ( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول خير لكم في المنفعة وأرفق بكم وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال ( ننسأها ) نؤخرها وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود في قوله ( ما ننسخ من آية ) قال نثبت خطها ونبدل حكمها ( أو ننسأها ) قال نؤخرها وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في قوله ( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول فيها تخفيف فيها رخصة أمر فيها نهي وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبو ذر الهروي في فضائله عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ( أن رجلا كانت معه سورة فقام من الليل فقام بها فلم يقدر عليها وقام آخر يقرا بها فلم يقدر عليها وقام آخر فلم يقدر عليها فأصبحوا فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاجتمعوا عنده فأخبروه فقال إنها نسخت البارحة ) وقد روى نحوه عنه من وجه آخر وقد ثبت في البخاري وغيره عن أنس أن الله أنزل في الذين قتلوا في بئر معونة ( أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا ) ثم نسخ وهكذا ثبت في مسلم وغيره عن أبي موسى قال كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني حفظت منها ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوفه إلا التراب ) وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات أولها سبح لله ما في السموات فأنسيناها غير أني حفظت منها ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألوا عنها يوم القيامة ) وقد روى مثل هذا من طريق جماعة من الصحابة ومنه آية الرجم كما رواه عبدالرزاق وأحمد وابن حبان عن عمر
البقرة 108 110


"""""" صفحة رقم 128 """"""
البقرة : ( 108 ) أم تريدون أن . . . . .
( أم ) هذه هي المنقطعة التي بمعنى بل أي بل تريدون وفي هذا توبيخ وتقريع والكاف في قوله ( كما سئل ) في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي سؤالا مثل ما سئل موسى من قبل حيث سألوه أن يريهم الله جهرة وسألوا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتي بالله والملائكة قبيلا وقوله ( سواء ) هو الوسط من كل شيء قاله أبو عبيدة ومنه قوله تعالى ) في سواء الجحيم ( ومنه قول حسان يرثي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يا ويح أصحاب النبي ورهطه
بعد المغيب في سواء الملحد
وقال الفراء السواء القصد أي ذهب عن قصد الطريق وسمته أي طريق طاعة الله
البقرة : ( 109 ) ود كثير من . . . . .
وقوله تعالى ) ود كثير من أهل الكتاب ( فيه إخبار المسلمين بحرص اليهود على فتنتهم وردهم عن الإسلام والتشكيك عليهم في دينهم وقوله ( لو يردونكم ) في محل نصب على أنه مفعول للفعل المذكور وقوله ( من عند أنفسهم ) يحتمل أن يتعلق بقوله ( ود ) أي ودوا ذلك من عند أنفسهم ويحتمل أن يتعلق بقوله ( حسدا ) أي حسدا ناشئا من عند أنفسهم وهو علة لقوله ( ود ) والعفو ترك المؤاخذة بالذنب والصفح إزالة أثره من النفس صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وفيه الترغيب في ذلك والإرشاد إليه وقد نسخ ذلك بالأمر بالقتال قاله أبو عبيدة وقوله ) حتى يأتي الله بأمره ( هو غاية ما أمر الله سبحانه به من العفو والصفح أي افعلوا ذلك إلى أن يأتي إليكم الأمر من الله سبحانه في شأنهم بما يختاره ويشاؤه وما قد قضى به في سابق علمه وهو قتل من قتل منهم وإجلاء من أجلى وضرب الجزية على من ضربت عليه وإسلام من أسلم
البقرة : ( 110 ) وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . .
وقوله ) وأقيموا الصلاة ( حث من الله سبحانه لهم على الاشتغال بما ينفعهم ويعود عليهم بالمصلحة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخير الذي يثابون عليه حتى يمكن الله لهم وينصرهم على المخالفين لهم
سبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال قال رافع بن حريملة ووهب ابن زيد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا محمد ائتنا بكتاب ينزل علينا من السماء نقرؤه أو فجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك فأنزل الله في ذلك ) أم تريدون أن تسألوا رسولكم ( إلى قوله ) سواء السبيل ( وكان حيي بن أخطب من أشد اليهود حسدا للعرب إذ خصهم الله برسوله وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا فأنزل الله فيهما ) ود كثير من أهل الكتاب ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي قال سألت العرب محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتيهم بالله فيروه جهرة فنزلت هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال قال رجل لو كانت كفاراتنا كفارات بني إسرائيل فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما أعطاكم الله خير كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها فإن كفرها كانت له خزايا في الدنيا وإن لم يكفرها كانت له خزايا في الآخرة وقد أعطاكم الله خيرا من ذلك قال ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( الآية والصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن فأنزل الله


"""""" صفحة رقم 129 """"""
) أم تريدون أن تسألوا رسولكم ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال سألت قريش محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجعل لهم الصفا ذهبا فقال نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم فأبوا ورجعوا فأنزل الله ) أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ( أن يريهم الله جهرة وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) ومن يتبدل الكفر ( بالإيمان قال يتبدل الشدة بالرخاء وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) فقد ضل سواء السبيل ( قال عدل عن السبيل وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن كعب بن مالك قال كان اليهود والمشركون من أهل المدينة يؤذون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه أشد الأذى فأمر الله بالصبر على ذلك والعفو عنهم وأنزل الله ) ود كثير من أهل الكتاب )
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وفي الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله تعالى ) ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ( وقال ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم الآية وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم بقتل فقتل الله به من قتل من صناديد قريش و أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله ) من عند أنفسهم ( قال من قبل أنفسهم ) من بعد ما تبين لهم الحق ( يقول إن محمدا رسول الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) فاعفوا واصفحوا ( وقوله ) وأعرض عن المشركين ( ونحو هذا في العفو عن المشركين قال نسخ ذلك كله بقوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( الآية وقاله ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن جرير عن السدي نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وما تقدموا لأنفسكم من خير ( يعني من الأعمال من الخير في الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) تجدوه عند الله ( قال تجدوا ثوابه
البقرة 111 113
البقرة : ( 111 ) وقالوا لن يدخل . . . . .
قوله ( هودا ) قال الفراء يجوز أن يكون هودا بمعنى يهوديا وأن يكون جمع هائد وقال الأخفش إن الضمير المفرد في كان هو باعتبار لظ من والجمع في قوله ( هودا ) باعتبار معنى من قيل في هذا الكلام حذف وأصله وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا هكذا قال كثير من المفسرين وسبقهم إلى ذلك بعض السلف وظاهر النظم القرآني أن طائفتي اليهود والنصارى وقع منهم هذا القول وأنهم يختصون بذلك دون غيرهم ووجه القول بأن في الكلام حذفا ما هو


"""""" صفحة رقم 130 """"""
معلوم من أن كل طائفة من هاتين الطائفتين تضلل الأخرى وتنفي عنها أنها على شيء من الدين فضلا عن دخول الجنة كما في هذا الموضع فإنه قد حكى الله عن اليهود أنها قالت ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء والأماني قد تقدم تفسيرها والإشارة بقوله تلك إلى ما تقدم لهم من الأماني التي آخرها أنه لا يدخل الجنة غيرهم وقيل إن الإشارة إلى هذه الأمنية الآخرة والتقدير أمثال تلك الأمنية أمانيهم على حذف المضاف ليطابق أمانيهم قوله ) هاتوا ( أصله هاتيوا حذفت الضمة لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ويقال للمفرد المذكر هات وللمؤنث هاتي وهو صوت بمعنى أحضر والبرهان الدليل الذي يحصل عنده اليقين قال ابن جرير طلب الدليل هنا يقتضي إثبات النظر ويرد على من ينفيه وقوله ) إن كنتم صادقين ( أي في تلك الأماني المجردة والدعاوى الباطلة
البقرة : ( 112 ) بلى من أسلم . . . . .
ثم رد عليهم فقال ) بلى من أسلم ( وهو إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة أي ليس كما يقولون بل يدخلها من أسلم وجهه لله ومعنى أسلم استسلم وقيل أخلص وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الأنسان ولأنه موضع الحواس الظاهرة وفيه يظهر العز والذل وقيل إن العرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء وأن المعنى هنا الوجه وغيره وقيل المراد بالوجه هنا المقصد أي من أخلص مقصده وقوله ) وهو محسن ( في محل نصب على الحال والضمير في قوله ) وجهه ( ) وله ( باعتبار لفظ من وفي قوله ) عليهم ( باعتبار معناها وقوله ) من ( إن كانت الموصولة فهي فاعل لفعل محذوف أي بلى يدخلها من أسلم وقوله ) فله ( معطوف على ) من أسلم ( وإن كانت من شرطية فقوله ) فله ( هو الجزاء ومجموع الشرط والجزاء رد على أهل الكتاب وإبطال لتلك الدعوى
البقرة : ( 113 ) وقالت اليهود ليست . . . . .
وقوله ) وقالت اليهود ( وما بعده فيه أن كل طائفة تنفي الخير عن الأخرى ويتضمن ذلك إثباته لنفسها تحجرا لرحمة الله سبحانه قال في الكشاف إن الشيء هو الذي يصح ويعتد به قال وهذه مبالغة عظيمة لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء وإذا نفى إطلاق اسم الشيء عليه فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده وهكذا قولهم أقل من لا شيء وقوله ) وهم يتلون الكتاب ( أي التوراة والإنجيل والجملة حالية وقيل المراد جنس الكتاب وفي هذا أعظم توبيخ وأشد تقريع لأن الوقوع في الدعاوى الباطلة والتكلم بما ليس عليه برهان هو وإن كان قبيحا على الإطلاق لكنه من أهل العلم والدراسة لكتب الله أشد قبحا وأفظع جرما وأعظم ذنبا وقوله ) كذلك قال الذين لا يعلمون ( المراد بهم كفار العرب الذين لا كتاب لهم قالوا مثل مقالة اليهود اقتداء بهم لأنهم جهلة لا يقدرون على غير التقليد لمن يعتقدون أنه من أهل العلم وقيل المراد بهم طائفة من اليهود والنصارى وهم الذين لا علم عندهم ثم أخبرنا سبحانه بأنه المتولي لفصل هذه الخصومة التي وقع فيها الخلاف عند الرجوع إليه فيعذب من يستحق التعذيب وينجي من يستحق النجاة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) وقالوا لن يدخل الجنة ( الآية قال قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ) تلك أمانيهم ( قال أماني يتمنونها على الله بغير الحق ) قل هاتوا برهانكم ( قال حجتكم ) إن كنتم صادقين ( بما تقولونه أنه كما تقولون ) بلى من أسلم وجهه لله ( يقول أخلص لله وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) قل هاتوا برهانكم ( قال حجتكم وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) بلى من أسلم وجهه ( قال أخلص دينه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شيء


"""""" صفحة رقم 131 """"""
وكفر بعيسى والإنجيل فقال له رجل من أهل نجران ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة قال فأنزل الله في ذلك ) وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ( أي كل يتلو في كتابه تصديق من كفره به وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال قلت لعطاء من هؤلاء الذي لا يعلمون قال هم أمم كانت قبل اليهود والنصارى وأخرج ابن جرير عن السدي قال هم العرب قالوا ليس محمد عل شيء
البقرة 114 115
البقرة : ( 114 ) ومن أظلم ممن . . . . .
هذا الاستفهام فيه أبلغ دلالة على أن هذا الظلم متناه وأنه بمنزلة لا ينبغي أن يلحقه سائر أنواع الظلم أي لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله واسم الاستفهام في محل رفع على الابتداء وأظلم خبره وقوله ) أن يذكر فيها اسمه ( قيل هو بدل من مساجد وقيل إنه مفعول له بتقدير كراهية أن يذكر وقيل إن التقدير من أن يذكر ثم حذف حرف الجر لطول الكلام وقيل إنه مفعول ثان لقوله ( منع ) والمراد بمنع المساجد أن يذكر فيها اسم الله منع من يأتي إليها للصلاة والتلاوة والذكر وتعليمه والمراد بالسعي في خرابها هو السعي في هدمها ورفع بنيانها ويجوز أن يراد بالخراب تعطيلها عن الطاعات التي وضعت لها فيكون أعم من قوله ) أن يذكر فيها اسمه ( فيشمل جميع ما يمنع من الأمور التي بنيت لها المساجد كتعلم العلم وتعليمه والقعود للاعتكاف وانتظار الصلاة ويجوز أن يراد ما هو أعم من الأمرين من باب عموم المجاز كما قيل في قوله تعالى ) إنما يعمر مساجد الله ( وقوله ) ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ( أي ما كان ينبغي لهم دخولها إلا حال خوفهم وفيه إرشاد للعباد من الله عز وجل أنه ينبغي لهم أن يمنعوا مساجد الله من أهل الكفر من غير فرق بين مسجد ومسجد وبين كافر وكافر كما يفيده عموم اللفظ ولا ينافيه خصوص السبب وأن يجعلوهم بحالة إذا أرادو الدخول كانوا على وجل وخوف من أن يفطن لهم أحد من المسلمين فينزلون بهم ما يوجب الإهانة والإذلال وليس فيه الإذن لنا بتمكينهم من ذلك حال خوفهم بل هو كناية عن المنع لهم منا عن دخول مساجدنا والخزي قيل هو ضرب الجزية عليهم وإذلالهم وقيل غير ذلك وقد تقدم تفسيره
البقرة : ( 115 ) ولله المشرق والمغرب . . . . .
والمشرق موضع الشروق والمغرب موضع الغروب أي هما ملك لله وما بينهما من الجهات والمخلوقات فيشمل الأرض كلها وقوله ) فأينما تولوا ( أي أي جهة تستقبلونها فهناك وجه الله أي المكان الذي يرتضي لكم استقباله وذلك يكون عند إلتباس جهة القبلة التي أمرنا بالتوجه إليها بقوله سبحانه ) فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ( قال في الكشاف والمعنى أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام أي في بيت المقدس فقد جعلت لكم الأرض مسجدا فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها وافعلوا التولية فيها فإن التولية ممكنة في كل مكان لا تختص أماكنها في مسجد دون مسجد ولا في مكان دون مكان انتهى وهذا التخصيص لا وجه له فإن اللفظ أوسع منه وإن كان المقصود به بيان السبب فلا بأس وقوله ) إن الله واسع عليم ( فيه إرشاد إلى سعة رحمته وأنه يوسع على عباده في دينهم ولا يكلفهم ما ليس


"""""" صفحة رقم 132 """"""
في وسعهم وقيل واسع بمعنى أنه يسع علمه كل شيء كما قال ) وسع كل شيء علما ( وقال الفراء الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن قريشا منعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل الله ) ومن أظلم ممن منع مساجد الله ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال هم النصارى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن السدي قال هم الروم كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس وفي قوله ) أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ( قال فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن يضرب عنقه وقد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها وفي قوله ) لهم في الدنيا خزي ( قال أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنهم الروم وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب أنهم النصارى لما أظهروا على بيت المقدس حرقوه وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال هم المشركون حين صدوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن البيت يوم الحديبية وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال ليس للمشركين أن يدخلوا المسجد إلا خائفين وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) لهم في الدنيا خزي ( قال يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا والله أعلم شأن القبلة قال الله تعالى ) ولله المشرق والمغرب ( الآية فاستقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله إلى البيت العتيق ونسخها فقال ) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ( وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به ثم قرأ ابن عمر هذه الآية ) فأينما تولوا فثم وجه الله ( وقال في هذا أنزلت هذه الآية وأخرج نحوه عنه ابن جرير والدارقطني والحاكم وصححه وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان يصلي على راحلته قبل المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة وصلى وروى نحوه من حديث أنس مرفوعا أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود وأخرج عبد بن حميد والترمذي وضعفه وابن ماجة وابن جرير وغيرهم عن عامر ابن ربيعة قال كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا فيصلي فيه فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة فقلنا يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة فأنزل الله ) ولله المشرق والمغرب ( الآية فقال مضت صلاتكم وأخرج الدارقطني وابن مردويه والبيهقي عن جابر مرفوعا نحوه إلا أنه ذكر أنهم خطوا خطوطا وأخرج نحوه ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا وأخرج نحوه أيضا سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء يرفعه وهو مرسل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فثم وجه الله ( قال قبلة الله اينما توجهت شرقا أو غربا وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر مثله وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر نحوه


"""""" صفحة رقم 133 """"""
البقرة 116 118
البقرة : ( 116 ) وقالوا اتخذ الله . . . . .
قوله ( وقالوا ) هم اليهود والنصارى وقيل اليهود أي قالوا عزير ابن الله وقيل النصارى أي المسيح ابن الله وقيل هم كفار العرب أي قالوا الملائكة بنات الله وقوله ( سبحانه ) قد تقدم تفسيره وهنا تبرؤ الله تعالى عما نسبوه إليه من اتخاذ الولد وقوله ( بل له ما في السموات والأرض ) رد على القائلين اتخذ ولدا أي بل هو مالك لما في السموات والأرض وهؤلاء القائلون داخلون تحت ملكه والولد من جنس لا من جنسه ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد والقانت المطيع الخاضع أي كل من في السموات والأرض مطيعون له خاضعون لعظمته خاشعون لجلاله والقنوت في أصل اللغة أصله القيام قال الزجاج فالخلق قانت أي قائمون بالعبودية إما إقرارا وإما أن يكونوا على خلاف ذلك فاثر الصنعة بين عليهم وقيل أصله الطائعين ومنه ) والقانتين والقانتات ( وقيل السكون ومنه قوله ) وقوموا لله قانتين ( ولهذا قال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت ) وقوموا لله قانتين ( فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وقيل القنوت الصلاة ومنه قول الشاعر قانتا لله يتلو كتبه
وعلى عمد من الناس اعتزل
والأولى أن القنوت لفظ مشترك بين معان كثيرة قيل هي ثلاثة عشر معنى وهي مبينة وقد نظمها بعض أهل العلم كما أوضحت ذلك في شرحي على المنتقى
البقرة : ( 117 ) بديع السماوات والأرض . . . . .
وبديع فعيل للمبالغة وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو مبدع سمواته وارضه أبدع الشيء أنشأه لا عن مثال وكل من أنشا ما لم يسبق قيل له مبدع وقوله ) وإذا قضى أمرا ( أي أحكمه وأتقنه قال الأزهري قضى في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامة قيل هو مشترك بين معان يقال قضى بمعنى خلق ومنه ) فقضاهن سبع سماوات ( وبمعنى أعلم ومنه ) وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ( وبمعنى أمر ومنه ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ( وبمعنى ألزم ومنه قضى عليه القاضي وبمعنى أوفاه ومنه ) فلما قضى موسى الأجل ( وبمعنى أراد ومنه ) فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( والأمر واحد الأمور وقد ورد في القرآن على أربعة عشر معنى الأول الدين ومنه ) حتى جاء الحق وظهر أمر الله ( الثاني بمعنى القول ومنه ) فإذا جاء أمرنا ( الثالث العذاب ومنه ولما قضى العذاب الرابع عيسى ومنه ) فإذا قضى أمرا ( أي أوجد عيسى عليه السلام الخامس القتل ومنه ) فإذا جاء أمر الله ( السادس فتح مكة ومنه ) فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ( السابع قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير ومنه ) فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ( والثامن القيامة ومنه ) أتى أمر الله ( التاسع القضاء ومنه ) يدبر الأمر ( العاشر الوحي ومنه ) يتنزل الأمر بينهن ( الحادي عشر أمر الخلائق ومنه ) ألا إلى الله تصير الأمور ( الثاني عشر النصر ومنه ) هل لنا من الأمر من شيء ( والثالث عشر الذنب ومنه ) فذاقت وبال أمرها (


"""""" صفحة رقم 134 """"""
الرابع عشر الشأن ومنه ) وما أمر فرعون برشيد ( هكذا أورد هذه المعاني بأطول من هذا بعض المفسرين وليس تحت ذلك كثير فائدة وإطلاقه على الأمور المختلفة لصدق اسم الأمر عليها وقوله ) فإنما يقول له كن فيكون ( الظاهر في هذا المعنى الحقيقي وأنه يقول سبحانه هذا اللفظ وليس في ذلك مانع ولا جاء ما يوجب تأويله ومنه قوله تعالى ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( وقال تعالى ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( وقال ) وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ( ومنه قول الشاعر إذا ما أراد الله امرا فإنما
يقول له كن قوله فيكون
وقد قيل إن ذلك مجاز وانه لا قول وإنما هو قضاء يقضيه فعبر عنه بالقول ومنه قول الشاعر وهو عمر ابن حممة الدوسي فأصبحت مثل النسر طار فراخه
إذا رام تطيارا يقال له قع
وقال آخر قالت جناحاه لساقيه الحقا
ونجيا لحكمكما أن يمزقا
البقرة : ( 118 ) وقال الذين لا . . . . .
والمراد بقوله ) وقال الذين لا يعلمون ( اليهود وقيل النصارى ورجحه ابن جرير لأنهم المذكورون في الآية وقيل مشركو العرب و ( لولا ) حرف تحضيض أي هلا ( يكلمنا الله ) بنبوة محمد فنعلم أنه نبي ( أو تأتينا ) بذلك علامة على نبوته والمراد بقوله ) قال الذين من قبلهم ( قيل هم اليهود والنصارى في قول من جعل الذين لا يعلمون كفار العرب أو الأمم السالفة في قول من جعل الذين لا يعلمون اليهود والنصارى أو اليهود في قول من جعل الذي لا يعلمون النصارى ( تشابهت ) أي في التعنت والاقتراح وقال الفراء ( تشابهت ) في اتفاقهم على الكفر ) قد بينا الآيات لقوم يوقنون ( أي يعترفون بالحق وينصفون في القول ويذعنون لأوامر الله سبحانه لكونهم مصدقين له سبحانه مؤمنين بآياته متبعين لما شرعه لهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال قال الله تعالى ( كذبني ابن آدم وشتمني فأما تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا ) وأخرج نحوه أيضا من حديث أبي هريرة وفي الباب أحاديث وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) سبحان الله ( قال تنزيه الله نفسه عن السوء وأخرج عبدالرزاق وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن موسى بن طلحة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان سبحان الله قال برأه الله من السوء وأخرجه الحاكم وصححه ابن مردويه والبيهقي من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه عن جده طلحة بن عبيدالله قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن تفسير سبحان الله فقال هو تنزيه الله من كل سوء وأخرجه ابن مردويه عنه من طريق أخرى مرفوعا وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والضياء في المختارة عن أبي سعيد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( كل له قانتون ) قال مطيعون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) بديع السماوات والأرض ( يقول ابتدع خلقهما ولم يشركه في خلقهما أحد وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال رافع بن حريملة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله


"""""" صفحة رقم 135 """"""
فليكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله في ذلك ) وقال الذين لا يعلمون ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنهم كفار العرب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال هم النصارى والذين من قبلهم يهود
البقرة 119 121
البقرة : ( 119 ) إنا أرسلناك بالحق . . . . .
قوله ( بشيرا ونذيرا ) يحتمل أن يكون منصوبا على الحال ويحتمل أن يكون مفعولا له أي أرسلناك لأجل التبشير والإنذار وقوله ( ولا تسئل ) قرأه الجمهور بالرفع مبنيا للمجهول أي حال كونك غير مسئول وقرىء بالرفع مبنيا للمعلوم قال الأخفش ويكون في موضع الحال عطفا على ( بشيرا ونذيرا ) أي حال كونك غير سائل عنهم لأن علم الله بكفرهم بعد إنذارهم يغني عن سؤاله عنهم وقرأ نافع ( ولا تسئل ) بالجزم أي لا يصدر منك السؤال عن هؤلاء أو لا يصدر منك السؤال عمن مات منهم على كفره ومعصيته تعظيما لحاله وتغليظا لشأنه أي أن هذا أمر فظيع وخطب شنيع يتعاظم المتكلم أن يجريه على لسانه أو يتعاظم السامع أن يسمعه
البقرة : ( 120 ) ولن ترضى عنك . . . . .
قوله ) ولن ترضى عنك اليهود ( الآية أي ليس غرضهم ومبلغ الرضا منهم ما يقترحونه عليك من الآيات ويوردونه من التعنتات فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون وأوجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتبع ملتهم والملة اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه على ألسن أنبيائه وهكذا الشريعة ثم رد عليهم سبحانه فأمره بأن يقول لهم ) إن هدى الله هو الهدى ( الحقيقي لا ما أنتم عليه من الشريعة المنسوخة والكتب المحرفة ثم اتبع ذلك بوعيد شديد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن اتبع أهواءهم وحاول رضاهم وأتعب نفسه في طلب ما يوافقهم ويحتمل أن يكون تعريضا لأمته وتحذيرا لهم أن يواقعوا شيئا من ذلك أو يدخلوا في أهوية أهل الملل ويطلبوا رضا أهل البدع وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب وتتصدع منه الأفئدة ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه والقائمين ببيان شرائعه ترك الدهان لأهل البدع المتمذهبين بمذاهب السوء التاركين للعمل بالكتاب والسنة المؤثرين لمحض الرأي عليهما فإن غالب هؤلاء وإن أظهر قبولا وأبان من أخلاقه لينا لا يرضيه إلا اتباع بدعته والدخول في مداخله والوقوع في حبائله فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه وسنة رسوله لا ما هم عليه من تلك البدع التي هي ضلالة محضة وجهالة بينة ورأي منهار وتقليد على شفا جرف هار فهو إذ ذاك ما له من الله من ولي ولا نصير ومن كان كذلك فهو مخذول لا محالة وهالك بلا شك ولا شبهة
البقرة : ( 121 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
وقوله ) الذين آتيناهم الكتاب ( قيل هم المسلمون والكتاب هو القرأن وقيل من أسلم من أهل الكتاب والمراد بقوله ) يتلونه ( أنهم يعملون بما فيه فيحللون حلاله


"""""" صفحة رقم 136 """"""
ويحرمون حرامه فيكون من تلاه يتلوه إذا اتبعه ومنه قوله تعالى ) والقمر إذا تلاها ( أي اتبعها كذا قيل ويحتمل أن يكون من التلاوة أي يقرءونه حق قراءته لا يحرفونه ولا يبدلونه وقوله ) الذين آتيناهم الكتاب ( مبتدأ وخبره ) يتلونه ( أو الخبر قوله ) أولئك ( مع ما بعده
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ليت شعري ما فعل أبواي ) فنزل ) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ( فما ذكرهما حتى توفاه الله قال السيوطي هذا مرسل ضعيف الإسناد ثم رواه من طريق ابن جرير عن داود بن أبي عاصم مرفوعا وقال هو معضل الإسناد ضعيف لا تقوم به ولا بالذي قبله حجة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال ( الجحيم ) ما عظم من النار وأخرج الثعلبي عن ابن عباس قال إن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم وايسوا منه أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله ) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ( الآية
وأخرج عبدالرزاق عن قتادة في قوله ) الذين آتيناهم الكتاب ( قال هم اليهود والنصارى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) يتلونه حق تلاوته ( قال يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه وأخرجوا عنه أيضا يتبعونه حق اتباعه ثم قرءوا والقمر إذا تلاها يقول اتبعها وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال في قوله ) يتلونه حق تلاوته ( إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار وأخرج الخطيب في كتاب الرواة بسند فيه مجاهيل عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) يتلونه حق تلاوته ( قال يتبعونه حق اتباعه وكذا قال القرطبي في تفسيره أن في إسناده مجاهيل قال لكن معناه صحيح وأخرج عبدالرزاق وابن جرير من طرق عن ابن مسعود في تفسيره هذه الآية مثل ما سبق عن ابن عباس في قوله يحلون حلاله إلى آخره وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال يتكلمون به كما أنزل ولا يكتمونه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في هذه الآية قال هم أصحاب محمد ثم حكى نحو ذلك عن عمر بن الخطاب وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن في قوله ) يتلونه حق تلاوته ( قال يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه
البقرة 122 124
البقرة : ( 122 - 123 ) يا بني إسرائيل . . . . .
قوله ) يا بني إسرائيل ( إلى قوله ولا هم ينصرون ) قد سبق مثل هذا في صدر السورة وتقدم تفسيره ووجه التكرار الحث على اتباع الرسول النبي الأمي ذكر معناه ابن كثير في تفسيره وقال البقاعي في تفسيره إنه لما طال المدى استقصاء تذكيرهم بالنعم ثم في بيان عوارهم وهتك أستارهم وختم ذلك بالترهيب لتضييع


"""""" صفحة رقم 137 """"""
أديانهم بأعمالهم وأحوالهم وأقوالهم أعاد ما صدر به قصتهم من التذكير بالنعم والتحذير من حلول النقم يوم تجمع الأمم ويدوم فيه الندم لمن زلت به القدم ليعلم ان ذلك فذلكة القصة والمقصود بالذات الحث على انتهاز الفرصة انتهى واقول ليس هذا بشيء فإنه لو كان سبب التكرار ما ذكره من طول المدى وأنه أعاد ما صدر به قصتهم لذلك لكان الأولى بالتكرار والأحق بإعادة الذكر هو قوله سبحانه ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ( فإن هذه الآية مع كونها أول الكلام معهم والخطاب لهم في هذه السورة هي أيضا أولى بأن تعاد وتكرر لما فيها من الأمر بذكر النعم والوفاء بالعهد والرهبة لله سبحانه وبهذا تعرف صحة ما قدمناه لك عند أن شرع الله سبحانه في خطاب بني إسرائيل من هذه السورة فراجعه ثم حكى البقاعي بعد كلامه السابق عن الحوالي أنه قال كرره تعالى إظهارا لمقصد إلتئام آخر الخطاب بأوله وليتخذ هذا الإفصاح والتعليم أصلا لما يمكن بأن يرد من نحوه في سائر القرآن حتى كان الخطاب إذا انتهى إلى غاية خاتمه يجب أن يلحظ القلب بذاته تلك الغاية فيتلوها ليكون في تلاوته جامعا لطرفي الثناء وفي تفهيمه جامعا لمعاني طرفي المعنى انتهى وأقول لو كان هذا هو سبب التكرار لكان الأولى به ما عرفناك وأما قوله وليتخذ ذلك أصلا لما يرد من التكرار في سائر القرآن فمعلوم أن حصول هذا الأمر في الأذهان وتقرره في الأفهام لا يختص بتكرير آية معينة يكون افتتاح هذا المقصد بها فلم تتم حينئذ النكتة في تكرير هاتين الآيتين بخصوصهما ولله الحكمة البالغة التي لا تبلغها الأفهام ولا تدركها العقول فليس في تكليف هذه المناسبات المتعسفة إلا ما عرفناك به هناك فتذكر
البقرة : ( 124 ) وإذ ابتلى إبراهيم . . . . .
قوله ( وإذ ابتلى ) الإبتلاء الإمتحان والاختبار أي ابتلاه بما أمره به و ( إبراهيم ) معناه في السريانية أب رحيم كذا قال الماوردي قال ابن عطية ومعناه في العربية كذلك قال السهيلي وكثيرا ما يقع الإتفاق بين السرياني والعربي وقد أورد صاحب الكشاف هنا سؤالا في رجوع الضمير إلى إبراهيم مع كون رتبته التأخير وأجاب عنه بأنه قد تقدم لفظا فرجع إليه والأمر في هذا أوضح من أن يشتغل بذكره أو ترد في مثله الأسئلة أو يسود وجه القرطاس بإيضاحه وقوله ( بكلمات ) قد اختلف العلماء في تعيينها فقيل هي شرائع الإسلام وقيل ذبح ابنه وقيل أداء الرسالة وقيل هي خصال الفطرة وقيل هي قوله ) إني جاعلك للناس إماما ( وقيل بالطهارة كما سيأتي بيانه قال الزجاج وهذه الأقوال ليس بمتناقضة لأن هذا كله مما ابتلى به إبراهيم انتهى وظاهر النظم القرآني أن الكلمات هي قوله ) قال إني جاعلك ( وما بعده ويكون ذلك بيانا للكلمات وسيأتي عن بعض السلف ما يوافق ذلك وعن آخرين ما يخالفه وعلى هذا فيكون قوله ) قال إني جاعلك ( مستأنفا كأنه ماذا قال له وقال ابن جرير ما حاصله إنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ذلك وجائز أن يكون بعض ذلك ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له ثم قال فلو قال قائل إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب يعني أن الكلمات هي قوله ) إني جاعلك للناس إماما ( وقوله ) وعهدنا إلى إبراهيم ( وما بعده ورجح ابن كثير أنها تشمل جميع ما ذكر وسيأتي التصريح بما هو الحق بعد إيراد ما ورد عن السلف الصالح وقوله ) فأتمهن ( أي قام بهن أتم قيام وامتثل أكمل امتثال والإمام هو ما يؤتم به ومنه قيل للطريق إمام وللبناء إمام لأنه يؤتم بذلك أي يهتدي به السالك والإمام لما كان هو القدوة للناس لكونهم يأتمون به ويهتدون بهديه أطلق عليه هذا اللفظ وقوله ) ومن ذريتي ( يحتمل أن يكون ذلك دعاء من إبراهيم أي واجعل من ذريتي أئمة ويحتمل أن يكون هذا من إبراهيم بقصد الاستفهام وإن لم يكن بصيغته أي ومن


"""""" صفحة رقم 138 """"""
ذريتي ماذا يكون يا رب فأخبره أن فيهم عصاة وظلمة وأنهم لا يصلحون لذلك ولا يقومون به ولا ينالهم عهد الله سبحانه والذرية مأخوذة من الذر لأن الله أخرج الخلق من ظهر آدم حين أشهدهم على أنفسهم كالذر وقيل مأخوذة من ذرأ الله الخلق يذرؤهم إذا خلقهم وفي الكتاب العزيز ) فأصبح هشيما تذروه الرياح ( قال في الصحاح ذرت الريح السحاب وغيره تذروه وتذريه ذروا وذريا أي نسفته وقال الخليل إنما سمعوا ذرية لأن الله تعالى ذرأها على الأرض كما ذرأ الزارع البذر واختلف في المراد بالعهد فقيل الإمامة وقيل النبوة وقيل عهد الله أمره وقيل الأمان من عذاب الآخر ورجحه الزجاج والأول أظهر كما يفيده السياق وقد استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لابد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد لأنه إذا زاغ عن ذلك كان ظالما ويمكن أن ينظر إلى ما يصدق عليه اسم العهد وما تفيده الإضافة من العموم فيشمل جميع ذلك اعتبارا بعموم اللفظ من غير نظر إلى السبب ولا إلى السياق فيستدل به على إشتراط السلامة من وصف الظلم في كل من تعلق بالأمور الدينية وقد اختار ابن جرير أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل أنه سيوجد من ذريته من هو ظالم لنفسه انتهى ولا يخفاك أنه لا جدوى لكلامه هذا فالأولى أن يقال إن هذا الخبر في معنى الأمر لعباده أن لا يولوا أمور الشرع ظالما وإنما قلنا إنه في معنى الأمر لأن أخباره تعالى لا يجوز أن تتخلف وقد علمنا أنه قد نال عهده من الإمامة وغيرها كثيرا من الظالمين
البقرة : ( 125 ) وإذ جعلنا البيت . . . . .
قوله ) وإذ جعلنا البيت ( هو الكعبة غلب عليه كما غلب النجم على الثريا و ( مثابة ) مصدر من ثاب يثوب مثابا ومثابة أي مرجعا يرجع الحجاج إليه بعد تفرقهم عنه ومنه قول ورقة بن نوفل في الكعبة مثاب لأقفاء القبائل كلها
تخب إليها اليعملات الذوابل
وقرأ الأعمش ( مثابات ) وقيل المثابة من الثواب أي يثابون هنالك وقال مجاهد المراد أنهم لا يقضون منه أوطارهم قال الشاعر جعل البيت مثابات له
ليس منه الدهر يقضون الوطر
قال الأخفش ودخلت الهاء لكثرة من يثوب إليه فهي كعلامة ونسابة وقال غيره هي للتأنيث وليست للمبالغة وقوله ( وأمنا ) هو اسم مكان أي موضع أمن وقد استدل بذلك جماعة من أهل العلم على أنه لا يقام الحد على من لجأ إليه ويؤيد ذلك قوله تعالى ) ومن دخله كان آمنا ( وقيل إن ذلك منسوخ وقوله ) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( قرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على أنه فعل ماض أي جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوه مصلى وقرأ الباقون على صيغة الأمر عطفا على اذكروا المذكور أول الآيات أو على اذكروا المقدر عاملا في قوله ( وإذ ) ويجوز أن يكون على تقدير القول أي وقلنا اتخذوا والمقام في اللغة موضع القيام قال النحاس وهو من قام يقوم يكون مصدرا واسما للموضع ومقام من أقام وليس من هذا قول الشاعر وفيهم مقامات حسان وجوهها
وأندية ينتابها القول والفعل
لأن معناه أهل مقامات واختلف في تعيين المقام على أقوال أصحها أنه الحجر الذي يعرفه الناس ويصلون عنده ركعتي الطواف وقيل المقام الحج كله روى ذلك عن عطاء ومجاهد وقيل عرفة والمزدلفة روى عن عطاء أيضا وقال الشعبي الحرم كله مقام إبراهيم وروى عن مجاهد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي


"""""" صفحة رقم 139 """"""
في سننه عن ابن عباس في قوله ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه ( قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس قص الشارب والمضمضة والإستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عنه نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه وابن عساكر عنه قال ما ابتلى أحد بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم وقرأ هذه الآية فقيل له ما الكلمات قال سهام الإسلام ثلاثون سهما عشرة في براءة ( التائبون العابدون ) إلى آخر الآية وعشرة في أول سورة قد أفلح وسأل سائل والذين يصدقون بيوم الدين الآيات وعشرة في الأحزاب ( إن المسلمين ) إلى آخر الآية ( فأتمهن ) كلهن فكتب له براءة قال تعالى ) وإبراهيم الذي وفى ( واخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم عنه قال منهن مناسك الحج واخرج ابن جرير عنه قال الكلمات ) إني جاعلك للناس إماما ( ) وإذ يرفع إبراهيم القواعد ( والآيات في شأن المناسك والمقام الذي جعل لإبراهيم والرزق الذي رزق ساكنو البيت وبعث محمد في ذريتهما وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد في قوله ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ( قال ابتلى بالآيات التي بعدها وأخرجا أيضا عن الشعبي مثله وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر بفارقتهم ومحاجته نمروذ في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلاقهم وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرقوه في الله والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده حين أمره بالخروج عنهم وما أمره به من الضيافة والصبر عليها وما ابتلى به من ذبج ولده فلما مضى على ذلك كله ( قال ) الله له ) أسلم قال أسلمت لرب العالمين ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال ابتلاه بالكوكب فرضي عنه وابتلاه بالقمر فرضي عنه وابتلاه بالشمس فرضي عنه وابتلاه بالهجرة فرضي عنه وابتلاه بالختان فرضي عنه وابتلاه بابنه فرضي عنه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( فأتمهن ) قال فأداهن وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من فطرة إبراهيم السواك ) قلت وهذا على تقدير أن إسناده إلى عطاء صحيح فهو مرسل لا تقوم به الحجة ولا يحل الاعتماد على مثله في تفسيره كلام الله سبحانه وهكذا لا يحل الاعتماد على مثل ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد قال من فطرة إبراهيم غسل الذكر والبراجم ومثل ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه قال ست من فطرة إبراهيم قص الشارب والسواك والفرق وقص الأظفار والاستنجاء وحلق العانة قال ثلاثة في الرأس وثلاثة في الجسد وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيح وغيره من طريق جماعة من الصحابة مشروعية تلك العشر لهذه الأمة ولم يصح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنها الكلمات التي ابتلى بها إبراهيم وأحسن ما روى عنه ما أخرجه الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقص أو يأخذ من شاربه قال وكان خليل الرحمن إبراهيم يفعله ولا يخفاك أن فعل الخليل له لا يستلزم أنه من الكلمات التي ابتلى بها وإذا لم يصح شيء عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا جاءنا من طريق تقوم بها الحجة تعيين تلك الكلمات لم يبق لنا إلا أن نقول إنها ما ذكره الله سبحانه في كتابه بقوله ) قال إني جاعلك ( إلى آخر الآيات ويكون ذلك بيانا للكلمات أو السكوت وإحالة العلم في ذلك على الله سبحانه وأما روي عن ابن عباس ونحوه من الصحابة من بعدهم


"""""" صفحة رقم 140 """"""
في تعيينها فهو أولا أقوال الصحابة لا تقوم بها الحجة فضلا عن أقوال من بعدهم وعلى تقدير أنه لا مجال للإجتهاد في ذلك وأن له حكم الرفع فقد اختلفوا في التعيين اختلافا يمتنع معه العمل ببعض ما روى عنهم دون البعض الآخر بل اختلفت الروايات عن الواحد منهم كما قدمنا عن ابن عباس فكيف يجوز العمل بذلك وبهذا تعرف ضعف قول من قال إنه يصار إلى العموم ويقال تلك الكلمات هي جميع ما ذكر هنا فإن هذا يستلزم تفسير كلام الله بالضعيف والمتناقض وما لا تقوم به الحجة وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ) قال إني جاعلك للناس إماما ( يقتدى بدينك وهديك وسنتك ) قال ومن ذريتي ( إماما لغير ذريتي ) قال لا ينال عهدي الظالمين ( أن يقتدي بدينهم وهديهم وسنتهم وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عنه قال قال الله لإبراهيم ) إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ( فأبى أن يفعل ثم قال ) لا ينال عهدي الظالمين ( وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال هذا عند الله يوم القيامة لا ينال عهده ظالما فأما في الدنيا فقد نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في تفسير الآية أنه قال لا أجعل إماما ظالما يقتدى به وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال يخبره أنه إن كان في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي له أن يوليه شيئا من أمره وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أنه قال ليس لظالم عليك عهد في معصية الله وقد أخرج وكيع وابن مردويه من حديث علي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) لا ينال عهدي الظالمين ( قال لا طاعة إلا في المعروف إسناده عند ابن مردويه هكذا قال حدثنا عبدالرحمن بن محمد بن حامد حدثنا أحمد بن عبدالله ابن سعد الأسدي حدثنا سليم بن سعيد الدامغاني حدثنا وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبدالرحمن السلمي عن علي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج عبد بن حميد من حديث عمران بن حصين سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول لا طاعة لمخلوق في معصية الله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية ليس للظالم عهد وإن عاهدته فانقضه قال ابن كثير وروى عن مجاهد وعطاء ومقاتل وابن حبان نحو ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) مثابة للناس وأمنا ( قال يثوبون إليه ثم يرجعون وأخرج ابن جرير عنه أنه قال لا يقضون منه وطرا يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( وأمنا ) قال أمنا للناس وأخرج البخاري وغيره من حديث أنس عن عمر بن الخطاب قال وافقت ربي في ثلاث ووافقني ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نساؤه في الغيرة فقلت لهن ) عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ( فنزلت كذلك وأخرجه مسلم وغيره مختصرا من حديث ابن عمر عنه وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ثم قرأ ) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( وفي مقام إبراهيم عليه السلام أحاديث كثيرة مستوفاة في الأمهات وغيرها والأحاديث الصحيحة تدل على أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل به ليقوم فوقه كما في البخاري من حديث ابن عباس وهو الذي كان ملصقا بجدار الكعبة وأول من نقله عمر بن الخطاب كما


"""""" صفحة رقم 141 """"""
أخرجه عبدالرزاق والبيهقي بإسناد صحيح وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق مختلفة وأخرج ابن أبي حاتم من حديث جابر في وصف حج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما طاف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له عمر هذا مقام إبراهيم قال نعم وأخرج نحوه ابن مردويه
البقرة 125 128
قوله ) عهدنا ( معناه هنا أمرنا أو أوجبنا وقوله ) أن طهرا ( في موضع نصب بنزع الخافض أي بأن طهرا قاله الكوفيون وقال سيبويه هو بتقدير أي المفسرة أي أن طهرا فلا موضع لها من الإعراب والمراد بالتطهير قيل من الأوثان وقيل من الآفات والريب وقيل من الكفار وقيل من النجاسات وطواف الجنب والحائض وكل خبيث والظاهر أنه لا يختص بنوع من هذه الأنواع وأن كل ما يصدق عليه مسمى التطهير فهو يتناوله إما تناولا شموليا أو بدليا والإضافة في قوله ) بيتي ( للتشريف والتكريم وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأهل المدينة وهشام وحفص ( بيتي ) بفتح الياء وقرأ الآخرون بإسكانها والطائف الذي يطوف به وقيل الغريب الطارىء على مكة والعاكف المقيم وأصل العكوف في اللغة اللزوم والإقبال على الشيء وقيل هو المجاور دون المقيم من أهلها والمراد بقوله ) والركع السجود ( المصلون وخص هذين الركنين بالذكر لأنهما أشرف أركان الصلاة
البقرة : ( 126 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
وقوله ) وإذ قال إبراهيم ( ستأتي الأحاديث الدالة على أن إبراهيم هو الذي حرم مكة والأحاديث الدالة على أن الله حرمها يوم خلق السموات والأرض والجمع بين هذه الأحاديث في هذا البحث وقوله ( بلدا آمنا ) أي مكة والمراد الدعاء لأهله من ذريته وغيرهم كقوله عيشة راضية أي راض صاحبها وقوله ( من آمن ) بدل من قول أهله أي أرزق من آمن من أهله دون من كفر وقوله ) ومن كفر ( الظاهر أن هذا من كلام الله سبحانه ردا على إبراهيم حيث طلب الرزق للمؤمنين دون غيرهم أي وأرزق من كفر فامتعه بالرزق قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار ويحتمل أن يكون كلاما مستقلا بيانا لحال من كفر ويكون في حكم الإخبار عن حال الكافرين بهذه الجملة الشرطية أي من كفر فإني أمتعه في هذه الدنيا بما يحتاجه من الرزق ) ثم أضطره ( بعد هذا التمتيع ) إلى عذاب النار ( فأخبر سبحانه أنه لا ينال الكفرة من الخير إلا تمتيعهم في هذه الدنيا وليس لهم بعد ذلك إلا ما هو شر محض وهو عذاب النار وأما على قراءة من قرأ ( فأمتعه ) بصيغة الأمر وكذلك قوله ) ثم أضطره ( بصيغة الأمر فهي مبنية على أن ذلك من جملة كلام إبراهيم وأنه لما فرغ من الدعاء للمؤمنين دعا للكافرين بالإمتاع قليلا ثم دعا عليهم بأن يضطرهم إلى عذاب النار ومعنى ) أضطره ( ألزمه حتى صار


"""""" صفحة رقم 142 """"""
مضطرا لذلك لا يجد عنه مخلصا ولا منه متحولا
البقرة : ( 127 ) وإذ يرفع إبراهيم . . . . .
قوله ) وإذ يرفع ( هو حكاية لحال ماضيه استحضارا لصورتها العجيبة والقواعد الأساس قاله أبو عبيدة والفراء وقال الكسائي هي الجدر والمراد برفعها رفع ما هو مبني فوقها لا رفعها في نفسها فإنها لم ترتفع لكنها لما كانت متصلة بالبناء المرتفع فوقها صارت كأنها مرتفعة بارتفاعه كما يقال ارتفع البناء ولا يقال ارتفع أعالى البناء ولا أسافله قوله ) ربنا تقبل منا ( في محل الحال بتقدير القول أي قائلين ربنا وقرأ أبي وابن مسعود ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت إسماعيل ويقولان ربنا تقبل منا
البقرة : ( 128 ) ربنا واجعلنا مسلمين . . . . .
وقوله ) واجعلنا مسلمين لك ( أي اجعلنا ثابتين عليه أو زدنا منه قيل المراد بالإسلام هنا مجموع الإيمان والأعمال وقوله ( ومن ذريتنا ) أي واجعل من ذريتنا و ( من ) للتبعيض أو للتبيين وقال ابن جرير إنه أراد بالذرية العرب خاصة وكذا قال السهيلي قال ابن عطية وهذا ضعيف لأن دعوته ظهرت في العرب وغيرهم من الذين آمنوا به والأمة الجماعة في هذا الموضع وقد تطلق على الواحد ومنه قوله تعالى ) إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ( وتطلق على الدين ومنه ) إنا وجدنا آباءنا على أمة ( وتطلق على الزمان ومنه ) وادكر بعد أمة ( وقوله ) وأرنا مناسكنا ( هي من الرؤية البصرية وقرأ عمر بن عبدالعزيز وقتادة وابن كثير وابن محيصن وغيرهم ) أرنا ( بسكون الراء ومنه قول الشاعر أرنا إداوة عبدالله يملؤها
من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا
والمناسك جمع نسك وأصله في اللغة الغسل يقال نسك ثوبه إذا غسله وهو في الشرع اسم للعبادة والمراد هنا مناسك الحج وقيل مواضع الذبح وقيل جميع المتعبدات وقوله ) وتب علينا ( قيل المراد بطلبهما للتوبة التثبيت لأنهما معصومان لا ذنب لهما وقيل المراد تب على الظلمة منا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن عطاء قال ) وعهدنا إلى إبراهيم ( أي أمرناه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أن طهرا بيتي ( قال من الأوثان وأخرج أيضا عن مجاهد وسعيد بن جبير مثله وزادوا الريب وقول الزور والرجس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إذا كان قائما فهو من الطائفين وإذا كان جالسا فهو من العاكفين وإذا كان مصليا فهو من الركع السجود وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن الذين ينامون في المسجد فقال هم العاكفون وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها ) كما أخرج أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم من حديث جابر وقد روى هذا المعنى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من طريق جماعة من الصحابة منهم رافع بن خديج عند مسلم وغيره ومنهم أبو قتادة عند أحمد ومنهم أنس عن الشيخين ومنهم أبو هريرة عند مسلم ومنهم علي أبي طالب عند الطبراني في الأوسط ومنهم أسامة بن زيد عن أحمد والبخاري ومنهم عائشة عند البخاري وثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض وهي حرام إلى يوم القيامة ) أخرجه البخاري تعليقا وابن ماجة من حديث صفية بنت شيبة وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس وأخرجه الشيخان وأهل السنن من حديث أبي هريرة وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا ولا تعارض بين هذه الأحاديث فإن إبراهيم عليه السلام لما بلغ الناس أن الله حرمها وأنها لم تزل حرما آمنا نسب إليه أنه حرمها أي أظهر للناس حكم الله فيها وإلى هذا الجمع ذهب ابن عطية وابن كثير وقال ابن جرير


"""""" صفحة رقم 143 """"""
إنها كانت حراما ولم يتعبد الله الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم وتعبدهم بذلك انتهى وكلا الجمعين حسن وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم فقال ) وارزق أهله من الثمرات ( نقل الله الطائف من فلسطين وأخرج نحوه ابن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري وأخرج نحوه أيضا الأزرقي عن بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم وقد أخرج الأزرقي نحوها مرفوعا من طريق محمد بن المنكدر وأخرج أيضا عن محمد بن كعب القرظي قال دعا إبراهيم للمؤمنين وترك الكفار ولم يدع لهم بشيء قال الله ( ومن كفر فأمتعه ) الآية وأخرج نحوه سفيان بن عيينة عن مجاهد وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) من آمن منهم بالله ( قال كأن إبراهيم احتجرها على المؤمنين دون الناس فأنزل الله ) ومن كفر ( أيضا فأنا ارزقهم كما أرزق المؤمنين أخلق خلقا لا أرزقهم أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى عذاب النار ثم قرأ ابن عباس ) كلا نمد هؤلاء وهؤلاء ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال قال أبي بن كعب في قوله ) ومن كفر ( أن هذا من قول الرب وقال ابن عباس هذا من قول إبراهيم يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال القواعد أساس البيت وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وغيرهم عن سعيد بن جبير قصة مطولة وآخرها في بناء البيت قال فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ) ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ( وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإذ يرفع إبراهيم القواعد ( قال القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك وقد أكثر المفسرون في تفسير هذه الآية من نقل أقوال السلف في كيفية بناء البيت ومن أي أحجار الأرض بنى وفي أي زمان عرف ومن حجه وما ورد فيه من الأدلة الدالة على فضله أو فضل بعضه كالحجر الأسود وفي الدر المنثور من ذلك ما لم يكن في غيره فليرجع إليه وفي تفسير ابن كثير بعض من ذلك ولما لم يكن ما ذكروه متعلقا بالتفسير لم نذكره وأخرج ابن أبي حاتم عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية ) ربنا واجعلنا مسلمين لك ( قال كانا مسلمين ولكن سألاه الثبات وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالكريم قال مخلصين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ومن ذريتنا ( قال يعنيان العرب وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن مجاهد قال قال إبراهيم رب أرنا مناسكنا فأتاه جبريل فأتى به البيت فقال ارفع القواعد فرفع القواعد وأتم البنيان ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به نحو مني فلما كان عند العقبة فإذا إبليس قائم عند الشجرة فقال كبر وارمه فكبر ورماه فذهب إبليس حتى أتى الجمرة الوسطى ففعل به إبراهيم كما فعل في الأولى ثم كذلك في الجمرة الثالثة ثم أخذ جبريل بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام فقال هذا المشعر الحرام ثم ذهب حتى أتى به عرفات قال وقد عرفت ما أريتك قالها ثلاثا قال نعم قال فأذن في الناس بالحج قال كيف أؤذن قال قل يا ( أيها الناس أجيبوا ربكم ثلاث مرات فأجاب العباد لبيك اللهم لبيك فمن أجاب إبراهيم يومئذ من الخلق فهو حاج وأخرج ابن جرير من طريق ابن المسيب عن علي قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال قد فعلت أي رب فأرنا مناسكنا أبرزها لنا علمناها فبعث الله جبريل فحج به وفي الباب آثار كثيرة عن السلف من الصحابة ومن بعدهم تتضمن أن جبريل أرى إبراهيم المناسك وفي أكثرها أن الشيطان تعرض له كما تقدم عن


"""""" صفحة رقم 144 """"""
مجاهد وقد أخرج ابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس نحو ذلك وكذلك أخرج عنه أحمد وابن أبي حاتم والبيهقي
البقرة 129 132
البقرة : ( 129 ) ربنا وابعث فيهم . . . . .
الضمير في قوه ) وابعث فيهم ( راجع إلى الأمة المسلمة المذكورة سابقا وقرأ أبي ( وابعث في آخرهم ) ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الذرية وقد أجاب الله لإبراهيم عليه السلام هذه الدعوة فبعث في ذريته ( رسولا منهم ) وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقد أخبر عن نفسه بأنه دعوة إبراهيم كما سيأتي تخريج ذلك إن شاء الله ومراده هذه الدعوة والرسول هو المرسل قال ابن الأنباري يشبه أن يكون أصله ناقة مرسال ورسلة إذا كانت سهلة السير ماضية أما النوق ويقال جاء القوم ارسالا أي بعضهم في اثر بعض والمراد بالكتاب القرآن والمراد بالحكمة المعرفة بالدين والفقه في التأويل والفهم للشريعة وقوله ( يزكيهم ) أي يطهرهم من الشرك وسائر المعاصي وقيل إن المراد بالآيات ظاهر الألفاظ والكتاب معانيها والحكمة الحكم وهو مراد الله بالخطاب والعزيز الذي لا يعجزه شيء قاله ابن كيسان وقال الكسائي ( العزيز ) الغالب
البقرة : ( 130 ) ومن يرغب عن . . . . .
( ومن يرغب ) في موضع رفع على الابتداء والاستفهام للإنكار وقوله ( إلا من سفه نفسه ) في موضع الخبر وقيل هو بدل من فاعل يرغب والتقدير وما يرغب عن ملة إبراهيم أحد إلا من سفه نفسه قال الزجاج سفه بمعنى جهل أي جهل أمر نفسه فلم يفكر فيها وقال أبو عبيدة المعنى أهلك نفسه وحكى ثعلب والمبرد أن سفه بكسر الفاء يتعدى كسفه بفتح الفاء مشددة قال الأخفش ( سفه نفسه ) أي فعل بها من السفه ما صار به سفيها وقيل إن نفسه منتصب بنزع الخافض وقيل هو تمييز وهذان ضعيفان جدا وأما سفه بضم الفاء فلا يتعدى قاله المبرد وثعلب والإصطفاء الإختيار أي اخترناه في الدنيا وجعلناه في الآخرة من الصالحين فكيف يرغب عن ملته راغب
البقرة : ( 131 ) إذ قال له . . . . .
وقوله ( إذ قال له ) يحتمل أن يكون متعلقا بقوله ( اصطفيناه ) أي اخترناه وقت أمرنا له بالإسلام ويحتمل أن يتعلق بمحذوف هو اذكر قال في الكشاف كأنه قيل اذكر ذلك الوقت ليعلم أنه المصطفى الصالح الذي لا يرغب عن ملة مثله
البقرة : ( 132 ) ووصى بها إبراهيم . . . . .
والضمير في قوله ( وأوصى بها ) راجع إلى الملة أو إلى الكلمة أي أسلمت لرب العالمين قال القرطبي وهو أصوب لأنه أقرب مذكور أي قولوا أسلمنا انتهى والأول أرجح لأن الملوب ممن بعده هو اتباع ملته لا مجرد التكلم بكلمة الإسلام فالتوصية بذلك أليق بإبراهيم وأولى بهم ووصى وأوصى بمعنى وقريء بهما وفي مصحف عثمان ( وأوصى ) وهي قراءة أهل الشام والمدينة وفي مصحف عبدالله بن مسعود ( ووصى ) وهي قراءة الباقين ( ويعقوب ) معطوف على إبراهيم أي وأوصى يعقوب بنيه كما


"""""" صفحة رقم 145 """"""
أوصى إبراهيم بنيه وقرأ عمر بن فايد الأسواري وإسماعيل بن عبدالله المكي بنصب يعقوب فيكون داخلا فيمن أوصاه إبراهيم قال القشيري وهو بعيد لأن يعقوب لم يدرك جده إبراهيم وإنما ولد بعد موته وقوله ) يا بني ( هو بتقدير أن وقد قرأ أبي وابن مسعود والضحاك بإثباتها قال الفراء ألغيت أن لأن التوصية كالقول وكل كلام رجع إلى القول جاز فيه دخول أن وجاز فيه إلغاؤها وقيل إنه على تقدير القول أي قائلا يا بني روى ذلك عن البصريين وقوله ) اصطفى لكم الدين ( أي اختاره لكم والمراد ملته التي لا يرغب عنها إلا من سفه نفسه وهي الملة التي جاء بها محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( فيه إيجاز بليغ والمراد ألزموا الإسلام ولا تفارقوه حتى تموتوا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) ومن يرغب عن ملة إبراهيم ( قال رغبت اليهود والنصارى عن ملته واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله تركوا ملة إبراهيم الاسلام وبذلك بعث الله نبيه محمداا ( صلى الله عليه وسلم ) بملة إبراهيم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ( ولقد اصطفيناه ) قال اخترناه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ووصى بها إبراهيم بنيه ( قال وصاهم بالإسلام ووصى يعقوب بنيه بمثل ذلك وأخرج الثعلبي عن فضيل بن عياض في قوله ) فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( أي محسنون بربكم الظن
البقرة 133 141


"""""" صفحة رقم 146 """"""
البقرة : ( 133 ) أم كنتم شهداء . . . . .
قوله ( أم كنتم شهداء ) أم هذه قيل هي المنقطعة وقيل هي المتصلة وفي الهمزة وفي الهمزة الإنكار المفيد للتقريع والتوبيخ والخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون إلى إبراهيم وإلى بنيه أنهم على اليهودية والنصرانية فرد الله ذلك عليهم وقال لهم أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى به بنيه فتدعون ذلك عن علم أم لم تشهدوا بل أنتم مفترون والشهداء جمع شاهد ولم ينصرف لأن فيه ألف التأنيث التي لتأنيث الجماعة والعامل في ( إذ ) الأولى معنى الشهادة وإذ الثانية بدل من الأولى والمراد بحضور الموت حضور مقدماته وإنما جاء بما دون من في قوله ( ما تعبدون ) لأن المعبودات من دون الله غالبها جمادات كالأوثان والنار والشمس والكواكب ومعنى ( من بعدي ) أي من بعد موتى وقوله ( إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) عطف بيان لقوله ( آبائك ) وإسماعيل وإن كان عما ليعقوب لأن العرب تسمى العم أبا وقوله ) إلها ( بدل من إلهك وإن كان نكرة فذلك جائز ولا سيما بعد تخصيصه بالصفة التي هي قوله ( واحدا ) فإنه قد حصل المطلوب من الإبدل بهذه الصفة وقيل إن الها منصوب على الاختصاص وقيل إنه حال قال ابن عطية وهو قول حسن لأن الغرض الإثبات حال الوحدانية وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر وأبو رجاء العطاردي ( وإله ابيك ) فقيل أراد إبراهيم وحده ويكون قوله ( وإسماعيل ) عطفا على أبيك وكذلك ( إسحاق ) وإن كان هو أباه حقيقة وإبراهيم جده ولكن لإبراهيم مزيد خصوصية وقيل إن قوله ( أبيك ) جمع كما روى عن سيبويه أن أبين جمع سلامة ومثله أبون ومنه قول الشاعر فلما تبين اصواتنا
بكين وقد بننا بالأبينا
وقوله ( ونحن له مسلمون ) جملة حالية أي نعبده حال إسلامنا له وجوز الزمخشري أن تكون اعتراضية على ما يذهب إليه من جوز وقوع الجمل الاعتراضية آخر الكلام
البقرة : ( 134 ) تلك أمة قد . . . . .
والاشارة بقوله ( تلك ) إلى إبراهيم وبنيه ويعقوب وبنيه و ( أمه ) بدل منه وخبره ( قد خلت ) أو أمة خبره وقد خلت نعت لأمة وقوله ( لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) بيان لحال تلك الأمة وحال المخاطبين بأن لكل من الفريقين كسبه لا ينفعه كسب غيره ولا يناله منه شيء ولا يضره ذنب غيره وفيه الرد على من يتكل على عمل سلفه ويروح نفسه بالأماني الباطلة ومنه ما ورد في الحديث ( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) والمراد أنكم لا تنتفعون بحسناتهم ولا تؤاخذون بسيآتهم ولا تسألون عن أعمالهم كما لا يسألون عن أعمالكم ومثله ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )
البقرة : ( 135 ) وقالوا كونوا هودا . . . . .
ولما ادعت اليهود والنصارى أن الهداية بيدها والخير مقصور عليها رد الله ذلك عليهم بقوله ) بل ملة إبراهيم ( أي قل يا محمد هذه المقالة ونصب ملة بفعل مقدر أي نتبع وقيل التقدير نكون ملة إبراهيم أي أهل ملته وقيل بل نهتدي بملة إبراهيم فلما حذف حرف الجر صار منصوبا وقرأ الاعراج وابن أبي عبلة ( ملة ) بالرفع أي بل الهدى ملة إبراهيم والحنيف المائل عن الأديان الباطلة إلى دين الحق وهو في أصل اللغة الذي تميل قدماه كل واحدة إلى أختها قال الزجاج وهو منصوب على الحال أي نتبع ملة إبراهيم حال كونه حنيفا وقال علي بن سليمان هو منصوب بتقدير أعني والحال خطأ كما لا يجوز جاءني غلام هند مسرعة وقال في الكشاف هو حال من المضاف إليه كقولك رأيت وجه هند قائمة وقال قوم الحنف الاستقامة


"""""" صفحة رقم 147 """"""
فسمى دينا إبراهيم حنيفا لاستقامته وسمى معوج الرجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة كما قيل للديغ سليم وللمهلكة مفازة وقد استدل من قال بأن الحنيف في اللغة المائل لا المستقيم بقول الشاعر إذا حول الظل العشي رأيته
حنيفا وفي قرن الضحى يتنصر
أي أن الحرباء تستقبل القبلة بالعشي وتستقبل المشرق بالغداة وهي قبلة النصارى ومنه قول الشاعر والله لولا حنف في رجله
ما كان في رجالكم من مثله
وقوله ) وما كان من المشركين ( فيه تعريض باليهود لقولهم ) عزير ابن الله ( وبالنصارى لقولهم ) المسيح ابن الله ( أي أن إبراهيم ما كان على هذه الحالة التي أنتم عليها من الشرك بالله فكيف تدعون عليه أنه كان على اليهودية أو النصرانية
البقرة : ( 136 ) قولوا آمنا بالله . . . . .
وقوله ) قولوا آمنا بالله ( خطاب للمسلمين وأمر لهم بأن يقولوا هذه المقالة وقيل إنه خطاب للكفار بأن يقولون ذلك حتى يكونوا على الحق والأول أظهر والأسباط أود يعقوب وهم اثنا عشر ولدا ولكل واحد منهم من الأولاد جماعة والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع فهم جماعة متتابعون وقيل أصله من السبط بالتحريك وهو الشجر أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر وقيل الأسباط حفدة يعقوب أي أولاد أولاده لا أولاده لأن الكثرة إنما كانت فيهم دون أولاد يعقوب في نفسه فهم افراد لا أسباط وقوله ) لا نفرق بين أحد منهم ( قال الفراء معناه لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى قال في الكشاف وأحد في معنى الجماعة ولذلك صح دخول بين عليه
البقرة : ( 137 ) فإن آمنوا بمثل . . . . .
وقوله ) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ( هذا الخطاب للمسلمين أيضا أي فإن آمن أهل الكتاب وغيرهم بمثل ما آمنتم به من جميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم فقد اهتدوا وعلى هذا فمثل زائدة كقوله ) ليس كمثله شيء ( وقول الشاعر فصيروا مثل كعصف مأكول
وقيل إن المماثلة وقعت بين الإيمانين أي فإن آمنوا بمثل إيمانكم وقال في الكشاف إنه من باب التبكيت لأن دين الحق واحد لا مثل له وهو دين الإسلام قال أي فإن حصلوا دينا آخر مثل دينكم مساويا له في الصحة والسداد فقد اهتدوا وقيل إن الباء زائدة مؤكدة وقيل إنها للاستعانة والشقاق أصله من الشق وهو الجانب كأن كل واحد من الفريقين في جانب غير الجانب الذي فيه الآخر وقيل إنه مأخوذ من فعل ما يشق ويصعب فكل واحد من الفريقين يحرص على فعل ما يشق على صاحبه ويصح حمل الآية على كل واحد من المعنيين وكذلك قول الشاعر
وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق
وقول الآخر
إلى كم تقبل العلماء قسرا وتفخر بالشقاق وبالنفاق
وقوله ) فسيكفيكهم الله ( وعد من الله تعالى لنبيه أنه سيكفيه من عانده وخالفه من المتولين وقد أنجز له وعده بما أنزله من بأسه بقريظة والنضير وبني قينقاع
البقرة : ( 138 ) صبغة الله ومن . . . . .
وقوله ) صبغة الله ( قال الأخفش وغيره أي دين الله قال وهي منتصبة على البدل من ملة وقال الكسائي هي منصوبة على تقدير اتبعوا أو على الإغراء أي الزموا ورجح الزجاج الانتصاب على البدل من ملة كما قاله الفراء وقال في الكشاف إنها مصدر مؤكد منتصب عن قوله ) آمنا بالله ( كما انتصب ) وعد الله ( عما تقدمه وهي فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ والمعنى تطهير الله لأن الإيمان تطهير النفوس انتهى وبه قال سيبويه أي كونه مصدرا


"""""" صفحة رقم 148 """"""
مؤكدا وقد ذكر المفسرون أن أصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء وهو الذي يسمونه المعمودية ويجعلون ذلك تطهيرا لهم فإذا فعلوا ذلك قالوا الآن صار نصرانيا حقا فرد الله عليهم بقوله ) صبغة الله ( أي الإسلام وسماه صبغة استعارة ومنه قوله بعض شعراء همدان وكل أناس لهم صبغة
وصبغة همدان خير الصبغ
صبغنا على ذاك أولادنا
فأكرم بصبغتنا في الصبغ
وقيل إن الصبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام بدلا من معمودية النصارى ذكره الماوردي وقال الجوهري صبغة الله دينه وهو يؤيد ما تقدم عن الفراء وقيل الصبغة الختان
البقرة : ( 139 ) قل أتحاجوننا في . . . . .
وقوله ) قل أتحاجوننا في الله ( أي أتجادلوننا في الله أي في دينه والقرب منه والحظوة عنده وذلك كقولهم ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( وقرأ ابن محيصن ( أتحاجونا ) بالإدغام لاجتماع المثلين وقوله ) وهو ربنا وربكم ( أي نشترك نحن وأنتم في ربوبيته لنا وعبوديتنا له فكيف تدعون أنكم أولى به منا وتحاجوننا في ذلك وقوله ) لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ( أي لنا أعمال ولكم أعمال فلستم بأولى بالله منا وهو مثل قوله تعالى ) فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ( وقوله ) ونحن له مخلصون ( أي نحن أهل الاخلاص للعبادة دونكم وهو المعيار الذي يكون به التفاضل والخصلة التي يكون صاحبها أولى بالله سبحانه من غيره فكيف تدعون لأنفسكم ما نحن أولى به منكم وأحق وفيه توبيخ لهم وقطع لما جاءوا به من المجادلة والمناظرة
البقرة : ( 140 ) أم تقولون إن . . . . .
وقوله ) أم يقولون ( قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص ( تقولون ) بالتاء الفوقية وعلى هذه القراء تكون أم ها هنا معادلة للهمزة في قوله ) أتحاجوننا ( أي أتحاجوننا في الله أم تقولون إن هؤلاء الأنبياء على دينكم وعلى قراءة الياء التحتية تكون أم منقطعة أي بل يقولون وقوله ) قل أأنتم أعلم أم الله ( فيه تقريع وتوبيخ أي أن الله أخبرنا بأنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى وأنتم تدعون أنهم كانوا هودا أو نصارى فهل أنتم أعلم أم الله سبحانه وقوله ) ومن أظلم ( استفهام أي لا أحد أظلم ) ممن كتم شهادة عنده من الله ( يحتمل أن يريد بذلك الذم لأهل الكتاب بأنهم يعلمون أن هؤلاء الأنبياء ما كانوا هودا ولا نصارى بل كانوا على الملة الإسلامية فظلموا أنفسهم بكتمهم لهذه الشهادة بل بادعائهم لما هو مخالف لها وهو أشد في الذنب ممن اقتصر على مجرد الكتم الذي لا أحد أظلم منه ويحتمل أن المراد أن المسلمين لو كتموا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منهم ويكون المراد بذلك التعريض بأهل الكتاب وقيل المراد هنا ما كتموه من صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وفي قوله ) وما الله بغافل عما تعملون ( وعيد شديد وتهديد ليس عليه مزيد وإعلام بأن الله سبحانه لا يترك عقوبتهم على هذا الظلم القبيح والذنب الفظيع
البقرة : ( 141 ) تلك أمة قد . . . . .
وكرر قوله سبحانه ) تلك أمة قد خلت ( إلى آخر الآية لتضمنها معنى التهديد والتخويف الذي هو المقصود في هذا المقام
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) أم كنتم شهداء ( يعني أهل الكتاب وأخرج أيضا عن الحسن في قوله ) أم كنتم شهداء ( قال يقول لم يشهد اليهود ولا النصارى ولا أحد من الناس يعقوب إذ أخذ على بنيه الميثاق إذ حضره الموت أن لا تبعدوا إلا الله فأقروا بذلك وشهد عليهم أن قد أقروا بعبادتهم أنهم مسلمون وأخرج عن ابن عباس أنه كان يقول الجد أب ويتلو الآية وأخرج أيضا عن أبي العالية في الآية قال سمى العم أبا وأخرج أيضا نحوه عن محمد بن كعب وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال عبدالله بن صوريا الأعور للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا


"""""" صفحة رقم 149 """"""
يا محمد تهتد وقالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله فيهم ) وقالوا كونوا هودا ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ( حنيفا ) قال متبعا وأخرجا أيضا عن ابن عباس في قوله ) حنيفا ( قال حاجا واخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال الحنيف المستقيم وأخرج أيضا عن خصيف قال الخنيف المخلص وأخرج أيضا عن أبي قلابة قال الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( بعثت بالحنيفية السمحة ) وأخرج أحمد أيضا والبخاري في الأدب المفرد وابن المنذر عن ابن عباس قال ( قيل يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله قال الحنيفية السمحة ) وأخرج الحاكم في تاريخه وابن عساكر من حديث أسعد بن عبدالله بن مالك الخزاعي مرفوعا مثله وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية التي في البقرة ) قولوا آمنا بالله ( كلها وفي الآخرة ) آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ( وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ) قولوا آمنا بالله ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الأسباط بنو يعقوب كانوا اثنى عشر رجلا كل واحد منهم ولد أمة من الناس وروى نحوه ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي وحكاه ابن كثير في تفسيره عن أبي العالية والربيع وقتادة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فإن الله لا مثل له ولكن قولوا فإن آمنوا بالذي آمنتم به وأخرج ابن أبي داود في المصاحف والخطيب في تاريخه عن أبي جمرة قال كان ابن عباس يقرأ ) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) فإنما هم في شقاق ( قال فراق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( صبغة الله ) قال دين الله وخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال فطرة الله التي فطر الناس عليها وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن بني إسرائيل قالوا يا موسى هل يصبغ ربك فقال اتقوا الله فناداه ربه يا موسى سألوك هل يصبغ ربك فقل نعم أنا أصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود والألوان كلها في صبغتي ) وأنزل الله على نبيه ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) وأخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس موقوفا وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال إن اليهود تصبغ أبناءها يهودا والنصارى تصبغ أبناءها نصارى وإن صبغة الله الإسلام ولا صبغة أحسن من صبغة الإسلام ولا أطهر وهو دين الله الذي بعث به نوحا ومن كان بعده من الأنبياء وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد عن ابن عباس في قوله ) صبغة الله ( قال البياض وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أتحاجوننا ( قال أتخاصموننا وأخرج ابن جرير عنه قال أتجادلوننا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ومن أظلم ممن كتم شهادة ( الآية قال أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله واتخذوا اليهودية والنصرانية وكتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله ) تلك أمة قد خلت ( قال يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط


"""""" صفحة رقم 150 """"""
البقرة 142 143
البقرة : ( 142 ) سيقول السفهاء من . . . . .
قوله ( سيقول ) هذا إخبار من الله سبحانه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين بأن السفهاء من اليهود والمنافقين سيقولون هذه المقالة عند أن تتحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وقيل إن ( سيقول ) بمعنى قال وإنما عبر عن الماضي بلفظ المستقبل للدلالة على استدامته واستمرار عليه وقيل أن الإخبار بهذا الخبر كان قبل التحول إلى الكعبة وأن فائدة ذلك أن الإخبار بالمكروه إذا وقع قبل وقوعه كان فيه تهوينا لصدمته وتخفيفا لروعته وكسرا لسورته والسفهاء جمع سفيه وهو الكذاب البهات المعتمد خلاف ما يعلم كذا قال بعض أهل اللغة وقال في الكشاف هم خفاف الأحلام ومثله في القاموس وقد تقدم في تفسير قوله ) إلا من سفه نفسه ( ما ينبغي الرجوع إليه ومعنى ( ما ولاهم ) ما صرفهم ( عن قبلتهم التي كانوا عليها ) وهي بيت المقدس فرد الله عليهم بقوله ( قل لله المشرق والمغرب ) فله أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء وفي قوله ) يهدي من يشاء ( إشعار بأن تحويل القبلة إلى الكعبة من الهداية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولأهل ملته إلى الصراط المستقيم
البقرة : ( 143 ) وكذلك جعلناكم أمة . . . . .
وقوله ( وكذلك جعلناكم ) أي مثل ذلك الجعل جعلناكم قيل معناه وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا والوسط الخيار أو العدل والآية محتملة للأمرين ومما يحتملهما قول زهير هم وسط ترضى الأنام بحكمهم
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
ومثله قول الآخر أنتم اوسط حي علموا
بصغير الأمر أو إحدى الكبر
وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تفسير الوسط هنا بالعدل كما سيأتي فوجب الرجوع إلى ذلك ومنه قول الراجز لا تذهبن في الأمور مفرطا
لا تسألن إن سألت شططا
وكن من الناس جميعا وسطا
ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في عيسى ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم ويقال فلان أوسط قومه وواسطتهم أي خيارهم وقوله ) لتكونوا شهداء على الناس ( أي يوم القيامة تشهدون للانبياء على أممهم أنهم قد بلغوهم ما أمرهم الله بتبليغه إليهم ويكون الرسول شهيدا على أمته بأنهم قد فعلوا ما أمر بتبليغه إليهم ومثله قوله تعالى ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( قيل إن قوله ) عليكم ( يعني لكم أي يشهد لهم بالإيمان وقيل معناه يشهد عليكم بالتبليغ لكم قال في الكشاف لما كان الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له جيء بكلمة الاستعلاء ومنه قوله تعالى ) والله على كل شيء شهيد ( ) كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ( انتهى وقالت طائفة معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت وقيل المراد لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا فيما لا يصح إلا بشهادة العدول


"""""" صفحة رقم 151 """"""
وسيأتي من المرفوع ما يبين معنى الآية إن شاء الله وإنما أخر لفظ ( على ) في شهادة الأمة على الناس وقدمها في شهادة الرسول عليهم لأن الغرض كما قال صاحب الكشاف في الأول إثبات شهادتهم على الأمم وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم وقوله ) وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ( قيل المراد بهذه القبلة هي بيت المقدس أي ما جعلناها إلا لنعلم المتبع والمنقلب ويؤيد هذا قوله ) كنت عليها ( إذا كان نزول هذه الآية بعد صرف القبلة إلى الكعبة وقيل المراد الكعبة أي ما جعلنا القبلة التي أنت عليها الآن بعد أن كانت إلى بيت المقدس إلا لذلك الغرض ويكون ( كنت ) بمعنى الحال وقيل المراد بذلك القبلة التي كان عليها قبل استقبال بيت المقدس فإنه كان يستقبل في مكة الكعبة ثم لما هاجر توجه إلى بيت المقدس تألفا لليهود ثم صرف إلى الكعبة وقوله ) إلا لنعلم ( قيل المراد بالعلم هنا الرؤية وقيل المراد إلا لتعلموا أنا نعلم بأن المنافقين كانوا في شك وقيل ليعلم النبي وقيل المراد لنعلم ذلك موجودا حاصلا وهكذا ما ورد معللا بعلم الله سبحانه لا بد أن يؤول بمثل هذا كقوله ) وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ( وقوله ) وإن كانت لكبيرة ( أي ما كانت إلا كبيرة كما قاله الفراء في أن وإن أنهما بمعنى ما وإلا وقال البصريون هي الثقيلة خففت والضمير في كانت راجع إلى ما يدل عليه قوله ) وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ( من التحويلة أو التولية أو الجعلة أو الردة ذكر معنى ذلك الأخفش ولا مانع من أن يرجع الضمير إلى القبلة المذكورة أي وإن كانت القبلة المتصفة بأنك كنت عليها لكبيرة إلا على الذين هداهم الله للإيمان فانشرحت صدورهم لتصديقك وقبلت ما جئت به عقولهم وهذا الاستثناء مفرغ لأن ما قبله في قوة النفي أي أنها لا تخف ولا تسهل إلا على الذين هدى الله وقوله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( قال القرطبي اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس ثم قال فسمى الصلاة إيمانا لاجتماعها على نية وقول وعمل وقيل المراد ثبات المؤمنين على الإيمان عند تحويل القبلة وعدم ارتيابهم كما ارتاب غيرهم والأول يتعين القول به والمصير إليه لما سيأتي من تفسيره ( صلى الله عليه وسلم ) للآية بذلك والرءوف كثير الرأفة وهي أشد من الرحمة قال أبو عمرو بن العلاء الرافة أكبر من الرحمة والمعنى متقارب وقرأ أبو جعفر بن يزيد بن القعقاع ( لروف ) بغير همز وهي لغة بني أسد ومنه قول الوليد بن عتبة وشر الغالبين فلا تكنه
يقاتل عمه الروف الرحيم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أول ما نزل المدينة نزل على أخواله من الأنصار وأنه صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأن أول صلاة صلاها العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبل الكعبة فداروا كما هم قبل البيت وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب فلما ولي وجهه قبل البيت أنكروا ذلك وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال وقتلوا فلم ندر ما يقول فيهم فأنزل الله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ( وله طرق أخر وألفاظ متقاربة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال إن أول ما نسخ في القرآن القبلة وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعد ما تحول إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرفه الله إلى الكعبة وفي الباب أحاديث كثيرة بمضمون ما تقدم وكذلك وردت أحاديث في الوقت الذي نزل فيه استقبال القبلة وفي كيفية استدارة المصلين لما بلغهم


"""""" صفحة رقم 152 """"""
ذلك وقد كانوا في الصلاة فلا نطول بذكرها وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي والترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والإسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( قال عدلا وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعم فيدعي قومه فيقال لهم هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد فيقال لنوح من يشهد لك فيقول محمد وأمته ) فذلك قوله ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( قال والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي وابن ماجة عن أبي سعيد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أن وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق ما من الناس أحد إلا ود أنه منا وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه بلغ رسالة ربه ) وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ( بأن الرسل قد بلغوا ) ويكون الرسول عليكم شهيدا ( بما عملتم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال مروا بجنازة فأثنى عليها خيرا فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( وجبت وجبت وجبت ومروا بجنازة فأثنى عليها شرا فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجبت وجبت وجبت فسأله عمر فقال من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض ) زاد الحكيم الترمذي ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( الآية وفي الباب أحاديث منها عن جابر مرفوعا عند ابن المنذر والحاكم وصححه ومنه عن عمر مرفوعا عند ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي ومنها عن أبي زهير الثقفي مرفوعا عند أحمد وابن ماجة والطبراني والدارقطني في الإفراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن ومنها عن أبي هريرة مرفوعا عند ابن جرير وابن أبي حاتم ومنها عن سلمة بن الأكوع مرفوعا عند ابن أبي شيبة وابن جرير والطبراني وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله تعالى ) وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ( قال يعني بيت المقدس ( إلا لنعلم ) قال نبتليهم لنعلم من يسلم لأمره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( إلا لنعلم ) قال لنميز أهل اليقين من أهل الشك ) وإن كانت لكبيرة ( يعني تحويلها على أهل الشرك والريب وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة ها هنا ومرة ها هنا وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال لما وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى القبلة قالوا يا رسول الله فيكف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( وقد تقدم حديث البراء وفي الباب أحاديث كثيرة وآثار عن السلف
البقرة 144 147


"""""" صفحة رقم 153 """"""
البقرة : ( 144 ) قد نرى تقلب . . . . .
قوله ) قد نرى تقلب وجهك ( قال القرطبي في تفسيره قال العلماء هذه الآية مقدمة في النزول على قوله ) سيقول السفهاء ( ومعنى ( قد ) تكثير الرؤية كما قاله صاحب الكشاف ومعنى ( تقلب وجهك ) تحول وجهك إلى السماء قاله قطرب ز وقال الزجاج تقلب عينيك في النظر إلى السماء و المعنى متقارب وقوله ( فلنولينك ) هو إما من الولاية أي فلنعطيك ذلك أو من التولي أي فلنجعلك متوليا إلى جهتها وهذا أولى لقوله ) فول وجهك شطر المسجد الحرام ( والمراد بالشطر هنا الناحية والجهة وهو منتصب على الظرفية ومنه قول الشاعر أقول لأم زنباع أقيمي
صدور العيس شطر بني تميم
ومنه أيضا قول الآخر ألا من مبلغ عمرا رسولا
وما تغني الرسالة شطر عمرو
وقد يراد بالشطر النصف ومنه الوضوء شطر الإيمان ومنه قول عنترة إني امرؤ من خير عبس منصبا
شطري وأحمي سائري بالمنصل
قال ذلك لأن أباه من سادات عبس وأمه أمة ويرد بمعنى البعض مطلقا ولا خلاف أن المراد بشطر المسجد هنا الكعبة وقد حكى القرطبي الإجماع على أن استقبال عين الكعبة فرض على المعاين وعلى أن غير المعاين يستقبل الناحية ويستدل على ذلك بما يمكنه الاستدلال به والضمير في قوله ( أنه الحق ) راجع إلى ما يدل عليه الكلام من التحول إلى جهة الكعبة وعلم أهل الكتاب بذلك إما لكونه قد بلغهم عن انبيائهم أو وجدوا في كتب الله المنزلة عليهم أن هذا النبي يستقبل الكعبة أو لكونهم قد علموا من كتبهم أو أنبيائهم أن النسخ سيكون في هذه الشريعة فيكون ذلك موجبا عليهم الدخول في الإسلام ومتابعة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) وما الله بغافل عما يعملون ( قد تقدم معناه وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي تعملون بالمثناة الفوقية على مخاطبة أهل الكتاب أو أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقرأ الباقون بالياء التحتية
البقرة : ( 145 ) ولئن أتيت الذين . . . . .
وقوله ) ولئن أتيت ( هذه اللام هي موطئة للقسم والتقدير والله لئن أتيت وقوله ( ما تبعوا ) جواب القسم المقدر قال الأخفش والفراء أجيب لئن بجواب لو لأن المعنى ولو أتيت ومثله قوله تعالى ) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا ( أي ولو ارسلنا وإنما قالا هكذا لأن لئن هي ضد لو وذلك أن الأولى تطلب في جوابها المضي والوقوع ولئن تطلب في جوابها الاستقبال وقال سيبويه إن معنى لئن يخالف معنى لو فلا تدخل إحداهما على الاخرى فالمعنى ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية لا يتبعون قبلتك قال سيبويه و معنى ) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ( ليظللن انتهى وفي هذه الآية مبالغة عظيمة وهي متضمنة للتسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وترويح خاطرة لأن هؤلاء لا تؤثر فيهم كل آية ولا يرجعون إلى الحق وإن جاءهم بكل برهان فضلا عن برهان واحد وذلك أنهم لم يتركوا اتباع الحق


"""""" صفحة رقم 154 """"""
لدليل عندهم أو لشبهة طرأت عليهم حتى يوازنوا بين ما عندهم وما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويقلعوا عن غوايتهم عند وضوح الحق بل كان تركهم للحق تمردا وعنادا مع علمهم بأنهم ليسوا على شيء ومن كان هكذا فهو لاينتفع بالبرهان أبدا وقوله ( وما أنت بتابع قبلتهم ) هذا الإحبار ممكن أن يكون بمعنى النهى من الله سبحانه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أي لا تتبع يا محمد قبلتهم ويمكن أن يكون على ظاهره دفعا لأطماع أهل الكتاب وقطعا لما يرجونه من رجوعه ( صلى الله عليه وسلم ) إلى القبلة التي كان عليها وقوله ( وما بعضهم بتابع قبلة بعض ) فيه إخبار بأن اليهود والنصارى مع حرصهم على مبايعة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لما عندهم مختلفون في دينهم حتى في هذا الحكم الخاص الذي قصة الله سبحانه على رسوله فإن بعضهم لا يتابع الآخر في استقبال قبلته قال في الكشاف وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى تستقبل مطلع الشمس انتهى وقوله ( ولئن اتبعت أهواءهم ) إلى آخر الآية فيه من التهديد العظيم والزجر البليغ ما تقشعر له الجلود وترجف منه الأفئدة وإذا كان الميل إلى أهوية المخالفين لهذه الشريعة الغراء والملة الشريفة من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذي هو وسيد ولد آدم يوجب عليه أن يكون وحاشاه من الظالمين فما ظنك بغيره من أمته وقد صان الله هذه الفرقة الإسلامية بعد ثبوت قدم الإسلام وارتفاع مناره عن أن يميلوا إلى شيء من هوى أهل الكتاب ولم تبق إلا دسيسة شيطانية ووسيلة طاغوتية وهي ميل بعض من تحمل حجج الله إلى هوى بعض طوائف المبتدعة لما يرجوه من الحطام العاجل من أيديهم أو الجاه لديهم إن كان لهم في الناس دولة أو كانوا من ذوى الصولة وهذا الميل ليس بدون ذلك الميل بل اتباع أهوية المبتدعة تشبه اتباع أهوية أهل الكتاب كما يشبه الماء الماء والبيضة البيضة والتمرة التمرة وقد تكون مفسدة اتباع أهوية المبتدعة أشد على هذه الملة من مفسدة اتباع أهوية أهل الملل فإن المبتدعة ينتمون إلى الإسلام ويظهرون للناس أنهم ينصرون الدين ويتبعون أحسنه وهم على العكس من ذلك والضد لما هنالك فلا يزالون ينقلون من يميل إلى أهويتهم من بدعة إلى بدعة ويدفعونه من شنعة إلى شنعة حتى يسلخوه من الدين ويخرجوه منه وهو يظن أنه منه في الصميم وأن الصراط الذي هو عليه هو الصراط المستقيم هذا إن كان في عداد المقصرين ومن جملة الجاهلين وإن كان من أهل العلم والفهم المميزين بين الحق والباطل كان في اتباعه لأهويتهم ممن أضله الله على علم وختم على قلبه وصار نقمة على عباد الله ومصيبة صبها الله على المقصرين لأنهم يعتقدون أنه في علمه وفهمه لا يميل إلا إلى الحق ولا يتبع إلا الصواب فيضلون بضلالة فيكون عليه إثمه وإثم من اقتدى به إلى يوم القيامة نسأل الله اللطف والسلامة والهداية
البقرة : ( 146 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
وقوله ) الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ( قيل الضمير لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أي يعرفون نبوته روى ذلك عن مجاهد وقتادة وطائفة من أهل العلم وقيل يعرفون تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة بالطريق التي قدمنا ذكرها وبه قال جماعة من المفسرين ورجح صاحب الكشاف الأول وعندي أن الراجح الآخر كما يدل عليه السياق الذي سيقت له هذه الآيات وقوله ) ليكتمون الحق ( هو عند أهل القول الأول نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وعند أهل القول الثاني استقبال الكعبة
البقرة : ( 147 ) الحق من ربك . . . . .
وقوله ( الحق من ربك ) يحتمل أن يكون المراد به الحق الأول ويحتمل أن يراد به جنس الحق على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره قوله ( من ربك ) أي الحق هو الذي من ربك لا من غيره وقرأ علي بن أبي طالب الحق بالنصب على أنه بدل من الأول أو منصوب على الإغزاء أي إلزم الحق وقوله ) فلا تكونن من الممترين ( خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 155 """"""
الامتراء الشك نهاه الله سبحانه عن الشك في كونه الحق من ربه أو في كون كتمانهم الحق مع علمهم وعلى الأول هو تعريض للأمة أي لا يكن أحد من أمته من الممترين لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) لا يشك في كون ذلك هو الحق من الله سبحانه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن ماجة عن البراء قال صلينا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرا وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله إلى المدينة بشهرين وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقليب وجهه في السماء وعلم الله من قلب نبيه أنه يهوى الكعبة فصعد جبريل فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتبعه بصره وهو يصع بين السماء والأرض ينظر ما يأتيه به فأنزل الله ) قد نرى تقلب وجهك في السماء ( الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا جبريل كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس فانزل الله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( وأخرجه الطبراني من حديث معاذ مختصرا لكنه قال سبعة عشر شهرا وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه عن عبدالله بن عمرو في قوله تعالى ) فلنولينك قبلة ترضاها ( قال قبلة إبراهيم نحو الميزاب وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء في قوله ) فول وجهك شطر المسجد الحرام ( قال قبله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي مثله وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال ( شطره ) نحوه واخرج البيهقي عن مجاهد مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية قال ) شطر المسجد الحرام ( تلقاءه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال البيت كله قبلة وقبلة البيت الباب وأخرج البيهقي في سننه عنه مرفوعا قال البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) وإن الذين أوتوا الكتاب ( قال أنزل ذلك في اليهود وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ليعلمون أنه الحق ( قال يعني بذلك القبلة وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية نحوه وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) وما بعضهم بتابع قبلة بعض ( يقول ما اليهود بتابعي قبلة النصارى ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود وأخرج عبدالرزاق عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) الذين آتيناهم الكتاب ( قال اليهود والنصارى ) يعرفونه ( قال يعرفون رسول الله في كتابهم ) كما يعرفون أبناءهم ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه في قوله ) يعرفونه ( أي يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ( قال يكتمون محمدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية قال قال الله لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( يقول لا تكونن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك وكانت قبلة الأنبياء من قبلك
البقرة 148 152


"""""" صفحة رقم 156 """"""
البقرة : ( 148 ) ولكل وجهة هو . . . . .
قوله ( ولكل ) بحذف المضاف إليه لدلالة التنوين عليه أي لكل أهل دين وجهة والوجهة فعلة من المواجهة وفي معناها الجهة والوجه والمراد القبلة أي أنهم لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم ) ولكل وجهة ( إما بحق وإما بباطل والضمير في قوله ) هو موليها ( راجع إلى لفظ كل والهاء في قوله ) موليها ( هي المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف أي موليها وجهه والمعنى أن لكل صاحب ملة قبلة صاحب القبلة موليها وجهه أو لكل منكم يا أمة محمد قبلة يصلي إليها من شرق أو غرب أو جنوب أو شمال إذا كان الخطاب للمسلمين ويحتمل أن يكون الضمير لله سبحانه وإن لم يجز له ذكر إذ هو معلوم أن الله فاعل ذلك والمعنى أن لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه وحكى الطبري أن قوما قرءوا ( ولكل وجهة ) بالإضافة ونسب هذه القراءة أبو عمرو الداني إلى ابن عباس قال في الكشاف والمعنى وكل وجهة الله موليها فزيدت اللام لتقدم المفعول كقولك لزيد ضرب ولزيد أبوه ضاربه انتهى وقرأ ابن عباس وابن عامر ( مولاها ) على ما لم يسم فاعلة قال الزجاج والضمير على هذه القراءة لواحد أي ولكل واحد من الناس قبلة الواحد مولاها أي مصروف إليها وقوله ) فاستبقوا الخيرات ( أي إلى الخيرات على الحذف والايصال أي بادروا إلى ما أمركم الله من استقبال البيت الحرام كما يفيده السياق وإن كان ظاهره الأمر بالاستباق إلى كل ما يصدق عليه أنه خير كما يفيده العموم المستفاد من تعريف الخيرات والمراد من الاستباق إلا الاستقبال الاستباق إلى الصلاة في أول وقتها ومعنى قوله ) أين ما تكونوا يأت بكم الله ( أي في أي جهة من الجهات المختلفة تكونوا يأت بكم الله للجزاء يوم القيامة أو يجمعكم جميعا ويجعل صلاتكم في الجهات المختلفة كأنها إلى جهة واحدة
البقرة : ( 149 ) ومن حيث خرجت . . . . .
وقوله ) ومن حيث خرجت ( كرر سبحانه هذا لتأكيد الأمر باستقبال الكعبة وللاهتمام به لأن موقع التحويل كان معتنى به في نفوسهم وقيل وجه التكرير أن النسخ من مظان الفتنة ومواطن الشبهة فإذا سمعوه مرة بعد أخرى ثبتوا واندفع ما يختلج في صدورهم وقيل إنه كرر هذا الحكم لتعدد علله فإنه سبحانه ذكر للتحويل ثلاث علل الأولى ابتغاء مرضاته والثانية جرى العادة الإلهية أن يولي كل أهل ملة وصاحب دعوة جهة يستقل بها والثالثة دفع حجج المخالفين فقرن بكل علة معلولها وقيل أراد بالأول ول وجهك شطر الكعبة إذا صليت تلقاءها ثم قال وحيثما كنتم معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها فولوا وجوهكم شطره
البقرة : ( 150 ) ومن حيث خرجت . . . . .
ثم قال ) ومن حيث خرجت ( يعني وجوب الاستقبال في الأسفار فكان هذا أمر بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواطن من نواحي الأرض وقوله ) لئلا يكون للناس عليكم حجة ( قيل لئلا يكون لليهود عليكم حجة إلا للمعاندين منهم القائلين ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه


"""""" صفحة رقم 157 """"""
فعلى هذا المراد بالذين ظلموا المعاندون من أهل الكتاب وقيل هم مشركوا العرب وحجتهم قولهم راجعت قبلتنا وقيل معناه لئلا يكون للناس عليكم حجة لئلا يقولوا لكم قد أمرتم باستقبال الكعبة ولستم ترونها وقال أبو عبيدة إن إلا ها هنا بمعنى الواو أي والذين ظلموا فهو استثناء بمعنى الواو ومنه قول الشاعر ما بالمدينة دار غير واحدة
دار الخليفة إلا دار مروانا
كأنه قال إلا دار الخليفة ودار مروان وأبطل الزجاج هذا القول وقال إنه استثناء منقطع أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون ومعناه إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له كما تقول ما لك علي حجة إلا أن تظلمني أي ما لك علي حجة البتة ولكنك تظلمني وسمى ظلمه حجة لأن المجتج بها سماه حجة وإن كانت داحضة وقال قطرب يجوز أن يكون المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا فالذين بدل من الكاف والميم في عليكم ورجح ان جرير الطبري أن الاستثناء متصل وقال نفى الله أن يكون لأحد حجة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه في استقبالهم الكعبة والمعنى لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة حيث قالوا ما ولاهم وقالوا إن محمدا تحير في دينه وما توجه إلى قبلتنا إلا أنا أهدى منه وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو من يهودي أو منافق قال والحجة بمعنى المحاجة التي هي المخاصمة والمجادلة وسماها تعالى حجة وحكم بفسادها حيث كانت من ظالم ورجح ابن عطية أن الاستثناء منقطع كما قال الزجاج قال القرطبي وهذا على أن يكون المراد بالناس اليهود ثم استثنى كفار العرب كأنه قال لكن الذين ظلموا في قولهم رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله وقوله ) فلا تخشوهم ( يريد الناس أي لا تخافوا مطاعنهم فإنها داحضة باطلة لا تضركم وقوله ) ولأتم نعمتي عليكم ( معطوف على ) لئلا يكون ( أي ولأن أتم قاله الأخفش وقيل هو مقطوع عما قبله في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر والتقدير ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي قاله الزجاج وقيل معطوف على علة مقدرة كأنه قيل واخشوني لأوفقكم ولأتم نعمتي عليكم وإتمام النعمة الهداية إلى القبلة وقيل دخول الجنة
البقرة : ( 151 ) كما أرسلنا فيكم . . . . .
وقوله ) كما أرسلنا ( الكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف والمعنى ولأتم نعمتي عليكم إتماما مثل ما أرسلنا قاله الفراء ورجحه ابن عطية وقيل الكاف في موضع نصب على الحال والمعنى ولأتم نعمتي عليكم في هذه الحال والتشبيه واقع على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة وقيل معنى الكلام على التقديم والتأخير أي فاذكروني كما أرسلنا قاله الزجاج
البقرة : ( 152 ) فاذكروني أذكركم واشكروا . . . . .
وقوله ) فاذكروني أذكركم ( أمر وجوابه وفيه معنى المجازاة قال سعيد بن جبير ومعنى الآية اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة حكاه عنه القرطبي في تفسيره وأخرجه عنه عبد بن حميد وابن جرير وقد روى نحوه مرفوعا كما سيأتي وقوله ) واشكروا لي ( قال الفراء شكر لك وشكرت لك والشكر معرفة الإحسان والتحدث به وأصله في اللغة الطهور وقد تقدم الكلام فيه وقوله ) ولا تكفرون ( نهي ولذلك حذفت نون الجماعة وهذه الموجوده في الفعل هي نون المتكلم وحذفت الياء لأنها رأس آية وإثباتها حسن في غير القرآن والكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب وقد تقدم الكلام فيه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولكل وجهة هو موليها ( قال يعني بذلك أهل الأديان يقول لكل قبلة يرضونها وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال في تفسير هذه الآية صلوا إلى بيت المقدس مرة ونحو الكعبة مرة أخرى وأخرج أبو داود في ناسخه عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن


"""""" صفحة رقم 158 """"""
قتادة في قوله ) فاستبقوا الخيرات ( يقول لا تغلبن على قبلتكم وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) فاستبقوا الخيرات ( قال الأعمال الصالحة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) فاستبقوا الخيرات ( يقول فسارعوا في الخيرات ) أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا ( قال يوم القيامة وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة قال لما صرف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنكم أهدى منه سبيلا ويوشك أن يدخل في دينكم فأنزل الله ) لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) لئلا يكون للناس عليكم حجة ( قال يعني بذلك أهل الكتاب حين صرف نبي الله إلى الكعبة قالوا اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال حجتهم قولهم قد أحب قبلتنا وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ومجاهد في قوله ) إلا الذين ظلموا منهم ( قال الذين ظلموا منهم مشركو قريش أنهم سيحتجون بذلك عليكم واحتجوا على نبي الله بانصرافه إلى البيت الحرام وقالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا فأنزل الله في ذلك كله ) يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) كما أرسلنا فيكم رسولا منكم ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) كما أرسلنا فيكم رسولا منكم ( يقول كما فعلت فاذكروني وأخرج أبو الشيخ والديلمي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فاذكروني أذكركم ( يقول اذكروني يا معشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتي وأخرج الديلمي وابن عساكر مثله مرفوعا من حديث أبي هند الداري وزاد فمن ذكرني وهو مطيع فحق علي أن أذكره بمغفرتي ومن ذكرني وهو لي عاص فحق علي أن أذكره بمقت وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس يقول الله ذكري لكم خير من ذكركم لي وقد ورد في فضل ذكر الله على الإطلاق وفضل الشكر أحاديث كثيرة
البقرة 153 157
ل
البقرة : ( 153 ) يا أيها الذين . . . . .
ما فرغ سبحانه من إرشاد عباده إلى ذكره وشكره عقب ذلك بإرشادهم إلى الاستعانة بالصبر والصلاة فإن من جمع بين ذكر الله وشكره واستعان بالصبر والصلاة على تأدية ما أمر الله به ودفع ما يرد عليه من المحن فقد هدى إلى الصواب ووفق إلى الخير وإن هذه المعية التي أوضحها الله بقوله ) إن الله مع الصابرين ( فيها أعظم ترغيب لعباده سبحانه إلى لزوم الصبر على ما ينوب من الخطوب فمن كان الله معه لم يخش من الأهوال وإن كانت


"""""" صفحة رقم 159 """"""
كالجبال
البقرة : ( 153 ) يا أيها الذين . . . . .
وأموات وأحياء مرتفعان على أنهما خبران لمحذوفين أي لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات بل هم أحياء ولكن لا تشعرون بهذه الحياة عند مشاهدتكم لأبدانهم بعد سلب أرواحهم لأنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الأمر بحسب ما يبلغ إليه علمكم الذي هو بالنسبة إلى علم الله كما يأخذ الطائر في منقارة من ماء البحر وليسوا كذلك في الواقع بل هم أحياء في البرزخ وفي الآية دليل على ثبوت عذاب القبر ولا اعتداد بخلاف من خالف في ذلك فقد تواترت به الأحاديث الصحيحة ودلت عليه الآيات القرآنية ومثل هذه الآية قوله تعالى ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )
البقرة : ( 155 ) ولنبلونكم بشيء من . . . . .
والبلاء أصله المحنة ومعنى نبلوكم نمتحنكم لنختبركم هل تصبرون على القضاء أم لا وتنكير شيء للتقليل أي بشيء قليل من هذه الأمور وقرأ الضحاك بأشياء والمراد بالخوف ما يحصل لمن يخشى من نزول ضرر به من عدو أو غيره وبالجوع المجاعة التي تحصل عند الجدب والقحط وبنقص الأموال ما يحدث فيها بسبب الحوائج وما أوجبه الله فيها من لزكاة ونحوها وبنقص الأنفس الموت والقتل في الجهاد وبنقص الثمرات ما يصيبها من الآفات وهو من عطف الخاص على العام لشمول الأموال للثمرات وغيرها وقيل المراد بنقص الثمرات موت الأولاد وقوله ( وبشر الصابرين ) أمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يقدر على التبشير وقد تقدم معنى البشارة والصبر أصله الحبس ووصفهم بأنهم المسترجعون عند المصيبة لأن ذلك تسليم ورضا
البقرة : ( 156 ) الذين إذا أصابتهم . . . . .
والمصيبة واحدة المصائب وهي النكبة التي يتأذى بها الإنسان وإن صغرت وقوله ) إنا لله وإنا إليه راجعون ( فيه بيان أن هذه الكلمات ملجأ للمصابين وعصمة للممتحنين فإنها جامعة بين الإقرار بالعبودية لله والاعتراف بالبعث والنشور
البقرة : ( 157 ) أولئك عليهم صلوات . . . . .
ومعنى الصلوات هنا المغفرة والثناء الحسن قاله الزجاج وعلى هذا فذكر الرحمة لقصد التأكيد وقال في الكشاف الصلاة الرحمة والتعطف فوضعت موضع الرأفة وجمع بينها وبين الرحمة كقوله رأفة ورحمة ) لرؤوف رحيم ( والمعنى عليهم رأفة بعد رأفة ورحمة بعد رحمة بعد رحمة انتهى وقيل المراد بالرحمة كشف الكربة وقضاء الحاجة و ) المعتدون ( قد تقدم معناه وإنما وصفوا هنا بذلك لكونهم فعلوا ما فيه الوصول إلى طريق الصواب من الاسترجاع والتسليم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف قال غشى علي عبدالرحمن بن عوف في وجعه غشية ظنوا أنه قد فاضت نفسه فيها حتى قاموا من عنده وجللوه ثوبا وخرجت أم كلثوم بنت عقبة امرأته إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة فلبثوا ساعة وهو في غشيته ثم أفاق وأخرج ابن منده في المعرفة عن ابن عباس قال قتل تميم بن الحمام ببدر وفيه وفي غيره نزلت ) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال ) في سبيل الله ( في طاعة الله في قتال المشركين وقد وردت أحاديث أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تأكل من ثمار الجنة فمنها عن كعب بن مالك مرفوعا عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وروى أن أرواح الشهداء تكون على صور طيور بيض كما أخرجه عبدالرزاق عن قتادة قال بلغنا فذكر ذلك وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا بنحوه وروى أنها على صور طيور خضر كما أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي العالية وأخرجه ابن أبي شيبة في البعث والنشور عن كعب وأخرجه هناد بن السري عن هذيل وأخرجه عنه عبدالرزاق في المصنف عن عبدالله بن كعب بن مالك مرفوعا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء في قوله ) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع (


"""""" صفحة رقم 160 """"""
قال هم أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) ولنبلونكم ( الآية قال أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال ) وبشر الصابرين ( وأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث خصال من الخير الصلاة من الله والرحمة وتخفيف سبيل الهدى وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله ) ونقص من الثمرات ( قال يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة فيه إلا تمرة وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم أن يقولوا عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون وقد ورد في فضل الاسترجاع عند المصيبة أحاديث كثيرة
البقرة 158
البقرة : ( 158 ) إن الصفا والمروة . . . . .
( أصل ) الصفا في اللغة الحجر الأملس وهو هنا علم لجبل من جبال مكة معروف وكذلك ( المروة ) علم لجبل بمكة معروف وأصلها في اللغة واحدة المروى وهي الحجارة الصغار التي فيها لين وقيل التي فيها صلابة وقيل تعم الجميع قال أبو ذؤيب حتى كأني للحوادث مروة
بصفا المشقر كل يوم تقرع
وقيل إنها الحجارة البيض البراقة وقيل إنها الحجارة السود والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة أي من أعلام مناسكه والمراد بها مواضع العبادة التي أشعرها الله إعلاما للناس من الموقف والسعي والمنحر ومنه إشعار الهدى أي إعلامه بغرز حديدة في سنامه ومه قول الكميت نقتلهم جيلا فجيلا تراهم
شعائر قربان بهم يتقرب
وحج البيت في اللغة قصده ومنه قول الشاعر وأشهد من عوف حئولا كثيرة
يحجون سب الزبرقان المزعفرا
السب العمامة
وفي الشرع الإتيان بمناسك الحج التي شرعها الله سبحانه والعمرة في اللغة الزيارة وفي الشرع الإتيان بالنسك المعروف على الصفة الثابتة والجناح أصله من الجنوح وهو الميل ومنه الجوانح لإعوجاجها وقوله ) يطوف ( أصله يتطوف فأدغم وقريء أن يطوف رفع الجناح يدل على عدم الوجوب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري
حكم الطواف وسبب نزول الآيات
وحكى الزمخشري في الكشاف عن أبي حنيفة أنه يقول إنه واجب وليس بركن وعلى تاركه دم وقد ذهب إلى عدم الوجوب ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وابن سيرين ومما يقوى دلالة هذه الآية على عدم الوجوب قوله تعالى في آخر الآية ) ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ( وذهب الجمهور إلى أن السعي واجب ونسك من جملة المناسك واستدلوا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عائشة أن عروة قال لها أرأيت قول الله ) إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما (


"""""" صفحة رقم 161 """"""
فما أرى على أحد جناحا أن لا يطوف بهما فقالت عائشة بئس ما قلت با ابن أختي إنها لو كانت على ما أولتها كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة في الجاهلية فأنزل الله ) إن الصفا والمروة من شعائر الله ( الآية قالت عائشة ثم قد بين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الطواف بهما فليس لأحد أن يدع الطواف بهما وأخرج مسلم وغيره عنها أنها قالت لعمري ما أتم الله حج من لم يسع بين الصفا والمروة ولا عمرته لأن الله قال ) إن الصفا والمروة من شعائر الله ( وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا ) وأخرج أحمد في مسنده والشافعي وابن سعد وابن المنذر وابن قانع والبيهقي عن حبيبة بنت أبي تجرأة قالت ( رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم يسعى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول اسعوا فإن الله عز وجل كتب عليكم السعي ) وهو في مسند أحمد من طريق شيخه عبدالله بن المؤمل عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة عنها ورواه من طريق أخرى عن عبدالرزاق أخبرنا معمر عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها فذكرته ويؤيد ذلك حديث ( خذوا عني مناسككم ) اه
البقرة 159 163
البقرة : ( 159 ) إن الذين يكتمون . . . . .
قوله ( إن الذين يكتمون ) إلى آخر الآية فيه الإخبار بأن الذي يكتم ذلك ملعون واختلفو من المراد بذلك فقيل أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل كل من كتم الحق وترك بيان ما أوجب الله بيانه وهو الراجح لأن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول فعلى فرض أن سب النزول ما وقع من اليهود والنصارى من الكتم فلا ينافي ذلك تناول هذه الآية كل من كتم الحق وفي هذه الآية من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره فإن من لعنه الله ولعنه كل من يتأتى منه اللعن من عباده قد بلغ من الشقاوة والخسران إلى الغاية التي تلحق ولا يدرك كنهها وفي قوله ) من البينات والهدى ( دليل على أنه يجوز كتم غير ذلك كما قال أبو هريرة ( حفظت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعاءين أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ) أخرجه البخارى والضمير في قوله ) من بعد ما بيناه ( راجع إلى ما أنزلنا والكتاب اسم جنس وتعريفه يفيد شموله لجميع الكتب وقيل المراد به التوراة واللعن الإبعاد والطرد والمراد بقوله ) اللاعنون ( الملائكة والمؤمنون قاله الزجاج وغيره ورجحه ابن عطية وقيل كل من يتأتى منه


"""""" صفحة رقم 162 """"""
اللعن فيدخل في ذلك الجن وقيل هم الحشرات والبهائم
البقرة : ( 160 ) إلا الذين تابوا . . . . .
وقوله ) إلا الذين تابوا ( إلخ فيه استثناء التائبين والمصلحين لما فسد من أعمالهم والمبينين للناس ما بينه الله في كتبه وعلى ألسن رسله
البقرة : ( 161 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ( وماتوا وهم كفار ) هذه الجملة حالية وقد استدل بذلك على أنه لا يجوز لعن كافر معين لأن حاله عند الوفاة لا يعلم ولا ينافي ذلك ما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من لعنه لقوم من الكفار بأعيانهم لأنه يعلم بالوحي ما لا نعلم وقيل يجوز لعنه عملا بظاهر الحال كما يجوز قتاله قوله ) أولئك عليهم لعنة الله ( إلخ استدل به على جواز لعن الكفار على العموم قال القرطبي ولا خلاف في ذلك قال وليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر بل هو جزاء على الكفر وإظهار قبح كفره سواء كان الكافر عاقلا أو مجنونا وقال قوم من السلف لا فائدة في لعن من جن أو مات منهم لا بطريق الجزاء ولا بطريق الزجر قال ويدل على هذا القول أن الآية دالة على الإخبار عن الله والملائكة والناس بلعنهم لا على الأمر به قال ابن العربي إن لعن العاصي المعين لا يجوز باتفاق لما روى ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أتى بشارب خمر مرارا فقال بعض من حضر لعنه الله ما أكثر ما يشربه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم ) والحديث في الصحيحين وقوله ( والناس أجمعين ) قيل هذا يوم القيامة وأما في الدنيا ففي الناس المسلم والكافر ومن يعلم بالعاصي ومعصيته ومن لا يعلم فلا يتأتى اللعن له من جميع الناس وقيل في الدنيا والمراد أنه يلعنه غالب الناس أو كل من علم بمعصيته منهم
البقرة : ( 162 ) خالدين فيها لا . . . . .
وقوله ) خالدين فيها ( أي في النار وقيل في اللعنة والإنظار الإمهال وقيل معنى لا ينظرون لا ينظر الله إليهم فهو من النظر وقيل هو من الإنتظار أي لا ينتظرون ليعتذروا وقد تقدم تفسير ) الرحمن الرحيم )
البقرة : ( 163 ) وإلهكم إله واحد . . . . .
وقوله ) وإلهكم إله واحد ( فيه الإرشاد إلى التوحيد وقطع علائق الشرك والإشارة إلى أن أول ما يجب بيانه ويحرم كتمانه هو أمر التوحيد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل وخارجه بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج نفرا من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم فأنزل الله فيهم ) إن الذين يكتمون ما أنزلنا ( الآية وقد روى عن جماعة من السلف أن الآية نزلت في أهل الكتاب لكتمهم نبوة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وآله وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال كنا في جنازة مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه فتسمعه كل دابة غير الثقلين فتلعنه كل دابة سمعت صوته فذلك قول الله تعالى ) ويلعنهم اللاعنون ( يعني دواب الأرض وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال الجن والإنس وكل دابة وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد قال إذا أجدبت البهائم دعت على فجار بني آدم وأخرج عنه عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان قال في تفسير الآية إن دواب الأرض والعقارب والخنافس يقولون إنما منعنا القطر بذنوبهم فيلعنونهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر قال يلعنهم كل شيء حتى الخنفساء وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتم العلم والوعيد لفاعلة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إلا الذين تابوا وأصلحوا ( قال أصلحوا ما بينهم وبين الله وبينوا الذين جاءهم من الله ولم يكتموه ولم يجحدوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) أتوب عليهم ( يعني أتجاوز عنهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن


"""""" صفحة رقم 163 """"""
أبي العالية قال إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة ثم يلعنه الناس أجمعون وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن قتادة قال يعني بالناس أجمعين المؤمنين وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) خالدين فيها ( يقول خالدين في جهنم في اللعنة وقال في قوله ) ولا هم ينظرون ( يقول لا ينظرون فيعتذرون وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا هم ينظرون ( قال لا يؤخرون وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( اسم الله الأعظم في هاتين الايتين ) وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ( الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وأخرج الديلمي عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ليس شيء أشد على مردة الجن من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة ) وإلهكم إله واحد ( الايتين
البقرة 164
البقرة : ( 164 ) إن في خلق . . . . .
لما ذكر سبحانه التوحيد بقوله ) وإلهكم إله واحد ( عقب ذلك بالدليل الدال عليه وهو هذه الأمور التي هي من أعظم صنعة الصانع الحكيم مع علم كل عاقل بأنه لا يتهيأ من أحد من الآلهة التي أثبتها الكفار أن يأتي بشيء منها أو يقتدر عليه أو على بعضه وهي خلق السموات وخلق الأرض وتعاقب الليل والنهار وجرى الفلك في البحر وإنزال المطر من السماء وإحياء الأرض به وبث الدواب منها بسببه وتصريف الرياح فإن من أمعن نظره وأعمل فكره في واحد منها انبهر له وضاق ذهنه عن تصور حقيقته وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة كل سماء من جنس غير جنس الأخرى ووحد الأرض لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب والمراد باختلاف الليل والنهار تعاقبهما بإقبال أحدهما وإدبار الآخر وإضاءة أحدهما وإظلام الآخر والنهار ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس وقال النضر بن شميل أول النهار طلوع الشمس ولا يعد ما قبل ذلك من النهار وكذا قال ثعلب واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت والشمس تطلع كل آخر ليلة
حمراء يصبح لونها يتورد
وكذا قال الزجاج وقسم ابن الأنباري الزمان إلى ثلاثة أقسام قسما جعله ليلا محضا وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر وقسما جعله نهارا محضا وهو من طلوع الشمس إلى غروبها وقسما جعله مشتركا بين النهار والليل وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لبقايا ظلمة الليل ومبادىء ضوء النهار هذا باعتبار مصطلح أهل اللغة وأما في الشرع فالكلام في ذلك معروف والفلك السفن وإفراده وجمعه بلفظ واحد وهو هذا ويذكر ويؤنث قال الله تعالى ) في الفلك المشحون ( ) والفلك التي تجري في البحر ( وقال ) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ( وقيل واحدة فلك بالتحريك مثل أسد وأسد وقوله ) بما ينفع الناس ( يحتمل أن تكون ما موصولة


"""""" صفحة رقم 164 """"""
أي بالذي ينفعهم أو مصدرية أي بنفعهم والمراد بما أنزل من السماء المطر الذي به حياة العالم وإخراج النبات والأرزاق والبث النشر والظاهر أن قوله ) بث ( معطوف على قوله ) فأحيا ( لأنهما أمران متسببان عن إنزال المطر وقال في الكشاف إن الظاهر عطفه على أنزل والمراد بتصريف الرياح إرسالها عقيما وملقحة وصرا ونصرا وهلاكا وحارة وباردة ولينة وعاصفة وقيل تصريفها إرسالها جنوبا وشمالا ودبورا وصبا ونكبا وهي التي تأتي بين مهبي ريحين وقيل تصريفها أن تأتي السفن الكبار بقدر ما تحملها والصغار كذلك ولا مانع من حمل التصريف على جميع ما ذكر والسحاب سمى سحابا لإنسحابه في الهواء وسحبت ذيلي سحبا وتسحب فلان على فلان اجترأ والمسخر المذلل وسخره بعثه من مكان إلى آخر وقيل تسخيره ثبوته بين السماء والأرض من غير عمد ولا علائق والأول أظهر والايات الدلالات على وحدانيته سبحانه لمن ينظر ببصره ويتفكر بعقله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال قالت قريش للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا نتقوى به على عدونا فأوحى الله إليه إني معطيهم فأجعل لهم الصفا ذهبا ولكن إن كفروا بعد ذلك عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فقال رب دعني وقومي فأدعوهم يوما بيوم فأنزل الله هذه الآية وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير وأخرج وكيع والفريابي وآدم ابن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الضحى قال لما نزلت ) وإلهكم إله واحد ( عجب المشركون وقالوا إن محمدا يقول ) وإلهكم إله واحد ( فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله ) إن في خلق السماوات والأرض ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء نحوه وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سلمان قال الليل موكل به ملك يقال له شراهيل فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة عين وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة فإذا غربت جاء الليل فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته وترى الشمس الخرزة البيضاء فتطلع وقد أمرت أن لا تطلع حتى تراها فإذا طلعت جاء النهار وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) والفلك ( قال السفينة واخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال ( بث ) خلق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وتصريف الرياح ( قال إذا شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب وبشرا بين يدي رحمته وإذا شاء جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة وكل شيء في القرآن من الريح فهي عذاب وقد رود في النهي عن سب الريح وأوصافها أحاديث كثيرة لا تعلق لها بالآية
البقرة 165 167


"""""" صفحة رقم 165 """"""
البقرة : ( 165 ) ومن الناس من . . . . .
لما فرغ سبحانه من الدليل على وحدانيته أخبر أن مع هذا الدليل الظاهر المفيد لعظيم سلطانه وجليل قدرته وتفرده بالخلق وقد وجد في الناس من يتخذ معه سبحانه ندا يعبده من الأصنام وقد تقدم تفسير الأنداد مع أن هؤلاء الكفار لم يقتصروا على مجرد عبادة الأنداد بل أحبوها حبا عظيما وأفرطوا في ذلك إفراطا بالغا حتى صار حبهم لهذه الأوثان ونحوها متمكنا في صدورهم كتمكن حب المؤمنين لله سبحانه فالمصدر في قوله ) كحب الله ( مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف وهو المؤمنون ويجوز أن يكون المراد كحبهم لله أي عبدة الأوثان قاله ابن كيسان والزجاج ويجوز أن يكون هذا المصدر من المبني للمجهول أي كما يحب الله والأول أولى لقوله ) والذين آمنوا أشد حبا لله ( فإنه استدراك لما يفيده التشبيه من التساوي أي أن حب المؤمنين لله أشد من حب الكفار للأنداد لأن المؤمنين يخصون الله سبحانه بالعبادة والدعاء والكفار لا يخصون أصنامهم بذلك بل يشركون الله معهم ويعترفون بأنهم إنما يعبدون أصنامهم ليقربوهم إلى الله ويمكن أن يجعل هذا أعني قوله ) والذين آمنوا أشد حبا لله ( دليلا على الثاني لأن المؤمنين إذا كانوا أشد حبا لله لم يكن حب الكفار للأنداد كحب المؤمنين لله وقيل المراد بالأنداد هنا الرؤساء أي يطيعونهم في معاصي الله ويقوى هذا الضمير في قولهم ) يحبونهم ( فإنه لمن يعقل ويقويه أيضا قوله سبحانه عقب ذلك ) إذ تبرأ الذين اتبعوا ( الآية قوله ? ولو ترى الذين ظلموا ? قراءة أهل مكة والكوفة وأبو عمرو بالياء التحتية وهو اختيار أبي عبيد وقراءة أهل المدينة وأهل الشام بالفوقية والمعنى على القراءة الأولى لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعا قاله أبو عبيد قال النحاس وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير انتهى وعلى هذا فالرؤية هي البصرية لا القلبية وروى عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال هذا التفسير الذي جاء به أبو عبيد بعيد وليست عبارته فيه بالجيدة لأنه يقدر ولو يرى الذين ظلموا العذاب فكأنه يجعله مشكوكا فيه وقد أوجبه الله تعالى ولكن التقدير وهو الأحسن ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله ويرى بمعنى يعلم أي لو يعلمون حقيقة قوة الله وشدة عذابه قال وجواب لو محذوف أي لتبينوا ضرر اتخاذهم الآلهة كما حذف في قوله ) ولو ترى إذ وقفوا على النار ( ) ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ( ومن قرأ بالفوقية فالتقدير ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعا وقد كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علم ذلك ولكن خوطب بهذا الخطاب والمراد به أمته وقيل ) إن ( في موضع نصب مفعول لأجله أي لأن القوة لله كما قال الشاعر واغفر عوراء الكريم ادخاره
وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
أي لإدخاره والمعنى ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ودخلت ( إذا ) وهي لما مضى في إثبات هذه المستقبلات تقريبا للأمر وتصحيحا لوقوعه وقرأ ابن عامر ( إذ يرون ) بضم الياء والباقون بفتحها وقرأ الحسن ويعقوب وأبو جعفر ( إن القوة وإن الله ) بكسر الهمزة فيهما على الاستئناف وعلى تقدير القول
البقرة : ( 166 ) إذ تبرأ الذين . . . . .
قوله ) إذ تبرأ الذين اتبعوا ( بدل من قوله ) إذ يرون العذاب ( ومعناه


"""""" صفحة رقم 166 """"""
أن السادة والرؤساء تبرءوا ممن اتبعهم على الكفر وقوله ) ورأوا العذاب ( في محل نصب على الحال يعني التابعين والمتبوعين قيل عند المعاينة في الدنيا وقيل عند العرض والمساءلة في الآخرة ويمكن أن يقال فيهما جميعا إذ لا مانع من ذلك قوله ) وتقطعت بهم الأسباب ( هي جمع سبب وأصله في اللغة الحبل الذي يشد به الشيء ويجذب به ثم جعل كل ما جر شيئا سببا والمراد بها الوصل التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا من الرحم وغيره وقيل هي الأعمال
البقرة : ( 167 ) وقال الذين اتبعوا . . . . .
والكرة الرجعة والعودة إلى حال قد كانت ولو هنا في معنى التمني كأنه قيل ليت لنا كرة ولهذا وقعت الفاء في الجواب والمعنى أن الأتباع قالوا لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحا ونتبرأ منهم كما تبرءوا منا والكاف في قوله ) كما تبرؤوا منا ( في محل نصب على النعت لمصدر محذوف وقيل في محل نصب على الحال ولا أراه صحيحا وقوله ) كذلك يريهم الله ( في موضع رفع أي الأمر كذلك أي كما أراهم الله العذاب يريهم أعمالهم وهذه الرؤية إن كانت البصرية فقوله ) حسرات ( منتصب على الحال وإن كانت القلبية فهو المفعول الثالث والمعنى أن أعمالهم الفاسدة يريهم الله إياها فتكون عليهم حسرات أو يريهم الأعمال الصالحة التي أوجبها عليهم فتركوها فيكون ذلك حسرة عليهم وقوله ) وما هم بخارجين من النار ( فيه دليل على خلود الكفار في النار وظاهر هذا التركيب يفيد الاختصاص وجعله الزمخشري للتقوية لغرض له يرجع إلى المذهب والبحث في هذا يطول
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ( قال مباهاة ومضاررة للحق بالأنداد ) والذين آمنوا أشد حبا لله ( قال من الكفار لالهتهم وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في هذه الآية قال هؤلاء المشركون أندادهم آلهتهم التي عبدوا مع الله يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله ) والذين آمنوا أشد حبا لله ( من حبهم لآلهتهم وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة نحو ما قال ابن زيد وأخرج ابن جرير عن الزبيري في قوله ) ولو يرى الذين ظلموا ( قال ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم فاتخذوا من دوني أندادا يحبونهم كحبكم إياي حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم لعلمتم أن القوة كلها لي دون الأنداد والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئا ولا تدفع عنهم عذابا أحللت بهم وايقنتهم أني شديد عاذبي لمن كفر بي وادعى معي إلها غيري وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إذ تبرأ الذين اتبعوا ( قال هم الجبابرة والقادة والرءوس في الشرك ) من الذين اتبعوا ( قال هم الشياطين تبرءوا من الإنس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) وتقطعت بهم الأسباب ( قال المودة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال هي المنازل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال هي الأرحام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال هي الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا والمودة وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال هي الأعمال وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع قال هي المنازل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) لو أن لنا كرة ( قال رجعة إلى الدنيا وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) حسرات ( قال صارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) وما هم بخارجين من النار ( قال أولئك أهلها الذين هم أهلها وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت بن معبد قال ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت ) وما هم بخارجين من النار (


"""""" صفحة رقم 167 """"""
البقرة 168 171
البقرة : ( 168 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله ) يا أيها الناس ( قيل إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني مدلج فيما حرموه على أنفسهم من الأنعام حكاه القرطبي في تفسيره ولكن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقوله ) حلالا ( مفعول أو حال وسمي الحلال حلالا لإنحلال عقدة الحظر عنه والطيب هنا هو المستلذ كما قاله الشافعي وغيره وقال مالك وغيره هو الحلال فيكون تأكيدا لقوله ) حلالا ( ومن في قوله ) مما في الأرض ( للتبعيض للقطع بأن في الأرض ما هو حرام ( وخطوات ) جمع خطوة بالفتح والضم وهي بالفتح للمرة وبالضم لما بين القدمين وقرأ القراء خطؤات بفتح الخاء وقرأ أبو سماك بفتح الخاء والطاء وقرأ علي وقتادة والأعرج وعمرو بن ميمون والأعمش ( خطؤات ) بضم الخاء والطاء والهمز على الواو قال الأخفش وذهبوا بهذه القراءة ألى أنها جمع خطية من الخطأ لا من الخطو قال الجوهري والخطوة بالفتح المرة الواحدة والجمع خطوات وخطا انتهى والمعنى على قراءة الجمهور لا تقفوا أثر الشيطان وعمله وكل ما لم يرد به الشرع فهو منسوب إلى الشيطان وقيل هي النذور والمعاصي والأولى التعميم وعدم التخصيص بفرد أو نوع وقوله ) إنه لكم عدو مبين ( أي ظاهر العداوة ومثله قوله تعالى ) إنه عدو مضل مبين ( وقوله ) إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا )
البقرة : ( 169 ) إنما يأمركم بالسوء . . . . .
وقوله ) بالسوء ( سمي السوء سوءا لأنه يسوء صاحبه بسوء عاقبته وهو مصدر ساءه يسوؤه سوءا ومساءة إذا أحزنه ) والفحشاء ( أصله سوء المنظر ومنه قول الشاعر وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش
ثم استعمل فيما يقبح من المعاني وقيل السوء القبيح والفحشاء التجاوز للحد في القبح وقيل السوء ما لا حد فيه والفحشاء ما فيه الحد وقيل الفحشاء الزنا وقيل إن كل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء وقوله ) وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( قال ابن جرير الطبري يريد ما حرموه من البحيرة والسائبة ونحوهما مما جعلوه شرعا وقيل هو قولهم هذا حلال وهذا حرام بغير علم والظاهر أنه يصدق على كل ما قيل في الشرع بغير علم وفي هذه الآية دليل على أن كل ما لم يرد فيه نص أو ظاهر من الأعيان الموجودة في الأرض فأصله الحل حتى يرد دليل يقتضي تحريمه وأوضح دلالة على ذلك من هذه الآية قوله تعالى ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض )
البقرة : ( 170 ) وإذا قيل لهم . . . . .
والضمير في قوله ) وإذا قيل لهم ( راجع إلى الناس لأن الكفار منهم وهم المقصودون هنا وقيل كفر العرب خاصة و ) ألفينا ( معناه وجدنا والألف في قوله ) أولو كان آباؤهم ( للإستفهام وفتحت الواو لأنها واو العطف وفي هذه الآية من الذم للمقلدين والنداء بجهلهم الفاحش واعتقادهم الفاسد ما لا يقادر قدره ومثل هذه الآية قوله تعالى ) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ( الآية وفي ذلك دليل على قبح التقليد والمنع منه والبحث في ذلك يطول وقد أفردته بمؤلف مستقل سميته القول المفيد في حكم التقليد واستوفيت


"""""" صفحة رقم 168 """"""
الكلام فيه في أدب الطلب ومنتهى الأرب
البقرة : ( 171 ) ومثل الذين كفروا . . . . .
وقوله ) ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ( فيه تشبيه واعظ الكافرين وداعيهم وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالراعي الذي ينعق بالغنم أو الإبل فلا يسمع إلا دعاء وندء ولا يفهم ما يقول هذا فسره الزجاج والفراء وسيبويه وبه قال جماعة من السلف قال سيبويه لم يشبهوا بالناعق إنما شبهوا بالمنعوق به والمعنى مثلك يا محمد ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم فحذف لدلالة المعنى عليه وقال قطرب المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما لا يفهم يعني الأصنام كمثل الراعي إذا نعق بغنمه وهو لا يدري أين هي وبه قال ابن جرير الطبري وقال ابن زيد المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم الآلهة الجماد كمثل الصائح في جوف الليل فيجيبه الصدى فهو يصيح بما لا يسمع ويجيبه ما لا حقيقة فيه والنعيق زجر الغنم والصياح بها يقال نعق الراعي بغنمه ينعق نعيقا ونعاقا ونعقانا أي صاح بها وزجرها والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ويقولون أجهل من راعي ضأن وقوله ( صم ) وما بعده أخبار لمبتدإ محذوف أي هم صم بكم عمى وقد تقدم تفسير ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال ( تليت هذه الآية عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يعني ) يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ( فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه فما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولا تتبعوا خطوات الشيطان ( قال عمله وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال ( ما خالف القرآن فهو من خطوات الشيطان ) وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال خطاه
وأخرجا أيضا عن عكرمة قال هي نزغات الشيطان وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال هي تزيين الشيطان وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال ما كان من يمين أو نذر في غضب فهو من خطوات الشيطان وكفارته كفارة يمين وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه أتى بضرع وملح فجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم فقال ابن مسعود ناولوا صاحبكم فقال لا أريد فقال أصائم أنت قال لا قال فما شأنك قال حرمت على نفسى أن آكل ضرعا فقال ابن مسعود هذا من خطوات الشيطان فأطعم وكفر عن يمينك وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن غياث قال سألت جابر بن زيد عن رجل نذر أن يجعل في أنفه حلقة من ذهب فقال هي من خطوات الشيطان ولا يزال عاصيا لله فليكفر عن يمينه وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه جعل يمين من حلف أن يحج حبوا من خطوات الشيطان وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال هي النذور في المعاصي وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) إنما يأمركم بالسوء ( قال المعصية ) والفحشاء ( قال الزنا وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا هم كانوا أعلم وخيرا منا فأنزل الله في ذلك ) وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ( وأخرج ابن جرير عن الربيع وقتادة في قوله ) ألفينا ( قالا وجدنا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن


"""""" صفحة رقم 169 """"""
عباس في قوله ) ومثل الذين كفروا ( الآية قال كمثل البقر والحمار والشاة إن قلت لبعضهم كلاما لم يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك وروى نحو ذلك عن مجاهد أخرجه عبد بن حميد وعن عكرمة أخرجه وكيع واخرج ابن جرير عن ابن جريج قال قال لي عطاء في هذه الآية هم اليهود الذين أنزل الله فيهم ) إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ( إلى قوله ) فما أصبرهم على النار (
البقرة 172 173
البقرة : ( 172 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ( هذا تأكيد للأمر الأول أعني قوله ) يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ( وإنما خص المؤمنين هنا لكونهم أفضل أنواع الناس قيل والمراد بالأكل الانتفاع وقيل المراد به الأكل المعتاد وهو الظاهر قوله ) واشكروا لله ( قد تقدم أنه يقال شكره وشكر له يتعدى بنفسه وبالحرف وقوله ) إن كنتم إياه تعبدون ( أي تخصونه بالعبادة كما يفيده تقدم المفعول
البقرة : ( 173 ) إنما حرم عليكم . . . . .
قوله ) إنما حرم عليكم الميتة ( قرأ أبو جعفر ( حرم ) على البناء للمفعول و ( إنما ) كلمة موضوعة للحصر تثبت ما تناوله الخطاب وتنفي ما عداه وقد حصرت ها هنا التحريم في الأمور المذكورة بعدها قوله ) الميتة ( قرأ ابن أبي عبلة بالرفع ووجه ذلك أنه يجعل ( ما ) في ( إنما ) موصولة منفصلة في الخط والميتة وما بعدها خبر الموصول وقراءة الجميع بالنصب وقرأ أبو جعفر بن القعقاع الميتة بتشديد الياء وقد ذكر أهل اللغة أنه يجوز في ميت التخفيف والتشديد والميتة ما فارقها الروح من غير ذكاة وقد خصص هذا العموم بمثل حديث ( أحل لنا ميتتان ودمان ) أخرجه أحمد وابن ماجة والدارقطني والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا ومثل حديث جابر في العنبر الثابت في الصحيحين مع قوله تعالى ) أحل لكم صيد البحر ( فالمراد بالميتة هنا ميتة البر لا ميتة البر وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أكل جميع حيوانات البحر حيها وميتها وقال بعض أهل العلم إنه يحرم من حيوانات البحر ما يحرم شبهه في البر وتوقف ابن حبيب في خنزير الماء وقال ابن القاسم وأنا أتقيه ولا أراه حراما قوله ( والدم ) قد اتفق العلماء على أن الدم حرام وفي الآية الأخرى ) أو دما مسفوحا ( فيحمل المطلق على المقيد لأن ما خلط باللحم غير محرم قال القرطبي بالإجماع وقد روت عائشة أنها كانت تطبخ اللحم فتعلو الصفرة على البرمة من الدم فيأكل ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا ينكره قوله ( ولحم الخنزير ) ظاهر هذه الآية والآية الأخرى أعني قوله تعالى ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ( أن المحرم إنما هو اللحم فقط وقد أجمعت الأمة على تحريم شحمه كما حكاه القرطبي في تفسيره وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن اللحم يدخل تحته الشحم وحكى القرطبي الإجماع أيضا على أن جملة الخنزير محرمة إلا الشعر فإنه تجوز الخرازة به قوله ) وما أهل به لغير الله ( الإهلال رفع الصوت يقال أهل بكذا أي رفع صوته قال الشاعر يصف فلاة


"""""" صفحة رقم 170 """"""
تهل بالفرقد ركبانها
كما يهل الراكب المعتمر
وقال النابغة أو درة صدفية غواصها
بهج متى يرها يهل ويسجد
ومنه إهلال الصبي واستهلاله وهو صياحه عند ولادته والمراد هنا ما ذكر عليه اسم غير الله كاللات والعزى إذا كان الذابح وثنيا والنار إذا كان الذابح مجوسيا ولا خلاف في تحريم هذا وأمثاله ومثله ما يقع من المعتقدين للأموات من الذبح على قبورهم فإنه مما أهل به لغير الله ولا فرق بينه وبين الذبح للوثن قوله ) فمن اضطر ( قريء بضم النون للإتباع وبكسرها على الأصل في التقاء الساكنين وفيه إضمار أي فمن اضطر إلى شيء من هذه المحرمات وقرأ ابن محيصن بإدغام الضاد في الطاء وقرأ أبو السماك بكسر الطاء والمراد من صيره الجوع والعدم إلى الإضطرار إلى الميتة قوله ) غير باغ ( نصب على الحال قيل المراد بالباغي من يأكل فوق حاجته والعادي من يأكل هذه المحرمات وهو يجد عنها مندوحة وقيل غير باغ على المسلمين وعاد عليهم فيدخل في الباغي والعادي قطاع الطريق والخارج على السلطان وقاطع الرحم ونحوهم وقيل المراد غير باغ على مضطر آخر ولا عاد سدا لجوعة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ( قال من الحلال وأخرج ابن سعد عن عمر بن عبدالعزيز أن المراد بما في الآية طيب الكسب لا طيب الطعام وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنها حلال الرزق وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ( وقال ) يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ( ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ) وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وما أهل ( قال ذبح وأخرج ابن جرير عنه قال ) وما أهل به ( للطواغيت وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال ما ذبح لغير الله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال ما ذكر عليه اسم غير الله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) غير باغ ولا عاد ( يقول من أكل شيئا من هذه وهو مضطر فلا حرج ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) غير باغ ( قال في الميتة ) ولا عاد ( قال في الأكل وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) غير باغ ولا عاد ( قال غير باغ على المسلمين ولا معتد عليهم فمن خرج يقطع الرحم أو يقطع السبيل أو يفسد في الأرض أو مفارقا للجماعة والأئمة أو خرج في معصية الله فاضطر إلى الميتة لم تحل له وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال العادي الذي يقطع الطريق وقوله ) فلا إثم عليه ( يعني في أكله ) إن الله غفور رحيم ( لمن أكل من الحرام رحيم به إذ أحل له الحرام في الاضطرار وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ) فمن اضطر غير باغ ولا عاد ( غير باغ في أكله ولا عاد يتعدى الحلال إلى الحرام وهو يجد عنه بلغة ومندوحة
البقرة 174 176


"""""" صفحة رقم 171 """"""
البقرة : ( 174 ) إن الذين يكتمون . . . . .
قوله ) إن الذين يكتمون ( قيل المراد بهذه الآية علماء اليهود لأنهم كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والاشتراء هنا الاستبدال وقد تقدم تحقيقه وسماه قليلا لانقطاع مدته وسوء عاقبته وهذا السبب وإن كان خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ وهو يشمل كل من كتم ما شرعه الله وأخذ عليه الرشا وذكر البطون دلالة وتأكيدا أن هذا الأكل حقيقة إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضى ونحوه وقال في الكشاف إن معنى ) في بطونهم ( ملء بطونهم قال يقول أكل فلان في بطنه واكل في بعض بطنه انتهى وقوله ) إلا النار ( أي أنه يوجب عليهم عذاب النار فسمى ما أكلوه نارا لأنه يؤول بهم اليها هكذا قال أكثر المفسرين وقيل إنهم يعاقبون على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة ومثله قوله سبحانه ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ( وقوله ) ولا يكلمهم الله ( فيه كناية عن حلول غضب الله عليهم وعدم الرضا عنهم قال فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه وقال ابن جرير الطبري المعنى ولا يكلمهم بما يحبونه لا بما يكرهونه كقوله تعالى ) اخسؤوا فيها ولا تكلمون ( وقوله ) ولا يزكيهم ( معناه لا يثني عليهم خيرا قاله الزجاج وقيل معناه لا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم
البقرة : ( 175 ) أولئك الذين اشتروا . . . . .
وقوله ) اشتروا الضلالة بالهدى ( قد تقدم تحقيق معناه وقوله ) فما أصبرهم على النار ( ذهب جمهور ومنهم الحسن ومجاهد إلى أن معناه التعجب والمراد تعجيب المخلوقين من حال هؤلاء الذين باشروا الأسباب الموجبة لعذاب النار فكأنهم بهذه المباشرة للأسباب صبروا على العقوبة في نار جهنم وحكى الزجاج أن المعنى ما أبقاهم على النار من قولهم ما أصبر فلانا على الحبس أي ما أبقاه فيه وقيل المعنى ما أقل جزعهم من النار فجعل قلة الجزع صبرا وقال الكسائي وقطرب أي ما أدومهم على عمل أهل النار وقيل ( ما ) استفهامية ومعناه التوبيخ أي أي شيء أصبرهم على عمل النار قاله ابن عباس والسدي وعطاء وأبو عبيدة
البقرة : ( 176 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ( الإشارة باسم الإشارة إلى الأمر أي ذلك الأمر وهو العذاب قاله الزجاج وقال الأخفش إن خبر اسم الإشارة محذوف والتقدير ذلك معلوم والمراد بالكتاب هنا القرآن ( بالحق ) أي بالصدق وقيل بالحجة وقوله ) وإن الذين اختلفوا في الكتاب ( قيل المراد بالكاب هنا التوراة فادعى النصارى أن فيها صفة عيسى وأنكرهم اليهود وقيل خالفوا ما في التوراة من صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) واختلفوا فيها وقيل المراد القرآن والذين اختلفوا كفار قريش يقول بعضهم هو سحر وبعضهم يقول هو اساطير الأولين وبعضهم يقول غير ذلك ) لفي شقاق ( أي خلاف ) بعيد ( عن الحق وقد تقدم معنى الشقاق
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ) إن الذين يكتمون ما أنزل الله ( قال نزلت في اليهود وأخرج ابن جرير عن السدي قال كتموا اسم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذوا عليه طمعا قليلا وأخرج ابن جرير أيضا عن أبي العالية نحوه وأخرج الثعلبي عن ابن عباس بسندين ضعيفين أنها نزلت في اليهود وأخرج


"""""" صفحة رقم 172 """"""
ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ( قال اختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة ) فما أصبرهم على النار ( قال ما أجرأهم على عمل النار وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) فما أصبرهم على النار ( قال ما أعملهم بأعمال أهل النار وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر في قوله ) فما أصبرهم على النار ( قال والله ما لهم عليها من صبر ولكن يقول ما أجرأهم على النار وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير أيضا عن السدي في الآية قال هذا على وجه الاستفهام يقول ما الذي أصبرهم على النار وقوله ) وإن الذين اختلفوا في الكتاب ( قال هم اليهود والنصارى ) لفي شقاق بعيد ( قال في عداوة بعيدة
البقرة 177
البقرة : ( 177 ) ليس البر أن . . . . .
قوله ) ليس البر ( قرأ حمزة وحفص بالنصب على أنه خبر ليس والاسم ) أن تولوا ( وقرأ الباقون بالرفع على أنه الإسم قيل إن هذه الآية نزلت للرد على اليهود والنصارى لما أكثروا الكلام في شأن القبلة عند تحويل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الكعبة وقيل إن سبب نزولها أنه سأل رسول الله سائل وسيأتي ذلك آخر البحث إن شاء الله وقوله ) قبل المشرق والمغرب ( قيل أشار سبحانه بذكر المشرق إلى قبلة النصارى لأنهم يستقبلون مطلع الشمس وأشار بذكر المغرب إلى قبلة اليهود لأنهم يستقبلون بيت المقدس وهو في جهة الغرب منهم إذ ذاك وقوله ) ولكن البر ( هو اسم جامع للخير وخبره محذوف تقديره بر من آمن قاله الفراء وقطرب والزجاج وقيل إن التقدير ولكن ذو البر من آمن ووجه هذا التقدير الفرار عن الإخبار باسم العين عن اسم المعنى ويجوز أن يكون البر بمعنى البار وهو يطلق المصدر على اسم الفاعل كثيرا ومنه في التنزيل ) إن أصبح ماؤكم غورا ( أي غائرا وهذا اختيار أبي عبيدة والمراد بالكتاب هنا الجنس أو القرآن والضمير في قوله ) على حبه ( راجع إلى المال وقيل راجع إلى الإيتاء المدلول عليه بقوله ) وآتى المال ( وقيل إنه راجع إلى الله سبحانه أي على حب الله والمعنى على الاول أنه أعطى المال وهو يحبه ويشح به ومنه قوله تعالى ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( والمعنى على الثاني أنه يحب إيتاء المال وتطيب به نفسه والمعنى على الثالث أنه أعطى من تضمنته الآية في حب الله عز وجل لا لغرض آخر وهو مثل قوله ) ويطعمون الطعام على حبه ( ومثله قوله زهير إن الكريم على علاته هرم
وقدم ذوي القربى لكون دفع المال إليهم صدقة وصلة إذا كانوا فقراء هكذا اليتامى الفقراء أولى بالصدقة من الفقراء الذين ليسوا بيتامى لعدم قدرتهم على الكسب والمسكين الساكن إلي ما في أيدي الناس لكونه لا يجد شيئا ) وابن السبيل ( المسافر المنقطع وجعل ابنا للسبيل لملازمته له وقوله


"""""" صفحة رقم 173 """"""
( وفي الرقاب ) أي في معاونة الأرقاء الذين كاتبهم المالكون لهم وقيل المراد شراء الرقاب وإعتاقها وقيل المراد فك الأسارى وقوله ) وآتى الزكاة ( فيه دليل على أن الإيتاء المتقدم هو صدقة التطوع لا صدقة الفريضة وقوله ) والموفون ( قيل هو معطوف على ( من آمن ) كأنه قيل ولكن البر المؤمنون والموفون قاله الفراء والأخفش وقيل هو مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وقيل هو خبر لمبتدإ محذوف أي هم الموفون وقيل إنه معطوف على الضمير في آمن وأنكره أبو علي وقال ليس المعنى عليه وقوله ) والصابرين ( منصوب على المدح كقوله تعالى ) والمقيمين الصلاة ( ومنه ما أنشده أبو عبيدة لا يبعدن قومي الذين هم
سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معركة
والطيبين معاقد الأزر
وقال الكسائي هو معطوف على ذوي القربى كأنه قال وآتى الصابرين وقال النحاس إنه خطأ قال الكسائي وفي قراءة عبدالله ? والموفين والصابرين ? قال النحاس يكونان على هذه القراءة منسوقين على ذوي القربى أو على المدح وقرأ يعقوب والأعمش ? والموفون والصابرون ? بالرفع فيهما ( والبأساء ) الشدة والفقر ( والضراء ) المرض والزمانة ( وحين البأس ) قيل الراد وقت الحرب والبأساء والضراء اسمان بنيا على فعلاء ولا فعل لهما لأنهما اسمان وليسا بنعت وقوله ( صدقوا ) وصفهم بالصدق والتقوى في أمورهم والوفاء بها وأنهم كانوا جادين وقيل المراد صدقوهم القتال والأول أولى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الإيمان فتلا ) ليس البر أن تولوا وجوهكم ( حتى فرغ منها ثم سأله أيضا فتلاها ثم سأله فتلاها قال وإذا عملت بحسنة أحبها قلبك وإذا عملت بسيئة أبغضها قلبك وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن القاسم بن عبدالرحمن قال جاء رجل إلى أبي ذر فقال ما الإيمان فتلا عليه هذه الآية ثم ذكر له نحو الحديث السابق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال يقول ليس البر أن تصلوا ولا تعلموا هذا حين تحول من مكة إلى المدينة وأنزلت الفرائض واخرج عنه ابن جرير أنه قال هذه الآية نزلت بالمدينة يقول ليس البر أن تصلوا ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلا سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن البر فأنزل الله ) ليس البر ( الآية وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة قال كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت ( ليس البر ) الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية مثله وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله ) وآتى المال على حبه ( قال يعطي وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخاف الفقر وأخرج عنه مرفوعا مثله وأخرج البيهقي في الشعب عن المطلب ( أنه قيل يا رسول ما آتى امال على حبه فكلنا نحبه قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تؤتيه حين تؤتيه ونفسك تحدثك بطول العمر والفقر ) وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وآتى المال على حبه ( يعني على حب المال وأخرج عنه أيضا في قوله ) ذوي القربى ( يعني قرابته وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة ) أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي في سننه


"""""" صفحة رقم 174 """"""
من حديث سلمان بن عامر الضبي وفي الصحيحين وغيرهما من حديث زينب إمرأة ابن مسعود ( أنها سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل تجزي عنها من الصدقة النفقة على زوجها وأيتام في حجرها فقال لك أجران أجر الصدقة وأجر القرابة ) وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من حديث أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ) وأخرج أحمد والدارمي والطبراني من حديث حكيم بن حزام عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال هو الذي يمر بك وهو مسافر وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ( والسائلين ) قال السائل الذي يسألك وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ( وفي الرقاب ) قال يعني فك الرقاب وأخرج أيضا عنه قوله ) وأقام الصلاة ( يعني وأتم الصلاة المكتوبة ) وآتى الزكاة ( يعني الزكاة المفروضة وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والدارقطني وابن مردويه عن فاطمة بنت قيس قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( في المال حق سوى الزكاة ثم قرأ ( ليس البر أن تولوا وجوهكم ) الآية ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قول ( والموفون بعهدهم ) قال فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فالله ينتقم منه ومن أعطى ذمة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم غدر بها فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خصمه واخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ( يعني فيما بينهم وبين الناس وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال ( البأساء ) الفقر ( والضراءة ) السقم ( وحين البأس ) حين القتال وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) أولئك الذين صدقوا ( قال فعلوا ما ذكر الله في هذه الآية وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله ) أولئك الذين صدقوا ( قال تكلموا بكلام الإيمان فكانت حقيقة العمل صدقوا الله قال وكان الحسن يقول هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء
البقرة 178 179
البقرة : ( 178 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ( كتب ) معناه فرض وأثبت ومنه قوله عمر بن أبي ربيعة كتب القتل والقتال علينا
وعلى الغانيات جر الذيول
وهذا إخبار من الله سبحانه لعباده بأنه شرع لهم ذلك وقيل إن ( كتب ) هنا إشارة إلى ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ و ( القصاص ) أصله قص الأثر أي أتباعه ومنه القاص لأنه يتتبع الآثار وقص الشعر اتباع أثره فكأن القاتل يسلك طريقا من القتل يقص أثره فيها ومنه قوله تعالى ) فارتدا على آثارهما قصصا ( قيل إن


"""""" صفحة رقم 175 """"""
القصاص مأخوذ من القص وهو القطع يقال قصصت ما بينهما أي قطعته وقد استدل بهذه الآية القائلون بأن الحر لا يقتل بالعبد وهم الجمهور وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن أبي ليلى وداود إلى أنه يقتل به قال القرطبي وروى ذلك عن علي وابن مسعود وبه قال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم بن عتيبة واستدلوا بقوله تعالى ) وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ( وأجاب الأولون عن هذا الاستدلال بأن قوله تعالى ) الحر بالحر والعبد بالعبد ( مفسر لقوله تعالى ) النفس بالنفس ( وقالوا أيضا إن قوله ) وكتبنا عليهم فيها ( يفيد أن ذلك حكاية عما شرعه الله لبني إسرائيل في التوراة ومن جملة ما استدل به الاخرون قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ) ويجاب عنه بأنه مجمل والآية مبينة ولكنه يقال إن قوله تعالى ) الحر بالحر والعبد بالعبد ( إنما أفاد بمنطوقه أن الحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد وليس فيه ما يدل على أن الحر لا يقتل بالعبد إلا باعتبار المفهوم فمن أخذ بمثل هذا المفهوم لزمه القول به هنا ومن لم يأخذ بمثل هذا المفهوم لم يلزمه القول به هنا والبحث في هذا محرر في علم الأصول وقد استدل بهذه الآية القائلون بأن المسلم يقتل بالكافر وهم الكوفيون والثوري لأن الحر يتناول الكافر كما يتناول المسلم وكذا العبد والأنثى يتناولان الكافر كما يتناولان المسلم واستدلوا أيضا بقوله تعالى إن النفس بالنفس لأن النفس تصدق على النفس الكافرة كما تصدق على النفس المسلمة وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل المسلم بالكافر واستدلوا بما ورد من السنة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه لا يقتل مسلم بكافر وهو مبين لما يراد في الآيتين والبحث في هذا يطول واستدل بهذه الآية القائلون بأن الذكر لا يقتل بالأنثى وقرروا الدلالة على ذلك بمثل ما سبق إلا إذا سلم أولياء المرأة الزيادة على ديتها من دية الرجل وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبو ثور وذهب الجمهور إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا زيادة وهو الحق وقد بسطنا البحث في شرح المنتقى فليرجع إليه قوله ) فمن عفي له من أخيه شيء ( من هنا عبارة عن القائل والمراد بالأخ المقتول أو الولي والشيء عبارة عن الدم والمعنى أن القاتل أو الجاني إذا عفي له من جهة المجني عليه أو الولي دم أصابه منه على أن يأخذ منه شيئا من الدية أو الأرش فليتبع المجني عليه الولي من عليه الدم فيما يأخذه منه من ذلك اتباعا بالمعروف وليؤد الجاني ما لزمه من الدية أو الأرش إلى المجني عليه أو إلى الولي أداء بإحسان وقيل إن ( من ) عبارة عن الولي والأخ يراد به القاتل والشيء الدية والمعنى أن الولي إذا جنح إلى العفو عن القصاص إلى مقابل الدية فإن القاتل مخير بين أن يعطيها أو يسلم نفسه للقصاص كما روى عن مالك أنه يثبت الخيار للقاتل في ذلك وذهب من عداه إلى أنه لا يخير بل إذا رضى الأولياء بالدية فلا خيار للقاتل بل يلزمه تسليمها قيل معنى ( عفي ) بذل أي من بذل له شيء من الدية فليقبل وليتبع بالمعروف وقيل إن المراد بذلك أن من فضل له من الطائفتين على الأخرى شيء من الديات فيكون عفي بمعنى فضل وعلى جميع التقادير فتنكير شيء للتقليل فيتناول العفو عن الشيء اليسير من الدية والعفو الصادر عن فرد من أفراد الورثة وقوله ) فاتباع ( مرتفع بفعل محذوف أي فليكن منه اتباع أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فالأمر اتباع وكذا قوله ) وأداء إليه بإحسان ( وقوله ) ذلك تخفيف ( إشارة إلى العفو والدية أي أن الله شرع لهذه الأمة العفو من غير عوض أو بعوض ولم يضيق عليهم كما ضيق على اليهود فإنه أوجب عليهم القصاص ولا عفو وكما ضيق على النصارى فإنه أوجب عليهم العفو ولا دية قوله ) فمن اعتدى بعد ذلك ( أي بعد التخفيف نحو أن يأخذ الدية ثم يقتل القاتل أو يعفو ثم يستقص وقد اختلف أهل العلم فيمن قتل القاتل بعد


"""""" صفحة رقم 176 """"""
أخذ الدية فقال جماعة منهم مالك والشافعي إنه كمن قتل ابتداء إن شاء الولي قتله وإن شاء عفا عنه وقال قتادة وعكرمة والسدي وغيرهم عذابه أن يقتل ألبتة ولا يمكن الحاكم الولي من العفو وقال الحسن عذابه أن يرد الدية فقط ويبق أثمه إلى عذاب الآخرة وقال عمر بن عبدالعزيز أمره إلى الإمام يصنع فيه ا رأى
البقرة : ( 179 ) ولكم في القصاص . . . . .
قوله ) ولكم في القصاص حياة ( أي لكم في هذا الحكم الذي شرعه الله لكم حياة لأن الرجل إذا علم أنه يقتل قصاصا إذا قتل آخرا كف عن القتل وانزجر عن التسرع إليه والوقوع فيه فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الانسانية وهذا نوع من البلاغة بليغ وجنس من الفصاحة رفيع فإنه جعل القصاص الذي هو موت حياة باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضا إبقاء على أنفسهم واستدامة لحياتهم وجعل هذا الخطاب موجها إلى أولي الألباب لأنهم هم الذين ينظرون في العواقب ويتحامون ما فيه الضرر الآجل وأما من كان مصابا بالحمق والطيش والخفة فإنه لا ينظر عند سورة عضبه وغليان مراجل طيشه إلى عاقبة ولا يفكر في أمر مستقبل كما قال بعض فتاكهم سأغسل عني العار بالسيف جالبا
علي قضاء الله ما كان جالبا
ثم علل سبحانه هذا الحكم الذي شرعه لعباده بقوله ) لعلكم تتقون ( أي تتحامون القتل بالمحافظة على القصاص فيكون ذلك سببا للتقوى وقرأ أبو الجوزاء ) ولكم في القصاص حياة ( قيل أراد بالقصص القرآن أي لكم في كتاب الله الذي شرع فيه القصاص حياة أي نجاة وقيل أراد حياة القلوب وقيل هو مصدر بمعنى القصاص والكل ضعيف والقراءة به منكرة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء ولم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم وبالمرأة منا الرجل منهم فنزلت هذه الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فأنزل الله ) النفس بالنفس ( فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم في العمد رجالهم ونساءهم في النفس وفيما دون النفس وجعل العبيد مستوين في العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساءهم وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي مالك قال كان بين حيين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطول فكأنهم طلبوا الفضل فجاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليصلح بينهم فنزلت هذه الآية ) الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ( قال ابن عباس فنسختها ) النفس بالنفس ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس ) فمن عفي له ( قال هو العمد رضي أهله بالعفو ) فاتباع بالمعروف ( أمر به الطالب ) وأداء إليه بإحسان ( من القابل قال يؤدي المطلوب بإحسان ) ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ( مما كان على بني إسرائيل وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عنه من وجه آخر وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن الدية فيهم فقال الله لهذه الأمة ) كتب عليكم القصاص في القتلى ( إلى قوله ) فمن عفي له من أخيه شيء ( فالعفو أن تقبل الدية في العمد ) فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة (


"""""" صفحة رقم 177 """"""
مما كتب على من كان قبلكم ) فمن اعتدى بعد ذلك ( قيل بعد قبول الدية ) فله عذاب أليم ( وأخرج ابن جرير عن قتادة قال كان أهل التوراة إنما هو القصاص أو العفو ليس بينهما ارش وكان أهل الانجيل إنما هو العفو أمروا به وجعل الله لهذه الأمة القتل والعفو والدية إن شاءوا أحلها لهم ولم تكن لأمة قبلهم وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي شريح والخزاعي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها أبدا ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه إذا قتل بعد أخذ الدية فله عذاب عظيم قال فعليه القتل لا تقبل منه الدية قال وذكر لنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية ) وأخرج سمويه في فوائده عن سمرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر مثله وأخرج ابن شيبة عن عكرمة أنه قال يقتل وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) ولكم في القصاص حياة ( قال جعل الله في القصاص حياة ونكالا وعظة إذا ذكره الظالم المعتدى كف عن القتل وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) لعلكم تتقون ( قال لعلك تتقي أن تقتله فتقتل به وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) يا أولي الألباب ( قال من كان له لب يذكر القصاص فيحجزه خوف القصاص عن القتل ) لعلكم تتقون ( قال لكي تتقوا الدماء مخافة القصاص
البقرة 180 182
البقرة : ( 180 ) كتب عليكم إذا . . . . .
قد تقدم معنى ( كتب ) قريبا وحضور الموت حضور أسبابه وظهور علاماته ومنه قول عنترة وإن الموت طوع يدي إذا ما
وصلت بنانها بالهنداوني
وقال جرير أنا الموت الذي حدثت عنه
فليس لهارب مني نجاة
وإنما لم يؤنث الفعل المسند إلى الوصية وهو ) كتب ( لوجود الفاصل بينهما وقيل لأنها بمعنى الإيصاء وقد روى جواز إسناد ما لا تأنيث فيه إلى المؤنث مع عدم الفصل وقد حكى سيبويه قام امرأة وهو خلاف ما أطبق عليه أئمة العربية وشرط سبحانه ما كتبه من الوصية بأن يترك الموصي خيرا واختلف في جواب هذا الشرط ما هو فروى عن الأخفش وجهان أحدهما أن التقدير إن ترك خيرا فالوصية ثم حذفت الفاء كما قال الشاعر من يفعل الحسنات الله يشكرها
والشر بالشر عند الله مثلان
والثاني أن جوابه مقدر قبله أي كتب الوصية للوالدين والأقربين إن ترك خيرا واختلف أهل العلم في مقدار الخير فقيل ما زاد على سبعمائة دينار وقيل ألف دينار وقيل ما زاد على خمسمائة دينار والوصية


"""""" صفحة رقم 178 """"""
في الأصل عبارة عن الأمر بالشيء والعهد به في الحياة وبعد الموت وهي هنا عبارة عن الأمر بالشيء لبعد الموت وقد اتفق أهل العلم على وجوب الوصية على من عليه دين أو عنده وديعة أو نحوها وأما من لم يكن كذلك فذهب أكثرهم إلى أنها غير واجبة عليه سواء كان فقيرا أو غنيا وقالت طائفة إنها واجبة ولم يبين الله سبحانه ها هنا القدر الذي كتب الوصية به للوالدين والأقربين فقيل الخمس وقيل الربع وقيل الثلث وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فذهب جماعة إلى أنها محكمة قالوا وهي وإن كانت عامة فمعناها الخصوص والمراد بها من الوالدين من لا يرث كالأبوين الكافرين ومن هو في الرق ومن الأقربين من عدا الورثة منهم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوصية للوالدين الذين لا يرثان والأقرباء الذين لا يرثون جائزة وقال كثير من أهل العلم إنها منسوخة بآية المواريث مع قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا وصية لوارث ) وهو حديث صححه بعض أهل الحديث وروى من غير وجه وقال بعض أهل العلم إنه نسخ الوجوب ونفى الندب وروى عن الشعبي والنخعي ومالك قوله ) بالمعروف ( أي العدل لا وكس فيه ولا شطط وقد أذن الله للميت بالثلث دون ما زاد عليه وقوله ) حقا ( مصدر معناه الثبوت والوجوب
البقرة : ( 181 ) فمن بدله بعد . . . . .
قوله ) فمن بدله ( هذا الضمير عائد إلا الإيصاء المفهوم من الوصية وكذلك الضمير في قوله ( سمعه ) والتبديل التغيير والضمير في قوله ) فإنما إثمه ( راجع إلى التبديل المفهوم من قوله ) بدله ( وهذا وعيد لمن غير الوصية المطابقة للحق التي لا جنف فيها ولا مضارة وأنه يبوء بالإثم وليس على الموصي من ذلك شيء فقد تخلص مما كان عليه بالوصية به قال القرطبي ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث قاله أبو عمر انتهى
البقرة : ( 182 ) فمن خاف من . . . . .
والجنف المجاوزة من جنف يجنف إذا جاوز قاله النحاس وقيل الجنف الميل ومنه قول الأعشى تجانف عن حجر اليمامة يا فتى
وما قصدت من أهلها لسوائكا
قال في الصحاح الجنف الميل وكذا في الكشاف وقال لبيد إني امرؤ منعت أرومة عامر
ضيمي وقد جنفت علي خصومي
وقوله ) فأصلح بينهم ( أي أصلح ما وقع بين الورثة من الشقاق والإضطراب بسبب الوصية بإبطال ما فيه ضرار ومخالفة لما شرعه الله وإثبات ما هو حق كالوصية في قربة لغير وارث والضمير في قوله ) بينهم ( راجع إلى الورثة وإن لم يتقدم لهم ذكر لأنه قد عرف أنهم المرادون من السياق وقيل راجع إلى الموصى لهم وهم الأبوان والقرابة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن ترك خيرا ( قال مالا وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن عروة أن علي بن أبي طالب دخل على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم فقال ألا أوصي قال لا إنما قال الله ) إن ترك خيرا ( وليس لك كثير مال فدع مالك لورثتك وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن عائشة أن رجلا قال لها أريد أن أوصي قالت كم مالك قال ثلاثة آلاف قالت كم عيالك قال أربعة قالت قال الله ) إن ترك خيرا ( وإن هذا شيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل


"""""" صفحة رقم 179 """"""
وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال إذا ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال جعل الله الوصية حقا مما قل عنه أو كثر وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر حديثا وفيه ( انظر قرابتك الذين يحتاجون ولا يرثون فأوص لهم من مالك بالمعروف ) وأخرجا أيضا عن طاوس قال من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على قرابته وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في الناسخ وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن محمد بن بشير عن ابن عباس قال نسخت هذه الآية وأخرج عنه من وجه آخر أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم أن هذه الآية نسخها قوله تعالى ) للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ( الآية وأخرج عنه من وجه آخر ابن جرير وابن أبي حاتم أنها منسوخة بآية الميراث وأخرج عنه أبو داود في سننه والبيهقي مثله وأخرج ابن جرير عنه أنه قال في الآية نسخ من يرث ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر أنه قال هذه الآية نسختها آية الميراث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فمن بدله ( الآية قال وقد وقع أجر الموصى على الله وبريء من إثمه وقال في قوله ) جنفا ( يعني إثما ) فأصلح بينهم ( قال إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه لكنه فسر الجنف بالميل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) جنفا أو إثما ( قال خطأ أو عمدا وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في سننه عنه قال الجنف في الوصية والإضرار فيها من الكبائر
البقرة 183 184
البقرة : ( 183 ) يا أيها الذين . . . . .
قد تقدم معنى ( كتب ) ولا خلاف بين المسلمين أجمعين أن صوم رمضان فريضة افترضها الله سبحانه على هذه الأمة والصيام أصله في اللغة الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال ويقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام ومنه ) إني نذرت للرحمن صوما ( أي إمساكا عن الكلام ومنه قول النابغة خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
أي خيل ممسكة عن الجري والحركة وهو في الشرع الإمساك عن المفطرات مع إقتران النية به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وقوله ) كما كتب ( أي صوما كما كتب على أن الكاف في موضع نصب على النعت أو كتب عليكم الصيام مشبها ما كتب على أنه في محل نصب على الحال وقال بعض النحاة إن الكاف في موضع رفع نعتا للصيام وهو ضعيف لأن الصيام معرف باللام والضمير المستتر في قوله ) كما كتب ( راجع إلى ما واختلف المفسرون في وجه التشبيه ما هو فقيل هو قدر الصوم ووقته فإن الله كتب على اليهود والنصارى صوم رمضان فغيروا


"""""" صفحة رقم 180 """"""
وقيل هو الوجوب فإن الله أوجب على الأمم الصيام وقيل هو الصفة أي ترك الأكل والشرب ونحوهما في وقت فعلى الأول معناه أن الله كتب على هذه الأمة صوم رمضان كما كتبه على الذين من قبلهم وعلى الثاني أن الله أوجب على هذه الأمة الصيام كما أوجبه على الذين من قبلهم وعلى الثالث أن الله سبحانه أوجب على هذه الأمة الإمساك عن المفطرات كما أوجبه على الذين من قبلهم وقوله تعالى ) لعلكم تتقون ( بالمحافظة عليها وقيل تتقون المعاصي بسبب هذه العبادة لأنها تكسر الشهوة وتضعف دواعي المعاصي كما ورد في الحديث أنه جنة وأنه وجاء
البقرة : ( 184 ) أياما معدودات فمن . . . . .
وقوله ) أياما ( منتصب على أنه مفعول ثان لقوله ) كتب ( قاله الفراء وقيل إنه منتصب على أنه ظرف أي كتب عليكم الصيام في أيام وقوله ) معدودات ( أي معينات بعدد معلوم ويحتمل أن يكون في هذا الجمع لكونه من جموع القلة إشارة إلى تقليل الأيام وقوله ) فمن كان منكم مريضا ( قيل للمريض حالتان إن كان لا يطيق الصوم كان الإفطار عزيمة وإن كان يطيقه مع تضرر ومشقة كان رخصة وبهذا قال الجمهور وقوله ) على سفر ( اختلف أهل العلم في السفر المبيح للإفطار فقيل مسافة قصر الصلاة والخلاف في قدرها معروف وبه قال الجمهور وقال غيرهم بمقادير لا دليل عليها والحق أن ما صدق عليه مسمى السفر فهو الذي يباح عنده الفطر وهكذا ما صدق عليه مسمى المرض فهو الذي يباح عنده الفطر وقد وقع الإجماع على الفطر في سفر الطاعة واختلفوا في الأسفار المباحة والحق أن الرخصة ثابتة فيه وكذا اختلفوا في سفر المعصية وقوله ) فعدة ( أي فعليه عدة أو فالحكم عدة أو فالواجب عدة والعدة فعله من العدد وهو بمعنى المعدود وقوله ) من أيام أخر ( قال سيبويه ولم ينصرف لأنه معدول به عن الآخر لأن سبيل هذا الباب أن يأتي بالألف واللام وقال الكسائي هو معدول به عن آخر وقيل إنه جمع أخرى وليس في الآية ما يدل على وجوب التتابع في القضاء قوله ) وعلى الذين يطيقونه ( قراءة الجمهور بكسر الطاء وسكون الياء وأصله يطوقونه نقلت الكسرة إلى الطاء وانقلبت الواو ياء لإنكسار ما قبلها وقرأ حميد على الأصل من غير إعلال وقرأ ابن عباس بفتح الطاء مخففة وتشديد الواو أي يكلفونه وروى ابن الأنباري عن ابن عباس ( يطيقونه ) بفتح الياء وتشديد الطاء والياء مفتوحتين بمعنى يطيقونه وروى عن عائشة وابن عباس وعمرو بن دينار وطاوس أنهم قرءوا ( يطيقونه ) بفتح الياء وتشديد الطاء مفتوحة وقرأ أهل المدينة والشام ) فدية طعام ( مضافا وقرءوا أيضا ( مساكين ) وقرأ ابن عباس ( طعام مسكين ) وهي قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فقيل إنها منسوخة وإنما كانت رخصة عند ابتداء فرض الصيام لأنه شق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم وهو يطيقه ثم نسخ ذلك وهذا قول الجمهور وروى عن بعض أهل العلم أنها لم تنسخ وأنها رخصة للشيوخ والعجائز خاصة إذا كانوا لا يطيقون الصيام إلا بمشقة وهذا يناسب قراءة التشديد أي يكلفونه كما مر والناسخ لهذه الآية عند الجمهور قوله تعالى ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( وقد اختلفوا في مقدرا الفدية فقيل كل يوم صاع من غير البر ونصف صاع منه وقيل مد فقط وقوله ) فمن تطوع خيرا فهو خير له ( قال ابن شهاب معناه من أراد الإطعام مع الصوم وقال مجاهد معناه من زاد في الإطعام على المد وقيل من أطعم مع السكين مسكينا آخر وقرأ عيسى بن عمرو ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي ( يطوع ) مشددا مع جزم الفعل على معنى يتطوع وقرأ الباقون بتخفيف الطاء على أنه فعل ماض وقوله ) وأن تصوموا خير لكم ( معناه أن الصيام خير لهم من الإفطار مع الفدية وكان هذا قبل النسخ وقيل معناه وأن تصوموا في السفر والمرض غير الشاق


"""""" صفحة رقم 181 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال وأحيل الصيام ثلاثة أحوال فذكر أحوال الصلاة ثم قال وأما أحوال الصيام فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ثم إن الله سبحانه فرض عليه الصيام وأنزل عليه ) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ( إلى قوله ) وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه ثم إن الله أنزل الآية الأخرى ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( فأثبت الله صيامه على الصيح المقيم ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ثم ذكر تمام الحديث وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) كما كتب على الذين من قبلكم ( قال يعني بذلك أهل الكتاب وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني عن دغفل بن حنظلة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كان على النصارى صوم شهر رمضان فمرض ملكهم فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن عشرا ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فوه فقال لئن شفاه الله ليزيدن سبعة ثم كان عليهم ملك آخر فقال ما ندع من هذه الثلاثة الأيام شيئا أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ففعل فصارت خمسين يوما ) وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) لعلكم تتقون ( قال تتقون من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحو ما سبق عن معاذ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم ) وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة قالت كان عاشوراء صياما فلما أنزل رمضان كان من شاء صام ومن شاء افطر وأخرج عبد بن حميد أن ابن عباس قال إن قوله تعالى ) وعلى الذين يطيقونه ( قد نسخت وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه نحو ذلك وزاد أن الناسخ لها قوله تعالى ) فمن شهد منكم الشهر ( الآية وأخرج نحو ذلك عنه أبو داود في ناسخه وأخرج نحوه عنه أيضا سعد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وغيرهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث سلمة بن الأكوع قال لما نزلت هذه الآية ) وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( كان من شاء صام ومن شاء أن يفطر ويفتدي فعل حتى نزلت هذه الآية بعدها فنسختها ) فمن شهد منكم الشهر ( وأخرج البخاري عن ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد فذكر نحوه وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله ) وعلى الذين يطيقونه ( قال الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم فيفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والدارقطني والبيهقي أن أنس بن مالك ضعف عن الصوم عاما قبل موته فصنع جفنة من ثريد ودعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والدارقطني وصححه عن ابن عباس أنه قال لأم ولد له حامل أو مرضعة أنت بمنزلة الذين لا يطيقون الصيام عليك الطعام لا قضاء عليك وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والدارقطني عن ابن عمر أن إحدى بناته أرسلت تساله عن صوم رمضان وهي حامل قال تفطر وتطعم كل يوم مسكينا وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله ) فمن تطوع خيرا ( قال أطعم مسكينين وأخرج عبد بن حميد عن طاوس في قوله ) فمن تطوع خيرا ( قال إطعام مساكين وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب في قوله ) وأن تصوموا خير لكم ( أي أن الصوم خير لكم من القدية وقد رود في فضل الصوم أحاديث كثيرة جدا


"""""" صفحة رقم 182 """"""
البقرة 185
البقرة : ( 185 ) شهر رمضان الذي . . . . .
( رمضان ) مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا احترق جوفه من شدة العطش والرمضاء ممدود شدة الحر ومنه الحديث الثابت في الصحيح ( صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال ) أي أحرقت الرمضاء أجوافها قال الجوهري وشهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء يقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام الحر فسمي بذلك وقيل إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة وقال الماوردي إن اسمه في الجاهلية ناتق وأنشد المفضل وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغا
وولت على الأدبار فرسان خثعما
وإنما سموه بذلك لأنه كان ينتقهم لشدته عليهم وشهر مرتفع في قراءة الجماعة على أنه مبتدأ خبره ) الذي أنزل فيه القرآن ( أو على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي المفروض عليكم صومه شهر رمضان ويجوز أن يكون بدلا من الصيام المذكور في قوله تعالى ) كتب عليكم الصيام ( وقرأ مجاهد وشهر بن حوشب بنصب الشهر ورواها هارون الأعور عن أبي عمرو وهو منتصب بتقدير ألزموا أو صوموا قال الكسائي والفراء إنه منصوب بتقدير فعل كتب عليكم الصيام وأن تصوموا وأنكر ذلك النحاس وقال إنه منصوب على الإغراء وقال الأخفش إنه نصب على الظرف ومنع الصرف للألف والنون الزائدتين قوله ) أنزل فيه القرآن ( قيل أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ثم كان جبريل ينزل به نجما نجما وقيل أنزل فيه أوله وقيل أنزل في شأنه القرآن وهذه الآية أعم من قوله تعالى ) إنا أنزلناه في ليلة القدر ( وقوله ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة ( يعني ليلة القدر والقرآن اسم لكلام الله تعالى وهو بمعنى المقروء كالمشروب سمى شرابا والمكتوب سمى كتابا وقيل هو مصدر قرأ يقرأ ومنه قول الشاعر ضحوا باشمط عنوان السجود به
يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة ومنه قوله تعالى ) قرآن الفجر ( أي قراءة الفجر وقوله ) هدى للناس ( منتصب على الحال أي هاديا لهم وقوله ) وبينات من الهدى ( من عطف الخاص على العام إظهارا لشرف المعطوف بإفراده بالذكر لأن القرآن يشمل محكمه ومتشابهه والبينات تختص بالمحكم منه والفرقان ما فرق بين الحق والباطل أي فصل قوله ) فمن شهد منكم الشهر ( أي حضر ولم يكن في سفر بل كان مقيما والشهر منتصب على أنه ظرف ولا يصح أن يكون مفعولا به قال جماعة من السلف والخلف إن من أدركه شهر رمضان مقيما غير مسافر لزمه صيامه سافر بعد ذلك أو قام استدلالا بذه الآية وقال الجمهور إنه إذا سافر أفطر لأن معنى الآية إن حضر الشهر من أوله إلى آرخره لا إذا حضر بعضه وسافر فإنه لا يتحتم عليه إلا صوم ما حضره وهذا هو الحق وعليه دلت الأدلة الصحيحة من السنة وقد كان يخرج ( صلى الله عليه وسلم ) في رمضان فيفطر وقوله ) فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر (


"""""" صفحة رقم 183 """"""
قد تقدم تفسيره وقوله ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( فيه أن هذا مقصد من مقاصد الرب سبحانه ومراد من مراداته في جميع أمور الدين ومثله قول تعالى ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان يرشد إلى التيسير وينهى عن التعسير كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وهو في الصحيح واليسر السهل الذي لا عسر فيه وقوله ) ولتكملوا العدة ( الظاهر أنه معطوف على قوله ) يريد الله بكم اليسر ( أي يريد بكم اليسر ويريد إكمالكم للعدة وتكبيركم وقيل إنه متعلق بمحذوف تقديره رخص لكم هذه الرخصة لتكملوا العدة وشرع لكم الصوم لمن شهد الشهر لتكملوا العدة وقد ذهب إلى الأول البصريون قالوا والتقدير يريد لأن تكملوا العدة ومثله قول كثير بن صخر
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلا بكل سبيل
وذهب الكوفيون إلى الثاني وقيل الواو مقحمة وقيل إن هذه اللام لام الأمر والواو لعطف الجملة إلي بعدها على الجملة التي قبلها وقال في الكشاف إن قوله ) ولتكملوا العدة ( علة للأمر بمراعاة العدة ) ولتكبروا ( علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر ) ولعلكم تشكرون ( علة الترخيص والتيسير والمراد بالتكبير هنا هو قول القائل الله أكبر قال الجمهور ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان وقد وقع الخلاف في وقته فروى عن بعض السلف أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر وقيل إذا رأو هلال شوال كبروا إلى إنقضاء الخطبة وقيل إلى خروج الإمام وقيل هو التكبير يوم الفطر قال مالك هو من حين يخرج من داره إلى أن يخرج الإمام وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يكبر في الأضحى ولا يكبر في الفطر وقوله ) ولعلكم تشكرون ( قد تقدم تفسيره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو حاتم وأبو الشيخ وابن عدي والبيهقي في سننه عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا ( لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان
وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) وثبت عنه أنه قال ( من قام رمضان أيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) وثبت عنه أنه قال ( شهرا عيد لا ينقضان رمضان وذو الحجة ) وقال ( إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ) وهذا كله في الصحيح وثبت عنه في أحاديث كثيرة غير هذه أنه كان يقول رمضان بدون ذكر الشهر وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال قال رسول الله عليه وسلم إنما سمي رمضان لأن رمضان يرمض الذنوب وأخرجا أيضا عن عائشة مرفوعا نخوه وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر نحوه وقد ورد في فضل رمضان أحاديث كثيرة وأخرج أحمد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من رمضان وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ) وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن جابر مثله لكنه قال ( وأنزل الزبور الأثنى عشر ) وزاد ( وأنزل التوراة لست خلون من رمضان وأنزل الإنجيل لثماني عشرة خلت من رمضان ) وأخرج محمد بن نصر عن عائشة نحو قول جابر إلا أنها لم تذكر نزول القرآن وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن مقسم قال سأل عطية بن الأسود ابن عباس فقال إنه قد وقع في قلبي الشك في قوله الله ) شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ( وقوله ) إنا أنزلناه في ليلة القدر (


"""""" صفحة رقم 184 """"""
وقوله ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة ( فقال ابن عباس إنه أنزل في ليلة القدر وفي رمضان وفي ليلة مباركة جملة واحدة ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام وأخرج محمد بن نصر والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عباس قال نزل القرآن جملة لأربعة وعشرين من رمضان فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل ينزله على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ترتيلا وأخرج ابن جرير عنه أنه قال ( ليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في رمضان أنزل القرآن جملة واحدة من الذكر إلى البيت المعمور ) وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) هدى للناس ( قال يهتدون به ) وبينات من الهدى ( قال فيه الحلال والحرام والحدود وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( قال هو إهلالة بالدار وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي قال من أدرك رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم لأن الله يقول ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) يريد الله بكم اليسر ( قال اليسر الإفطار في السفر والعسر الصوم في السفر وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ) ولتكملوا العدة ( قال عدة شهر رمضان وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنه قال عدة ما أفطر المريض في السفر وقد صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال حق على الصائمين إذا نظروا إلى شهر شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم لأن الله يقول ) ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ( وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان يكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يكبر الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر ولله الحمد وأجل الله أكبر على ما هدانا
البقرة 186
البقرة : ( 186 ) وإذا سألك عبادي . . . . .
قوله ) وإذا سألك عبادي عني ( يحتمل أن السؤال عن القرب والبعد كما يدل عليه قوله ) فإني قريب ( ويحتمل أن السؤال عن إجابة الدعاء كما يدل على ذلك قوله ) أجيب دعوة الداع ( ويحتمل أن السؤال عما هو أعم من ذلك وهذا هو الظاهر مع قطع النظر عن السبب الذي سيأتي بيانه وقوله ) فإني قريب ( قيل بالإجابة وقيل بالعلم وقيل بالإنعام وقال في الكشاف إنه تثميل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه وسرعة إنجاحه حاجة من سأله بمن قرب مكانه فإذا دعي أسرعت تلبيته ومعنى الإجابة هو معنى ما في قوله تعالى ) ادعوني أستجب لكم ( وقيل معناه أقبل عبادة من عبدني بالدعاء لما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من أن الدعاء هو العبادة كما أخرجه أبو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير والظاهر أن الإجابة هنا هي باقية على معناها اللغوي وكون الدعاء من العبادة لا يستلزم أن الإجابة هي القبول للدعاء أي جعله عبادة متقبلة فالإجابة أمر آخر غير قبول هذه العبادة والمراد أنه سبحانه يجيب بما شاء وكيف شاء فقد يحصل المطلوب قريبا وقد يحصل بعيدا وقد يدفع عن الداعي من البلاء ما لا يعلمه بسبب دعائه وهذا مقيد بعدم اعتداء الداعي في دعائه كما في قوله سبحانه


"""""" صفحة رقم 185 """"""
) ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ( ومن الاعتداء أن يطلب ما لا يستحقه ولا يصلح له كمن يطلب منزلة في الجنة مساوية لمنزلة الأنبياء أو فوقها وقوله ) فليستجيبوا لي ( أي كما أجبتهم إذا دعوني فليستجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان والطاعات وقيل معناه أنهم يطلبون إجابة الله سبحانه لدعائهم باستجابتهم له أي القيام بما أمرهم به والترك لما نهاهم عنه والرشد خلاف الغي رشد يرشد رشدا ورشدا قال الهروي الرشد والرشد والرشاد الهدى والإستقامة قال ومنه هذه الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق الصلت بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن الحسن قال سأل أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين ربنا فانزل الله هذه الآية وأخرج ابن مردويه عن أنس أنه سأل أعرابي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين ربنا فنزلت وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تعجزوا عن الدعاء فإن الله أنزل علي ) ادعوني أستجب لكم ( فقال رجل يا رسول الله ربنا يسمع الدعاء أم كيف ذلك فأنزل الله هذه الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء أنه بلغه لما نزلت ) ادعوني أستجب لكم ( قالوا لو نعلم أي ساعة ندعو فنزلت وقد ثبت في الصحيح من حدي أبي سعيد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحمه الله إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها وثبت في الصحيح أيضا من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس في قوله ) فليستجيبوا لي ( قال ليدعوني ) وليؤمنوا بي ( أي أنهم إذا دعوني استجبت لهم وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال ) فليستجيبوا لي ( أي فليطيعوني وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الربيع بن أنس في قوله ) لعلهم يرشدون ( قال يهتدون
البقرة 187
البقرة : ( 187 ) أحل لكم ليلة . . . . .
قوله ) أحل لكم ( فيه دلالة على أن هذا الذي أحله الله كان حراما عليهم وهكذا كان كما يفيده السبب لنزول الآية وسيأتي والرفث كناية عن الجماع قال الزجاج الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته وكذا قال الأزهري ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 186 """"""
ويرين من أنس الحديث زوانيا وبهن عن رفث الرجال نفار
وقيل الرفث أصله قول الفحش رفث وأرفث إذا تكلم بالقبيح وليس هو المراد هنا وعدي الرفث بإلى لتضمينه معنى الإمضاء وجعل النساء لباسا للرجال والرجال لباسا لهن لإمتزاج كل واحد منهما بالآخر عند الجماع كالإمتزاج الذي يكون بين الثوب ولابسه قال أبو عبيدة وغيره يقال للمرأة لباس وفراش وإزار وقيل إنما جل كل واحد منهما لباسا للآخر لأنه يستره عنده الجماع عن أعين الناس وقوله ) تختانون أنفسكم ( أي تخونونها بالمباشرة في ليالي الصوم يقال خان واختان بمعنى وهما من الخيانة قال القتيبي أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه انتهى وإنا سماهم خائنين لأنفسهم لأن ضرر ذلك عائد عليهم وقوله ) فتاب عليكم ( يحتمل معنيين أحدهما قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم والآخر التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة كقوله ) علم أن لن تحصوه فتاب عليكم ( يعني خفف عنكم وكقوله ) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ( يعني تخفيفا وهكذا قوله ) وعفا عنكم ( يحتمل العفو من الذنب ويحتمل التوسعة والتسهيل وقوله ) وابتغوا ( قيل هو الولد أي ابتغوا بمباشرة نسائكم حصول ما هو معظم المقصود من النكاح وهو حصول النسل وقيل المراد ابتغوا القرآن بما أبيح لكم فيه قاله الزجاج وغيره وقيل ابتغوا الرخصة والتوسعة وقيل ابتغوا ما كتب لكم من الإماء والزوجات وقيل غير ذلك مما لا يفيده النظم القرآني ولا دل عليه دليل آخر وقرأ الحسن البصري ) واتبعوا ( بالعين المهلمة من الإتباع وقوله ) حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ( هو تشبيه بليغ والمراد هنا بالخيط الأبيض هو المعترض في الأفق لا الذي هو كذنب السرحان فإنه الفجر الكاذب الذي لا يحل شيئا ولا يحرمه والمراد بالخيط الأسود سواد الليل والتبين أن يمتاز أحدهما عن الآخر وذلك لآ يكون إلا عند دخول وقت الفجر وقوله ) ثم أتموا الصيام إلى الليل ( فيه التصريح بأن للصوم غاية هي الليل فعند إقبال الليل من المشرق وإدبار النهار من المغرب يفطر الصائم ويحل له الأكل والشرب وغيرهما وقوله ) ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ( قيل المراد بالمباشرة هنا الجماع وقيل تشمل التقبيل واللمس إذا كانا لشهوة لا إذا كانا لغير شهوة فهما جائزان كما قاله عطاء والشافعي وابن المنذر وغيرهم وعلى هذا يحتمل ما حكاه ابن عبدالبر من الإجماع على أن المعتكف لا يباشر ولا يقبل فتكون هذه الحكاية للإجماع مقيدة بأن يكونا لشهوة والإعتكاف في اللغة الملازمة يقال عكف على الشيء إذا لازمه ومنه قول الشاعر
وظل بنات الليل حولي عكفا عكوف البواكي حولهن صريع
ولما كان المعتكف يلازم المسجد قيل له عاكف في المسجد ومعتكف فيه لأنه يحبس نفسه لهذه العبادة في المسجد والاعتكاف في الشرع ملازمه طاعة مخصوصة على شرط مخصوص وقد وقع الإجماع على أنه ليس بواجب وعلى أنه لا يكون إلا في مسجد وللإعتكاف أحكام مستوفاة في كتب الفقه وشروح الحديث وقوله ) تلك حدود الله ( أي هذه الأحكام حدود الله وأصل الحد المنع ومنه سمى البواب والسجان حدادا وسميت الأوامر والنواهي حدود الله لأنها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها وأن يخرج عنها ما هو منها ومن ذلك سميت الحدود حدودا لأنها تمنع أصحابها من العود ومعنى النهي عن قربانها النهي عن تعديها بالمخالفة لها وقيل إن حدود الله هي محارمه فقط ومنها المباشرة من المعتكف والإفطار في رمضان لغير عذر وغير ذلك مما سبق النهي عنه ومعنى النهي عن قربانها على هذا واضح وقوله ) كذلك يبين الله آياته ( أي كما بين لكم هذه الحدود يبين لكم العلامات


"""""" صفحة رقم 187 """"""
الهادية إلى الحق
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم عن البراء بن عازب قال كان اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فكان يومه ذلك يعمل في أرضه فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال هل عندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام وجاءت امرأته فلما رأته نائما قالت خيبة لك أنمت فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية ) أحل لكم ليلة الصيام ( إلى قوله ) من الفجر ( ففرحوا بها فرحا شديدا وأخرج البخاري أيضا من حديثه قال لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله فكان رجال يخونون أنفسهم فانزل الله ) علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ( الآية وقد روى في بيان سبب نزول هذه الآية أحاديث عن جماعة من الصحابة نحو ما قاله البراء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام ثم قال وإن عمر بن الخطاب أتى إمرأته ثم أتى رسول الله فقال يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي وذكر ما وقع منه فنزل قوله تعالى ) أحل لكم ليلة الصيام ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال إن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام والشراب إلى مثلها من القابلة ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا النساء والطعام في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) أحل لكم ليلة الصيام ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال الرفث الجماع وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر مثله وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال الدخول والتغشي والإفضاء والمباشرة والرفث واللمس والمس هذا الجماع غير أن الله حيي كريم يكني بما شاء عما شاء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ( قال هن سكن لكم وأنتم سكن لهن وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) تختانون أنفسكم ( قال تظلموا أنفسكم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فالآن باشروهن ( قال انكحوهن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وابتغوا ما كتب الله لكم ( قال الولد وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وقتادة والضحاك مثله وأخرج ابن جري وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) وابتغوا ما كتب الله لكم ( قال ليلة القدر وأخرج البخاري في تاريخه عن أنس مثله وأخرج عبدالرزاق عن قتادة قال ) وابتغوا ( الرخصة التي كتب الله لكم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد قال أنزلت ) وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( ولم ينزل ) من الفجر ( فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله ) من الفجر ( فعلموا أنه يعني الليل والنهار وفي الصحيحين وغيرهما عن عدي بن حاتم أنه جعل تحت وسادة خيطين أبيض وأسود وجعل ينظر إليهما فلا يتبين له الأبيض من الأسود فغدا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فقال إن وسادك إذا لعريض إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل وفي رواية في البخاري وغيره إنه قال له إنك لعريض القفا وفي رواية عند ابن جرير وابن أبي حاتم أنه ضحك منه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت ) ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد (


"""""" صفحة رقم 188 """"""
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن الربيع نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال ( إذا جامع المعتكف بطل إعتكافه ويستأنف وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) تلك حدود الله ( قال يعني طاعة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال ) حدود الله ( معصية الله يعني المباشرة في الاعتكاف وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنها الجماع وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير في قوله ) كذلك ( يعني هكذا يبين الله
البقرة 188
البقرة : ( 188 ) ولا تأكلوا أموالكم . . . . .
هذا يعم جميع الأمة وجميع الأموال لا يخرج عن ذلك إلا ما ورد دليل الشرع بأنه يجوز أخذه فإنه مأخوذ بالحق لا بالباطل ومأكول بالحل لا بالإثم وإن كان صاحبه كارها كقضاء الدين إذا امتنع منه من هو عليه وتسليم ما أوجبه الله من الزكاة ونحوها ونفقة من أوجب الشرع نفقته والحاصل أن ما لم يبح الشرع أخذه من مالكه فهو مأكول بالباطل وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغي وحلوان الكاهن وثمن الخمر والباطل في اللغة الذاهب الزائل وقوله ) وتدلوا ( مجزوم عطفا على تأكلوا فهو من جملة المنهي عنه يقال أدلى الرجل بحجته أو بالأمر الذي يرجو النجاح به تشبيها بالذي يرسل الدلو في البئر يقال أدلى دلوه أرسلها والمعنى أنكم لا تجمعوا بين أكل الأموال بالباطل وبين الإدلاء بها إلى الحكام بالحجج الباطلة وفي هذه الآية دليل أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال من غير فرق بين الأموال والفروج فمن حكم له القاضي بشيء مستندا في حكمه إلى شهادة زور أو يمين فجور فلا يحل له أكله فإن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وهكذا إذا أرشى الحاكم فحكم له بغير الحق فإنه من أكل أموال الناس بالباطل ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال وقد روى عن أبي حنيفة ما يخالف ذلك وهو مردود لكتاب الله تعالى ولسنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما في حديث أم سلمة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض فاقضى له على نحو ما اسمع فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ) وهو في الصحيحين وغيرهما وقوله ) فريقا ( أي قطعة أو جزءا أو طائفة فعبر بالفريق عن ذلك واصل الفريق القطة من الغنم تشذ عن معظمها وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير لتأكلوا أموال فريق من الناس بالإثم وسمى الظلم والعدوان إنما باعتبار تعلقه بفاعله وقوله ) وأنتم تعلمون ( أي حال كونكم عالمين أن ذلك باطل ليس من الحق في شيء وهذا أشد لعقابهم وأعظم لجرمهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تأكلوا أموالكم ( الآية قال هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه بينة فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد قال معناها لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم وأخرج ابن المنذر عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن امرأة القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض واراد امرؤ القيس أن يحلف فنزلت ) ولا تأكلوا أموالكم ( الآية


"""""" صفحة رقم 189 """"""
البقرة 189
البقرة : ( 189 ) يسألونك عن الأهلة . . . . .
قوله ( يسألونك ) سيأتي بيان من هم السائلون له ( صلى الله عليه وسلم ) والأهلة جمع هلال وجمعها باعتبار هلال كل شهر أو كل ليلة تنزيلا لاختلاف الأوقات منزلة اختلاف الذوات والهلال اسم لما يبدو في أول الشهر وفي آخره قال الأصمعي هو هلال حتى يستدير وقيل هو هلال حتى ينير بضوئه السماء وذلك ليلة السابع وإنما قيل له هلال لأن الناس يرفعون اصواتهم بالإخبار عنه عند رؤيته ومنه استهل الصبي إذا صاح واستهل وجهه وتهلل إذا ظهر فيه السرور قوله ) قل هي مواقيت للناس والحج ( فيه بيان وجه الحكمة في زيادة الهلال ونقصانه وأن ذلك لأجل بيان المواقيت التي يوقت الناس عباداتهم ومعاملاتهم بها كالصوم والفطر والحج ومدة الحمل والعدة والإجارات والأيمان وغير ذلك ومثله قوله تعالى ) لتعلموا عدد السنين والحساب ( والمواقيت جمع الميقات وهو الوقت وقراءة الجمهور ) والحج ( بفتح الحاء وقرأ ابن أبي إسحاق بكسرها في جميع القرآن قال سيبويه الحج بالفتح كالرد والشد وبالكسر كالذكر مصدران بمعنى وقيل بالفتح مصدر وبالكسر الإسم وإنما أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت ولا يجوز فيه النسيء عن وقته ولعظم المشقة على من التبس عليه وقت مناسكه أو أخطأ وقتها أو وقت بعضها وقد جعل بعض علماء المعاني هذا الجواب أعني قوله ) قل هي مواقيت ( من الأسلوب الحكيم وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب تنبيها على أنه الأولى بالقصد ووجه ذلك أنهم سالوا عن أجرام الأهلة باعتبار زيادتها ونقصانها فأجيبوا بالحكمة التي كانت تلك الزيادة والنقصان لأجلها لكون ذلك أولى بأن يقصد السائل وأحق بأن يتطلع لعلمه قوله ) وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ( وجه اتصال هذا بالسؤال عن الأهلة والجواب بأنها مواقيت للناس والحج أن الأنصار كانوا إذا حجوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم إذا رجع أحدهم إلى بيته بعد إحرامه قبل تمام حجه لأنهم يعتقدون أن المحرم لا يجوز أن يحول بينه وبين السماء حائل وكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم وقال أبو عبيدة إن هذا من ضرب المثل والمعنى ليس البر أن تسالوا الجهال ولكن البر التقوى واسالوا العلماء كما تقول اتيت هذا الأمر من بابه وقيل هو مثل في جماع النساء وأنهم أمروا بإتيانهن في القبل لا في الدبر وقيل غير ذلك والبيوت جمع بيت وقرئ بضم الباء وكسرها وقد تقدم تفسير التقوى والفلاح وسبق أيضا أن التقدير في مثل قوله ) ولكن البر من اتقى ( ولكن البر بر من اتقى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله تعالى ) يسألونك عن الأهلة ( قال نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عثمة وهما رجلان من الأنصار قالا يا رسول الله ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد فنزلت ) يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس ( في حل دينهم ولصومهم ولفطرهم وعدد نسائهم والشروط التي إلى أجل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال سألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الأهلة لم جعلت فأنزل الله ) يسألونك عن الأهلة ( الآية فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم وعدد نسائهم ومحل دينهم وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية نحوه وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس نحوه وقد


"""""" صفحة رقم 190 """"""
روى عن ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ) وأخرج أحمد والطبراني وابن عدي والدارقطني بسند ضعيف عن طلق بن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحو حديث ابن عمر وأخرج البخاري وغيره عن البراء قال كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها فنزلت ) وليس البر ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جابر قال كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال له ما حملك على ما صنعت قال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت فقال إني رجل أحمسي قال فإن ديني دينك فانزل الله الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من الصحابة والتابعين
البقرة 190 193
البقرة : ( 190 ) وقاتلوا في سبيل . . . . .
لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعا قبل الهجرة لقوله تعالى ) فاعف عنهم واصفح ( وقوله ) واهجرهم هجرا جميلا ( وقوله ) لست عليهم بمصيطر ( وقوله ) ادفع بالتي هي أحسن ( ونحو ذلك مما نزل بمكة فلما هاجر إلى المدينة أمره الله سبحانه بالقتال ونزلت هذه الآية وقيل إن أول ما نزل قوله تعالى ) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ( فلما نزلت الآية كان ( صلى الله عليه وسلم ) يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزل قوله تعالى ) فاقتلوا المشركين ( وقوله تعالى ) وقاتلوا المشركين كافة ( وقال جماعة من السلف إن المراد بقوله ) الذين يقاتلونكم ( من عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم وجعلوا هذه الآية محكمة غير منسوخة والمراد بالاعتداء عند أهل القول الأول هو مقاتلة من يقاتل من الطوائف الكفرية والمراد به على القول الثاني مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من لا يستحقه ممن تقدم ذكره
البقرة : ( 191 ) واقتلوهم حيث ثقفتموهم . . . . .
قوله ) حيث ثقفتموهم ( يقال ثقف يثقف ثقفا ورجل ثقيف إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور قال في الكشاف والثقف وجود على وجه الأخذ والغلبة ومنه رجل ثقف سريع الأخذ لأقرانه انتهى ومنه قول حسان فإما يثقفن بني لؤي
جذيمة إن قتلهم دواء
قوله ) وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ( أي مكة قال ابن جرير الخطاب للمهاجرين والضمير لكفار


"""""" صفحة رقم 191 """"""
قريش انتهى وقد امتثل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر ربه فأخرج من مكة من لم يسلم عند أن فتحها الله عليه قوله ) والفتنة أشد من القتل ( أي الفتنة التي أرادوا أن يفتنوكم وهي رجوعكم إلى الكفر أشد من القتل وقيل المراد بالفتنة المحنة التي تنزل بالإنسان في نفسه أو أهله أو ماله أو عرضه وقيل إن المراد بالفتنة الشرك الذي عليه المشركون لأنهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم فأخبرهم الله أن الشرك الذي هم عليه أشد مما يستعظمونه وقيل المراد فتنتهم إياكم بصدكم عن المسجد الحرام أشد من قتلكم إياهم في الحرم أو من قتلهم إياكم إن قتلوكم والظاهر أن المراد الفتنة في الدين باي سبب كان وعلى أي صورة اتفقت فإنها أشد من القتل قوله ) ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ( الآية اختلف أهل العلم في ذلك فذهبت طائفة إلى أنها محكمة وأنه لا يجوز القتال في الحرم إلا بعد أن يتعدى بالقتال فيه فإنه يجوز دفعه بالمقاتلة له وهذا هو الحق وقالت طائفة إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( ويجاب عن هذا الاستدلال بأن الجمع ممكن ببناء العام على الخاص فيقتل المشرك حيث وجد إلا بالحرم ومما يؤيد ذلك قوله ( صلى الله عليه وسلم ) إنها لم تحل لأحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ) وهو في الصحيح وقد احتج القائلون بالنسخ بقتله ( صلى الله عليه وسلم ) لابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ويجاب عنه بأنه وقع في تلك الساعة التي أحل الله لرسوله ( صلى الله عليه وسلم )
البقرة : ( 192 ) فإن انتهوا فإن . . . . .
قوله ) فإن انتهوا ( أي عن قتاكم ودخلوا في الإسلام
البقرة : ( 193 ) وقاتلوهم حتى لا . . . . .
قوله ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( فيه الأمر بمقاتلة المشركين إلى غاية هي أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين لله وهو الدخول في الإسلام والخروج عن سائر الأديان المخالفة له فمن دخل في الإسلام واقلع عن الشرك لم يحل قتاله قيل المراد بالفتنة هنا الشرك والظاهر أنها الفتنة في الدين على عمومها كما سلف قوله ) فلا عدوان إلا على الظالمين ( أي لا تعتدوا إلا على من ظلم وهو من لم ينته عن الفتنة ولم يدخل في الإسلام وإنما سمي جزاء الظالمين عدوانا مشاكلة كقوله تعالى ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( وقوله ) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه (
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى ) وقاتلوا في سبيل الله ( الآية أنها أول آية نزلت في القتال بالمدينة فلما نزلت كان رسول الله يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزلت سورة براءة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في هذه الآية قال إن أصحاب محمد أمروا بقتال الكفار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تعتدوا ( يقول لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من القى السلم وكف يده فإن فعلتم فقد اعتديتم وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال إن هذه الآية في النساء والذرية وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) والفتنة أشد من القتل ( يقول الشرك أشد من القتل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من أن يقتل محقا وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في قوله ) ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ( قال حتى يبدءوا بالقتال ثم نسخ بعد ذلك فقال ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه عن قتادة أن قوله ) ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ( وقوله ) يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ( فكان كذلك حتى نسخ هاتين الآيتين جميعا في براءة قوله ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( ) وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ( وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) فإن انتهوا ( قال فإن تابوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 192 """"""
في قوله ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( يقول شرك بالله ) ويكون الدين ( ويخلص التوحيد لله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال الشرك وقوله ) فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( قال لا تقاتلوا إلا من قاتلكم وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله ) ويكون الدين لله ( يقول حتى لا تعبدوا إلا الله وأخرج أيضا عن عكرمة في قوله ) فلا عدوان إلا على الظالمين ( قال هم من أبى أن يقول أن لا إله إلا الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه
البقرة 194
البقرة : ( 194 ) الشهر الحرام بالشهر . . . . .
قوله ) الشهر الحرام بالشهر الحرام ( أي إذا قاتلوكم في الشهر الحرام وهتكوا حرمته قاتلتموهم في الشهر الحرام مكافأة لهم ومجازاة على فعلهم ( والحرمات ) جمع حرمة كالظلمات جمع ظلمة وإنما جمع الحرمات لأنه أراد الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام والحرمة ما منع الشرع من انتهاكه والقصاص المساواة والمعنى أن كل حرمة يجري فيها القصاص فمن هتك حرمة عليكم فلكم أن تهتكوا حرمة عليه قصاصا قيل وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بالقتال وقيل إنه ثابت بين أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لم ينسخ ويجوز لمن تعدى عليه في مال أو بدن أن يتعدى بمثل ما تعدى عليه وبهذا قال الشافعي وغيره وقال آخرون إن أمور القصاص مقصورة على الحكام وهكذا الأموال لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) أخرجه الدارقطني وغيره وبه قال أبو حنيفة وجمهور الماليكة وعطاء الخراساني والقول الأول ارجح وبه قال ابن المنذر واختاره ابن العربي والقرطبي وحكاه الداودي عن مالك ويؤيده إذنه ( صلى الله عليه وسلم ) لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها وهو في الصحيح ولا أصرح وأوضح من قوله تعالى في هذه الآية ) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( وهذه الجملة في حكم التأكيد للجملة الأولى أعني قوله ) والحرمات قصاص ( وإنما سمي المكافأة اعتداء مشاكلة كما تقدم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما سار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) معتمرا في سنة ست من الهجرة وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت وصدوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة وهو شهر حرام قاضاهم على الدخول من قابل فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان معه من المسلمين وأقصه الله منهم نزلت في ذلك هذه الآية ) الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه أيضا وأخرجا أيضا عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن جريج نحوه وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) فمن اعتدى عليكم ( الآية وقوله ) وجزاء سيئة ( الآية وقوله ) ولمن انتصر بعد ظلمه ( الآية وقوله ) وإن عاقبتم ( الآية قال هذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ليس لهم سلطان يقهر المشركين فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى فأمر الله المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبروا و يعفوا فلما هاجر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر


"""""" صفحة رقم 193 """"""
الله المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ولا يعدوا بعضهم على بعض كأهل الجاهلية فقال ) ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ( الآية يقول ينصره السلطان حتى ينصفه على من ظلمه ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله تعالى انتهى وأقول هذه الآية التي جعلها ابن عباس رضي الله تعالى عنه ناسخة مؤيدة لما تدل عليه الآيات التي جعلها منسوخه ومؤكدة له فإن الظاهر من قوله ) فقد جعلنا لوليه سلطانا ( أنه جعل السلطان له أي جعل له تسلطا يتسلط به على القاتل ولهذا قال ) فلا يسرف في القتل ( ثم لو سلمنا أن معنى الآية كما قاله لكان ذلك مخصصا للقتل من عموم الآيات المذكورة لا ناسخا لها فإنه لم ينص في هذه الآية إلا على القتل وحده وتلك الآيات شاملة له ولغيره وهذا معلوم من لغة العرب التي هي المرجع في تفسير كلام الله سبحانه
البقرة 195
البقرة : ( 195 ) وأنفقوا في سبيل . . . . .
في هذه الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله وهو الجهاد واللفظ يتناول غيره مما يصدق عليه أنه من سبيل الله والباء في قوله ) بأيديكم ( زائدة والتقدير ولا تلقوا أيديكم ومثله ) ألم يعلم بأن الله يرى ( وقال المبرد ) بأيديكم ( أي بأنفسكم تعبيرا بالبعض عن الكل كقوله ) فبما كسبت أيديكم ( وقيل هذا مثل مضروب يقال فلان ألقى بيده في أمر كذا إذا استسلم لأن المستسلم في القتال يلقى سلاحه بيديه فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان وقال قوم التقدير ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم والتهلكة مصدر من هلك يهلك هلاكا وهلكا وتهلكة أي لا تاخذوا فيما يهلككم وللسلف في معنى الآية أقوال سيأتي بيانها وبيان سبب نزول الآية والحق أن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا وبه قال ابن جرير الطبري ومن جملة ما يدخل تحت الآية أن يقتحم الرجل في الحرب فيحمل على الجيش مع عدم قدرته على التخلص وعدم تأثيره لأثر ينفع المجاهدين ولا يمنع من دخول هذا تحت الآية إنكار من أنكره من الذين رأوا السبب فإنهم ظنوا أن الآية لا تجاوز سببها وهو ظن تدفعه لغة العرب وقوله ) وأحسنوا ( أي في الإنفاق في الطاعة أو أحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد والبخاري والبيهقي في سننه عن حذيفة في قوله ) وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( قال نزلت في النفقة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال هو ترك النفقة في سبيل الله مخافة العيلة وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الشعب عنه قال هو البخل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بغير نفقة فإما يقطع لهم وإما كانوا عيالا فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بايديهم إلى التهلكة والتهلكة أن تهلك رجال من


"""""" صفحة رقم 194 """"""
الجوع والعطش ومن المشي وقال لمن بيده فضل ) وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ( وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير والبغوي في معجمه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن ماتع والطبراني عن الضحاك ابن أبي جبير أن الأنصار كانوا ينفقون في سبيل الله ويتصدقون فأصابتهم سنة فساء ظنهم وأمسكوا عن ذلك فأنزل الله الآية وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أسلم بن عمران قال كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد فخرج صف عظيم من الروم فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا سبحان الله يلقى بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا أيها الناس إنكم تؤولون الآية هذا التأويل وإنما انزلت فينا هذه الآية معشر الأنصار إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أموال الناس قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه يرد علينا ) وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( فكانت التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وترك الغزو وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه والبيهقي عن البراء بن عازب قال في تفسير الآية هو الرجل يذنب الذنب فيلقي بيديه فيقول لا يغفر الله لي ابدا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير قال في تفسير الآية إنه القنوط وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال التهلكة عذاب الله وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنهم حاصروا دمشق فاسرع رجل إلى العدو وحده فعاب ذلك عليه المسلمون ورفع حديثه إلى عمرو بن العاص فأرسل إليه فرده وقال قال الله ) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( وأخرج ابن جرير عن رجل من الصحابة في قوله ) وأحسنوا ( قال أدوا الفرائض وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال أحسنوا الظن بالله
البقرة 196
البقرة : ( 196 ) وأتموا الحج والعمرة . . . . .
قوله ) وأتموا الحج ( اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج والعمرة لله فقيل أداؤهما والإتيان بهما من دون أن يشوبهما شيء مما هو محظور ولا يخل بشرط ولا فرض لقوله تعالى ) فأتمهن ( وقوله ) ثم أتموا الصيام إلى الليل ( وقال سفيان الثوري إتمامهما أن تخرج لهما لا لغيرهما وقيل إتمامهما أن تفرد كل واحد منهما من


"""""" صفحة رقم 195 """"""
غير تمتع ولا قران وبه قال ابن حبيب وقال قائل إتمامها أن لا يستحلوا فيهما ما لا ينبغي لهم وقيل إتمامها أن يحرم لهما من دويرة أهله وقيل أن ينفق في سفرهما الحلال الطيب وسياتي بيان سبب نزول الآية وما هو مروي عن السلف في معنى إتمامهما وقد استدل بهذه الآية على وجوب العمرة لأن الأمر بإتمامهما أمر بها وبذلك قال علي وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي وسعيد بن جبير ومسروق وعبد بن شداد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن الجهم من المالكية وقال مالك والنخعي وأصحاب الرأي كما حكاه ابن المنذر عنهم أنها سنة وحكي عن أبي حنيفة أنه يقول بالوجوب ومن القائلين بأنها سنة ابن مسعود وجابر بن عبدالله ومن جملة ما استدل به الأولون ما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيح أنه قال لأصحابه ( من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة ) وثبت عنه أيضا في الصحيح أنه قال ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ) وأخرج الدارقطني والحاكم من حديث زيد بن ثابت قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت ) واستدل الآخرون بما أخرجه الشافعي في الآية وعبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي صالح الحنفي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الحج جهاد والعمرة تطوع ) وأخرج ابن ماجة عن طلحة بن عبيدالله مرفوعا مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والترمذي وصححه عن جابر ( أن رجلا سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن العمرة أواجبة هي قال لا وأن تعتمروا خير لكم ) وأجابوا عن الآية وعن الأحاديث المصرحة بأنها فريضة بحمل ذلك على أنه قد وقع الدخول فيها وهي بعد الشروع فيها واجبة بلا خلاف وهذا وإن كان فيه بعد لكنه يجب المصير إليه جمعا بين الأدلة ولا سيما بعد تصريحه ( صلى الله عليه وسلم ) بما تقدم في حديث جابر من عدم الوجوب وعلى هذا يحمل ما ورد مما فيه دلالة على وجوبها كما أخرجه الشافعي في الأم أن في الكتاب الذي كتبه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لعمرو بن حزم ( إن العمرة هي الحج الأصغر ) وكحديث ابن عمر عند البيهقي في الشعب قال ( جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أوصني فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج وتعتمر وتسمع وتطيع وعليك بالعلانية وإياك والسر ) وهكذا ينبغي حمل ما ورد من الأحاديث التي قرن فيها بين الحج والعمرة في أنهما من أفضل الأعمال وأنهما كفارة لما بينهما وأنهما يهدمان ما كان قبلهما ونحو ذلك قوله ) فإن أحصرتم ( الحصر الحبس قال أبو عبيدة والكسائي والخليل إنه يقال أحصر بالمرض وحصر بالعدو وفي المجمل لابن فارس العكس يقال أحصر بالعدو وحصر بالمرض ورجح الأول ابن العربي وقال هو رأي أكثر أهل اللغة وقال الزجاج إنه كذلك عند جميع أهل اللغة وقال الفراء هما بمعنى واحد في المرض والعدو ووافقه على ذلك أبو عمرو الشيباني فقال حصرني الشيء وأحصرني أي حبسني وبسبب هذا الاختلاف بين أهل اللغة اختلف أئمة الفقه في معنى الآية فقالت الحنفية المحصر من يصير ممنوعا من مكة بعد الإحرام بمرض أو عدو أو غيره وقالت الشافعة وأهل المدينة المراد بالآية حصر العدو وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدى ويحلق رأسه كما فعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو وأصحابه في الحديبية وقوله ) فما استيسر من الهدي ( ما في موضع رفع على الابتداء أو الخبر أي فالواجب أو فعليكم ويحتمل أن يكون في موضع نصب أي فانحروا أو فاهدوا ما استيسر أي ما تيسر يقال يسر الأمر واستيسر كما يقال صعب واستصعب


"""""" صفحة رقم 196 """"""
والهدى والهدي لغتان وهما جمع هدية وهي ما يهدي إلى البيت من بدنة أو غيرها قال الفراء أهل الحجاز وبنو أسد يخففون الهدى وتميم وسفلى قيس يثقلون قال الشاعر حلفت برب كعبة والمصلى
وأعناق الهدي مقلدات
قال وواحد الهدي هدية ويقال في جمع الهدي أهد واختلف أهل العلم في المراد بقوله ) فما استيسر ( فذهب الجمهور إلى أنه شاه وقال ابن عمر وعائشة وابن الزبير جمل أو بقرة وقال الحسن أعلا الهدى بدنة وأوسطه بقرة وأدناه شاه وقوله ) ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ( هو خطاب لجميع الأمة من غير فرق بين محصر وغير محصر واليه ذهب جمع من أهل العلم وذهب طائفة إلى أنه خطاب للمحصرين خاصة أي لا تحلوا من الإحرام حتى تعلموا أن الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم قد بلغ محله وهو الموضع الذي يحل فيه ذبحه واختلفوا في تعيينه فقال مالك والشافعي هو موضع الحصر اقتداء برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث أحصر في عام الحديبية وقال أبو حنيفة هو الحرم لقول تعالى ) ثم محلها إلى البيت العتيق ( وأجيب عن ذلك بأن المخاطب به هو الآمن الذي يمكنه الوصول إلى البيت وأجاب الحنفية عن نحره ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديبية بأن طرف الحديبية الذي إلى أسفل مكة هو من الحرم ورد بأن المكان الذي وقع فيه النحر ليس هو من الحرم قوله ) فمن كان منكم مريضا ( الآية المراد بالمرض هنا ما يصدق عليه مسمى المرض لغة والمراد بالأذى من الرأس ما فيه من قمل أو جراح ونحو ذلك ومعنى الآية أن من كان مريضا أو به أذى من رأسه فحلق فعليه فدية وقد بينت السنة ما أطلق هنا من الصيام والصدقة والنسك فثبت في الصحيح ( أن رسول الله رأى كعب بن عجرة وهو محرم وقمله يتساقط على وجهه فقال أيؤذيك هوام رأسك قال نعم فأمره أن يحلق ويطعم ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام ) وقد ذكر ابن عبدالبر أنه لا خلاف بين العلماء أن النسك هنا هو شاة وحكى عن الجمهور أن الصوم المذكور في الآية ثلاثة أيام والإطعام لستة مساكين وروى عن الحسن وعكرمة ونافع أنهم قالوا الصوم في فدية الأذى عشرة أيام والإطعام عشرة مساكين والحديث الصحيح المتقدم يرد عليهم ويبطل قولهم وقد ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وداود إلى أن الإطعام في ذلك مدان بمد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي لكل مسكين وقال الثوري نصف صاع من بر أو صاع من غيره وروى ذلك عن أبي حنيفة قال ابن المنذر وهذا غلط لأن في بعض أخبار كعب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له تصدق بثلاثة أصوع من تمر على ستة مساكين واختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل فروى عنه مثل قول مالك والشافعي وروى عنه أنه إن أطعم برا فمد لكل مسكين وإن أطعم تمرا فنصف صاع واختلفوا في مكان هذه الفدية فقال عطاء ما كان من دم فبمكة وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء وبه قال أصحاب الرأي وقال طاوس والشافعي الإطعام والدم لا يكونان إلا بمكة والصوم حيث شاء وقال مالك ومجاهد حيث شاء في الجميع وهو الحق لعدم الدليل على تعيين المكان قوله ) فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ( أي برأتم من المرض وقيل من خوفكم من العدو على الخلاف السابق ولكن الأمن من العدو أظهر من استعمال أمنتم في ذهاب المرض فيكن مقويا لقول من قال إن قوله ) فإن أحصرتم ( المراد به الإحصار من العدو كما أن قوله ) فمن كان منكم مريضا ( يقوي قول من قال بذلك لإفراد عذر المرض بالذكر وقد وقع الخلاف هل المخاطب بهذا هم المحصرون خاصة أم جميع الأمة على حسب ما سلف والمراد بالتمتع المذكور في الآية أن يحرم الرجل بعمرة ثم يقيم حلالا بمكة إلى أن يحرم بالحج فقد استباح بذلك


"""""" صفحة رقم 197 """"""
ما لا يحل للمحرم استباحنه وهو معنى تمتمع واستمتع ولا خلاف بين أهل العلم في جواز التمتع بل هو عندي أفضل أنواع الحج كما حررته في شرحي على المنتقى وقد تقدم الخلاف في معنى قوله ) فما استيسر من الهدي ( قوله ) فمن لم يجد ( الاية أي فمن لم يجد الهدي إما لعدم المال أو لعدم الحيوان صام ثلاثة أيام في الحج أي في أيام الحج وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر وقيل يصوم قبل يوم التروية يوما ويوم التروية ويوم عرفة وقيل ما بين أن يحرم بالحج إلى يوم عرفة وقيل يصومهن من أول عشر ذي الحجة وقيل ما دام بمكة وقيل إنه يجوز أن يصوم الثلاث قبل أن يحرم وقد جوز بعض أهل العلم صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي ومنعه آخرون قوله ) وسبعة إذا رجعتم ( قرأه الجمهور بخفض سبعة وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة بالنصب على أنه معمول بفعل مقدر أي وصوموا سبعة وقيل على أنه معطوف على ثلاثة لأنها وإن كانت مجرورة لفظا فهي في محل نصب كأنه قيل فصيام ثلاثة والمراد بالرجوع هنا الرجوع إلى الأوطان قال أحمد وإسحاق يجزيه الصوم في الطريق ولا يتضيق عليه الوجوب إلا إذا وصل وطنه وبه قال الشافعي وقتادة والربيع ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وغيرهم وقال مالك إذا رجع من مني فلا بأس أن يصوم والأول أرجح وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أنه قال ( فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ) فبين ( صلى الله عليه وسلم ) أن الرجوع المذكور في الآية هو الرجوع إلى الأهل وثبت أيضا في الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ ( وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم ) وإنما قال سبحانه ) تلك عشرة كاملة ( مع أن كل أحد يعلم أن الثلاثة والسبعة عشرة لدفع أن يتوهم متوهم التخيير بين الثلاثة الأيام في الحج والسبعة إذا رجع قاله الزجاج وقال المبرد ذكر ذلك ليدل على إنقضاء العدد لئلا يتوهم متوهم أنه قد بقي منه شيء بعد ذكر السبعة وقيل هو توكيد كما تقول كتبت بيدي وقد كانت العرب تأتي بمثل هذه الفذلكة فيما دون هذا العدد كقول الشاعر ثلاث واثنتان فهن خمس
وسادسة تميل إلى سهامي
وكذل قول الآخر ثلاث بالعداد وذاك حسبي
وست حين يدركني العشاء
فذلك تسعة في اليوم ري
وشرب المرء فوق الري داء
وقوله ) كاملة ( توكيد آخر بعد الفذلكة لزيادة التوصية بصيامها وأن لا ينقص من عددها وقوله ) ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ( الإشارة بقوله ) ذلك ( قيل هي راجعة إلى التمتع فتدل على أنه لا متعة لحاضري المسجد الحرام كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه قالوا ومن تمتع منهم كان عليه دم وهو دم جناية لا يأكل منه وقيل إنها راجعة إلى الحكم وهو وجوب الهدي والصيام فلا يجب ذلك على من كان من حاضري المسجد الحرام كما يقوله الشافعي ومن وافقه والمراد بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام من لم يكن ساكنا في الحرم أو من لم يكن ساكنا في المواقيت فما دونها على الخلاف في ذلك بين الأئمة وقوله ) واتقوا الله ( أي فيما فرضه عليكم في هذه الأحكام وقيل هو أمر بالتقوى على العموم وتحذير من شدة عقاب الله سبحانه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل وابن عبدالبر في التمهيد عن يعلى بن أمية قال ( جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق فقال كيف تأمرني يا رسول الله أن


"""""" صفحة رقم 198 """"""
أصنع في عمرتي فأنزل الله ) وأتموا الحج والعمرة لله ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أين السائل عن العمرة فقال ها أنذا قال اخلع الجبة واغسل عنك أثر الخلوق ثم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك ) وقد أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديثه ولكن فيهما أنه نزل عليه ( صلى الله عليه وسلم ) الوحي بعد السؤال ولم يذكر ما هو الذي أنزل عليه وأخرج ابن أبي شيبة عن علي في قوله ) وأتموا الحج والعمرة لله ( قال أن تحرم من دويرة أهلك وأخرج ابن عدي والبيهقي مثله من حديث أبي هريرة مرفوعا وأخرج عبدالرزاق وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال من تمامهما أن يفرد كل واحد منهما عن الآخر وأن يعتمر في غير أشهر الحج وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حل وقد ورد في فضل الحج والعمرة أحاديث كثيرة ليس هذا موطن ذكرها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فإن أحصرتم ( يقول من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدي شاة فما فوقها وإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها وإن كانت بعد حجة الفريضة فلا قضاء عليه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ) فإن أحصرتم ( يقول الرجل إذا أهل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي فإن كان عجل قبل أن يبلغ الهدي محله فحلق رأسه أو مس طيبا أو تداوي بدواء كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك فالصيام ثلاثة ايام والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع والنسك شاة ) فإذا أمنتم ( يقول فإذا برئ فمضى من وجهه ذلك إلى البيت أحل من حجته بعمرة وكان عليه الحج من قابل فإن هو رجع ولم يتم من وجهه ذلك إلى البيت كان عليه حجة وعمرة فان هو رجع متمتعا في أشهر الحج كان عليه ما استيسر من الهدي شاة فإن هو لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال إبراهيم فذكرت هذا الحديث لسعيد بن جبير فقال هكذا قال ابن عباس في هذا الحديث كله وأخرج مالك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي في قوله ) فما استيسر من الهدي ( قال شاة وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس مثله وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي ) فما استيسر من الهدي ( قال بقرة أو جزور قيل أو ما يكفيه شاة قال لا وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس قال في تفسير ) فما استيسر ( ما يجد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال إن كان موسرا فمن الإبل وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق القاسم عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدى إلا من الإبل والبقر وكان ابن عباس يقول ما استيسر من الهدي شاة وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لا حصر إلا حصر العدو فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء إنما قال الله ) فإذا أمنتم ( فلا يكون الأمن إلا من الخوف وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال لا إحصار إلا من عدو وأخرج أيضا عن الزهري نحوه وأخرج أيضا عن عطاء قال لا إحصار إلا من مرض أو عدو أو أمر حادث وأخرج أيضا عن عروة قال كل شيء حبس المحرم فهو إحصار وأخرج البخاري عن المسور أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك وأخرج أو داود في ناسخه عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 199 """"""
في قوله ) ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ( ثم استثنى فقال ) فمن كان منكم مريضا ( الآية وأخرج الترمذي وابن جرير عن كعب عن عجرة قال لفي نزلت وإياي عني بها ) فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فمن كان منكم مريضا ( يعني من اشتد مرضه وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عنه قال يعني بالمرض أن يكون برأسه اذى أو قروح أو به اذى من رأسه قال الأذى هو القمل وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال النسك المذكور في الآية شاة وروى أيضا عن علي مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ( يقول من أحرم بالعمرة في أشهر الحج وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم أن ابن الزبير كان يقول أنما المتعة لمن أحصر وليست لمن خلى سبيله وقال ابن عباس هي لمن أحصر ومن خلى سبيله وأخرج ابن جرير عن علي في قوله ) فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ( قال فإن أخر العمرة حتى يجمعها مع الحج فعليه الهدى وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي بن أبي طالب في قوله ) فصيام ثلاثة أيام ( قال قبل التروية يوم يوم التروية ويوم عرفة فإن فاتته صامهن أيام التشريق وأخرج هؤلاء إلا ابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر مثله إلا أنه قال وإذا فاته صام أيام منى فإنهن من الحج وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر نحوه مرفوعا وأخرج ابن أبي شيبة عن علقمة ومجاهد وسعيد بن جبير مثله وأخرج ابنجرير عن ابن عباس قال الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال إذا لم يجد المتمتع بالعمرة هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة وإن كان يوم عرفة الثالث فقد تم صومه وسبعة إذا رجع إلى أهله وأخرج الدارقطني عن عائشة سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( من لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام قبل في يوم النحر ومن لم يكن صام تلك الثلاثة الأيام فليصم أيام التشريق ) وأخرج أيضا عن عبدالله بن حذافة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمره في رهط أن يطوفوا في منى في حجة الوداع فينادوا إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله فلا نصوم فيهن إلا صوما في هدى ) وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عطاء في قوله تعالى ) ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ( قال ست قريات عرفة وعرنة والرجيع والنخلتان ومر الظهران وضجنان وقال مجاهد هم أهل الحرم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال هم أهل الحرم وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر مثله
البقرة 197 198


"""""" صفحة رقم 200 """"""
البقرة : ( 197 ) الحج أشهر معلومات . . . . .
قوله ) الحج أشهر ( فيه حذف والتقدير وقت الحج أشهر أي وقت عمل الحج وقيل التقدير الحج في أشهر وفيه أنه يلزم النصب مع حذف حرف الجر لا الرفع قال الفراء الأشهر رفع لأن معناه وقت الحج أشهر معلومات وقيل التقدير الحج حج أشهر معلومات وقد اختلف في الأشهر المعلومات فقال ابن مسعود وابن عمر وعطاء والربيع ومجاهد والزهري هي شوال وذو القعدة وذو الحجة كله وبه قال مالك وقال ابن عباس والسدي والشعبي والنخعي هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم وقد روى أيضا عن مالك ويظهر فائدة الخلاف في ما وقع من أعمال الحج بعد يوم النحر فمن قال إن ذا الحجة كله من الوقت لم يلزمه دم التأخير ومن قال ليس إلا العشر منه قال يلزم دم التأخير وقد استدل بهذه الآية من قال إنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج وهو عطاء وطاوس ومجاهد والأوزاعي والشافعي وأبو ثور قالوا فمن أحرم بالحج قبلها أحل بعمرة ولا يجزيه عن إحرام الحج كمن دخل في صلاة قبل وقتها فإنها لا تجزيه وقال أحمد وأبو حنيفة إنه مكروه فقط وروى نحوه عن مالك والمشهور عنه جواز الإحرام بالحج في جميع السنة من غير كراهة وروى مثله عن أبي حنيفة وعلى هذا القول ينبغي أن ينظر في فائدة توقيت الحج بالأشهر المذكورة في الآية وقد قيل إن النص عليها لزيادة فضلها وقد روى القول بجواز الإحرام في جميع السنة عن إسحاق بن راهوية وإبراهيم النخعي والثوري والليث بن سعد واحتج لهم بقوله تعالى ) يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ( فجعل الأهلة كلها مواقيت للحج ولم يخص الثلاثة الأشهر ويجاب بأن هذه الآية عامة وتلك خاصة والخاص مقدم على العام ومن جملة ما احتجوا به القياس للحج على العمرة فكما يجوز الإحرام للعمرة في جميع السنة كذلك يجوز للحج ولا يخفى أن هذا القياس مصادم للنص القرآني فهو باطل فالحق ما هذب إليه الأولون إن كانت الأشهر المذكورة في قوله ) الحج أشهر ( مختصة بالثلاثة المذكورة بنص أو إجماع فإن لم يكن كذلك فالأشهر جمع شهر وهو من جموع القلة يتردد ما بين الثلاثة إلى العشرة والثلاثة هي المتيقنة فيجب الوقوف عندها ومعنى قوله ) معلومات ( أن الحج في السنة مرة واحدة في أشهر معلومات من شهورها ليس كالعمرة أو المراد معلومات ببيان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو معلومات عند المخاطبين لا يجوز التقدم عليها ولا التأخر عنها قوله ) فمن فرض فيهن الحج ( أصل الفرض في الغة الحز والقطع ومنه فرضة القوس والنهر والجبل ففرضية الحج لازمة للعبد الحر كلزوم الحز للقوس وقيل معنى فرض أبان وهو أيضا يرجع إلى القطع لأن من قطع شيئا فقد أبانه عن غيره والمعنى في الآية فمن ألزم نفسه فيهن الحج بالشروع فيه بالنية قصدا باطنا وبالإحرام فعلا ظاهرا وبالتلبية نطقا مسموعا وقال أبو حنيفة إن إلزامه نفسه يكون بالتلبية أو بتقليد الهدى وسوقه وقال الشافعي تكفي النية في الإحرام بالحج والرفث قال ابن عباس وابن جبير والسدي وقتادة والحسن وعكرمة والزهري ومجاهد ومالك هو الجماع وقال ابن عمر وطاوس وعطاء وغيرهم الرفث الإفحاش بالكلام قال أبو عبيدة الرفث اللغاء من الكلام وانشد ورب أسراب حجيج كظم
عن اللغا ورفث التكلم
يقال رفث يرفث بكسر الفاء وضمها والفسوق الخروج عن حدود الشرع وقيل هو الذبح للاصنام وقيل التنابز بالألقاب وقيل السباب والظاهر أنه لا يختص بمعصية معينة وإنما خصصه من خصصه بما ذكر باعتبار أنه قد أطلق على ذلك الفرد اسم الفسوق كما قال سبحانه في الذبح للأصنام أو فسقا أهل لغير الله به


"""""" صفحة رقم 201 """"""
وقال في التنابز ) بئس الاسم الفسوق ( وقال ( صلى الله عليه وسلم ) في السباب ( سباب المسلم فسوق ) ولا يخفى على عارف أن إطلاق اسم الفسوق على فرد من افراد المعاصي لا يوجب اختصاصه به والجدال مشتق من الجدل وهو القتل والمراد به هنا المماراة وقيل السباب وقيل الفخر بالآباء والظاهر الأول وقد قرئ بنصب الثلاثة ورفعها ورفع الأولين ونصب الثالث وعكس ذلك ومعنى النفي لهذه الأمور النهي عنها وقوله ) وما تفعلوا من خير يعلمه الله ( حث على الخير بعد ذكر الشر وعلى الطاعة بعد ذكر المعصية وفيه أن كل ما يفعلونه من ذلك فهو معلوم عند الله لا يفوت منه شيء وقوله ) وتزودوا ( فيه الأمر باتخاذ الزاد لأن بعض العرب كانوا يقولون كيف نحج بيت ربنا ولا يطعمنا فكانوا يحجون بلا زاد ويقولون نحن متوكلون على الله سبحانه وقيل المعنى تزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة ) فإن خير الزاد التقوى ( والأول أرجح كما يدل على ذلك سبب نزول الآية وسيأتي وقوله ) فإن خير الزاد التقوى ( إخبار بأن خير الزاد اتقاء المنهيات فكأنه قال اتقوا الله في إتيان ما أمركم به من الخروج بالزاد فإن خير الزاد التقوى وقيل المعنى فإن خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة والحاجة إلى السؤال والتكفف قوله ) واتقون يا أولي الألباب ( فيه التخصيص لأولى الألباب بالخطاب بعد حث جميع العباد على التقوى لأن أرباب الألباب هم القابلون لأوامر الله الناهضون بها ولب كل شيء خالصه
البقرة : ( 198 ) ليس عليكم جناح . . . . .
قوله ) ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( فيه الترخيص لمن حج في التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق وهو المراد بالفضل هنا ومنه قوله تعالى ) فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ( أي لا إثم عليكم في أن تبتغوا فضلا من ربكم مع سفركم لتأدية ما افترضه عليكم من الحج قوله ) فإذا أفضتم ( أي دفعتم يقال فاض الإناء إذا امتلأ ماء حتى ينصب من نواحيه ورجل فياض أي متدفقة يداه بالعطاء ومعناه أفضتم أنفسكم فترك ذكر المفعول كما ترك في قولهم دفعوا من موضع كذا وعرفات اسم لتلك البقعة أي موضع الوقوف وقرأه الجماعة بالتنوين وليس التنوين هنا للفرق بين ما ينصرف وما لا ينصرف وإنما هو بمنزلة النون في مسلمين قال النحاس هذا الجيد وحكى سيبويه عن العرب حذف التنوين من عرفات قال لما جعلوها معرفة حذفوا التنوين وحكى الأخفش والكوفيون فتح التاء تشبيها بتاء فاطمة وأنشدوا تنورتها من أذرعات وأهلها
بيثرب أدنى دارها نظر عالي
وقال في الكشاف فإن قلت هلا منعت الصرف وفيها السببان التعريف والتأنيث قلت لا يخلو التأنيث إما أن يكون بالتاء التي في لفظها وإما بتاء مقدرة كما في سعاد فالتي في لفظها ليست للتأنيث وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث ولا يصح تقدير التاء فيها لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما لا تقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث فأبت تقديرها انتهى وسميت عرفات لأن الناس يتعارفون فيها وقيل إن آدم التقى هو وحواء فيها فتعارفا وقيل غير ذلك قال ابن عطية والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماء البقاع واستدل بالآية على وجوب الوقوف بعرفة لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده والمراد بذكر الله عند المشعر الحرام دعاؤه ومنه التلبية والتكبير وسمى المشعر مشعرا من الشعار وهو العلامة والدعاء عنده من شعائر الحج ووصف بالحرام لحرمته وقيل المراد بالذكر صلاة المغرب والعشاء بالمزدلفة جمعا وقد أجمع أهل العلم على أن السنة أن يجمع الحاج بينهما فيها والمشعر هو جبل قزح الذي يقف عليه الإمام وقيل هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى وادي محسر قوله ) واذكروه كما هداكم (


"""""" صفحة رقم 202 """"""
الكاف نعت مصدر محذوف وما مصدرية أو كافة أي اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة وكرر الأمر بالذكر تأكيدا وقيل الأول أمر بالذكر عند المشعر الحرام والثاني في أمر بالذكر على حكم الاخلاص وقيل المراد بالثاني تعديد النعمة عليهم و ( إن ) في قوله ) وإن كنتم من قبله ( مخففة كما يفيده دخول اللام في الخبر وقيل هي بمعنى قد أي قد كنتم والضمير في قوله ) من قبله ( عائد إلى الهدى وقيل إلى القرآن
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله تعالى ) الحج أشهر معلومات ( شوال وذو القعدة وذو الحجة وأخرج الطبراني في الأوسط أيضا عن ابن عمر مرفوعا مثله وأخرج الخطيب عن ابن عباس مرفوعا مثله أيضا وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عمر بن الخطاب موقوفا مثله وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر موقوفا مثله واخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وعطاء والضحاك مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عمر في قوله ) الحج أشهر معلومات ( قال شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة وأخرجوا إلا الحاكم عن ابن مسعود مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن ابن عباس من طرق مثله وأخرج ابن المنذر والدارقطني والطبراني والبيهقي عن عبدالله بن الزبير مثله أيضا وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن ومحمد وإبراهيم مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر في قوله ) فمن فرض فيهن الحج ( قال من أهل فيهن بحج وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال الفرض الإحرام وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الزبير قال الإهلال وأخرج عنه ابن المنذر والدارقطني والبيهقي قال فرض الحج الإحرام وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال الفرض الإهلال وروى نحو ذلك عن جماعة من التابعين وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله تعالى ) الحج أشهر معلومات ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عنه نحوه وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة وابن مردويه والبيهقي عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ) وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) قال الرفث التعريض للنساء بالجماع والفسوق المعاصي كلها والجدال جدال الرجل صاحبه ) وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فلا رفص لا جماع ولا فسوق المعاصي والكذب ) وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس في الآية قال الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال المراء وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه نحوه وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال الرفث غشيان النساء والفسوق السباب والجدال المراء وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عنه نحوه وروى نحو ما تقدم عن جماعة من التابعين بعبارات مختلفة وأخرج عبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم عن ابن عباس قال كان أهل اليمن يحجون ولا


"""""" صفحة رقم 203 """"""
يتزودون ويقولون نحن متوكلون ثم يقدمون فيسألون الناس فانزل الله ) وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون نحج بيت الله ولا يطعمنا فنزلت الآية وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زادا آخر فأنزل الله ) وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق وأخرج الطبراني عن ابن الزبير قال كان الناس يتوكل بعضهم على بعض في الزاد فأمرهم الله أن يتزودوا وقد روى عن جماعة من التابعين مثل ما تقدم عن الصحابة وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير عن ابن عباس قال كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج ويقولون أيام ذكر الله فنزلت ) ليس عليكم جناح ( الآية وقد أخرج نحوه عنه البخاري وغيره وأخرج عبد بن حميد وعبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي امامة التميمي قال قلت لابن عمر إنا أناس نكرى فهل لنا من حج قال أليس تطوفون بالبيت وبين الصفا والمروة وتأتون المعرف وترمون الجمار وتحلقون رءوسكم قلت بلى فقال ابن عمر جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية ) ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( فدعاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ عليه الآية وقال أنتم حجاج وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس أنه كان يقرأ ) ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( في مواسم الحج وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن الزبير أنه قرأها كما قرأها ابن عباس وأخرج ابن أبي داود في المصاحف أن ابن مسعود قرأها كذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال إنما سمي عرفات لأن جبريل كان يقول لإبراهيم عليه السلام حين رأى المناسك عرفت وأخرج مثله ابن أبي حاتم عن ابن عمر وأخرج مثله عبد الرزاق وابن جرير عن علي وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عمر أنه سئل عن المشعر الحرام فسكت حتى إذا هبطت أيدي الرواحل بالمزدلفة قال هذا المشعر الحرام وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه انه قال المشعر الحرام المزدلفة كلها وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عنه قال هو الجبل وما حوله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه قال ما بين الجبلين الذي بجمع مشعر وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن الزبير في قوله ) واذكروه كما هداكم ( قال ليس هذا بعام هذا لأهل البلد كانوا يفيضون من جمع ويفيض سائر الناس من عرفات فأبى الله لهم ذلك فأنزل ) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( وأخرج عبد بن حميد عن سفيان في قوله ) وإن كنتم من قبله ( قال من قبل القرآن وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن كنتم من قبله لمن الضالين ( قال لمن الجاهلين
البقرة 199 203


"""""" صفحة رقم 204 """"""
البقرة : ( 199 ) ثم أفيضوا من . . . . .
قيل الخطاب في قوله ) ثم أفيضوا ( للحمس من قريش لأنهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفات بل كانوا يقفون بالمزدلفة وهي من الحرم فأمروا بذلك وعلى هذا تكون ثم لعطف جملة على جملة لا للترتيب وقيل الخطاب لجميع الامة والمراد بالناس إبراهيم أي ثم افيضوا من حيث أفاض إبراهيم فيحتمل أن يكون أمرا لهم بالإفاضة من عرفة ويحتمل أن يكون إفاضة أخرى وهي التي من المزدلفة وعلى هذا تكون ثم على بابها أي للترتيب وقد رجح هذا الاحتمال الأخير ابن جرير الطبري وإنما امروا بالاستغفار لأنهم في مساقط الرحمة ومواطن القبول ومظنات الإجابة وقيل إن المعنى استغفروا للذي كان مخالفا لسنة إبراهيم وهو وقوفكم بالمزدلفة دون عرفة
البقرة : ( 200 ) فإذا قضيتم مناسككم . . . . .
والمراد بالمناسك أعمال الحج ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( خذوا عني مناسككم ) أي فإذا فرغتم من أعمال الحج فاذكروا الله وقيل المراد بالمناسك الذبائح وإنما قال سبحانه ) كذكركم آباءكم ( لأن العرب كانوا إذا فرغوا من حجهم يقفون عند الجمرة فيذكرون مفاخر آبائهم ومناقب أسلافهم فأمرهم الله بذكره مكان ذلك الذكر ويجعلونه ذكرا مثل ذكرهم لآبائهم أو اشد من ذكرهم لابائهم قال الزجاج إن قوله ) أو أشد ( في موضع خفض عطفا على ذكركم والمعنى أو كأشد ذكرا ويجوز أن يكون في موضع نصب أي اذكروه أشد ذكرا وقال في الكشاف إنه عطف على ما أضيف إليه الذكر في قوله ) كذكركم ( كما تقول كذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا قوله ) فمن الناس من يقول ( الآية لما ارشد سبحانه عباده إلى ذكره وكان الدعاء نوعا من أنواع الذكر جعل من يدعوه منقسما إلى قسمين أحدهما يطلب حظ الدنيا ولا يلتفت إلى حظ الآخرة والقسم الآخر يطلب الأمرين جميعا ومفعول الفعل أعني قوله ) آتنا ( محذوف أي ما نريد أو ما نطلب والواو في قوله ) وما له ( واو الحال والجملة بعدها حالية والخلاق النصيب أي وما لهذا الداعي في الآخرة من نصيب لأن همه مقصور على الدنيا لا يريد غيرها ولا يطلب سواهاه وفي هذا الخبر معنى النهى عن الاقتصار على طلب الدنيا والذم لمن جعلها غاية رغبته ومعظم مقصوده
البقرة : ( 201 ) ومنهم من يقول . . . . .
وقد اختلف في تفسير الحسنتين المذكورتين في الآية فقيل هما ما يطلبه الصالحون في الدنيا من العافية وما لا بد منه من الرزق وما يطلبونه في الآخرة نيعم الجنة والرضا وقيل المراد بحسنة الدنيا الزوجة الحسناء وحسنة الآخرة الحور العين وقيل حسنة الدنيا العلم والعبادة وقيل غير ذلك قال القرطبي والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعيم الدنيا والآخرة قال وهذا هو الصحيح فإن اللفظ يقتضي هذا كله فإن حسنة نكرة في سياق الدعاء فهو محتمل لكل حسنة من الحسنات على البدل وحسنة الآخرة الجنة بإجماع انتهى قوله ) وقنا ( أصله أوقنا حذفت الواو كما حذفت في يقي لأنها بين ياء وكسرة مثل يعد هذا قول البصريين وقال الكوفيون حذفت فرقا بين اللازم والمتعدي
البقرة : ( 202 ) أولئك لهم نصيب . . . . .
وقوله ) أولئك ( إشارة إلى الفريق الثاني ) لهم نصيب من ( جنس ) ما كسبوا ( من


"""""" صفحة رقم 205 """"""
الأعمال أي من ثوابها ومن جملة أعمالهم الدعاء فما أعطاهم الله بسببه من الخير فهو مما كسبوا وقيل إن معنى قوله ) مما كسبوا ( التعليل أي من أجل ما كسبوا وهو بعيد وقيل إن قوله ) أولئك ( اشارة إلى الفريقين جميعا أي للأولين نصيب من الدنيا ولا نصيب لهم في الآخرة وللآخرين نصيب مما كسبوا في الدنيا وفي الآخرة وسريع من سرع يسرع كعظم يعظم سرعا وسرعة والحساب مصدر كالمحاسبة وأصله العدد يقال حسب يحسب حسابا وحسابة وحسبانا وحسبا والمراد هنا المحسوب سمي حسابا تمسية للمفعول بالمصدر والمعنى أن حسابه لعباده في يوم القيامة سريع مجيئه فبادروا ذلك بأعمال الخير أو أنه وصف نفسه بسرعة الحساب الخلائق على كثرة عددهم وأنه لا يشغله شأن عن شأن فيحاسبهم في حالة واحدة كما قال تعالى ) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة )
البقرة : ( 203 ) واذكروا الله في . . . . .
قوله ) في أيام معدودات ( قال القرطبي لا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى وايام التشريق وهي أيام رمي الجمار وقال الثعلبي قال إبراهيم الأيام المعدودات أيام العشر والأيام المعلومات أيام النحر وكذا روى عن مكي والمهدوي قال القرطبي ولا يصح لما ذكرناه من الإجماع على ما نقله أبو عمر بن عبدالبر وغيره وروى الطحاوي عن أبي يوسف أن الأيام المعلومات أيام النحر قال لقوله تعالى ) ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة ( وحكى الكرخي عن محمد بن الحسن أن الأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة يوم الأضحى ويومان بعده قال الكيا الطبري فعلى قول أبي يوسف ومحمد لا فرق بين المعلومات والمعدودات لأن المعدودات المذكورة في القرآن أيام التشريق بلا خلاف وروى عن مالك أن الأيام المعدودات والايام المعلومات يجمعها أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده فيوم النحر معلوم غير معدود واليومان بعده معلومان معدودان واليوم الرابع معدود لا معلوم وهو مروي عن ابن عمر وقال ابن زيد الأيام المعلومات عشر ذي الحجة وايام التشريق والمخاطب بهذا الخطاب المذكور في الآية أعني قوله تعالى ) واذكروا الله في أيام معدودات ( هو الحاج وغيره كما ذهب إليه الجمهور وقيل هو خاص بالحاج وقد اختلف أهل العلم في وقته فقيل من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق وقيل من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر النحر وبه قال أبو حنيفة وقيل من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق وبه قال مالك والشافعي قوله ) فمن تعجل ( الآية اليومان هما يوم ثاني النحر ويوم ثالثه وقال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة والنخعي من رمي في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج ومن تأخر إلى الثالث فلا حرج فمعنى الآية كل ذلك مباح وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا لأن من العرب من كان يذم التعجل ومنهم من كان يذم التأخر فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك وقال علي وابن مسعود معنى الآية من تعجل فقد غفر له ومن تأخر فقد غفر له والآية قد دلت على أن التعجل والتأخر مباحان وقوله ) لمن اتقى ( معناه أن التخيير ورفع الإثم ثابت لمن اتقى لأن صاحب التقوى يتحرز عن كا ما يريبه فكان أحق بتخصيصه بهذا الحكم قال الأخفش التقدير ذلك لمن اتقى وقيل لمن اتقى بعد انصرافه من الحج عن جميع المعاصي وقيل لمن اتقى قتل الصيد وقيل معناه السلامة لمن اتقى وقيل هو متعلق بالذكر أي الذكر لمن اتقى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد آخر ج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت ( كانت قريش ومن دان بدينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وكانت سائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها


"""""" صفحة رقم 206 """"""
ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى ) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( وأخرجا أيضا عنها موقوفا نحوه وقد ورد في هذا المعنى روايات عن الصحابة والتابعين وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى سماء الدنيا في الملائكة فيقول لهم عبادي آمنوا بوعدي وصدقوا برسلي ما جزاؤهم فيقال أن تغفر لهم فذلك قوله ) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ( وقد وردت أحاديث كثيرة في المغفرة لأهل عرفة ونزول الرحمة عليهم وإجابة دعائهم وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله تعالى ) فإذا قضيتم مناسككم ( قال حجكم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) فإذا قضيتم مناسككم ( قال إهراق الدماء ) فاذكروا الله كذكركم آباءكم ( قال تفاخر العرب بينها بفعال آبائها يوم النحر حين يفرغون فأمروا بذكر الله مكان ذلك وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال كان المشركون يجلسون في الحج فيذكرون أيام آبائهم وما يعدون من أنسابهم يومهم أجمع فأنزل الله على رسوله ) فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ( وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عبدالله بن الزبير نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير وعكرمة نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) كذكركم آباءكم ( يقول كما يذكر الأبناء الآباء وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا أنه قيل له في قوله ) كذكركم آباءكم ( إن الرجل ليأتي عليه اليوم وما يذكر أباه فقال إنه ليس بذاك ولكن يقول تغضب لله إذا عصى أشد من غضبك إذا ذكر والدك بسوء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا فأنزل الله فيهم ) فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ( ويجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون ) ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ( فأنزل الله فيهم ) أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ( وأخرج الطبراني عن عبدالله بن الزبير قال كان الناس في الجاهلية إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال أحدهم اللهم ارزقني إبلا وقال الآخر اللهم ارزقني غنما فأنزل الله الآية وأخرج ابن جرير عن أنس أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون اللهم اسقنا المطر وأعطنا على عدونا الظفر وردنا صالحين إلى صالحين فنزلت الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قول ) أولئك لهم نصيب مما كسبوا ( قال مما عملوا من الخير وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) سريع الحساب ( قال سريع الإحصاء وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن علي قال الأيام المعدودات ثلاثة أيام يوم الأضحى ويومات بعده اذبح في أيها شئت وأفضلها أولها وأخرج الفريابي وابن أبي الدنيا وابن المنذر عن ابن عمر أنها أيام التشريق الثلاثة وفي لفظ هذه الأيام الثلاثة بعد يوم النحر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة عن ابن عباس قال الأيام المعلومات أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق وأخرج الطبراني عن ابن الزبير قال في قوله ) واذكروا الله في أيام معدودات ( قال هن أيام التشريق يذكر فيهن بتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأيام المعدودات أربعة أيام يوم النحر والثلاثة أيام بعده وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كان يكبر تلك الأيام بمنى ويقول التكبير واجب ويتأول هذه الآية ) واذكروا الله في أيام معدودات ( وأخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يكبر يوم النحر ويتلو هذه الآية


"""""" صفحة رقم 207 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) واذكروا الله في أيام معدودات ( قال التكبير ايام التشريق يقول في دبر كل صلاة الله أكبر الله أكبر الله أكبر وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يكبر ثلاثا ثلاثا وراء الصلوات ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأخرج المروزي عن الزهري قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكبر أيام التشريق كلها وأخرج مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر بمنى حين ارتفع النهار شيئا فكبر وكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثانية في يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبر وكبر الناس بتكبيره حتى بلغ تكبيرهم البيت ثم خرج الثالثة من يومه ذلك حين زاغت الشمس فكبر وكبر الناس بتكبيره وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يرمي الجمار ويكبر مع كل حصاة وقد روى نحو ذلك من حديث عائشة عند الحاكم وصححه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ( قال في تعجيله ) ومن تأخر فلا إثم عليه ( قال في تأخيره وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال النفر في يومين لمن اتقى واخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال من غابت له الشمس في اليوم الذي قال الله فيه ) فمن تعجل في يومين ( وهو بمنى فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لمن اتقى ( قال لمن اتقى الصيد وهو محرم وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأهل السنن والحاكم وصححه عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول وهو واقف بعرفة وأتاه الناس من أهل مكة فقالوا يا رسول الله كيف الحج قال الحج عرفات فمن أدرك ليلة جمع قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك أيام مني ثلاثة أيام ) فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ( قال مغفورا له ) ومن تأخر فلا إثم عليه ( قال مغفورا له وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) لمن اتقى ( قال لمن اتقى في حجه قال قتادة وذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول من اتقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله ) فلا إثم عليه لمن اتقى ( قال ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقي من عمره
البقرة 204 207
البقرة : ( 204 ) ومن الناس من . . . . .
لما ذكر سبحانه طائفتي المسلمين بقوله ) فمن الناس من يقول ( عقب ذلك بذكر طائفة المنافقين وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر وسبب النزول الأخنس بن شريق كما يأتي بيانه قال ابن عطية ما ثبت قط أن الأخنس أسلم وقيل إنها نزلت في قوم من المنافقين وقيل إنها نزلت في كل من أضمر كفرا أو نفاقا أو كذبا وأظهر بلسانه خلافه ومعنى قوله ) يعجبك ( واضح ومعنى قوله ) ويشهد الله على ما في قلبه ( أنه يحلف على ذلك فيقول يشهد الله على ما في قلبي من محبتك أو من الإسلام أو يقول الله يعلم أني أقول حقا وأني صادق


"""""" صفحة رقم 208 """"""
في قولي لك وقرأ ابن محيصن ) ويشهد الله ( بفتح حرف المضارعة ورفع الإسم الشريف على أنه فاعل والمعنى ويعلم الله منه خلاف ما قال ومثله قوله تعالى ) والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( وقراءة الجماعة أبلغ في الذم وقرا ابن عباس ? والله يشهد على ما في قلبه ? وقرأ أبي وابن مسعود ) ويشهد الله على ما في قلبه ( وقوله ) في الحياة الدنيا ( متعلق بالقول أو بيعجبك فعلى الأول القول صادر في الحياة وعلى الثاني الإعجاب صادر فيها والألد الشديد الخصومة يقال رجال ألد وامرأة لداء ولددته ألده إذا جادلته فغلبته ومنه قول الشاعر وألد ذي جنف علي كأنما
تغلى عداوة صدره في مرجل
والخصام مصدر خاصم قاله الخليل وقيل جمع خصم قاله الزجاج ككلب وكلاب وصعب وصعاب وضخم وضخام والمعنى أنه أشد المخاصمين خصومة لكثرة جداله وقوة مراجعته وإضافة الألد إلى الخصام بمعنى في أي ألد في الخصام أو جعل الخصام الد على المبالغة
البقرة : ( 205 ) وإذا تولى سعى . . . . .
وقوله ) وإذا تولى ( أي أدبر وذهب عنك يا محمد وقيل إنه بمعنى ضل وغضب وقيل إنه بمعنى الولاية أي إذا كان واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض والسعي المذكور يحتمل أن يكون المراد به السعي بالقدمين إلى ما هو فساد في الأرض كقطع الطريق وحرب المسلمين ويحتمل أن يكون المراد به العمل في الفساد وإن لم يكن فيه سعي بالقدمين كالتدبير على المسلمين بما يضرهم وأعمال الحيل عليهم وكل عمل يعمله الإنسان بجوارحه أو حواسه يقال له سعي وهذا هو الظاهر من هذه الآية وقوله ) ويهلك ( عطف على قوله ) ليفسد ( وفي قراءة أبي ( وليهلك ) وقرأه قتادة بالرفع وروى عن ابن كثير ( ويهلك ) بفتح الياء وضم الكاف ورفع الحرث والنسل وهي قراءة الحسن وابن محيصن والمراد بالحرث الزرع والنسل الأولاد وقيل الحرث النساء قال الزجاج وذلك لأن النفاق يؤدي إلى تفريق الكلمة ووقوع القتال وفيه هلاك الخلق وقيل معناه أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل وأصل الحرث في اللغة الشق ومنه المحراث لما يشق به الأرض والحرث كسب المال وجمعه وأصل النسل في اللغة الخروج والسقوط ومنه نسل الشعر ومنه أيضا ) إلى ربهم ينسلون ( ) وهم من كل حدب ينسلون ( ويقال لما خرج من كل أنثى نسل لخروجه منها وقوله ) والله لا يحب الفساد ( يشمل كل نوع من أنواعه من غير فرق بين ما فيه فساد الدين وما فيه فساد الدنيا
البقرة : ( 206 ) وإذا قيل له . . . . .
والعزة القوة والغلبة من عزه يعزه إذا غلبه ومنه ) وعزني في الخطاب ( وقيل العزة هنا الحمية ومنه قول الشاعر أخذته عزة من جهله
فتولى غضبا فعل الضجر
وقيل العزة هنا المنعة وشدة النفس ومعنى ) أخذته العزة بالإثم ( حملته العزة على الإثم من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه وقيل أخذته العزة بما يؤثمه أي ارتكب الكفر للعزة ومنه ) بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( وقيل الباء في قوله ) بالإثم ( بمعنى اللام أي أخذته العزة والحمية عن قبول الوعظ للإثم الذي في قلبه وهو النفاق وقيل الباء بمعنى مع أي أخذته العزة مع الإثم وقوله ) فحسبه جهنم ( أي كافية معاقبة وجزاء كما تقول للرجل كفاك ما حل بك وأنت تستعظم عليه ما حل به والمهاد جمع المهد وهو الموضع المهيأ للنوم ومنه مهد الصبي وسميت جهنم مهادا لأنها مستقر الكفار وقيل المعنى أنها بدل لهم من المهاد كقوله ) فبشرهم بعذاب أليم ( وقول الشاعر تحية بينهم ضرب وجيع
البقرة : ( 207 ) ومن الناس من . . . . .
ويشري بمعنى يبيع أي يبيع نفسه في


"""""" صفحة رقم 209 """"""
مرضاة الله كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومثله قوله تعالى ) وشروه بثمن بخس ( وأصله الاستبدال ومنه قوله ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ( ومنه قول الشاعر وشريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامه
ومنه قول الآخر يعطي بها ثمنا فيمنعها
ويقول صاحبه ألا تشري
والمرضاة الرضا تقول رضى يرضى رضا ومرضاة ووجه ذكر الرافة هنا أنه أوجب عليهم ما أوجبه ليجازيهم ويثيبهم عليه فكان ذلك رافة بهم ولطفا لهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات سبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما اصيبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجال من المنافقين يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله ) ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ( أي ما يظهر من الإسلام بلسانه ) ويشهد الله على ما في قلبه ( أنه مخالف لما يقوله بلسانه ) وهو ألد الخصام ( أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك ) وإذا تولى ( خرج من عندك ) سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ( أي لا يحب عمله ولا يرضى به ) ومن الناس من يشري نفسه ( الذين يشرون أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك يعني هذه السرية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ومن الناس من يعجبك ( الآية قال نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة أقبل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة وقال جئت أريد الإسلام ويعلم الله اني لصادق فاعجب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك منه فذلك قوله ) ويشهد الله على ما في قلبه ( ثم خرج من عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فانزل الله ) وإذا تولى سعى في الأرض ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وهو ألد الخصام ( قال هو شديد الخصومة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله ) وإذا تولى سعى في الأرض ( قال عمل في الأرض ) ويهلك الحرث ( قال نبات الأرض ) والنسل ( نسل كل شيء من الحيوان الناس والدواب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا أنه سئل عن قوله ) وإذا تولى سعى في الأرض ( قال يلى في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم فيحبس الله بذلك القطر من السماء فتهلك بحبس القطر الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ثم قرأ مجاهد ) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل من قوله ) ويهلك الحرث والنسل ( قال الحرث الزرع والنسل نسل كل دابة وأخرج ابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال ( إن من أكبر الذنوب عند الله أن يقول الرجل لأخيه اتق الله فيقول عليك بنفسك أنت تأمرني ) وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عن سفيان قال قال رجل لمالك بن مغول اتق الله فسقط فوضع خده على الأرض تواضعا لله وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ولبئس المهاد ( قال بئس المنزل واخرجا عن مجاهد قال بئس ما شهدوا لأنفسهم وأخرج ابن مردويه عن صهيب قال لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالت لي قريش يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبدا فقلت لهم ارأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني قالوا نعم فدفعت إليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 210 """"""
وسلم فقال ربح البيع صهيب مرتين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن سعيد بن المسيب نحوه وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل عن صهيب نحوه وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس قال نزلت في خروج صهيب إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن قتادة قال هم المهاجرون والأنصار
البقرة 208 210
البقرة : ( 208 ) يا أيها الذين . . . . .
لما ذكر الله سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف مؤمنين وكافرين ومنافقين أمرهم بعد ذلك بالكون على ملة واحدة وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان لأن أهل الكتاب مؤمنون بنبيهم وكتابهم والمنافق مؤمن بلسانه وإن كان غير مؤمن بقلبه والسلم بفتح السين وكسرها قال الكسائي ومعناهما واحد وكذا عند البصريين وهما جميعا يقعان للإسلام والمسالمة وقال أبو عمرو بن العلاء إنه بالفتح للمسالمة وبالكسر للإسلام وأنكر المبرد هذه التفرقة وقال الجوهري السلم بفتح السين الصلح وتكسير ويذكر ويؤنث وأصله من الإستسلام والإنقياد ورجح الطبري أنه هنا بمعنى الإسلام ومنه قول الشاعر الكندي دعوت عشيرتي للسلم لما
رايتهم تولوا مدبرين
أي إلى الإسلام وقرأ الأعمش ( السلم ) بفتح السين واللام وقد حكى البصريون في سلم وسلم أنها بمعنى واحد ( وكافة ) حال من السلم أو من ضمير المؤمنين فمعناه على الأول لا يخرج منكم أحد وعلى الثاني لا يخرج من أنواع السلم شيء بل أدخلوا فيها جميعا أي في خصال الإسلام وهو مشتق من قولهم كففت أي منعت أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام والكف المنع والمراد به هنا الجميع ) ادخلوا في السلم كافة ( أي جميعا وقوله ) ولا تتبعوا خطوات الشيطان ( أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان وقد تقدم الكلام على خطوات
البقرة : ( 209 ) فإن زللتم من . . . . .
قوله ) زللتم ( أي تنحيتم عن طريق الاستقامة وأصل الزلل في القدم ثم استعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك يقال زل يزل زلا وزللا وزلولا أي دحضت قدمه وقرئ ) زللتم ( بكسر اللام وهما لغتان والمعنى فإن ضللتم وعرجتم عن الحق ) من بعد ما جاءتكم البينات ( أي الحجج الواضحة والبراهين الصحيحة أن الدخول في الإسلام هو الحق ) فاعلموا أن الله عزيز ( غالب لا يعجزه الانتقام منكم ) حكيم ( لا ينتقم إلا بحق
البقرة : ( 210 ) هل ينظرون إلا . . . . .
قوله ) هل ينظرون ( أي ينتظرون يقال نظرته وانتظرته بمعنى والمراد هل ينتظر التاركون للدخول في السلم والظلل جمع ظلة وهي ما يظلك وقرأ قتادة ويزيد بن القعقاع ( في ظلال ) وقرأ يزيد أيضا ) والملائكة ( بالجر عطفا على الغمام أو على ظلل قال الأخفش ) والملائكة ( بالخفض بمعنى وفي الملائكة قال والرفع أجود وقال الزجاج التقدير في ظلل من الغمام ومن الملائكة والمعنى هل ينتظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل من الغمام والملائكة قال الأخفش وقد يحتمل أن يكون معنى الإتيان


"""""" صفحة رقم 211 """"""
راجعا إلى الجزاء فسمى الجزاء إتيانا كما سمي التخويف والتعذيب في قصة ثمود إتيانا فقال ) فأتى الله بنيانهم من القواعد ( وقال في قصة النضير ) فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ( وإنما احتمل الإتيان هذا لأن أصله عند أهل اللغة القصد إلى الشيء فمعنى الآية هل ينظرون إلا أن يظهر الله فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى محاربتهم وقيل إن المعنى يأتيهم أمر الله وحكمه وقيل إن قوله ) في ظلل ( بمعنى بظلل وقيل المعنى يأتيهم بباسه في ظلل والغمام السحاب الرقيق الأبيض سمي بذلك لأنه يغم أي يستر ووجه إتيان العذاب في الغمام على تقدير أن ذلك هو المراد ما في مجيء الخوف من محل الأمن من الفظاعة وعظم الموقع لأن الغمام مظنة الرحمة لا مظنة العذاب وقوله ) وقضي الأمر ( عطف على يأتيهم داخل في حيز الانتظار وإنما عدل إلى صيغة الماضي دلالة على تحققه فكأنه قد كان أو جملة مستأنفة جيء بها للدلالة على أن مضمونها واقع لا محالة أي وفرغ من الأمر الذي هو إهلاكهم وقرأ معاذ بن جبل ( وقضاء الأمر ) بالمصدر عطفا على الملائكة وقرأ يحيى بن يعمر ( وقضى الأمور ) بالجمع وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ( ترجع الأمور ) على بناء الفعل للفاعل وقرأ الباقون على البناء للمفعول
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ( قال يعني مؤمني أهل الكتاب فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم يقول ادخوا في شرائع دين محمد ولا تدعوا منها شيئا وحسبكم الإيمان بالتوراة وما فيها وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن هذه الآية نزلت في ثعلبة وعبدالله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني كعب وسعيد بن عمرو وقيس بن زيد كلهم من يهود قالوا يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه وإن التوراة كتاب الله فلنقم بها الليل فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال السلم الطاعة لله وكافة يقول جميعا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال السلم الإسلام والزلل ترك الإسلام وأخرج ابن جرير عن السدي قال ) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات ( قال فإن ظللتم من بعد ما جاءكم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عمر في هذه الآية قال يهبط حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب منها النور والظلمة والماء فيصوت الماء في تلك العظمة صوتا تنخلع له القلوب وأخرج أبو يعلى وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال يأتي الله يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قطعت طاقات وأخرج ابن أبي جرير والديلمي عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفات بالملائكة ) وذلك قوله ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة ) في ظلل من الغمام ( قال طاقات والملائكة حوله وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال يأتيهم الله في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة عند الموت وأخرج عن عكرمة في قوله ) وقضي الأمر ( يقول قامت


"""""" صفحة رقم 212 """"""
البقرة 211 213
البقرة : ( 211 ) سل بني إسرائيل . . . . .
المأمور بالسؤال لبني إسرائيل هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويجوز أن يكون هو كل فرد من السائلين وهو سؤال تقريع وتوبيخ و ( كم ) في محل نصب بالفعل المذكور بعدها على أنها مفعول بآتي ويجوز أن ينتصب بفعل مقدر دل عليه المذكور أي كم آتينا آتيناهم وقدر متأخرا لأن لها صدر الكلام وهي إما استفهامية للتقرير أو خبرية للتكثير و ) من آية ( في موضع نصب على التمييز وهي البراهين التي جاء بها أنبياؤهم في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد بذلك الآيات التي جاء بها موسى وهي التسع والمراد بالنعمة هنا ما جاءهم من الآيات وقال ابن جرير الطبري النعمة هنا الإسلام والظاهر دخول كل نعمة أنعم الله بها على عبد من عباده كائنا من كان فوقع منه التبديل لها وعدم القيام بشكرها ولا ينافي ذلك كون السياق في بني إسرائيل أو كونهم السبب في النزول لما تقرر من أن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وفي قوله ) فإن الله شديد العقاب ( من الترهيب والتخويف ما لا يقادر قدره
البقرة : ( 212 ) زين للذين كفروا . . . . .
قوله ) زين ( مبني للمجهول والمزين هو الشيطان أو الأنفس المجبولة على حب العاجلة والمراد بالذين كفروا رؤساء قريش أو كل كافر وقرأ مجاهد وحميد بن قيس ( زين ) على البناء للمعلوم قال النحاس وهي قراءة شادة لأنه لم يتقدم للفاعل ذكر وقرأ ابن أبي عبلة ( زينت ) وإنما خص الذين كفروا بالذكر مع كون الدينا مزينة للمسلم والكافر كما وصف سبحانه بأنه جعل ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق ايهم أحسن عملا لأن الكافر افتتن بهذا التزيين وأعرض عن الآخرة والمسلم لم يفتتن به بل أقبل على الآخرة قوله ) ويسخرون من الذين آمنوا ( هذه الجملة في محل نصب على الحال أي والحال أن أولئك الكفار يسخرون من الذين آمنوا لكونهم فقراء لا حظ لهم من الدنيا كحظ رؤساء الكفر وأساطين الضلال وذلك لأن عرض الدنيا عندهم هو الأمر الذي يكون من ناله سعيدا رابحا ومن حرمه شقيا خاسرا وقد كان غالب المؤمنين إذ ذاك فقراء لاشتغالهم بالعبادة وأمر الآخرة وعدم إلتفاتهم إلى الدنيا وزينتها وحكى الأخفش أنه يقال سخرت منه وسخرت به وضحكت منه وضحكت به وهزأت منه وهزأت به والاسم السخرية والسخرى ولما وقع من الكفار ما وقع من السخرية بالمؤمنين رد الله عليهم بقوله ) والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ( والمراد بالفوقية هنا العلو في الدرجة لأنهم في الجنة والكفار في النار ويحتمل أن يراد بالفوق المكان


"""""" صفحة رقم 213 """"""
لأن الجنة في السماء والنار في أسفل سافلين أو أن المؤمنين هم الغالبون في الدنيا كما وقع ذلك من ظهور الإسلام وسقوط الكفر وقتل أهله وأسرهم وتشريدهم وضرب الجزية عليهم ولا مانع من حمل الآية على جميع ذلك لولا التقييد بكونه في يوم القيامة قوله ) والله يرزق من يشاء بغير حساب ( يحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن الله سبحانه سيرزق المستضعفين من المؤمنين ويوسع عليهم ويجعل ما يعطيهم من الرزق بغير حساب أي بغير تقدير ويحتمل أن المعنى أن الله يوسع على عبادة في الرزق كما وسع على أولئك الرؤساء من الكفار استدراجا لهم وليس في التوسعة دليل على أن من وسع عليه فقد رضي عنه ويحتمل ان يراد بغير حساب من المرزوقين كما قال سبحانه ) ويرزقه من حيث لا يحتسب )
البقرة : ( 213 ) كان الناس أمة . . . . .
قوله ) كان الناس أمة واحدة ( أي كانوا على دين واحد فاختلفوا ( فبعث الله النبيين ) ويدل على هذا المحذوف أعني قوله فاختلفوا قراءة ابن مسعود فإنه قرأ ( كان الناس أمة واحدة ) فاختلفوا فبعث الله النبيين واختلف في الناس المذكورين في هذه الآية من هم فقيل هم بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم وقيل آدم وحده وسمى ناسا لأنه أصل النسل وقيل آدم وحواء وقيل المراد القرون الأولى التي كانت بين آدم ونوح وقيل المراد نوح ومن في سفينته وقيل معنى الآية كان الناس أمة واحدة كلهم كفار فبعث الله النبيين وقيل المراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم كانوا أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق لولا أن الله من عليهم بإرسال الرسل والأمة مأخوذة من قولهم أممت الشيء أي قصدته أي مقصدهم واحد غير مختلف قوله ) فبعث الله النبيين ( قيل جملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر وقوله ) مبشرين ومنذرين ( بالنصب على الحال قوله ) وأنزل معهم الكتاب ( أي الجنس وقال ابن جرير الطبري إن الألف واللام للعهد والمراد التوراة وقوله ( ليحكم ) مسند إلى الكتاب في قول الجمهور وهو مجاز مثل قوله تعالى ) هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ( وقيل إن المعنى ليحكم كل نبي بكتابه وقيل ليحكم الله والضمير في قوله ) فيه ( الأولى راجع إلى ما في قوله ) فيما اختلفوا فيه ( والضمير في قول ) وما اختلف فيه ( يحتمل أن يعود إلى الكتاب ويحتمل أن يعود إلى المنزل عليه وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قاله الزجاج ويحتمل أن يعود إلى الحق وقوله ) إلا الذين أوتوه ( أي أوتوا الكتاب أو أوتوا الحق أو أوتوا النبي أي أعطوا علمه وقوله ) بغيا بينهم ( منتصب على أنه مفعول به أي لم يختلفوا إلا للبغي أي الحسد والحرص على الدنيا وفي هذا تنبيه على السفه في فعلهم والقبيح الذي وقعوا فيه لأنهم جعلوا نزول الكتاب سببا في شدة الخلاف وقوله ) فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق ( أي فهدى الله أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الحق وذلك بما بينه لهم في القرآن من اختلاف من كان قبلهم وقيل معناه فهدى الله أمة محمد للتصديق بجميع الكتب بخلاف من قبلهم فإن بعضهم كذب كتاب بعض وقيل إن الله هداهم إلى الحق من القبلة وقيل هداهم ليوم الجمعة وقيل هداهم لاعتقاد الحق في عيسى بعد أن كذبته اليهود وجعلته النصارى ربا وقيل المراد بالحق الإسلام وقال الفراء إن في الآية قلبا وتقديره فهدى الله الذين آمنوا بالحق لما اختلفوا فيه واختاره ابن جرير وضعفه ابن عطية وقوله ( بإذنه ) قال الزجاج معناه بعلمه قال النحاس وهذا غلط والمعنى بأمره
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) سل بني إسرائيل ( قال هم اليهود ) كم آتيناهم من آية بينة ( ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر ) ومن يبدل نعمة الله ( قال يكفرها وأخرج ابن أبي حاتم عن


"""""" صفحة رقم 214 """"""
أبي العالية قال آتاهم الله آيات بينات عصى موسى ويده وأقطعهم البحر وأغرق عدوهم وهم ينظرون وظلل من الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى ) ومن يبدل نعمة الله ( يقول من يكفر بنعمة الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) زين للذين كفروا الحياة الدنيا ( قال الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها ) ويسخرون من الذين آمنوا ( في طلبهم الآخرة قال ابن جريج لا أحسبه إلا عن عكرمة قال قالوا لو كان محمد نبيا لاتبعه ساداتنا وأشرافنا والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود وأصحابه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قول ) ويسخرون من الذين آمنوا ( يقولون ما هؤلاء على شيء استهزاء وسخريا ) والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ( هنا كم التفاضل وأخرج عبدالرزاق عن قتادة قال فوقهم في الجنة وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال سألت ابن عباس عن هذه الآية ) والله يرزق من يشاء بغير حساب ( قال تفسيرها ليس على الله رقيب ولا من يحاسبه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال لا يحاسب الرب وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال كان الناس أمة واحدة قال على الإسلام كلهم
وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عنه قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين قال وكذلك في قراءة عبدالله ) كان الناس أمة واحدة ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ففطرهم الله على الإسلام وأقروا له بالعبودية وكانوا أمة واحدة مسلمين ثم اختفلوا من بعد آدم وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد كان الناس أمة واحدة قال آدم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أنه كان يقرؤها كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين وإن الله إنما بعث بعث الرسل وأنزل الكتب بعد الاختلاف وما اختلف الذين أوتوه يعني بني إسرائيل أوتوا الكتاب والعلم بغيا بينهم يقول بغيا على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) كان الناس أمة واحدة ( قال كفارا وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله ) فهدى الله الذين آمنوا ( قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( نحن الآخرون الأولون يوم القيامة وأول الناس دخولا يبدأ بهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى ) وهو في الصحيح بدون ذكر الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله ) فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق ( قال اختلفوا في يوم الجمعة فأخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة واختلفوا في القبلة فاستقبلت النصارى المشرق واليهود بيت المقدس وهدى أمة محمد للقبلة واختلفوا في الصلاة فمنهم من يركع ولا يسجد ومنهم من يسجد ولا يركع ومنهم من يصلي وهو يتكلم ومنهم من يصلي وهو يمشي فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك واختلفوا في الصيام فمنهم من يصوم النهار ومنهم من يصوم من بعض الطعام فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود كان يهوديا وقالت النصارى كان نصرانيا وجعله الله حنيفا مسلما فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك واختلفوا في عيسى فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتانا عظيما وجعلته النصارى إلها وولدا وجعله الله روحه وكلمته فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك


"""""" صفحة رقم 215 """"""
البقرة 214
البقرة : ( 214 ) أم حسبتم أن . . . . .
( أم ) هنا منقطعة بمعنى بل وحكى بعض اللغويين أنها قد تجيء بمثابة همزة الاستفهام يبتدأ بها الكلام فعلى هذا معنى الاستفهام هنا التقرير والإنكار أي أحسبتم دخولكم الجنة واقعا ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كا صبروا ذكر الله سبحانه هذه التسلية بعد أن ذكر اختلاف الأمم على أنبيائهم تثبيتا للمؤمنين وتقوية لقلوبهم ومثل هذه الآية قوله تعالى ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ( وقوله تعالى ) الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( وقوله ) مستهم ( بيان لقوله ) مثل الذين خلوا ( و ) البأساء والضراء ( قد تقدم تفسيرهما والزلزلة شدة التحريك يكون في الأشخاص وفي الأحوال يقال زلزل الله الأرض زلزلة وزلزالا بالكسر فتزلزلت إذا تحركت واضطربت فمعنى زلزلوا خوفوا وأزعجوا إزعاجا شديدا وقال الزجاج أصل الزلزلة نقل الشيء من مكانه فإذا قلت زلزلته فمعناه كررت زلله من مكانه وقوله ) حتى يقول ( أي استمر ذلك إلى غاية هي قول الرسول ومن معه ) متى نصر الله ( والرسول هنا قيل هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو شعياء وقيل هو كل رسول بعث إلى امتى وقرأ مجاهد والأعرج ونافع وابن محيصن بالرفع في قوله ) حتى يقول ( وقرأ غيرهم بالنصب فالرفع على أنه حكاية لحال ماضية والنصب بإضمار أن على أنه غاية لما قبله وقرأ الأعمش ? وزلزلوا ويقول الرسول ? بالواو بدل حتى ومعنى ذلك أن الرسول ومن معه بلغ بهم الضجر إلى أن قالوا هذه المقالة المقتضية لطلب النصر واستبطاء حصوله واستطالة تأخيره فبشرهم الله سبحانه بقوله ) ألا إن نصر الله قريب ( وقالت طائفة في الكلام تقديم وتأخير والتقدير حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله ويقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ألا إن نصر الله قريب ولا ملجئ لهذا التكلف لأن قول الرسول ومن معه ) متى نصر الله ( ليس فيه إلا استعجال النصر من الله سبحانه وليس فيه ما زعموه من الشك والارتياب حتى يحتاج إلى ذلك التاويل المتعسف
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أن هذه الآية نزلت في يوم الأحزاب أصاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ وأصحابه بلاء وحصر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأخبرهم أنه هكذا فعل بانبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال ) مستهم البأساء والضراء ( فالبأساء الفتن والضراء السقم وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ولما يأتكم مثل الذين خلوا ( قال اصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم ) ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ( ولعله يعني بقوله حتى قال قائلهم يعني قائل المنافقين كما يفيد ذلك قوله تعالى ) إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (


"""""" صفحة رقم 216 """"""
البقرة 215 216
البقرة : ( 215 ) يسألونك ماذا ينفقون . . . . .
السائلون هنا هم المؤمنون سألوا عن الشيء الذي ينفقونه ما هو فأجيبوا ببيان المصرف الذي يصرفون فيه تنبيها على انه الأولى بالقصد لأن الشيء لا يعتد به إلا إذا وضع في موضعه وصادف مصرفه وقيل إنه قد تضمن قوله ( ما انفقتم من خير ) بيان ما ينفقونه وهو كل خير وقيل إنهم إنما سألوا عن وجوه البر التي ينفقون فيها وهو خلاف الظاهر وقد تقدم الكلام في الاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل
البقرة : ( 216 ) كتب عليكم القتال . . . . .
وقوله ( كتب ) أي فرض وقد تقدم بيان معناه بين سبحانه ان هذا أي فرض القتال عليهم من جملة ما امتحنوا به والمراد بالقتال قتال الكفار والكره بالضم المشقة والفتح ما اكرهت عليه ويجوز اضم في معنى الفتح فيكونان لغتين يقال كرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية وأكرهته عليه إكراها وإنما كان الجهاد كرها لأن فيه إخراج المال ومفارقة الأهل والوطن والتعرض لذهاب النفس وفي التعبير بالمصدر وهو قوله ( كره ) مبالغة ويحتمل ان يكون بمعنى المكروه كما في قولهم الدرهم ضرب الأمير وقوله ( وعسى ان تكرهوا شيئا ) قيل عسى هنا بمعنى قد وروى ذلك عن الأصم وقال أبو عبيدة عسى من الله إيجاب والمعنى عسى ان تكرهوا الجهاد لما فيه من المشقة وهو خير لكم فربما تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ومن مات مات شهيدا وعسى ان تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم فربما يتقوى عليكم العدو فيغلبكم ويقصدكم إلى عقر دياركم فيحل بكم أشد مما تخافونه من الجهاد الذي كرهتم مع ما يفوتكم في ذلك من الفوائد العاجلة والآجلة ( والله يعلم ) ما فيه صلاحكم وفلاحكم ( وأنتم لاتعلمون )
الآثار الوارده في تفسير الآيات والسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في قوله ( يسألونك ماذا ينفقون ) قال يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة وأخرج ابن جرير وابن ا لمنذر عن ابن جريج قال سأل المؤمنون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أين يضعون أموالهم فنزلت ( يسالونك ماذا ينفقون ) الآية فذلك النفقة في التطوع والزكاة سواء ذلك كله وأخرج ابن المنذر ان عمرو بن الجموح سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ماذا ننفق من اموالنا وأين نضعها فنزلت وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) كتب عليكم القتال ( قال ان الله أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين بمكة بالتوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يكفوا أيديهم عن القتال فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض وأذن لهم في القتال فنزلت ) كتب عليكم القتال ( يعنى فرض عليكم وأذن لهم بعد ما نهاهم عنه ( وهو كره لكم ) يعنى القتال وهو مشقة عليكم ( وعسى ان تكرهوا شيئا ) يعنى الجهاد قتال المشركين وهو خير لكم ويجعل الله عاقبته فتحا وغنيمة وشهادة ( وعسى ان تحبوا شيئا ) يعنى القعود عن الجهاد ( وهو شر لكم ) فيجعل الله عاقبته شرا فلا تصيبوا ظفرا ولا غنيمة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن حاتم عن ابن جريج قال


"""""" صفحة رقم 217 """"""
قلت لعطاء ما يقول في قوله ( كتب عليكم القتال ) أوجب الغزو على الناس من أجلها قال لا كتب على أولئك حينئذ وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن شهاب في الآية قال الجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد فالقاعد إن استعين به أعان وإن استغيث به أغاث وإن استنفر نفر وإن استغنى عنه قعد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ( وهو كره لكم ) قال نسختها هذه الآية وقالوا سمعنا وأطعنا وأخرجه ابن جرير موصولا عن عكرمة عن ابن عباس وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق علي قال عسى من الله واجب وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى نحوه أيضا وقد ورد في فضل الجهاد ووجوه أحاديث كثيرة لا يتسع المقام لبسطها
البقرة 217 218
البقرة : ( 217 ) يسألونك عن الشهر . . . . .
قوله ( قتال فيه ) هو بدل اشتمال قاله سيبويه ووجهه ان السؤال عن الشهر لم يكن إلا باعتبار ما وقع فيه من القتال قال الزجاج المعنى يسئلونك عن القتال في الشهر الحرام وأنشد سيبويه قول الشاعر فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
فقوله هلكه بدل اشتمال من قيس وقال الفراء هو مخفوض يعني قوله ( قتال فيه ) على نية عن وقال أبو عبيدة هو مخفوض على الجوار قال النحاس لا يجوز ان يعرب الشيء على الجوار في كتاب الله ولا في شيء من الكلام وإنما وقع في شيء شاذ وهو قولهم هذا جحر ضب خرب وتابع النحاس ابن عطية في تخطئة أبي عبيدة قال النحاس ولا يجوز إضمار عن والقول فيه انه بدل وقرأ ابن مسعود وعكرمة ( يسألونك عن الشهر الحرام وعن قتال فيه ) وقرأ الأعرج ( قتال فيه ) بالرفع قال النحاس وهو غامض في العربية والمعنى يسألونك عن الشهر الحرام جائز قتال فيه وقوله ( قل قتال فيه كبير ) مبتدأ وخبر أي القتال فيه أمر كبير مستنكر والشهر الحرام المراد به الجنس وقد كانت العرب لا تسفك فيه دما ولا تغير على عدو والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد وقوله ( وصد عن سبيل الله ) مبتدأ وقوله ( وكفر به ) معطوف على صد وقوله ( والمسجد الحرام ) عطف على سبيل الله وقوله ( وإخراج أهله منه ) معطوف أيضا على صد وقوله ( أكبر عند الله ) خبر صد وما عطف عليه أي الصد عن سبيل الله والكفر به والصد عن المسجد الحرام وإخراج أهل الحرم منه ( اكبر عند الله ) أي أعظم إثما وأشد ذنبا من القتال في


"""""" صفحة رقم 218 """"""
الشهر الحرام كذا قال المبرد وغيره والضمير في قوله ( وكفر به ) يعود إلى الله وقيل يعود إلى الحج وقال الفراء إن قوله ( وصد ) عطف على كبير والمسجد عطف على الضمير في قوله ( وكفر به ) فيكون الكلام منتسقا متصلا غير منفصل قال ابن عطية وذلك خطأ لأن المعنى يسوق إلى ان قوله ( وكفربه ) أي بالله عطف ايضا على كبير ويجئ من ذلك أن إخراج أهل المسجد من أكبر من الكفر بالله وهذا بين فساده ومعنى الآية على القول الأول الذي ذهب إليه الجمهور أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ومن الكفر بالله ومن الصد عن المسجد الحرام ومن إخراج أهل الحرم منه أكبر جرما عند الله والسبب يشهد لهذا المعنى ويفيد انه المراد كما سيأتي بيانه فإن السؤال منهم المذكور في هذه الآية هو سؤال إنكار لما وقع من السرية التي بعثها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالفتنة هنا الكفر أي كفركم أكبر من القتل الواقع من السرية التي بعثها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد بالفتنة الاخراج لأهل الحرم منه وقيل المراد بالفتنة هنا فتنتهم عن دينهم حتى يهلكوا أي فتنة المستضعفين من المؤمنين أو نفس الفتنة التي الكفار عليها وهذا ارجح من الوجهين الأولين لأن الكفر والإخراج قد سبق ذكرهما وانهما مع الصد أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام وقوله ( ولا يزالون ) ابتداء كلام يتضمن الإخبار من الله عز وجل للمؤمنين بأن هؤلاء الكفار لا يزالون مستمرين على قتالكم وعداوتكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر ان استطاعوا ذلك وتهيأ لهم منكم والتقيد بهذا الشرط مشعر باستعباد تمكنهم من ذلك وقدرتهم عليه ثم حذر الله سبحانه المؤمنين من الاغترار بالكفار والدخول فيما يريدونه من ردهم عن دينهم الذي هو الغاية لما يريدونه من المقاتلة للمؤمنين فقال ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر ( فأولئك حبطت أعمالهم ) إلى آخر الآية والردة الرجوع عن الإسلام إلى الكفر والتقييد بقوله ( فيمت وهو كافر ) يفيد أن عمل من ارتد إنما يبطل إذا مات على الكفر وحبط معناه بطل وفسد ومنه الحبط وهو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها للكلأ فتنتفخ أجوافها وربما تموت من ذلك وفي هذه الآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام ومعنى قوله ( في الدنيا والآخرة ) أنه لا يبقى له حكم المسلمين في الدنيا فلا يأخذ شيئا مما يستحقه المسلمون ولا يظفر بحظ من حظوظ الإسلام ولا ينال شيئا من ثواب الآخرة الذي يوجبه الإسلام ويستحقه أهله وقد اختلف أهل العلم في الردة هل تحبط العمل بمجردها أم لا تحبط إلا بالموت على الكفر والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد وقد تقدم الكلام في معنى الخلود
البقرة : ( 218 ) إن الذين آمنوا . . . . .
قوله ) وهاجروا ( الهجرة معناها الانتقال من موضع إلى موضع وترك الأول لإيثار الثاني والهجر ضد الوصل والتهاجر التقاطع والمراد بها هنا الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام والمجاهدة استخراج الجهد جهد مجاهدة وجهادا والجهاد والتجاهد بذل الوسع وقوله ) يرجون ( معناه يطمعون وإنما قال يرجون بعد تلك الأوصاف المادحة التي وصفهم بها لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ والرجاء الأمل يقال رجوت فلانا أرجو رجاء ورجاؤه وقد يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في قوله تعالى ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( أي لا تخافون عظمة الله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه بسند صحيح عن جندب بن عبدالله عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب لينطلق بكى شوقا وصبابة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فجلس فبعث مكانه عبدالله بن جحش


"""""" صفحة رقم 219 """"""
وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك فلما قرأ الكتاب استرجع وقال سمعا وطاعة لله ولرسوله فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى فقال المشركون للمسلمين قتلتم في الشهر الحرام فانزل الله ) يسألونك عن الشهر الحرام ( الآية فقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله ) إن الذين آمنوا والذين هاجروا ( إلى آخر الآية وأخرج البزار عن ابن عباس أن سبب نزول الآية هو ذلك أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال إن المشركين صدوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل فعاب المشركون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) القتال في شهر حرام فقال الله ) قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ( من القتال فيه وأن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بعث سرية فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب وإن أصحاب محمد كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى وكانت أول رجب ولم يشعروا فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك فنزلت الآية وأخرج ابن إسحاق عنه أن سبب نزول الآية مصاب عمرو بن الحضرمي وقد ورد من طرق كثيرة في تعيين السبب مثل ما تقدم وأخرج ابن أبي داود عن عطاء بن ميسرة قال أحل القتال في الشهر الحرام في براءة في قوله ) فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة ( وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري أنه سئل عن هذه الآية فقال هذا شيء منسوخ ولا باس بالقتال في الشهر الحرام وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر ) والفتنة أكبر من القتل ( قال الشرك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ) ولا يزالون يقاتلونكم ( قال كفار قريش وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله ) أولئك يرجون رحمة الله ( قال هؤلاء خيار هذه الأمة جعلهم الله أهل رجاء إنه من رجا طلب ومن خاف هرب وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه
البقرة 219 220
البقرة : ( 219 ) يسألونك عن الخمر . . . . .
السائلون في قوله ) يسألونك عن الخمر ( هم المؤمنون كما سيأتي بيانه عند ذكر سبب نزول الآية والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر ومنه خمار المرأة وكل شيء غطى شيئا قد خمره ومنه خمروا آنيتكم وسمي خمرا


"""""" صفحة رقم 220 """"""
لأنه يخمر العقل أي يغطيه ويستره ومن ذلك الشجر الملتف يقال له الخمر بفتح الميم لأنه يغطي ما تحته ويستره يقال منه أخمرت الأرض كثر خمرها قال الشاعر ألا يا زيد والضحاك سيرا
فقد جاوزتما خمر الطريق
أي جاوزتما الوهد وقيل إنما سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى أدركت كما يقال قد اختمر العجين أي بلغ إدراكه وخمر الرأي أي ترك حتى تبين فيه الوجه وقيل إنما سميت الخمر خمرا لأنها تخالط العقل من المخامرة وهي المخالطة وهذه المعاني الثلاثة متقاربة موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت ثم خالطت العقل فخمرته أي سترته والخمر ماء العنب الذي غلا واشتد وقذف بالزبد وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه كما ذهب إليه الجمهور وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن عكرمة وجماعة من فقهاء الكوفة ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فهو حلال أي ما دون المسكر فيه وذهب أبو حنيفة إلى حل ما ذهب ثلثاه بالطبخ والخلاف في ذلك مشهور وقد أطلت الكلام على الخمر في شرحي للمنتقى فليرجع إليه والميسر مأخوذ من اليسر وهو وجوب الشيء لصاحبه يقال يسر لي كذا إذا وجب فهو ييسر يسرا وميسرا والياسر اللاعب بالقداح وقد يسر ييسر قال الشاعر فأعنهم وأيسر كما يسروا به
وإذا هم نزلوا بضنك فأنزل
وقال الأزهري الميسر الجزور التي كانوا يتقامرون عليه سمي ميسرا لأنه يجزأ أجزاء فكأنه موضع التجزئة وكل شيء جزأته فقد يسرته والياسر الجازر قال وهذا الأصل في الياسر ثم يقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور ياسرون لأنهم جازرون إذ كانوا سببا لذلك وقال في الصحاح ويسر القوم الجزور إذا اجتزروها واقتسموا أعضاءها ثم قال ويقال يسر القوم إذا قامروا ورجل ميسر وياسر بمعنى والجمع أيسار قال النابغة إني أتمم أيسارى وأمنحهم
مشي الأيادي وأكسوا الحفنة الأدما
والمراد بالميسر في الآية قمار العرب بالأزلام قال جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كل شيء فيه قمار من نرد أو شطرنج أو غيرهما فهو الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب إلا ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز الحقوق وقال مالك الميسر ميسران ميسر اللهو وميسر القمار فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها وميسر القمار ما يتخاطر الناس عليه وكل ما قومر به فهو ميسر وسيأتي البحث مطولا في هذا في سورة المائدة عند قوله ) إنما الخمر والميسر ( قوله ) قل فيهما إثم كبير ( يعني الخمر والميسر فإثم الخمر أي إثم تعاطيها ينشأ من فساد عقل مستعملها فيصدر عنه ما يصدر عن فاسد العقل من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور وتعطيل الصلوات وسائر ما يجب عليه وأما إثم الميسر أي إثم تعاطيه فما ينشأ عن ذلك من الفقر وذهاب المال في غير طائل والعداوة وإيحاش الصدور وأما منافع الخمر فربح التجارة فيها وقيل ما يصدر عنها من الطرب والنشاط وقوة القلب وثبات الجنان وإصلاح المعدة وقوة الباءة وقد أشار شعراء العرب إلى شيء من ذلك قال وإذا شربت فإنني
رب الخورنق والسدير


"""""" صفحة رقم 221 """"""
وإذا صحوت فإنني
رب الشويهة والبعير
وقال آخر ونشربها فتتركنا ملوكا
وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
وقال من أشار إلى ما فيها من المفاسد والمصالح رايت الخمر صالحة وفيها
خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحا
ولا أشفي بها أبدا سقيما
ولا أعطي بها ثمنا حياتي
ولا أدعو لها أبدا نديما
ومنافع الميسرك مصير الشيء إلى الإنسان بغير تعب ولا كد وما يحصل من السرور والأريحية عند أن يصير منها سهم صالح وسهام الميسر أحد عشر منها سبعة لها فروض على عدد ما فيها من الحظوظ الأول الفذ بفتح فاء بعدها معجمة وفيه علامة واحدة وله نصيب وعليه نصيب الثاني التوأم بفتح المثناة الفوقية وسكون واو وفتح الهمزة وفيه علامتان وله وعليه نصيبان الثالث الرقيب وفيه ثلاث علامات وله وعليه ثلاثة أنصباء الرابع الحلس بمهملتين الأولى مكسورة واللام ساكنة وفيه أربع علامات وله وعليه أربعة أنصباء الخامس النافر بالنون والفاء والمهملة ويقال النافس بالسين المهملة مكان الراء وفيه خمس علامات وله وعليه خمسة أنصباء السادس المسبل بضم الميم وسكون المهملة وفتح الباء الموحدة وفيه ست علامات وله وعليه ستة أنصباء السابع المعلى بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام المفتوحة وفيه سبع علامات وله وعليه سبعة أنصباء وأكثر السهام حظا وأعلاها قدرا فجملة ذلك ثمانية وعشرون فردا والجزور تجعل ثمانية وعشرين هكذا قال الأصمعي بقي من السهام أربعة أغفالا لا فروض لها وهي المنيح بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء التحتية وبعدها مهملة والسفيح بفتح المهملة وكسر الفاء وسكون الياء التحتية بعدها مهملة والوغد فتح الواو وسكون المعجمة بعدها مهملة والضعف بالمعجمة بعدها مهملة ثم فاء وإنما أدخلوا هذه الأربعة التي روض لها بين ذوات الفروض لتكثر السهام على الذي يجيلها ويضرب بها قال يجد إلى الميل مع أحد سبيلا وقد يكون المجيل للسهام يلتحف بثوب ويحثو على ركبتيه ويخرج رأسه من الثوب ثم يدخل يده في الربابة بكسر المهملة وبعدها باء موحدة وبعد الألف باء موحدة أيضا وهي الخريطة التي يجعل فيها السهام فيخرج منها باسم كل رجل فيها فمن خرج له سهم له فرض أخذ فرضه ومن خرج له سهم لا فرض له لم يأخذ شيئا وغرم قيمة الجزور وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء وقد قال ابن عطية إن الأصمعي أخطأ في قوله إن الجزور تقسم على ثمانية وعشرين جزءا وقال إنما تقسم على عشرة أجزاء قوله تعالى ) وإثمهما أكبر من نفعهما ( أخبر سبحانه بأن الخمر والميسر وإن كان فيهما نفع فالإثم الذي يلحق متعاطيهما أكثر من هذا النفع لأنه لا خير يساوي فساد العقل الحاصل بالخمر فإنه ينشأ عنه من الشرور ما لا يأتي عليه الحصر وكذلك لا خير في الميسر يساوي ما فيها من المخاطرة بالمال والتعرض للفقر واستجلاب العداوات المفضية إلى سفك الدماء وهتك الحرم وقرأ حمزة والكسائي ( كثير ) بالمثلثة وقرأ الباقون بالباء الموحدة وقرأ أبي ( وإثمهما أقرب من نفعهما ) قوله ) قل العفو ( قرأه الجمهور بالنصب وقرأ أبو عمرو وحده بالرفع واختلف فيه عن ابن كثير وبالرفع قرأه الحسن وقتادة قال النحاس إن جعلت ذا بمعنى الذي كان الاختيار الرفع على معنى الذي ينفقون هو العفو وإن جعلت ما و ذا


"""""" صفحة رقم 222 """"""
شيئا واحدا كان الاختيار النصب على معنى قل ينفقون العفو والعفو ما سهل وتيسر ولم يشق على القلب والمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تجهدوا فيه أنفسكم وقيل هو ما فضل عن نفقة العيال وقال جمهور العلماء هو نفقات التطوع وقيل إن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة المفروضة وقيل هي محكمة وفي المال حق سوى الزكاة قوله ) كذلك يبين الله لكم الآيات ( أي في أمر النفقة
البقرة : ( 220 ) في الدنيا والآخرة . . . . .
وقوله ) في الدنيا والآخرة ( متعلق بقوله ) تتفكرون ( أي تتفكرون في أمرهما فتحبسون من أموالكم ما تصلحون به معايش دنياكم وتنفقون الباقي في الوجوه المقربة إلى الآخرة وقيل في الكلام تقديم وتأخير أي كذلك يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون في الدنيا وزوالها وفي الآخرة وبقائها فترغبون عن العاجلة إلى الآجلة وقيل يجوز أن يكون إشارة إلى قوله ) وإثمهما أكبر من نفعهما ( أي لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة وليس هذا بجيد قوله ) ويسألونك عن اليتامى ( هذه الآية نزلت بعد نزول قوله تعالى ) ولا تقربوا مال اليتيم ( وقوله ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ( وقد كان ضاق على الأولياء الأمر كما سيأتي بيانه إن شاء الله فنزلت هذه الآية والمراد بالإصلاح هنا مخالطتهم على وجه الإصلاح لأموالهم فإن ذلك أصلح من مجانبتهم وفي ذلك دليل على جواز التصرف في أموال الأيتام من الأولياء والأوصياء بالبيع والمضاربة والإجارة ونحو ذلك قوله ) وإن تخالطوهم فإخوانكم ( اختلف في تفسير المخالطة لهم فقال أبو عبيدة مخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ولا يجد بدا من خلطه بعياله فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله وهذا قد تقع فيه الزيادة والنقصان فدلت هذه الآية على الرخصة وهي ناسخة لما قبلها وقيل المراد بالمخالطة المعاشرة للايتام وقيل المراد بها المصاهرة لهم والأولى عدم قصر المخالطة على نوع خاص بل تشمل كل مخالطة كما يستفاد من الجملة الشرطية وقوله ) فإخوانكم ( خبر لمبتدإ محذوف أي فهم إخوانكم في الدين في قوله ) والله يعلم المفسد من المصلح ( تحذير للأولياء أي لا يخفى على الله من ذلك شيء فهو يجازي كل أحد بعمله من أصلح فلنفسه ومن أفسد فعلى نفسه وقوله ) لأعنتكم ( أي ولو شاء لجعل ذلك شاقا عليكم ومتعبا لكم وأوقعكم فيما فيه الحرج والمشقة وقيل العنت هنا معناه الهلاك قاله أبو عبيدة واصل العنت المشقة وقال ابن الأنباري أصل العنت التشديد ثم نقل إلى معنى الهلال وقوله ) عزيز ( أي لا يمتنع عليه شيء لأنه غالب لا يغالب ) حكيم ( يتصرف في ملكه بما تقتضيه مشيئته وحكمته وليس لكم أن تختاروا لأنفسكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب بالمال والعقل فنزلت ) يسألونك عن الخمر والميسر ( يعني هذه الآية فدعى عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في سورة النساء ) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( فكان ينادي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قام إلى الصلاة أن لا يقربن الصلاة سكران فدعى عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة فدعى عمر فقرئت عليه فلما بلغ ) فهل أنتم منتهون ( قال عمر انتهينا انتهينا وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال كنا نشرب الخمر فانزلت ) يسألونك عن الخمر والميسر ( الآية فقلنا نشرب منها ما ينفعنا فنزلت في المائدة ) إنما الخمر والميسر ( الآية فقالوا اللهم انتهينا وأخرج أبو عبيد والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال الميسر


"""""" صفحة رقم 223 """"""
القمار وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس مثله قال كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله وقوله ) قل فيهما إثم كبير ( يعني ما ينقص من الدين عند شربها ) ومنافع للناس ( يقول فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوا ) وإثمهما أكبر من نفعهما ( يقول ما يذهب من الدين فالإثم فيه أكبر مما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها فانزل الله بعد ذلك ) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( الآية فكانوا لا يشربونها عند الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها ثم إن ناسا من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لم يرض الله من القول فأنزل الله ) إنما الخمر والميسر والأنصاب ( الآية فحرم الخمر ونهى عنها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال منافعهما قبل التحريم وإثمهما بعد ما حرمهما وأخرج ابن اسحاق وابن أبي حاتم عنه أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إنا لا تدري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا فما ننفق منها فأنزل الله ) ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ( وكان قبل ذلك ينفق ماله حتى ما يجد ما يتصدق به ولا ما يأكل حتى يتصدق عليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال العفو هو ما لا يتبين في أموالكم وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عنه في الآية قال ) العفو ( ما يفضل عن أهلك وفي لفظ قال الفضل عن العيال وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) قل العفو ( قال لم تفرض فيه فريضة معلومة ثم قال ) خذ العفو وأمر بالعرف ( ثم نزلت في الفرائض بعد ذلك مسماة وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدا بمن تعول ) وثبت نحوه في الصحيح مرفوعا من حديث حكيم بن حزام وفي الباب أحاديث كثيرة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ( قال يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عنه قال لما أنزل الله ) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ( ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ( الآية انطلق من كان عنده يتيم يعزل طعامه عن طعامه وشرابه عن شرابه فجعل يفصل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فيرمى به فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) ويسألونك عن اليتامى ( الآية فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم وقد روى نحو ذلك عن جماعة من التابعين وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإن تخالطوهم ( قال المخالطة أن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه ويأكل من قصعتك وتأكل من قصعته ويأكل من ثمرتك وتأكل من ثمرته ) والله يعلم المفسد من المصلح ( قال يعلم من يتعمد أكل مال اليتيم ومن يتحرج منه ولا يألوا عن إصلاحه ) ولو شاء الله لأعنتكم ( يقول لو شاء ما أحل لكم ما أعنتكم مما لا تتعمدون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) لأعنتكم ( يقول لأحرجكم وضيق عليكم ولكنه وسع ويسر وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولو شاء الله لأعنتكم ( قال ولو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا


"""""" صفحة رقم 224 """"""
البقرة 221
البقرة : ( 221 ) ولا تنكحوا المشركات . . . . .
قوله ) ولا تنكحوا ( قرأه الجمهور بفتح التاء وقرئ في الشواذ بضمها قيل والمعنى كان المتزوج لها أنكحها من نفسها وفي هذه الآية النهي عن نكاح المشركات فقيل المراد بالمشركات الوثنيات وقيل إنها تعم الكتابيات لأن أهل الكتاب مشركون ) وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ( وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية فقالت طائفة إن الله حرم نكاح المشركات فيها والكتابيات من الجملة ثم جاءت آية المائدة فخصصت الكتابيات من هذا العموم وهذا مكي عن ابن عباس ومالك وسفيان بن سعيد وعبدالرحمن بن عمر والأوزاعي وذهب طائفة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة وأنه يحرم نكاح الكتابيات والمشركات وهذا أحد قولي الشافعي وبه قال جماعة من أهل العلم ويجاب عن قولهم أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة بأن سورة البقرة من أول ما نزل وسورة المائدة من آخر ما نزل والقول الأول هو الراجح وقد قال به مع من تقدم عثمان بن عفان وطلحة وجابر وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك كما حكاه النحاس والقرطبي وقد حكاه ابن المنذر عن المذكورين وزاد عمر بن الخطاب وقال لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك وقال بعض أهل العلم إن لفظ المشرك لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى ) ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ( وقال ) لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ( وعلى فرض أن لفظ المشركين يعم فهذا العموم مخصوص بآية المائدة كما قدمنا قوله ) ولأمة مؤمنة ( أي ولرقيقة مؤمنة وقيل المراد بالأمة الحرة لأن الناس كلهم عبيدالله وإماؤه والأول أولى لما سيأتي لأنه الظاهر من اللفظ ولأنه أبلغ فإن تفضيل الأمة الرقيقة المؤمنة على الحرة المشركة يستفاد منه تفضيل الحرة المؤمنة على الحرة المشركة بالأولى وقوله ) ولو أعجبتكم ( أي ولو أعجبتكم المشركة من جهة كونها ذات جمال أو مال أو شرف وهذه الجملة حالية قوله ) ولا تنكحوا المشركين ( أي لا تزوجوهم بالمؤمنات ) حتى يؤمنوا ( قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام واجمع القراء على ضم التاء من تنكحوا وقوله ) ولعبد ( الكلام فيه كالكلام في قوله ) ولأمة ( والترجيح كالترجيح قوله ) أولئك ( إشارة إلى المشركين والمشركات ) يدعون إلى النار ( أي إلى الأعمال الموجبة للنار فكان في مصاهرتهم ومعاشرتهم ومصاحبتهم من الخطر العظيم ما لا يجوز للمؤمنين أن يتعرضوا له ويدخلوا فيه ) والله يدعو إلى الجنة ( أي إلى الأعمال الموجبة للجنة وقيل المراد أن أولياء الله هم المؤمنون يدعون إلى الجنة وقوله ) بإذنه ( أي بأمره قاله الزجاج وقيل بتيسيره وتوفيقه قاله صاحب الكشاف
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال نزلت هذه الآية في أبي مرثد الغنوي استأذن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في عناق أن يتزوجها وكانت ذات حظ من جمال وهي مشركة وأبو مرثد يومئذ مسلم فقال يا رسول الله إنها تعجبني فأنزل الله ) ولا تنكحوا المشركات ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 225 """"""
وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( ولا تنكحوا المشركات ) قال استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب فقال ) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ( وقد روى هذا المعنى عنه من طرق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سعيد بن جبير في قوله ( ولا تنكحوا المشركات ) يعني أهل الأوثان وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد نحوه وكذلك أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة نحوه أيضا وأخرج عبد بن حميد عن النخعي نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب وتأول ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) وأخرج البخاري عنه قال حرم الله نكاح المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئا من الاشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله وأخرج الواحدى وابن عساكر من طريق السدى عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله تعالى ( ولأمة مؤمنة خير من مشركة ) قال نزلت في عبدالله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وانه غضب عليها فلطمها ثم إنه فزع فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره خبرها فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) له ما هي يا عبدالله قال تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد ان لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال يا عبدالله هذه مؤمنة فقال عبد الله فوالذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا نكح أمة وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم فأنزل الله فيهم ( ولأمة مؤمنة خير من مشركة ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي مثله وأخرج ابن أبي حاتم قاتل بن حيان في قوله ( ولامة مؤمنة ) قال بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة سوداء فأعتقها وتزوجها حذيفة وأخرج ابن جرير عن أبي جعفر محمد بن على قال النكاح يولي في كتاب الله ثم قرأ ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا )
البقرة 222 223
البقرة : ( 222 ) ويسألونك عن المحيض . . . . .
قوله ( المحيض ) هو الحيض وهو مصدر يقال حاضت المرأة حيضا ومحيضا فهي حائض وحائضة كذا قال الفراء وانشد كحائضة تزني بها غير طاهرة
ونساء حيض وحوائض والحيضة بالكسر المرة الواحدة وقيل الإسم وقيل المحيض عبارة عن الزمان والمكان وهو مجاز فيهما وقال ابن جرير الطبري المحيض اسم الحيض ومثله قول رؤبة
إليك أشكو شدة المعيش أي العيش وأصل هذه الكلمة من السيلان والانفجار يقال حاض السيل وفاض وحاضت الشجرة أي سالت رطوبتها ومنه الحيض أي الحوض لأن الماء يحوض إليه اي يسيل وقوله ( قل هو أذى ) أي قل هو شيء يتاذى به أي برائحته والأذى كناية عن القذر ويطلق على القول المكروه ومنه قوله تعالى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ومنه قوله تعالى ودع أذاهم وقوله ( فاعتزلوا النساء في المحيض ) أي فاجتنبوهن في رمان الحيض إن حمل المحيض على المصدر أو في محل الحيض إن حمل على الإسم والمراد من هذا الإعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز بل يجوز


"""""" صفحة رقم 226 """"""
الإستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك وأما ما يروى عن ابن عباس وعبيدة السلماني انه يجب على الرجل ان يعتزل فراش زوجته إذا حاضت فليس ذلك بشيء ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين قوله ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) قرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بسكون الطاء وضم الهاء وقرأ حمزة والكسائى وعاصم في رواية أبي بكر ( يطهرن ) بتشديد الطاء وفتحها وفتح الهاء وتشديدها وفي مصحف أبي وابن مسعود ( ويتطهرن ) والطهر انقطاع الحيض والتطهر الاغتسال وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم فذهب الجمهور إلى ان الحائض لا يحل وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء وقال محمد بن كعب القرظي ويحيى بن بكير إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل وقال مجاهد وعكرمة إن انقطاع الدم يحلها لزوجها ولكن تتوضأ وقال أبو حنفية وأبو يوسف ومحمد إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له ان يطأها قبل الغسل وإن كان إنقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد والاولى ان يقال إن الله سبحانه جعل للحل غايتين كما تقتضيه القراءتان إحداهما انقطاع الدم والأخرى التطهر منه والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى فيجب المصير إليها وقد دل أن الغاية الأخرى هي المعتبرة قوله تعالى بعد ذلك ( فإذا تطهران ) فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر لا مجرد انقطاع الدم وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة كذلك يجب الجمع بين القراءتين قوله ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) أي فجامعوهن وكنى عنه بالإتيان والمراد أنهم يجامعونهن في المأتى الذي اباحه الله وهو القبل قيل و ( من حيث ) بمعنى في حيث كما في قوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة أي في يوم الجمعة وقوله ماذا خلقوا من الأرض أي في الأرض وقيل ان المعنى من الوجه الذي أذن الله لكم فيه أي من غير صوم وإحرام وأعتكاف وقيل إن المعنى ومن قبل الطهر لا من قبل الحيض وقيل من قبل الحلال لا من قبل الزنا قوله ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) قيل المراد التوابين من الذنوب والمتطهرون من الجنابة والأحداث وقيل التوابون من إتيان النساء في أدبارهن وقيل من إتيانهن في الحيض والأول أظهر
البقرة : ( 223 ) نساؤكم حرث لكم . . . . .
قوله ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم ) لفظ الحرث يفيد ان الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة إذ هو مزدرع الذرية كما أن الحرث مزدرع النبات فقد شبه ما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبات بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه وهذه الجملة بيان للجملة الأولى أعنى قوله ( فأتوهن من حيث أمركم الله 9 وقوله ( أني شئتم ) أي من أي جهة شئتم من خلف وقدام وباركة ومستلقية ومضطجعة إذا كان في موضع الحرث وأنشد ثعلب إنما الأرحام أرضو
ن لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها
وعلى الله النبات
وإنما عبر سبحانه بقوله ( أني ) لكونها أعم في اللغة من كيف وأين ومتى وأما سيبويه ففسرها هنا بكيف وقد ذهب السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة إلى ما ذكرناه من تفسير الآية وأن إتيان الزوجة في دبرها حرام وروى عن سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون أنه يجوز ذلك حكاه عنهم القرطبي في تفسيره قال وحكى ذلك عن مالك في كتاب له يسمى ( كتاب السر ) وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ومالك أجل من أن يكون له كتاب سر ووقع هذا


"""""" صفحة رقم 227 """"""
القول في العتبية وذكر ابن العربي أن ابن شعبان اسند جواز ذلك إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب ( جماع النسوان وأحكام القرآن ) وقال الطحاوي روى أصبغ بن الفرج عن عبدالرحمن بن القاسم قال ما أدركت أحدا أقتدى به في ديني شك في أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ ( نساؤكم حرث لكم ) ثم قال فأي شيء أبين من هذا وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك وفي أسانيدها ضعف وقد روى الطحاوي عن محمد بن عبد الله بن عبدالحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في تحليله ولا تحريمه شئ والقياس أنه حلال وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب قال ابن الصباغ كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب ابن عبدالحكم على الشافعي في ذلك فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه قوله وقدموا لأنفسكم ) أي خيرا كما في قول إبراهيم تعالى وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله وقيل ابتغاء الولد وقيل التزويج بالعفائف وقيل غير ذلك وقوله ( واتقوا الله ) فيه تحذير عن الوقوع في شيء من المحرمات وفي قوله ( واعلموا أنكم ملاقوه ) مبالغة في التحذير وفي قوله ( وبشر المؤمنين ) تانيس لمن يفعل الخير ويجتنب الشر
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أنس ( أن اليهود كانوا إذ حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت فسئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك فأنزل الله ( ويسألونك عن المحيض ) الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شئ إلا النكاح ) وأخرج النسائي والبزاز عن جابر قال إن اليهود قالوا من أتي المرأة في دبرها كان ولده أحول فجاءوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألوه عن ذلك وعن إتيان الحائض فنزلت وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال الاذى الدم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( فاعتزلوا النساء ) يقول اعتزلوا نكاح فروجهن وفي قوله ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) قال من الدم وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال حتى ينقطع الدم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ( فإذا تطهرن ) قال بالماء وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه أيضا وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وعطاء أنهما قالا إذا رأت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) قال يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) قال من حيث أمركم أن تعزلوهن وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيقهي عن ابن عباس قال من حيث نهاكم أن تاتوهن وهن حيض يعني من قبل الفرج وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية قال ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) من قبل التزويج وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله ) يحب التوابين ( قال من الذنوب ) ويحب المتطهرين ( قال بالماء وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش قال التوبة من الذنوب و التطهير من الشرك وأخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن جابر قال كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها جاء الولد أحول فنزلت ( نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أتي شئتم ) إن شاء محتبية وإن شاء غير محتبية غير ان ذلك في صمام واحد وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن مرة الهمذاني


"""""" صفحة رقم 228 """"""
نحوه وقد روى هذا عن جماعة من السلف وصرحوا أنه السبب ومن الراوين لذلك عبدالله بن عمر عند ابن عساكر وام سلمة عند عبدالرزاق وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب وأخرجه أيضا عنها ابن أبي شيبة وأحمد والدرامي وعبد بن حميد والترمذي وحسنه ( أنها سالت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعض نساء الأنصار عن التحبية فتلا عليها الآية وقال صماما واحدا ) والصمام السبيل وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي والضياء في المختارة وغيرهم عن ابن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك قال حولت رحلي الليلة فلم يرد عليه شيئا فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية ( نساؤكم حرث لكم ) يقول أقبل وأدبر وأتق الدبر والحيضة وأخرج أحمد عن ابن عباس مرفوعا ان هذه الآية نزلت في اناس من الأنصار أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فسالوه فقال أئتها على كل حال إذا كان في الفرج وأخرج الدارمى وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيقهي في سننه عنه قال ابن عمر والله يغفر له أولهم وأنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بفعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يفعل بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك والا فاجتنبني فسرى أمرهما فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فانزل الله الآية 0 نساؤكم حرث لكم ) يقول مقبلات ومدبرات بعد أن يكون في الفرج وإن كان من قبل دبرها في قبلها زاد الطبراني قال ابن عباس قال ابن عمر في دبرها فأوهم والله يغفرله وإنما كان هذا الحديث على هذا وأخرج سعيد ابن منصور وعبد بن حميد والدرامى والبيهقي عن ابن مسعود انه قال محاش النساء عليكم حرام وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن المنذر والبيقهي في سننه من طريق خزيمة بن ثابت ( ان سائلا سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أتيان النساء في أدبارهن فقال حلال أولا باس فلما ولى دعاه فقال كيف قلت أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا أن الله لايستحيي من الحق لا تأتوا النساء في ادبارهن ) وأخرج ابن عدي والدارقطني عن جابر بن عبدالله نحوه وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 0 لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في الدبر ) وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن ابن عمرو ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى ) وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ملعون من أتى امرأته في دبرها ) وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي عنه قال إتيان الرجال النساء في ادبارهن كفر وقد رواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعا قال ابن كثير والموقوف أصح وقد ورد النهي عن ذلك من طرق منها عند البزار عن عمر مرفوعا وعند النسائي عنه موقوفا وهو أصح وعند ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود مرفوعا وعند ابن عدي أيضا عن عقبة بن عامر مرفوعا وعند أحمد عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق مرفوعا و عند ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه عن على بن طلق مرفوعا وقد ثبت نحو ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين مرفوعا وموقوفا وأخرج البخاري وغيره عن نافع قال قرأت ذات يوم ( نساؤكم حرث لكم ) فقال ابن عمر أتدري فيم أنزلت هذه الآية قلت


"""""" صفحة رقم 229 """"""
لا قال نزلت في إتيان النساء من ادبارهن وأخرج البخاري عن ابن عمر انه قال ( فأتوا حرثكم اني شئتم ) قال في الدبر وقد روى هذا عن ابن عمر من طرق كثيرة وفي رواية عند الدارقطني انه قال له نافع من دبرها في قبلها فقال لآ إلا في دبرها وأخرج بن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي وابن مردويه بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري ان رجلا أصاب إمرأته في دبرها فانكر الناس عليه ذلك فنزلت الآية واخرج البيهقي في سننه عن محمد بن على قال كتب عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال ما تقول في إتيان المرأة في دبرها فقال هذا شيخ من قريش فسله يعني عبدالله بن على بن السائب فقال قذر ولو كان حلالا وقد روى القول بحل ذلك عن محمد بن المنكدر عند ابن جرير وعن بن أبي مليكة عند ابن جرير أيضا وعن مالك ابن نس عند ابن جرير والخطيب وغيرهما وعن الشافعي عند الطحاوي والحاكم والخطيب وقد قدمنا مثل هذا وليس في أقوال هؤلاء حجة ألبتة ولا يجوز لأحد أن يعمل على أقوالهم فإنهم لم يأتوا بدليل يدل على الجواز فمن زعم منهم انه فهم ذلك من الآية فقد أخطأ في فهمه وقد فسرها لنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأكابر أصحابه بخلاف ما قاله هذا المخطئ في فهمه كائنا من كان ومن زعم منهم ان سبب نزول الآية ان رجلا أتى امرأته في دبرها فليس في هذا ما يدل على ان الآية أحلت ذلك ومن زعم ذلك فقد أخطا بل الذي تدل عليه الآية أن ذلك حرام فكون ذلك هو السبب لا يستلزم ان تكون الآية نازلة في تحليله فإن الآيات النازلة على أسباب تاتي تارة بتحليل هذا وتارة بتحريمه وقد روى عن ابن عباس انه فسر هذه الآية بغير ما تقدم فقال معناها إن شئتم فاعزلوا وان شئتم فلا تعزلوا روى ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والضياء في المختارة وروى نحو ذلك عن ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وعن سعيد بن المسيب أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير
البقرة 224 225
البقرة : ( 224 ) ولا تجعلوا الله . . . . .
العرضة النصبة قاله الجوهري يقال جعلت فلانا عرضة لكذا أي نصبة وقيل العرضة من الشدة والقوة ومنه قولهم للمرأة عرضة للنكاح إذا صلحت له وقويت عليه ولفلان عرضة أي قوة ومنه قول كعب بن زهير من كل نضاخة الدفرى إذا عرقت
عرضتها طامس الأعلام مجهول
ومثله قول أوس بن حجر وأدماء مثل العجل يوما عرضتها
لرحلى وفيها هزة وتقاذف
ويطلق العرضة على الهمة ومنه قول الشاعر هم الأنصار عرضتها اللقاء اي همتها ويقال فلان عرضة للناس لا يزالون يقعون فيه فعلى المعنى الذي ذكره الجوهري ان العرضة النصبة كالقبضة والغرفة يكون ذلك اسما لما تعرضه دون الشيء أي تجعله حاجزا له ومانعا منه أي لا تجعلوا الله حاجزا ومانعا لما حلفتم عليه وذلك لأن الرجل كان يحلف على بعض الخير من صلة رحم أو إحسان إلى الغير أو إصلاح


"""""" صفحة رقم 230 """"""
بين الناس بأن لا يفعل ذلك ثم يمتنع من فعله معللا لذلك الامتناع بأنه قد حلف أن لا يفعله وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير الآية ينهاهم الله أن يجعلوه عرضة لايمانهم أي حاجزا لما حلفوا عليه ومانعا منه وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين وعلى هذا يكونه قوله ( أن تبروا ) عطف بيان لأيمانكم أي لا تجعلوا الله مانعا للأيمان التي هي بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ويتعلق قوله ( لأيمانكم ) بقوله ( لا تجعلوا ) أي لا تجعلوا الله لأيمانكم مانعا وحاجزا ويجوز ان يتعلق بعرضة أي لا تجعلوه شيئا معترضا بينكم وبين البر وما بعده وعلى المعنى الثاني وهو ان العرضة الشدة والقوة يكون معنى الآية لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم وعدة في الامتناع من الخير ولا يصح تفسير الآية على المعنى الثالث وهو تفسير العرضة بالهمة وأما على المعنى الرابع وهو من قولهم فلان لا يزال عرضة للناس أي يقعون فيه فيكون معنى الآية عليه ولا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبتذلونه بكثرة الحلف به ومنه ) واحفظوا أيمانكم ( وقد ذم الله المكثرين للحلف فقال ) ولا تطع كل حلاف مهين ( وقد كانت العرب تتمادح بقلة الأيمان حتى قال قائلهم قليل الألايا حافظ ليمينه
وإن ندرت منه الألية برت
وعلى هذا فيكون قوله ( أن تبروا ) علة للنهى أي لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن من يكثر الحلف بالله يجترئ على الحنث ويفجر في يمينه وقد قيل في تفسير الآية أقوال هي راجعة إلى هذه الوجوه التي ذكرناها فمن ذلك قول الزجاج معنى الآية ان يكون الرجل إذا طلب منه الفعل الذي فيه خيرا اعتل بالله فقال على يمين وهو لم يحلف وقيل معناها لا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والاصلاح وقيل معناها إذا حلفتم على أن لا تصلوا ارحامكم ولا تتصدقوا ولا تصلحوا وعلى أشباه ذلك من أبواب البر فكفروا عن اليمين وقد قيل إن قوله ( أن تبروا ) مبتدأ خبره محذوف أي البر والتقوى والإصلاح أولى قاله الزجاج وقيل إنه منصوب أي لا تمنعكم اليمين بالله البر والتقوى والإصلاح وروى ذلك عن الزجاج أيضا وقيل معناه أن لاتبروا فحذف لا كقوله يبين الله لكم ان تضلوا أي لا تضلوا قاله ابن جرير الطبري وقيل هو في موضع جر على قول الخليل والكسائي والتقدير في أن ) تبروا ( وقوله ) سميع ( أي لأقوال العباد ) عليم ( بما يصدر منهم
البقرة : ( 225 ) لا يؤاخذكم الله . . . . .
واللغو مصدر لغا يلغو لغوا ولغى يلغى لغيا إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام أو بما لا خير فيه وهو الساقط الذي لا يعتد به فاللغو من اليمين هو الساقط الذي لا يعتد به ومنه اللغو في الدية وهو الساقط الذي لا يعتد به من أولاد الإبل قال جرير ويذهب بينها والمري لغوا كما
ألغيت في الدية الحوارا
وقال آخر ورب أسراب حجيج كظم
عن اللغا ورفث التكلم
أي لا يتكلمن بالساقط والرفث ومعنى الآية لا يعاقبكم الله بالساقط من أيمانكم ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم أي اقترفته بالقصد إليه وهي اليمين المعقودة ومثله قوله تعالى ) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ( ومثله قول الشاعر ولست بمأخوذ بلغو يقوله
إذا لم تعمد عاقدات العزائم
وقد اختلف أهل العلم في تفسير اللغو فذهب ابن عباس وعائشة وجمهور العلماء أيضا أنه قول الرجل لا والله وبلى والله في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين ولا مريد لها قال المروزي هذا معنى لغو اليمين الذي


"""""" صفحة رقم 231 """"""
اتفق عليه عامة العلماء وقال أبو هريرة وجماعة من السلف هو أن يحلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه إياه فإذا ليس هو ما ظنه وإلى هذا ذهب الحنفية والزيدية وبه قال مالك في الموطأ وروى عن ابن عباس أنه قال لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان وبه قال طاوس ومكحول وروى عن مالك وقيل إن اللغو هو يمين المعصية قاله سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبدالرحمن وعبدالله بن الزبير وأخوه عروة كالذي يقسم ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم وقيل لغو اليمين هو دعاء الرجل على نفسه كأن يقول اعمى الله بصره أذهب الله ماله هو يهودي هو مشرك قاله زيد بن أسلم وقال مجاهد لغو اليمين أن يتبايع الرجلان فيقول أحدهما والله لا أبيعك بكذا ويقول الآخر والله لا أشتريه بكذا وقال الضحاك لغو اليمين هي المكفرة أي إذا كفرت سقطت وصارت لغوا والراجح القول الأول لمطابقته للعنى اللغوى ولدلالة الأدلة عليه كما سيأتي وقوله ) والله غفور حليم ( أي حيث لم يؤاخذكم بما تقولونه بألسنتكم من دون عمد وقصد وآخذكم بما تعمدته قلوبكم وتكلمت به ألسنتكم وتلك هي اليمين المعقودة المقصودة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ( يقول لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عنه هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته أو لا يتصدق ويكون بين رجلين مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول قد حلفت قال يكفر عن يمينه وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال جاء رجل إلى عائشة فقال إني نذرت إن كلمت فلانا فإن كل مملوك لي عتيق وكل مال لي ستر للبيت فقالت لا تجعل مملوكيك عتقاء ولا تجعل مالك سترا للبيت فإن الله يقول ) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ( فكفر عن يمينك وقد ورد أن هذه الآية نزلت في أبي بكر في شأن مسطح رواه ابن جرير عن ابن جريج والقصة مشهورة وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ) وثبت أيضا في الصحيحين وغيرهما أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فارى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ) وأخرج ابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه ) وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم ) وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن عمر مرفوعا مثله وأخرج النسائي وابن ماجه عن مالك الجشمي قال قلت يا رسول الله يأتيني ابن عمي فأحلف أن لا أعطيه ولا أصله فقل كفر عن يمينك وأخرج مالك في الموطأ وعبدالرزاق وعبد بن حميد والبخاري وغيرهم عن عائشة قالت أنزلت هذه الآية ) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ( في قول الرجل لا والله وبلى والله وكلا والله وأخرج أبو داود وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن اللغو في اليمين فقال قالت عائشة إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله ) وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عائشة أنها قالت في تفسيره الآية إن اللغو هو القوم يتدارون في الأمر يقول هذا لا والله ويقول هذا كلا والله يتدارون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عائشة أنها قالت هو اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل لا والله وبلى والله فذاك لا كفارة فيه


"""""" صفحة رقم 232 """"""
وإنما الكفارة فيما عقد قلبه عليه أن يفعله ثم لا يفعله وأخرج ابن جرير عن الحسن قال ( مر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوم ينتضلون ومع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رجل من أصحابه فرمى رجل من القوم فقال أصبت والله وأخطأت والله فقال الذي مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حنث الرجل يا رسول الله فقال كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة وقد روى أبو الشيخ عن عائشة وابن عباس وابن عمر وابن عمرو أن اللغو لا والله وبلى والله أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه قال لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فإذا هو غير ذلك وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن عائشة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنها أن يحلف الرجل على تحريم ما أحل الله له وأخرج عبدالرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال هو الرجل يحلف على المعصية وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن النخعي هو أن يحلف الرجل على الشيء ثم ينسى وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) والله غفور ( يعني إذ تجاوز عن اليمين التي حلف عليها ) حليم ( إذ لم يجعل فيها الكفارة
البقرة 226 227
البقرة : ( 226 ) للذين يؤلون من . . . . .
قوله ) يؤلون ( أي يحلفون والمصدر إيلا وألية وألوة وقرأ ابن عباس الذين آلوا ) يقال آلى يؤالي إيلا ويأتلي بالتاء ائتلاء أي حلف ومنه ) ولا يأتل أولوا الفضل منكم ( ومنه قليل الألايا حافظ ليمينه
البيت وقد اختلف أهل العلم في الإيلاء فقال الجمهور إن الإيلاء هو أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر فإن حلف على أربعة أشهر فما دونها لم يكن موليا وكانت عندهم يمينا محضا وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وقال الثوري والكوفيون الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا وهو قول عطاء وروى عن ابن عباس أنه لا يكون موليا حتى يحلف أن لا يمسها أبدا وقالت طائفة إذا حلف أن لا يقرب إمرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء وبه قال ابن مسعود والنخعي وابن أبي ليلى والحكم وحماد بن أبي سليمان وقتادة وإسحاق قال ابن المنذر وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم قوله ) من نسائهم ( يشمل الحرائر والإماء إذا كن زوجات وكذلك يدخل تحت قوله ) للذين يؤلون ( العبد إذا حلف من زوجته وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور قالوا وإيلاؤه كالحر وقال مالك والزهري وعطاء وأبو حنيفة وإسحاق إن أجله شهران وقال الشعبي إيلاء الأمة نصف ايلاء الحرة والتربص التأني والتأخر قال الشاعر
تربض بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو بموت حليلها
وقت الله سبحانه بهذه المدة دفعا للضرار عن الزوجة وقد كان أهل الجاهلية يؤلون السنة والسنتين وأكثر من ذلك يقصدون بذلك ضرار النساء وقد قيل إن الأربعة الأشهر هي التي لا تطيق المرأة الصبر عن زوجها زيادة عليها قوله ? فإن فاءوا ? أي رجعوا ومنه ) حتى تفيء إلى أمر الله ( أي ترجع ومنه قيل للظل بعد الزوال فيء لأنه رجع عن جانب المشرق إلى جانب المغرب يقال فاء يفيء فئة وفيوءا وإنه لسريع الفيئة أي الرجعة ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 233 """"""
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له
ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا
قال ابن المنذر واجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الفيء الجماع لمن لا عذر له فإن كان له عذر مرض أو سجن فهي إمرأته فإذا زال العذر فأبى الوطء فرق بينهما إن كانت المدة قد انقضت قاله مالك وقالت طائفة إذا اشهد على فيئه بقلبه في حال العذر أجزأه وبه قال الحسن وعكرمة والنخعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وقد أوجب الجمهور على المولى إذا فاء بجماع إمرأته الكفارة وقال الحسن والنخعي لا كفارة عليه
البقرة : ( 227 ) وإن عزموا الطلاق . . . . .
قوله ) وإن عزموا الطلاق ( العزم العقد على الشيء ويقال عزم يعزم عزما وعزيمة وعزمانا واعتزم اعتزاما فمعنى عزموا الطلاق عقدوا عليه قلوبهم والطلاق من طلقت المرأة تطلق كنصر ينصر طلاقا فهي طالق وطالقة أيضا ويجوز طلقت بضم اللام مثل عظم يعظم وأنكره الأخفش والطلاق حل عقد النكاح وفي ذلك دليل على أنها لا تطلق بمضي أربعة آشهر كما قال مالك ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة وأيضا فإنه قال ( سميع ) وسميع يقتضي مسموعا بعد المضي وقال أبو حنيفة ( سميع ) لإيلائه ( عليم ) بعزمه الذي دل عليه مضي أربعة أشهر واعلم أن أهل كل مذهب قد فسروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم وتكلفوا بما لم يدل عليه اللفظ ولا دليل آخر ومعناها ظاهر واضح وهو أن الله جعل الأجل لمن يولي أي يحلف من امرأته أربعة أشهر ثم قال مخبر لعباده بحكم هذا المولى بعد هذه المدة ) فإن فاؤوا ( رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح ) فإن الله غفور رحيم ( أي لا يؤاخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ويرحمهم ) وإن عزموا الطلاق ( أي وقع العزم منهم عليه والقصد له ) فإن الله سميع ( لذلك منهم ) عليم ( به فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة فمن حلف أن لا يطأ إمرأته ولم يقيد بمدة أو قيد بزيادة على أربعة أشهر كان علينا إمهاله أربعة أشهر فإذا مضت فهو بالخيار إما رجع إلى نكاح إمرأته وكانت زوجته بعد مضي المدة كما كانت زوجته قبلها أو طلقها وكان له حكم المطلق لامرأته ابتداء وأما إذا وقت بدون أربعة اشهر فإن أراد أن يبر في يمينه اعتزل إمرأته التي حلف منها حتى تنقضي المدة كما فعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين آلى من نسائه شهرا فإنه اعتزلهن حتى مضى الشهر وإن أراد أن يطأ إمرأته قبل مضي تلك المدة التي هي دون أربعة أشهر حنث في يمينه ولزمته كفارة وكان ممتثلا لما صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله ( من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير منه وليكفر عن يمينه )
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الشافعي وعبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال الإيلاء أن يحلف أنه لا يجامعها أبدا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه في قوله ) للذين يؤلون من نسائهم ( قال هو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها فتتربص أربعة أشهر فإن هو نكحها كفر عن يمينه فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيره السلطان إما أن يفيء وإما أن يعزم فيطلق كما قال الله سبحانه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي عنه قال كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك فوقت الله لهم أربعة أشهر فإن كان إيلاؤه اقل من اربعة أشهر فليس بإيلاء وأخرج عبد بن حميد عن علي قال الإيلاء إيلاءان إيلاء في الغضب وإيلاء في الرضا فأما الإيلاء في الغضب فإذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه وأما ما كان في الرضا فلا يؤاخذ به وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لا إيلاء إلا بغضب وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ ( فإن فاءوا فيهن فإن الله غفرو رحيم ) وأخرج عبد بن حميد عن علي قال الفيء الجماع وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 234 """"""
وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس مثله وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن المنذر عن علي قال الفيء الرضا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود مثله وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال الفيء الإشهاد وأخرج عبدالرزاق عنه قال الفيء الجماع فإن كان له عذر أجزأه أن يفيء بلسانه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال إذا حال بينه وبينها مرض أو سفر أو حبس أو شيء يعذر به فإشهاده فيء وللسلف في الفيء أقوال مختلفة فينبغي الرجوع إلى معنى الفيء لغة وقد بيناه وأخرج ابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر لا شيء عليه حتى يوقف فيطلق أو يمسك وأخرج الشافعي وابن جرير والبيهقي عن عثمان بن عفان نحوه وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن علي نحوه وأخرج البخاري وعبد بن حميد عن ابن عمر نحوه أيضا وأخرج ابن جرير والبيهقي عن عائشة نحوه وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال سألت اثنى عشر رجلا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الرجل يولي من امرأته فكلهم يقول ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة الأشهر فتوقف فإن فاء وإلا طلق وأخرج البيهقي عن ثابت بن عبيدة مولى زيد بن ثابت عن اثنى عشر رجلا من الصحابة نحوه وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عمر وابن عباس قالوا الإيلاء تطليقة بائنة إذا مرت أربعة أشهر قبل أن يفيء فهي أملك بنفسها وللصحابة والتابعين في هذا أقوال مختلفة متناقضة والمتعين الرجوع إلى ما في الآية الكريمة وهو ما عرفناك فاشدد عليه يديك وأخرج عبدالرزاق عن عمر قال إيلاء العبد شهران وأخرج مالك عن ابن شهاب قال إيلاء العبد نحو إيلاء الحر
البقرة 228
البقرة : ( 228 ) والمطلقات يتربصن بأنفسهن . . . . .
قوله ( المطلقات ) يدخل تحت عمومه المطلقة قبل الدخول ثم خصص بقوله تعالى ) فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ( فوجب بناء العام على الخاص وخرجت من هذا العموم المطلقة قبل الدخول وكذلك خرجت الحامل بقوله تعالى ) وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ( وكذلك خرجت الآيسة بقوله تعالى ) فعدتهن ثلاثة أشهر ( والتربص الانتظار قيل هو خبر في معنى الأمر أي ليتربصن قصد بإخراجه مخرج الخبر تأكيد وقوعه وزاده تأكيدا وقوعه خبرا للمبتدإ قال ابن العربي وهذا باطل وإنما هو خبر عن حكم الشرع فإن وجدت مطلقة لا تتربص فليس ذلك من الشرع ولا يلزم من ذلك وقوع خبر الله سبحانه على خلاف مخبره والقروء جمع قرء وروى عن نافع أنه قرأ ) قروء ( بتشديد الواو وقرأه الجمهور بالهمز وقرأ الحسن بفتح القاف وسكون الراء والتنوين قال الأصمعي الواحد قرء بضم القاف وقال أبو زيد بالفتح وكلاهما قال أقرأت المرأة حاضت وأقرأت طهرت وقال الأخفش أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض فإذا حاضت قلت قرأت بلا ألف وقال أبو عمرو بن العلاء من العرب من يسمى الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم


"""""" صفحة رقم 235 """"""
من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل الوقت يقال هبت الرياح لقرئها ولقارئها أي لوقتها ومنه قول الشاعر كرهت العقر عقر بني شليل
إذا هبت لقارئها الرياح
فيقال للحيض قرء وللطهر قرء لأن كل واحد منهما له وقت معلوم وقد أطلقته العرب تارة على الأطهار وتارة على الحيض فمن إطلاقه على الأطهار قول الأعشي أفي كل عام أنت جاشم غزوة
تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الحي رفعة
لما ضاع فيها من قروء نسائكا
أي أطهارهن ومن إطلاقه على الحيض قول الشاعر يا رب ذي حنق علي قارض
له قرو كقرو الحائض
يعني أنه طعنه فكان له دم كدم الحائض وقال قوم هو مأخوذ من قرى الماء في الحوض وهو جمعه ومنه القرآن لاجتماع المعاني فيه قال عمرو بن كلثوم ذراعي عيطل أدماء بكر
هجان اللون لم تقرا جنينا
أي لم تجمعه في بطنها والحاصل أن القروء في لغة العرب مشترك بين الحيض والطهر ولأجل هذا الاشتراك اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقروء المذكورة في الآية فقال أهل الكوفة هي الحيض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدي وأحمد بن حنبل وقال أهل الحجاز هي الأطهار وهو قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثمان والشافعي واعلم أنه قد وقع الاتفاق بينهم على أن القرء الوقت فصار معنى الآية عند الجميع والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة أوقات فهي على هذا مفسرة في العدد مجملة في المعدود فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها فأهل القول الأول استدلوا على ان المراد في هذه الآية الحيض بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( دعي الصلاة أيام أقرائك ) وبقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ) وبأن المقصود من العدة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر واستدل أهل القول الثاني بقوله تعالى ) فطلقوهن لعدتهن ( ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق وقت الطهر ولقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لعمر ( مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء وذلك لأن زمن الطهر هو الذي تطلق فيه النساء قال أبو بكر بن عبدالرحمن ما أدركنا أحدا من فقهائنا إلا يقول بأن الاقراء هي الأطهار فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة ولو لحظة ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة خرجت من العدة انتهى وعندي أن لا حجة في بعض ما احتج به أهل القولين جميعا أما قول الأولين أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( دعي الصلاة أيام أقرائك ) فغاية ما في هذا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أطلق الأقراء على الحيض ولا نزاع في جواز ذلك كما هو شأن اللفظ المشترك فإنه يطلق تارة على هذا وتارة على هذا وإنما النزاع في الأقراء المذكورة في هذه الآية وأما قوله ( صلى الله عليه وسلم ) في الأمة ( وعدتها حيضتان ) فهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه من حديث عائشة مرفوعا وأخرجه ابن ماجة والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا أيضا ودلالته على ما قاله الأولون قوية وأما قولهم إن المقصود من


"""""" صفحة رقم 236 """"""
العدة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر فيجاب عنه بأنه إنما يتم لو لم يكن في هذه العدة شئ من الحيض على فرض تفسير الأقراء بالأطهار وليس كذلك بل هي مشتملة على الحيض كما هي مشتملة على الأطهار وأما استدلال أهل القول الثاني بقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن فيجاب عنه بأن التنازع في اللام في قوله لعدتهن يصير ذلك محتملا ولا تقوم الحجة بمحتمل وأما استدلالهم بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لعمر ( مره فليراجعها ) الحديث فهو في الصحيح ودلالته قوية على ما ذهبوا إليه ويمكن أن يقال إنها تنقضي العدة بثلاثة أطهار أو بثلاث حيض ولا مانع من ذلك فقد جوز جمع من أهل العلم حمل المشترك على معنييه وبذلك يجمع بين الادلة ويرتفع الخلاف ويندفع النزاع وقد استكشل الزمخشري تمييز الثلاثة بقوله قروء وهي جمع كثرة دون أقراء التي هي من جموع القلة وأجاب بأنهم يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية قوله ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ) قيل المراد به الحيض وقيل الحمل وقيل كلاهما ووجه النهي عن الكتمان ما فيه في بعض الأحوال من الاضرار بالزوج وإذهاب حقه فإذا قالت المرأة حضت وهي لم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع وإذا قالت لم تحض وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه فاضرت به وكذلك الحمل ربما تكتمه التقطع حقه من الارتجاع وربما تدعيه لتوجب عليه النفقة ونحو ذلك من المقاصد المستلزمة للاضرار بالزوج وقد اختلفت الأقوال في المدة التي تصدق فيها المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها وقوله ( إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ) فيه وعيد شديد للكاتمات وبيان أن من كتمت ذلك منهن لم تستحق اسم الإيمان والبعولة جمع بعل وهو الزوج سمى بعلا لعلوه على الزوجة لأنهم يطلقونه على الرب ومنه قوله تعالى أتدعون بعلا أي ربا ويقال بعول وبعولة كما يقال في جمع الذكر ذكور وذكورة وهذه التاء لتأنيث الجمع وهو شاذ لا يقاس عليه بل يعتبر فيه السماع والبعولة أيضا تكون مصدرا من بعل الرجل يبعل مثل منع يمنع أي صار بعلا وقوله ( أحق بردهن ) أي برجعتهن وذلك يختص بمن كان يجوز للزوج مراجعتها فيكون في حكم التخصيص لعموم قوله ( والمطلقات يتربصن بانفسهن ) لأنه يعم المثلثات وغيرهن وقوله ( في ذلك ) يعني في مدة التربص فإن إنقضت مدة التربص فهي أحق بنفسها ولا تحل له إلا بنكاح مستأنف بولى وشهود ومهر جديد ولا خلاف في لك والرجعة تكون باللفظ وتكون بالوطء ولا يلزم المراجع شئ من أحكام النكاح بلا خلاف وقوله ( إن أرادوا إصلاحا ) أي بالمراجعة أي إصلاح حاله معها وحالها معه فإن قصد الاضرار بها فهي محرمهة لقوله تعالى ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) قيل وإذا قصد بالرجعة الضرار فهي صحيحة وإن ارتكب بذلك محرما وظلم نفسه وعلى هذا فيكون الشرط المذكور في الآية للحث للأزواج على قصد الصلاح والزجر لهم عن قصد الضرار وليس المراد به جعل قصد الإصلاح شرطا لصحة الرجعة قوله ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) أي لهن من حقوق الزوجية على الرجال بمثل ما للرجال عليهن فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم وهي كذلك تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهن يفعلنه لأزواجهن من طاعة وتزين وتحبب ونحو ذلك قوله ( وللرجال عليهن درجة ) أي منزلة ليست لهن وهو قيامه عليها في الانفاق وكونه من أهل الجهاد والعقل والقوة وله من الميراث أكثر مما لها وكونه يجب عليها امتثال أمره والوقوف عند رضاه ولو لم يكن من فضيلة الرجال على النساء إلا كونهن خلقن من الرجال لما ثبت أن حواء خلقت من ضلع آدم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو داود وابن حاتم والبيقهي في سننه عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت طلقت


"""""" صفحة رقم 237 """"""
على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل الله حين طلقت العدة للطلاق فقال ( والمطلقات يتربصن ) الآية وأخرج أبو داود والنسائي وابن المنذر عن ابن عباس ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ثم قال واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن اريتم فعدتهن ثلاثة أشهر فنسخ وقال ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي من طرق عن عائشة أنها قالت الأقراء الأطهار وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر والبيقهي عن ابن عمر وزيد بن ثابت مثله وأخرج المذكورون عن عمرو بن دينار قال الأقراء الحيض عن أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج البيهقي وأبن جرير عن ابن عباس في قوله ( ثلاثة قروء ) قال ثلاث حيض وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله تعالى ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ) قال كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر فنهاهن الله عن ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر في الآية قال الحمل والحيض وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيقهي عن ابن عباس في قوله تعالى ( وبعولتهن أحق بردهن ) يقول إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها وهو قوله 0 ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير والبيقهي عن مجاهد في قوله ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ) قال في العدة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وزاد ما لم يطلقها ثلاثا وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ( ولهن مثل الذي عليهن ) قال إذا أطعن الله واطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته وقد أخرج أهل السنن عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ألا أن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا أما حقكم على نسائكم أن لا يو طئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) وصححه الترمذي وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري ( أنه سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما حق المرأة على الزوج قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تهجر إلا في البيت ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ( وللرجال عليهن درجة ) قال فضل ما فضله الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها وأخرج عبد بن حميد وابن حاتم عن أبي مالك في الآية قال يطلقها وليس لها من الأمر شيء وأخرجا عن زيد بن أسلم قال الإمارة
البقرة آية ( 229 )


"""""" صفحة رقم 238 """"""
البقرة آية ( 230 )
البقرة : ( 229 ) الطلاق مرتان فإمساك . . . . .
المراد بالطلاق المذكور هو الرجعي بدليل ما تقدم في الآية الأولى أي الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة للأزواج هو مرتان أي الطلقة الأولى والثانية إذلارجعة بعد الثالثة وإنما قال سبحانه ( مرتان ) ولم يقل طلقتان إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة بعد مرة لا طلقتان دفعة واحدة كذا قال جماعة من المفسرين ولما لم يكن بعد الطلقة الثانية إلا أحد أمرين إما إيقاع الثالثة التي بها تبين الزوجة أو الإمساك لها واستدامة نكاحها وعدم إيقاع الثالثة عليها قال سبحانه ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) أي فأمساك بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين بمعروف أي بما هو معروف عند الناس من حسن العشرة ( أو تسريح بإحسان ) أي بإيقاع طلقة ثالثة عليها من دون ضرار لها وقيل المراد ( فإمساك بمعروف ) أي برجعة بعد الطلقة الثانية ( أو تسريح بإحسان ) أي بترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدتها والأول أظهر وقوله ( الطلاق ) مبتدأ بتقدير مضاف أي عدد الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة مرتان وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثلاث دفعة واحدة هل يقع ثلاثا أو واحدة فقط فذهب إلى الأول الجمهور وذهب إلى الثاني من عداهم وهو الحق وقد قررته في مؤلفاتي تقريرا بالغا وأفردته برسالة مستقلة قوله ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) الخطاب للأزواج أي لا يحل للأزواج أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئا على وجه المضارة لهن وتنكير ( ( شيئا ) ) للتحقير أي شيئا نزرا فضلا عن الكثير وخص ما دفعوه إليهن بعدم حل الأخذ منه مع كونه لا يحل للأزواج أن يأخذوا شيئا من أموالهن التي يملكنها من غير المهر لكون ذلك هو الذي تتعلق به نفس الزوج وتتطلع لأخذه دون ما عداه مما هو في ملكها على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحل له كان ما عداه ممنوعا منه بالأولى وقيل الخطاب في قوله ( ولا يحل لكم ) للأئمة والحكام ليطابق قوله ( فإن خفتم ) فإن الخطاب فيه للأئمة والحكام وعلى هذا يكون إسناد الأخذ إليهم لكونهم الآمرين بذلك والأول أولى لقوله ( مما آتيتموهن ) فإن إسناده إلى غير الأزواج بعيد جدا لأن إيتاء الأزواج لم يكن عن أمرهم وقيل إن الثاني أولى لئلا يتشوش النظم قوله ( إلا أن يخافا ) أي لا يجوز لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ( ان لا يقيما حدود الله ) اي عدم إقامة حدود الله التي حدها للزوجين وأوجب عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة فإن خافا ذلك 0 فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) أي لا جناح على الرجل في الأخذ وعلى المرأة في الإعطاء بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شئ من المال يرضي به الزوج فيطلقها لأجله وهذا هو الخلع وقد ذهب الجمهور إلى جواز ذلك للزوج وانه يحل له الأخذ مع ذلك الخوف وهو الذي صرح به القرآن وحكى ابن المنذر عن بعض أهل العلم انه لا يحل له ما أخذ ولا يجبر على رده وهذا في غاية السقوط وقرأ حمزة ( إلا أن يخافا ) على البناء للمجهول والفاعل محذوف وهو الأئمة والحكام واختاره أبو عبيد قال لقوله ( فإن خفتم ) فجعل الخوف لغير الزوجين وقد احتج بذلك من جعل الخلع إلى السلطان وهو سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقد ضعف النحاس اختيار أبي عبيد المذكور وقوله ( فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله ) أي إذا خاف الأئمة والحكام أو المتوسطون بين الزوجين وإن لم يكونوا أئمة وحكاما عدم إقامة حدود الله من الزوجين وهي ما أوجبه عليهما كما سلف وقد حكى عن بكر بن عبدالله المدني أن هذه الآية منسوجة بقوله تعالى في سورة النساء وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه


"""""" صفحة رقم 239 """"""
شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وهو قول خارج عن الإجماع ولا تنافي بين الإثنين وقد اختلف أهل العلم إذا طلب الزوج من المرأة زيادة على ما دفعه إليها من المهر وما يتبعه ورضيت بذلك المرأة هل يجوز أم لا وظاهر القرآن الجواز لعدم تقييده بمقدار معين وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وروى مثل ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وقال طاوس وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق إنه لا يجوز وسيأتي ما ورد في ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله تعالى ( تلك حدود الله ) أي أحكام النكاح والفراق المذكورة هي حدود الله التي أمرتم بامتثالها فلا تعتدوها بالمخالفة لها فتستحقوا ما ذكره الله من التسجيل على فاعل ذلك بأنه ظالم
البقرة : ( 230 ) فإن طلقها فلا . . . . .
قوله تعالى ( فإن طلقها ) أي الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله ( اوتسريح بإحسان ) أي فإن وقع منه ذلك فقد حرمت عليه بالتثليث ( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) أي حتى تتزوج بزوج آخر وقد أخذ بظاهر الآية سعيد ابن المسيب ومن وافقه قالوا يكفي مجرد العقد لأنه المراد بقوله ( حتى تنكح زوجا غيره ) وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى انه لا بد مع العقد من الوطء لما ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من اعتبار ذلك وهو زيادة يتعين قبولها ولعله لم يبلغ سعيد بن المسيب ومن تابعه وفي الآية دليل على انه لابد من ان يكون ذلك نكاحا شرعيا مقصودا لذاته لا نكاحا غير مقصود لذاته بل حيلة للتحليل وذريعة إلى ردها إلى زوج الأول فإن ذلك حرام للأدلة الواردة في ذمه وذم فاعله وانه التيس المستعار الذي لعنه الشارع ولعن من اتخذه لذلك قوله ( فإن طلقها ) أي الزوج الثاني ( فلا جناح عليهما ) أي الزوج الأول والمرأة ( أن يتراجعا ) أي يرجع كل واحد منهما لصاحبة قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ان الحر إذا طلق زوجته ثلاثا ثم انقضت عدتها ونكحت زوجا ودخل بها ثم فارقها وانقضت عدتها ثم نكحها الزوج الأول انها تكون عنده على ثلاث تطليقات قوله ( إن ظنا ان يقيما حدود الله ) أي حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر وأما إذا لم يحصل ظن ذلك بأن يعلما أو أحدهما عدم الإقامة لحدود الله أو ترددا أو أحدهما ولم يحصل لهما الظن فلا يجوز الدخول في هذا النكاح لأنه مظنة للمعصية لله والوقوع فيما حرمه على الزوجين وقوله ( وتلك حدود الله ) إشارة إلى الأحكام المذكورة كما سلف وخص الذين يعلمون مع عموم الدعوة للعالم وغيره ووجوب التبليغ لكل فرد لأنهم المنتفعون بالبيان المذكور
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا مادنا وقت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها ثم قال والله لا آويك إلى ولا تحلين أبدا فأنزل الله ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق ومن لم يطلق وأخرج نحوه الترمذي وابن مردويه والحاكم وصححه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج البخاري عنها انها أتتها امرأة فسألتها عن شئ من الطلاق قالت فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ( الطلاق مرتان ) وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي رزين الأسدي قال قال رجل 0 يا رسول الله أرايت قول الله الطلاق مرتان فأين الثالثة قال التسريح بإحسان الثالثة ) وأخرج نحوه ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد انه قال قال الله للثالثة ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب قال التسريح في كتاب الله الطلاق


"""""" صفحة رقم 240 """"""
وأخرج البيهقي من طريق السدى عن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( الطلاق مرتان ) قالوا وهو الميقات الذي تكون فيه الرجعة فإذا طلق واحدة أو أثنتين فإما أن يمسك ويراجع بمعروف وإما أن يسكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية نحوه وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الرجل يأكل من مال امرأته الذي نحلها وغيره لا يرى ان عليه جناحا فأنزل الله ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) فلم يصح لهم بعد هذه الآية أخذ شئ من أموالهن إلا بحقها ثم قال ( إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ) وقال ) فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ) قال إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتدعوك إلى ان تفتدي منك فلا جناح عليك فيما افتدت به وأخرج مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي من طريق عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن حبيبة بنت سهل الأنصاري ( انها كانت تحب ثابت بن قيس وان رسول الله خرج إلى الصبح فوجدها عند بابه في الغلس فقال من هذه قالت أنا حبيبة بنت سهل فقال ما شأنك قالت لا أنا ولا بأنت فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله ان تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عنده فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها ) وأخرج ابن جرير عن ابن جريع قال نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة وكانت اشتكته إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تردين عليه حديقته قالت نعم فدعاه فذكر ذلك له فقال ويطيب لي ذلك قال نعم قال ثابت قد فعلت فنزلت ) ولا يحل لكم أن تأخذوا ( الآية ) وأخرج عبدالرزاق وأبو داود وابن جرير والبيهقي من طريق عمرة عن عائشة نحوه وأخرج البخاري والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس ان جميلة بنت عبد الله بن سلول امرأة ثابت بن قيس بن شماس ( اتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكن لاأطيقه بغضا وأكره الكفر في الإسلام قال أتردين عليه حديقته قالت نعم قال أقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) ولفظ ابن ماجه ( فأمره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد ) وأخرج البيهقي من طريق عطاء قال ( أتت امرأة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقالت أني أبغض زوجي وأحب فراقه قال أتردين عليه حديقته التي أصدقك قالت نعم وزيادة فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أما الزيادة من مالك فلا ) وأخرج البيهقي عن أبي الزبير ان ثابت بن قيس فذكر القصة وفيه ( أما الزيادة فلا ) وأخرج ابن مردويه بإسناد جيد عن ابن عباس وفيه ( انه أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثابتا ان يأخذ ما ساق ولا يزداد ) وأخرج البيهقي عن أبي سعيد وذكر القصة وفيها ( فردت عليه حديقته وزادت ) وأخرج ابن جرير عن عمر انه قال في بعض المختلعات ( اخلعها ولو من قرطها ) وفي لفظ أخرجه عبد الرزاق عنه انه قال للزوج ( خذ ولو عقاصها 9 قال البخاري أجاز عثمان الخلع دون عقاصها وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عطاء ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كره ان يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها وقد ورد في ذم المختلعات أحاديث منها عن ثوبان عند أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة وقال


"""""" صفحة رقم 241 """"""
المختلعات هن المنافقات ) ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لاتسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد مسيرة أربعين عاما ) ومنها عن أبي مريرة عند أحمد والنسائي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) ومنها عن عقبة عند ابن جرير مرفوعا مثل حديث أبي هريرة
وقد اختلف أهل العلم في عدة المختلعة والراجح انها تعتد بحيضة لما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس ( ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر امرأة ثابت بن قيس ان تعتد بحيضة ) ولما أخرجه الترمذي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ( انها اختلعت على عهد رسول الله فأمرها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن تعتد بحيضة أو أمرت أن تعتد بحيضة قال الترمذي الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة وأخرج النسائي وابن ماجة عنها أنها قالت اختلعت من زوجي فجئت عثمان فسألته ماذا على من العدة فقال لا عدة عليك إلا ان يكون حديث عهد بك فتمكثين حتى تحيضى حيضة قالت غنما أتبع في ذلك قضاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مريم المغالية وكانت تحب ثابت بن قيس فاختلعت منه وأخرج النسائي عن الربيع بنت معوذ ( ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر امرأة ثابت بن قيس ان تتربص حيضة واحدة فتلحق بأهلها ) ولم يرد ما يعارض هذا من المرفوع بل ورد عن جماعة من الصحابة والتابعين ان عدة المختلعة كعدة الطلاق وبه قال الجمهور قال الترمذي وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم واستدلوا على ذلك بأن المختلعة من جملة المطلقات فهى داخلة تحت عموم القرآن والحق ما ذكرناه لأن ما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخصص عموم القرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ( فإن طلقها فلا تحل له ) يقول فإن طلقها ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وأخرج ابن المنذر عن على نحوه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن عائشة قالت ( جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت اني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجني عبدالرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هدبة الثوب فتبسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) وقد روى نحو هذا عنها من طرق وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن جرير والبيهقي عن عمر مرفوعا نحوه وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ولم يسم هؤلاء الثلاثة الصحابة صاحبة القصة وأخرج أحمد والنسائي عن ابن عباس ( ان العميصاء أو الرميصاء اتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وفي آخره ( فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره ) وقد ثبت لعن المحلل في أحاديث منها عن ابن مسعود عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي والبيهقي في سننه قال لعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المحلل والمحلل له ومنها عن علي عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه والبيقهقي مرفوعا مثل حديث ابن مسعود ومنها عن جابر مرفوعا عند الترمذي مثله ومنها عن ابن عباس مرفوعا عند ابن ماجه مثله ومنها عن عقبة بن عامر عند ابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي مرفوعا مثله ومنها عن أبي هريرة مرفوعا عند أحد وابن أبي شيبة والبيهقي مثله وفي الباب أحاديث في ذم التحليل وفاعله وأخرج ابن جرير وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 242 """"""
وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ( فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) يقول إذا تزوجت بعد الأول فدخل بها الآخر فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلقها الآخر أو مات عنها فقد حلت له وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله ( ان يقيما حدود الله ) قال أمر الله وطاعته
البقرة 231
البقرة : ( 231 ) وإذا طلقتم النساء . . . . .
البلوغ إلى الشئ معناه الحقيقي الوصول إليه ولا يستعمل البلوغ بمعنى المقاربة إلا مجازا لعلاقة مع قرينة كما هنا فإنه لا يصح إرادة المعنى الحقيقي لأن المرأة إذا قد بلغت آخر جزء من مدة العدة وجاوزته إلى الجزء الذي هو الأجل للأنقضاء فقد خرجت من العدة ولم يبق للزوج عليها سبيل قال القرطبي في تفسيره إن معنى ( بلغن ) هنا قاربن بإجماع العلماء قال ولأن المعنى يضطر إلى ذلك لأنه بعد بلوغ الأجل لاخيار له في الإمساك والإمساك بمعروف هو القيام بحقوق الزوجية أي إذا طلقتم النساء فقاربن آخر العدة فلا تضاروهن بالمراجعة من غير قصد لاستمرار الزوجية واستدامتها بل اختاروا أحد أمرين إما الإمساك بمعروف من غير قصد لضرار أو التسريح بإحسان أي تركها حتى تنقضى عدتها من غير مراجعة ضرار ولا تمسكوهن ضرارا كما كانت تفعل الجاهلية من طلاق المرأة حتى يقرب انقضاء عدتها ثم مراجتها لا عن حاجة ولا لمحبة ولكن لقصد تطويل العدة وتوسيع مدة الانتظار ( ضرارا ) لقصد الاعتداء منكم عليهن والظلم لهن ( ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) لأنه عرضها لعقاب الله وسخطه قال الزجاج يعني عرض نفسه للعذاب لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرض لعذاب الله ( ولا تتخذوا آيات الله هزؤا ) أي لا تأخذوا أحكام الله على طريقة الهزؤ فإنها جد كلها فمن هزل فيها فقد لزمته نهاهم سبحانه ان يفعلوا كما كانت الجاهلية تفعل فإنه كان يطلق الرجل منهم أو يعتق أو يتزوج ويقول كنت لاعبا قال القرطبي ولا خلاف بين العلماء ان من طلق هازلا ان الطلاق يلزمه قوله ( واذكروا نعمت الله عليكم ) أي النعمة التي صرتم فيها بالإسلام وشرائعه بعد أن كنتم في جاهلية جهلاء وظلمات بعضها فوق بعض والكتاب هو القرآن والحكمة قال المفسرون هي السنة التي سنها لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يعظكم به ) أي يخوفكم بما أنزل عليكم أفرد الكتاب والحكة بالذكر مع دخولهما في النعمة دخولا أوليا تنبيها على خطرهما وعظم شأنهما
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها فيفعل بها ذلك يضارها ويعطلها فأنزل الله ( وإذا طلقتم النساء ) الآية وأخرج نحوه مالك وابن جرير وابن المنذر عن ثور بن يزيد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن الحسن في قوله ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) قال هو الرجل يطلق امرأته فإذا أرادت أن تنقضي عدتها أشهد على رجعتها يريد أن يطول عليها وأخرج ابن ماجه وابن جرير والبيهقي عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 243 """"""
وسلم ( مابال أقوام يلعبون بحدود الله يقول قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك قد راجعتك ليس هذا طلاق المسلمين طلقوا المرأة في قبل عدتها ) وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال كان الرجل على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول للرجل زوجتك ابنتي ثم يقول كنت لاعبا ويقول قد أعتقت ويقول كنت لاعبا فأنزل الله سبحانه ) ولا تتخذوا آيات الله هزوا ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ثلاث من قالهن لاعبا أو غير لاعب فهن جائزات عليه الطلاق والنكاح والعتاق ) وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال كان الرجل يطلق ثم يقول لعبت ويعتق ثم يقول لعبت فانزل الله ) ولا تتخذوا آيات الله هزوا ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من طلق أو أعتق فقال لعبت فليس قوله بشيء يقع عليه فيلزمه ) وأخرج ابن مردويه أيضا عن ابن عباس قال طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق فأنزل الله ) ولا تتخذوا آيات الله هزوا ( فالزمه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الطلاق وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن مرفوعا نحو حديث عبادة وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة )
البقرة 232
البقرة : ( 232 ) وإذا طلقتم النساء . . . . .
الخطاب في هذه الآية بقول ) وإذا طلقتم ( وبقوله ) فلا تعضلوهن ( إما أن يكون للأزواج ويكون معنى العضل منهم أن يمنعوهن من أن يتزوجن من اردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن لحمية الجاهلية كما يقع كثيرا من الخلفاء والسلاطين غيرة على من كن تحتهم من النساء أن يصرن تحت غيرهم لأنهم لما نالوه من رياسة الدنيا وما صاروا فيه من النخوة والكبرياء يتخيلون أنهم قد خرجوا من جنس بني آدم إلا من عصمه الله منهم بالورع والتواضع وإما أن يكون الخطاب للأولياء ويكون معنى إسناد الطلاق إليهم أنهم سبب له لكونهم المزوجين للنساء المطلقات من الأزواج المطلقين لهن وبلوغ الأجل المذكور هنا المراد به المعنى الحقيقي أي نهايته لا كما سبق في الآية الأولى والعضل الحبس وحكى الخليل دجاجة معضلة قد احتبس بيضها وقيل العضل التضييق والمنع وهو راجع إلى معنى الحبس يقال أردت أمرا فعضلتني عنه أي منعتني وضيقت علي وأعضل الأمر إذا ضاقت عليك فيه الحيل وقال الأزهري أصل العضل من قولهم عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه وعضلت الدجاجة نشب بيضها وكل مشكل عند العرب معضل ومنه قول الشافعي رحمه الله إذا المعضلات نصدين لي
كشفت خفاء لها بالنظر
ويقال أعضل الأمر إذا اشتد وداء عضال أي شديد عسير البرء أعيا الأطباء وعضل فلان آيمه أي منعها يعضلها بالضم والكسر لغتان قوله ) أن ينكحن ( أي من أن ينكحن فمحله الجر عند الخليل والنصب


"""""" صفحة رقم 244 """"""
عند سيبويه والفراء وقيل هو بدل اشتمال من الضمير المنصوب في قوله ) فلا تعضلوهن ( وقوله ) أزواجهن ( إن أريد به المطلقون لهن فو مجاز باعتبار ما كان وإن أريد به من يردن أن يتزوجنه فهو مجاز باعتبار ما سيكون وقوله ) ذلك ( إشارة إلى ما فصل من الأحكام وإنما أفرد مع كون المذكور قبله جمعا جملا على معنى الجمع بتأويله بالفريق ونحوه وقوله ) ذلكم ( محمول على لفظ الجمع خالف سبحانه ما البيهقي الإشارتين افتنانا وقوله ) أزكى ( أي أنمى وأنفع ) وأطهر ( من الأدناس ) والله يعلم ( ما لكم فيه الصلاح ) وأنتم لا تعلمون ( ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن معقل بن يسار قال كانت لي أخت فأتاني ابن عم فأنكحتها إياه فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقلت له يا لكع أكرمتك وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها والله لا ترجع إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله ) وإذا طلقتم النساء ( الآية قال ففي نزلت هذه الآية فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في الرجل يطلق إمرأته طلقة أو طلقتين فتنقضي عدتها ثم يبدو له تزويجها وأن يراجعها وتريد المرأة ذلك فمنعها وليها من ذلك فنهى الله أن يمنعوها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال نزلت هذه الآية في جابر بن عبدالله الأنصاري كانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة وانقضت عدتها فاراد مراجعتها فأبى جابر فقال طلقت بنت عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانية وكانت المرأة تريد زوجها فأنزل الله ) وإذا طلقتم النساء ( وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ) إذا تراضوا بينهم بالمعروف ( يعني بمهر وبينة ونكاح مؤتنف وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أنكحوا الأيامى فقال رجل يا رسول الله ما العلائق بينهم قال ما تراضي عليه أهلهن ) وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال ) والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( قال الله يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه ما لا تعلم أنت أيها الولي
البقرة 233
البقرة : ( 233 ) والوالدات يرضعن أولادهن . . . . .
لما ذكر الله سبحانه النكاح والطلاق ذكر الرضاع لأن الزوجين قد يفترقان وبينهما ولد ولهذا قيل إن هذا خاص بالمطلقات وقيل هو عام وقوله ) يرضعن ( قيل هو خبر في معنى الأمر للدلالة على تحقق مضمونه وقيل هو خبر على بابه ليس هو في معنى الأمر على حسب ما سلف في قوله ) يتربصن ( وقوله ) كاملين ( تأكيد


"""""" صفحة رقم 245 """"""
للدلالة على أن هذا التقدير لا تقريبي وقوله ) لمن أراد أن يتم الرضاعة ( أي ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما بل هو التمام ويجوز الاقتصار على ما دونه وقرأ مجاهد وابن محيصن ( لمن أراد أن تتم ) بفتح التاء ورفع الرضاعة على إسناد الفعل إليها وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة والجارود ابن أبي سبرة بكسر الراء من الرضاعة وهي لغة وروى عن مجاهد أنه قرأ الرضعة وقرأ ابن عباس ( لمن أراد أن يكمل الرضاعة ) قال النحاس لا يعرف البصريون الرضاعة إلا بفتح الراء وحكى الكوفيون جواز الكسر والآية تدل على وجوب الرضاع على الأم لولدها وقد حمل ذلك على ما إذا لم يقبل الرضيع غيرها قوله ) وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ( أي على الأب الذي يولد له وآثر هذا اللفظ دون قوله وعلى الوالد للدلالة على أن الأولاد للآباء لا للأمهات ولهذا ينسبون إليهم دونهن كأنهن إنما ولدن لهم فقط ذكر معناه في الكشاف والمراد بالرزق هنا الطعام الكافي المتعارف به بين الناس والمراد بالكسوة ما يتعارفون به أيضا وفي ذلك دليل على وجوب ذلك على الاباء للأمهات المرضعات وهذا في المطلقات وأما غير المطلقات فنفقتهن وكسوتهن واجبة على الأزواج من غير إرضاعهن لأولادهن وقوله ) لا تكلف نفس إلا وسعها ( هو تقييد لقوله ) بالمعروف ( أي هذه النفقة والكسوة الواجبتان على الأب بما يتعارفه الناس لا يكلف منها إلا ما يدخل تحت وسعه وطاقته لا ما يشق عليه ويعجز عنه وقيل المراد لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الاجرة ولا يكلف الزوج ما هو إسراف بل يراعى القصد قوله ) لا تضار ( قرأ أبو عمرو وابن كثير وجماعة ورواه أبان عن عاصم بالرفع على الخبر وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في المشهور عنه ( تضار ) بفتح الراء المشددة على النهي وأصله لا تضارر أو لا تضارر على البناء للفاعل أو المفعول أي لا تضارر الأب بسبب الولد بأن تطلب منه ما لا يقدر عليه من الرزق والكسوة أو بأن تفرط في حفظ الولد والقيام بما يحتاج إليه أو لا تضارر من زوجها بأن يقصر عليها في شيء مما يجب عليه أو ينتزع ولدها منها بلا سبب وهكذا قراءة الرفع تحتمل الوجهين وقرأ عمر ابن الخطاب ( لا تضارر ) على الأصل بفتح الراء الأولى وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ( لا تضار ) بإسكان الراء وتخفيفها وروى عنه الاسكان والتشديد وقرأ الحسن وابن عباس ( لا تضارر ) بكسر الراء الأولى ويجوز أن تكون الباء في قوله بولده صلة لقوله تضار على أنه بمعنى تضر أي لا تضر والدة بولدها فتسيء تربيته أو تقصر في غذائه واضيف الولد تارة إلى الأب وتارة إلى الأم لأن كل واحد منهما يستحق أن ينسب إليه مع ما في ذلك من الاستعطاف وهذه الجملة تفصيل للجملة التي قبلها وتقرير لها أي لا يكلف كل واحد منهما الآخر ما لا يطيقه فلا تضاره بسبب ولده قوله ) وعلى الوارث ( هو معطوف على قوله ) وعلى المولود له ( وما بينهما تفسير للمعروف أو تعليل له معترض بين المعطوف والمعطوف عليه واختلف أهل العلم في معنى قوله ) وعلى الوارث مثل ذلك ( فقيل هو وارث الصبي أي إذا مات المولود له كان على وارث هذا الصبي المولود إرضاعه كما كان يلزم أباه ذلك قاله عمر بن الخطاب وقتادة والسدي والحسن ومجاهد وعطاء وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وابن أبي ليلى على خلاف بينهم هل يكون الوجوب على من يأخذ نصيبا من الميراث أو على الذكور فقط أو على كل ذي رحم له وإن لم يكن وارثا منه وقيل المراد بالوارث وارث الأب تجب عليه نفقه المرضعة وكسوتها بالمعروف قاله الضحاك وقال مالك في تفسير هذه الآية بمثل ما قاله الضحاك ولكنه قال إنها منسوخة وإنها لا تلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم منه وشرطه الضحاك بأن لا يكون للصبي مال فإن كان له مال أخذت أجرة رضاعه من ماله وقيل المراد بالوارث المذكور في الآية هو الصبي نفسه أي عليه من ماله


"""""" صفحة رقم 246 """"""
إرضاع نفسه إذا ما أبوه وورث من ماله قاله قبيصة بن ذؤيب وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبدالعزيز وروى عن الشافعي وقيل هو الباقي من والدي المولود بعد موت الآخر منهما فإذا مات الأب كان على الأم كفاية الطفل إذا لم يكن له مال قاله سفيان الثوري وقيل إن معنى قوله تعالى ) وعلى الوارث مثل ذلك ( أي وارث المرضعة يجب عليه أن يصنع بالمولود كما كانت الأم تصنعه به من الرضاع والخدمة والتربية وقيل إن معنى قوله تعالى ) وعلى الوارث مثل ذلك ( أنه يحرم عليه الإضرار بالأم كما يحرم على الأب وبه قالت طائفة من أهل العلم قالوا وهذا هو الأصل فمن ادعى أنه يرجع فيه العطف إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل قال القرطبي وهو الصحيح إذ لو أراد الجميع الذي هو الرضاع والإنفاق وعدم الضرر يقال وعلى الوارث مثل هؤلاء فدل على أنه معطوف على المنع من المضارة وعلى ذلك تأوله كافة المفسرين فيما حكى القاضي عبدالوهاب قال ابن عطية وقال مالك وجميع أصحابه والشعبي والزهري والضحاك وجماعة من العلماء المراد بقوله مثل ذلك أن لا تضار وأما الرزق والكسوة فلا يجب شيء منه وحكى ابن القاسم عن مالك مثل ما قدمنا عنه في تفسير هذه الآية ودعوى النسخ ولا يخفى عليك ضعف ما ذهبت اليه هذه الطائفة فإن ما خصصوا به معنى قوله ) وعلى الوارث مثل ذلك ( من ذلك المعنى أي عدم الإضرار بالمرضعة قد افاده قوله ) لا تضار والدة بولدها ( لصدق ذلك على كل مضارة ترد عليها من المولود له أو غيره وأما قول القرطبي لو أراد الجميع لقال مثل هؤلاء فلا يخفى ما فيه من الضعف البين فإن اسم الاشارة يصلح للمتعدد كما يصلح للواحد بتأويل المذكور أو نحوه وأما ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن المراد بالوارث وارث الصبي فيقال عليه إن لم يكن وارثا حقيقة مع وجود الصبي حيا بل هو وارث مجازا باعتبار ما يئول إليه وأما ما ذهب إليه أهل القول الثاني فهو وإن كان فيه حمل الوارث على معناه الحقيقي لكن في إيجاب النفقة عليه مع غنى الصبي ما فيه ولهذا قيده القائل به بأن يكون الصبي فقيرا ووجه الاختلاف في تفسير الوارث ما تقدم من ذكر الوالدات والمولود له والولد فاحتمل أن يضاف الوارث إلى كل منهم قوله ) فإن أرادا فصالا ( الضمير للوالدين والفصال الفطام عن الرضاع أي التفريق بين الصبي والثدي ومنه سمي الفصيل لأنه مفصول عن أمه وقوله ) عن تراض منهما ( أي صادرا عن تراض من الأبوين إذا كان الفصال قبل الحولين ) فلا جناح عليهما ( في ذلك الفصال سبحانه لما بين أن مدة الرضاع حولين كاملين قيد ذلك بقوله ) لمن أراد أن يتم الرضاعة ( وظاهره أن الأب وحده إذا أراد أن يفصل الصبي قبل الحولين كان ذلك جائزا له وهنا اعتبر سبحانه تراضى الأبوين وتشاورهما فلا بد من الجمع بين الامرين بأن يقال إن الإرادة المذكورة في قوله ) لمن أراد أن يتم الرضاعة ( لابد أن تكون منهما أو يقال إن تلك الإرادة إذا لم يكن الأبوان للصبي حيين بأن كان الموجود أحدها أو كانت المرضعة للصبي ظئرا غير أمه والتشاور استخراج الرأي يقال شرت العسل استخرجته وشرت الدابة أجريتها لاستخراج جريها فلا بد لأحد الأبوين إذا أراد فصال الرضيع أن يراضى الآخر ويشاوره حتى يحصل الاتفاق بينهما على ذلك قوله ) وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم ( قال الزجاج التقدير أن تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة وعن سبيويه أنه حذف اللام لأنه يتعدى إلى مفعولين والمفعول الأول محذوف والمعنى أن تسترضعوا المراضع أولادكم ) إذا سلمتم ما آتيتم ( بالمد أي أعطيتم وهي قراءة الجماعة إلا ابن كثير فإنه قرأ بالقصر أي فعلتم ومنه قول زهير وما كان من خير أتوه فإنما
توارثه آباء آبائهم قبل


"""""" صفحة رقم 247 """"""
والمعنى أنه لا بأس عليكم أن تسترضعوا أولادكم غير أمهاتهم إذا سلمتم إلى الأمهات أجرهن بحساب ما قد أرضعن لكم إلى وقت إرادة الاسترضاع قاله سفيان الثوري ومجاهد وقال قتادة والزهري إن معنى الآية إذا سلمتم ما آتيتم من إرادة الاسترضاع أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي وكان ذلك عن اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر وعلى هذا فيكون قوله ) سلمتم ( عاما للرجال والنساء تغليبا وعلى القول الأول الخطاب للرجال فقط وقيل المعنى إذا سلمتم لمن أردتم استرضاعها أجرها فيكون المعنى إذا سلمتم ما أردتم إيتاءه أي إعطاءه إلى المرضعات بالمعروف أي بما يتعارفه الناس من أجر المرضعات من دون مماطلة لهن أو حط بعض ما هو لهن من ذلك فان عدم توفير أجرهن يبعثهن على التساهل بأمر الصبي والتفريط في شأنه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله ) والوالدات يرضعن أولادهن ( قال المطلقات ) حولين ( قال سنتين ) لا تضار والدة بولدها ( يقول لا تأتي أن ترضعه ضرارا لتشق على أبيه ) ولا مولود له بولده ( يقول ولا يضار الوالد بولده فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك ) وعلى الوارث ( قال يعني الولي من كان ) مثل ذلك ( قال النفقة بالمعروف وكفالته ورضاعه إن لم يكن للمولود مال وأن لا تضار امه ) فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور ( قال غير مسيئين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيهما فلا جناح عليهما ) وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم ( قال خيفة الضيعة على الصبي ) فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف ( قال حساب ما أرضع به الصبي وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في تفسير هذه الآية أنه قال المراد بقوله ) والوالدات يرضعن أولادهن ( هي في الرجل يطلق امرأته وله منها الولد وقال في قوله ) إذا سلمتم ما آتيتم ( قال ما أعطيتم الظئر من فضل على أجرها وأخرج أبو داود في ناسخه عن زيد بن أسلم في قوله ) والوالدات يرضعن أولادهن ( قال إنها المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في التي تضع لستة أشهر أنها ترضع حولين كاملين وإذا وضعت لسبعة أشهر ارضعت ثلاثة وعشرين شهرا لتمام ثلاثين شهرا وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا ثم تلا ) وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ( وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ( قال على قدر الميسرة وأخرج أبو داود في ناسخة وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله ) لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ( ليس لها أن تلقي ولدها عليه ولا يجد من يرضعه وليس له أن يضارها فينتزع منها ولدها وهي تحب أن ترضعه ) وعلى الوارث ( قال هو ولي الميت وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء وإبراهيم والشعبي في قوله ) وعلى الوارث ( قال هو وارث الصبي ينفق عليه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة نحوه وزاد إذا كان المولود لا مال له مثل الذي على والده من أجر الرضاع وأخرج عبد بن حميد عن الحسن نحوه وأخرج عبدالرزاق وعبد ابن حميد عن ابن سيرين نحوه أيضا واخرج ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب في قوله ) وعلى الوارث مثل ذلك ( قال هو الصبي وأخرج وكيع عن عبدالله بن مغفل نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) وعلى الوارث مثل ذلك ( قال لا يضار وأخرج ابن جرير عن الضحاك ) فإن أرادا فصالا ( قال الفطان وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال التشاور فيما دون الحولين ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى وأخرجوا أيضا عن عطاء في قوله تعالى ) وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم (


"""""" صفحة رقم 248 """"""
قال أمه أو غيرها ) فلا جناح عليكم إذا سلمتم ( قال إذا سلمت لها أجرها ) ما آتيتم ( ما أعطيتم
البقرة 234
البقرة : ( 234 ) والذين يتوفون منكم . . . . .
لما ذكر سبحانه عدة الطلاق واتصل بذكر ذكر الإرضاع عقب ذلك بذكر عدة الوفاة لئلا يتوهم أن عدة الوفاة مثل عدة الطلاق قال الزجاج ومعنى الآية والرجال الذين يتوفون منكم ويذون أزواجا أي ولهم زوجات فالزوجات يتربصن وقال أبو علي الفارسي تقديره والذي يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بعدهم وهو كقولك السمن منوان بدرهم أي منه وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون وقيل التقدير وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن ذكره صاحب الكشاف وفيه أن قوله ) ويذرون أزواجا ( لا يلائم ذلك التقدير لأن الظاهر من النكرة المعادة المغايرة وقال بعض النحاة من الكوفيين إن الخبر عن الذين متروك والقصد الإخبار عن أزواجهم بأنهن يتربصن ووجه الحكمة في جعل العدة للوفاة هذا المقدار أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر والأثنى لأربعة فزاد الله سبحانه على ذلك عشرا لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلا ولا تتأخر عن هذا الأجل وظاهر هذه الآية العموم وأن كل من مات عنها زوجها تكون عدتها هذه العدة ولكنه قد خصص هذا العموم قوله تعالى ) وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ( وإلى هذا ذهب الجمهور وروى عن بعض الصحابة وجماعة من أهل العلم أن الحامل تعتد بآخر الأجلين جمعا بين العام والخاص وإعمالا لهما والحق ما قاله الجمهور والجمع بين العام والخاص على هذه الصفة لا يناسب قوانين اللغة ولا قواعد الشرع ولا معنى لإخراج الخاص من بين أفراد العام إلا بيان أن حكمه مغاير لحكم العام ومخالف له وقد صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه أذن لسبيعة الأسلمية أن تتزوج بعد الوضع والتربص الثاني والتصبر عن النكاح وظاهر الآية عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة والحرة والأمة وذات الحيض والآيسة وأن عدتهن جميعا للوفاة أربعة أشهر وعشر وقيل إن عدة الأمة نصف عدة الحرة شهران وخمسة أيام قال ابن العربي إجماعا إلا ما يحكى عن الأصم فإنه سوى بين الحرة والامة وقال الباجي ولا نعلم في ذلك خلافا إلا ما يروي عن ابن سيرين أنه قال عدتها عدة الحرة وليس بالثابت عنه ووجه ما ذهب إليه الأصم وابن سيرين ما في هذه الآية من العموم ووجه ما ذهب إليه من عداهما قياس عدة الوفاة على الحد فإنه ينصف للأمة بقوله سبحانه ) فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( وقد تقدم حديث ( طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ) وهو صالح للاحتجاج به وليس المراد منه إلا جعل طلاقها على النصف من طلاق الحرة وعدتها على النصف من عدتها ولكنه لما لم يمكن أن يقال طلاقها تطليقة ونصف وعدتها حيضة ونصف لكون ذلك لا يعقل كانت عدتها وطلاقها ذلك القدر المذكور في الحديث جبرا للكسر ولكن ها هنا أمر يمنع من هذا القياس الذي عمل به الجمهور وهو أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر


"""""" صفحة رقم 249 """"""
وعشرا هو ما قدمنا من معرفة خلوها من الحمل ولا يعرف إلا بتلك المدة ولا فرق بين الحرة والأمة في مثل ذلك بخلاف كون عدتها في غير الوفاة حيضتين فإن ذلك يعرف به خلو الرحم ويؤيد عدم الفرق ما سيأتي في عدة أم الولد واختلف أهل العلم في عدة أم الولد لموت سيدها فقال سعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين والزهري وعمر بن عبدالعزيز والأوزاعي وإسحاق وابن راهويه وأحمد بن حنبل في رواية عنه أنها تعتد بأربعة أشهر وعشر لحديث عمرو بن العاص قال لا تلبسوا علينا سنة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ( عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر ) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه وضعفه أحمد وأبو عبيد وقال الدارقطني الصواب أنه موقوف وقال طاوس وقتادة عدتها شهران وخمس ليال وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح تعتد بثلاث حيض وهو قول علي وابن مسعود وعطاء وإبراهيم النخعي وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه عدتها حيضة وغير الحائض شهر وبه يقول ابن عمر والشعبي ومكحول والليث وأبو عبيد وأبو ثور والجمهور قوله ) فإذا بلغن أجلهن ( المراد بالبلوغ هنا انقضاء العدة ) فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن ( من التزين والتعرض للخطاب ) بالمعروف ( الذي لا يخالف شرعا ولا عادة مستحسنة وقد استدل بذلك على وجوب الإحداد على المعتدة عدة الوفاة وقد ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من غير وجه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا يحل لامراة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج اربعة أشهر وعشرا ) وكذلك ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيحين وغيرهما النهي عن الكحل لمن هي في عدة الوفاة والإحداد ترك الزينة من الطيب ولبس الثياب الجيدة والحلي وغير ذلك ولا خلاف في وجوب ذلك في عدة الوفاة ولا خلاف في عدم وجوبه في عدة الرجعية واختلفوا في عدة البائنة على قولين ومحل ذلك كتب الفروع
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) والذين يتوفون منكم ( قال كان الرجل إذا مات وترك إمرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ثم أنزل الله ) والذين يتوفون منكم ( الآية فهذه عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها وقال في ميراثها ) ولهن الربع مما تركتم ( فبين ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة ) فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم ( يقول إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها فإذا انقضت عدتها فلا جناج عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج فذلك المعروف وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي العالية قال ضمت هذه الأيام العشر إلى الأربعة أشهر لأن في العشر ينفخ فيه الروح وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) فإذا بلغن أجلهن ( يقول إذا انقضت عدتها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله ) فلا جناح عليكم ( يعني أولياءها وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أنه كره للمتوفى عنها زوجها الطيب والزينة وأخرج مالك وعبدالرزاق وأهل السنن وصححه الترمذي والحاكم عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أنها جاءت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تسال أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب أعبد لها أبقوا حتى إذا تطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت فسألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نعم فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد فدعاني أو أمر البيهقي فدعيت فقال كيف قلت قالت


"""""" صفحة رقم 250 """"""
فرددت إليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت قلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به
البقرة 235
البقرة : ( 235 ) ولا جناح عليكم . . . . .
الجناح الإثم أي لا إثم عليكم والتعريض ضد التصريح وهو من عرض الشيء أي جانبه كأنه يحوم به حول الشيء و لا يظهره وقيل هو من قولك عرضت الرجل أي أهديت له ومنه أن ركبا من المسلمين عرضوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبا بكر ثيابا بيضا أي أهدوا لهما فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاما يفهم معناه وقال في الكشاف الفرق بين الكناية والتعريض أن الكناية أن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له والتعريض أن يذكر شيئا يدل به على شيء لم يذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك ولأنظرالى وجهك الكريم ولذلك قالوا وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده انتهى والخطبة بالكسر ما يفعله الطالب من الطلب والإستلطاف بالقول والفعل يقال خطبها يخطبها خطبة وخطبا وأما الخطبة بضم الخاء فهي الكلام الذي يقوم به الرجل خطابا وقوله ) أكننتم ( معناه سترتم وأضمرتم من التزويج بعد إنقضاء العدة والإكنان التستر والإخفاء يقال أكننته وكننته بمعنى واحد ومنه بيض مكنون ودر مكنون ومنه أيضا أكن البيت صاحبه أي ستره و وقوله ) علم الله أنكم ستذكرونهن ( أي علم إله أنكم لا تصبرون عن النطق لهن برغبتكم فيهن فرخص لكم في التعريض دون التصريح وقال في الكشاف إن فيه طرفا من التوبيخ كقوله ) علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ( وقوله ) ولكن لا تواعدوهن سرا ( معناه على سر فحذف الحرف لأن الفعل لا يتعدى إلى المفعولين وقد اختلف العلماء في معنى السر فقيل معناه نكاحا أي لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني بل يعرض تعريضا وقد ذهب إلى أن معنى الآية هذا جمهور العلماء وقيل السر الزنا أي لا يكن منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزويج بعدها قاله جابر بن زيد وأبو مجلز والحسن وقتادة والضحاك والنخعي واختاره ابن جرير الطبري ومنه قول الحطيئة
ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع
وقيل السر الجماع أي لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع ترغيبا لهن في النكاح وإلى هذا ذهب الشافعي في معنى الآية ومنه قول امرئ القيس
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
ومثله قول الأعشى
فلن تطلبوا سرها للغنى ولن تسلموها لأزهادها


"""""" صفحة رقم 251 """"""
أراد تطلبون نكاحها لكثرة مالها ولن تسلموها لقلة مالها والاستدراك بقوله ) لكن ( من مقدر محذوف دل عليه ) ستذكرونهن ( أي فاذكروهن ) ولكن لا تواعدوهن سرا ( قال ابن عطية أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز وقال أيضا أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها وللأب في ابنته البكر وللسيد في أمته قوله ) إلا أن تقولوا قولا معروفا ( قيل هو استثناء منقطع بمعنى لكن والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض ومنع صاحب الكشاف أن يكون منقطعا وقال هو مستثنى من قوله ) لا تواعدوهن ( أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة فجعله على هذا استثناء مفرغا ووجه منع كونه منقطعا أنه يؤدي إلى جعل التعريض موعودا وليس كذلك لأن التعريض طريق المواعدة لا أنه الموعود في نفسه قوله ) ولا تعزموا عقدة النكاح ( قد تقدم الكلام في معنى العزم يقال عزم الشيء وعزم عليه والمعنى هنا لا تعزموا على عقدة النكاح ثم حذف على قال سيبويه والحذف في هذه الآية لا يقاس عليه وقال النحاس يجوز أن يكون المعنى ولا تعقدوا عقدة النكاح لأن معنى تعزموا وتعقدوا واحد وقيل إن العزم على الفعل يتقدمه فيكون في هذا النهي مبالغة لأنه إذا نهى عن المتقدم على الشيء كان النهي عن ذلك الشيء بالأولى قوله ) حتى يبلغ الكتاب أجله ( يريد حتى تنقضي العدة والكتاب هنا هو الحد والقدر الذي رسم من المدة سماه كتابا لكونه محدودا ومفروضا كقوله تعالى ) إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( وهذا الحكم أعني تحريم عقد النكاح في العدة مجمع عليه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ( قال التعريض أن تقول إني أريد التزويج وإني لأحب المرأة من أمرها وأمرها وإن من شأني النساء ولوددت أن الله يسر لي إمرأة صالحة وأخرج ابن جرير عنه أنه يقول لها إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك ونحو هذا من الكلام وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال يقول إني فيك لراغب ولوددت أني تزوجتك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) أو أكننتم ( قال أسررتم وأخرج عبدالرزاق عن الضحاك مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) علم الله أنكم ستذكرونهن ( قال بالخطيئة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد قال ذكره إياها في نفسه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولكن لا تواعدوهن سرا ( قال يقول لها إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجي غيري ونحو هذا ) إلا أن تقولوا قولا معروفا ( وهو قوله إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك وأخرج ابن جرير عنه في السر أنه الزنا كان الرجل يدخل من أجل الزنا وهو يعرض بالنكاح وأخرج عبدالرزاق وابن المنذر عنه في قوله ) إلا أن تقولوا قولا معروفا ( قال يقول إنك لجميلة وإنك إلي خير وإن النساء من حاجتي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولا تعزموا عقدة النكاح ( قال لا تنكحوا ) حتى يبلغ الكتاب أجله ( قال حتى تنقضي العدة
البقرة 236 237


"""""" صفحة رقم 252 """"""
البقرة : ( 236 ) لا جناح عليكم . . . . .
المراد بالجناح هنا التبعة من المهر ونحوه فرفعه رفع لذلك أي لا تبعة عليكم بالمهر ونحوه إن طلقتم النساء على الصفة المذكورة و ( ما ) في قوله ) ما لم تمسوهن ( هي مصدرية ظرفية بتقدير المضاف أي مدة عدم مسيسكم ونقل أبو البقاء أنها شرطية من باب اعتراض الشرط على الشرط ليكون الثاني قيدا للأول كما في قولك إن تأتني أن تحسن إلي أكرمك أي إن تأتني محسنا إلي والمعنى إن طلقتموهن غير ماسين لهن وقيل إنها موصولة أي إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن وهكذا اختلفوا في قوله ) أو تفرضوا ( فقيل أو بمعنى إلا أي إلا أن تفرضوا وقيل بمعنى حتى أي حتى تفرضوا وقيل بمعنى الواو أي وتفرضوا ولست أرى لهذا التطويل وجها ومعنى الآية اوضح من أن يلتبس فإن الله سبحانه رفع الجناح عن المطلقين ما لم يقع أحد الأمرين أي مدة انتفاء ذلك الأحد ولا ينتفي الأحد المبهم إلا بإنتفاء الأمرين معا فإن وجد المسيس وجب المسمى أو مهر المثل وإن وجد الفرض وجب نصفه مع عدم المسيس وكل واحد منها جناح أي المسمى أو نصفه أو مهر المثل واعلم أن المطلقات أربع مطلقة مدخول بها مفروض لها وهي التي تقدم ذكرها قبل هذه الآية وفيها نهى الأزواج عن أن يأخذوا مما آتوهن شيئا وأن عدتهن ثلاثة قروء ومطلقة غير مفروض لها ولا مدخول بها وهي المذكورة هنا فلا مهر لها بل المتعة وبين في سورة الأحزاب أن غير المدخول بها إذا طلقت فلا عدة عليها ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها وهي المذكورة بقوله سبحانه هنا ) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ( ومطلقة مدخول بها غير مفرض لها وهي المذكورة في قوله تعالى ) فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ( والمراد بقوله ) ما لم تمسوهن ( ما لم تجامعوهن وقرأ ابن مسعود ( من قبل أن تجامعوهن أخرجه عنه ابن جرير وقرأ نافع وابن الكثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ) ما لم تمسوهن ( وقرأه حمزة والكسائي ) تمسوهن ( من المفاعلة والمراد بالفريضة هنا تسمية المهر قوله ) ومتعوهن ( أي أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن وظاهر الأمر الوجوب وبه قال علي وابن عمر والحسن البصري وسعيد بن جبير وابو قلابة والزهري وقتادة والضحاك ومن أدلة الوجوب قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ( وقال مالك وأبو عبيد والقاضي شريح وغيرهم إن المتعة للمطلقة المذكورة مندوبة لا واجبة لقوله تعالى ) حقا على المحسنين ( ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين ويجاب عنه بأن ذلك لا ينافي لوجوب بل هو تأكيد له كما في قوله في الآية الأخرى ) حقا على المتقين ( أي أن الوفاء بذلك والقيام به شأن أهل التقوى وكل مسلم يجب عليه أن يتقي الله سبحانه وقد وقع الخلاف أيضا هل المتعة مشروعة لغير هذه المطلقة قبل المسيس والفرض أم ليست بمشروعة إلا لها فقط فقيل إنها مشروعة لكل مطلقة واليه ذهب ابن عباس وابن عمر وعطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وأبو العالية والحسن البصري والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق ولكنهم اختلفوا هل هي واجبة في غير المطلقة قبل البناء والفرض أم مندوبة فقط واستدلوا بقوله تعالى ) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( وبقوله


"""""" صفحة رقم 253 """"""
تعالى ) يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ( والآية الأولى عامة لكل مطلقة والثانية في أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد كن مفروضا لهن مدخولا بهن وقال سعيد بن المسيب إنها تجب للمطلقة إذا طلقت قبل المسيس وإن كانت مفروضا لها لقوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن ( قال هذه الآية التي في الأحزاب نسخت التي في البقرة وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المتعة مختصة بالمطلقة قبل البناء والتسمية لأن المدخول بها تستحق جميع المسمى أو مهر المثل وغير المدخولة التي قد فرض لها زوجها فريضة أي سمى لها مهرا وطلقها قبل الدخول تستحق نصف المسمى ومن القائلين بهذا ابن عمر ومجاهد وقد وقع الإجما على أن المطلقة قبل الدخول والفرض لا تستحق إلا المتعة إذا كانت حرة وأما إذا كانت أمة فذهب الجمهور إلى أن لها المتعة وقال الأوزاعي والثوري لا متعة لها لأنها تكون لسيدها وهو لا يستحق مالا في مقابل تأذى مملوكته لأن الله سبحانه إنما شرع المتعة للمطلقة قبل الدخول والفرض لكونها تتأذى بالطلاق قبل ذلك وقد اختلفوا في المتعة المشروعة هل هي مقدرة بقدر أم لا فقال مالك والشافعي في الجديد لا حد لها معروف بل ما يقع عليه اسم المتعة وقال أبو حنيفة إنه إذا تنازع الزوجان في قدر المتعة وجب لها نصف مهر مثلها ولا ينقص من خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة دراهم وللسلف فيها أقوال سيأتي ذكرها إن شاء الله وقوله ) على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ( يدل على أن الإعتبار في ذلك بحال الزوج فالمتعة من الغني فوق المتعة من الفقير وقرأ الجمهور على الموسع بسكون الواو وكسر السين وهو الذي اتسعت حاله وقرأ أبو حيوة بفتح الواو وتشديد السين وفتحها وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر قدره بسكون الدال فيهما وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص بفتج الدال فيهما قال الأخفش وغيره هما لغتان فصيحتان وهكذا يقرأ في قوله تعالى ) فسالت أودية بقدرها ( وقوله ) وما قدروا الله حق قدره ( والمقتر المقل ومتاعا مصدر مؤكد لقوله ) ومتعوهن ( والمعروف ما عرف في الشرع والعادة الموافقة له وقوله ) حقا ( وصف لقوله ) متاعا ( أو مصدر لفعل محذوف أي حق ذلك حقا يقال حققت عليه القضاء وأحققت أي أوجبت
البقرة : ( 237 ) وإن طلقتموهن من . . . . .
قوله ) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ( الآية فيه دليل على أن المتعة لا تجب لهذه المطلقة لوقوعها في مقابلة المطلقة قبل البناء والفرض التي تستحق المتعة وقوله ) فنصف ما فرضتم ( أي فالواجب عليكم نصف ما سميتم لهن من المهر وهذا مجمع عليه وقرأ الجمهور ) فنصف ( بالرفع وقرأ من عدا الجمهور بالنصب أبي فادفعوا نصف ما فرضتم وقرئ أيضا بضم النون وكسرها وهما لغتان وقد وقع الاتفاق أيضا على أن المرأة التي يدخل بها زوجها ومات وقد فرض لها مهرا تستحقه كاملا بالموت ولها الميراث وعليها العدة واختلفوا في الخلوة هل تقوم مقام الدخول وتستحق المرأة بها كمال المهر كما تستحقه بالدخول أم لا فذهب إلى الأول مالك والشافعي في القديم والكوفيون والخلفاء الراشدون وجمهور أهل العلم وتجب عندهم أيضا العدة وقال الشافعي في الجديد لا يجب إلا نصف المهر وهو ظاهر الآية لما تقدم من أن المسيس هو الجماع ولا تجب عنده العدة وإليه ذهب جماعة من السلف قوله ) إلا أن يعفون ( أي المطلقات ومعناه يتركن ويصفحن ووزنه يفعلن وهو استثناء مفرغ من أعم العام وقيل منقطع ومعناه يتركن النصف الذي يجب لهن على الأزواج ولم تسقط النون مع إن لأن جمع المؤنث في المضارع على حالة واحدة في الرفع والنصب والجزم لكون النون ضميرا وليست بعلامة إعراب كما في قولك الرجال يعفون وهذا عليه جمهور المفسرين وروى عن محمد بن كعب القرظي أنه قال


"""""" صفحة رقم 254 """"""
) إلا أن يعفون ( يعني الرجال وهو ضعيف لفظا ومعنى قوله ) أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( معطوف على محل قوله ) إلا أن يعفون ( لأن الأول مبني وهذا معرب وقيل هو الزوج وبه قال جبير بن مطعم وسعيد بن المسيب وشريح وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وعكرمة ونافع وابن سيرين والضحاك ومحمد بن كعب القرظي وجابر بن زيد وأبو مجلز والربيع بن أنس وإياس بن معاوية ومكحول ومقاتل بن حيان وهو الجديد من قولي الشافعي وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن شبرمة والأوزاعي ورجحه ابن جرير وفي هذا القول قوة وضعف أما قوته فلكون الذي بيده عقدة النكاح حقيقة هو الزوج لأنه هو الذي إليه رفعه بالطلاق وأما ضعفه فلكون العفو منه غير معقول وما قالوا به من أن المراد بعفوه أن يعطيها المهر كاملا غير ظاهر لأن العفو لا يطلق على الزيادة وقيل المراج بقوله ) أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( هو الولي وبه قال النخعي وعلقمة والحسن وطاوس وعطاء وأبو الزناد وزيد بن أسلم وربيعة والزهري والأسود بن يزيد والشعبي وقتادة ومالك والشافعي في قوله القديم وفيه قوة وضعف أما قوته فلكون معنى العفو فيه معقولا وأما ضعفه فلكون عقدة النكاح بيد الزوج لا بيده ومما يزيد هذا القول ضعفا أنه ليس للولي أن يعفو عن الزوج مما لا يملكه وقد حكى القرطبي الإجماع على أن الولي لا يملك شيا من مالها والمهر مالها فالراجح ما قاله الأولون لوجهين الأول أن الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح حقيقة الثاني أن عفوه بإكمال المهر هو صادر عن المالك مطلق التصرف بخلاف الولي وتسمية الزيادة عفوا وإن كان خلاف الظاهر لكن لما كان الغالب أنهم يسوقون المهر كاملا عند العقد كان العفو معقولا لأنه تركه لها ولم يسترجع النصف منه ولا يحتاج في هذا إلى أن يقال إنه من باب المشاكلة كما في الكشاف لأنه عفو حقيقي أي ترك لما يستحق المطالبة به إلا أن يقال إنه مشاكلة أو يطيب في توفية المهر قبل أن يسوقه الزوج قوله ) وأن تعفوا أقرب للتقوى ( قيل هو خطاب للرجال والنساء تغليبا وقرأه الجمهور بالتاء الفوقية وقرأ أبو نهيك والشعبي بالياء التحتية فيكون الخطاب مع الرجال وفي هذا دليل على ما رجحناه من أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج لأن عفو الولي عن شيء لا يملكه ليس هو أقرب إلى التقوى بل أقرب إلى الظلم والجور قوله ) ولا تنسوا الفضل بينكم ( قرأه الجمهور بضم الواو وقرأ يحيى بن معمر بكسرها وقرأ علي ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة ) تنسوا ( والمعنى أن الزوجين لا ينسيان التفضل من كل واحد منهما على الآخر ومن جملة ذلك أن تتفضل المرأة بالعفو عن النصف ويتفضل الرجل عليها بإكمال المهر وهو إرشاد للرحال والنساء من الأزواج إلى ترك التقصي على بعضهم بعضا والمسامحة فيما يستغرقه أحدهما على الآخر للوصلة التي وقعت سهما من إفضاء البعض إلى البعض وهي وصلة لا يشبهها وصلة فمن رعاية حقها ومعرفتها حق معرفتها الحرص منهما على التسامح وقوله ) إن الله بما تعملون بصير ( فيه من ترغيب المحسن وترهيب غيره ما لا يخفى
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ( قال المس النكاح والفريضة الصداق ) متعوهن ( قال هو على الرجل يتزوج المرأة ولم يسم لها صداق ثم يطلقها قبل أن يدخل بها فأمره الله أن يمتعها على قدر عسره ويسره فإن كان موسرا متعها بخادم وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال متعة الطلاق أعلاها الخادم ودون ذلك الورق ودون ذلك الكسوة وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن ابن عمر قال أدنى ما يكون من المتعة ثلاثون درهما وروى القرطبي في تفسيره عن الحسن بن علي أنه


"""""" صفحة رقم 255 """"""
متع بعشرين ألفا ورقاق من عسل وعن شريح أنه متع بخمسمائة درهم وأخرج الدارقطني عن الحسن بن على أنه متع بعشرة آلاف وأخرج عبدالرزاق عن ابن سيرين أنه كان يمتع بالخادم والنفقة أو بالكسوة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) من قبل أن تمسوهن ( قال المس الجماع فلها نصف صداقها وليس لها أكثر من ذلك إلا أن يعفون وهي المرأة الثيب والبكر يزوجها غير أبيها فجعل الله العفو لهن إن شئن عفون بتركهن وإن شئن أخذن نصف الصداق ) أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( وهو أبو الجارية البكر جعل العفو إليه ليس لها معه أمر إذا طلقت ما كانت في حجره وأخرج الشافعي وسيعد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله يقول ) وإن طلقتموهن ( الآية وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال لها نصف الصداق وإن جلس بين رجليها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( الذي بيده عقدة النكاح الزوج ) وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن علي من قوله وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال هو أبوها وأخوها ومن لا تنكح إلا بإذنه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ولا تنسوا الفضل بينكم ( قال في هذا أو غيره وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه البيهقي أن قوما أتوا ابن مسعود فقالوا إن رجلا تزوج منا إمرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يجمعها إليه حتى مات فقال أرى أن أجعل لها صداقا كصداق نسائها لاوكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشر فسمع بذلك ناس من أشجع منهم مغفل بن سنان فقالوا نشهد أنك قضيت مثل الذي قضى به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في إمرأة منا يقال لها يروع بنت واشق وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن علي أنه قال في المتوفى عنها زوجها ولم يفرض لها صداقا لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها وقال لا يقبل قول أعرابي من أشجع على كتاب الله وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس قال في المرأة التي يموت عنها زوجها وقد فرض لها صداقا لها الصداق والميراث وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر بن الخطاب أنه قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنه إذا ارخيت الستور فقد وجب الصداق وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر وعلي قال إذا ارخى سترا وأغلق بابا فلها الصداق كاملا وعليها العدة وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون أنه من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب الصداق والعدة وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن ثابت نحوه وأخرج البيهقي عن محمد بن ثوبان أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من كشف إمرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق
البقرة 238 239
البقرة : ( 238 ) حافظوا على الصلوات . . . . .
المحافظة على الشيء المداومة والمواظبة عليه والوسطى تأنيث الأوسط وأوسط الشيء ووسطه خياره ومنه قوله تعالى ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( ومنه قول بعض العرب يمدح النبي ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 256 """"""
يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم
وأكرم الناس أما برة أبا
ووسط فلان القوم يسطهم أي صار في وسطهم وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر بعد دخولها في عموم الصلوات تشريفا لها وقرأ أبو جعفر ( والصلاة الوسطى ) بالنصب على الاغراء وكذلك قرأ الحلواني وقرأ قالون عن نافع الوصطى بالصاد لمجاورة الطاء وهما لغتان كالسراط والصراط وقد اختلف أهل العلم في تعيينها على ثمانية عشر قولا أوردتها في شرحى للمنتقي وذكرت ما تمسكت به كل طائفة وأرجح الأقوال وأصحها ما ذهب إليه الجمهور من أنها العصر لما ثبت عند البخاري وأهل السنن وغيرهم من حديث علي قال كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول يوم الأحزاب ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا ) وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث ابن مسعود مرفوعا مثله وأخرجه أيضا ابن جرير وابن المنذر والطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا وأخرجه البزار بإسناد صحيح من حديث جابر مرفوعا وأخرجه أيضا البزار بإسناد صحيح من حديث حذيفة مرفوعا أخرجه الطبراني بإسناد ضعيف من حديث أم سلمة مرفوعا وورد في تعيين انها العصر من غير ذكر يوم الآحزاب أحاديث مرفوعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منها عن ابن عمر عند ابن منده ومنها عن سمرة عند أحمد وابن جرير والطبراني ومنها عنه أيضا عند ابن شيية وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه ابن جرير والطبراني و البيهقي وعن أبي هريرة عند ابن جرير والبيهقي والطحاوي وأجرجه عنه أيضا ابن سعيد والبزار وابن جرير و الطبراني وعن ابن عباس عند البزار بأسانيد صحيحة وعن أبي مالك الأشعري عند ابن جرير والطبراني فهذه أحاديث مرفوعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مصرحة بأنها العصر وقد روى عنه الصحابة في تعيين انها العصر آثار كبيرة وفي الثابت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما لايحتاج معه إلى غيره وأما روى عن على وابن عباس أنهما قالا انها صلاة الصبح كما أخرجه مالك في المؤطأ عنهما وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس وكذلك أخرجه عنه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وكذلك أخرجه ابن جرير وابن حاتم عن ابن عمر كذلك أخرجه ابن جرير عن جابر وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة وكل ذلك من أقوالهم وليس فيها شئ من المرفوع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا تقوم بمثل ذلك حجة لاسيما إذا عارض ما قد ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ثبوتا يمكن ان يدعى فيه التواتر وإذا لم تقم الحجة بأقوال الصحابة لم تقم بأقوال من بعدهم من التابعين وتابعهم بالأولى وهكذا لا تقوم الحجة بما أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس انه قال صلاة الوسطى المغرب هكذا لا اعتبار بما ورد من قول جماعة من الصحابة انها الظهر أو غيرها من الصلوات ولكن المحتاج إلى امعان نظر وفكر ما ورد مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مما فيه دلالة على أنها الظهر كما أخرجه ابن جرير عن زيد بن ثابت مرفوعا ( إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر ) ولا يصح رفعه بل المروى عن زيد بن ثابت ذلك من قوله واستدل على ذلك بأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلى بالهاجرة وكانت أثقل الصلاة على أصحابه وأين يقع هذا الاستدلال من تلك الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهكذا الإعتبار بما روى عن ابن عمر من قوله إنها الظهر وكذلك ما روى عن عائشة وأبي سعيد الخدري وغيرهم فلا حجة في قول أحد مع قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأما ما رواه عبد الرزاق وابن جرير وغيرهما ان حفصة قالت لأبي رافع مولاها وقد أمرته ان يكتب لها مصحفا إذا أتيت على هذه الآية ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فتعال حتى أمليها عليك فلما بلغ ذلك أمرته ان يكتب حافظوا على الصلوات والصلاة


"""""" صفحة رقم 257 """"""
الوسطى وصلاة العصر ) وأخرجه أيضا عنها مالك وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في سننه وزادوا وقالت أشهد اني سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج مالك وأحمد و عبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي يونس مولى عائشة انها امرته ان يكتب لها مصحفا وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) قال فلما بلغتها آدنتها فاملت على ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) قالت عائشة سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أم سلمة انها أمرت من يكتب لها مصحفا وقالت له كما قالت حفصة وعائشة فغاية ما في هذه الروايات عن أمهات المؤمنين الثلاث رضي الله عنهن أنهن يروين هذا الحرف هكذا عن رسول الله صلى الله علي وآله وسلم وليس فيه ما يدل على تعيين الصلاة الوسطى انها الظهر أو غيرها بل غاية ما تدل عليه عطف صلاة العصر على صلاة الوسطى انها غيرها لأن المعطوف غير المعطوف عليه وهذا الآستدلال لا يعارض ما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ثبوتا لا يدفع انها العصر كما قدمنا بيانه فالحصل ان هذه القراءة التي نقلتها أمهات المؤمنين الثلاث بإثبات قوله ( وصلاة العصر ) معارضة بما أخرجه ابن جرير عن عروة قال كان في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ) وأخرج وكيع عن حميدة قالت قرأت في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) وأخرج ابن أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب مثله وأخرجه سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبي مريم ان عائشة أمرت بمصحف لها ان يكتب وقالت إذا بلغتم ( حافظوا على الصلوات ) فلا تكتبوها حتى تؤذنوني فلما أخبروها أنهم قد بلغوا قالت اكتبوها صلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج ابن جرير والطحاوي والبيهقي عن عمرو بن رافع قال كان مكتوبا في مصحف حفصة ( حفظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ) وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن أبي بن كعب انه كان يقرؤها ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير والطحاوي عن ابن عباس انه كان ليقرؤها ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) وأخرج المحاملي عن السائب بن يزيد انه تلاها كذلك فهذه الروايات تعارض تلك الروايات باعتبار التلاوة ونقل القراءة ويبقى ما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من التعيين صافيا عن شوب كدر المعارضة على انه قد ورد ما يدل على نسخ تلك القراءة التي نقلتها حفصة وعائشة وام سلمة فأخرج عبد بن حميد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن البراء بن عازب قال نزلت حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما شاء الله ثم نسخها الله فأنزل ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فقيل له هي إذن صلاة العصر قال قد حدثتك كيف نزلت وكيف نسخها الله والله أعلم واخرج البيهقي عنه من وجه آخر نحوه وإذا تقرر لك هذا وعرفت ما سقناه تبين لك انه لم يرد ما يعارض ان الصلاة الوسطى صلاة العصر وأما حجج بقية الأقوال فليس فيها شئ مما ينبغي الاشتغال به لأنه لم يثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك شئ وبعض القائلين عول على أمر لا يعول عليه فقال إنها صلاة كذا لأنها وسطى بالنسبة إلى ان قبلها كذا من الصلوات وبعدها كذا من الصلوات وهذا الرأي المحض والتخمين البحت لا ينبغي ان تسند إليه الأحكام الشرعية على فرض عدم وجود ما يعارضه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فكيف مع وجود ما هو في أعلا درجات الصحة والقوة والثبوت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبالله العجب من قوم لم يكتفوا بتقصيرهم في علم السنة وإعراضهم


"""""" صفحة رقم 258 """"""
عن خير العلوم وأنفعها حتى كلفوا أنفسهم التكلم على أحكام الله والتجري على تفسير كتاب الله بغير علم ولا هدى فجاءوا بما يضحك منه تارة تارة ويبكي منه أخرى قوله ) وقوموا لله قانتين ( القنوت قيل هو الطاعة أي قوموا لله في صلاتكم طائعين قاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشافعي وقيل هو الخشوع قاله أبن عمر ومجاهد ومنه قول الشاعر قانتا لله يدعو ربه
وعلى عمد من الناس اعتزل
وقيل هو الدعاء وبه قال ابن عباس وفي الحديث أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وقال قوم إن القنوت طول القيام وقيل معناه ساكتين قاله السدى ويدل عليه حديث زيد ابن أرقم في الصحيحين وغيرهما قال كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية ) وقوموا لله قانتين ( فأمرنا بالسكوت وقيل أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء فكل معنى يناسب الدوام يصح إطلاق القنوت عليه وقد ذكر أهل العلم أن القنوت ثلاثة عشر معنى وقد ذكرنا ذلك في شرح المنتقى والمتعين ها هنا حمل القنوت على السكوت للحديث المذكور
البقرة : ( 239 ) فإن خفتم فرجالا . . . . .
قوله ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( الخوف هو الفزع والرجال جمع رجل أو راجل من قولهم رجل الإنسان يرجل راجلا إذا عدم المركوب ومشى على قدميه فهو رجل وراجل يقول أهل الحجاز مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا حكاه ابن جرير الطبري وغيره لما ذكر الله سبحانه الأمر بالمحافظة على الصلوات ذكر حالة الخوف أنهم يضيعون فيها ما يمكنهم ويدخل تحت طوقهم من المحافظة على الصلاة بفعلها حال الترجل وحال الركوب وابام لهم أن هذه العبادة لازمة في كل الأحوال بحسب الإمكان وقد اختلف أهل العلم في حد الخوف المبيح لذلك والبحث مستوفى في كتب الفروع قوله ) فإذا أمنتم ( أي إذا زال خوفكم فارجعوا إلى ما أمرتم به من إتمام الصلاة مستقبلين القبلة قائمين بجميع شروطها وأركانها وهو قوله ) فاذكروا الله كما علمكم ( وقيل معنى الآية خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة وهو خلاف معنى الآية وقوله ) كما علمكم ( أي مثل ما علمكم من الشرائع ) ما لم تكونوا تعلمون ( والكاف صفة لمصدر محذوف أي ذكرا كائنا كتعليمه إياكم أو مثل تعليمه إياكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا وشبك بين أصابعه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال هي فيهن فحافظوا عليهن وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت أنه سأله رجل عن الصلاة الوسطى فقال حافظ على الصلوات تدركها وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الربيع بن خيثم أن سائلا سأله عن الصلاة الوسطى قال حافظ عليهن فإنك إن فعلت أصبتها إنما هي واحدة منهن وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال سئل شريح عن الصلاة الوسطى فقال حافظوا عليها تصيبوها وقد قدمنا ما روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعن أصحابه رضي الله عنهم في تعيينها وأخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى ) وقوموا لله قانتين ( مثل ما قدمنا عن زيد بن أرقم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد عن محمد بن كعب نحوه أيضا وارج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة نحوه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وقوموا لله قانتين ( قال مصلين وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال كل أهل دين يقومون فيها عاصين قوموا أنتم مطيعين وأخرج


"""""" صفحة رقم 259 """"""
ابن أبي شيبة عن الضحاك مثله وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) وقوموا لله قانتين ( قال من القنوت الركوع والخشوع وطول الركوع يعني طول القيام وغض البصر وخفض الجناح والرهبة لله وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال إن في الصلاة لشغلا وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) وقد اختلفت الأحاديث في القنوت المصطلح عليه هل هو قبل الركوع أو بعده وهل هو في جميع الصلوات أو بعضها وهل هو مختص بالنوازل أم لا والراجح اختصاصه بالنوازل وقد أوضحنا ذلك في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( قال يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه ) فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ( يعني كما علمكم أن يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن جابر بن عبدالله قال إذا كانت المسابقة فليوم برأسه حيث كان وجهه فذلك قوله ) فرجالا أو ركبانا ( وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( قال ركعة ركعة وأخرج وكيع وابن جرير عن مجاهد ) فإذا أمنتم ( قال خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة
البقرة 240 242
البقرة : ( 240 ) والذين يتوفون منكم . . . . .
هذا عود إلى بقية الأحكام المفصلة فيما سلف وقد اختلف السلف ومن تبعهم من المفسرين في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فذهب الجمهور إلى أنها منسوخة بالأربعة الأشهر والعشر كما تقدم وأن الوصية المذكورة فيها منسوخة بما فرض الله لهن من الميراث وحكى ابن جرير عن مجاهد أن هذه الآية محكمة لا نسخ فيها وأن العدة أربعة أشهر وعشر ثم جعل الله لهن وصية منه سكنى سبعة أشهر وعشرين ليلة فإن شاءت المرأة سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وقد حكى ابن عطية والقاضي عياض أن الإجماع منعقد على أن الحول منسوخ وأن عدتها أربعة أشهر وعشر وقد أخرج عن مجاهد ما أخرجه ابن جرير عنه البخاري في صحيحة وقوله ) وصية ( قرأنا نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي بالرفع على أن ذلك مبتدأ لخبر محذوف يقدر مقدما أي عليهم وصية وقيل إن الخبر قوله ) لأزواجهم ( وقيل إنه خبر مبتدأ محذوف أي وصية الذين يتوفون وصية أو حكم الذين يتوفون وصية وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر بالنصب على تقدير فعل محذوف أي فليوصوا وصية أو أوصى الله وصية أو كتب الله عليهم وصية وقوله ) متاعا ( منصوب بوصية أو بفعل محذوف أي متعوهن متاعا أو جعل الله لهن ذلك متاعا ويجوز أن يكون منتصبا على الحال والمتاع هنا نفقة السنة وقوله ) غير إخراج ( صفة لقوله ) متاعا ( وقال الأخفش إنه مصدر كأنه قال لا إخراجا وقيل إنه حال أي متعوهن غير مخرجات وقيل منصوب بنزع الخافض أي من غير إخراج والمعنى أنه يجب على الذين يتوفون أن


"""""" صفحة رقم 260 """"""
يوصوا قبل نزول الموت بهم لأزواجهم أن يمتعن بعدهم حولا كاملا بالنفقة والسكنى من تركتهم ولا يخرجن من مساكنهن وقوله ) فإن خرجن ( يعني باختيارهن قبل الحول ) فلا جناح عليكم ( أي لا حرج على الولي والحاكم وغيرهما ) فيما فعلن في أنفسهن ( من التعرض للخطاب والتزين لهم وقوله ) من معروف ( أي بما هو معروف في الشرع غير منكر وفيه دليل على أن النساء كن مخيرات في سكنى الحول وليس ذلك بحتم عليهن وقيل المعنى لا جناح عليكم في قطع النفقة عنهن وهو ضعيف لأن متعلق الجناح هو مذكور في الآية بقوله ) فيما فعلن )
البقرة : ( 241 ) وللمطلقات متاع بالمعروف . . . . .
وقوله ) وللمطلقات متاع ( قد اختلف المفسرون في هذه الآية فقيل هي المتعة وأنها واجبة لكل مطلقة وقيل إن هذه الآية خاصة بالثيبات اللواتي قد جومعن لأنه قد تقدم قبل هذه الآية ذكر المتعة للواتي لم يدخل بهن الأزواج وقد قدمنا الكلام على هذه المتعة والخلاف في كونها خاصة بمن طلقت قبل البناء والفرض أو عامة للمطلقات وقيل إن هذه الآية شاملة للمتعة الواجبة وهي متعة المطلقة قبل البناء والفرض وغير الواجبة وهي متعة سائر المطلقات فإنها مستحبة فقط وقيل المراد بالمتعة هنا النفقة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن الزبير قال قلت لعثمان بن عفان ) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ( قد نسختها الآية الآخرى فلم تكتبها أو لم تدعها قال با ابن أخي لا اغير شيئا منه من مكانه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال كان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكانها في الدار سنة فنسختها آية المواريث فجعل لهن الربع والثمن مما ترك الزوج وأخرج ابن جرير نحوه عن عطاء وأخرج نحوه أيضا أبو داود والنسائي عن ابن عباس من وجه آخر وأخرج الشافعي وعبدالرزاق عن جابر بن عبدالله قال ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث وأخرج أبو داود في ناسخه والنسائي عن عكرمة قال نسختها ) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ( وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم نحوه وأخرج أيضا عن قتادة نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ( قال النكاح الحلال الطيب وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال لما نزل قوله ) متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ( قال رجل إن أحسنت فعلت وإن لم ارد ذلك لم أفعل فأنزل الله ) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال نسخت هذه الآية بقوله ) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ( وأخرج أيضا عن عتاب بن خصيف في قوله ) وللمطلقات متاع ( قال كان ذلك قبل الفرائض وأخرج مالك وعبدالرزاق والشافعي وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر قال لكل مطلقة متعة إلا التي تطلقها ولم تدخل بها وقد فرض لها كفى بالنصف متاعا وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال لكل مؤمنة طلقت حرة أو أمة متعة وقرأ ) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( وأخرج البيهقي عن جابر بن عبدالله قال ( لما طلق حفص بن المغيرة إمرأته فاطمة أتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لزوجها متعها قال لا أجد ما أمتعها قال فإنه لا بد من المتاع متعها ولو نصف صاع من تمر ) وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية في الآية قال لكل مطلقة متعة
البقرة 243 245


"""""" صفحة رقم 261 """"""
البقرة : ( 243 ) ألم تر إلى . . . . .
الاستفهام هنا للتقدير والرؤية المذكورة هي رؤية القلب لا رؤية البصر والمعنى عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين خرجوا ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين كذا قيل وحاصله أن الرؤية هنا التي بمعنى الإدراك مضمنة معنى التنبيه ويجوز أن تكون مضمنة معنى الانتهاء أي ألم ينته علمك إليهم أو معنى الوصول أي الم يصل علمك إليهم ويجوز أن تكون بمعنى الرؤية البصرية أي ألم تنظر إلى الذين خرجوا جعل الله سبحانه قصة هؤلاء لما كانت بمكان من الشيوع والشهرة يحمل كل أحد على الإقرار بها بمنزلة المعلومة لكل فرد أو المبصرة لكل مبصر لأن أهل الكتاب قد أخبروا بها ودونوها وأشهروا أمرها والخطاب هنا لكل من يصلح له والكلام جار مجرى المثل في مقام التعجيب ادعاء لظهوره وجلائه بحيث يستوي في إدراكه الشاهد والغائب وقوله ) وهم ألوف ( في محل نصب على الحال من ضمير خرجوا وألوف من جموع الكثرة فدل على أنها ألوف كثيرة وقوله ) حذر الموت ( مفعول له وقوله ) فقال لهم الله موتوا ( هو أمر تكوين عبارة عن تعلق إرادته بموتهم دفعة أو تمثيل لإماتته سبحانه إياهم ميتة نفس واحدة كأنهم أمروا فأطاعوا قوله ) ثم أحياهم ( هو معطوف على مقدر يقتضيه المقام أي قال الله لهم موتوا فماتوا ثم أحياهم أو على قال لما كان عبارة عن الإماتة وقوله ) إن الله لذو فضل على الناس ( التنكير في قوله فضل للتعظيم أي لذو فضل عظيم على الناس جميعا أما هؤلاء الذين خرجوا فلكونه أحياهم ليعتبروا وأما المخاطبون فلكونه قد أرشدهم إلى الإعتبار والاستبصار بقصة هؤلاء
البقرة : ( 244 ) وقاتلوا في سبيل . . . . .
قوله ) وقاتلوا في سبيل الله ( هو معطوف على مقدر كأنه قيل اشكروا فضله بالإعتبار بما قص عليكم وقاتلوا هذا إذا كان الخطاب بقوله ) وقاتلوا ( راجعا إلى المخاطبين بقوله ) ألم تر إلى الذين خرجوا ( كما قاله جمهور المفسرين وعلى هذا يكون إيراد هذه القصة لتشجيع المسلمين على الجهاد وقيل إن الخطاب للذين أحيوا من بني إسرائيل فيكون عطفا على قوله ) موتوا ( وفي الكلام محذوف تقديره وقال لهم قاتلوا وقال ابن جرير لا وجه لقول من قال إن الأمر بالقتال للذين أحيوا
البقرة : ( 245 ) من ذا الذي . . . . .
وقوله ) من ذا الذي يقرض الله ( لما أمر سبحانه بالقتال والجهاد أمر بالإنفاق في ذلك و ( من ) استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء و ( ذا ) خبره و ( الذي ) وصلته وصف له أو بدل منه وإقراض الله مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب وأصل القرض اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء يقال أقرض فلان فلانا أي أعطاه ما يتجازاه قال الشاعر وإذا جوزيت قرضا فاجزه
وقال الزجاج القرض في اللغة البلاء الحسن والبلاء السيء قال أمية
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا أو سيئا ومدينا مثل ما دانا
وقال آخر
فجازى القروض بأمثالها فبالخير خيرا وبالشر شرا
وقال الكسائي القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيء واصل الكلمة القطع ومنه المقراض واستدعاء


"""""" صفحة رقم 262 """"""
القرض في الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه والله هو الغني الحميد شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء وقوله ) حسنا ( أي طيبة به نفسه من دون من ولا أذى وقوله ) فيضاعفه ( قرأ عاصم وغيره بالألف ونصب الفاء وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي بإثبات الألف ورفع الفاء وقرأ ابن عامر ويعقوب فيضعفه بإسقاط الألف مع تشديد العين ونصب الفاء وقرأ ابن كثير وأبو جعفر بالتشيد ورفع الفاء فمن نصب فعلى أنه جواب الاستفهام ومن رفع فعلى تقدير مبتدا أي هو يضاعفه وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال وقيل لا يعلمه إلا الله وحده وقوله ) والله يقبض ويبسط ( هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط والقبض التقتير والبسط التوسيع وفيه وعيد بأن من بخل من البسط يوشك أن يبدل بالقبض ولهذا قال ) وإليه ترجعون ( أي هو يجازيكم بما قدمتم عند الرجوع إليه وإذا أنفقتم مما وسع به عليكم أحسن اليكم وإن بخلتم عاقبكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن عباس في قوله ) ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ( قال كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا نأتي أرضا ليس بها موت حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال لهم الله موتوا فماتوا فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أن القرية التي خرجوا منها داوردان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم هذه القصة مطولة عن أبي مالك وفيها أنهم بضعة وثلاثون ألفا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبدالعزيز أن ديارهم هي أذرعات وأخرج أيضا عن أبي صالح قال كانوا تسعة آلاف وأخرج جماعة من محدثي المفسرين هذه القصة على أنحاء ولا يأتي الإستكثار من طرقها بفائدة وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) النهي عن الفرارا من الطاعون وعن دخول الأرض التي هو بها من حديث عبدالرحمن بن عوف وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال ( لما نزلت ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( قال أبو الدحداح الأنصاري يا رسول الله إن الله ليريد منا القرض قال نعم يا أبا الدحداح قال ارني يدك يا رسول الله فناوله يده قال فإني قد أقرضت ربي حائطي وله فيه ستمائة نخلة ) وقد أخرج هذه القصة عبدالرزاق وابن جرير من طريق زيد بن أسلم زاد الطبراني عن أبيه عن عمر بن الخطاب وابن مردويه عن أبي هريرة وابن إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) أضعافا كثيرة ( قال هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي قال بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال ( إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ) فحججت ذلك العام ولم أكن أرد أن أحج إلا لألقاه في هذا الحديث فلقيت أبا هريرة فقلت له فقال ليس هذا قلت ولم يحفظ هذا الحديث الذي حدثك إنما قلت ( إن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة الفي ألف حسنة ) ثم قال أبو هريرة أوليس تجدون هذا في كتاب الله ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( فالكثيرة عند الله أكثر من الفي ألف وألفي ألف والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( إن الله يضاعف الحسنة الفي ألف حسنة ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال ( لما نزلت ) مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ( إلى آخره قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رب زد أمتي فنزلت ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( قال رب زد أمتي


"""""" صفحة رقم 263 """"""
فنزلت ) إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( ) وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال ( لما نزلت ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( قال رب زد أمتي فنزلت ) من ذا الذي يقرض الله ( قال رب زد أمتي فنزلت ) مثل الذين ينفقون أموالهم ( قال رب زد أمتي فنزلت ) إنما يوفى الصابرون ( ) وفي الباب أحاديث هذه أحسنها وستاتي عند تفسير قوله تعالى ) كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ( فابحثها وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والله يقبض ويبسط ( قال يقبض الصدقة ويبسط قال يخلف ) وإليه ترجعون ( قال من التراب وإلى التراب تعودون وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال علم الله أن فيمن يقاتل في سبيل الله من لا يجد قوة وفيمن لا يقاتل في سبيل الله من يجد غني فندب هؤلاء إلى القرض فقال ) من ذا الذي يقرض الله ( قال يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده ويقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له فقوه مما بيدك يكن لك الحظ
البقرة 246 252


"""""" صفحة رقم 264 """"""
البقرة : ( 246 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الملإ ( الكلام فيه كالكلام في قوله ) ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ( وقد قدمناه والملأ الأشراف من الناس كأنهم ملئوا شرفا وقال الزجاج سموا بذلك لأنهم ملئون بما يحتاج إليه منهم وهو اسم جمع كالقوم والرهط ذكر الله سبحانه في التحريض على القتال قصة أخرى جرت في بني إسرائيل بعد القصة المتقدمة وقوله ) من بعد موسى ( من ابتدائية وعاملها مقدر أي كائنين من بعد موسى أي بعد وفاته وقوله ) لنبي لهم ( قيل هو شمويل بن يار بن علقمة ويعرف بابن العجوز ويقال فيه شمعون وهو من ولد يعقوب وقيل من نسل هارون وقيل هو يوشع بن نون وهذا ضعيف جدا لأن يوشع هو فتى موسى ولم يوجد داود إلا بعد ذلك بدهر طويل وقيل اسمه إسماعيل وقوله ) ابعث لنا ملكا ( أي أميرا نرجع إليه ونعمل على رايه وقوله ) نقاتل ( بالنون والجزم على جواب الأمر وبه قرأ الجمهور وقرأ الضحاك وابن أبي عبلة بالياء ورفع الفعل على أنه صفة للملك وقرئ بالنون والرفع على أنه حال أو كلام مستأنف وقوله ) هل عسيتم ( بالفتح للسين وبالكسر لغتان وبالثانية قرأ نافع وبالأولى قرأ الباقون قال في الكشاف وقراءة الكسر ضعيفة وقال أبو حاتم ليس للكسر وجه انتهى وقال أبو علي وجه الكسر قول العرب هو عس بذلك مثل حر وشج وقد جاء فعل وفعل في نحو نقم ونقم فكذلك عسيت وعسيت وكذا قال مكي وقد قرأ بالكسر أيضا الحسن وطلحة فلا وجه لتضعيف ذلك وهو من أفعال المقاربة أي هل قاربتم أن لا تقاتلوا وإدخال حرف الاستفهام على فعل القاربة لتقرير ما هو متوقع عنده والإشعار بأنه كائن وفصل بين عسى وخبرها بالشرط للدلالة على الاعتناء به قال الزجاج أن لا تقاتلوا في موضع نصب أي هل عسيتم مقاتلة قال الأخفش ( أن ) في قوله ( وما لنا ألا نقاتل ) زائدة وقال الفراء هو محمول على المعنى أي وما منعنا كما تقول مالك ألا تصلي وقيل المعنى واي شيء لنا في أن لا نقاتل قال النحس وهذا أجودها وقوله ) وقد أخرجنا ( تعليل والجملة حالية وإفراد الأولاد بالذكر لأنهم الذين وقع عليهم السبي أو لأنهم بمكان فوق مكان سائر القرابة ) فلما كتب ( أي فرض أخبر سبحانه أنهم تولوا لاضطراب نياتهم وفتور عزائمهم واختلف في عدد القليل الذين استثناهم الله سبحانه وهم الذي اكتفوا بالغرفة
البقرة : ( 247 ) وقال لهم نبيهم . . . . .
وقوله ) وقال لهم نبيهم ( شروع في تفصيل ما جرى بينهم وبين نبيهم من الأقوال والأفعال وطالوت اسم أعجمي وكان سقاء وقيل دباغا وقيل مكاريا ولم يكن من سبط النبوة وهم بنو لاوى ولا من سبط الملك وهم بنو يهوذا فلذلك ) قالوا أنى يكون له الملك علينا ( أي كيف ذلك ولم يكن من بيت الملك ولا هو ممن أوتى سعة من المال حتى نتبعه لشرفه أو لماله وهذه الجملة أعني قوله ) ونحن أحق ( حالية وكذلك الجملة المعطوفة عليها وقوله ) اصطفاه عليكم ( أي اختاره واختيار الله هو الحجة القاطعة ثم بين لهم مع ذلك وجه الاصطفاء بأن الله زاده بسطة في العلم الذي هو ملاك الإنسان ورأس الفضائل وأعظم وجوه الترجيح وزاده بسطة في الجسم الذي يظهر به الأثر في الحروب ونحوها فكان قويا في دينه وبدنه وذلك هو المعتبر لا شرف النسب فإن فضائل النفس مقدمة عليه ) والله يؤتي ملكه من يشاء ( فالملك ملكه والعبيد عبيده فما لكم والاعتارض على شيء ليس هو لكم ولا أمره إليكم وقد ذهب المفسرين إلى أن قوله ) والله يؤتي ملكه من يشاء (


"""""" صفحة رقم 265 """"""
من قول نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو من قول نبيهم وهو الظاهر وقوله ) واسع ( أي واسع الفضل يوسع على من يشاء من عباده ) عليم ( بمن يستحق الملك ويصلح له
البقرة : ( 248 ) وقال لهم نبيهم . . . . .
والتابوت فعلوت من التوب وهو الرجوع لأنهم يرجعون إليه أي علامة ملكه إتيان التابوت الذي أخذ منهم أي رجوعه إليكم وهو صندوق التوراة والسكينة فعيلة مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة أي فيه سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت قال ابن عطية الصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتتقوى وقد اختلف في السكينة على أقوال سيأتي بيان بعضها وكذلك اختلف في البقية فقيل هي عصا موسى ورضاض الألواح وقيل غير ذلك قيل والمراد بآل موسى وهارون هما أنفسهما أي مما ترك هارون وموسى ولفظ آل مقحمة لتفخيم شأنهما وقيل المراد الأنبياء من بني يعقوب لأنهما من ذرية يعقوب فسائر قرابته ومن تناسل منه آل لهما
البقرة : ( 249 ) فلما فصل طالوت . . . . .
وفصل معناه خرج بهم فصلت الشيء فانفصل أي قطعته فانقطع وأصله متعد يقال فصل نفسه ثم استعمل استعمال اللازم كانفصل وقيل إن فصل يستعمل لازما ومتعديا يقال فصل عن البلد فصولا وفصل نفسه فصلا والابتلاء الاختبار والنهر قيل هو بين الأردن وفلسطين وقرأه الجمهور بنهر بفتح الهاء وقرأ حميد ومجاهد والأعرج بسكون الهاء والمراد بهذا الإبتلاء اختبار طاعتهم فمن أطاع في ذلك الماء أطاع فيما عداه ومن عصى في هذا وغلبته نفسه فهو بالعصيان في سائر الشدائد أحرى ورخص لهم في الغرفة ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الإرتفاع وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال وفيه أن الغرفة تكف سورة العطش عند الصابرين على شظف العيش الدافعين أنفسهم عن الرفاهية فالمراد بقوله ) فمن شرب منه ( أي كرع ولم يقتصر على الغرفة ( ومن ) ابتدائية ومعنى قوله ) فليس مني ( أي ليس من اصحابي من قولهم فلان من فلان كأنه بعضه لاختلاطهما وطول صحبتهما وهذا مهيع في كلام العرب معروف ومنه قول الشاعر إذا حاولت في أسد فجورا
فإني لست منك ولست مني
وقوله ) ومن لم يطعمه ( يقال طعمت الشيء أي ذقته وأطعمته الماء أي أذقته وفيه دليل على أن الماء يقال له طعام والاعتراف الأخذ من الشيء باليد أو بآلة والغرف مثل الاغتراف والغرفة المرة الواحدة وقد قرئ بفتح الغين وضمها فالفتح للمرة والضم اسم للشيء المغترف وقيل بالفتح الغرفة بالكف الواحدة وبالضم الغرفة بالكفين وقيل هما لغتان بمعنى واحد ومنه قول الشاعر لا يدلفون إلى ماء بآنية
الا اغترافا من الغدران بالراح
قوله ) إلا قليلا ( سيأتي بيان عددهم وقرئ ) إلا قليل ( ولا وجه له إلا ما قيل من أنه من هجر اللفظ إلى جانب المعنى أي لم يعطه إلا قليل وهو تعسف قوله ) فلما جاوزه ( أي جاوز النهر طالوت ) والذين آمنوا معه ( وهم القليل الذين أطاعوه ولكنهم اختلفوا في قوة اليقين فبعضهم قال ) لا طاقة لنا ( و ) قال الذين يظنون ( أي يتيقنون ) أنهم ملاقوا الله ( والفئة الجماعة والقطعة منهم من فأوت رأسه بالسيف أي قطعته
البقرة : ( 250 ) ولما برزوا لجالوت . . . . .
وقوله ) برزوا ( أي صاروا في البراز وهو المتسع من الأرض وجالوت أمير العمالقة قالوا أي جميع من معه من المؤمنين والإفراغ يفيد معنى الكثرة وقوله ) وثبت أقدامنا ( هذا عبارة عن القوة وعدم الفشل يقال ثبت قدم فلان على كذا إذا استقر له ولم يزل عنه وثبت قدمه في الحرب إذا كان الغلب له والنصر معه


"""""" صفحة رقم 266 """"""
قوله ) وانصرنا على القوم الكافرين ( هم جالوت وجنوده ووضع الظاهر موضع المضمر إظهارا لما هو العلة الموجبة للنصر عليهم وهي كفرهم وذكر النصر بعد سؤال تثبيت الأقدام لكون الثاني هو غاية الأول
البقرة : ( 251 ) فهزموهم بإذن الله . . . . .
قوله ) فهزموهم بإذن الله ( الهزم الكسر ومنه سقاء منهزم أي انثنى بعضه على بعض مع الجفاف ومنه ما قيل في زمزم إنها هزمة جبريل أي هزمها برجله فخرج الماء والهزم ما يكسر من يابس الحطب وتقدير الكلام فأنزل الله عليهم النصر ) فهزموهم بإذن الله ( أي بأمره وإرادته قوله ) وقتل داود جالوت ( هو داود بن إيشا بكسر الهمزة ثم تحتية ساكنة بعدها معجمة ويقال داود بن زكريا بن بشوى من سبط يهوذا بن يعقوب جمع الله له بين النبوة والملك بعد أن كان راعيا وكان أصغر إخوته اختاره طالوت لمقاتله جالوت فقتله والمراد بالحكمة هنا النبوة وقيل هي تعليمه صنعة الدروع ومنطق الطير وقيل هي إعطاؤه السلسلة التي كانوا يتحاكمون إليها قوله ) وعلمه مما يشاء ( قيل إن المضارع هنا موضوع موضع الماضي وفاعل هذا الفعل هو الله تعالى وقيل داود وظاهر هذا التركيب أن الله سبحانه علمه مما قضت به مشيئته وتعلقت به إرادته وقد قيل إن من ذلك ما قدمنا من تعليمه صنعة الدروع وما بعده قوله ) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ( قرأه الجماعة ) ولولا دفع الله ( وقرأ نافع ? دفاع ? وهما مصدران لدفع كذا قال سيبويه وقال أبو حاتم دافع ودفع واحد مثل طرقت نعلي وطارقته واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور وأنكر قراءة دفاع قال لأن الله عز وجل لا يغالبه أحد قال مكي يوهم أبو عبيدة أن هذا من باب المفاعلة وليس به وعلى القراءتين فالمصدر مضاف إلى الفاعل أي ) ولولا دفع الله الناس ( وبعهضم بدل من الناس وهم الذين يباشرون أسباب الشر والفساد ببعض آخر منهم وهم الذين يكفونهم عن ذلك ويردونهم عنه ) لفسدت الأرض ( لتغلب أهل الفساد عليها وإحداثهم للشرور التي تهلك الحرث والنسل وتنكير فضل للتعظيم
البقرة : ( 252 ) تلك آيات الله . . . . .
وآيات الله هي ما اشتملت عليه هذه القصة من الأمور المذكورة والمراد ) بالحق ( هنا الخبر الصحيح الذي لا ريب فيه عند أهل الكتاب والمطلعين على أخبار العالم وقوله ) إنك لمن المرسلين ( إخبار من الله سبحانه بأنه من جملة رسل الله سبحانه تقوية لقلبه وتثبيتا لجنانه وتشييدا لأمره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل ( قال هذا حين رفعت النبوة واستخرج أهل الإيمان وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم ) فلما كتب عليهم القتال ( وذلك حين أتاهم التابوت قال وكان من إسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط خلافة فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة ولا تكون النبوة إلا في سبط النبوة ) وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ( وليس من أحد السبطين لا من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة ) قال إن الله اصطفاه عليكم ( فأبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم ) إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية ( وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها وجمع ما بقي فجعله في التابوت وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحاء فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فلما رأوا ذلك قالوا نعم فسلموا له وملكوه وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين أيديهم ويقولون إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن وبعضى موسى من الجنة وبلغني أن التابوت وعصى موسى في بحيرة طبرية وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة وقد ورد هذا المعنى مختصرا ومطولا عن جماعة من السلف فلا يأتي التطويل بذكر ذلك بفائدة يعتد بها وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس ) وزاده بسطة ( يقول فضيلة ) في العلم والجسم (


"""""" صفحة رقم 267 """"""
يقول كان عظيما جسيما يفضل بني إسرائيل بعنقه وأخرج أيضا عن وهب بن منبه ) وزاده بسطة في العلم ( قال العلم بالحرب وأخرج ابن المنذر عنه أنه سئل أنبيا كان طالوت قال لا لم يأته وحي وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه سئل عن تابوت موسى ما سعته قال نحو من ثلاثة أذرع في ذراعين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال السكينة الرحمة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال السكينة الطمأنينة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال السكينة دابة قدر الهر لها هينان لهما شعاع وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم فيهزم الجيش من الرعب وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن علي قال السكينة ريح خجوج ولها رأسان وأخرج عبدالرزاق وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن علي قال السكينة لها وجه كوجه الإنسان ثم هي بعد ريح هفافة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال السكينة من الله كهيئة الريح لها وجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذنب الهر وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس قال ) فيه سكينة من ربكم ( قال طست من ذهب من الجنة كان يغسل بها قلوب الأنبياء ألقى الألواح فيها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه قال هي روح من الله لا تتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون وأخرج ابن أبي حاتم عن الحس قال هي شيء تسكن إليه قلوبهم وأخرج عبدالرزاق عن قتادة قال فيه سكينة أي وقار
واقول هذه التفاسير المتناقضة لعلها وصلت إلى هؤلاء الأعلام من جهة اليهود أقماهم الله فجاءوا بهذه الأمور لقصد التلاعب بالمسلمين رضي الله عنهم والتشكيك عليهم وانظر إلى جعلهم لها تارة جيوانا وتارة جمادا وتارة شيئا لا يعقل كقول مجاهد كهيئة الريح لها وجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذنب الهر وهكذا كل منقول عن بني إسرائيل يتناقض ويشتمل على ما لا يعقل في الغالب ولا يصح أن يكون مثل هذه التفاسير المتناقضة مرويا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا رايا رآه قائله فهم اجل قدرا من التفسير بالرأي وبما لا مجال للإجتهاد فيه إذا تقرر لك هذا عرفت أن الواجب الرجوع في مثل ذلك إلى معنى السكينة لغة وهو معروف ولا حاجة إلى ركوب هذه الأمور المتعسفة المتناقضة فقد جعل الله عنها سعة ولو ثبت لنا في السكينة تفسير عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لوجب علينا المصير إليه والقول به ولكنه لم يثبت من وجه صحيح بل ثبت أنها تنزلت على بعض الصحابة عند تلاوته للقرآن كما في صحيح مسلم عن البراء قال كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك له فقال تلك السكينة نزلت للقرآن وليس في هذا إلا أن هذه التي سماها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سكينة سحابة دارت على ذلك القارئ فالله أعلم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وبقية مما ترك آل موسى ( قال عصاه ورضاض الألواح وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال كان في التابوت عصى موسى وعصى هارون وثياب موسى وثياب هارون ولوحان من التوراة والمن وكلمة الفرج ( لا إله إلا الله الحليم الكريم وسبحانه الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين ) وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله ) تحمله الملائكة ( قال أقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في بيت طالوت فأصبح في داره وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) إن في ذلك لآية ( قال علامة وأخرج أبي أبي حاتم عن ابن عباس ) إن الله مبتليكم بنهر ( يقول


"""""" صفحة رقم 268 """"""
بالعطش فلما انتهى ألي النهر وهو نهر الأردن كرع فيه عامة الناس فشربوا منه فلم يزد من شرب منه إلا عطشا وأجزا من اغترف غرفة بيده وانقطع الظمأ عنه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) فشربوا منه إلا قليلا منهم ( قال القليل ثلثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن البراء قال كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلثمائة وقد أخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأصحابه يوم بدر ( أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت ) واخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال كانوا ثلثمائة ألف وثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثة عشر فشربوا منه كلهم إلا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر فردهم طالوت ومضى ثلثمائة وثلاثة عشر وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) الذين يظنون ( قال الذين يستيقنون وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كان طالوت أميرا على الجيش فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته فقال داود لطالوت ماذا لي واقبل جالوت فقال لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات ثم سمى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ثم أدخل يده فقال بسم الله إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فخرج على إبراهيم فجعله في مرحمته فرمى بها جالوت فخرق ثلاثة وثلاثين بيضة عن رأسه وقتلت ما وراءة ثلاثين ألفا وذكر المفسرون أقاصيص كثيرة من هذا الجنس والله أعلم وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ( قال يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يحج عمن لا يحج وبمن يزكي عمن لا يزكي وأخرج ابن عدي وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن إله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ ابن عمر ) ولولا دفع الله الناس ( الآية وفي إسناده يحيى بن سعيد العطار الحمصي وهو ضعيف جدا
البقرة 253
البقرة : ( 253 ) تلك الرسل فضلنا . . . . .
قوله ) تلك الرسل ( قيل هو اشارة إلى جميع الرسل فتكون الالف واللام للإستغراق وقيل هو إشارة إلى الأنبياء المذكورين في هذه السورة وقيل إلى الأنبياء الذين بلغ علمهم إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بتفضيل بعضهم على بعض أن الله سبحانه جعل لبعضهم من مزايا الكمال فوق ما جعله للآخر فكان الأكثر مزايا فاضلا والآخر مفضولا وكما دلت هذه الآية على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض كذلك دلت الآية الأخرى وهي قوله تعالى ) ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا ( وقد استشكل جماعة من أهل العلم الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ ( لا تفضلوني على الأنبياء )


"""""" صفحة رقم 269 """"""
وفي لفظ آخر ( لا تفضلوا بين الأنبياء ) وفي لفظ ( لا تخيروا بين الانبياء ) فقال قوم إن هذا القول منه ( صلى الله عليه وسلم ) كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل وقيل إنه قال ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك على سبيل التواضع كما قال ( لا يقل أحدكم أنا خير من يونس بن متى ) تواضعا مع علمه أنه أفضل الأنبياء كما يدل عليه قوله ( أنا سيد ولد آدم ) وقيل إنما نهى ذلك قطعا للجدال والخصام في الأنبياء فيكون مخصوصا بمثل ذلك لا إذا كان صدور ذلك مأمونا وقيل إن النهي إنما هو من جهة النبوة فقط لأنها خصلة واحدة لا تفاضل فيها ولا نهي عن التفاضل بزيادة الخصوصيات والكرامات وقيل إن المراد النهي عن التفضيل لمجرد الأهواء والعصبية وفي جميع هذه الأقوال ضعف وعندي أنه لا تعارض بين القرآن والسنة فإن القرآن دل على أن الله فضل بعض أنبيائه على بعض وذلك لا يستلزم أنه يجوز لنا أن نفضل بعضهم على بعض فإن المزايا التي هي مناط التفضيل معلومة عند الله لا تخفى عليه منا خافية وليست بمعلومة عند البشر فقد يجهل اتباع نبي من الأنبياء بعض مزاياه وخصوصياته فضلا عن مزايا غيره والتفضيل لا يجوز إلا بعد العلم بجميع الأسباب التي يكون بها هذا فاضلا وهذا مفضولا لا قبل العلم ببعضها أو بأكثرها أو باقلها فإن ذلك تفضيل بالجهل وإقدام على أمر لا يعلمه الفاعل له وهو ممنوع منه فلو فرضنا أنه لم يرد إلا القرآن في الإخبار لنا بأن الله فضل بعض انبيائه على بعض لم يكن فيه دليل على أنه يجوز للبشر أن يفضلوا بين الأنيباء فكيف وقد وردت السنة الصحيحة بالنهي عن ذلك وإذا عرفت هذا علمت أنه لا تعارض بين القرآن والسنة بوجه من الوجوه فالقرآن فيه الإخبار من الله بأنه فضل بعض أنبيائه على بعض والسنة فيها النهي لعباده أن يفضلوا بين أنبيائه فمن تعرض للجمع بينهما زاعما أنهما متعارضان فقد غلط غلطا بينا قوله ) منهم من كلم الله ( وهو موسى ونبينا سلام الله عليهما وقد روى عن النبي أنه قال في آدم ( إنه نبي مكلم ) وقد ثبت ما يفيد ذلك في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر قوله ) ورفع بعضهم درجات ( هذا البعض يحتمل أن يراد به من عظمت منزلته عند الله سبحانه من الأنبياء ويحتمل أن يراد به نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) لكثرة مزاياه المقتضية لتفضيله ويحتمل أن يراد به إدريس لأن الله سبحانه أخبرنا بأنه رفعه مكانا عليا وقيل إنهم أولوا العزم وقيل إبراهيم ولا يخفاك أن الله سبحانه أبهم هذا البعض المرفوع فلا يجوز لنا التعرض للبيان له إلا ببرهان من الله سبحانه وتعالى أو من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ولم يرد ما يرشد إلى ذلك فالتعرض لبيانه هو من تفسير القرآن الكريم بمحض الرأي وقد عرفت ما فيه من الوعيد الشديد مع كون ذلك ذريعة إلى التفضيل بين الأنبياء وقد نهينا عنه وقد جزم كثير من أئمة التفسير انه نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وأطالوا في ذلك واستدلوا بما خصه الله به من المعجزات ومزايا الكمال وخصال الفضل وهم بهذا الجزم بدليل لا يدل على المطلوب قد وقعوا في خطرين وارتكبوا نهيين وهما تفسير القرآن بالرأي والدخول في ذرائع التفضيل بين الأنبياء وإن لم يكن ذلك تفضيلا صريحا فهو ذريعة إليه بلا شك ولا شبهة لأن من جزم بأن هذا البعض المرفوع درجات هو النبي الفلاني انتقل من ذلك إلى التفضيل المنهي عنه وقد أغنى الله نبينا المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك بما لا يحتاج معه إلى غيره من الفضائل والفواضل فإياك أن تتقرب إليه ( صلى الله عليه وسلم ) بالدخول في أبواب نهاك عن دخولها فتعصيه وتسيء وأنت تظن أنك مطيع محسن قوله ) وآتينا عيسى ابن مريم البينات ( أي الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة من إحياء الأموات وإبراء المرضى وغير ذلك قوله ) وأيدناه بروح القدس ( هو جبريل وقد تقدم الكلام على هذا قوله ) ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم ( أي من بعد الرسل وقيل من بعد موسى وعيسى ومحمد لأن الثاني مذكور صريحا والأول


"""""" صفحة رقم 270 """"""
والثالث وقعت الإشارة إليهما بقوله ) منهم من كلم الله ( أي لو شاء الله عدم اقتتالهم ما اقتتلوا فمفعول المشيئة محذوف على القاعدة ) ولكن اختلفوا ( استثناء من الجملة الشرطية أي ولكن الاقتتال ناشيء عن اختلافهم اختلافا عظيما حتى صاروا مللا مختلفة ) فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ( عدم اقتتالهم بعد هذا الاختلاف ) ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ( لا راد لحكمه ولا مبدل لقضائه فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى ) فضلنا بعضهم على بعض ( قال اتخذ الله إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وهو عبدالله وكلمته وروحه وآتى داود زبورا وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد في قوله ) منهم من كلم الله ( قال كلم الله موسى وأرسل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الناس كافة وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي في قوله ) ورفع بعضهم درجات ( قال محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم ( يقول من بعد موسى وعيسى وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال كنت عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية إذ أقبل علي فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لمعاوية ( أتحب عليا قال نعم قال إنها ستكون بينكم فتنة هنيهة قال معاوية فما بعد ذلك يا رسول الله قال عفو الله ورضوانه قال رضينا بقضاء الله فعند ذلك نزلت هذه الآية ) ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ( قال السيوطي وسنده واه
البقرة 254
البقرة : ( 254 ) يا أيها الذين . . . . .
ظاهر الأمر في قوله ) أنفقوا ( الوجوب وقد حمله جماعة على صدقة الفرض لذلك ولما في آخر الآية من الوعيد الشديد وقيل إن هذه الآية تجمع زكاة الفرض والتطوع قال ابن عطية وهذا صحيح ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين يترجح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله قال القرطبي وعلى هذا التأويل يكون إنفاق المال مرة واجبا ومرة ندبا بحسب تعين الجهاد وعدم تعينه قوله ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ( أي أنفقوا ما دمتم قادرين ) من قبل أن يأتي ( ما لا يمكنكم الانفاق فيه وهو ) يوم لا بيع فيه ( أي لا يتبايع الناس فيه والخلة خالص المودة مأخوذة من تخلل السرار بين الصديقين أخبر سبحانه أنه لا خلة في يوم القيامة نافعة ولا شفاعة مؤثرة إلا لمن أذن الله له وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بنصب لا بيع ولا خلة ولا شفاعة من غير تنوين وقرأ الباقون برفعها منونة وهما لغتان مشهورتان للعرب ووجهان معروفان عند النحاة فمن الأول قول حسان ألا طعان ألا فرسان عادية
ألا يحشئوكم حول التنانير
ومن الثاني قول الراعي وما صرمتك حتى قلت معلنة
لا ناقة لي في هذا ولا جمل
ويجوز في غير القرآن التغاير برفع البعض ونصب البعض كما هو مقرر في علم الإعراب قوله ) والكافرون هم الظالمون (


"""""" صفحة رقم 271 """"""
فيه دليل على أن كل كافر ظالم لنفسه ومن جملة من يدخل تحت هذا العموم مانع الزكاة منعا يوجب كفره لوقوع ذلك في سياق الأمر بالإنفاق
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من ما رزقناكم ( قال من الزكاة والتطوع وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال يقال نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ونسخ شهر رمضان كل صوم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال قد علم الله أن ناسا يتخاللون في الدنيا ويشفع بعضهم لبعض فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء قال الحمد لله الذي قال ) والكافرون هم الظالمون ( ولم يقل والظالمون هم الكافرون
البقرة 255
البقرة : ( 255 ) الله لا إله . . . . .
قوله ) لا إله إلا هو ( أي لا معبود بحق إلا هو وهذه الجملة خبر المبتدإ والحي الباقي وقيل الذي لا يزول ولا يحول وقيل المصرف للأمور والمقدر للأشياء قال الطبري عن قوم إنه يقال حي كما وصف نفسه ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه وهو خبر ثان أو مبتدأ خبره محذوف والقيوم القائم على كل نفس بما كسبت وقيل القائم بذاته المقيم لغيره وقيل القائم بتدبير الخلق وحفظه وقيل هو الذي لا ينام وقيل الذي لا بديل له وأصل قيوم قيووم اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء وقرأ ابن مسعود وعلقمة والنخعي والأعمش ( الحي القيام ) بالألف وروى ذلك عن عمر ولا خلاف بين أهل اللغة أن القيوم أعرف عند العرب واصح بناء وأثبت علة والسنة النعاس في قول الجمهور والنعاس ما يتقدم النوم من الفتور وانطباق العينين فإذا صار في القلب صار نوما وفرق المفصل بين السنة والنعاس والنوم فقال السنة من الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب انتهى والذي ينبغي التعويل عليه في الفرق بين السنة والنوم أن السنة لا يفقد معها العقل بخلاف النوم فإنه استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الأبخرة حتى يفقد معه العقل بل وجميع الإدراكات بسائر المشاعر والمراد أنه لا يعتريه سبحانه شيء منهما وقدم السنة على النوم لكونها تتقدمه في الوجود قال الرازي في تفسيره إن السنة ما تتقدم النوم فإذا كانت عبارة عن مقدمة النوم فإذا قيل لا تأخذه سنة دل على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى فكان ذكر النوم تكرارا قلنا تقدير الآية لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه نوم والله أعلم بمراده انتهى وأقول إن هذه الأولوية التي ذكرها غير مسلمة فإن النوم قد يرد ابتداء من دون ما ذكر من النعاس وإذا ورد على القلب والعين دفعه واحدة فإنه يقال له نوم ولا يقال له سنة لا يستلزم نفي السنة نفي النوم وقد ورد عن العرب نفيهما جميعا ومنه قول زهير ولا سنة طوال الدهر تأخذه
ولا ينام وما في أمره فند


"""""" صفحة رقم 272 """"""
فلم يكتف بنفي السنة وأيضا فإن الإنسان يقدر على أن يدفع عن نفسه السنة ولا يقدر على أن يدفع عن نفسه النوم فقد يأخذه النوم ولا تأخذه السنة فلو وقع الاقتصار في النظم القرآني على نفي السنة لم يفد ذلك نفي النوم وهكذا لو وقع الاقتصار على نفي النوم لم يفد نفي السنة فكم من ذي سنة غير نائم وكرر حرف النفي للتنصيص على شمول النفي لكل واحد منهما قوله ) من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( في هذا الاستفهام من الإنكار على من يزعم أن أحدا من عباده يقدر على أن ينفع أحدا منهم بشفاعة أو غيرها والتقريع والتوبيخ له ما لا مزيد عليه وفيه من الدفع في صدور عباد القبور والصد في وجوههم والفت في أعضادهم مالا يقادر قدره ولا يبلغ مداه والذي يستفاد منه فوق ما يستفاد من قوله تعالى ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( وقوله تعالى ) وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ( وقوله تعالى ) لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ( بدرجات كثيرة وقد بينت الأحاديث الصحيحة الثابتة في دواوين الإسلام صفة الشفاعة ولمن هي ومن يقوم بها قوله ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( الضميران لما في السموات والأرض بتغليب العقلاء على غيرهم وما بين أيديهم وما خلفهم عبارة عن المتقدم عليهم والمتأخر عنهم أو عن الدنيا والآخرة وما فيهما قوله ) ولا يحيطون بشيء من علمه ( قد تقدم معنى الإحاطة والعلم هنا بمعنى المعلوم أي لا يحيطون بشيء من معلوماته قوله ) وسع كرسيه ( الكرسي الظاهر أنه الجسم الذي وردت الآثار بصفته كما سيأتي بيان ذلك وقد نفى وجوده جماعة من المعتزلة وأخطئوا في ذلك خطأ بينا وغلطوا غلطا فاحشا وقال بعض السلف إن الكرسي هنا عبارة عن العلم قالوا ومنه قيل للعلماء الكراسي ومنه الكراسة التي يجمع فيها العلم ومنه قول الشاعر تحف بهم بيض الوجوه وعصبة
كراسي بالأخبار حين تنوب
ورجح هذا القول ابن جرير الطبري وقيل كرسيه قدرته التي يمسك بها السموات والأرض كما يقال اجعل لهذا الحائط كرسيا أي ما يعمده وقيل إن الكرسي هو العرش وقيل هو تصوير لعظمته ولا حقيقة له وقيل هو عبارة عن الملك والحق القول الأول ولا وجه للعدول عن المعنى الحقيقي إلا مجرد خيالات تسببت عن جهالات وضلالات والمراد بكونه وسع السموات والأرض أنها صارت فيه وأنه وسعها ولم يضق عنها لكونه بسيطا واسعا وقوله ) ولا يؤوده حفظهما ( معناه لا يثقله ثقالة أدنى الشيء بمعنى أثقلني وتحملت منه مشقة وقال الزجاج يجوز أن يكون الضمير في قوله ) يؤوده ( لله سبحانه ويجوز أن يكون للكرسي لأنه من أمر الله ) العلي ( يراد به علو القدرة والمنزلة وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا هو العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه قال ابن عطية وهذه أقوال جهلة مجسمين وكان الواجب أن لا تحكي انتهى والخلاف في إثبات الجهة معروف في السلف والخلف والنزاع فيه كائن بينهم والأدلة من الكتاب والسنة معروفة ولكن الناشئ على مذهب يرى غيره خارجا عن الشرع ولا ينظر في أدلته ولا يلتفت إليها والكتاب والسنة هما المعيار الذي يعرف به الحق من الباطل ويتبين به الصحيح من الفاسد ) ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ( ولا شك أن هذا اللفظ يطلق على الظاهر الغالب كما في قوله ) إن فرعون علا في الأرض ( وقال الشاعر فلما علونا واستوينا عليهم
تركناهم صرعى لنسر وكاسر
والعظيم بمعنى عظم شأنه وخطره قال في الكشاف إن الجملة الأولى بيان لقيامة بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه والثانية بيان لكونه مالكا لما يدبره والجملة الثالثة بيان لكبرياء شأنه والجملة الرابعة بيان


"""""" صفحة رقم 273 """"""
لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة وغير المرتضى والجملة الخامسة بيان لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها أو لجلاله وعظم قدره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) الحي ( أي حي لا يموت ) القيوم ( القائم الذي لا بديل له واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد في قوله ) القيوم ( قال القائم على كل شيء وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال القيوم الذي لا زوال له وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) لا تأخذه سنة ولا نوم ( قال السنة النعاس والنوم هو النوم واخرجوا إلا البيهقي عن السدي قال السنة ريح النوم الذي تأخذه في الوجه فينعس الإنسان وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) يعلم ما بين أيديهم ( قال ما مضى من الدنيا ) وما خلفهم ( من الآخرة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ما بين أيديهم ( ما قدموا من أعمالهم ) وما خلفهم ( ما أضاعوا من أعمالهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفاء عن ابن عباس في قوله ) وسع كرسيه ( قال علمه ألا ترى إلى قوله ) ولا يؤوده حفظهما ( وأخرج الدارقطني في الصفات والخطيب في تاريخه عنه قال ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قول الله ( وسع كرسيه ) قال كرسيه موضع قدمه والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل ) وأخرجه الحاكم وصححه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي موسى الأشعري مثله موقوفا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لو أن السموات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعته يعني الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر الغفاري أنه سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الكرسي فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( والذي نفسي بيده ما السموات السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة ) وأخرج عبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وأبو الشيخ والطبراني والضياء المقدسي في المختارة عن عمر قال ( أتت إمرأة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقالت ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب سبحانه وقال إن كرسيه وسع السموات والأرض وإن له أطيطا كأطيط المرجل الحديد من ثقله وفي إسناده عبدالله ابن خليفة وليس بالمشهور وفي سماعه من عمر نظر ومنهم من يرويه عن عمر موقوفا وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا أنه موضع القدمين وفي إسناده الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك وقد ورد عن جماعة من السلف من الصحابة وغيرهم في وصف الكرسي آثار لا حاجة في بسطها وقد روى أبو داود في كتاب السنة من سننه من حديث جبير بن مطعم حديثا في صفته وكذلك أورد ابن مردويه عن بريدة وجابر وغيرهما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يؤوده حفظهما ( قال لا يثقل عليه وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) ولا يؤوده ( قال ولا يكثره وأخرج ابن جرير عنه قال العظيم الذي قد كمل في عظمته
واعلم أنه قد ورد في فضل هذه الآية أحاديث فأخرج أحمد ومسلم واللفظ له عن أبي عن كعب ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سأله أي آية من كتاب الله أعظم قال آية الكرسي قال ليهنك العلم أبا المنذر ) وأخرج النسائي وأبو يعلى وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والحاكم وصححه عن أبي بن كعب أنه كان له جرن فيه تمر فكان يتعاهده فوجده ينقص فحرصه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم قال


"""""" صفحة رقم 274 """"""
فسلمت فرد السلام فقلت ما أنت جني أم إنسي قال جني قلت ناولني يدك فناولني فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب فقلت هكذا خلق الجن قال لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني قلت ما حملك على ما صنعت قال بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك فقال له أبي فما الذي يجيرنا منكم قال هذه الآية آية الكرسي التي في سورة البقرة ( من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي فلما أصبح أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فقال صدق الخبيث ) وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني وأبو نعيم في المعرفة بسند رجاله ثقات عن ابن الأسقع البكري ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جاءهم في صفة المهاجرين فسأله إنسان أي آية في القرآن أعظم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ( حتى انقضت الآية ) وأخرج أحمد من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج الدارمي عن أنفع بن عبدالله الكلاعي نحوه وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال ( وكلني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو وذكر قصة وفي آخرها أنه قال له دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت ما هي قال إذا أويت إلى فراشك فاقرا آية الكرسي فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فأخبر أبو هريرة بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أما إنه صدقك وهو كذوب تعلم تخاطب يا أبا هريرة قال لا قال ذلك شيطان كذا ) وأخرج نحو ذلك أحمد عن أبي أيوب وأخرج الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أعظم آية في كتاب الله ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( وأخرج نحوه أحمد والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر مرفوعا وأخرج نحوه أيضا أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعا وأخرج سعيد بن منصور والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه آية الكرسي ) قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأخرج الحاكم من حديث زائدة مرفوعا ( لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي ) وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير وقد تكلم فيه شعبة وضعفه وكذا ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغير واحد وتركه ابن مهدي وكذبه السعدي وأخرج أبو داود والترمذي وصححه من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول في هاتين الآيتين ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( والم الله لا إله إلا هو إن فيهما اسم الله الأعظم وقد وردت أحاديث في فضلها غير هذه وورد أيضا في فضل قراءتها دبر الصلوات وفي غير ذلك وورد أيضا في فضلها مع مشاركة غيرها لها أحاديث وورد عن السلف في ذلك شيء كثير
البقرة 256 257


"""""" صفحة رقم 275 """"""
البقرة : ( 256 ) لا إكراه في . . . . .
قد اختلف أهل العلم في قوله ) لا إكراه في الدين ( على أقوال الأول أنها منسوخة لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام والناسخ لها قوله تعالى ) يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ( وقال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ( وقال ) ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ( وقد ذهب إلى هذا كثير من المفسرين القول الثاني أنها ليست بمنسوخة وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية بل الذين يكرهون هم أهل الأوثان فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وإلى هذا ذهب الشعبي والحسن وقتادة والضحاك القول الثالث أن هذه الآية في الأنصار خاصة وسيأتي بيان ما ورد في ذلك القول الرابع أن معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف إنه مكره فلا إكراه في الدين القول الخامس أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا على الإسلام وقال ابن كثير في تفسيره أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين وضح جلي دلائله وبراهينه لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا وهذا يصلح أن يكون قولا سادسا وقال في الكشاف في تفسيره هذه الاية أي لم يجر الله أمر الإيمان على الاجبار والقسر ولكن على التمكين والاختيار ونحوه قوله ) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( أي لو شاء لقسرهم على الإيمان ولكن لم يفعل وبنى الأمر على الاختيار وهذا يصلح أن يكون قولا سابعا والذي ينبغي إعتماده ويتعين الوقوف عنده أنها في السبب الذي نزلت لأجله محكمة غير منسوخة وهو أن المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت يهود بني نضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا فنزلت أخرجه أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والبيهقي في السنن والضياء في المختارة عن ابن عباس وقد وردت هذه القصة من وجوه حاصلها ما ذكره ابن عباس مع زيادات تتضمن أن الأنصار قالوا إنما جعلناهم على دينهم أي دين اليهود ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا وأن الله جاء بالإسلام فلنكرهنهم فلما نزلت خير الأبناء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يكرههم على الإسلام وهذا يقتضي أن أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم وأدوا الجزية وأما أهل الحرب فالاية وإن كانت تعمهم لأن النكرة في سياق النفي وتعريف الدين يفيدان ذلك والإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لكن قد خص هذا العموم بما ورد من آيات في إكراه أهل الحرب من الكفار على الإسلام قوله ) قد تبين الرشد من الغي ( الرشد هنا الإيمان والغي الكفر أي قد تميز أحدهما من الآخر وهذا استئناف يتضمن التعليل لما قبله والطاغوت فعلوت من طغى يطغى ويطغو إذا جاوز الحد قال سيبويه هو اسم مذكر مفرد أي اسم جنس يشمل القليل والكثير وقال أبو علي الفارسي إنه مصدر كرهبوت وجبروت يوصف به الواحد والجمع وقلبت لامه إلى موضع العين وعينه إلى موضع اللام كجبذ وجذب ثم تقلب الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فقيل طاغوت واختار هذا القول النحاس وقيل أصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق كما قيل لآلئ من اللؤلؤ وقال المبرد هو جمع قال ابن عطية وذلك مردود قال الجوهري والطاغوت الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال وقد يكون واحدا قال الله تعالى ) يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ( وقد


"""""" صفحة رقم 276 """"""
يكون جمعا قال الله تعالى ) أولياؤهم الطاغوت ( والجمع الطواغيب أي فمن يكفر بالشيطان أو الأصنام أو أهل الكهانة ورءوس الضلالة أو بالجميع ) ويؤمن بالله ( عز وجل بعد ما تميز له الرشد من الغي فقد فاز وتمسك بالحبل الوثيق أي المحكم والوثقى فعلى من الوثاقة وجمعها وثق مثل الفضلى والفضل وقد اختلف المفسرون في تفسير العروة الوثقى بعد اتفاقهم على أن ذلك من باب التشبيه والتمثيل لما هو معلوم بالدليل بما هو مدرك بالحاسة فقيل المراد بالعروة الإيمان وقيل الإسلام وقيل لا إله إلا الله ولا ماتن من الحمل على الجميع والإنفصام الإنكسار من غير بينونة قال الجوهري فصم الشيء كسره من غير أن يبين وأما القصم بالقاف فهو الكسر مع البينونة وفسر صاحب الكشاف الانفصام بالانقطاع
البقرة : ( 257 ) الله ولي الذين . . . . .
قوله ) الله ولي الذين آمنوا ( الولي فعيل بمعنى فاعل وهو الناصر وقوله ) يخرجهم ( تفسير للولاية أو حال من الضمير في ولي وهذا يدل على أن المراد بقوله ) الذين آمنوا ( الذين ارادوا الإيمان لأن من قد وقع منه الإيمان قد خرج من الظلمات إلى النور إلا أن يراد بالإخراج إخراجهم من الشبه التي تعرض للمؤمنين فلا يحتاج إلا تقدير الارادة والمراد بالنور في قوله ) يخرجونهم من النور إلى الظلمات ( ما جاء به انبياء الله من الدعوة إلى الدين فإن ذلك نور للكفار أخرجهم أولياؤهم عنه إلى ظلمة الكفر أي قررهم أولياؤهم على ما هم عليه من الكفر بسبب صرفهم عن إجابة الداعي إلى الله من الأنبياء وقيل المراد بالذين كفروا هنا الذين ثبت في علمه تعالى كفرهم يخرجهم أولياؤهم من الشياطين ورؤوس الضلال من النور الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى ظلمات الكفر التي وقعوا فيها بسبب ذلك الإخراج
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن سعيد بن جبير نحو ما تقدم عن ابن عباس من ذكر سبب نزول قوله تعالى ) لا إكراه في الدين ( وزاد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خير الأبناء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي نحوه أيضا وقال فلحق بهم أي ببني النضير من لم يسلم وبقي من أسلم وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة فثبتوا على دينهم فلما جاء الإسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) لا إكراه في الدين ( قال نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية فنزلت وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن عبيدة نحوه وكذلك أخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة قال كانت العرب ليس لها دين فأكرهوا على الدين بالسيف قال ولا تكرهوا اليهود ولا النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن نحوه وأخرج البخاري عن أسلم سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية أسلمي تسلمي فأبت فقال اللهم اشهد ثم تلا ) لا إكراه في الدين ( وروى عنه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم أنه قال لزنبق الرومي غلامه لو أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين فأبى فقال ) لا إكراه في الدين ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى في قوله ) لا إكراه في الدين ( قال نسختها ) جاهد الكفار والمنافقين (
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال الطاغوت الشيطان واخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال الطاغوت الكاهن وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال الطاغوت الساحر وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال الطاغوت


"""""" صفحة رقم 277 """"""
ما يعبد من دون الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال العروة الوثقى لا إله إلا الله وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أنس بن مالك أنها القرآن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أنها الإيمان وعن سفيان أنها كلمة الإخلاص وقد ثبت في الصحيحين تفسير العروة الوثقى في غير هذه الآية بالإسلام مرفوعا في تعبيره ( صلى الله عليه وسلم ) لرؤيا عبدالله بن سلام وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود فمن تمسك بهما فقد تمسك بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها ) وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال إذا وحد الله وآمن بالقدر فهي العروة الوثقي وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاذ أنه سئل عن قوله ) لا انفصام لها ( قال لا انقطاع لها دون دخول الجنة وأخرج ابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله ( الله ولي الذين آمنوا ) الآية قال هم قوم كانوا كفروا بعيسى فآمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ) الآية قال هم قوم آمنوا بعيسى فلما بعث محمد كفروا به وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال الظلمات الكفر والنور الإيمان وأخرج أبو الشيخ عن السدي مثله
البقرة 258
البقرة : ( 258 ) ألم تر إلى . . . . .
في هذه الآية استشهاد على ما تقدم ذكره من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت وهمزة الاستفهام لإنكار النفي والتقرير المنفي أي ألم ينته علمك أو نظرك إلى هذا الذي صدرت منه المحاجة قال الفراء ألم تر بمعنى هل رأيت أي هل رأيت الذي حاج إبراهيم وهو النمروذ بن كوس بن كنعان بن سلم بن نوح وقيل إنه النمروذ بن فالخ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام وقوله ( أن آتاه الله الملك ) أي لأن آتاه الله أو من أجل أن آتاه الله على معنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتو فحاج لذلك أو على أنه وضع المحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه من الشكر كما يقال عاديتنى لأني أحسنت إليك أو وقت أن آتاه الله الملك وقوله ) إذ قال إبراهيم ( هو ظرف لحاج وقيل بدل من قوله ) أن آتاه الله الملك ( على الوجه الأخير وهو بعيد قوله ) ربي الذي يحيي ويميت ( بفتح ياء ربي وقرىء بحذفها قوله ) أنا أحيي ( قرأ جمهور القراء أنا أحيي بطرح الألف التي بعد النون من أنا في الوصل وأثبتها نافع وابن أبي أويس كما في قول الشاعر أنا شيخ العشيرة فاعرفوني
حميدا قد تذربت السناما
أراد إبراهيم عليه السلام أن الله هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد وأراد الكافر أنه يقدر أن يعفو عن القتل فيكون ذلك إحياء وعلى أن يقتل فيكون ذلك إماتة فكان هذا جوابا أحمق لا يصح نصبه في مقابلة حجة إبراهيم لأنه أراد غير ما أراده الكافر فلو قال له ربه الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد فهل تقدر على ذلك لبهت الذي كفر بادئ بدء وفي أول وهلة ولكنه انتقل معه إلى حجة أخرى تنفيسا لخناقه وإرسالا لعنان المناظرة فقال ) فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ( لكون لهذه الحجة لا تجري فيها المغالطة لا يتيسر للكافر أن يخرج عنها بمخرج مكابرة ومشاغبة قوله ) فبهت الذي كفر ( بهت الرجل وبهت وبهت


"""""" صفحة رقم 278 """"""
إذا انقطع وسكت متحيرا قال ابن جرير وحكى عن بعض العرب في هذا المعنى بهت بفتح الباء والهاء قال ابن جني قرأ أبو حيوة فبهت بفتح الباء وضم الهاء وهي لغة في بهت بكسر الهاء قال وقرأ ابن السميفع فبهت بفتح الباء والهاء على معنى فبهت إبراهيم الذي كفر فالذي في موضع نصب قال وقد يجوز أن يكون بهت بفتحهما لغة في بهت وحكى أبو الحسن الأخفش قراءة ) فبهت ( بكسر الهاء قال والأكثر بالفتح في الهاء قال ابن عطية وقد تأول قوم في قراءة من قرأ فبهت بفتحهما أنه بمعنى سب وقذف وأن النمروذ هو الذي سب حين انقطع ولم يكن له حيلة انتهى وقال سبحانه ) فبهت الذي كفر ( ولم يقل فبهت الذي حاج إشعار بأن تلك المحاجة كفر وقوله ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( تذييل مقرر لمضمون الجملة التي قبله
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب أن الذي حاج إبراهيم في ربه هو نمروذ بن كنعان وأخرجه ابن جرير عن مجاهد وقتادة والربيع والسدي وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم أن أول جبار كان في الأرض نمروذ وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام فخرج إبراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار فإذا مر به ناس قال من ربكم قالوا أنت حتى مر به إبراهيم فقال من ربك قال الذي يحيى ويميت قال أنا أحيي وأميت قال فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر فرده بغير طعام فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب من رمل أصفر فقال ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم فأخذ منه فأتى أهله فوضع متاعة ثم نام فقامت إمرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هي بأجود طعام رآه آخذ فصنعت له منه فقربته إليه وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام فقال من أين هذا قالت من الطعام الذي جئت به فعرف أن الله رزقه فحمد الله ثم بعث الله إلى الجبار ملكا أن آمن وأتركك على ملكك قال فهل رب غيري فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه ثم أتاه الثالثة فأبى عليه فقال له الملك فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام فجمع الجبار جموعه فأمر الله الملك ففتح عليه بابا من البعوض وطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها فبعثها الله عليهم فأكلت شحومهم وشربت دماءهم فلم يبق إلا العظام والملك كما هو لا يصيبه من ذلك شيء فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه وكان جبارا أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ثم أماته الله وهو الذي كان بني صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال هو نمروذ بن كنعان يزعمون أنه أول من ملك في الأرض أتى برجلين قتل أحدهما وترك الآخر فقال ) أنا أحيي وأميت ( وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( قال إلى الإيمان
البقرة 259


"""""" صفحة رقم 279 """"""
البقرة : ( 259 ) أو كالذي مر . . . . .
قوله ) أو كالذي ( أو للعطف حملا على المعنى والتقدير هل رأيت كالذي حاج أو كالذي مر على قرية قاله الكسائي والفراء وقال المبرد إن المعنى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ألم تر من هو كالذي مر على قرية فحذف قوله من هو وقد اختار جماعة أن الكاف زائدة واختار آخرون أنها اسمية والمشهور أن القرية هي بيت المقدس بعد تخريب بخنصر لها وقيل المراد بالقرية أهلها وقوله ) خاوية على عروشها ( أي ساقطة على عروشها أي سقط السقف ثم سقطت الحيطان عليه قاله السدي واختاره ابن جرير وقيل معناه خالية من الناس والبيوت قائمة وأصل الخواء الخلو يقال خوت الدار وخويت تخوى خواء ممدود وخويا وخويا أقفرت والخواء أيضا الجوع لخلو البطن عن الغذاء والظاهر القول الأول بدلالة قوله ) على عروشها ( من خوى البيت إذا سقط أو من خوت الأرض إذا تهدمت وهذه الجملة حالية أي من حال كونها كذلك وقوله ) أنى يحيي هذه الله ( أي متى يحيي أو كيف يحيي وهو استبعاد لإحيائها وهي على تلك الحالة المشابهة لحالة الأموات المباينة لحالة الأحياء وتقديم المفعول لكون الاستبعاد ناشئا من جهته لا من جهة الفاعل فلما قال المار هذه المقالة مستبعدا لإحياء القرية المذكورة بالعمارة لها والسكون فيها ضرب الله له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه ) فأماته الله مائة عام ثم بعثه ( وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال كان هذا القول شكا في قدرة الله على الإحياء فلذلك ضرب له المثل في نفسه قال ابن عطية ليس يدخل شك في قدرة الله سبحانه على إحياء قرية بجلب العمارة اليها وإنما يتصور الشك إذا كان سؤاله عن إحياء موتاها وقوله ) مائة عام ( منصوب على الظرفية والعام السنة أصله مصدر كالعوم سمي به هذا القدر من الزمان وقوله ) بعثه ( معناه أحياه قوله ) قال كم لبثت ( هو استئناف كأن سائلا سأله ماذا قال له بعد بعثه واختلف في فاعل قال فقيل هو الله عز وجل وقيل ناداه بذلك ملك من السماء قيل هو جبريل وقيل غيره وقيل إنه نبي من الأنبياء قيل رجل من المؤمنين من قومه شاهده عند أن أماته الله وعمر إلى عند بعثه والأول أولى لقوله فيما بعد ) وانظر إلى العظام كيف ننشزها ( وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة إلا عاصما ? كم لبت ? بإدغام الثاء في التاء لتقاربهما في المخرج وقرأ غيرهم بالإظهار وهو أحسن لبعد مخرج الثاء من مخرج التاء و ( كم ) في موضع نصب على الظرفية وإنما قال ( يوما أو بعض يوم ) بناء على ما عنده وفي ظنه فلا يكون كاذبا ومثله قول أصحاب الكهف ) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ( ومثله قوله ( صلى الله عليه وسلم ) في قصة ذي اليدين لم تقصر ولم أنس وهذا مما يؤيد قول من قال إن الصدق ما طابق الإعتقاد والكذب ما خالفه وقوله ) قال بل لبثت مائة عام ( هو استئناف أيضا كما سلف أي ما لبثت يوما أو بعض يوم بل لبثت مائة عام وقوله ) فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ( أمره سبحانه أن ينظر إلى هذا الأثر العظيم من آثار القدرة وهو عدم تغير طعامه وشرابه مع طول تلك المدة وقرأ ابن مسعود ( وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه ) وقرأ طلحة بن مصرف ( وانظر لطعامك وشرابك لمائة سنة ) وروى عن طلحة أيضا أنه قرأ ( لم يسن ) بإدغام التاء في السين وحذف الهاء وقرأه الجمهور بإثبات الهاء في الوصل والتسنه مأخوذ من السنة أي لم تغيره السنون واصلها سنهة أو سنوة من سنهت النخلة وتسنهت إذا أتت عليها السنون ونخلة سنا أي تحمل سنة ولا تحمل أخرى وأسنهت عند بني فلان أقمت عندهم وأصله يتسنا سقطت الألف للجزم والهاء للسكت وقيل هو من أسن الماء إذا تغير وكان يجب على هذا أن يقال يتأسن من قوله ) حمإ مسنون ( قاله أبو عمرو الشيباني وقال الزجاج ليس كذلك لأن قوله ) مسنون ( ليس معناه متغير وأنما معناه مصبوب على سنة الأرض وقوله ) وانظر إلى حمارك ( اختلف المفسرون في معناه فذهب الاكثر إلى ان معناه انظر إليه كيف


"""""" صفحة رقم 280 """"""
تفرقت أجزاؤه ونخرت عظامه ثم أحياه الله وعاد كما كان وقال الضحاك ووهب بن منبه انظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شئ بعد ان مضت عليه مائة عام ويؤيد القول الأول قوله تعالى ( وانظر إلى العظام كيف ينشزها ) ويؤيد القول الثاني مناسبته لقوله ( فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ) وإنما ذكر سبحانه عدم تغير طعامه وشرابه بعد إخباره انه لبث مائة عام مع ان عدم تغير ذلك الطعام والشراب لا يصلح ان يكون دليلا على تلك المدة الطويلة بل على ما قاله من لبثه يوما أو بعض يوم لزيادة استعظام ذلك الذي أماته الله تلك المدة فإنه إذا رأى طعامه وشرابه لم يتغير مع كونه قد ظن انه لم يلبث إلا يوما أو بعض يوم زادت الحيرة وقويت عليه الشبهة فإذا نظر إلى حماره عظاما نخرة تقرر لديه ان ذلك صنع من تأتى قدرته بما لا تحيط به العقول فإن الطعام والشراب سريع التغير وقد بقي هذه المدة الطويلة غير متغير والحمار يعيش المدة الطويلة وقد صار كذلك فتبارك الله أحسن الخالقين قوله ( ولنجعلك آية للناس ) قال الفراء إنه أدخل الواو في قوله ( ولنجعلك ) دلالة على انها شرط لفعل بعدها معناه ولنجعلك آية الناس ودلالة على البعث بعد الموت جعلنا ذلك وإن شئت جعلت الواو مقحما زائدة قال الأعمش موضع كونه آية هو انه جاء شبابا على حاله يوم مات فوجد الأبناء والحفدة شيوخا قوله ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) قرأ الكوفيون وابن عامر بالزاي والباقون بالراء وروى أبان عن عاصم ( ننشرها بفتح النون الأولى وسكون الثانية وضم الشين والراء
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الحاكم وصححه عن زيد بن ثابت ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ( كيف ننشزها ) بالزاي فمعنى القراءة بالزاي نرفعها ومنه النشر وهو المرتفع من الأرض اي يرفع بعضها إلى بعض وأما معنى القراءة بالراء المهملة فواضحة من أنشر الله الموتى أي أحياها وقوله ( ثم نكسوها لحما ) أي نسترها به كما نستر الجسد باللباس فاستعار اللباس لذلك كما استعاره النابغة للإسلام فقال الحمد لله إذ لم ياتني أجلي
حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
قوله ( فلما تبين له ) أي ما تقدم ذكره من الآيات التي أراه الله سبحانه وأمره بالنظر إليها والتفكير فيه ( قال أعلم ان الله على كل شئ قدير ) لا يستعصى عليه شئ من الأشياء قال ابن جرير المعنى في قوله ( فلما تبين له أي لما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه ( قال أعلم ) وقال أبو علي الفارسي معناه أعلم أن هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته وقرأ حمزة والكسائي ( قال أعلم ) على لفظ الأمر خطابا لنفسه على طريق التجريد وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن على في قوله ( أو كالذي مر على قرية ) قال خرج عزيز نبي الله من مدينته وهو شاب فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها فقال ( أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) فأول ما خلق الله عيناه فجعل ينظر إلى عظامه ينضم بعضها إلى بعض ثم كسيت لحما ثم نفخ فيه الروح فقيل له ( كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام ) فأتى مدينته وقد ترك جارا له إسكافا شابا فجاء وهو شيخ كبير وقد ورد عن جماعة من السلف ان الذي أماته الله عزير منهم ابن عباس عند ابن جرير وابن عساكر ومنهم عبدالله بن سلام عند الخطيب وابن عساكر ومنهم عكرمة وقتادة وسليمان وبريدة والضحاك والسدى عند ابن جرير ورود عن جماعة آخرين ان الذي أماته الله هو نبي اسمه أرمياء فمنهم عبدالله بن عبيد بن عمير عند عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ومنهم وهب ابن منبه عند عبدالرزاق وابن جرير وأبي الشيخ وأخرج ابن إسحاق عنه أيضا انه الخضر وأخرج ابن أبي حاتم عن رجل من أهل الشام انه حزقيل وروى ابن كثير عن مجاهد انه رجل من بني إسرائيل والمشهور القول الأول


"""""" صفحة رقم 281 """"""
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( خاوية ) قال خراب وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال ( خاوية ) ليس فيها أحد وأخرج أيضا عن الضحاك قال ( على عروشها ) سقوفها وأخرج ابن جرير عن السدى قال ساقطة على سقوفها وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال ( لبثت يوما ) ثم إلتفت فرأى الشمس فقال ( أو بعض يوم ) وأخرج عنه أيضا قال كان طعامه الذي معه سلة من تين وشرابه زق من عصير وأخرج أيضا عن مجاهد نحوه واخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( لم يتسنه ) قال لم يتغير وأخرج عبد بن حميد وابن جرير قال ( لم يتسنه ) لم ينتن وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ( ولنجعلك آية للناس ) مثل ما تقدم عن الأعمش وكذلك أخرج مثله أيضا عن عكرمة وأخرج ابن جرير وابن امنذر عن ابن عباس في قوله ( كيف ننشزها ) قال نخرجها وأخرج ابن جرير عن زيد بن ثابت قال نحييها
البقرة 260
البقرة : ( 260 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
قوله ( وإذ ) ظرف منصوب بفعل محذوف أي اذكر وقت قول إبراهيم وأنما كان الأمر بالذكر موجها إلى الوقت دون ما وقع فيه مع كونه المقصود لقصد المبالغة لأن طلب وقت الشيء يستلزم طلبه بالأولى وهكذا يقال في سائر المواضع الواردة في الكتاب العزيز بمثل هذا الظرف وقوله ) رب ( آثره على غيره لما فيه من الاستعطاف الموجب لقبول ما يرد بعده من الدعاء وقوله ) أرني ( قال الأخفش لم يرد رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين وكذا قال غيره ولا يصح أن يراد الرؤية القلبية هنا لأن مقصود إبراهيم أن يشاهد الإحياء لتحصل له الطمأنينة والهمزة الداخلة على الفعل لقصد تعديته إلى المفعول الثاني وهو الجملة أعني قوله ) كيف تحيي الموتى ( وكيف في محل نصب على التشبيه بالظرف أو بالحال والعامل فيها الفعل الذي بعدها وقوله ) أو لم تؤمن ( عطف على مقدر أي ألم تعلم ولم تؤمن بأني قادر على الإحياء حتى تسألني إراءته ) قال بلى ( علمت وآمنت بأنك قادر على ذلك ولكن سالت ليطمئن قلبي باجتماع دليل العيان إلى دلائل الإيمان وقد ذهب الجمهور إلى أن إبراهيم لم يكن شاكا في إحياء الموتى قط وإنما طلب المعاينة لما جبلت عليه النفوس البشرية من رؤية ما أخبرت عنه ولهذا قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ليس الخبر كالمعاينة ) وحكى ابن جرير عن طائفة من أهل العلم أنه سأل ذلك لأنه شك في قدرة الله واستدلوا بما صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيحين وغيرهما من قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم ) وبما روى عن ابن عباس أنه قال ( ما في القرآن عندي آية أرجي منها ) أخرجه عنه عبدالرزاق وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه ورجح هذا ابن جرير بعد حكايته له قال ابن عطية وهو عندي مردود يعني قول هذه الطائفة ثم قال وأما قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك فإبراهيم أحرى أن لا يشك فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم وأما قول ابن عباس هي أرجى آية فمن حيث أن فيها الإدلال على الله وسؤال الإحياء في الدنيا وليست مظنة ذلك ويجوز أن نقول هي أرجى آية لقوله ) أو لم تؤمن ( أي أن الإيمان كاف لا يحتاج


"""""" صفحة رقم 282 """"""
معه إلى تنقير وبحث قال فالشك يبعد على من ثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوة والخلة والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر الألفاظ للآية لم تعط شكا وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤل نحو قولك كيف علم زيد وكيف نسج الثوب ونحو هذا ومتى قلت كيف ثوبك وكيف زيد فإنما السؤال عن حال من أحواله وقد تكون كيف خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف نحو قولك كيف شئت فكن ونحو قول البخاري كيف كان بدء الوحي وهي في هذه الآية استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبرون عن إنكاره بالإستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح مثال ذلك أن يقول مدع أنا أرفع هذا الجبل فيقول المكذب له ارني كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة ومعناها تسليم جدل كأنه يقول افرض أنك ترفعه فلما كان في عبارة الخليل هذا الاشتراك المجازي خلص الله له ذلك وحمله على أن بين له الحقيقة فقال له ) أو لم تؤمن قال بلى ( فكمل الأمر وتخلص من كل شيء ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمأنينة قال القرطبي هذا ما ذكره ابن عطية وهو بالغ ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث وقد أخبر الله سبحانه أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( وقال اللعين ) إلا عبادك منهم المخلصين ( وإذا لم يكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها واتصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها فأراد أن يرقى من علم اليقين إلى عين اليقين فقوله ) أرني كيف ( طلب مشاهدة الكيفية قال الماوردي وليست الألف في قوله ) أو لم تؤمن ( ألف الاستفهام وإنما هي ألف إيجاب وتقرير كما قال جرير ألستم خير من ركب المطايا
وأندي العالمين بطون راح
والواو واو الحال و ( تؤمن ) معناه إيمانا مطلقا دخل فيه فضل إحياء الموتى والطمأنينة اعتدال وسكون وقال ابن جرير معنى ) ليطمئن قلبي ( ليوقن قوله ) فخذ أربعة من الطير ( الفاء جواب شرط محذوف أي إن أردت ذلك فخذ والطير اسم جمع لطائر كركب لراكب أو جمع أو مصدر وخص الطير بذلك قيل لأنه أقرب أنواع الحيوان إلى الإنسان وقيل إن الطير همته الطيران في السماء والخليل كانت همته العلو وقيل غير ذلك من الأسباب الموجبة لتخصيص الطير وكل هذه لا تثمن ولا تغني من جوع وليست إلا خواطر أفهام وبوادر أذهان لا ينبغي أن تجعل وجوها لكلام الله وعللا لما يرد في كلامه وهكذا قيل ما وجه تخصيص هذا العدد فإن الطمأنينة تحصل بإحياء واحد فقيل إن الخليل إنما سأل واحدا على عدد العبودية فأعطى أربعا على قدر الربوبية وقيل إن الطيور الأربعة إشارة إلى الأركان الأربعة التي منها تتركب اركان الحيوان ونحو ذلك من الهذيان قوله ) فصرهن إليك ( قرئ بضم الصاد وكسرها أي اضممهن إليك وأملهن واجمعهن يقال رجل أصور إذا كان مائل العنق ويقال صار الشيء يصوره أماله قال الشاعر الله يعلم أنا في تلفتنا
يوم الفراق إلى جيراننا صور
وقيل معناه قطعهن يقال صار الشيء يصوره أي قطعه ومنه قول توبة بن الحمير فأدنت لي الأسباب حتى بلغتها
بنهضي وقد كان اجتماعي بصورها
أي بقطعها وعلى هذا يكون قوله ) إليك ( متعلقا بقوله ) خذ ( وقوله ) ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا (


"""""" صفحة رقم 283 """"""
فيه ألأمر بالتجزئة لأن جعل كل جزء على جبل تستلزم تقدم التجزئة قال الزجاج المعنى ثم اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا والجزء النصيب وقوله ) يأتينك ( في محل جزم على أنه جواب الأمر ولكنه بني لأجل نون الجمع المؤنث قوله ) سعيا ( المراد به الإسراع في الطيران أو المشي
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال إن إبراهيم مر برجل ميت زعموا أنه حبشي على ساحل البحر فرأى دواب البحر تخرج فتأكل منه وسباع الأرض تأتيه فتأكل منه والطير يقع عليه فيأكل منه فقال إبراهيم عند ذلك رب هذه دواب البحر تأكل من هذا وسباع الأرض والطير ثم تميت هذه فتبلى ثم تحييها فأرني كيف تحيي الموتى ) قال أو لم تؤمن ( يا إبراهيم أني أحيي الموتى ) قال بلى ( يا رب ) ولكن ليطمئن قلبي ( يقول لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني فقال الله خذ أربعا من الطير واصنع ما صنع والطير الذي أخذ وز ورأل وديك وطاوس وأحد نصفين مختلفين ثم أتى أربعة أجبل فجعل على كل جبل نصفين مختلفين وهو قوله ) ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ( ثم تنحى ورءوسها تحت قدميه فدعا باسم الله الأعظم فرجع كل نصف إلى نصف وكل ريش إلى طائره ثم أقبلت تطير بغير رءوس إلى قدميه تريد رءوسها بأعناقها فرفع قدميه فوضع كل طائر منها عنقه في رأسه فعادت كما كانت وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج أيضا عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أنها كانت جيفة حمار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) ولكن ليطمئن قلبي ( يقول أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سالتك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فخذ أربعة من الطير ( قال الغرنوق والطاوس والديك والحمامة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال الأربعة من الطير الديك والطاوس والغراب والحمام وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس ) فصرهن ( قال قطعهن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال هي بالنبطية شققهن وأخرجا عنه أنه قال ) فصرهن ( أوثقهن وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال على سبعة أجبل وأخذ الرءوس بيده فجعل ينظر إلى القطرة تلقى القطرة والريشة تلقى الريشة حتى صرن أحياء ليس لهن رءوس فجئن إلى رءوسهن فدخلن فيها
البقرة 261 265


"""""" صفحة رقم 284 """"""
البقرة : ( 261 ) مثل الذين ينفقون . . . . .
قوله ) كمثل حبة ( لا يصح جعل هذا خبرا عن قوله ) مثل الذين ينفقون ( لاختلافهما فلا بد من تقدير محذوف إما في الأول أي مثل نفقة الذين ينفقون أو في الثاني أي كمثل زارع حبة والمراد بالسبع السنابل هي التي تخرج في ساق واحد يتشعب منه سبع شعب في كل شعبة سنبلة والحبة اسم لكل ما يزدرعه ابن آدم ومنه قول المتلمس آليت حب العراق الدهر أطعمه
والحب يأكله في القرية السوس
قيل المراد بالسنابل هنا سنابل الدخن فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد وقال القرطبي إن سنبل الدخن يجيء في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين وأكثر على ما شاهدنا قال ابن عطية وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة وأما في سائر الحبوب فأكثر ولكن المثال وقع بهذا القدر وقال الطبري إن قوله ) في كل سنبلة مائة حبة ( معناه إن وجد ذلك وإلا فعلى أن تفرضه قوله ) والله يضاعف لمن يشاء ( يحتمل أن يكون المراد يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء أو يضاعف هذا العدد فيزيد عليه أضعافه لمن يشاء وهذا هو الراجح لما سيأتي وقد ورد القرآن بأن الحسنة بعشر أمثالها واقتضت هذه الآية بأن نفقة الجهاد حسنتها بسبعمائة ضعف فيبني العام على الخاص وهذا بناء على ان سبيل الله هو الجهاد فقط وأما إذا كان المراد به وجوه الخير فيخص هذا التضعيف إلى سبعمائة بثواب النفقات وتكون العشرة الأمثال فيما عدا ذلك
البقرة : ( 262 ) الذين ينفقون أموالهم . . . . .
قوله ) الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ( هذه الجملة متضمنة لبيان كيفية الإنفاق الذي تقدم أي هو إنفاق الذين ينفقون ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى والمن هو ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها وقيل المن التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه والمن من الكبائر كما ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم والأذى السب والتطاول والتشكي قال في الكشاف ومعنى ( ثم ) إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى وإن تركهما خير من نفس الإنفاق كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله ) ثم استقاموا ( انتهى وقدم المن على الأذى لكثرة وقوعه ووسط كلمة ( لا ) للدلالة على شمول النفي وقوله ( عند ربهم ) فيه تأكيد وتشريف وقوله ولا خوف عليهم عليهم ظاهرة نفي الخوف عنهم في الدارين لما تفيده النكرة الواقعة في ساق النفي من الشمول وكذلك ) ولا هم يحزنون ( يفيد دوام انتفاء الحزن عنهم
البقرة : ( 263 ) قول معروف ومغفرة . . . . .
قوله ) قول معروف ومغفرة ( قيل الخبر محذوف أي أولى وأمثل ذكره النحاس قال ويجوز أن يكون خبرا عن مبتدأ محذوف أي الذي أمرتم به قول معروف وقوله ) ومغفرة ( مبتدأ أيضا وخبره قوله ) خير من صدقة ( وقيل إن قوله ) خير ( خبر عن قوله ) قول معروف ( وعن قوله ) ومغفرة ( وجاز الابتداء بالنكرتين لأن الأولى تخصصت بالوصف والثانية بالعطف والمعنى أن القول المعروف من المسئول للسائل وهو التأنيس والترجية بما عند الله والرد الجميل خير من الصدقة التي يتبعها أذى وقد ثبت في صحيح مسلم عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ( الكلمة الطيبة صدقة وإن من المعروف أن تلفى أخاك بوجه طلق ) وما أحسن ما قاله ابن دريد


"""""" صفحة رقم 285 """"""
لا تدخلنك ضجرة من سائل
فلخير دهرك أن ترى مسئولا
لا تجبهن بالرد وجه مؤمل
فبقاء عزك أن ترى مأمولا
والمراد بالمغفرة الستر للخلة وسوء حالة المحتاج والعفو عن السائل إذا صدر منه من الإلحاح ما يكدر صدر المسئول وقيل المراد أن العفو من جهة السائل لأنه إذا رده ردا جميلا عذره وقيل المراد فعل يؤدى إلى المغفرة خير من صدقة أي غفران الله خير من صدقتكم وهذه الجملة مستأنفة مقررة لترك اتباع المن والأذى للصدقة
البقرة : ( 264 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ( الإبطال للصدقات إذهاب أثرها وإفساد منفعتها أي لا تبطلوها بالمن والأذى أو بأحدهما قوله ) كالذي ( أي إبطالا كإبطال الذي على أنه نعت لمصدر محذوف ويجوز أن يكون حالا أي لا تبطلوا مشابهين للذي ينفق ماله رئاء الناس وانتصاب رئاء على أنه علة لقوله ) ينفق ( أي لأجل الرياء أو حال أي ينفق مرائيا لا يقصد بذلك وجه الله وثواب الآخرة بل يفعل ذلك رياء للناس استجلابا لثنائهم عليه ومدحهم له قيل والمراد به المنافق بدليل قوله ) ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ( قوله ) فمثله كمثل صفوان ( الصفوان الحجر الكبير الأملس وقال الأخفش صفوان جمع صفوانة وقال الكسائي صفوان واحد وجمعه صفي وأصفى وأنكره المبرد وقال النحاس يجوز أن يكون جمعا ويجوز أن يكون واحدا وهو أولى لقوله ) عليه تراب فأصابه وابل ( والوابل المطر الشديد مثل الله سبحانه هذا المنفق بصفوان عليه تراب يظنه الظان أرضا منبتة طيبة فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا أي أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه فكذلك هذا المرائي فإن نفقته لا تنفعه كما لا ينفع المطر الواقع على الصفوان الذي عليه تراب قوله ) لا يقدرون على شيء مما كسبوا ( أي لا ينتفعون بما فعلوه رياء ولا يجدون له ثوابا والجملة مستأنفة كأنه قيل ماذا يكون حالهم حينئذ فقيل لا يقدرون إلخ والضميران للموصول أي كالذي باعتبار المعنى كما في قوله تعالى ) وخضتم كالذي خاضوا ( أي الجنس أو الجمع أو الفريق
البقرة : ( 265 ) ومثل الذين ينفقون . . . . .
قوله ) ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم ( قيل إن قوله ) ابتغاء مرضات الله ( مفعول له وتثبيتا معطوف عليه وهو أيضا مفعول له أي الإنفاق لأجل الإبتغاء والتثبيت كذا قال مكي في المشكل قال ابن عطية وهو مردود لا يصح في تثبيتا أنه مفعول من أجله لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت قال وابتغاء نصب على المصدر في موضع الحال وكان يتوجه فيه النصب على المفعول من أجله لكن النصب على المصدر هو الصواب من جهة عطف المصدر الذي هو تثبيتا عليه وابتغاء معناه طلب ومرضات مصدر رضي يرضى وتثبيتا معناه أنهم يتثبتون من أنفسهم ببذل أموالهم على الإيمان وسائر العبادات رياضة لها وتدريبا وتمرينا أو يكون التثبيت بمعنى التصديق أي تصديقا للإسلام ناشئا من جهة أنفسهم وقد اختلف السلف في معنى هذا الحرف فقال الحسن ومجاهد معناه أنهم يتثبتون أنهم يضعوا صدقاتهم وقيل معناه تصديقا ويقينا روى ذلك عن ابن عباس وقيل معناه احتسابا من أنفسهم قاله قتادة وقيل معناه أن أنفسهم لها بصائر فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتا قاله الشعبي والسدي وابن زيد وأبو صالح وهذا أرجح مما قبله يقال ثبت فلانا في هذا الأمر أثبته تثبيتا أي صححت عزمه قوله ) كمثل جنة بربوة أصابها وابل ( الجنة البستان وهي أرض تنبت فيها الأشجار حتى تغطيها مأخوذة من لفظ الجن والجنين لاستتارها والربوة المكان المرتفع ارتفاعا يسيرا وهي مثلثة الراء وبها قرئ وإنما خص الربوة لأن نباتها يكون أحسن من غيره مع كونه لا يصطلمه البرد في الغالب للطاقة هوائه بهبوب الرياح الملطفة له قال الطبري وهي رياض الحزم التي تستكثر العرب من ذكرها واعترضه ابن عطية فقال إن رياض الحزن


"""""" صفحة رقم 286 """"""
منسوبة إلى نجد لأنها خير من رياض تهامة ونبات نجد أعطر ونسيمه أبرد وأرق ونجد يقال لها حزن وليست هذه المذكورة هنا من ذاك ولفظ الربوة مأخوذ من ربا يربو إذا زاد وقال الخليل الربوة أرض مرتفعة طيبة والوابل المطر الشديد كما تقدم يقال وبلت السماء تبل والأرض موبولة قال الاخفش ومنه قوله تعالى ) أخذا وبيلا ( أي شديدا وضرب وبيل وعذاب وبيل ) فآتت أكلها ( بضم الهمزة الثمر الذي يؤكل كقوله تعالى ) تؤتي أكلها كل حين ( وإضافته إلى الجنة إضافة أختصاص كسرج الفرس وباب الدار قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو أكلها بضم الهمزة وسكون الكاف تخفيفا وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بتحريك الكاف بالضم وقوله ) ضعفين ( أي مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل فالمراد بالضعف المثل وقيل أربعة أمثال ونصبه على الحال من أكلها أي مضاعفا قوله ) فإن لم يصبها وابل فطل ( أي فإن الطل يكفيها وهو المطر الضعيف المستدق القطر قال المبرد وغيره وتقديره فطل يكفيها وقال الزجاج تقديره فالذي يصيبها طل والمراد أن الطل ينوب مناب الوابل في إخراج الثمرة ضعفين وقال قوم الطل الندى وفي الصحاح الطل أضعف المطر والجمع أطلال قال الماوردي وزرع الطل أضعف من زرع المطر والمعنى أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله لا تضيع بحال وإن كانت متفاوتة ويجوز أن يعتبر التمثيل ما بين حالهم باعتبار ما صدر عنهم من النفقة الكثيرة والقليلة وبين الجنة المعهودة باعتبار ما أصابها من المطر الكثير والقليل فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكلها فكذلك نفقتهم جلت أو قلت بعد أن يطلب بها وجه الله زاكية زائدة في أجورهم وقوله ) الله بما تعملون بصير ( قرأ الزهري بالتاء التحتية وقرأ الجمهور بالفوقية وفي هذا ترغيب لهم في الإخلاص مع ترهيب من الرياء ونحوه فهو وعد ووعيد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ( عن الربيع قال كان من ( بايع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على الهجرة ورابط معه بالمدينة ولم يذهب وجها إلا بإذنه كانت له الحسنة بسبعمائة ضعف ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها ) وأخرج مسلم وأحمد والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود أن رجلا تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة ) وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن خزيم بن فاتك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف ) وأخرجه البخاري في تاريخه من حديث أنس وأخرجه أحمد من حديث أبي عبيدة وزاد ( ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضا فالحسنة بعشر أمثالها ) وأخرج نحوه النسائي في الصوم وأخرج ابن ماجة وابن أبي حاتم من حديث عمران بن حصين وعلي وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة وعبدالله ابن عمرو وجابر كلهم يحدث عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم ثم تلا هذه الآية ) والله يضاعف لمن يشاء ( ) وأخرجه أيضا ابن ماجة من حديث الحسن بن علي
وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله يقول الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) وأخرجه أيضا مسلم وأخرج الطبراني من حديث معاذ بن جبل أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة كل حسنة منها عشرة أضعاف ) وقد


"""""" صفحة رقم 287 """"""
تقدم ذكر طرف من أحاديث التضعيف للحسنات عند قوله تعالى ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( وقد وردت الأحاديث الصحيحة في أجر من جهز غازيا وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن سهل بن معاذ عن أبيه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الصلاة والصوم والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله سبعمائة ضعف ) وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه عن بريدة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف ) وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال في تفسير قوله تعالى ) ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ( إن أقواما يبعثون الرجل منهم في سبيل الله أو ينفق على الرجل أو يعطيه النفقة ثم يمن عليه ويؤذيه يعني أن هذا سبب النزول وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وقد وردت الأحاديث الصحيحة في النهي عن المن والأذى وفي فضل الإنفاق في سبيل الله وعلى الأقارب وفي وجوه الخير ولا حاجة إلى التطويل بذكرها فهي معروفة في مواطنها وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار قال بلغنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما من صدقة أحب إلى الله من قول الحق ألم تسمع قول الله تعالى ) قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ( ) وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله ) قول معروف ( قال رد جميل تقول يرحمك الله يرزقك الله ولا تنهره ولا تغلظ له القول وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( لا يدخل الجنة منان وذلك في كتاب الله ) لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) صفوان ( يقول الحجر ) فتركه صلدا ( يقول ليس عليه شيء وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال الوابل المطر وأخرجا عن قتادة قال الوابل المطر الشديد قال وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة ) لا يقدرون على شيء مما كسبوا ( يومئذ كما ترك هذا المطر هذا الحجر ليس عليه شيء أنقى مما كان وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فتركه صلدا ( قال يابسا جاثيا لا ينبت شيئا وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ) ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله ( قال هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي في قوله ) وتثبيتا من أنفسهم ( قال تصديقا ويقينا وأخرج ابن جرير عن أبي صالح نحوه وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير قال يتثبتون أين يضعون أموالهم وأخرجا عن الحسن قال كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت فإن كان الله أمضاه وإن خالطه شيء من الرياء أمسك وأخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله ) تثبيتا ( قال النية وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال الربوة النشز من الأرض وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال الربوة الأرض المستوية المرتفعة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال هي المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار وأخرج ابن جرير عنه في قوله تعالى ) فطل ( قال الندى أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال الطل الرذاذ من المطر يعني اللين منه وأخرجا عن قتادة قال هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان إن أصابها وابل وإن أصابها طل
البقرة 266


"""""" صفحة رقم 288 """"""
البقرة : ( 266 ) أيود أحدكم أن . . . . .
الود الحب للشيء مع تمنيه والهمزة الداخلة على الفعل لإنكار الوقوع والجنة تطلق على الشجر الملتف وعلى الأرض التي فيها الشجر والأول أولى هنا لقوله ) تجري من تحتها الأنهار ( بإرجاع الضمير إلى الشجر من دون حاجة إلى مضاف محذوف وأما على الوجه الثاني فلا بد من تقديره أي من تحت أشجارها وهكذا قوله ) فاحترقت ( لا يحتاج إلى تقدير مضاف على الوجه الأول وأما على الثاني فيحتاج إلى تقديره أي فاحترقت أشجارها وخص النخيل والأعناب بالذكر مع قوله ) له فيها من كل الثمرات ( لكونهما أكرم الشجر وهذه الجمل صفات للجنة والواو في قوله ) وأصابه الكبر ( قبل عاطفه على قوله ) تكون ( ماض على مستقبل وقيل على قوله ) يود ( وقيل إنه محمول على المعنى إذ تكون في معنى كانت وقيل إنها واو الحال أي وقد أصابه الكبر وهذا ارجح وكبر السن هو مظنة شدة الحاجة لما يلحق صاحبه من العجز عن تعاطى الأسباب وقوله ) وله ذرية ضعفاء ( حال من الضمير في أصابه أي والحال أن له ذرية ضعفاء فإن من جمع بين كبر السن وضعف الذرية كان تحسره على تلك الجنة في غاية الشدة والإعصار الريح الشديدة التي تهب من الأرض إلى السماء كالعمود وهي التي يقال لها الزوبعة قاله الزجاج قال الجوهري الزوبعة رئيس من رؤساء الجن ومنه سمي الإعصار زوبعة ويقال أم زوبعة وهي ريح يثير الغبار ويرتفع إلى السماء كانه عمود وقيل هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق وقوله ) فاحترقت ( عطف على قوله ) فأصابها ( وهذه الآية تمثيل من يعمل خيرا ويضم إليه ما يحبطه فيجده يوم القيامة عند شدة حاجته إليه لا يسمن ولا يغني من جوع بحال من له هذه الجنة الموصوفة وهو متصف بتلك الصفة
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال قال عمر يوما لأصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيم ترون هذه الآية نزلت ) أيود أحدكم أن تكون له جنة ( قالوا الله أعلم قال قولوا نعلم أو لا نعلم قال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين فقال عمر يا بن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس ضربت مثلا لعمل قال عمر أي عمل قال ابن عباس لرجل عني يعمل لطاعة الله ثم بعث الله به الشيطان فعمل في المعاصي حتى أغرق عمله وأخرج ابن جرير عن عمر قال هذا مثل ضرب لإنسان يعمل عملا صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله ) إعصار فيه نار ( قال ريح فيها سموم شديدة
البقرة 267 271


"""""" صفحة رقم 289 """"""
البقرة : ( 267 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) من طيبات ما كسبتم ( أي من جيد ما كسبتم ومختاره كذا قال الجمهور قال جماعة إن معنى الطيبات هنا الحلال ولا مانع من اعتبار الأمرين جميعا لأن جيد الكسب ومختارة إنما يطلق على الحلال عند أهل الشرع وإن أطلقه أهل اللغة على ما هو جيد في نفسه حلالا كان أو حراما فالحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية وقوله ) ومما أخرجنا لكم من الأرض ( أي ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض وحذف لدلالة ما قبله عليه وهي النباتات والمعادن والركاز قوله ) ولا تيمموا الخبيث ( أي لا تقصدوا المال الرديء وقرأه الجمهور بفتح حرف المضارعة وتخفيف الياء وقرأ ابن كثير بتشديدها وقرأ ابن مسعود ( ولا تأمموا ) وهي لغة وقرأ أبو مسلم بن خباب بضم الفوقية وكسر الميم وحكى أبو عمرو أن ابن مسعود قرأ ( تئمموا ) بهمزة بعد المضمومة وفي الآية الأمر بإنفاق الطيب والنهي عن إنفاق الخبيث وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الآية في الصدقة المفروضة وذهب آخرون إلى أنها تعم صدقة الفرض والتطوع وهو الظاهر وسيأتي من الأدلة ما يؤيد هذا وتقديم الظرف في قوله ) منه تنفقون ( يفيد التخصيص أي لا تخصوا الخبيث بالإنفاق والجملة في محل نصب على الحال أي لا تقصدوا المال الخبيث مخصصين الإنفاق به قاصرين له عليه قوله ) ولستم بآخذيه ( أي والحال أنكم لا تأخذونه في معاملاتكم في وقت من الأوقات هكذا بين معناه الجمهور وقيل معناه ولستم بآخذيه لو وجدتموه في السوق يباع وقوله ) إلا أن تغمضوا فيه ( هو من أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل ورضي ببعض حقه وتجاوز وغض بصره عنه ومنه قول الشاعر إلى كم وكم أشياء منك تريبني
أغمض عنها لست عنها بذي عمى
وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففا وروى عنه أنه قرأ بضم التاء وفتح الغين وكسسر الميم مشددة وكذلك قرأ قتادة والمعنى على القراءة الأولى من هاتي القراءتين إلا أن تهضموا سومها من البائع منكم وعلى الثانية إلا أن تأخذوا بنقصان قال ابن عطية وقراءة الجمهور تخرج على التجاوز أو على تغميض العين لأن أغمض بمنزلة غمض وعلى أنها بمعنى حتى أي حتى تأتوا غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك
البقرة : ( 268 ) الشيطان يعدكم الفقر . . . . .
قوله ) الشيطان يعدكم الفقر ( قد تقدم معنى الشيطان واشتقاقه ويعدكم معناه يخوفكم الفقر أي بالفقر لئلا تنفقوا فهذه الآية متصلة بما قبلها وقرئ ( الفقر ) بضم الفاء وهي لغة قال الجوهري والفقر لغة في الفقر مثل الضعف والضعف والفحشاء الخصلة الفحشاء وهي المعاصي والإنفاق فيها والبخل عن الإنفاق في الطاعات قال في الكشاف والفاحش عند العرب البخيل انتهى ومنه قول طرفة بن العبد أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشدد
ولكن العرب وإن أطلقته على البخيل فذلك لا ينافي إطلاقهم له على غيره من المعاصي وقد وقع كثيرا في كلامهم وقوله ) والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ( الوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير وإذا قيد فقد يقيد تارة بالخير وتارة بالشر ومنه قوله تعالى ) النار وعدها الله الذين كفروا ( ومنه أيضا ما في هذه الآية من تقييد وعد الشيطان بالفقر وتقييد وعد الله سبحانه بالمغفرة والفضل والمغفرة الستر على عباده في الدنيا والآخرة لذنوبهم وكفارتها والفضل أن يخلف عليهم أفضل مما أنفقوا فيوسع لهم في أرزاقهم وينعم عليهم في الآخرة بما هو أفضل وأكثر واجل وأجمل
البقرة : ( 269 ) يؤتي الحكمة من . . . . .
قوله ) يؤتي الحكمة ( هي العلم وقيل الفهم وقيل الإصابة في القول ولا مانع من الحمل على الجميع شمولا أو بدلا وقيل إنها النبوة وقيل العقل وقيل الخشية وقيل الورع وأصل الحكمة ما يمنع من السفه وهو كل قبيح والمعنى أن من أعطاه الله الحكمة فقد أعطاه خيرا كثيرا أي عظيما


"""""" صفحة رقم 290 """"""
قدره جليلا خطره وقرأ الزهري ويعقوب ) ومن يؤت الحكمة ( على البناء للفاعل وقرأه الجمهور على البناء للمفعول والألباب العقول واحدها لب وقد تقدم الكلام فيه
البقرة : ( 270 ) وما أنفقتم من . . . . .
قوله ) وما أنفقتم من نفقة ( ما شرطية ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف أي الذي أنفقتموه وهذا بيان لحكم عام يشمل كل صدقة مقبولة وغير مقبولة وكل نذر مقبول أو غير مقبول وقوله ) فإن الله يعلمه ( فيه معنى الوعد لمن أنفق ونذر على الوجه المقبول والوعيد لمن جاء بعكس ذلك ووحد الضمير مع كون مرجعه شيئين هما النفقة والنذر لأن التقدير وما أنفقتم من نفقة فإن الله يعلمها أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ثم حذف أحدهما استغناء بالآخر قاله النحاس وقيل إن ما كان العطف فيه بكلمة ( أو ) كنا في قولك زيد أو عمرو فإنه يقال أكرمته ولا يقال أكرمتهما والأولى أن يقال إن العطف بأو يجوز فيه الأمران توحيد الضمير كما في هذه الآية وفي قوله تعالى ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( وقوله ) ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا ( وتثنيته كما في قوله تعالى ) إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ( ومن الأول في العطف بالواو قول امرئ القيس فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجته من جنوب وشمال
ومنه قول الشاعر نحن ما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
ومنه ) والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ( وقيل إنه إذا وحد الضمير بعد ذكر شيئين أو أشياء فهو بتأويل المذكور أي فإن الله يعلم المذكور وبه جزم ابن عطية ورجحه القرطبي وذكر معناه كثير من النحاة في مؤلفاتهم قوله ) وما للظالمين من أنصار ( اي ما الظالمين أنفسهم بما وقعوا فيه من الإثم لمخالفة ما أمر الله به من الإنفاق في وجوه الخير من أنصار ينصرونهم يمنعونهم من عقاب الله بما ظلموا به أنفسهم والأولى الحمل على العموم من غير تخصيص لما يفيده السياق أي ما الظالمين بأي مظلمة كانت من أنصار
البقرة : ( 271 ) إن تبدوا الصدقات . . . . .
قوله ) إن تبدوا الصدقات فنعما هي ( قرئ بفتح النون وكسر العين وبكسرهما وبكسر النون وسكون العين وبكسر النون وإخفاء حركة العين وقد حكى النحويون في ( نعم ) أربع لغات وهي هذه التي قريء بها وفي هذا نوع تفصيل لما أجمل في الشرطية المتقدمة أي إن تظهروا الصدقات فنعم شيئا إظهارها وإن تخفوها وتصيبوا بها مصارفها من الفقراء فالإخفاء خير لكم وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع لا في صدقة الفرض قال فضيلة للإخفاء فيها بل قد قيل إن الإطهار فيها أفضل وقالت طائفة إن الإخفاء أفضل في الفرض والتطوع قوله ) ويكفر عنكم من سيئاتكم ( قرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وقتادة وابن إسحاق نكفر بالنون والرفع وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالياء والرفع وقرأ الأعمش ونافع وحمزة والكسائي بالنون والجزم وقرأ ابن عباس بالتاء الفوقية وفتح الفاء والجزم وقرأ الحسين بن علي الجعفي بالنون ونصب الراء فمن قرأ بالرفع فهو معطوف على محل الجملة الواقعة جوابا بعد الفاء أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ومن قرأ بالجزم فهو معطوف على الفاء وما بعدها ومن قرأ بالنصب فعلى تقدير أن قال سيبويه والرفع ها هنا الوجه الجيد وأجاز الجزم بتأويل وإن تخفوها يكن الإخفاء خيرا لكم ويكفر وبمثل قول سيبويه الخليل ومن في قوله ) من سيئاتكم ( للتبعيض أي شيئا من سيئاتكم وحكى الطبري عن فرقة أنها زائدة وذلك على رأي الاخفش قال ابن عطية وذلك منهم خطأ
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم (


"""""" صفحة رقم 291 """"""
قال من الذهب والفضة ) ومما أخرجنا لكم من الأرض ( يعني من الحب والثمر وكل شيء عليه زكاة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله ) أنفقوا من طيبات ما كسبتم ( قال من التجارة ومما أخرجنا لكم من الأرض قال من الثمار وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب في قوله ) ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ( قال نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل وكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ( قال لو أن أحدكم أهدى إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء قال فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده واخدر عبد بن حميد عن قتادة قال ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان فينظر إلى اردئهما تمرا فيتصدق به ويخلط به الحشف فنزلت الآية فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه وأخرج عبد بن حميد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال لما أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بصدقة الفطر فجاء رجل بتمر رديء فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي يخرص النخل أن لا يجيز فأنزل الله تعالى الآية هذه وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن سهل بن حنيف قال أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالصدقة فجاء رجل بكبائس من هذا السخل يعني الشيص فوضعه فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال من جاء بهذا وكان كل من جاء بشيء نسب إليه فنزلت ) ولا تيمموا الخبيث ( الآية ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن لونين من التمر أن يوجدا في الصدقة الجعرور ولون الحبيق وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا ( الآية وأخرج ابن جرير عن عبيدة السلماني قال سألت علي ابن أبي طالب عن قول الله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا ( الآية فقال نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيد ناحية فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يؤتي الحكمة من يشاء ( قال المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه محكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله وأخرج ابن مردويه عنه أنها القرآن يعني تفسيره وأخرج ابن المنذر عنه أنها النبوة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال إنها الفقه في القرآن وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء ) يؤتي الحكمة ( قال قراءة القرآن والفكرة فيه وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال هي الكتاب والفهم به وأخرج أيضا عن النخعي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال هي الكتاب يؤتي إصابته من يشاء وأخرج عبد بن حميد عنه قال هي الإصابة في القول وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال هي الخشية لله وأخرج أيضا عن مطر الوراق مثله وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فإن الله يعلمه ( قال يحصيه وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في نذر الطاعة والمعصية في الصحيح وغيره ما هو معروف كقوله صلى الله


"""""" صفحة رقم 292 """"""
عليه وآله وسلم ( لا نذر في معصية الله ) وقوله ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ) وقوله ( النذر ما ابتغى به وجه الله ) وثبت عنه في كفارة النذر ما هو معروف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن تبدوا الصدقات فنعما هي ( الآية قال فجعل السر في التطوع يفضل علانيتها سبعين ضعفا وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا كذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن تبدوا الصدقات ( الآية قال كان هذا يعمل قبل أن تنزل براءة فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) إن تبدوا الصدقات ( الآية قال هذا منسوخ وقوله ) في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ( قال منسوخ نسخ كل صدقة في القرآن الآية التي في سورة التوبة ) إنما الصدقات للفقراء ( وقد ورد في فضل صدقة السر أحاديث صحيحة مرفوعة
البقرة 272 274
البقرة : ( 272 ) ليس عليك هداهم . . . . .
قوله ) ليس عليك هداهم ( أي ليس بواجب عليك أن تجعلهم مهديين قابلين لما أمروا به ونهوا عنه ) ولكن الله يهدي من يشاء ( هداية توصله إلى المطلوب وهذه الجملة معترضة وفيها الالتفات وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله والمراد بقوله ) من خير ( كل ما يصدق عليه اسم الخير كائنا ما كان وهو متعلق بمحذوف أي أي شيء تنفقون كائنا من خير ثم بين أن النفقة المعتد بها المقبولة إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله سبحانه أي لابتغاء وجه الله وقوله ) يوف إليكم ( أي أجره وثوابه على الوجه الذي تقدم ذكره من التضعيف
البقرة : ( 273 ) للفقراء الذين أحصروا . . . . .
قوله ) للفقراء ( متعلق بقوله ) وما تنفقوا من خير ( أو بمحذوف أي اجعلوا ذلك للفقراء أو خبر مبتدأ محذوف أي إنفاقكم للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله بالغزو أو الجهاد وقيل منعوا عن التكسب لما هم فيه من الضعف ) لا يستطيعون ضربا في الأرض ( للتكسب بالتجارة والزراعة ونحو ذلك بسبب ضعفهم قيل هم فقراء الصفة وقيل كل من يتصف بالفقر وما ذكر معه ثم ذكر سبحانه من أحوال أولئك الفقراء ما يوجب الحنو عليهم والشفقة بهم وهو كونهم متعففين عن المسئلة وإطهار المسكنة بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء والتعفف تفعل وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه وفي ( يحسبهم ) لغتان فتح السين وكسرها قال أبو علي الفارسي والفتح أقيس لأن العين من الماضي مكسورة فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة فالقراءة بالكسر على هذا حسنة وإن كانت شاذة و ( من ) في قوله ( من التعفف ) لابتداء الغاية وقيل لبيان


"""""" صفحة رقم 293 """"""
الجنس قوله ( تعرفهم بسيماهم ) أي برثاثة ثيابهم وضعف أبدانهم وكل ما يشعر بالفقر والحاجة والخطاب إما لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح للمخاطبة والسيما مقصورة العلامة وقد تمد والالحاف الإلحاح في المسئلة وهو مشتق من اللحاف وسمى بذلك لا شتماله على وجوه الطلب في المسئلة كاشتمال اللحاف على التغطية ومعنى قوله ( لايسألون الناس إلحافا ) أنهم لا يسألونهم ألبته لاسؤال الحاح ولا سؤال غير الحاح وبه قال الطبري والزجاج وإليه ذهب جمهور المفسرين ووجهه أن التعفف صفة ثابتة لهم لاتفارقهم ومجرد السؤال ينافيها وقيل المراد أنهم إذا سالوا سألوا بتلطف ولا يلحفون في سؤالهم وهذا وإن كان هو الظاهر من توجه النفي إلى القيد دون المقيد لكن صفة التعفف تنافيه وأيضا كون الجاهل بهم يحسبهم أغنياء لا يكون إلا مع عدم السؤال ألبتة
البقرة : ( 274 ) الذين ينفقون أموالهم . . . . .
وقوله ( بالليل والنهار ) يفيد زيادة رغبتهم في الإنفاق وشدة حرصهم عليه حتى أنهم لا يتركون ذلك ليلا ولا نهارا ويفعلونه سرا وجهرا عند أن تنزل بهم حجة المحتاجين ويظهر لديهم فاقة المفتاقين في جميع الأزمنة على جميع الأحوال ودخول الفاء في خبر الموصول أعنى قوله ( فلهم أجرهم ) لدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها وقيل هي للعطف والخبر للموصول محذوف أي ومنهم الذين ينفقون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال كانوا يكرهون ان يرضخوا لأنسابهم من المشركين فنزلت هذه الآية ) ليس عليك هداهم ( إلى قوله ) وأنتم لا تظلمون ( فرخص لهم وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء عنه قال إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يأمرنا أن لا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية فأمر بالصدقة بعدها على كل من سالك من كل دين وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد ابن جبير نحوه وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنيفة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان أناس من الأنصار لهم نسب وقرابة من قريظة والنضير وكان يتقون أن لا يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا فنزلت ) ليس عليك هداهم ( الآية وأخرج ابن المنذر عن عمرو الهلالى قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنتصدق على فقراء أهل الكتاب فأنزل الله ) ليس عليك هداهم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني قال في قوله ) وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ( قال إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ) للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ( قال هم أصحاب الصفة وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمروا بالصدقة عليهم وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله ) الذين أحصروا في سبيل الله ( قال حصروا أنفسهم في سبيل الله الغزو فلا يستطيعون تجارة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال هم قوم أصابتهم الجرحات في سبيل الله فصاروا زمنى نفجعل لهم في أموال المسلمين حقا وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله ) لا يستطيعون ضربا في الأرض ( قال لا يستطيعون تجارة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) يحسبهم الجاهل أغنياء ( قال دل الله المؤمنين عليهم وجعل نفقاتهم لهم وأمرهم أن يضعوا نفقاتهم فيهم ورضى عنهم وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) تعرفهم بسيماهم ( قال التخشع وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن البيع أن معناه تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ) تعرفهم بسيماهم ( قال رثاثة


"""""" صفحة رقم 294 """"""
ثيابهم وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف واقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا ) ) وقد ورد في تحريم المسئلة أحاديث كثيرة إلا لذي سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا وأخرج ابن سعد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والطبراني وأبو الشيخ عن يزيد بن عبد الله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ( أنزلت هذه الآية ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار ) في أصحاب الخيل ) ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي نحوه قال فيمن لا يربطها خيلاء ولا رياء ولا سمعة وأخرج ابن جرير عن أبي الدرداء نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حنش الصنعاني أنه سمع ابن عباس يقول في هذه الآية هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر من طريق عبدالوهاب ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في هذه الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما ودرهما سرا ودرهما علانية وعبد الوهاب ضعيف ولكن قد رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في هذه الآية قال هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله الذي افترض عليهم في غير سرف ولاإملاق ولاتبذير ولافساد وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان في نفقتهم في جيش العسرة
البقرة 275 27
البقرة : ( 275 ) الذين يأكلون الربا . . . . .
الربا في الغة الزيادة مطلقا يقال ربا الشئ يربو إذا زاد وفي الشرع يطلق على شيئين على ربا الفضل وربا النسيئة حسبما هو مفصل في كتب الفروع وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حل أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه أتقضى أم تربي فإذا لم يقض زاد مقدارا في المال الذي عليه وأخر له الأجل إلى حين وهذا حرام بالاتفاق وقياس كتابة الربا بالياء للكسرة في أوله وقد كتبوه في المصحف بالواو قال في الكشاف على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع انتهى قلت وهذا مجرد اصطلاح لا يلزم المشي عليه فإن هذه النقوش الكتابية أمور اصطلاحية لايشاحح في مثلها إلا فيما كان يدل به منها على الحرف الذي كان في أصل الكلمة ونحوه كما هو مقرر في مباحث الخط من علم الصرف


"""""" صفحة رقم 295 """"""
وعلى كل حال فرسم الكلمة وجعل نقشها الكتابي على ما يقتضيه اللفظ بها هو الأولى فما كان في النطق ألفا كالصلاة والزكاة ونحوهما كان الأولى في رسمه أن يكون كذلك وكون أصل هذا الألف واوا أو ياء لايخفي على من يعرف علم الصرف وهذه النقوش ليست إلا لفهم اللفظ الذي يدل بها عليه كيف هو في نطق من ينطق به لا لتفهيم أن أصل الكلمة كذا مما لايجري به النطق فاعرف هذا ولا تشتغل بما يعتبره كثير من أهل العلم في هذه النقوش ويلزمون به أنفسهم ويعيبون من خالفه فإن ذلك من المشاححة في الأمور الاصطلاحية التي لا تلزم أحدا أن يتقيد بها فعليك بأن ترسم هذه النقوش على ما يلفظ به اللافظ عند قراءتها فإنه الأمر المطلوب من وضعها والتواضع عليها وليس الأمر المطلوب منها أن تكون دالة على ما هو أصل الكلمة التي يتلفظ بها المتلفظ مما لا يجري في لفظه الآن فلا تغتر بما يروي عن سيبويه ونحاة البصرة أن يكتب الربا بالواو لأنه يقول في تثنيته ربوان وقال الكوفيون يكتب بالياء وتثنية ربيان قال الزجاج ما رأيت خطأ أقبح من هذا ولا أشنع لايكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئوا في التثنية وهم يقرءون وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو وليس المراد بقوله هنا ( الذين يأكلون الربا ) اختصاص هذا الوعيد بمن يأكله بل هو عام لكل من يعامل بالربا فيأخذه ويعيطه وإنما خص الآكل لزيادة التشنيع على فاعله ولكونه هو الغرض الأهم فإن آخذ الربا إنما أخذه للأكل قوله ( لايقومون ) أي يوم القيامة كما يدل عليه قراءة ابن مسعود ( لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس يوم القيامة ) أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وبهذا فسره جمهور المفسرين قالوا إنه يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند أهل المحشر وقيل إن المراد تشبيه من يحرص في تجارته فيجمع ماله من الربا بقيام المجنون لأن الحرص والطمع والرغبة في الجمع قد استفزته حتى صار شبيها في حركته بالمجنون كما يقال لمن يسرع في مشيه ويضطرب في حركاته إنه قد جن ومنه قول الأعشى في ناقته وتصبح من غب السرى وكأنها
ألم بها من طائف الجن أولق
فجعلها بسرعة مشيها ونشاطها كالمجنون قوله ( إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) أي إلا قياما كقيام الذي يتخبطه والخبط الضرب بغير استواء كخبط العشواء وهو المصروع والمس الجنون والأمس المجنون وكذلك الأولق وهو متعلق بقوله ( يقومون ) أي لا يقومون من المس الذي بهم ( إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ) أو متعلق بيقوم وفي الآية دليل على فساد قول من قال إن الصرع لا يكون من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وقال إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان يصرع الإنسان وليس بصحيح وإن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس وقد استعاذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من أن يتخبطه الشيطان كما أخرجه النسائي وغيره قوله ) ذلك ( إشارة إلى ما ذكر من حالهم وعقوبتهم وبسبب قولهم ) إنما البيع مثل الربا ( أي أنهم جعلوا البيع والربا شيئا واحدا وإنما شبهوا البيع بالربا مبالغة بجعلهم الربا أصلا والبيع فرعا أي إنما البيع بلا زيادة عند حلول الأجل كالبيع بزيادة عند حلوله فإن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك فرد الله سبحانه عليهم بقوله ) وأحل الله البيع وحرم الربا ( أي أن الله أحل البيع وحرم نوعا من أنواعه وهو البيع المشتمل على الربا والبيع مصدر باع يبيع أي دفع عوضا وأخذ معوضا والجملة بيانية لا محل لها من الإعراب قوله ) فمن جاءه موعظة من ربه ( أي من بلغته موعظة من الله من المواعظ التي تشتمل عليها الأوامر والنواهي ومنها ما وقع هنا من النهي عن الربا ) فانتهى ( أي فامتثل النهي الذي جاءه وانزجر عن المنهي عنه وهو معطوف أي قوله ) فانتهى ( على قوله ) جاءه ( وقوله ) من ربه (


"""""" صفحة رقم 296 """"""
متعلق بقوله ( جاءه ) أو بمحذوف وقع صفة لموعظة أي كائنة من ( من ربه فله ما سلف ) أي ما تقدم منه من الربا لايؤاخذ به لأنه فعله قبل أن يبلغه تحريم الربا أو قبل أن تنزل آية تحريم الربا وقوله ( فأمره إلى الله ) قيل الضمير عائد إلى الربا أي وأمر الربا إلى الله في تحريمه على عباده واستمرار ذلك التحريم وقيل الضمير عائد إلى ما سلف أي أمره إلى الله في العفو عنه وإسقاط التبعة فيه وقيل الضمير يرجع إلى المربى أي أمر من عامل بالربا إلى الله في تثبيته على الانتهاء أو الرجوع إلى المعصية ( ومن عاد ) إلى أكل الربا والمعاملة به ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) والإشارة إلى من عاد وجمع أصحاب باعتبار معنى من وقيل إن معنى من عاد هو أن يعود إلى القول ( إنما البيع مثل الربا ) وأنه يكفر بذلك فيستحق الخلود وعلى التقدير الأول يكون الخلود مستعارا على معنى المبالغة كما تقول العرب ملك خالد أي طويل البقاء والمصير إلى هذا التأويل واجب للأحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحدين من النار
البقرة : ( 276 ) يمحق الله الربا . . . . .
قوله ( يمحق الله الربا ) أي يذهب بركته في الدنيا وإن كان كثيرا فلا يبقى بيد صاحبه وقيل يمحق بركته في الآخرة قوله ( ويربي الصدقات ) أي يزيد في المال الذي أخرجت صدقته وقيل يبارك في ثواب الصدقة ويضاعفه ويزيد في أجر المتصدق ولا مانع من حمل ذلك على الأمرين جميعا قوله ( والله لا يحب كل كفار أثيم ) أي لايرضى لأن الحب مختص بالتوابين وفيه تشديد وتغليظ عظيم على من أربي حيث حكم عليه بالكفر ووصفه بأثيم للمبالغة وقيل لإزالة الاشتراك إذ قد يقع على الزراع ويحتمل أن المراد بقوله كل كفار من صدرت منه خصلة توجب الكفر ووجه التصاقه بالمقام أن الذين قالوا إنما البيع مثل الربا كفار
البقرة : ( 277 ) إن الذين آمنوا . . . . .
وقد تقدم تفسير قوله ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) إلى آخر الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو يعلى من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ( الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) قال يعرفون يوم القيامة بذلك لا يستطيعون القيام إلا كما يقوم المتخبط المنخنق ( ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ) وكذبوا على الله ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) ومن عاد فأكل الربا ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عنه أيضا في قوله ( لا يقومون ) قال ذلك حين يبعث من قبره وأخرج الأصبهاني في ترغيبه عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يأتي آكل الربا يوم القيامة مختبلا يجر شفتيه ثم قرأ ( لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم ذنب الربا منها من حديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم وصححة والبيهقى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربي الربا عرض الرجل المسلم ) ومن حديث أبي هريرة مرفوعا عند ابن ماجه والبيهقى بلفظ ( سبعون بابا ) وورد هذا المعنى مع اختلاف العدد عن عبدالله بن سلام وكعب وابن عباس وأنس وأخرج ابن جرير عن الربيع في الآية قال يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان وهي في بعض القراءات ( لايقومون يوم القيامة ) يعني قراءة ابن مسعود المتقدم ذكرها وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة قالت لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا ( خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المسجد فقرأهن على الناس ثم حرم التجارة في الخمر ) وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن الخطاب أنه خطب فقال إن من آخر القرآن نزولا آية الربا وإنه قد مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يبينه لنا فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس انه قال آخر آية أنزلها الله على رسوله آية الربا وأخرج البيهقي


"""""" صفحة رقم 297 """"""
في الدلائل عن عمر مثله وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الربا الذي نهى الله عنه قال كان أهل الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه وأخرج أيضا عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه أيضا وزاد في قوله ) فمن جاءه موعظة من ربه ( قال يعني البيان الذي في القرآن في تحريم الربا فانتهى عنه ) فله ما سلف ( يعني فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم ) وأمره إلى الله ( يعني بعد التحريم وبعد تركه إن شاء عصمه منه وإن شاء لم يفعل ) ومن عاد ( يعني في الربا بعد التحريم فاستحله بقوله ) إنما البيع مثل الربا ( يعني لا يموتون وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله ) يمحق الله الربا ( قال ينقص الربا ) ويربي الصدقات ( قال يزيد فيها وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا ( من نصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل ) وأخرج البزار وابن جرير وابن حبان والطبراني من حديث عائشة نحوه وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر مرفوعا نحوه أيضا وفي حديث عائشة وابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ بعد أن ساق الحديث ) يمحق الله الربا ويربي الصدقات ( وأخرج الطبراني عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن العبد ليتصدق بالكسرة تربو عند الله حتى تكون مثل أحد ) وهذه الأحاديث تبين معنى الآية
البقرة 278 281
البقرة : ( 278 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) اتقوا الله ( أي قوا أنفسكم من عقابه واتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا وظاهره أنه أبطل من الربا ما لم يكن مقبوضا قوله ) إن كنتم مؤمنين ( قيل هو شرط مجازي على جهة المبالغة وقيل إن ) إن ( في هذه الآية بمعنى إذ قال ابن عطية وهو مردود لا يعرف في اللغة والظاهر أن المعنى إن كنتم مؤمنين على الحقيقة فإن ذلك يستلزم امتثال أوامر الله ونواهيه
البقرة : ( 279 ) فإن لم تفعلوا . . . . .
قوله ) فإن لم تفعلوا ( يعني ما أمرتم به من الاتقاء وترك ما بقي من الربا ) فأذنوا بحرب من الله ورسوله ( أي فاعلموا بها من أذن بالشيء إذا علم به قيل هو من الإذن بالشيء وهو الاستماع لأنه من طرق العلم وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة ) فأذنوا ( على معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهم وقد دلت هذه على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر ولا خلاف في ذلك وتنكير الحرب للتعظيم وزادها تعظيما نسبتها إلى اسم الله الأعظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته قوله ) فإن تبتم ( أي من الربا ) فلكم رؤوس أموالكم ( تأخذونها ) لا تظلمون ( غرماءكم بأخذ الزيادة ) ولا تظلمون ( أنتم من قبلهم بالمطل والنقص والجملة حالية أو استئنافية وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم التوبة حلال لمن أخذها من الأئمة ونحوهم ممن ينوب عنهم


"""""" صفحة رقم 298 """"""
البقرة : ( 280 ) وإن كان ذو . . . . .
قوله ) وإن كان ذو عسرة ( لما حكم سبحانه لأهل الربا برءوس اموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظرة إلى يسار والعسرة ضيق الحال من جهة عدم المال ومنه جيش العسرة والنظرة التأخير والميسرة مصدر بمعنى اليسر وارتفع ( ذو ) بكان التامة التي بمعنى وجد وهذا قول سيبويه وأبي علي الفارسي وغيرهما وأنشد سيبويه فدى لبني ذهل بن شيبان يا فتى
إذا كان يوم ذو كواكب أشهب
وفي مصحف أبي ( وإن كان ذا عسرة ) على معنى وإن كان المطلوب ذا عسرة وقرأ الأعمش ( وإن كان معسرا ) قال أبو عمرو الداني عن أحمد بن موسى وكذلك في مصحف أبي بن كعب وروى المعتمر عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان ( وإن كان ذا عسرة ) قال النحاس ومكي والنقاش وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا وعلى من قرأ ( ذو ) فهي عامة في جميع من عليه دين واليه ذهب الجمهور وقرأ الجماعة ( فنظرة ) بكسر الظاء وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن بسكونها وهي لغة تميم وقرأ نافع وحده ( ميسرة ) بضم السين والجمهور بفتحها وهي اليسار قوله ( وأن تصدقوا ) بحذف إحدى التاءين وقرئ بتشديد الصاد أي وأن تصدقوا على معسري غرمائكم بالإبراء خير لكم وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر وجعل ذلك خيرا من إنظاره قاله السدي وابن زيد والضحاك قال الطبري وقال آخرون معنى الآية وأن تصدقوا على الغني والفقير خير لكم والصحيح الأول وليس في الآية مدخل للغني قوله ( وإن كنتم تعلمون ) جوابه محذوف أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به
البقرة : ( 281 ) واتقوا يوما ترجعون . . . . .
قوله ( واتقوا يوما ) هو يوم القيامة وتنكيره للتهويل وهو منصوب على أنه مفعول به لا ظرف وقوله ( ترجعون فيه إلى الله ) وصف له وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم والباقون بضم التاء وفتح الجيم وذهب قوم إلى أن هذا اليوم المذكور هو يوم الموت وذهب الجمهور إلى أنه يوم القيامة كما تقدم وقوله ) إلى الله ( فيه مضاف محذوف تقديره إلى حكم الله ( ثم توفي كل نفس ) من النفوس المكلفة ( ما كسبت ) أي جزاء ما عملت من خير أو شر وجملة ( وهم لا يظلمون ) حالية وجمع الضمير لأنه أنسب بحال الجزاء كما أن الإفراد أنسب بحال الكسب وهذه الآية فيها الموعظة الحسنة لجميع الناس
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( قال نزلت في العباس بن عبدالمطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان الربا إلى ناس من ثقيف فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله هذه الآية وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال كانت ثقيف قد صالحت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أن ما لهم من ربا على الناس وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع فلما كان الفتح استعمل عتاب بن أسيد على مكة وكانت بنو عمرو ابن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد فكتب عتاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( فكتب بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى عتاب وقال إن رضوا وإلا فاذنهم بحرب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فأذنوا بحرب ( قال من كان مقيما على الربا لا ينزع منه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلا ضرب عنقه وأخرجوا أيضا عنه في قوله ) فأذنوا بحرب ( قال استيقنوا بحرب وأخرج أهل السنن وغيرهم عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله


"""""" صفحة رقم 299 """"""
عليه وآله وسلم فقال ( ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وأول ربا موضوع ربا العباس ) وأخرج ابن منده عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في ربيعة بن عمرو وأصحابه ) وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإن كان ذو عسرة ( قال نزلت في الربا وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن شريح نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك في الآية قال وكذلك كل دين على مسلم وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وقد وردت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما في الترغيب لمن له دين على معسر أن ينظره وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال آخر آية نزلت من القرآن على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي وعطية العوفي مثله وأخرج ابن الأنباري عن أبي صالح وسعيد بن جبير مثله أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها آخر آية نزلت وكان بين نزولها وبين موت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إحدى وثمانون يوما وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير أنه عاش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد نزولها تسع ليال ثم مات
البقرة 282 283
البقرة : ( 282 ) يا أيها الذين . . . . .
هذا شروع في بيان حال المداينة الواقعة بين الناس بعد بيان حال الربا أي إذا داين بعضكم بعضا وعامله


"""""" صفحة رقم 300 """"""
بذلك وذكر الدين بعد ذكر ما يغني عنه من المداينة لقصد التأكيد مثل قوله ) ولا طائر يطير بجناحيه ( وقيل إنه ذكر ليرجع إليه الضمير من قوله ) فاكتبوه ( ولو قال فاكتبوا الدين لم يكن فيه من الحسن ما في قوله ) إذا تداينتم بدين ( والدين عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة فإن العين عند العرب ما كان حاضرا والدين ما كان غائبا قال الشاعر وعدتنا بدرهمينا طلاء
وسواء معجلا غير دين
وقال الآخر إذا ما أوقدوا نارا وحطبا
فذاك الموت نقدا غير دين
وقد بين الله سبحانه هذا المعنى بقوله ) إلى أجل مسمى ( وقد استدل به على أن الاجل المجهول لا يجوز وخصوصا أجل السلم وقد ثبت في الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم ) وقد قال بذلك الجمهور واشترطوا توقيته بالأيام أو الأشهر أو السنين قالوا ولا يجوز إلى الحصاد أو الدياس أو رجوع القافلة أو نحو ذلك وجوزه مالك قوله ) فاكتبوه ( أي الدين بأجله لأنه أدفع للنزاع وأقطع للخلاف قوله ) وليكتب بينكم كاتب ( هو بيان لكيفية الكتابة المأمور بها وظاهر الأمر الوجوب وبه قال عطاء والشعبي وغيرهما فأوجبوا على الكاتب أن يكتب إذا طلب منه ذلك ولم يوجد كاتب سواه وقيل الأمر للندب وقوله ) بالعدل ( متعلق بمحذوف صفة لكاتب أي كاتب كائن بالعدل أي يكتب بالسوية لا يزيد ولا ينقص ولا يميل إلى أحد الجانبين وهو أمر للمتداينين باختيار كاتب متصف بهذه الصفة لا يكون في قلبه ولا قلمه هوادة لأحدهما على الآخر بل يتحرى الحق بينهم والمعدلة فيهم قوله ) ولا يأب كاتب ( النكرة في سياق النفي مشعرة بالعموم أي لا يمتنع أحد من الكتاب أن يكتب كتاب التداين كما علمه الله أي على الطريقة التي علمه الله من الكتابة أو كما علمه الله بقوله ) بالعدل ( قوله ) وليملل الذي عليه الحق ( الإملال والإملاء لغتان الأولى لغة أهل الحجاز وبني أسد والثانية لغة بني تميم فهذه الآية جاءت على اللغة الأولى وجاء على اللغة الثانية قوله تعالى ) فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( ) الذي عليه الحق ( هو من عليه الدين أمره الله تعالى بالإملاء لأن الشهادة إنما تكون على إقراره بثبوت الدين في ذمته وأمره الله بالتقوى فيما يمليه على الكتاب بالغ في ذلك بالجمع بين الإسم والوصف في قوله ) وليتق الله ربه ( ونهاه عن البخس وهو النقص وقيل إنه نهى للكاتب والأول أولى لأن من عليه الحق هو الذي يتوقع منه النقص ولو كان نهيا للكاتب لم يقتصر في نهيه على النقص لأنه يتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه النقص والسفيه هو الذي لا رأى له في حسن التصرف فلا يحسن الأخذ ولا الإعطاء شبه بالثوب السفيه وهو الخفيف النسج والعرب تطلق السفه على ضعف العقل تارة وعلى ضعف البدن أخرى فمن الأول قول الشاعر نخاف أن تسفه أحلامنا
ونجهل الدهر مع الجاهل
ومن الثاني قول ذي الرمة مشين كما اهتزت رماح تسفهت
أعاليها مر الرياح النواسم
أي استضعفها واستلانها بحركتها وبالجملة فالسفيه هو المبذر إما لجهله بالصرف أو لتلاعبه بالمال عبثا مع كونه لا يجهل الصواب والضعيف هو الشيخ الكبير أو الصبي قال أهل اللغة الضعف بضم الضاد في البدن وبفتحها في الرأي والذي لا يستطيع أن يمل هو الأخرس أو العيي الذي لا يقدر على التعبير كما ينبغي وقيل إن الضعيف هو المذهول العقل الناقص الفطنة العاجز عن الإملاء والذي لا يستطيع أن يمل هو الصغير قوله


"""""" صفحة رقم 301 """"""
) فليملل وليه بالعدل ( الضمير عائد إلى الذي عليه الحق فيمل عن السفيه وليه المنصوب عنه بعد حجره عن التصرف في ماله ويمل عن الصبي وصيه أو وليه وكذلك يمل عن العاجز الذي لا يستطيع الإملال لضعف وليه لأنه في حكم الصبي أو المنصوب عنه من الإمام أو القاضي ويمل عن الذي لا يستطيع وكيله إذا كان صحيح العقل وعرضت له آفة في لسانه أو لم تعرض ولكنه جاهل لا يقدر على التعبير كما ينبغي وقال الطبري إن الضمير في قوله ) وليه ( يعود إلى الحق وهو ضعيف جدا قال القرطبي في تفسيره وتصرف السفيه المحجور عليه دون وليه فاسد إجماعا مفسوخ أبدا لا يوجب حكما ولا يؤثر شيئا فإن تصرف سفيه ولا حجر عليه ففيه خلاف انتهى قوله ) واستشهدوا شهيدين من رجالكم ( الاستشهاد طلب الشهادة وسماهما شهيدين قبل الشهادة من مجاز الأول أي باعتبار ما يئول إليه أمرهما من الشهادة و ( من رجالكم ) متعلق بقوله ) واستشهدوا ( أو بمحذوف هو صفة لشهيدين أي كائنين من رجالكم أي من المسلمين فيخرج الكفار ولا وجه لخروج العبيد من هذه الآية فهم إذا كانوا مسلمين من رجال المسلمين وبه قال شريح وعثمان البتى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمهور العلماء لا تجوز شهادة العبد لما يلحقه من نقص الرق وقال الشعبي والنخعي يصح في الشيء اليسير دون الكثير واستدل الجمهور على عدم جواز شهادة العبد بأن الخطاب في هذه الآية مع الذين يتعاملون بالمداينة والعبيد لا يملكون شيئا تجري فيه المعاملة ويجاب عن هذا بأن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأيضا العبد تصح منه المداينة وسائر المعاملات إذا أذن له مالكه بذلك وقد اختلف الناس هل الإشهاد واجب أو مندوب فقال أبو موسى الأشعري وابن عمر والضحاك وعطاء وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وداود بن علي الظاهري وابنه إنه واجب ورجحه ابن جرير الطبري وذهب الشعبي والحسن ومالك الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه مندوب وهذا الخلاف بين هؤلاء هو في وجوب الإشهاد على البيع واستدل الموجبون بقوله تعالى ) وأشهدوا إذا تبايعتم ( ولا فرق بين هذا الأمر وبين قوله ) واستشهدوا ( فيلزم القائلين بوجوب الإشهاد في البيع أن يقولوا بوجوبه في المداينة قوله ) فإن لم يكونا ( أي الشهيدان ) رجلين فرجل وامرأتان ( أي فليشهد رجل وامرأتان أو فرجل وامرأتان يكفون وقوله ) ممن ترضون من الشهداء ( متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان أي كائنون ممن ترضون حال كونهم من الشهداء والمراد ممن ترضون دينهم وعدالتهم وفيه أن المرأتين في الشهادة برجل وأنها لا تجوز شهادة النساء إلا مع الرجل إلا وحدهن إلا فيما لا يطلع عليه غيرهن للضرورة واختلفوا هل يجوز الحكم بشهادة امرأتين مع يمين المدعي كما جاز الحكم برجل مع يمين المدعي فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز ذلك لأن الله سبحانه قد جعل المرأتين كالرجل في هذه الآية وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا يجوز ذلك وهذا يرجع إلى الخلاف في الحكم بشاهد مع يمين المدعي والحق أنه جائز لورود الدليل عليه وهو زيادة لم تخالف ما في الكتاب العزيز فيتعين قبولها وقد أوضحنا ذلك في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا ومعلوم عند كل من يفهم أنه ليس في هذه الآية ما يرد به قضاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالشاهد واليمين ولم يدفعوا هذا إلا بقاعدة مبنية على شفا جرف هار هي قولهم إن الزيادة على النص نسخ وذه دعوى باطلة بل الزيادة على النص شريعة ثابتة جاءنا بها من جاءنا بالنص المتقدم عليها وأيضا كان يلزمهم أن لا يحكموا بنكول المطلوب ولا بيمين الرد على الطالب وقد حكموا بهما والجواب الجوب قوله ) أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ( قال أبو عبيد معنى تضل تنسى والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء وقرأ حمزة ( إن تضل ) بكسر الهمزة وقوله ( فتذكر ) جوابه على


"""""" صفحة رقم 302 """"""
هذه القراءة وعلى قراءة الجمهور هو منصوب بالعطف على تضل ومن رفعه فعلى الاستئناف وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ( فتذكر ) بتخفيف الذال والكاف ومعناه تزيدها ذكرا وقراءة الجماعة بالتشديد أي تنبيهها إذا غفلت ونسيت وهذه الآية تعليل لاعتبار العدد في النساء أي فليشهد رجل وتشهد امرأتان عوضا عن الرجل الآخر لأجل تذكير إحداهما للاخرى إذا ضلت وعلى هذا فيكون في الكلام حذف وهو سؤال سائل عن وجه اعتبار امرأتين عوضا عن الرجل الواحد فقيل وجهه أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى والعلة في الحقيقة هي التذكير ولكن الضلال لما كان سببا له نزل منزلته وأبهم الفاعل في تضل وتذكر لأن كلا منهما يجوز عليه الوصفان فالمعنى إن ضلت هذه ذكرتها هذه وإن ضلت هذه ذكرتها هذه لا على التعيين أي إن ضلت إحدى المرأتين ذكرتها المرأة الأخرى وإنما اعتبر فيهما هذا التذكير لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال وقد يكون الوجه في الإبهام أن ذلك يعني الضلال والتذكير يقع بينهما متناوبا حتى ربما ضلت هذه عن وجه وضلت تلك عن وجه آخر فذكرت كل واحدة منهما صاحبتها وقال سفيان بن عيينة معنى قوله ) فتذكر إحداهما الأخرى ( تصيرها ذكرا يعني أن مجموع شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل الواحد وروى نحوه عن أبي عمرو بن العلاء ولا شك أن هذا باطل لا يدل عليه شرع ولا لغة ولا عقل قوله ) ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ( أي لأداء الشهادة التي قد تحملوها من قبل وقيل إذا ما دعوا لتحمل الشهادة وتسميتهم شهداء مجاز كما تقدم وحملها الحسن على المعنيين وظاهر هذا النهي أن الامتناع من أداء الشهادة حرام قوله ) ولا تسأموا أن تكتبوه ( معنى تسأموا تملوا قال الأخفش يقال سئمت أسأم سآمة وسئاما ومنه قول الشاعر سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
اي لا تملوا أن تكتبوه أي الدين الذي تداينتم به وقيل الحق وقيل الشاهد وقيل الكتاب نهاهم الله سبحانه عن ذلك لأنهم ربما ملوا من كثرة المداينة أن يكتبوا ثم بالغ في ذلك فقال ) صغيرا أو كبيرا ( أي حال كون ذلك المكتوب صغيرا أو كبيرا أي لا تملوا في حال من الأحوال سواء كان الدين كثيرا أو قليلا وقيل إنه كنى بالسآمة عن الكسل والأول أولى وقدم الصغير هنا على الكبير للاهتمام به لدفع ما عساه أن يقال إن هذا مال صغير أي قليل لا احتياج إلى كتبه والإشارة في قوله ) ذلكم ( إلى المكتوب المذكور في ضمير قوله ) أن تكتبوه ( و ) أقسط ( معناه أعدل أي أصح وأحفظ ) وأقوم للشهادة ( أي أعون على إقامة الشهادة واثبت لها وهو مبني من أقام وكذلك أقسط مبني من فعله أي أقسط وقد صرح سيبويه بأنه قياسي أي بني افعل التفضيل ومعنى قوله ) وأدنى ألا ترتابوا ( أقرب لنفي الريب في معاملاتكم أي الشك ولذلك أن الكتاب الذي يكتبونه يدفع ما يعرض لهم من الريب كائنا ما كان قوله ) إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم ( أن في موضع نصب على الاستنثاء قاله الأخفش وكان تامة أي إلا أن تقع أو توجد تجارة والاستثناء منقطع أي لكن وقت تبايعكم وتجارتكم حاضرة بحضور البدلين ) تديرونها بينكم ( تتعاطونها يدا بيد فالإدارة التعاطي والتقابض فالمرد التبايع الناجز يدا بيد فلا حرج عليكم إن تركتم كتابته وقرئ بنصب تجارة على أن كان ناقصة أي إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة قوله ) وأشهدوا إذا تبايعتم ( قيل معناه وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع المذكور هذا وهو التجارة الحاضرة على أن الإشهاد فيها يكفي وقيل معناه إذا تبايعتم أي تبايع كان حضارا أو كالئا لأن ذلك أدفع لمادة الخلاف وأقطع لمنشأ الشجار وقد تقدم قريبا ذكر الخلاف في كون هذا الإشهاد واجبا أو مندوبا قوله ) ولا يضار كاتب ولا شهيد ( يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أو للمفعول فعلى الأول معناه


"""""" صفحة رقم 303 """"""
لا يضارر كاتب ولا شهيد من طلب ذلك منهما إما بعدم الإجابة أو بالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان في كتابته ويدل على هذا قراءة عمر بن الخطاب وابن عباس وابن أبي إسحاق ( ولا يضارر ) بكسر الراء الأولى وعلى الثاني لا يضارر كاتب ولا شهيد بأن يدعيا إلى ذلك وهما مشغولان بمهم لهما ويضيق عليهما في الإجابة ويؤذيا إن حصل منهما التراخي أو يطلب منهما الحضور من مكان بعيد ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود ) ولا يضار ( بفتح الراء الأولى وصيغة المفاعلة تدل على اعتبار الأمرين جميعا وقد تقدم في نفسير قوله تعالى ) لا تضار والدة بولدها ( ما إذا راجعته زادك بصيرة إن شاء الله قوله ) وإن تفعلوا ( أي ما نهيتم عنه من المضارة ) فإنه ( أي فعلكم هذا ) فسوق بكم ( أي خروج عن الطاعة إلى المعصية ملتبس بكم ) واتقوا الله ( في فعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه ) ويعلمكم الله ( ما تحتاجون إليه من العلم وفيه الوعد لمن اتقاه أن يعلمه ومنه قوله تعالى ) إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا )
البقرة : ( 283 ) وإن كنتم على . . . . .
قوله ) وإن كنتم على سفر ( لما ذكر سبحانه مشروعية الكتابة والإشهاد لحفظ الأموال ودفع الريب عقب ذلك بذكر حالة العذر عن وجود الكاتب ونص على حالة السفر فإنها من جملة أحوال العذر ويلحق بذلك كل عذر يقوم مقام السفر وجعل الرهان المقبوضة قائمة مقام الكتابة أي فإن كنتم مسافرين ) ولم تجدوا كاتبا ( في سفركم ) فرهان مقبوضة ( قال أهل العلم الرهن في السفر ثابت ينص التنزيل وفي الحضر بفعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما ثبت في الصحيحين ( أنه ( صلى الله عليه وسلم ) رهن درعا له من يهودي ) وقرأ الجمهور ( كاتبا ) أي رجلا يكتب لكم وقرأ ابن عباس وأبي ومجاهد والضحاك وعكرمة وأبو العالية ( كتابا ) قال ابن الأنباري فسره مجاهد فقال معناه فإن لم تجدوا مدادا يعني في الأسفار وقرأ أبو عمرو وابن كثير ( فرهن ) بضم الراء والهاء وروى عنهما تخفيف الهاء جمع رهان قاله الفراء والزجاج وابن جرير الطبري وقرأ عاصم بن أبي النجود فرهن بفتح الراء وإسكان الهاء وقراءة الجمهور رهان قال الزجاج يقال في الرهن رهنت وأرهنت وكذا قال ابن الأعرابي والأخفش وقال أبو علي الفارسي يقال أرهنت في المعاملات وأما في القرض والبيع فرهنت وقال ثعلب الرواة كلهم في قول الشاعر فلما خشيت أظافيرهم
نجوت وأرهنتهم مالكا
على أرهنتهم على أنه يجوز رهنته وأرهنته إلا الأصمعي فإنه رواه وأرهنهم على أنه عطف لفعل مستقبل على فعل ماض وشبهه بقوله قمت وأصك وجهه وقال ابن السكيت أرهنت فيهما بمعنى أسلفت والمرتهن الذي يأخذ الرهن والشيء مرهون ورهين وراهنت فلانا على كذا مراهنة خاطرته وقد ذهب الجمهور إلى اعتبار القبض كما صرح به القرآن وذهب مالك إلى أنه يصح الارتهان بالإيجاب والقبول من دون قبض قوله ) فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ( أي إن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق لحسن ظنه به وأمانته لديه واستغنى بأمانته عن الارتهان ) فليؤد الذي اؤتمن ( وهو المديون ) أمانته ( أي الدين الذي عليه والأمانة مصدر سمي به الذي في الذمة واضافها إلى الذي عليه الدين من حيث أن لها إليه نسبة وقرى ( ايتمن ) بقلب الهمزة ياء وقرئ بإدغام الياء في التاء وهو خطأ لأن المنقلبة من الهمزة لا تدغم لأنها في حكمها ) وليتق الله ربه ( في أن لا يكتم من الحق شيئا قوله ) ولا تكتموا الشهادة ( نهى للشهود أن يكتموا ما تحملوه من الشهادة وهو في حكم التفسير لقوله ) ولا يضار كاتب ( أي لا يضارر بكسر الراء الأولى على أحد التفسيرين المتقدمين قوله ) ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ( خص القلب بالذكر لأن الكتم من أفعاله ولكونه رئيس الأعضاء وهو المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد كله وارتفاع القلب على أنه فاعل أو مبتدأ وآثم خبره على ما تقرر


"""""" صفحة رقم 304 """"""
في علم النحو ويجوز أن يكون قلبه بدلا من آثم بدل البعض من الكل ويجوز أن يكون أيضا بدلا من الضمير الذي في آثم الراجع إلى من وقرئ ( قلبه ) بالنصب كما في قوله ) إلا من سفه نفسه (
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين ( قال نزلت في السلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم وأخرج الشافعي وعبدالرزاق وعبد بن حميد والبخاري وغيرهم عنه قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله أجله وقرأ هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال أمر بالشهادة عند المداينة لكيلا يدخل في ذلك جحود ولا نسيان فمن لم يشهد على ذلك فقد عصى ( ولا يأب الشهداء ) يعني من احتيج إليه من المسلمين ليشهد على شهادة أو كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يابى إذا ما دعي ثم قال بعد هذا ) ولا يضار كاتب ولا شهيد ( والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني إن الله قد أمرك ان لا تأبى إذا دعيت فبضاره بذلك وهو مكتف بغيره فنهاه الله عن ذلك وقال ( وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ) يعني معصية قال ومن الكبائر كتمان الشهادة لأن الله تعالى يقول ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) ولا يأب كاتب ( قال واجب على الكاتب أن يكتب وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كانت الكتابة عزيمة فنسخها ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال ( فإن كان الذي عليه الحق سفيها ) قال هو الجاهل ( أو ضعيفا ) قال هو الأحمق وأخرج ابن جرير عن الضحاك والسدي في قوله ) سفيها ( قالا هو الصبي الصغير وأخرج ابن جرير من طريق عطية العوفي عن ابن عباس ) فليملل وليه ( قال صاحب الدين وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن قال ولي اليتيم وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال ولي السفيه أو الضعيف وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد في قوله ) من رجالكم ( قال من الأحرار وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله ) ممن ترضون من الشهداء ( قال عدول وأخرج الشافعي والبيهقي عن مجاهد قال عدلان حران مسلمان وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) أن تضل إحداهما ( يقول ان تنسى إحدى المرأتين الشهادة ) فتذكر إحداهما الأخرى ( يعني تذكرها التي حبطت شهادتها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يأب الشهداء ( قال إذا كانت عندهم شهادة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال كان الرجل يطوف في القوم الكثير يدعوهم يشهدون فلا يتبعه أحد منهم فأنزل الله ) ولا يأب الشهداء ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن المنذر عن عائشة في قوله ) أقسط عند الله ( قالت أعدل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) قال يأتي الرجل الرجلين فيدعوهما إلى الكتابة والشهادة فيقولان إنا على حاجة فيقول إنكما قد أمرتما أن تجيبا فليس له أن يضارهما وأخرج ابن جرير عن طاوس ( لا يضار كاتب ) فيكتب ما لم يمل عليه ولا شهيد فيشهد بما لم يستشهد وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) وإن كنتم على سفر ( الآية قال من كان على سفر فبايع بيعا إلى أجل فلم يجد كاتبا فرخص له في الرهان المقبوضة وليس له إن وجد كاتبا أن يرتهن وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد لا يكون الرهن إلا في السفر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال لا يكون الرهن إلا مقبوضا وأخرج البخاري في تاريخه وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن ماجة وأبو نعيم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين ( حتى بلغ


"""""" صفحة رقم 305 """"""
) فإن أمن بعضكم بعضا ( قال هذه نسخت ما قبلها وأقول رضي الله عن هذا الصحابي الجليل ليس هذا من باب النسخ فهذا مقيد بالائتمان وما قبله ثابت محكم لم ينسخ وهو مع عدم الائتمان وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) آثم قلبه ( قال فاجر قلبه وأخرج ابن جرير بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن شهاب قال آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين
البقرة 284
البقرة : ( 284 ) لله ما في . . . . .
قوله ) لله ما في السماوات وما في الأرض ( قد تقدم تفسيره قوله ) وإن تبدوا ما في أنفسكم ( إلى آخر الآية ظاهره أن الله يحاسب العباد على ما أضمرته أنفسهم أو أظهرته من الأمور التي يحاسب عليها فيغفر لمن يشاء منهم ما يغفره منها ويعذب من يشاء منهم بما أسر أو أظهر منها هذا معنى الآية على مقتضى اللغة العربية وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية على أقوال الأول أنها وإن كانت عامة فهي مخصوصة بكتمان الشهادة وأن الكاتم للشهادة يحاسب على كتمه سواء أظهر للناس أنه كاتم للشهادة أو لم يظهر وقد روى هذا عن ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد وهو مردود بما في الآية من عموم اللفظ ولا يصلح ما تقدم قبل هذه الآية من النهي عن كتم الشهادة أن تكون مختصة به والقول الثاني أن ما في الآية مختص بما في يطرأ على النفوس من الأمور التي هي بين الشك واليقين قاله مجاهد وهو ايضا تخصيص بلا مخصص والقول الثالث أنها محكمة عامة ولكن العذاب على ما في النفس يختص بالكفار والمنافقين حكاه الطبري عن قوم وهو أيضا تخصيص بلا مخصص فإن قوله ) يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( لا يختص ببعض معين إلا بدليل والقول الرابع أن هذه الآية منسوخة قاله ابن مسعود وعائشة وابو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة وهو مروي عن ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين وهذا هو الحق لما سيأتي من التصريح بنسخها و لما ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ) قوله ) يحاسبكم به الله ( قدم الجار والمجرور على الفاعل لإظهار العناية به وقدم الإبداء على الإخفاء لأن الأصل في الأمور التي يحاسب عليها هو الأعمال البادية وأما تقديم الإخفاء في قوله سبحانه ) قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ( فلكون العلم يتعلق بالأعمال الخافية والبادية على السوية وقدم المغفرة على التعذيب لكون رحمته سبقت غضبه وجملة قوله ) فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( مستأنفة أي فهو يغفر وهي متضمنة لتفصيل ما أجمل في قوله ) يحاسبكم به الله ( وهذا على قراءة ابن عامر وعاصم وأما على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي بجزم الراء والباء فالفاء عاطفة لما بعدها على المجزوم قبلها وهو جواب الشرط أعني قوله ) يحاسبكم به الله ( وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو العالية وعاصم الجحدري بنصب الراء والباء في قوله ) فيغفر ( ويعذب على إضمار أن عطفا على المعنى وقرأ طلحة بن مصرف يغفر بغير فاء على البدل وبه قرأ الجعفي وخلاد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال لما نزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم ( الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم جثوا على الركب فقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزل الله عليك


"""""" صفحة رقم 306 """"""
هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا ( سمعنا وأطعنا غفرانك وإليك المصير ) فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) الآية فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) إلى آخرها وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا نحوه وزاد فأنزل الله ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) قال قد فعلت ( ربنا ولا تحمل علينا إصركما حملته على الذين من قبلنا ) قال قد فعلت ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) قال قد فعلت ( واعف عنا وأغفر لنا وارحمنا ) الآية قال قد فعلت وقد رويت هذه القصة عن ابن عباس من طرق وأخرج البخاري والبيهقي عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أحسبه ابن عمر ( إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ) قال نسختها الآية التي بعدها وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن على نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن جرير عن عائشة نحوه أيضا وبمجموع ما تقد محمد يظهر لك ما أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية انه قال نزلت في كتمان الشهادة فإنها لو كانت كذلك لم يشتد الأمر على الصحابة وعلى كل حال فبعد هذه الأحاديث المصرحة بالنسخ والناسخ لم يبق مجال لمخالفتها ومما يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين والسنن الأربع من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله تجاوز لى عن أمتي ما حدثت به انفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ) وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت كل عبد هم بسوء ومعصية وحدث نفسه به حاسبه الله الدنيا يخاف ويحزن ويشتد همه لا يناله من ذلك شئ كما هم بسوء ولم يعمل منه بشئ وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عنها نحوه والأحاديث المتقدمة المصرحة بالنسخ تدفعه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال إن الله يقول يوم القيامة إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم فأغفر لمن شئت واعذب من شئت وهو مدفوع بما تقدم
البقرة 285 286
البقرة : ( 285 ) آمن الرسول بما . . . . .
قوله ( بما أنزل إليه من ربه ) أي بجميع ما أنزل الله ( والمؤمنين ) عطف على الرسول وقوله ( كل أي من الرسول والمؤمنين ( آمن الله ) ويجوز ان يكون قوله ( والمؤمنون ) مبتدأ وقوله كل مبتدأ ثان وقوله آمن بالله خبر المبتدأ الثاني وهو وخبره خبر المبتدأ الأول وأفرد الضمير في قوله ( آمن بالله ) مع رجوعه إلى كل المؤمنين لما أن المراد بيان إيمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع كما اعتبر ذلك في قوله تعالى ) وكل أتوه داخرين (


"""""" صفحة رقم 307 """"""
قال الزجاج لما ذكر الله سبحانه في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة وبين أحكام الحج وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وأقاصيص الأنبياء وبين حكم الربا ذكر تعظيمه سبحانه بقوله ( لله ما في السموات وما في الأرض ) ثم ذكر تصديق نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهم صدقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله وقيل سبب نزولها الآية التي قبلها وقد تقدم بيان ذلك قوله ( وملا ئكته ) أي من حيث كونهم عباده المكرمين المتوسطين بينه وبين أنبيائه في أنزال كتبه وقوله ( وكتبه لأنها المشتملة على الشرائع التي تعبد بها عباده وقوله ( ورسله ) لأنهم المبلغون لعباده ما نزل إليهم وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وكتبه بالجمع وقرءوا في التحريم وكتابه وقرأ ابن عباس هنا وكتابه وكذلك قرأ حمزة والكسائي وروى عنه انه قال الكتاب أكثر من الكتب وبينه صاحب الكشاف فقال لأنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحدان الجنس كلها لم يخرج منه شئ وأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع انتهى ومن أراد تحقيق المقام فليرجع إلى شرح التلخيص المطول عند قول صاحب التلخيص ( واستغراق المفرد أشمل ) وقرأ الجمهور ورسله بضم السين وقرأ أبو عمرو بتخفبف السين وقرأ الجمهور ( لانفرق ) بالنون والمعنى يقولون لا نفرق وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة وابن عمر وابن جرير ويعقوب ( لا يفرق ) بالياء التحتيه وقوله ( بين أحد ) ولم يقل بين آحاد لأن الأحد يتناول الواحد والجمع كما في قوله تعالى ) فما منكم من أحد عنه حاجزين ( فوصفه بقوله حاجزين لكونه في معنى الجمع وهذه الجملة يجوز ان تكون في محل نصب على الحال وان تكون خبرا آخر لقوله ( كل ) وقوله ( من رسله ) أظهر في محل الإضمار للاحتراز عن توهم اندراج الملائكة في الحكم أو الأشعار بعلة عدم التفريق بينهم وقوله ( وقالوا سمعنا وأطعنا ) هو معطوف على قوله ( آمن ) وهو وإن كان للفرد وهذا للجماعة فهو جائز نظرا إلى جانب المعنى أي أدركناه بأسماعنا وفهمناه وأطعنا ما فيه و قيل معنى سمعنا أحنبا دعوتك قوله ( غفرانك ) مصدر منصوب بفعل مقدر أي اغفر غفرانك قاله الزجاج وغيره وقدم السمع والطاعة على طلب المغفرة لكون الوسيلة تتقدم على المتوسل إليه
البقرة : ( 286 ) لا يكلف الله . . . . .
قوله ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) التكليف هو الأمر بما فيه مشقة وكلفة والوسع الطاقة والوسع ما يسع الأنسان ولا يضيق عليه وهذه جملة مستقلة جاءت عقب قوله سبحانه ( وإن تبدوا ما في انفسكم ) الآية لكشف كربة المسلمين ودفع المشقة عليهم في التكليف بما في الأنفس وهي كقوله سبحانه ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( قوله ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) فيه ترغيب وترهيب أي لها ثواب ما كسبت من الخير وعليها وزر ما اكتسبت من الشر وتقدم لها وعليها على الفعلين ليفيد ان ذلك لها لا لغيرها وعليها لا على غيرها وهذا مبنى على أن كسب للخير فقط واكتسب للشر فقط كما قاله صاحب الكشاف وغيره وقيل كل واحد من الفعلين يصدق على الأمرين وإنما كرر الفعل وخالف بين التصريفين تحسينا للنظم كما في قوله تعالى ) فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ( قوله ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) أي لا تؤاخذنا بإثم ما يصدر منا من هذين الأمرين وقد استشكل هذا الدعاء جماعة من المفسرين وغيرهم قائلين إن الخطأ والنسيان مغفوران غير مؤاخذ بهما فما معنى الدعاء بذلك فإنه من تحصيل الحاصل واجيب عن ذلك بأن المراد طلب المؤاخذة بما صدر عنهم من الأسباب المؤدية إلى النسيان والخطأ من التفريط وعدم المبالاة لا من نفس النسيان والخطأ فإنه لا مؤاخذة بهما كما يفيد ذلك قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان )


"""""" صفحة رقم 308 """"""
وسياتي مخرجه وقيل إنه يجوز للإنسان أن يدعو بحصول ما هو حاصل له قبل الدعاء لقصد استدامته وقيل إنه وإن ثبت شرعا أنه لا مؤاخذة بهما فلا امتناع في المؤاخذة بهما عقلا وقيل لأنهم كانوا على جانب عظيم من التقوى بحيث لا يصدر عنهم الذنب تعمدا وإنما يصدر عنهم خطأ أو نسيانا فكأنه وصفهم بالدعاء بذلك إيذانا بنزاهة ساحتهم عما يؤخذان به كأنه قيل إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به فما منهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان قال القرطبي وهذا لم يختلف فيه ان الإثم مرفوع وإنما اختلف فيما يتعلق على ذلك من الأحكام هل ذلك مرفوع ولا يلزم منه شئ أو يلزم أحكام ذلك كله اختلف فيه والصحيح ان ذلك يختلف بحسب الوقائع فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديانات والصلوات المفروضات وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر و قسم ثالث مختلف فيه كمن أكل ناسيا في رمضان أو حنث ساهيا وما كان مثله مما يقع خطأ ونسيانا ويعرف ذلك في الفروع انتهى قوله ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) عطف على الجملة التي قبله وتكرير النداء للأيذان بمزيد التضرع واللجأ إلى الله سبحانه والإصر العبء الثقيل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه مكانه لا يستقل به لثقله والمراد به هنا التكليف الشاق والأمر الغليظ الصعب وقيل الإصر شدة العمل وما غلظ على بنى إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة ومنه قول النابغة يا مانع الضيم تغشي سراتهم
والحامل الإصر عنهم بعد ما غرقوا
وقيل الأصر المسخ قردة وخنازير وقيل العهد ومنه قوله تعالى وأخذتم على ذلكم إصرى وهذا الخلاف يرجع إلى بيان ما هو الإصر الذي كان على من قبلنا لا إلى معنى الإصر في لغة العرب فإنه ما تقدم ذكره بلا نزاع والإصار الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها يقال أصر يأصر إصرا حبس والإصر بكسر الهمزة من ذلك قال الجوهري والموضع مأصر والجمع مآصر والعامة تقول معاصر ومعنى الآية أنهم طلبوا من الله سبحانه أن لا يحملهم من ثقل التكاليف ما حمل الأمم قبلهم قوله ( كما حملته ) صفة مصدر محذوف أي حملا مثل حملك إياه على من قبلنا أو صفة لإصرا أي إصرا مثل الإصر الذي حملته على من قبلنا قوله ( ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) هو أيضا عطف على ما قبله وتكرير النداء للنكتة المذكورة قبل هذا والمعنى لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق وقيل هو عبارة عن إنزال العقوبات كأنه قال لا تنزل علينا العقوبات بتفريطنا في المحافظة على تلك التكاليف الشاقة التي كلفت بها من قبلنا وقيل والمراد به الشاق الذي لايكاد يستطاع من التكاليف قال في الكشاف وهذا تقرير لقوله ولاتحمل علينا إصرا ) قوله ( واعف عنا ) أي عن ذنوبنا يقال عفوت عن ذنبه إذا تركته ولم تعاقبه عليه ( واغفر لنا ) أي استر على ذنوبنا والغفر الستر ( وارحمنا ) أي تفضل برحمة منك علينا ( أنت مولانا ) أي ولينا وناصرنا وخرج هذا مخرج التعليم كيف يدعون وقيل معناه أنت سيدنا ونحن عبيدك ( فانصرنا على القوم الكافرين ) فإن من حق المولى أن ينصر عبيده والمراد عامة الكفرة وفيه إشارة إلى إعلاء كلمة الله في الجهاد في سبيله وقد قدمنا في شرح الآية التي قبل هذه أعنى قوله ( ان تبدو ما في انفسكم ) الخ أنه ثبت في الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن الله تعالى قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات قد فعلت فكان ذلك دليلا على انه سبحانه لم يؤاخذهم بشئ من الخطأ والنسيان ولا حمل عليهم شيئا من الإصر الذي حمله على من قبلهم ولا حملهم ما لا طاقة لهم به وعفا عنهم وغفر لهم ورحمهم و نصرهم على القوم الكافرين والحمد الله رب العالمين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان ( لا نفرق بين أحد من رسله ) لا نكفر بما جاءت به الرسل ولا


"""""" صفحة رقم 309 """"""
نفرق بين أحد منهم ولا نكذب به ( وقالوا سمعنا ) للقرآن الذي جاء من الله ( وأطعنا ) وأقروا لله ان يطيعوه في أمره ونهيه وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( غفرانك ربنا ) قال قد غفرت لكم ( وإليك المصير ) قال إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن حكيم بن جابر قال لما نزلت ( آمن الرسول ) الآية قال جبريل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فقال ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) حتى ختم السورة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( لايكلف الله نفسا إلا وسعها ) قال هم المؤمنون وسع الله عليهم أمر دينهم فقال ما جعل عليكم في الدين من حرج وقال ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( وقال ) فاتقوا الله ما استطعتم ( وأخرج ابن أبي حاتم عنه قوله ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) قال من العمل وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ( إلا وسعها ) قال إلا طاقتها وأخرج ابن المنذر عن الضحاك نحوه وقد أخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن حبان في صحيحه والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي ذر مرفوعا والطبراني من حديث ثوبان ومن حديث ابن عمر ومن حديث عقبة بن عامر وأخرجه البيهقي أيضا من حديثه وأخرجه ابن عدي في الكامل وأبو نعيم من حديث أبي بكرة وأخرجه ابن أبي حاتم من حديث أم الدرداء وأخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد من حديث الحسن مرسلا وأخرجه عبد بن حميد من حديث الشعبي مرسلا وفي أسانيد هذه الأحاديث مقال ولكنها يقوى بعضها بعضا فلا تقصر عن رتبة الحسن لغيره وقد تقدم حديث ( إن الله قال قد فعلت ) وهو في الصحيح وهو يشهد لهذه الأحاديث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( إصرا ) قال عهدا وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله وأخرج أيضا عن عطاء بن أبي رباح في قوله ) ولا تحمل علينا إصرا ( قال لا تمسخنا قردة وخنازير وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية أن الأصر الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل في الآية قال كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب قيل له توبتك أن تقتل نفسك فيقتل نفسه فوضعت الآصار عن هذه الأمة وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال لما نزلت هذه الآيات ( ربنا لا تؤاخذنا ) الخ كلما قالها جبريل للنبي صلى الله عليه و آله وسلم قال النبي آمين رب العالمين وأخرج أبو عبيد عن ميسرة ان جبريل لقن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاتمة البقرة آمين وأخرج أبو عبيد وابن أبي شبية وابن جرير وابن المنذر عن معاذ بن جبل أنه كان إذا فرغ من قراءة هذه السورة قال آمين واخرج أبو عبيد عن جبير بن نفير انه كان يقول آمين آمين وأخرج عبد بن حميد عن أبي ذر قال هي للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وأخرج ابن جرير عن الضحاك في هذه الآية قال سألها نبي الله ربه فأعطاه إياها فكانت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة
فضل خواتيم سورة البقرة
وقد ثبت عند الشيخين وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ) وأخرج أبو عبيد والدرارمى والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن النعمان بن بشير ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله كتب كتابا قبل ان يخلق السموات والأرض بالفي عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان ) وأخر ج أحمد والنسائي والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن حذيفة ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول ( أعطيت هذه


"""""" صفحة رقم 310 """"""
الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي وأخرج أحمد أحمد والبيهقي عن أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج أبو عبيد وأحمد ومحمد بن نصر عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( اقرءوا هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة ( آمن الرسول ) إلى خاتمتها فإن الله اصطفى بها محمدا ) وإسناده حسن وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال لما أسرى برسول ( صلى الله عليه وسلم ) انتهى إلى سدرة المنتهى وأعطى ثلاثا اعطى الصلوات الخمس وأعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهما وعملوهما نساءكم وأبناءكم فإنهما صلاة وقرآن ودعاء ) وأخرج الديلمى عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اثنان هما قرآن وهما يشفيان وهما مما يحبهما الله الآيتان من آخر البقرة ) وأخرج الطبراني بسند جيد عن شداد بن أوس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله كتب كتابا قبل ان يخلق السموات والأرض بألفي عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان ) وأخرج ابن عدي عن ابن مسعود الأنصاري ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( انزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل ان يخلق الخلق بألفي سنة من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل ) وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ آخر سورة البقرة أو آية الكرسي ضحك وقال إنهما من كنز تحت العرش وأخرج ابن مردويه عن معقل بن يسار قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش ) وأخرج مسلم والنسائي واللفظ له عن ابن عباس قال بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده جبريل إذ سمع نقيضا فرفع جبريل بصره فقال هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته فهذه ثلاثة عشر حديثا في فضل هاتين الآيتين مرفوعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد روى في فضلهما من غير المرفوع عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي مسعود وكعب الأحبار والحسن وابى قلابة وفي قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما يغنى عن غيره


"""""" صفحة رقم 311 """"""

سورة آل عمران
فضل سورة آل عمران
هي مدنية قال القرطبي بالإجماع ومما يدل على ذلك أن صدرها إلى ثلاث وثمانين آية نزل في وفد نجران وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة وقد أخرج البيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال نزلت سورة آل عمران بالمدينة وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ما هو مشترك بينها وبين هذه السورة من الأحاديث الدالة على فصلهما وكذلك تقدم ما ورد في السبع الطوال وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس ) وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب قال من قرأ البقرة وآل عمران والنساء كتب عند الله من الحكماء وأخرج الديلمي ومحمد بن نصر والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود من قرأ أل عمران فهو غني وأخرج الدارمي وعبد بن حميد والبيهقي عنه قال نعم كنز الصعلوك آل عمران يقوم بها الرجل من آخر الليل وأخرج سعيد بن منصور عن أبي عطاف قال اسم آل عمران في التوراة طيبة وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالملك بن عمير قال قرأ رجل البقرة وآل عمران فقال كعب قد قرأ الورتين إن فيهما الإسم الذي إذا دعي به أجاب
بسم الله الرحمن الرحيم
آل عمران 1 6
آل عمران : ( 1 ) الم
قرأ الحسن وعمرو بن عبيد وعاصم بن أبي النجود وأبو جعفر الرواسي ) الم الله ( بقطع ألف الوصل على تقدير الوقف على ) الم ( كما يقدرون الوقف على أسماء الأعداد نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة مع وصلهم قال الاخفش ويجوز ) الم الله ( بكسر الهمزة لالتقاء الساكنين قال الزجاج هذا خطأ ولا تقوله العرب لثقله وقد ذكر سيبويه في الكتاب أن فواتح السور التي لم تكن موازنة لمفرد طريق التلفظ بها الحكاية فقط ساكنة الأعجاز على الوقف سواء جعلت أسماء اومسرودة على نمط التعديد وإن لزمها التقاء الساكنين لما أنه مغتفر في باب الوقف فحق هذه


"""""" صفحة رقم 312 """"""
الفاتحة أن يوقف عليها ثم يبدأ بما بعدها كما فعله الحسن ومن معه في قراءتهم المحكية سابقا وأما فتح الميم على القراءة المشهورة فوجهه ما روى عن سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين وقال الكسائي حروف التهجي إذا لقيتها ألف وصل فحذف الألف وحركت الميم بحركة الألف وكذا قال الفراء وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد فلا محل لها من الإعراب وإن جعلت أسماء للسورة فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر أو اقرأ أو نحوهما وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ما يغني عن الاعادة
آل عمران : ( 2 ) الله لا إله . . . . .
وقوله ) الله لا إله إلا هو ( مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة أي هو المستحق للعبودية والحي القيوم خبران آخران للاسم الشريف أو خبران لمبتدأ محذوف أي هو الحي القيوم وقيل إنهما صفتان للمبتدإ الأول أو بدلان منه أو من الخبر وقد تقدم تفسير الحي والقيوم وقرأ جماعة من الصحابة القيام عمر وأبي ابن كعب وابن مسعود
آل عمران : ( 3 ) نزل عليك الكتاب . . . . .
قوله ) نزل عليك الكتاب ( أي القرآن وقد الظرف على المفعول به للاعتناء بالمنزل عليه ( صلى الله عليه وسلم ) وهي إما جملة مستأنفة أو خبر آخر للمبتدإ الأول قوله ) بالحق ( أي بالصدق وقيل بالحجة الغالبة وهو في محل نصب على الحال وقوله ) مصدقا ( حال آخر من الكتاب مؤكدة لأنه لا يكون إلا مصدقا فلا تكون الحال منتقلة أصلا وبهذا قال الجمهور وجوز بعضهم الانتقال على معنى أنه مصدق لنفسه ولغيره وقوله ) لما بين يديه ( أي من الكتب المنزلة وهو متعلق بقوله مصدقا واللام للتقوية قوله ) وأنزل التوراة والإنجيل ( هذه الجملة في حكم البيان لقوله لما بين يديه وإنما قال هنا أنزل وفيما تقدم نزل لأن القرآن نزل منجما والكتابان نزلا دفعة واحدة ولم يذكر في الكتابين من أنزلا عليه وذكر فيما تقدم أن الكتاب نزل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأن القصد هنا ليس إلا إلى ذكر الكتابين لا ذكر من نزلا عليه
آل عمران : ( 4 ) من قبل هدى . . . . .
وقوله ) من قبل ( أي أنزل التوراة والإنجيل من قبل تنزيل الكتاب وقوله ) هدى للناس ( إما حال من الكتابين أو علة للإنزال والمراد بالناس أهل الكتابين أو ما هو أعم لأن هذه الأمة متعبدة بما لم ينسخ من الشرائع قال ابن فورك هدى للناس المتقين كما قال في البقرة هدى للمتقين قوله ) وأنزل الفرقان ( أي الفارق بين الحق والباطل وهو القرآن وكرر ذكره تشريفا له مع ما يشتمل عليه هذا الذكر الآخر من الوصف له بأنه يفرق بين الحق والباطل وذكر التنزيل أولا والإنزال ثانيا لكونه جامعا بين الوصفين فإنه أنزل إلى سماء الدنيا جملة ثم نزل منها إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مفرقا منجما على حسب الحوادث كما سبق وقيل أراد بالفرقان جميع الكتب المنزلة من الله تعالى على رسله وقيل أراد الزبور لاشتماله على المواعظ الحسنة وقوله ) إن الذين كفروا بآيات الله ( أي بما يصدق عليه أنه آية من الكتب المنزلة وغيرها أو بما في الكتب المنزلة المذكورة على وضع آيات الله موضع الضمير العائد إليها وفيه بيان الأمر الذي استحقوا به الكفر ) لهم ( بسبب هذا الكفر ) عذاب شديد ( أي عظيم ) والله عزيز ( لا يغالبه مغالب ) ذو انتقام ( عظيم والنقمة السطوة يقال انتقم منه إذا عاقبه بسبب قد تقدم منه
آل عمران : ( 5 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( هذه الجملة استئنافية لبيان سعة علمه وإحاطته بالمعلومات وعبر عن معلوماته بما في الأرض والسماء مع كونها أوسع من ذلك لقصور عباده عن العلم بما سواهما من أمكنة مخلوقاته وسائر معلوماته ومن جملة ما لا يخفى عليه إيمان من آمن من خلقه وكفر من كفر
آل عمران : ( 6 ) هو الذي يصوركم . . . . .
قوله ) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( أصل اشتقاق الصورة من صاره إلى كذا أي أماله إليه فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة وأصل الرحم من الرحمة لأنه مما يتراحم به وهذه الجملة مستأنفة مشتملة على بيان إحاطه علمه وأن من جملة معلوماته ما لا يدخل تحت الوجود وهو تصوير عباده في أرحام


"""""" صفحة رقم 313 """"""
أمهاتهم من نطف آبائهم كيف يشاء من حسن وقبيح وأسود وأبيض وطويل وقصير وكيف معمول يشاء والجملة حالية
سبب النزول والآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن جعفر بن محمد بن الزبير قال ( قدم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفد نجران ستون راكبا فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم فكلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب وعبد المسيح والسيد وهو الأيهم ثم ذكروا القصة في الكلام الذي دار بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأن الله أنزل في ذلك صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع فذكر وفد نجران ومخاصمتهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في عيسى عليه السلام وأن الله أنزل ) الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) مصدقا لما بين يديه ( قال لما قبله من كتاب أو رسول وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وقال في قوله ) وأنزل الفرقان ( هو القرآن فرق بين الحق والباطل فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه وشرع فيه شرائعه وحد فيه حدوده وفرض فيه فرائضه وبين فيه بيانه وأمر بطاعته ونهى عن معصيته وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله ) وأنزل الفرقان ( أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره وفي قوله ) إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ( أي إن الله ينتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها وفي قوله ) إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( أي قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى إذ جعلوه ربا وإلها وعندهم من علمه غير ذلك غرة بالله وكفرا به ) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صوره غيره من بني آدم فكيف يكون إلها وقد كان بذلك المنزل وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله ) يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( قال ذكورا وإناثا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( قال إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوما ثم تكون علقة أربعين يوما ثم تكون مضغة أربعين يوما فإذا بلغ أن يخلق بعث الله ملكا يصورها فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه فيخلط منه المضغة ثم يعجنه بها ثم يصور كما يؤمر فيقول أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد وما رزقه وما عمره وما أثره وما مصائبه فيقول الله ويكتب الملك فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( قال من ذكر وأنثى وأحمر وأسود وتام الخلق وغير تام الخلق
آل عمران 7 9


"""""" صفحة رقم 314 """"""
آل عمران : ( 7 ) هو الذي أنزل . . . . .
الكتاب هو القرآن فاللام للعهد وقدم الظرف وهو عليك لما يفيده من الاختصاص وقوله ) منه آيات محكمات ( الموافق لقواعد العربية أن يكون الظرف خبرا مقدما والأولى بالمعنى أن يكون مبتدأ تقديره من الكتاب آيات بينات على نحو ما تقدم في قوله ) ومن الناس من يقول ( وإنما كان أولى لأن المقصود إنقسام الكتاب إلى القسمين المذكورين لا مجرد الإخبار عنهما بأنهما من الكتاب والجملة حالية في محل نصب أو مستأنفة لا محل لها وقد اختلف العلماء في تفسير المحكمات والمتشابهات على أقوال فقيل إن المحكم ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل ومن القائلين بهذا جابر بن عبدالله والشعبي وسفيان الثوري قالوا وذلك بجر الحروف المقطعة في أوائل السور وقيل المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا والمتشابه ما يحتمل وجوها فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقي صار المتشابه محكما وقيل إن المحكم ناسخه وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه والمتشابه منسوخه وأمثاله واقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به روى هذا عن ابن عباس وقيل المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ روى عن ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك وقيل المحكم الذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له والمتشابه ما فيه تصريف وتحريف وتأويل قاله مجاهد وابن إسحاق قال ابن عطية وهذا أحسن الأقوال وقيل المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى أن يرجع فيه إلى غيره والمتشابه ما يرجع فيه إلى غيره قال النحاس وهذا أحسن ما قيل في المحكمات والمتشابهات قال القرطبي ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية وهو الجاري على وضع اللسان وذلك أن المحكم اسم مفعول من أحكم والإحكام الإتقان ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تردد إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها ومتى اختل أحد الامرين جاء التشابه والإشكال وقال ابن خويز منداد للمتشابه وجوه ما اختلف فيه العلماء أي الآيتين نسخت الأخرى كما في الحامل المتوفى عنها زوجها فإن من الصحابة من قال إن آية وضع الحمل نسخت آية الأربعة الأشهر والعشر ومنهم من قال بالعكس وكاختلافهم في الوصية للوارث وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن يقدم إذا لم يعرف النسخ ولم توجد شرائطه وكتعارض الأخبار وتعارض الأقيسة هذا معنى كلامه
والأولى أن يقال إن المحكم هو الواضح المعنى الظاهر الدلالة إما باعتبار نفسه أو باعتبار غيره والمتشابه مالا يتضح معناه أو لا تظهر دلالته لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره وإذا عرفت هذا عرفت أن هذا الاختلاف الذي قدمناه ليس كما ينبغي وذلك لأن أهل كل قول عرفوا المحكم ببعض صفاته وعرفوا المتشابه بما يقابلها وبيان ذلك أن أهل القول الأول جعلوا المحكم ما وجد إلى علمه سبيل والمتشابه ما لا سبيل إلى علمه ولا شك أن مفهوم المحكم والمتشابه أوسع دائرة مما ذكروه فإن مجرد الخفاء أو عدم الظهور أو الاحتمال أو التردد يوجب التشابه وأهل القول الثاني خصوا المحكم بما ليس فيه احتمال والمتشابه بما فيه احتمال ولا شك أن هذا بعض أوصاف المحكم والمتشابه لا كلها وهكذا أهل القول الثالث فإنهم خصوا كل واحد من القسمين بتلك الأوصاف المعينة دون غيرها وأهل القول الرابع خصوا كل واحد منهما ببعض الأوصاف التي ذكرها أهل القول الثالث والأمر أوسع مما قالوه جميعا وأهل القول الخامس خصوا المحكم بوصف عدم التصريف والتحريف وجعلوا المتشابه مقابلة وأهملوا ما هو أهم من ذلك مما لا سبيل إلى علمه من دون تصريف وتحريف كفواتح السور


"""""" صفحة رقم 315 """"""
المقطعة وأهل القول السادس خصوا المحكم بما يقوم بنفسه والمتشابه بما لا يقوم بها وأن هذا هو بعض أوصافهما وصاحب القول السابع وهو ابن خويز منداد عمد إلى صورة الوفاق فجعلها محكما وإلى صورة الخلاف والتعارض فجعلها متشابها فأهمل ما هو أخص أوصاف كل واحد منهما من كونه باعتبار نفسه مفهوم المعنى أو غير مفهوم قوله ) هن أم الكتاب ( أي أصله الذي يعتمد عليه ويرد ما خالفه إليه وهذه الجملة صفة لما قبلها قوله ) وأخر متشابهات ( وصف لمحذوف مقدر أي وآيات أخر متشابهات وهي جمع أخرى وإنما لم ينصرف لأنه عدل بها عن الآخر لأن أصلها أن يكون كذلك وقال أبو عبيد لم ينصرف لأن واحدها لا ينصرف في معرفة ولا نكرة وأنكر ذلك المبرد وقال الكسائي لم تنصرف لأنها صفة وأنكره أيضا المبرد وقال سيبويه لا يجوز أن يكون أخر معدولة عن الألف واللام لأنها لو كانت معدولة عنها لكان معرفة ألا ترى أن سحر معرفة في جميع الأقاويل لما كانت معدولة قوله ) فأما الذين في قلوبهم زيغ ( الزيغ الميل ومنه زاغت الشمس وزاغت الأبصار ويقال زاغ يزيغ زيغا إذا ترك القصد ومنه قوله تعالى ) فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( وهذه الآية تعم كل طائفة من الطوائف الخارجة عن الحق وسبب النزول نصارى نجران كما تقدم وسيأتي قوله ) فيتبعون ما تشابه منه ( أي يتعلقون بالمتشابه من الكتاب فيشككون به على المؤمنين ويجعلونه دليلا على ما هم فيه من البدعة المائلة عن الحق كما تجده في كل طائفة من طوائف البدعة فإنهم يتلاعبون بكتاب الله تلاعبا شديدا ويوردون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شيء قوله ) ابتغاء الفتنة ( أي طلبا منهم لفتنة الناس في دينهم والتلبيس عليهم وإفساد ذات بينهم ) وابتغاء تأويله ( أي طلبا لتأويله على الوجه الذي يريدونه ويوافق مذاهبهم الفاسدة قال الزجاج معنى ابتغائهم تأويله أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم فأعلم الله عز وجل أن تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلا الله قال والدليل على ذلك قوله ) هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله ( أي يوم يرون ما يوعدون من البعث والنشور والعذاب ) يقول الذين نسوه ( أي تركوه ) قد جاءت رسل ربنا بالحق ( أي قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل قوله ) وما يعلم تأويله إلا الله ( التأويل يكون بمعنى التفسير كقولهم تأويل هذه الكلمة على كذا أي تفسيرها ويكون بمعنى ما يئول الأمر إليه واشتقاقه من آل الأمر إلى كذا يئول إليه أي صار وأولته تأويلا أي صيرته وهذه الجملة حالية أي يتبعون المتشابه لابتغاء تأويله والحال أن ما يعلم تأويله إلا الله وقد اختلف أهل العلم في قوله ) والراسخون في العلم ( هل هو كلام مقطوع عما قبله أو معطوف على ما قبله فتكون الواو للجمع فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع عما قبله وأن الكلام تم عند قوله ) إلا الله ( هذا قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة ابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم وهو مذهب الكسائي والفراء والأخفش وأبي عبيد وحكاه ابن جرير الطبري عن مالك واختاره وحكاه الخطابي عن ابن مسعود وأبي بن كعب قال وإنما روى عن مجاهد أنه نسق الراسخين على ما قبله وزعم أنهم يعلمونه قال واحتج له بعض أهل اللغة فقال معناه والراسخون في العلم يعلمونه قائلين ) آمنا به ( وزعم أن موضع ) يقولون ( نصب على الحال وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا ولا تذكر حالا الا مع ظهور الفعل فإذا لم يظهر فعل لم يكن حالا ولو جاز ذلك لجاز أن يقال عبدالله راكبا يعني أقبل عبدالله راكبا وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله عبدالله يتكلم يصلح بين الناس فكان يصلح حالا كقول الشاعر أنشدنيه أبو عمرو قال أنشدنا أبو العباس ثعلب أرسلت فيها رجلا لكالكا
يقصر يمشي ويطول باركا


"""""" صفحة رقم 316 """"""
فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده وأيضا فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه شيئا عن الخلق وينسبه لنفسه فيكون له في ذلك شريك إلا ترى قوله عز وجل ) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ( وقوله ) لا يجليها لوقتها إلا هو ( وقوله ) كل شيء هالك إلا وجهه ( فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه به لا يشركه فيه غيره وكذلك قوله تعالى ) وما يعلم تأويله إلا الله ( ولو كانت الواو في قوله ) والراسخون ( للنسق لم يكن لقوله ) كل من عند ربنا ( فائدة انتهى قال القرطبي ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره فقد روى عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل وأنهم داخلون في علم المتشابه وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم و ( يقولون ) على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخون كما قال الريح يبكي شجوه
والبرق يلمع في الغمامة
وهذا البيت يحتمل المعنيين فيجوز أن يكون والبرق مبتدأ والخبر يلمع على التأويل الأول فيكون مقطوعا مما قبله ويجوز أن يكون معطوفا على الريح ويلمع في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعا انتهى ولا يخفاك أن ما قاله الخطابي في وجه امتناع كون قوله ) يقولون آمنا به ( حالا من أن العرب لا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل إلى آخر كلامه لا يتم إلا على فرض أنه لا فعل هنا وليس الأمر كذلك فالفعل مذكور وهو قوله ) وما يعلم تأويله ( ولكنه جاء الحال من المعطوف وهو قوله ) والراسخون ( دون المعطوف عليه وهو قوله ) إلا الله ( وذلك جائز في اللغة العربية وقد جاء مثله في الكتاب العزيز ومنه قوله تعالى ) للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ( إلى قوله ) والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ( الآية وكقوله ) وجاء ربك والملك صفا صفا ( أي وجاءت الملائكة صفا صفا ولكن ها هنا مانع آخر من جعل ذلك حالا وهو أن تقييد علمهم بتأويله بحال كونهم قائلين آمنا به ليس بصحيح فإن الراسخين في العلم على القول بصحة العطف على الإسم الشريف يعلمونه في كل حال من الأحوال لا في هذه الحالة الخاصة فاقتضى هذا أن جعل قوله ) يقولون آمنا به ( حالا غير صحيح فتعين المصير إلى الاستئناف والجزم بأن قوله ) والراسخون في العلم ( مبتدأ خبره ) يقولون ( ومن جملة ما استدل به القائلون بالعطف أن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم فكيف يمدحهم وهم لا يعلمون ذلك ويجاب عن هذا بأن تركهم لطلب علم ما لم يأذن الله به ولاجعل لخلقه إلى علمه سبيلا هو من رسوخهم لأنهم علموا أن ذلك مما استأثر الله بعلمه وأن الذين يتبعونه هم الذين في قلوبهم زيغ وناهيك بهذا من رسوخ وأصل الرسوخ في لغة العرب الثبوت في الشيء وكل ثابت راسخ وأصله في الأجرام أن ترسخ الخيل أو الشجر في الأرض ومنه قول الشاعر لقد رسخت في الصدر مني مودة
لليلى أبت آياتها أن تغيرا
فهؤلاء ثبتوا في امتثال ما جاءهم عن الله من ترك اتباع المتشابه وإرجاع علمه إلى الله سبحانه ومن أهل العلم من توسط بين المقامين فقال التأويل يطلق ويراد به في القرآن شيئان أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يئول أمره إليه ومنه قوله ) هذا تأويل رؤياي ( وقوله ) هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله ( أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعادن فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه إلا الله عز وجل ويكون قوله ) والراسخون في العلم ( مبتدأ و ) يقولون آمنا به ( خبره وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله ) نبئنا بتأويله ( أي بتفسيره فالوقف على ) والراسخون في العلم ( لأنهم


"""""" صفحة رقم 317 """"""
يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الإعتبار وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه وعلى هذا فيكون ) يقولون آمنا به ( حالا منهم ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون تأويله وأطنب في ذلك وهكذا جماعة من محققي المفسرين رجحوا ذلك قال القرطبي قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر وهو الصحيح فإن تسميتهم راسخين تقضي بأنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع لكن المتشابه يتنوع فمنه ما لا يعلم ألبتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بعلمه وهذا لا يتعاطى علمه أحد فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة فيتأول ويعلم تأويله المستقيم ويزال ما فيه من تأويل غير مستقيم انتهى
المحكم والمتشابه
واعلم أن هذا الاضطراب الواقع في مقالات أهل العلم أسبابه اختلاف أقوالهم في تحقيق معنى المحكم والمتشابه وقد قدمنا لك ما هو الصواب في تحقيقهما ونزيدك ها هنا إيضاحا وبيانا فنقول إن من جملة ما يصدق عليه تفسير المتشابه الذي قدمناه فواتح السور فإنها غير متضحة المعنى ولا ظاهرة الدلالة لا بالنسبة إلى أنفسها لأنه لا يدرى من يعلم بلغة العرب ويعرف عرف الشرع ما معنى الم المر حم طس طسم ونحوها لأنه لا يجد بيانها في شيء من كلام العرب ولا من كلام الشرع فهي غير متضحة المعنى لا باعتبارها نفسها ولا باعتبار أمر آخر يفسرها ويوضحها ومثل ذلك الألفاظ المنقولة عن لغة العجم والألفاظ الغربية التي لا يوجد في لغة العرب ولا في عرف الشرع ما يوضحها وهكذا ما استأثر الله بعلمه كالروح وما في قوله ) إن الله عنده علم الساعة ( إلى الآخر الآية ونحو ذلك وهكذا ما كانت دلالته غير ظاهرة لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره كورود الشيء محتملا لأمرين احتمالا لا يترجح أحدهما على الآخر باعتبار ذلك الشيء في نفسه وذلك كالألفاظ المشتركة مع عدم ورود ما يبين المراد من معنى ذلك المشترك من الأمور الخارجة وكذلك ورود دليلين متعارضين تعارضا كليا بحيث لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر لا باعتبار نفسه ولا باعتبار أمر آخر يرجحه وأما ما كان واضح المعنى باعتبار نفسه بأن يكون معروفا في لغة العرب أو في عرف الشرع أو باعتبار غيره وذلك كالأمور المجملة التي ورد بيانها في موضع آخر من الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة أو الأمور التي تعارضت دلالتها ثم ورد ما يبين راجحها من مرجوحها في موضع آخر من الكتاب أو السنة أو سائر المرجحات المعروفة عند أهل الأصول المقبولة عند أهل الإنصاف فلا شك ولا ريب أن هذه من المحكم لا من المتشابه ومن زعم أنها من المتشابه فقد اشتبه عليه الصواب فاشدد يديك على هذا فإنك تنجو به من مضايق ومزالق وقعت للناس في هذا المقام حتى صارت كل طائفة تسمى ما دل لما ذهب إليه محكما وما دل على ما يذهب إليه من يخالفها متشابها سيما أهل علم الكلام ومن أنكر هذا فعليه بمؤلفاتهم
واعلم أنه قد ورد في الكتاب العزيز ما يدل على أنه جميعه محكم ولكن لا بهذا المعنى الوارد في هذه الآية بل بمعنى آخر ومن ذلك قوله تعالى ) كتاب أحكمت آياته ( وقوله ) تلك آيات الكتاب الحكيم ( والمراد بالمحكم بهذا المعنى أنه صحيح الألفاظ قويم المعاني فائق في البلاغة والفصاحة على كل كلام وورد أيضا ما يدل على أنه جميعه متشابه لكن لا بهذا المعنى الوارد في هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها بل بمعنى آخر ومنه قوله تعالى ) كتابا متشابها ( والمراد بالمتشابه بهذا المعنى أنه يشبه بعضه بضعا في الصحة والفصاحة والحسن والبلاغة وقد ذكر أهل العلم لورود المتشابه في القرآن فوائد منها أنه يكون في الوصول إلى الحق مع وجودها فيه مزيد صعوبة ومشقة وذلك يوجب


"""""" صفحة رقم 318 """"""
مزيد الثواب للمستخرجين للحق وهم الأئمة المجتهدون وقد ذكر الزمخشري والرازي وغيرهما وجوها هذا أحسنها وبقيتها لا تستحق الذكر ها هنا قوله ) كل من عند ربنا ( فيه ضمير مقدر عائد على قسمي المحكم والمتشابه أي كله أو المحذوف غير ضمير أي كل واحد منهما وهذا من تمام المقول المذكور قبله وقوله ) وما يذكر إلا أولوا الألباب ( أي العقول الخالصة وهم الراسخون في العلم الواقفون عند متشابهه العالمون بمحكمه العاملون بما أرشدهم الله إليه في هذه الآية
آل عمران : ( 8 ) ربنا لا تزغ . . . . .
وقوله ) ربنا لا تزغ ( إلخ من تمام ما يقوله الراسخون أي يقولون آمنا به كل من عند ربنا ويقولون ) ربنا لا تزغ قلوبنا ( قال ابن كيسان سألوا ألا يزيغوا فتزيغ قلوبهم نحو قوله تعالى ) فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( كأنهم لما سمعوا قوله سبحانه ) فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ( قالوا ) ربنا لا تزغ قلوبنا ( باتباع المتشابه ) بعد إذ هديتنا ( إلى الحق بما أذنت لنا من العمل بالآيات المحكمات والظرف وهو قوله ( بعد ) منتصب بقوله لا تزغ قوله ) وهب لنا من لدنك رحمة ( أي كائنة من عندك ومن لابتداء الغاية ولدن بفتح اللام وضم الدال وسكون النون وفيه لغات أخر هذه افصحها وهو ظرف مكان وقد يضاف إلى الزمان وتنكير رحمة للتعظيم أي رحمة عظيمة واسعة وقوله ) إنك أنت الوهاب ( تعليل للسؤال أو لإعطاء المسئول وقوله ) ربنا إنك جامع الناس ( أي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم ( ليوم ) هو يوم القيامة أي لحساب يوم أو لجزاء يوم على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامة قوله ) لا ريب فيه ( أي في وقوعه ووقوع ما فيه من الحساب والجزاء وقد تقدم تفسير الريب وجملة قوله ) إن الله لا يخلف الميعاد ( للتعليل لمضمون ما قبلها أي أن الوفاء بالوعد شأن الإله سبحانه وخلفه يخالف الألوهية كما أنها تنافيه وتباينه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما نؤمن به ونعمل به والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله واقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال في قوله ) منه آيات محكمات ( قال الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات ) قل تعالوا ( والآيتان بعدها وفي رواية عنه أخرجها عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) آيات محكمات ( قال من هنا ) قل تعالوا ( إلى ثلاث آيات ومن هنا ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ( إلى ثلاث آيات بعدها وأقول رحم الله ابن عباس ما أقل جدوى هذا الكلام المنقول عنه فإن تعيين ثلاث آيات أو عشر أو مائة من جميع آيات القرآن ووصفها بأنها محكمة ليس تحته من الفائدة شيء فالمحكمات هي أكثر القرآن على جميع الأقوال حتى على قوله المنقول عنه قريبا من أن المحكمات ناسخه وحلاله إلخ فما معنى تعيين تلك الآيات من آخر سورة الأنعام وأخرج عبد بن حميد عنه قال المحكمات الحلال والحرام وللسلف أقوال كثيرة هي راجعة إلى ما قدمنا في أول هذا البحث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ) فأما الذين في قلوبهم زيغ ( يعني أهل الشك فيحملون المحكم على المتشابه والمتشابه على المحكم ويلبسون فلبس الله عليهم ) وما يعلم تأويله إلا الله ( قال تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ) زيغ ( قال شك وفي الصحيحين وغيرهما عن عائشة قالت ( تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) هو الذي أنزل عليك الكتاب ( إلى قوله ) فأما الذين في قلوبهم زيغ ( إلى قوله ) أولوا الألباب ( قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عني فاحذروهم ) وفي لفظ ( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذي سماهم الله فاحذروهم ) هذا لفظ البخاري ولفظ ابن جرير وغيره ( فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عني الله فلا


"""""" صفحة رقم 319 """"""
تجالسوهم ) وأخرج عبد بن حميد وعبدالرزاق وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي أمامة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ( قال هم الخوارج وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا ) وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود موقوفا وأخرج الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لعبدالله بن مسعود فذكر نحوه وأخرج البخاري في التاريخ عن علي مرفوعا بإسناد ضعيف نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن جرير وأبو يعلى عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( نزل القرآن على سبعة أحرف والمراء في القرآن كفر ما عرفتم فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ) وإسناده صحيح وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة مرفوعا وفيه ( واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه ) وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن طاوس قال كان ابن عباس يقرؤها وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال في قراءة عبدالله وإن حقيقة تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قال إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة ) وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ( فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا وأخرج ابن جرير عن عروة قال الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله ولكنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن عمر بن عبدالعزيز نحوه واخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قال كتاب الله ما استبان فاعمل به وما اشتبه عليك فآمن به وكله إلى عالمه وأخرج أيضا عن ابن مسعود قال إن للقرآن منارا كمنار الطريق فما عرفتم فتمسكوا به وما اشتبه عليكم فذروه وأخرج أيضا عن معاذ نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال تفسير القرآن على أربعة وجوه تفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام وتفسير تعرفه العرب بلغتها وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله من ادعى علمه فهو كذاب وأخرج ابن جرير عنه قال أنزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به وتفسير تفسره العرب وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال أنا ممن يعلم تأويله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عنه في قوله ) يقولون آمنا به ( نؤمن بالمحكم وندين به ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به وهو من عندالله كله وأخرج الدارمي في مسند ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال من أنت فقال أنا عبدالله صبيع فقال وأنا عبدالله عمر فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى دمى رأسه فقال يا أمي المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد قال رأسي وأخرج الدارمي أيضا من وجه آخر وفيه أنه ضرب ثلاث مرات يتركه في كل مرة حتى يبرأ ثم يضربه وأخرج أصل القصة ابن عساكر في تاريخه عن أنس وأخرج الدارمي وابن عساكر أن عمر كتب إلى أهل البصرة أن لا يجالسوا صبيغا وقد أخرج هذه القصة جماعة وأخرج ابن جرير


"""""" صفحة رقم 320 """"""
وابن أبي حاتم والطبراني عن أنس وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي الدرداء ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن الراسخين في العلم من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه ومن عف بطنه وفرجه فذلك من الراسخين في العلم ) وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن يزيد الأزدي عن أنس مرفوعا نحوه وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الجدال في القرآن كفر ) وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمر قال ( خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن وراء حجرته قوم يتجادلون بالقرآن فخرج محمرة وجنتان كأنما يقطران دما فقال يا قوم لاتجادلوا بالقرآن فإنما ضل من كان قبلكم بجدالهم إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا ولكن نزل ليصدق بعضه بعضا فما كان من محكمه فاعملوا به وما كان من متشابهه فآمنوا به ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أم سلمة ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ثم قرأ ( ربنا لاتزع قلوبنا بعد إذ هديتنا ) الآية ) وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عنها مرفوعا نحوه بأطول منه وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة مرفوعا نحوه وقد ورد نحوه من طرق أخر وأخرج ابن النجار في تاريخه في قوله ) ربنا إنك جامع الناس ليوم ) الآية عن جعفر بن محمد الخلدى قال روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أن من قرأ هذه الآية على شيء ضاع منه رده الله عليه ويقول بعد قراءتها يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه أجمع بينى وبين مالى إنك على كل شيء قدير )
آل عمران 10 13
آل عمران : ( 10 ) إن الذين كفروا . . . . .
المراد بالذين كفروا جنس الكفرة وقيل وفد نجران وقيل قريظة وقيل النضير وقيل مشركو العرب وقرأ السلمى ( لن يغني بالتحتية وقرأ الحسن بكون الياء الآخرة تخفيفا قوله ( من الله شيئا اي من عذابه شيئا من الإغناء وقيل إن كلمة من بمعنى عند أي لا تغني عند الله شيئا قاله أبو عبيد وقيل هي بمعنى بدل والمعنى بدل رحمة الله وهو بعيد قوله ( وأولئك هم وقود النار ) الوقود اسم للحطب وقد تقدم الكلام عليه في سورة البقرة أي هم حطب جهنم الذي تسعر به وهم مبتدأ ووقود خبره والجملة خبرأولئك أو هم ضمير فصل وعلى التقديرين فالجملة مستأنفة مقررة لقوله ( لن تغنى عنهم أموالهم ) الآية وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف ( وقود ) بضم الواو وهو مصدر وكذلك الوقود بفتح الواو في قراءة الجمهور يحتمل أن يكون اسما للحطب كما تقدم فلا يحتاج إلى تقدير ويحتمل أن يكون مصدرا لأنه من المصادر التي تأتى على وزن الفعول فتحتاج إلى تقدير


"""""" صفحة رقم 321 """"""
أي هم أهل وقود النار
آل عمران : ( 11 ) كدأب آل فرعون . . . . .
قوله ( كدأب آل فرعون ) الدأب الاجتهاد يقال دأب الرجل في عمله يدأب دأبا ودءوبا إذا جد واجتهد والدائبان الليل والنهار والدأب العادة والشأن ومنه قول امرئ القيس كدأبك من أم الحويرث قبلها
وجارتها أم الرباب بمأسل
والمراد هنا كعادة آل فرعون وشأنهم وحالهم واختلفوا في الكاف فقيل هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون مع موسى وقال الفراء إن المعنى كفرت العرب ككفر آل فرعون قال النحاس لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا لأن كفروا داخله في الصلة وقيل هي متعلقة بأخذهم الله أي أخذهم أخذة كما أخذ آل فرعون وقيل هي متعلقة بلن تغنى أي لم تغن عنهم غناء كما لم تغن عن آل فرعون وقيل إن العامل فعل مقدر من لفظ الوقود ويكون التشبيه في نفس الإحراق قالوا ويؤيده قوله تعالى ) أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ( ) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ( والقول الأول هو الذي قاله جمهور المحققين ومنهم الأزهري قوله ( والذين من قبلهم ) أي من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة أي وكدأب الذين من قبلهم قوله ( كذبوا بآياتنا فأخذهم الله ) يحتمل أن يريد الآيات المتلوة ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية الوحدانية ويصح إرادة الجميع والجملة بيان وتفسير لدأبهم ويجوز أن تكون في محل نصب على الخال من آل فرعون والذين من قبلهم على إضمار قد أي دأب هؤلاء كدأب أولئك قد كذبوا إلخ وقوله ( بذنوبهم ) أي بسائر ذنوبهم التي من جملتها تكذيبهم
آل عمران : ( 12 ) قل للذين كفروا . . . . .
قوله ( قل للذين كفروا ) قيل هم اليهود وقيل هم مشركو مكة وسيأتي بيان سبب نزول الآية وقوله ( ستغلبون ) قرئ بالفوقية والتحتية وكذلك ( تحشرون ) وقد صدق الله وعده بقتل بني قريظة وإجلاء بني النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على سائر اليهود ولله الحمد قوله ( وبئس المهاد ) يحتمل أن يكون من تمام القول الذي أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ان يقوله لهم ويحتمل ان تكون الجملة مستأنفة تهويلا وتفظيعا
آل عمران : ( 13 ) قد كان لكم . . . . .
قوله ( قد كان لكم آية ) أي علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم وهذه الجملة جواب قسم محذوف وهي من تمام القول المأمور به لتقرير مضمون ما قبله ولم يقل كانت لأن التأنيث غير حقيقي وقال الفراء انه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الإسم بقوله ( لكم ) والمراد بالفئتين المسلمون والمشركون لما اتقوا يوم بدر قوله ( فئة تقاتل في سبيل الله ) قراءة الجمهور برفع فئة وقرأ الحسن ومجاهد ( فئة ) و ( كافرة ) بالخفض فالرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أي إحداهما فئة وقوله ( تقاتل ) في محل رفع على الصفة والجر على البدل من قوله ( فئتين ) وقوله ( وأخرى ) أي وفئة أخرى كافرة وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما قال ثعلب هو على الحال أي التقتا مختلفتين مؤمنة وكافرة وقال الزجاج النصب بتقدير أعنى وسميت الجماعة من الناس فئة لأنه يفاء إليها أي يرجع في وقت الشدة وقال الزجاج الفئة الفرقة مأخوذ من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته ولا خلاف ان المراد بالفئتين هما المقتتلتان في يوم بدر وإنما وقع الخلاف في المخاطب بهذا الخطاب فقيل المخاطب بها المؤمنون وقيل اليهود وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت نفوسهم وتشجيعها وفائدته إذا كان مع اليهود عكس الفائدة المقصود بخطاب المسلمين قوله ( ترونهم مثليهم ) قال أبو علي الفارسي الرؤية في هذه الآية رؤية العين وذلك تعدت إلى مفعول واحد ويدل عليه قوله ( رأى العين ) والمراد أنه يرى المشركون المسلمين مثلى عدد المشركين أو مثلى عدد المسلمين وهذا على قراءة الجمهور بالياء التحتية وقرأ نافع بالفوقية وقوله ( مثليهم ) منتصب على الحال وقد ذهب الجمهور إلى أن فاعل ترون هم المؤمنون


"""""" صفحة رقم 322 """"""
والمفعول هم الكفار والضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين أي ترون أيها المسلمون المشركون مثلى ما هم عليه من العدد وفيه بعد ان يكثر الله المشركين في أعين المؤمنين وقد أخبرنا أنه قللهم في أعين المؤمنين فيكون المعنى ترون أيها المسلمون المشركين مثليكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم فقلل الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مثلى عدتهم لتقوى أنفسهم وقد كانوا أعلموا ان المائة منهم تغلب المائتين من الكفار ويحتمل ان يكون الضمير في مثليهم للمسلمين أي ترون أيها المسلمون انفسكم مثلى ما أنتم عليه من العدد لتقوى لذلك أنفسكم وقد قال من ذهب إلى التفسير الأول أعني ان فاعل الرؤية المشركون وأنهم رأوا المسلمين مثلى عددهم انه لا يناقض هذا ما في سورة الأنفال من قوله تعالى ويقللكم في أعينهم بل قللوا أولا في أعينهم ليلاقوهم ويجترئوا عليهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا قوله ( رأى العين ) مصدر مؤكد لقوله ( ترونهم ) أي رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها ( والله يؤيد بنصره من يشاء ( أي يقوى من يشاء ان يقويه ومن جمله ذلك تأييد أهل بدر بتلك الرؤية ( إن في ذلك ) أي في رؤية القليل كثيرا ( لعبرة ) فعلة من العبور كالجلسة من الجلوس والمراد الاتعاظ والتنكير للتعظيم أي عبرة عظيمة وموعظة حسيمة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( كذأب آل فرعون ) قال كصنيع آل فرعون وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه قال كفعل وأخرج مثله أبو الشيخ عن مجاهد وأخرج ابن جرير عن الربيع قال كسنتهم وأخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس ( ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع قال يا معشر يهود أسلموا قبل ان يصيبكم الله بما أصاب قريشا قالوا يا محمد لا يغرنك من نفسك ان قتلت نفرا كانوا غمارا لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا فأنزل الله ( قل للذين كفروا ستغلبون ) إلى قوله ( أولى الابصار ) وأخرج ابن جرير وابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عاصم بن عمر بن قتادة مثله وأخرج وابن جرير بن المنذر عن عكرمة قال قال فنحاص اليهودي وذكر نحوه وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ( قد كان لكم آية ) عبرة وتفكر وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله 0 قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله ) أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ببدر ( وأخرى كافرة ) فئة قريش الكفار وأخرج عبدالرزاق ان هذه الآية نزلت في أهل بدر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ( قد كان لكم آية ) يقول قد كان لكم في هؤلاء عبرة ومتفكر أيدهم الله ونصرهم على عدوهم يوم بدر كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلا وكان أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا وكان المشركون مثليهم ستمائة وستة وعشرين فايد الله المؤمنين
آل عمران 14 17


"""""" صفحة رقم 323 """"""
آل عمران : ( 14 ) زين للناس حب . . . . .
قوله ( زين للناس ) إلخ كلام مستأنف لبيان حقارة ما تستلذه الأنفس في هذه الدار والمزين قيل هو الله سبحانه وبه قال عمر كما حكاه عنه البخاري وغيره ويؤيد قوله تعالى ) إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ( وقيل المزين هو الشيطان وبه قال الحسن حكاه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عنه وقرأ الضحاك ( زين ) على البناء للفاعل وقرأه الجمهور على البناء للمفعول والمراد بالناس الجنس و الشهوات جمع شهوة وهي نزوع النفس إلى ما تريده والمراد هنا المشتهيات عبر عنا بالشهوات مبالغة في كونها مرغوبا فيها أو تحقيرا لها لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية ووجه تزيين الله سبحانه لها ابتلاء عبادة كا صرح به في الآية الأخرى وقوله ( من النساء والبنين ) في محل الحال أي زين للناس حب الشهوات حال كونها من النساء والبنين إلخ وبدأ بالنساء لكثرة تشوق النفوس إليهن لأنهن حبائل الشيطان وخص البنين دون البنات لعدم الاطراد في محبتهن والقناطير جمع قنطار وهو اسم للكثير من المال قال الزجاج القنطار مأخوذ من عقد الشئ وإحكامه تقول العرب قنطرت الشئ إذا أحكمته ومنه سميت القنطرة لإحكامها وقد اختلف في تقديره على أقوال للسلف ستأتي إن شاء الله واختلفوا في معنى المقنطرة فقال ابن جرير الطبري معناها المضعفة وقال القناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة وقال الفراء القناطير جمع القنطار والمقنطرة جمع الجمع فتكون تسع قناطير وقيل المقنطرة المضروبة وقيل المكملة كما يقال بدرة مبدرة وألوف مؤلفة وبه قال مكى وحكاه الهروي وقال ابن كيسان لا تكون المقنطرة أقل من سبع قناطير وقوله ( من الذهب والفضة ) بيان للقناطير أو حال ( والخيل المسومه ) قيل هي المرعية في المروج والمسارح يقال سامت الدابة والشاة إذا سرحت وقيل هي المعدة للجهاد وقيل هي الحسان وقيل المعلمة من السومة وهي العلامة أي التي يجعل عليها علامة لتتميز عن غيرها وقال ابن فارس في المجمل المسومة المرسلة وعليها ركبانها وقال ابن كيسان البلق والانعام هي الإبل والبقر والغنم فإذا قلت نعم فهي الإبل خاصة قاله الفراء وابن كيسان ومنه قوله حسان وكانت لا يزال بها أنيس
خلال مروجها نعم وشاء
والحرث اسم لكل ما يحرث وهو مصدر سمى به المحروث يقول حرث الرجل حرثا إذا أثار الأرض فيقع على الأرض والزرع قال ابن الأعرابي الحرث التفتيش قوله ( ذلك متاع الحياة الدنيا ) أي ذلك المذكور ما يتمتع به ثم يذهب ولا يبقي وفيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة والمآب المرجع آب يئوب إيابا إذا رجع ومنه قول امرئ القيس لقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
آل عمران : ( 15 ) قل أؤنبئكم بخير . . . . .
قوله ( قل اؤنبئكم بخير من ذلكم ) أي هل أخبركم بما هو خير لكم من تلك المستلذات وإبهام الخير للتفخيم ثم


"""""" صفحة رقم 324 """"""
بينه بقوله ) للذين اتقوا عند ربهم جنات ( وعند في محل نصب على الحال من جنات وهي مبتدأ وخبرها للذين اتقوا ويجوز أن تتعلق اللام بخير وجنات خبر مبتدأ مقدر أي هو جنات وخص المتقين لأنهم المنتفعون بذلك وقد تقدم تفسير قوله ) تجري من تحتها الأنهار ( وما بعده
آل عمران : ( 16 ) الذين يقولون ربنا . . . . .
قوله ) الذين يقولون ( بدل من قوله ) للذين اتقوا ( أو خبر مبتدا محذوف أي هم الذين أو منصوب على المدح والصابرين وما بعده نعت للموصول على تقدير كونه بدلا أو منصوبا على المدح وعلى تقدير كونه خبرا يكون الصابرين وما بعده منصوبة على المدح
آل عمران : ( 17 ) الصابرين والصادقين والقانتين . . . . .
وقد تقدم تفسير الصبر والصدق والقنوت قوله ) والمستغفرين بالأسحار ( هم السائلون للمغفرة بالأسحار وقيل المصلون والأسحار جمع سحر بفتح الحاء وسكونها قال الزجاج هو من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر وخص الأسحار لأنها من أوقات الإجابة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب لما نزلت ) زين للناس حب الشهوات ( قال الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت ) قل أؤنبئكم ( وأخرجه ابن المنذر عنه بلفظ خير انتهى إلى قوله ) قل أؤنبئكم بخير ( فبكى وقال بعد ماذا بعد ماذا بعد ما زينتها وأخرج أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( القنطار اثنا عشر ألف أوقية ) رواه أحمد من حديث عبدالصمد بن عبدالوارث عن حماد عن عاصم عن أبي صالح عنه ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبدالصمد به وقد رواه ابن جرير موقوفا على أبي هريرة قال ابن كثير وهذا أصح وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن القناطير المقنطرة فقال ( القنطار ألف أوقية ) ورواه ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه مرفوعا بلفظ ألف دينار وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية ) وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقى من قول معاذ بن جبل وأخرجه ابن جرير من قول ابن عمر وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي من قول أبي هريرة وأخرجه ابن جرير والبيهقي من قول ابن عباس وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال القنطار ملء مسك جلد الثور ذهبا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قال القنطار سبعون ألفا وأخرجه عبد بن حميد عن مجاهد وأخرج أيضا عن سعيد بن المسيب قال القنطار ثمانون ألفا وأخرج ابضا عن أبي صالح قال القنطار مائة رطل وأخرجه أيضا عن قتادة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال القنطار خمسة عشر ألف مثقال والمثقال أربعة وعشرون قيراطا وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال هو المال الكثير من الذهب والفضة وأخرجه أيضا عن الربيع وأخرج عن السدي أن المقنطرة المضروبة وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس ( والخيل المسومة ) قال الراعية وأخرج ابن المنذر عنه من طريق مجاهد وأخرج ابن جرير عنه قال هي الراعية والمطهمة الحسان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال هي المطهمة الحسان واخرجا عن عكرمة قال تسويمها حسنها وأخرج ابن أبي حاتم قال ( الخيل المسومة ) الغرة والتحجيل وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله الصابرين قال قوم صبروا على طاعة الله وصبروا عن محارمه والصادقون قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم وصدقوا في السر والعلانية والقانتون هم المطيعون والمستغفرون بالأسحار أهل الصلاة وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبي شيبة قال هم الذين يشهدون صلاة الصبح وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس قال أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن نستغفر بالأسحار سبعين مرة وأخرج ابن جرير وأحمد في الزهد عن سعيد الجريري قال بلغنا أن داود عليه


"""""" صفحة رقم 325 """"""
السلام سأل جبريل فقال يا جبريل أي الليل أفضل قال يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له )
آل عمران 18 20
آل عمران : ( 18 ) شهد الله أنه . . . . .
قوله ) شهد الله ( أي بين وأعلم قال الزجاج الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبينه فقد دلنا الله على وحدانيته بما خلق وبين وقال أبو عبيدة شهد الله بمعنى قضى أي أعلم قال ابن عطية وهذا مردود من جهات وقيل إنها شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله ووحيه بشهادة الشاهد في كونها مبنية وقوله أنه بفتح الهمزة قال المبرد أي بأنه ثم حذفت الباء كما في أمرتك الخير أي بالخير وقرأ ابن عباس ( إنه ) بكسر الهمزة بتضمين شهد معنى قال وقرأ أبو المهلب ( شهداء لله ) بالنصب على أنه حال من الصابرين وما بعده أو على المدح ) والملائكة ( عطف على الإسم الشريف وشهادتهم إقرارهم بأنه لا إله إلا الله وقوله ) وأولو العلم ( معطوف أيضا على ما قبله وشهادتهم بمعنى الإيمان منهم وما يقع من البيان للناس على ألسنتهم وعلى هذا لا بد من حمل الشهادة على معنى يشمل شهادة الله وشهادة الملائكة وأولي العلم وقد اختلف في أولي العلم هؤلاء من هم فقيل هم الأنبياء وقيل المهاجرون والأنصار قاله ابن كيسان وقيل مؤمنو أهل الكتاب قاله مقاتل وقيل المؤمنون كلهم قاله السدي والكلبي وهو الحق إذ لا وجه للتخصيص وفي ذلك فضيلة لأهل العلم جليلة ومنقبة نبيلة لقربهم باسمه واسم ملائكته والمراد بأولي العلم هنا علماء الكتاب والسنة وما يتوصل به إلى معرفتهما إذ لا اعتداد بعلم لا مدخل له في العلم الذي اشتمل عليه الكتاب العزيز والسنة المطهرة وقوله ) قائما بالقسط ( أي العدل أي قائما بالعدل في جميع أموره أو مقيما له وانتصاب قائما على الحال من الإسم الشريف قال في الكشاف إنها حال مؤكدة كقوله ) وهو الحق مصدقا ( وجاز إفراده سبحانه بذلك دون ما هو معطوف عليه من الملائكة وأولي العلم لعدم اللبس وقيل إنه منصوب على المدح وقيل إنه صفة لقوله ) إله ( أي لا إله قائما بالقسط إلا هو أو هو حال من قوله ( إلا هو ) والعامل فيه معنى الجملة وقال الفراء هو منصوب على القطع لأن أصله الألف واللام فلما قطعت نصب كقوله ) وله الدين واصبا ( ويدل عليه قراءة عبدالله بن مسعود القائم بالقسط وقوله ) لا إله إلا هو ( تكرير لقصد التأكيد وقيل إن قوله ) أنه لا إله إلا هو ( كالدعوى والأخيرة كالحكم وقال جعفر الصادق الأولى وصف وتوحيد والثانية رسم وتعليم
آل عمران : ( 19 ) إن الدين عند . . . . .
وقوله ) العزيز الحكيم ( مرتفعان على البدلية من الضمير أو الوصفية لفاعل شهد لتقرير معنى الوحدانية قوله ) إن الدين عند الله الإسلام ( قرأه الجمهور بكسر إن على أن الجملة


"""""" صفحة رقم 326 """"""
مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى وقرئ بفتح أن قال الكسائي أنصبهما جميعا يعني قوله ) شهد الله أنه ( وقوله ) إن الدين عند الله الإسلام ( بمعنى شهد الله أنه كذا وأن الدين عند الله الإسلام قال ابن كيسان إن الثانية بدل من الأولى وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان وإن كانا في الأصل متغايرين كما في حديث جبريل الذي بين فيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) معنى الإسلام ومعنى الإيمان وصدقه جبريل وهو في الصحيحين وغيرهما ولكنه قد يسمى كل واحد منهما باسم الآخر وقد ورد ذلك في الكتاب والسنة قوله ) وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ( فيه الإخبار بأن اختلاف اليهود والنصارى كان لمجرد البغي بعد أن علموا بأنه يجب عليهم الدخول في دين الإسلام بما تضمنته كتبهم المنزلة إليهم قال الأخفش وفي الكلام تقديم وتأخير والمعنى ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو خلافهم في كون نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) نبيا أم لا وقيل اختلافهم في نبوة عيسى وقيل اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء قوله ) ومن يكفر بآيات الله ( أي بالآيات الدالة على أن الدين عند الله الإسلام ( فان الله سريع الحساب ) فيجازيه ويعاقبه على كفره بآياته والإظهار في قوله فإن الله مع كونه مقام الإضمار للتهويل عليهم والتهديد لهم
آل عمران : ( 20 ) فإن حاجوك فقل . . . . .
قوله ) فإن حاجوك ( أي جادلوك بالشبه الباطلة والأقوال المحرفة ) فقل أسلمت وجهي لله ( أي أخلصت ذاتي لله وعبر بالوجه عن سائر الذات لكونه أشرف أعضاء الإنسان وأجمعها للحواس وقيل الوجه هنا بمعنى القصد وقوله ) ومن اتبعن ( عطف على فاعل أسلمت وجاز للفصل وأثبت نافع وأبو عمرو ويعقوب الياء في اتبعن على الأصل وحذفها الآخرون اتباعا لرسم المصحف ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع والمراد بالأميين هنا مشركو العرب وقوله ) أأسلمتم ( استفهام تقريري يتضمن الأمر أي أسلموا كذا قاله ابن جرير وغيره وقال الزجاج ) أأسلمتم ( تهديد والمعنى أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإسلام فهل علمتم بموجب ذلك أم لا تبكيتا لهم وتصغيرا لشأنهم في الإنصاف وقبول الحق وقوله ) فقد اهتدوا ( أي ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر وفازوا بخير الدنيا والآخرة ) وإن تولوا ( أي أعرضوا عن قبول الحجة ولم يعملوا بموجبها ) فإنما عليك البلاغ ( أي فإنما عليك أن تبلغهم ما أنزل إليك ولست عليهم بمسيطر فلا تذهب نفسك عليهم حسرات والبلاغ مصدر وقوله ) والله بصير بالعباد ( فيه وعد ووعيد لتضمنه أنه عالم بجميع أحوالهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) قائما بالقسط ( قال بالعدل وأخرج أيضا عن ابن عباس مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إن الدين عند الله الإسلام ( قال الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء به من عند الله وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءه لا يقبل غيره وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال لم يبعث الله رسولا إلا بالإسلام وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال كان حول البيت ستون وثلثمائة صنم لكل قبيلة من قبائل العرب صنم أو صنمان فأنزل الله ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( الآية فأصبحت الأصنام كلها قد خرت سجدا للكعبة وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة وأبو منصور الشحامي في الأربعين عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران ) شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام ( ) قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ( إلى قوله ) بغير حساب ( هن معلقات بالعرش ما بينهن وبين الله حجاب


"""""" صفحة رقم 327 """"""
يقلن يا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك قال الله إني حلفت لا يقرؤكن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مأواه على ما كان منه وإلا أسكنته حظيره القدس وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين نظرة وإلا قضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة وإلا أعذته من كل عدو ونصرته منه ) وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا نحوه وفيه ( لا يتلوكن عبد دبر كل صلاة مكتوبة إلا غفرت له ما كان منه وأسكنته جنة الفردوس ونظرت إليه كل يوم سبعين مرة وقضيت له سبعين حاجة أدناها المغفرة ) وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن السني عن الزبير بن العوام قال ( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بعرفة يقرأ هذه الآية ) شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ( فقال وأنا على ذلك من الشاهدين ) ولفظ الطبراني ( وأنا أشهد أن لا إله إلا أنت العزيز الحكيم ) وأخرج ابن عدي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الايمان وضعفه والخطيب في تاريخه وابن النجار عن غالب القطان قال أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش فلما كان ليلة اردت أن أنحدر قام فتهجد من الليل فمر بهذه الآية ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( إلى قوله ) إن الدين عند الله الإسلام ( فقال وأنا أشهد بما شهد به الله واستودع الله هذه الشهادة وهي لي وديعة عند الله قالها مرارا فقلت لقد سمع فيها شيئا فسألته فقال حدثني أبو وائل عن عبدالله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة ) وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ( قال بنو إسرائيل وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ( بغيا بينهم ) يقول بغيا على الدنيا وطلب ملكها وسلطانها فقتل بعضهم بعضا على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) فإن حاجوك ( قال إن حاجك اليهود والنصارى وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وقل للذين أوتوا الكتاب ( قال اليهود والنصارى ) والأميين ( قال هم الذين لا يكتبون
آل عمران 21 25
آل عمران : ( 21 ) إن الذين يكفرون . . . . .
قوله ) بآيات الله ( ظاهره عدم الفرق بين آية وآية ) ويقتلون النبيين بغير الحق ( يعني اليهود قتلوا الأنبياء ) ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ( أي بالعدل وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر قال المبرد كان ناس من بني إسرائيل جاءهم النبيون فدعوهم إلى الله فقتلوهم فقام أناس من بعدهم من المؤمنين فأمروهم


"""""" صفحة رقم 328 """"""
بالإسلام فقتلوهم ففيهم نزلت الآية وقوله ) فبشرهم بعذاب أليم ( خبر ) إن الذين كفروا ( إلخ ودخلته الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط وذهب بعض أهل النحو إلى أن الخبر
آل عمران : ( 22 ) أولئك الذين حبطت . . . . .
قوله ) أولئك الذين حبطت أعمالهم ( وقالوا إن ألفاء لا تدخل في خبر إن وإن تضمن اسمها معنى الشرط لأنه قد نسخ بدخول إن عليه ومنهم سيبويه والأخفش وذهب غيرهما إلى أن ما يتضمنه المبتدأ من معنى الشرط لا ينسخ بدخول إن عليه ومثل المكسورة المفتوحة ومنه قوله تعالى ) واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ( وقوله ) حبطت أعمالهم ( قد تقدم تفسير الإحباط ومعنى كونها حبطت في الدنيا والآخرة أنه لم يبق لحسناتهم أثر في الدنيا حتى يعاملوا فيها معاملة أهل الحسنات بل عوملوا معاملة أهل السيئات فلعنوا وحل بهم الخزي والصغار ولهم في الآخرة عذاب النار
آل عمران : ( 23 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( فيه تعجيب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكل من تصح منه الرؤية من حال هؤلاء وهم أحبار اليهود والكتاب التوراة وتنكير النصيب للتعظيم أي نصيبا عظيما كما يفيده مقام المبالغة ومن قال إن التنكير للتحقير فلم يصب فلم ينتفعوا بذلك وذلك بأنهم يدعون إلى كتاب الله الذي أوتوا نصيبا منه وهو التوراة ) ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم ( والحال أنهم معرضون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه مع علمهم به واعترافهم بوجوب الإجابة إليه
آل عمران : ( 24 ) ذلك بأنهم قالوا . . . . .
و ( ذلك ) إشارة إلى ما مر من التولي والإعراض بسبب ) بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ( وهي مقدار عبادتهم العجل وقد تقدم تفسير ذلك ) وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ( من الأكاذيب التي من جملتها هذا القول
آل عمران : ( 25 ) فكيف إذا جمعناهم . . . . .
قوله ) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ( هو رد عليهم وإبطال لما غرهم من الأكاذيب أي فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه وهو يوم الجزاء الذي لا يرتاب مرتاب في وقوعه فإنهم يقعون لا محالة ويعجزون عن دفعه بالحيل والأكاذيب ) ووفيت كل نفس ما كسبت ( أي جزاء ما كسبت على حذف المضاف ) وهم لا يظلمون ( بزيادة ولا نقص والمراد كل الناس المدلول عليهم بكل نفس قال الكسائي اللام في قوله ) ليوم ( بمعنى في وقال البصريون المعنى لحساب يوم وقال ابن جرير الطبري المعنى لما يحدث في يوم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة قال رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ( ( إلى قوله ) وما لهم من ناصرين ( ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا أول النهار في ساعة واحة فقام مائة رجل وسبعون رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال بعث عيسى يحيى بن زكريا في اثنى عشر رجلا من الحوارين يعلمون الناس فكان ينهى عن نكاح بنت الأخ وكان ملك له بنت أخ تعجبه فارادها وجعل يقضي لها كل يوم حاجة فقالت لها أمها إذا سألك عن حاجة فقولي حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا فقال سلي غير هذا فقالت لا أسألك غير هذا فلما أبت أمر به فذبح في طست فبدرت قطرة من دمه فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر فدلت عجوز عليه فألقى في نفسه أن لا يزال يقتل حتى يسكن هذا الدم فقتل في يوم واحد من ضرب واحد وسن واحد سبعين ألفا فسكن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن معقل بن أبي مسكين في الآية قال كان الوحي يأتي بني إسرائيل فيذكرون قومهم ولم يكن يأتيهم كتاب فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم فيقتلون


"""""" صفحة رقم 329 """"""
فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال الذين يأمرون بالقسط من الناس ولاة العدل وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أتيت يا محمد قال على ملة إبراهيم ودينه قال فإن إبراهيم كان يهوديا قال لهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهلما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ( الآية ) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) نصيبا ( قال حظا ) من الكتاب ( قال التوراة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قول ) قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ( قال يعنون الأيام التي خلق الله فيها آدم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ( حين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) ووفيت كل نفس ( يعني توفي كل نفس بر أو فاجر ) ما كسبت ( ما عملت من خير أو شر ) وهم لا يظلمون ( يعني من أعمالهم
آل عمران 26 27
آل عمران : ( 26 ) قل اللهم مالك . . . . .
قوله ) قل اللهم ( قال الخليل وسيبويه وجميع البصرين إن أصل اللهم يا ألله فلما استعملت الكلمة دون حرف الندا الذي هو ( يا ) جعلوا بدله هذه الميم المشددة فجاءوا بحرفين وهما الميمان عوضا من حرفين وهما الباء والألف والضمة في الهاء هي ضمة الإسم المنادى المفرد وذهب الفراء والكوفيون إلى أن الأصل في اللهم يا ألله أمنا بخير فحذف وخلط الكلمتان والضمة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمنا لما حذفتا الهمزة انتقلت الحركة قال النحاس هذا عند البصريين من الخطأ العظيم والقول في هذا ما قاله الخليل وسيبويه قال الكوفيون قد يدخل حرف النداء على اللهم وأنشدوا في ذلك قول الراجز غفرت أو عذبت يا اللهما
وقول الآخر
وما عليك أن تقول كلما سبحت أو هللت يا للهما
وقول الآخر
إني إذا ما حدث ألما أقول ياللهم ياللهما
قالوا ولو كان الميم عوضا من حرف النداء لما اجتمعتا قال الزجاج وهذا شاذ لا يعرف قائله قال النضر بن شميل من قال اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه قوله ) مالك الملك ( أي مالك جنس الملك على الإطلاق ومالك منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان أي يا مالك الملك ولا يجوز عنده أن يكون وصفا لقوله ) اللهم ( لأن الميم عنده تمنع الوصفية وقال محمد بن يزيد المبرد وإبراهيم بن السري الزجاج إنه صفة لاسم الله تعالى وكذلك قوله تعلى ) قل اللهم فاطر السماوات والأرض ( قال أبو علي الفارسي وهو مذهب المبرد وما قاله سيبويه أصوب وابين وذلك لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت والأصوات لا توصف نحو غاق وما أشبهه قال الزجاج والمعنى مالك


"""""" صفحة رقم 330 """"""
العباد وما ملكوا وقيل المعنى مالك الدنيا والآخرة وقيل الملك هنا النبوة وقيل الغلبة وقيل المال والعبيد والظاهر شموله لما يصدق عليه اسم الملك من غير تخصيص ) تؤتي الملك من تشاء ( أي من تشاء إيتاءه إياه ) وتنزع الملك ممن تشاء ( نزعه منه والمراد بما يؤتيه من الملك وينزعه هو نوع من أنواع ذلك الملك العام قوله ) وتعز من تشاء ( أي في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما يقال عز إذا غلب ومنه ) وعزني في الخطاب ( وقوله ) وتذل من تشاء ( أي في الدنيا وفي الآخرة أو فيهما يقال ذل يذل ذلا إذا غلب وقهر قوله ) بيدك الخير ( تقديم الخبر للتخصيص أي بيدك الخير لا بيد غيرك وذكر الخير دون الشر لأنه الخير بفضل محض بخلاف الشر فإنه يكون جزاء لعمل وصل إليه وقيل لأن كل شر من حيث كونه من قضائه سبحانه هو متضمن للخير فأفعاله كلها خير وقيل إنه حذف كما حذف في قوله ) سرابيل تقيكم الحر ( وأصله بيدك الخير والشر وقيل خص الخير لأن المقام مقام دعاء قوله ) إنك على كل شيء قدير ( تعليل لما سبق وتحقيق له
آل عمران : ( 27 ) تولج الليل في . . . . .
قوله ) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ( أي تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر وقيل المعنى تعاقب بينهما ويكون زوال أحدهما ولوجا في الآخر قوله ) وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ( قيل المراد إخراج الحيوان وهو حي من النطفة وهي ميتة واخراج النطفة وهي ميتة من الحيوان وهو حي وقيل المراد إخراج الطائر وهو حي من البيضة وهي ميتة وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية وقيل المراد إخراج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن قوله ) بغير حساب ( أي بغير تضييق ولا تقتير كما تقول فلان يعطي بغير حساب والباء متعلقة بمحذوف وقع حالا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فنزلت الآية وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال اسم الله الأعظم ) قل اللهم مالك الملك ( إلى قوله ) بغير حساب ( وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني عن معاذ ( أنه شكا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دينا عليه فعلمه أن يتلو هذه الآية ثم يقول الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك اللهم أغنني من الفقر واقض عني الدين ) وأخرج الطبراني في الصغير من حديث أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لمعاذ ( ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك ) فذكره وإسناده جيد وقد تقدم عند تفسير قوله تعالى ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( بعض فضائل هذه الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) تؤتي الملك من تشاء ( قال النبوة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله ) تولج الليل في النهار ( الآية قال تأخذ الصيف من الشتاء وتاخذ الشتاء من الصيف ) وتخرج الحي من الميت ( تخرج الرجل الحي من النطفة الميتة ) وتخرج الميت من الحي ( تخرج النطفة الميتة من الرجل الحي وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) تولج الليل في النهار ( قال ما نقص من النهار تجعله في الليل وما نقص من الليل تجعله في النار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك نحوه أيضا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وتخرج الحي من الميت ( قال تخرج النطفة الميتة من الحي ثم تخرج من النطفة بشرا حيا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة ) وتخرج الحي من الميت ( قال هي البيضة تخرج من


"""""" صفحة رقم 331 """"""
الحي وهي ميتة ثم يخرج منها الحي وأخرج ابن جرير عنه قال النخلة من النواة والنواة من النخلة والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك مثله وأخرج ابن جرير وابو الشيخ عن الحسن قال المؤمن من الكافر والكفار من المؤمن والمؤمن عبد حي الفؤاد والكافر عبد ميت الفؤاد وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن سلمان الفارسي نحوه وأخرج ابن مردويه عنه مرفوعا نحوه وأخرجه أيضا عنه أو عن ابن مسعود مرفوعا وأخرج عبدالرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبيد الله بن عبدالله ( أن خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث دخلت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال من هذه قيل خالدة بنت الأسود قال سبحان الذي يخرج الحي من الميت ) وكان إمرأة صالحة وكان أبوها كافرا وأخرج ابن سعد عن عائشة مثله
آل عمران 28 30
آل عمران : ( 28 ) لا يتخذ المؤمنون . . . . .
قوله ) لا يتخذ ( فيه النهي للمؤمنين عن موالاة الكفار لسبب من الأسباب ومثله قوله تعالى ) لا تتخذوا بطانة من دونكم ( الآية وقوله ) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( وقوله ) لا تجد قوما يؤمنون بالله ( الآية وقوله لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء وقوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( وقوله ) من دون المؤمنين ( في محل الحال أي متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالا أو إشتراكا والإشارة بقوله ) ومن يفعل ذلك ( إلى الاتحاد المدلول عليه بقوله ) لا يتخذ ( ومعنى قوله ) فليس من الله في شيء ( أي من ولايته في شيء من الأشياء بل هو منسلخ عنه بكل حال قوله ) إلا أن تتقوا منهم تقاة ( على صيغة الخطاب بطريق الالتفات أي إلا أن تخافوا منهم أمرا يجب اتقاؤه وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال وتقاة مصدر واقع موقع المفعول وأصلها وقية على وزن فعلة قلبت الواو تاء والياء ألفا وقرأ رجاء وقتادة تقية وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم ولكنها تكون ظاهرا لا باطنا وخالف في ذلك قوم من السلف فقالوا لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام قوله ) ويحذركم الله نفسه ( أي ذاته المقدسة وإطلاق ذلك عليه سبحانه جائز في المشاكلة كقوله ) تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( وفي غيرها وذهب بعض المتأخرين إلى منع ذلك إلا مشاكلة وقال الزجاج معناه ويحذركم الله إياه ثم استغنوا عن ذلك بهذا وصار المستعمل قال وأما قوله ) تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( فمعناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك وقال بعض أهل العلم معناه ويحذركم الله عقابه مثل ) واسأل القرية ( فجعلت النفس في موضع الإضمار وفي هذه الآية تهديد شديد وتخويف عظيم لعباده أن يتعرضوا لعقابه بموالاة أعدائه
آل عمران : ( 29 ) قل إن تخفوا . . . . .
قوله ) قل إن تخفوا ما في صدوركم ( الآية


"""""" صفحة رقم 332 """"""
فيه أن كل ما يضمره العبد ويخفيه أو يظهره ويبديه فهو معلوم لله سبحانه لا يخفى عليه منه شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة ) ويعلم ما في السماوات وما في الأرض ( مما هو أعم من الأمور التي يخفونها أو يبدونها فلا يخفى عليه ما هو أخص من ذلك
آل عمران : ( 30 ) يوم تجد كل . . . . .
قوله ) يوم تجد ( منصوب بقوله ) ويحذركم الله نفسه ( وقيل بمحذوف أي اذكر ) محضرا ( حال وقوله ) وما عملت من سوء ( معطوف على ما الأولى أي وتجد ما عملت من سوء محضرا تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا فحذف محضرا لدلالة الأول عليه وهذا إذا كان ( تجد ) من وجدان الضالة وأما إذا كان من وجد بمعنى علم كان محضرا هو المفعول الثاني ويحوز أن يكون قوله ) وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ( جملة مستأنفة ويكون ( ما ) في ما عملت مبتدأ ويود خبره والأمد الغاية وجمعه آماد أي تود لو أن بينها وبين ما عملت من السوء أمدا بعيدا وقيل إن قوله ) يوم تجد ( منصوب بقوله ) تود ( والضمير في قوله ) وبينه ( لليوم وفيه بعد وكرر قوله ) ويحذركم الله نفسه ( للتأكيد وللاستحضار ليكون هذا التهديد العظيم على ذكر منهم وفي قوله ) والله رؤوف بالعباد ( دليل على أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه بعباده لطفا بهم وما أحسن ما يحكى عن بعض العرب أنه قيل له إنك تموت وتبعث وترجع إلى الله فقال أتهددونني بمن لم أر الخير قط إلا منه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الحجاج بن عمرو حليف كعب ابن الأشرف وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر وعبدالله بن جبير وسعد بن خثمة لأولئك النفر اجتنبوا هؤلاء النفر من يهود واحذروا مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم فابى أولئك النفر فانزل الله فيهم ) لا يتخذ المؤمنون الكافرين ( إلى قوله ) والله على كل شيء قدير ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه قال نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف ويخالفونهم في الدين وذلك قوله تعالى ) إلا أن تتقوا منهم تقاة ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ) ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ( فقد برئ الله منه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) إلا أن تتقوا منهم تقاة ( قال التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية الله فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك لا يضره إنما التقية باللسان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عنه في الآية قال التقاة التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان ولا يبسط يده فيقتل ولا إلى إثم فإنه لا عذر له وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال التقية باللسان وليس بالعمل وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة ) إلا أن تتقوا منهم تقاة ( قال إلا أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك وأخرج عبد بن حميد والبخاري عن الحسن قال التقية جائزة إلى يوم القيامة وحكى البخاري عن أبي الدرداء أنه قال إنا نبش في وجوه اقوام وقلوبنا تلعنهم ويدل على جواز التقية قوله تعالى ) إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ( ومن القائلين بجواز التقية باللسان أبو الشعثاء والضحاك والربيع بن أنس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) قل إن تخفوا ( الآية قال أخبرهم أنه يعلم ما أسروا وما أعلنوا وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله محضرا يقول موفرا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال يسر أحدكم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا يكون ذلك مناه وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها وأخرجا أيضا عن السدي ) أمدا بعيدا (


"""""" صفحة رقم 333 """"""
قال مكانا بعيدا وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أمدا قال أجلا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ( قال من رأفته بهم حذرهم نفسه
آل عمران 31 34
آل عمران : ( 31 ) قل إن كنتم . . . . .
الحب والمحبة ميل النفس إلى الشيء يقال أحبه فهو محب وحبه يحبه بالكسر فهو محبوب قال الجوهري وهذا شاذ لأنه لا يأتي في المضاعف يفعل بالكسر قال ابن الدهان في حب لغتان حب وأحب وأصل حب في هذا الباب حبب كطرق وقد فسرت المحبة لله سبحانه بإرادة طاعته قال الأزهري محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران وقرأ أبو رجاء العطاردي ( فاتبعوني ) بفتح الباء وروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه أدغم الراء من يغفر في اللام قال النحاس لا يجيز الخليل وسيبويه إدغام الراء في اللام وأبو عمرو أجل من أن يغلط في هذا ولعله كان يخفى الحركة كما يفعل في أشياء كثيرة
آل عمران : ( 32 ) قل أطيعوا الله . . . . .
قوله ) قل أطيعوا الله والرسول ( حذف المتعلق مشعر بالتعميم أي في جميع الأوامر والنواهي قوله ) فإن تولوا ( يحتمل أن يكون من تمام مقول القول فيكون مضارعا حذفت فيه إحدى التاءين أي تتولوا ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى فيكون ماضيا وقوله ) فإن الله لا يحب الكافرين ( نفى المحبة كناية عن البغض والسخط ووجه الإظهاء في قوله ) فإن الله ( مع كون المقام مقام إضمار لقصد التعظيم أو التعميم قوله ) إن الله اصطفى آدم ( إلخ لما فرغ سبحانه من بيان أن الدين المرضي هو الإسلام وأن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) هو الرسول الذي لا يصح لأحد أن يحب الله إلا باتباعه وأن اختلاف أهل الكتابين فيه إنما هو لمجرد البغي عليه والحسد له شرع في تقرير رسالة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبين أنه من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة
آل عمران : ( 33 ) إن الله اصطفى . . . . .
والاصطفاء الاختيار قال الزجاج اختارهم بالنبوة على عالمي زمانهم وقيل إن الكلام على تقدير مضاف أي اصطفى دين آدم إلخ وقد تقدم الكلام على تفسير العالمين وتخصيص آدم بالذكر لأنه أبو البشر وكذلك نوح فإنه آدم الثاني وأما آل إبراهيم فلكون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهم مع كثرة الأنبياء منهم وأما آل عمران فهم وإن كانوا من آل إبراهيم فلما كان عيسى عليه السلام منهم كان لتخصيصهم بالذكر وجه وقيل المراد بآل إبراهيم إبراهيم نفسه وبآل عمران عمران نفسه
آل عمران : ( 34 ) ذرية بعضها من . . . . .
قوله ) ذرية بعضها من بعض ( نصب ذرية على البدلية مما قبله قاله الزجاج أو على الحالية قاله الاخفش وقد تقدم تفسير الذرية وبعضها من بعض في محل نصب على صفة الذرية ومعناه متناسلة متشعبة أو متناصرة متعاضدة في الدين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن من طرق قال قال أقوام على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والله يا محمد إنا لنحب ربنا فأنزل الله ) قل إن كنتم تحبون الله ( الآية وأخرج الحكيم الترمذي عن يحيى بن كثير نحوه وأخرج أيضا ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن جرير


"""""" صفحة رقم 334 """"""
عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله ) قل إن كنتم تحبون الله ( أي إن كان هذا من قولكم في عيسى حبا لله وتعظيما له ) فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ( أي ما مضى من كفركم ) والله غفور رحيم ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء في قوله ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ( قال على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس وأخرجه أيضا الحكيم الترمذي وأبو نعيم والديلمي وابن عساكر عنه أخرج ابن عساكر مثله عن عائشة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء وأدناه أن يحب على شيء من الجور ويبغض على شيء من العدل وهل الدين إلا الحب والبغض في الله ) قال الله تعالى ) قل إن كنتم تحبون الله ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وآل إبراهيم وآل عمران ( قال هم المؤمنون من آل إبراهيم وال عمران وآل ياسين وآل محمد واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ذرية بعضها من بعض ( قال في النية والعمل والإخلاص والتوحيد
آل عمران 35 37
آل عمران : ( 35 ) إذ قالت امرأة . . . . .
قوله ) إذ قالت ( قال أبو عمرو ( إذ ) زائدة وقال محمد بن يزيد إنه متعلق بمحذوف تقديره اذكر إذ قالت وقال الزجاج هو متعلق بقوله ) اصطفى ( وقيل متعلق بقوله ) سميع عليم ( وامرأة عمران اسمها حنة بالحاء المهملة والنون بنت فاقود بن قبيل أم مريم فهي جدة عيسى وعمران هو ابن ماثان جد عيسى قوله ) رب إني نذرت لك ما في بطني ( تقديم الجار والمجرور لكمال العناية وهذا النذر كان جائزا في شريعتهم ومعنى ) لك ( أي لعبادتك ومحررا منصوب على الحال أي عتيقا خالصا لله خادما للكنيسة والمراد هنا الحرية التي هي ضد العبودية وقيل المراد بالمحرر هنا الخالص لله سبحانه الذي لا يشوبه شيء من أمر الدنيا ورجح هذا بأنه لا خلاف أن عمران وامرأته حران قوله ) فتقبل مني ( التقبل أخذ الشيء على وجه الرضا أي تقبل مني نذري بما في بطني
آل عمران : ( 36 ) فلما وضعتها قالت . . . . .
قوله ) فلما وضعتها ( التأنيث باعتبار ما علم من المقام أن الذي في بطنها أنثى أو لكونه أنثى في علم الله أو بتأويل ما في بطنها بالنفس أو النسمة أو نحو ذلك قوله ) قالت رب إني وضعتها أنثى ( إنما قالت هذه المقالة لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكر دون الأنثى فكأنما تحسرت وتحزنت لما فاتها من ذلك الذي كانت ترجوه وتقدره وأنثى حال مؤكدة من الضمير أو بدل منه قوله ) والله أعلم بما وضعت ( قرأ أبو بكر وابن عامر بضم التاء فيكون من جملة كلامها ويكون متصلا بما قبله وفيه معنى التسليم لله والخضوع والتنزيه له أن يخفى عليه شيء وقرأ الجمهور


"""""" صفحة رقم 335 """"""
وضعت فيكون من كلام الله سبحانه على جهة التعظيم لما وضعته والتفخيم لشأنه والتجليل لها حيث وقع منها التحسر والتحزن مع أن هذه الأنثى التي وضعتها سيجعلها الله وابنها آية للعالمين وعبرة للمعتبرين ويختصها بما لم يختص به أحدا وقرأ ابن عباس ( بما وضعت ) بكسر التاء على أنه خطاب من الله سبحانه لها أي إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب وما علم الله فيه من الأمور التي تتقاصر عنها الافهام وتتضافر عندها العقول قوله ) وليس الذكر كالأنثى ( أي وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وضعت فإن غاية ما أرادت من كونه ذكرا أن يكون نذرا خادما للكنيسة وأمر هذه الأنثى عظيم وشأنها فخيم وهذه الجملة اعتراضية مبينة لما في الجملة الأولى من تعظيم الموضوع ورفع شأنه وعلو منزلته واللام في الذكر والأنثى للعهد هذا على قراءة الجمهور وعلى قراءة ابن عباس وأما على قراءة أبي بكر وابن عامر فيكون قوله ) وليس الذكر كالأنثى ( من جملة كلامها ومن تمام تحسرها وتحزنها أي ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادما ويصلح للنذر كالأنثى التي لا تصلح لذلك وكأنها أعذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت قوله ) وإني سميتها مريم ( عطف على ) إني وضعتها أنثى ( ومقصودها من هذا الإخبار بالتسمية التقرب إلى الله سبحانه وأن يكون فعلها مطابقا لمعنى اسمها فإن معنى مريم خادم الرب بلغتهم فهي وإن لم تكن صالحة لخدمة الكنيسة فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات قوله ) وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ( عطف على قوله ) وإني سميتها مريم ( والرجيم المطرود وأصله المرمى بالحجارة وطلبت الإعاذة لها ولولدها من الشيطان وأعوانه
آل عمران : ( 37 ) فتقبلها ربها بقبول . . . . .
قوله ) فتقبلها ربها بقبول حسن ( أي رضي بها في النذر وسلك بها مسلك السعداء وقال قوم معنى التقبل التكفل والتربية والقيام بشأنها والقبول مصدر مؤكد للفعل السابق والباء زائدة والأهل تقبلا وكذلك قوله ) وأنبتها نباتا حسنا ( وأصله إنباتا فحذف الحرف الزائد وقيل هو مصدر لفعل محذوف أي فنبتت نباتا حسنا والمعنى أنه سوى خلقها من غير زيادة ولا نقصان قيل إنها كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام وقيل هو مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها قوله ) وكفلها زكريا ( أي ضمها إليه وقال أبو عبيدة ضمن القيام بها وقرأ الكوفيون ( وكفلها ) بالتشديد أي جعله الله كافلا لها وملتزما بمصالحها وفي معناه ما في مصحف أبي وأكفلها وقرأ الباقون بالتخفيف على إسناد الفعل إلى زكريا ومعناه ما تقدم من كونه ضمها إليه وضمن القيام بها وروى عمرو بن موسى عن عبدالله بن كثير وأبي عبدالله المزني وكفلها بالكسر الفاء قال الأخفش لم أسمع كفل وقرأ مجاهد ) فتقبلها ( بإسكان اللام على المسألة والطلب ونصب ربها على أنه منادى مضاف وقرأ أيضا ( وأنبتها ) بإسكان التاء ( وكفلها ) بتشديد الفاء المكسورة وإسكان اللام ونصب ( زكريا ) مع المد وقرأ حفص وحمزة والكسائي ( زكريا ) بغير مد ومده الباقون وقال الفراء أهل الحجاز يمدون زكريا ويقصرونه قال الأخفش فيه لغات المد والقصر وزكريا بتشديد الياء وهو ممتنع على جميع التقادير للعجمة والتعريف مع ألف التأنيث قوله ) كلما دخل عليها زكريا المحراب ( قدم الظرف للاهتمام به وكلمة كل ظرف والزمان محذوف وما مصدرية أو نكرة موصوفة والعامل في ذلك قوله ) وجد ( أي كل زمان دخوله عليها وجد عندها رزقا أي نوعا من أنواع الرزق والمحراب في اللغة أكرم موضع في المجلس قاله القرطبي وهو منصوب على التوسع قيل إن زكريا جعل لها محرابا لا يرتقي إليه إلا بسلم وكان يطلق عليها حتى كبرت وكان إذا دخل عليها وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فقال ) يا مريم أنى لك هذا ( أي من أين يجيء لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا ) قالت هو من عند الله ( فليس ذلك بعجيب ولا مستنكر وجملة قوله ) إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ( تعليلية لما قبلها وهو من تمام كلامها ومن قال إنه من كلام زكريا فتكون الجملة مستأنفة


"""""" صفحة رقم 336 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إني نذرت لك ما في بطني محررا ( قال كانت نذرت أن تجعله في الكنيسة يتعبد بها وكانت ترجو أن يكون ذكرا وأخرج ابن المنذر عنه قال نذرت أن تجعله محررا للعبادة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) محررا ( قال خادما للبيعة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال محررا خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) وللحديث ألفاظ عن أبي هريرة هذا أحدها وروى من حديث غيره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه فقال أني لك هذا قالت هو من عند الله قال إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدا ) هنالك دعا زكريا ربه ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتاده قال كانت مريم أبنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها وكان زكريا زوج أختها فكفلها وكانت عنده وحضنها وأخرج البيهقي في سننة عن أبن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) وكفلها زكريا ( قال جعلها معه في محرابه
آل عمران 38 44
آل عمران : ( 38 ) هنالك دعا زكريا . . . . .
قوله ) هنالك ( طرف يستعمل للزمان والمكان وأصله للمكان وقيل إنه للزمان خاصة وهناك للمكان وقيل يجوز استعمال كل واحد منهما مكان الآخر واللام للدلالة على البعد والكاف للخطاب والمعنى أنه دعا في ذلك المكان الذي هو قائم فيه عند مريم أو في ذلك الزمان أن يهب الله له ذرية طيبة والذي بعثه على ذلك


"""""" صفحة رقم 337 """"""
ما رآه من ولادة حنة لمريم وقد كانت عاقرا فحصل له رجاء الولد وإن كان كبيرا وامرأته عاقرا أو بعثه على ذلك ما رآه من فاكهة الشتاء في الصيف والصيف في الشتاء عند مريم لأن من أوجد ذلك في غير وقته يقدر على إيجاد الولد من العاقر وعلى هذا يكون هذا الكلام قصة مستأنفة سيقت في غضون قصة مريم لما بينهما من الارتباط والذرية النسل يكون للواحد ويكون للجمع ويدل على أنها هنا للواحد قوله ) فهب لي من لدنك وليا ( ولم يقل أولياء وتأنيث طيبة لكون لفظ الذرية مؤنثا
آل عمران : ( 39 ) فنادته الملائكة وهو . . . . .
قوله ) فنادته الملائكة ( قرأ حمزة والكسائي ? فناداه ? وبذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود وقرأ الباقون ) فنادته الملائكة ( قيل المراد هنا جبريل والتعبير بلفظ الجمع عن الواحد جائز في العربية ومنه ) الذين قال لهم الناس ( وقيل ناداه جميع الملائكة وهو الظاهر من إسناد الفعل إلى الجمع والمعنى الحقيقي مقدم فلا يصار إلى المجاز إلا لقرينة قوله ) وهو قائم ( جملة حالية و ) يصلي في المحراب ( صفة لقوله ) قائم ( أو خبر ثان لقوله ) وهو ( قوله ) أن الله يبشرك ( قرىء بفتح أن والتقدير بأن الله وقرىء بكسرها على تقدير القول وقرأ أهل المدينة يبشرك بالتشديد وقرأ حمزة بالتخفيف وقرأ حميد بن قيس المكي بكسر الشين وضم حرف المضارعة قال الأخفش هي ثلاث لغات بمعنى واحد والقراءة الأولى هي التي وردت كثيرا في القرآن ومنه فبشر عبادى ) فبشره بمغفرة ( ) فبشرناها بإسحاق ( قالوا بشرناك بالحق وهي قراءة الجمهور والثانية لغة أهل تهامة وبها قرأ أيضا عبدالله بن مسعود والثالثة من أبشر يبشر إبشارا ويحيى ممتنع إما لكونه أعجميا أو لكون فيه وزن الفعل كيعمر مع العلمية قال القرطبي حاكيا عن النقاش كان اسمه في الكتاب الأول حنا انتهى والذي رأيناه في مواضع من الانجيل أنه يوحنا قيل سمى بذلك لأن الله أحياه بالإيمان والنبوة وقيل لأن الله أحيا به الناس بالهدى والمراد هنا التبشير بولادته أي يبشرك بولادة يحيى وقوله ) مصدقا بكلمة من الله ( أي بعيسى علية سلام وسمى كلمة الله لأنه كان بقوله سبحانه كن وقيل سمى كلمة الله لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله وقال أبو عبيد معنى ) بكلمة من الله ( بكتاب من الله قال والعرب تقول أنشدني كلمته أي قصيدته كما روى أن الحويدرة ذكر لحسان فقال لعن الله كلمته يعني قصيدته أنتهى ويحيى أول من آمن بعيسى وصدق وكان أكبر من عيسى بثلاث سنين وقيل بست أشهر والسيد الذي يسود قومه قال الزجاج السيد الذي يفوق أقرانه في كل شيء من الخير والحصور أصله من الحصر وهو الحبس يقال حصرني الشيء وأحصرني إذا حبسني ومنه قوله الشاعر وما هجر ليلى أن تكون تباعدت
عليك ولا أن أحصرتك شغول
2
والحصور الذي لايأتي النساء كأنه يحجم عنهن كما يقال رجل حصور وحصير إذا حبس رفده ولم يخرجه فيحيى عليه السلام كان حصورا عن إتيان النساء أي محصورا إلا يأتيهن كغيرة من الرجال إما لعدم القدرة على ذلك أو لكونه يكف عنهن منعا لنفسه عن الشهوة مع القدرة وقد رجح الثاني بأن المقام مقام مدح وهو لا يكون إلا على أمر مكتسب يقدر فاعله على خلافه لا على ما كان من أصل الحلقة وفي نفس الجبلة وقوله ) من الصالحين ( أي ناشئا من الصالحين لكونه من نسل الأنبياء أو كائنا من جملة الصالحين كما في
آل عمران : ( 40 ) قال رب أنى . . . . .
قوله ) وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( قال الزجاج الصالح الذي يؤدي لله ما افترض عليه وإلى الناس حقوقهم قوله ) قال رب أنى يكون لي غلام ( ظاهر هذا أن الخطاب منه لله سبحانه وإن كان الخطاب الواصل إليه هو بواسطة الملائكة وذلك لمزيد التضرع والجد في طلب الجواب عن سؤاله وقيل إنه أراد بالرب جبريل أي يا سيدي قيل وفي معنى هذا الاستفهام وجهان أحدهما أنه سأل هل يرزق هذا الولد من امرأته العاقر أو من


"""""" صفحة رقم 338 """"""
غيرها وقيل معناه بأي سبب استوجب هذا وأنا وامرأتي على هذه الحال والحاصل أنه استبعد حدوث الولد منهما مع كون العادة قاضية بأنه لا يحدث من مثلهما لأنه كان يوم التبشير كبيرا قيل في تسعين سنة وقيل ابن عشرين ومائة سنة وكانت إمرأته في ثمان وتسعين سنة ولذلك قال ) وقد بلغني الكبر ( أي والحال ذلك جعل الكبر كالطالب له لكونه طليعة من طلائع الموت فأسند الفعل إليه والعاقر التي لا تلد أي ذات عقر على النسب ولو كان على الفعل لقال عقيرة أي بها عقر يمنعها من الولد وإنما وقع منه هذا الاستفهام بعد دعائه بأن يهب الله له ذرية طيبة ومشاهدته لتلك الآية الكبرى في مريم استعظاما لقدرة الله سبحانه لا لمحض الاستبعاد وقيل إنه قد مر بعد دعائه إلى وقت يشاء ربه أربعون سنة وقيل عشرون سنة فكان الاستبعاد من هذه الحيثية قوله ) كذلك الله يفعل ما يشاء ( أي يفعل الله ما يشاء من الافعال العجيبة مثل ذلك الفعل وهو ايجاد الولد من الشيخ الكبير والمرأة العاقر والكاف في محل نصب نعتا لمصدر محذوف والاشارة إلى مصدر يفعل أو الكاف في محل رفع على أنها خبر أي على هذا الشأن العجيب شأن الله ويكون قوله ) يفعل ما يشاء ( بيانا له أو الكاف في محل نصب على الحال يفعل الله الفعل كائنا مثل ذلك
آل عمران : ( 41 ) قال رب اجعل . . . . .
قوله ) قال رب اجعل لي آية ( أي علامة أعرف بها صحة الحبل فأتلقى هذه النعمة بالشكر ) قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ( أي علامتك أن تحبس لسانك عن تكليم الناس ثلاثة أيام لا عن غيره من الأذكار ووجه جعل الآية هذا لتخلص تلك الأيام لذكر الله سبحانه شكرا على ما أنعم به عليه وقيل بأن ذلك عقوبة من الله سبحانه له بسبب سؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه حكاه القرطبي عن أكثر المفسرين والرمز في اللغة الإيماء بالشفتين أو العينين أو الحاجبين أو اليدين وأصله الحركة وهو استثناء منقطع لكون الرمز من غير جنس الكلام وقيل هو متصل على معنى أن الكلام ما حصل به الأفهام من لفظ أو إشارة أو كتابة وهو بعيد والصواب الأول وبه قال الأخفش والكسائي قوله ) وسبح ( أي سبحه ) بالعشي ( وهو جمع عشية وقيل هو واحد وهو من حين تزول الشمس إلى أن تغيب وقيل من العصر إلى ذهاب صدر الليل وهو ضعيف جدا و ) والابكار ( من طلوع الفجر إلى وقت الضحى وقيل المراد بالتسبيح الصلاة
آل عمران : ( 43 ) يا مريم اقنتي . . . . .
قوله ) إذ قالت الملائكة يا مريم ( الظرف متعلق بمحذوف كالظرف الأول ) إن الله اصطفاك ( اختارك ) وطهرك ( من الكفر أو من الأدناس على عمومها ) واصطفاك على نساء العالمين ( قيل هذا الاصطفاء الآخر غير الاصطفاء الأول فالأول هو حيث تقبلها بقبول حسن والآخر لولادة عيسى والمراد بالعالمين هنا قيل نساء عالم زمانها وهو الحو وقيل نساء جميع العالم إلى يوم القيامة واختاره الزجاج وقيل الاصطفاء الآخر تأكيد للاصطفاء الأول والمراد بهما جميعا واحد قوله ) يا مريم اقنتي لربك ( أي أطيلي القيام في الصلاة أو أديمي وقد تقدم الكلام على معاني القنوت وقدم السجود على الركوع لكونه أفضل أو لكون صلاتهم لا ترتيب فيها مع كون الواو مجرد الجمع بلا ترتيب وقوله ) واركعي مع الراكعين ( ظاهره ركوعها يكون مع ركوعهم فيدل على مشروعية صلاة الجماعة وقيل المعنى أنها تفعل مثل فعلهم وإن لم تصل معهم
آل عمران : ( 44 ) ذلك من أنباء . . . . .
والإشارة بقوله ? ذل ? إلى ما سبق من الأمور التي أخبره الله بها والوحي في اللغة الإعلام في خفاء يقال وحي وأوحى بمعنى قال ابن فارس الوحي الإشارة والكتابة والرسالة وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى تعلمه قوله ) وما كنت لديهم ( تحضرنهم يعني المتنازعين في تربية مريم وإنما نفي حضوره عندهم مع كونه معلوما لأنهم أنكروا الوحي ولما كان ذلك الإنكار صحيحا لم يبق طريق للعلم به إلا المشاهدة والحضور وهم لا يدعون ذلك فثبت كونه وحيا مع تسليمهم أنه ليس ممن يقرأ التوراة ولا ممن يلابس أهلها والأقلام جمع قلم من قلمه إذا قطعه أي أقلامهم


"""""" صفحة رقم 339 """"""
يكتبون بها وقيل قداحهم ) أيهم يكفل مريم ( أي يحضنها أي يلقون أقلامهم ليعلموا أيهم يكفلها وذلك عند اختصامهم في كفالتها فقال زكريا هو أحق بها لكون خالتها عنده وهي أشيع أخت حنة أم مريم وقال بنو إسرائيل نحن أحق بها لكونها بنت عالمنا فاقترعوا وجعلوا أقلامهم في الماء الجاري على أن من وقف قلمه ولم يجر مع الماء فهو صاحبها فجرت أقلامهم ووقف قلم زكريا وقد استدل بهذا من أثبت القرعة والخلاف في ذلك معروف وقد ثبتت أحاديث صحيحة في اعتبارها
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما رأى زكريا ذلك يعني فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال إن الذي أتى بهذا مريم في غير زمانه قادر أن يرزقني ولدا فذلك حين دعا ربه وأخرج ابن عساكر عن الحسن نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ) ذرية طيبة ( يقول مباركة وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن أبي حماد قال في قراءة ابن مسعود فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنه قال ) فنادته الملائكة ( أي جبريل وأخرج ابن المنذر عن السدي قال المحراب المصلي وقد أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى وقد رويت كراهة ذلك عن جماعة من الصحابة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإيمان وأخرجوا عن ابن عباس قال ) مصدقا بكلمة من الله ( قال عيسى ابن مريم هو الكلمة وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه قال كان يحيى وعيسى ابني الخالة وكانت أم يحيى تقول لمريم إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه بعيسى سجوده في بطن أمه وهو أول من صدق بعيسى وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وسيدا ( قال حليما تقيا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال السيد الكريم على الله وأخرج ابن جرير عن ابن المسيب قال السيد الفقيه العالم وأخرج عبدالرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وسيدا وحصورا ( قال السيد الحليم والحصور الذي لا يأتي النساء وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير في الحصور مثله وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الحصور الذي لا ينزل الماء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبدالله بن عمرو عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كان ذكره مثل هدبة الثوب ) وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفا وهو أقوى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال اسم أم يحيى أشيع وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) اجعل لي آية ( قال بالحمل به وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ( قال إنما عوقب بذلك لأن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه فأخذ عليه بلسانه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا رمزا ( قال الرمز بالشفتين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال الرمز الإشارة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وسبح بالعشي والإبكار ( قال العشي ميل الشمس إلى أن تغيب والإبكار أول الفجر وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 340 """"""
وآله وسلم يقول ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفضل نساء العالمين خديجة وفاطمة ومريم وآسية إمرأة فرعون ) وأخرج ابن مردويه عن أنس مرفوعا نحوه وأخرج نحوه أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن حبان والحاكم من حديثه مرفوعا وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كمل من الرجال كثير ولم يكتمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام ) وفي المعنى أحاديث كثيرة وكلها تفيد أن مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها لا نساء جميع العالم ويؤيده ماأخرجه ابن عساكر عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أربع نسوة سادات نساء عالمهن مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وأفضلهن عالما فاطمة ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ( يا مريم اقنتى لربك ) قال أطيلى الركود يعنى القيام وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ) اقنتي لربك ( قال أخلصى وأخرج عن قتادة قال أطيعى ربك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ) قال إن مريم لما وضعت في المسجد اقترع عليها أهل المصلى وهو يكتبون الوحي فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها قال الله لمحمد ( وما كنت لديهم ) الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة قال ألقوا أقلامهم في الماء فذهبت مع الجرية وصعد قلم زكريا فكفلها زكريا وأخرج ابن جرير عن الربيع نحوه وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وكذلك أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج ان الاقلام هي التي يكتبون بها التوراة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء أنها القداح
آل عمرآن 45 51


"""""" صفحة رقم 341 """"""
آل عمران : ( 45 ) إذ قالت الملائكة . . . . .
قوله ( إذ قالت ) بدل من قوله ( وإذ قالت ) المذكور قبله وما بينهما اعتراض وقيل بدل من ( إذ يختصمون ) وقيل منصوب بفعل مقدر وقيل بقوله ( يختصمون ) وقيل بقوله ( وما كنت لديهم ) والمسيح اختلف فيه مماذا أخذ فقيل من المسح لأنه مسح الأرض أي ذهب فيها فلم يستكن بكن وقيل إنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا بريء فسمى مسيحا فهو على هذين فعيل بمعنى فاعل وقيل لأنه كان يمسح بالدهن الذي كانت الأنبياء تمسح به وقيل لأنه كان ممسوح الأخمصين وقيل لأن الجمال مسحه وقيل لأنه مسح بالتطهير من الذنوب وهو على هذه الأربعة الأقوال فعيل بمعنى مفعول وقال أبو الهيثم المسيح ضد المسيخ بالخاء المعجمة وقال ابن الأعرابي المسيح الصديق وقال أبو عبيد أصله بالعبرانية مشيخا بالمعجمتين فعرب كما عرب موشى بموسى وأما الدجال فسمى مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين وقيل لأنه يمسح الأرض أي يطوف بلدانها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس وقوله ( عيسى ) عطف بيان أو بدل وهو اسم أعجمي وقيل هو عربي مشتق من عاسه يعوسه إذا ساسه قال في الكشاف هو معرب من أيشوع انتهى والذي رأيناه في الأنجيل في مواضع أن اسمه يشوع بدون همزة وإنما قيل ابن مريم مع كون الخطاب معها تنبيها على انه يولد من غير أب فنسب إلى أمه والوجيه ذو الوجاهة وهي القوة والمنعة ووجاهته في الدنيا النبوه وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة وهو منتصب على الحال من كلمة وإن كانت نكرة فهي موصوفة وكذلك قوله ( ومن المقربين ) في محل نصب على الحال قال الأخفش هو معطوف على وجيها
آل عمران : ( 46 ) ويكلم الناس في . . . . .
والمهد مضجع الصبي في رضاعه ومهدت الأمر هيأته ووطأته والكهل هو من كان بين سن الشباب والشيخوخة أي يكلم الناس حال كونه رضيعا في المهد وحال كونه كهلا بالوحي والرسالة قاله الزجاج وقال الأخفش والفراء إن كهلا معطوف على وجيها قال الأخفش ( ومن الصالحين ) عطف على وجيها أي هو من العباد الصالحين
آل عمران : ( 47 ) قالت رب أنى . . . . .
وقوله ( أني يكون لي ولد ) أي كيف يكون على طريقة الاستبعاد العادي ( ولم يمسسنى بشر ) جملة حالية أي والحال انه على حالة منافية للحالة المعتادة من كون له أب ( قال كذلك الله يخلق ما يشاء ) هو من كلام الله سبحانه وأصل القضاء الأحكام وقد تقدم وهو هنا الارادة أي إذا أرادا أمرا من الأمور ( فإنما يقول له كن فيكون ) من غير عمل ولا مزاولة وهو تمثيل لكمال قدرته
آل عمران : ( 48 ) ويعلمه الكتاب والحكمة . . . . .
قوله ( ويعلمه الكتاب ) قيل هو معطوف على يبشرك ) أي ان الله يبشرك وان الله يعلمه وقيل على ( يخلق ) أي وكذلك يعلمه الله أو كلام مبتدأ سيق تطييبا لقلبها والكتاب الكتابة والحكمة العلم وقيل تهذيب الأخلاق وانتصاب رسولا على تقدير ويجعله رسولا أو ويكلمهم رسولا أو وأرسلت رسولا وقيل هو معطوف على قوله ( وجيها ) فيكون حالا لأن فيه معنى النطق أي وناطقا
آل عمران : ( 49 ) ورسولا إلى بني . . . . .
قال الأخفش ان شئت جعلت الواو في قوله ورسولا مقحمة والرسول حالا وقوله ( اني قد جئتكم ) معمول لرسول لأن فيه معنى النطق كما مر وقيل أصله بأني قد جئتكم فحذف الجار وقيل منصوب بمضمر أي تقول اني قد جئتكم وقيل معطوف على الأحوال السابقة وقوله ( بآية ) في محل نصب على الحال أي متلبسا بعلامة كائنة ( من ربكم ) وقوله ( اني أخلق ) أي أصور وأقدر ( لكم من الطين كهيئة الطير ) وهذه الجملة بدل من الجملة الأولى وهي ( أني قد جئتكم ) أو بدل من آية أو خبر مبتدأ محذوف أي هي أني وقرىء بكسر الهمزة على الاستئناف وقرأ الأعرج وأبو جعفر كهيئة الطير بالتشديد والكاف في قوله ( كهيئة الطير ) نعت مصدر محذوف أي أخلق لكم خلقا أو شيئا مثل هيئة الطير وقوله ( فأنفخ فيه ) أي في ذلك الخلق أو ذلك الشيء فالضمير راجع إلى الكاف في قوله كهيئة الطير وقيل الضمير راجع إلى الطير أي الواحد منه وقيل إلى


"""""" صفحة رقم 342 """"""
الطين وقرىء فيكون طائرا وطيرا مثل تاجر وتجر وقيل انه لم يخلق غير الخفاش لما فيه من عجائب الصنعة فإن له ثديا وأسنانا وأذنا ويحيض ويطهر وقيل إنهم طلبوا خلق الخفاش لما فيه من العجائب المذكورة ولكونه يطير بغير ريش ويلد كما يلد سائر الحيوانات مع كونه من الطير ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل وإنما يرى في ساعتين بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة وهو يضحك كما يضحك الإنسان وقيل إن سؤالهم له كان على وجه التعنت قيل كان يطير ما دام الناس ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الله من فعل غيره وقوله ( بإذن الله ) فيه دليل على انه لولا الإذن من الله عز وجل لم يقدر على ذلك وان خلق ذلك كان بفعل الله سبحانه أجراه على يد عيسى عليه السلام قيل كانت تسوية الطين والنفخ من عيسى والخلق من الله عز وجل قوله ( وأبرىء الاكمه ) الأكمه الذي يولد أعمى كذا قال أبو عبيدة وقال ابن فارس الكمه العمى يولد به الإنسان وقد يعرض يقال كمه يكمه كمها إذا عمى وكمهت عينه إذا أعميتها وقيل الأكمه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل وقيل هو الممسوح العين والبرص معروف وهو بياض يظهر في الجلد وقد كان عيسى عليه السلام يبرئ من أمراض عدة كما اشتمل عليه الإنجيل وإنما خص الله سبحانه هذين المرضين بالذكر لأنهما لا يبرآن في الغالب بالمداواة وكذلك إحياء الموتى قد اشتمل الأنجيل على قصص من ذلك قوله ( وأنبئكم بما تأكلون ) أي أخبركم بالذي تأكلونه وبالذي تدخرونه
آل عمران : ( 50 ) ومصدقا لما بين . . . . .
قوله ( ومصدقا ) عطف على قوله ورسولا وقيل المعنى وجئتكم مصدقا قوله ( ولأحل ) أي ولأجل ان أحل أي جئتكم بآية من ربكم وجئتكم لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم من الأطعمة في التوراة كالشحوم وكل ذي ظفر وقيل إنما أحل لهم ما حرمته عليهم الأحبار ولم تحرمه التوراة وقال أبو عبيدة يجوز أن يكون بعض بمعنى كل وأنشد تراك أمكنة إذا لم أرضها
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
قال القرطبي وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة لأن البعض والجزء لا يكونان بمعنى الكل ولأن عيسى لم يحلل لهم جميع ما حرمته عليهم التوراة فإنه لم يحلل القتل ولا السرق ولا الفاحشة وغير ذلك من المحرمات الثابتة في الإنجيل مع كونها ثابتة في التوراة وهي كثيرة يعرف ذلك من يعرف الكتابين ولكنه قد يقع البعض موقع الكل مع القرينة كقول الشاعر أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
أي بعض الشر أهون من كله قوله ( بآية من ربكم ) هي قوله ( إن الله ربي وربكم ) وإنما كان ذلك آية لأن من قبله من الرسل كانوا يقولون ذلك فمجيئه بما جاءت به الرسل يكون علامة على نبوته ويحتمل ان تكون هذه الآية هي الآية المتقدمة فتكون تكريرا لقوله ( أني قد جئتكم بآية من ربكم اني أخلق لكم من الطين ) الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
و قد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( بكلمة ) قال عيسى هو الكلمة من الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المهد مضجع الصبي في رضاعه وقد ثبت في الصحيح انه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلى فجاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلى فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وكان جريج في صومعة فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام قال الراعي قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين وكانت امرأة من بني إسرائيل ترضع ابنا لها فمر بها رجل


"""""" صفحة رقم 343 """"""
راكب ذو شارة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديها يمصه ثم مر بأمة تجرجر ويلعب بها فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها فقال اللهم اجعلني مثلها فقالت لم ذاك فقال الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأمة يقولون لها زنيت وتقول حسبي الله ونعم الوكيل ويقولون سرقت وتقول حسبي الله وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لم يتكلم في المهد إلا عيسى وشاهد يوسف وصاحب جريج وابن ماشطة فرعون ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ويكلم الناس في المهد وكهلا ( قال يكلمهم صغيرا وكبيرا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الكهل هو من في سن الكهولة وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال الكهل الحليم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ويعلمه الكتاب ( قال الخط بالقلم وأخرج ابن جرير عن ابن جرير نحوه وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال إنما خلق عيسى طائرا واحدا وهو الخفاش وأخرج ابن جريج وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال الأكمه الذي يولد أعمى وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال الأكمه الأعمى الممسوح العينين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عن مجاهد قال الأكمه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل وأخرجوا عن عكرمة قالوا الأكمه الأعمش وأخرج أحمد في الزهد عن خالد الحذاء قال كان عيسى ابن مريم إذا سرح رسله يحيون الموتى يقول لهم قولوا كذا فإذا وجدتم قشعريرة ودمعة فادعوا عند ذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وأنبئكم بما تأكلون ( قال بما أكلتم البارحة من طعام وما خبأتم منه وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمار بن ياسر قال ) وأنبئكم بما تأكلون ( من المائدة ) وما تدخرون ( منها وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا فأكلوا وادخروا وخانوا فجعلوا قردة وخنازير وأخرج ابن جرير عن وهب أن عيسى كان على شريعة موسى وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس وقال لبني إسرائيل إني لمن أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلا لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وأضع عنكم من الآصار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى وكان قد حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والثروب فأحلها لهم على لسان عيسى وحرم عليهم الشحوم فأحلت لهم فيما جاء به عيسى وفي أشياء من السمك وفي أشياء من الطير وفي أشياء أخر حرمها عليهم وشدد عليهم فيها فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وجئتكم بآية من ربكم ( قال ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها وما أعطاه ربه
آل عمران 52 58


"""""" صفحة رقم 344 """"""
آل عمران : ( 52 ) فلما أحس عيسى . . . . .
قوله ) فلما أحس ( أي علم ووجد قاله الزجاج وقال أبو عبيدة معنى أحس عرف وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة والإحساس العلم بالشيء قال الله تعالى ) هل تحس منهم من أحد ( والمراد بالإحساس هنا الإدراك القوي الجاري مجرى المشاهدة وبالكفر إصرارهم عليه وقيل سمع منهم كلمة الكفر وقال الفراء أرادوا قتله وعلى هذا فمعنى الآية فلما أدرك منهم عيسى إرادة قتله التي هي كفر قال من أنصاري إلى الله الأنصار جمع نصير وقوله ) إلى الله ( متعلق محذوف وقع حالا أي متوجها إلى الله أو ملتجئا إليه أو ذاهبا إليه وقيل إلى بمعنى مع كقوله تعالى ) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( وقيل المعنى من أنصاري في السبيل إلى الله وقيل المعنى من يضم نصرته إلى نصرة الله والحواريون جمع حواري وحواري الرجل صفوته وخلاصته وهو مأخذو من الحور وهو البياض عند أهل اللغة حورت الثياب بيضتها والحواري من الطعام ما حور أي بيض والحواري أيضا الناصر ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لكل نبي حواري وحواريي الزبير ) وهو في البخاري وغيره وقد اختلف في سبب تسميتهم بذلك فقيل لبياض ثيابهم وقيل لخلوص نياتهم وقيل لأنهم خاصة الأنبياء وكانوا اثنى عشر رجلا ومعنى أنصار الله أنصار دينه ورسله وقوله ) آمنا بالله ( استئناف جار مجرى العلة لما قبله فإن الإيمان يبعث على النصرة قوله ) واشهد بأنا مسلمون ( أي اشهد لنا يوم القيامة بأنا مخلصون لإيماننا منقادون لما تريد منا
آل عمران : ( 53 ) ربنا آمنا بما . . . . .
ومعنى ) بما أنزلت ( ما أنزله الله سبحانه في كتبه والرسول عيسى وحذف المتعلق مشعر بالتعميم أي اتبعناه في كل ما يأتي به فاكتبنا مع الشاهدين لك بالوحدانية ولرسولك بالرسالة أو اكتبنا مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم وقيل مع أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
آل عمران : ( 54 ) ومكروا ومكر الله . . . . .
قوله ) مكروا ( أي الذين أحس عيسى منهم الكفر وهم كفار بني إسرائيل ومكر الله استدراجه للعباد من حيث لا يعلمون قاله الفراء وغيره وقال الزجاج مكر الله مجازاتهم على مكرهم فسمى الجزاء باسم الابتداء كقوله تعالى ) الله يستهزئ بهم ( ) وهو خادعهم ( واصل المكر في اللغة الاغتيال والخدع حكاه ابن فارس وعلى هذا فلا يسند إلى الله سبحانه إلا على طريق المشاكلة وقيل مكر الله هنا إلقاء شبه عيسى على غيره ورفع عيسى إليه ) والله خير الماكرين ( أي أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقواهم على إيصال الضرر بمن يريد إيصاله به من حيث لا يحتسب
آل عمران : ( 55 ) إذ قال الله . . . . .
قوله ) إذ قال الله يا عيسى ( العامل في إذ مكروا أو قوله ) خير الماكرين ( أو فعل مضمر تقديره وقع ذلك وقال الفراء إن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره إني رافعك ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالك من السماء وقال أبو زيد متوفيك قابضك وقال في الكشاف مستوفى أجلك ومعناه إني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخر أجلك إلى أجل كتبته لك ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم وإنما إحتاج المفسرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر لأن الصحيح أن الله رفعه إلى السماء من غير وفاة كما رجحه كثير من المفسرين واختاره ابن جرير الطبري ووجه ذلك أنه قد صح في الأخبار عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نزوله وقتله الدجال


"""""" صفحة رقم 345 """"""
وقيل إن الله سبحانه توفاه ثلاث ساعات من نهار ثم رفعه إلى السماء وفيه ضعف وقيل المراد بالوفاة هنا النوم ومثله ) وهو الذي يتوفاكم بالليل ( أي ينيمكم وبه قال كثيرون قوله ) ومطهرك من الذين كفروا ( أي من حيث جوازهم برفعه إلى السماء وبعده عنهم قوله ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ( أي الذين اتبعوا ما جئت به وهم خلص أصحابه الذين لم يبلغوا في الغلو فيه إلى ما بلغ من جعله إلها ومنهم المسلمون فإنهم اتبعوا ما جاء به عيسى عليه السلام ووصفوه بما يستحقه من دون غلو فلم يفرطوا في وصفه كما فرطت اليهود ولا أفرطوا كما أفرطت النصارى وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم وقيل المراد بالآية أن النصارى الذين هم أتباع عيسى لا يزالون ظاهرين على اليهود غالبين لهم قاهرين لمن وجد منهم فيكون المراد بالذين كفروا هم اليهود خاصة وقيل هم الروم لا يزالون ظاهرين على من خالفهم من الكافرين وقيل هم الحواريون لا يزالون ظاهرين على من كفر بالمسيح وعلى كل حال فغلبة النصارى لطائفة من الكفار أو لكل طوائف الكفار لا ينافي كونهم مقهورين مغلوبين بطوائف المسلمين كما تفيده الآيات الكثيرة بأن هذه الملة الإسلامية ظاهرة على كل الملل قاهرة لها مستعلية عليها وقد أفردت هذه الآية بمؤلف سميته ( وبل الغمامة في تفسير ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ( ) فمن رام استيفاء ما في المقام فليرجع إلى ذلك والفوقية هنا هي أعم من أن تكون بالسيف أو بالحجة وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويحكم بين العباد بالشريعة المحمدية ويكون المسلمون أنصاره وأتباعه إذ ذاك فلا يبعد أن يكون في هذه الآية إشارة إلى هذه الحالة قوله ) ثم إلي مرجعكم ( أي رجوعكم وتقديم الظرف للقصر ) فأحكم بينكم ( يومئذ ) فيما كنتم فيه تختلفون ( من أمور الدين
آل عمران : ( 56 ) فأما الذين كفروا . . . . .
وقوله ) فأما الذين كفروا ( إلى قوله ) والله لا يحب الظالمين ( تفسير للحكم قوله ) في الدنيا والآخرة ( متعلق بقوله فأعذبهم أما تعذيبهم في الدنيا فبالقتل والسبي والجزية والصغار وأما في الآخرة فبعذاب النار
آل عمران : ( 57 ) وأما الذين آمنوا . . . . .
قوله ) فيوفيهم أجورهم ( أي نعطيهم إياها كاملة موفرة قرىء بالتحتية وبالنون وقوله ) لا يحب الظالمين ( كناية عن بغضهم وهي جملة تذييلية مقررة لما قبلها
آل عمران : ( 58 ) ذلك نتلوه عليك . . . . .
قوله ) ذلك ( إشارة إلى ما سلف من نبأ عيسى وغيره وهو مبتدأ خبره ما بعده و ) من الآيات ( حال أو خبر بعد خبر والحكيم المشتمل على الحكم أو المحكم الذي لا خلل فيه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي جريج في قوله ) فلما أحس عيسى منهم الكفر ( قال كفروا وأرادوا قتله فذلك حين استنصر قومه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم كانوا صيادين وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال الحواريون قصارون مر بهم عيسى فأمنوا به واخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال هم أصفياء الأنبياء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن حاتم عن قتادة قال الحواريون هم الذين تصلح لهم الخلافة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال هم أصفياء الأنبياء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك مثله وأخرج عبدالرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة قال الحواري الوزير وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال الحواري الناصر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) فاكتبنا مع الشاهدين ( قال مع محمد وأمته أنهم شهدوا له أنه قد بلغ وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه قال ) مع الشاهدين ( مع أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن السدي قال إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلا من الحواريين في بيت فقال عيسى لأصحابه من يأخذ


"""""" صفحة رقم 346 """"""
صورتي فيقتل وله الجنة فأخذها رجل منهم وصعد بعيسى إلى السماء فذلك قوله ) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إني متوفيك ( يقول مميتك وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال متوفيك من الأرض وأخرج الآخران عنه قال وفاة المنام وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال هذا من المقدم والمؤخر أي رافعك إلي ومتوفيك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مطر الوراق قال متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب قال توفى الله عيسى ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه إليه وأخرج ابن عساكر عنه قال أماته ثلاثة أيام ثم بعثه ورفعه وأخرج الحاكم عنه قال توفي الله عيسى سبع ساعات وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد والحاكم عن سعيد بن المسيب قال رفع عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وأخرج ابن عساكر عن وهب مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله تعالى ) ومطهرك من الذين كفروا ( قال طهره من اليهود والنصارى والمجوس ومن كفار قومه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا ( قال هم أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته وأخرج ابن جرير عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه أيضا وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن النعمان ابن بشير سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يبالون بمن خالفهم حتى يأتي أمر الله ) قال النعمان من قال إني أقول على رسول الله ما لم يقل فإن تصديق ذلك في كتاب الله قال الله ) وجاعل الذين اتبعوك ( الآية وأخرج ابن عساكر عن معاوية مرفوعا نحوه ثم قرأ معاوية الآية وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال النصارى فوق اليهود إلى يوم القيامة وليس بلد فيه أحد من النصارى إلا وهم فوق اليهود في شرق ولا غرب هم في البلدان كلها مستذلون
آل عمران 59 63
آل عمران : ( 59 ) إن مثل عيسى . . . . .
تشبيه عيسى بآدم في كونه مخلوقا من غير أب كآدم ولا يقدح في التشبيه اشتمال المشبه به على زيادة وهو كونه لا أم له كما أنه لا أب له فذلك أمر خارج عن الأمر المراد بالتشبيه وإن كان المشبه به أشد غرابة من المشبه وأعظم عجبا وأغرب أسلوبا وقوله ) خلقه من تراب ( جملة مفسرة لما أبهم في المثل أي أن آدم لم يكن له أب ولا أم بل خلقه الله من تراب وفي ذلك دفع لإنكار من أنكر خلق عيسى من غير أب مع اعترافه بأن آدم خلق من غير أب ولا أم قوله ) ثم قال له كن فيكون ( أي كن بشرا فكان بشرا وقوله ) فيكون ( حكاية حال ماضية وقد تقدم تفسير هذا
آل عمران : ( 60 ) الحق من ربك . . . . .
وقوله ) الحق من ربك ( قال الفراء هو مرفوع بإضمار هو وقال أبو عبيدة هو استئناف كلام وخبره قوله ) من ربك ( وقيل هو فاعل فعل محذوف أي جاءك الحق من ربك قوله ) فلا تكونن من الممترين (


"""""" صفحة رقم 347 """"""
الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس أي لا يمكن أحد منكم ممتريا أو للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ويكون النهي له لزيادة التثبيت لأنه لا يكون منه شك في ذلك
آل عمران : ( 61 ) فمن حاجك فيه . . . . .
قوله ) فمن حاجك فيه ( هذا وإن كان عاما فالمراد به الخاص وهم النصارى الذين وفدوا إليه ( صلى الله عليه وسلم ) من نجران كما سيأتي بيانه ويمكن أن يقال هو على عمومه وإن كان السبب خاصا فيدل على جواز المباهلة منه ( صلى الله عليه وسلم ) لكل من حاجة في عيسى عليه السلام وأمته أسوته وضمير فيه لعيسى والمراد بمجيء العلم هنا مجيء سببه وهو الآيات البينات والمحاجة المخاصمة والمجادلة وقوله ) تعالوا ( أي هلموا وأقبلوا وأصله الطلب لإقبال الذوات ويستعمل في الرأي إذا كان المخاطب حاضرا كما تقول لمن هو حاضر عندك تعال ننظر في هذا الأمر قوله ) ندع أبناءنا ( إلخ اكتفى بذكر البنين عن البنات إما لدخولهن في النساء أو لكونهم الذين يحضرون مواقف الخصام دونهن ومعنى الآية ليدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة وفيه دليل على أن أبناء البنات يسمون أبناء لكونه ( صلى الله عليه وسلم ) أراد بالأبناء الحسنين كما سيأتي قوله ) نبتهل ( أصل الابتهال الاجتهاد في الدعاء باللعن وغيره يقال بهله الله أي لعنه والبهل اللعن قال أبو عبيد والكسائي نبتهل نلتعن ويطلق على الاجتهاد في الهلاك ومنه قول لبيد في كهول سادة من قومه
نظر الدهر إليهم فابتهل
أي فاجتهد في هلاكهم قال في الكشاف ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا قوله ) فنجعل لعنة الله على الكاذبين ( عطف على نبتهل مبين لمعناه
آل عمران : ( 62 ) إن هذا لهو . . . . .
قوله ) إن هذا ( أي الذي قصه الله على رسوله من نبأ عيسى ) لهو القصص الحق ( القصص التتابع يقال فلان يقص أثر فلان أي يتبعه فأطلق على الكلام الذي يتبع بعضه بعضا وضمير الفصل للحصر ودخول اللام عليه لزيادة تأكيده ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده خبره وزيادة من في قوله ) من إله ( لتأكيد العموم وهو رد على من قال بالتثليث من النصارى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث حذيفة أن العاقب والسيد أتيا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه لا نلاعنه فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح أبدا نحن ولا عقبنا من بعدنا فقالوا له نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا فقال قم يا أبا عبيدة فلما قام قال هذا أمين هذه الأمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أن رهطا من أهل نجران قدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا ما شأنك تذكر صاحبنا قال من هو قالوا عيسى تزعم أنه عبدالله قالوا فهل رأيت مثل عيسى وأنبئت به ثم خرجوا من عنده فجاء جبريل فقال قل لهم إذا أتوك ) إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ( إلى آخر الآية وقد رويت هذه القصة على وجوه عن جماعة من التابعين وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال قدم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) العاقب والسيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا أسلمنا يا محمد فقال كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام قالا فهات قال حب الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير قال جابر فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على الغد فغدا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له فقال والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا قال جابر فيهم نزلت ) تعالوا ندع أبناءنا ( الآية قال جابر ) وأنفسنا وأنفسكم ( رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلي وأبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة ورواه أيضا الحاكم من وجه آخر


"""""" صفحة رقم 348 """"""
عن جابر وصححه وفيه أنهم قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) هل لك أن نلاعنك وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص قال لما نزلت هذه الآية ) قل تعالوا ( دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه ) تعالوا ندع أبناءنا ( الآية قال فجاء بأبي بكر وولده وبعمر وولده وبعثمان وولده وبعلي وولده وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس ) ثم نبتهل ( نجتهد وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال هذا الإخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه وهذا الابتهال فرفع يديه مدا
آل عمران 64
آل عمران : ( 64 ) قل يا أهل . . . . .
قيل الخطاب لأهل نجران بدليل ما تقدم قبل هذه الآية وقيل ليهود المدينة وقيل لليهود والنصارى جميعا وهو ظاهر النظم القرآني ولا وجه لتخصيصه بالبعض لأن هذه دعوة عامة لا تختص بأولئك الذين حاجوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والسواء العدل قال الفراء يقال في المعنى العدل سوى وسواء فإذا فتحت السين مددت وإذا ضممت أو كسرت قصرت قال زهير أروى خطة لا ضيم فيها
يروى نبتها فيها السواء
وفي قراءة ابن مسعود ( إلى كلمة عدل بيننا وبينكم فالمعنى أقبلوا إلى ما دعيتم إليه وهي الكلمة العادلة المستقيمة التي ليس فيها ميل عن الحق وقد فسرها بقوله ) ألا نعبد إلا الله ( وهو في موضع خفض على البدل من كلمة أو رفع على إضمار مبتدإ أي هي لا نعبد ويجوز أن تكون أن مفسرة لا موضع للجملة التي دخلت عليها وفي قوله ) ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا ( تبكيت لمن اعتقد ربوبية المسيح وعزير وإشارة إلى أن هؤلاء من جنس البشر وبعض منهم وإزراء على من قلد الرجال في دين الله فحلل ما حللوه له وحرم ما حرموه عليه فإن من فعل ذلك فقد اتخذ من قلده ربا ومنه ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( وقد جوز الكسائي والفراء الجزم في ( ولا نشرك ) و ( ولا يتخذ ) على التوهم قوله ) فإن تولوا ( أي أعرضوا عما دعوا إليه ) فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( أي منقادون لأحكامه مرتضون به معترفون بما أنعم الله به علينا من هذا الدين القويم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس قال حدثني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأه فإذا فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلى قوله بأنا مسلمون ) وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الكفار ( تعالوا إلى كلمة ) الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال بلغني أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعا يهود المدينة إلى ما في هذه الآية فأبوا عليه فجاهدهم حتى أقروا بالجزية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء وأخرج ابن جرير عن


"""""" صفحة رقم 349 """"""
الربيع نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) إلى كلمة سواء ( قال عدل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا ( قال لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله ويقال إن تلك الربوبية أن يطيع الناس سادتهم وقادتهم في غير عبادة وإن لم يصلوا لهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا ( قال سجود بعضنا لبعض
آل عمران 65 68
آل عمران : ( 65 ) يا أهل الكتاب . . . . .
لما ادعت كل واحدة من طائفتي اليهود والنصارى أن إبراهيم عليه السلام كان على دينهم رد الله سبحانه ذلك عليهم وأبان بأن الملة اليهودية والملة النصرانية إنما كانتا من بعده قال الزجاج هذه الآية أبين حجة على اليهود والنصارى أن التوراة والإنجيل نزلا من بعده وليس فيهما اسم لواحد من الأديان واسم الإسلام في كل كتاب انتهى وفيه نظر فإن الإنجيل مشحون بالآيات من التوراة وذكر شريعة موسى والاحتجاج بها على اليهود وكذلك الزبور فيه في مواضع ذكر شريعة موسى وفي أوائله التبشير بعيسى ثم في التوراة ذكر كثير من الشرائع المتقدمة يعرف هذا كل من عرف هذه الكتب المنزلة وقد اختلف في قدر المدة التي بين إبراهيم وموسى والمدة التي بين موسى وعيسى قال القرطبي يقال كان بين إبراهيم وموسى ألف سنة وبين موسى وعيسى ألفا سنة وكذا في الكشاف قوله ) أفلا تعقلون ( أي تتفكرون في دحوض حجتكم وبطلان قولكم
آل عمران : ( 66 ) ها أنتم هؤلاء . . . . .
قوله ) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ( الأصل في ها أنتم أأنتم أبدلت الهمزة الأولى هاء لأنها أختها كذا قال أبو عمرو بن العلاء والأخفش قال النحاس وهذا قول حسن وقرأ قنبل ? هانتم ? وقيل الهاء للتنبيه دخلت على الجملة التي بعدها أي ها أنتم هؤلاء الرجال الحمقى حاججتم وفي هؤلاء لغتان المد والقصر والمراد بما لهم به علم هو ما كان في التوراة وإن خالفوا مقتضاه وجادلوا فيه بالباطل والذي لا علم لهم به هو زعمهم أن إبراهيم كان على دينهم لجهلهم بالزمن الذي كان فيه وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحق كما في حديث من ترك المراء ولو محقا فأنا ضمينه على الله ببيت في ربض الجنة ) وقد ورد تسويغ الجدال بالتي هي أحسن لقوله تعالى ) وجادلهم بالتي هي أحسن ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ونحو ذلك فينبغي أن يقصر جوازه على المواطن التي تكون المصلحة في فعله أكثر من المفسدة أو على المواطن التي المجادلة فيها بالمحاسنة لا بالمخاشنة قوله ) والله يعلم ( أي كل شيء فيدخل في ذلك ما حاججوا به
آل عمران : ( 67 ) ما كان إبراهيم . . . . .
وقد تقدم تفسير الحنيف
آل عمران : ( 68 ) إن أولى الناس . . . . .
قوله ) إن أولى الناس ( أي أحقهم به وأخصهم للذين اتبعوا ملته واقتدوا بدينه ) وهذا النبي ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أفرده بالذكر تعظيما له وتشريفا وأولويته ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 350 """"""
بإبراهيم من جهة كونه من ذريته ومن جهى موافقته لدينه في كثير من الشريعة المحمدية ) والذين آمنوا ( من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتنازعوا عنده فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى ما كان إبراهيم إلا نصرانيا فنزل فيهم ) يا أهل الكتاب لم تحاجون ( الآية وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية ) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ( يقول فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم ) فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ( يقول فيما لم تشهدوا ولم تروا ولم تعاينوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال أما الذي لهم به علم فما حرم عليهم وما أمروا به وأما الذي ليس لهم به علم فشأن إبراهيم وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال يعذر من حاج بعلم ولا يعذر من حاج بالجهل وأخرج ابن جرير عنه عن الشعبي في قوله ) ما كان إبراهيم ( قال أكناهم الله وأدحض حجتهم وأخرج أيضا عن الربيع مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان نحوه وأخرج عبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب حدثني ابن غنم أنه لما خرج أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى النجاشي فذكر قصتهم معه وما قالوه له لما قال له عمرو بن العاص إنهم يشتمون عيسى وهي قصة مشهورة ثم قال فأنزلت ذلك اليوم خصومتهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بالمدينة ) إن أولى الناس بإبراهيم ( الآية وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي خليل ربي ثم قرأ ) إن أولى الناس ( الآية ) وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم بن ميناء أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يا معشر قريش إن أولى الناس بالنبي المتقون فكونوا أنتم سبيل ذلك فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال وتلقوني بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي ثم قرأ عليهم ) إن أولى الناس بإبراهيم ( الآية ) وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال كل مؤمن ولي إبراهيم ممن مضى وممن بقي
آل عمران 69 74


"""""" صفحة رقم 351 """"""
آل عمران : ( 69 ) ودت طائفة من . . . . .
الطائفة من أهل الكتاب هم يهود بني النضير وقريظة وبني قينقاع حين دعوا جماعة من المسلمين إلى دينهم وسيأتي وقيل هم جميع أهل الكتاب فتكون ( من ) لبيان الجنس وقوله ) وما يضلون إلا أنفسهم ( جملة حالية للدلالة على ثبوت قدم المؤمنين في الإيمان فلا يعود وبال من أراد فتنتهم إلا عليه
آل عمران : ( 70 ) يا أهل الكتاب . . . . .
والمراد بآيات الله ما في كتبهم من دلائل نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( وأنتم تشهدون ما في كتبكم في ذلك أو تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء الذين تقرون بنبوتهم أو المراد كتم كل الآيات عنادا وأنتم تعلمون أنها حق
آل عمران : ( 71 ) يا أهل الكتاب . . . . .
ولبس الحق بالباطل خلطه بما يتعمدونه من التحريف ) وأنتم تعلمون ( جملة حالية
آل عمران : ( 72 ) وقالت طائفة من . . . . .
قوله ) وقالت طائفة من أهل الكتاب ( هم رؤساؤهم وأشرافهم قالوا للسفلة من قومهم هذه المقالة ووجه النهار أوله وسمي وجها لأنه أحسنه قال وتضيء في وجه النهار منيرة
كجمانة البحري سل نظامها
وهو منصوب على الظرف أمروهم بذلك لإدخال الشك على المؤمنين لكونهم يعتقدون أن أهل الكتاب لديهم علم فإذا كفروا بعد الإيمان وقع الريب لغيرهم واعتراه الشك وهم لا يعلمون أن الله قد ثبت قلوب المؤمنين ومكن أقدامهم فلا تزلزلهم أراجيف أعداء الله ولا تحركهم ريح المعاندين
آل عمران : ( 73 ) ولا تؤمنوا إلا . . . . .
قوله ) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ( هذا من كلام اليهود بعضهم لبعض أي قال ذلك الرؤساء للسفلة لا تصدقوا تصديقا صحيحا إلا لمن تبع دينكم من أهل الملة التي أنتم عليها وأما غيرهم ممن قد أسلم فأظهروا لهم ذلك خداعا ) وجه النهار واكفروا آخره ( ليفتتنوا ويكون قوله ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( على هذا متعلقا بمحذوف أي فعلتم ذلك لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم وقوله ) أو يحاجوكم ( معطوف على أن يؤتى أي لا تؤمنوا إيمانا صحيحا وتقروا بما في صدوركم إقرارا صادقا لغير من تبع دينكم فعلتم ذلك ودبرتموه أن المسلمين يحاجوكم يوم القيامة عند الله بالحق وقوله ) إن الهدى هدى الله ( جملة اعتراضية وقال الأخفش المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولا تصدقوا أن يحاجوكم فذهب إلى أنه معطوف وقيل المراد لا تؤمنوا وجه النهار وتكفروا آخره إلا لمن تبع دينكم أي لمن دخل في الإسلام وكان من أهل دينكم قبل إسلامه لأن إسلام من كان منهم هو الذي قتلهم غيظا وأماتهم حسرة وأسفا ويكون قوله ) أن يؤتى ( على هذا متعلقا محذوف كالأول وقيل إن قوله ) أن يؤتى ( متعلق بقوله ) لا تؤمنوا ( أي لا تظهروا إيمانكم ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( أي أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا لأتباع دينكم وقيل المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بالمد على الاستفهام تأكيدا للإنكار الذي قالوه أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتوا فتكون على هذا أن وما بعدها في محل رفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره تصدقون بذلك ويجوز أن تكون في محل نصب على إضمار فعل تقديره تقرون أن يؤتى وقد قرأ ( آن يؤتى ) بالمد ابن كثير وابن محيصن وحميد وقال الخليل أن في موضع خفض والخافض محذوف وقال ابن جريج المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى وقيل المعنى لا نخبروا بما في كتابكم صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلا من تبع دينكم لئلا يكون ذلك سببا لإيمان غيرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال الفراء يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله ) إلا لمن تبع دينكم ( ثم قال لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) قل إن الهدى هدى الله ( أي إن البيان الحق بيان الله أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم على تقدير لا كقوله تعالى ) يبين الله لكم أن تضلوا ( أي لئلا تضلوا و ( أو ) في قوله ) أو يحاجوكم ( بمعنى حتى وكذلك قال الكسائي وهي عند الأخفش عاطفة كما


"""""" صفحة رقم 352 """"""
تقدم وقيل إن هدى الله بدل من الهدى وأن يؤتى خبر إن على معنى قل إن هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وقد قيل إن هذه الآية أعظم آي هذه السورة إشكالا وذلك صحيح وقرأ الحسن يؤتي بكسر التاء الفوقية وقرأ سعيد ابن جبير إن يؤتى بكسر الهمزة على أنها النافية
آل عمران : ( 74 ) يختص برحمته من . . . . .
وقوله ) يختص برحمته من يشاء ( قيل هي النبوة وقيل أعم منها وهو رد عليهم ودفع لما قالوه ودبروه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سفيان قال كل شيء في آل عمران من ذكر أهل الكتاب فهو في النصارى ويدفع هذا أن كثيرا من خطابات أهل الكتاب المذكورة في هذه السورة لا يصح حملها على النصارى ألبتة ومن ذلك هذه الآيات التي نحن بصدد تفسيرها فإن الطائفة التي ودت إضلال المسلمين وكذلك الطائفة القائلة ) آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ( هي من اليهود خاصة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ( قال تشهدون أن نعت نبي الله محمد في كتابكم ثم تكفرون به وتنكرونه ولا تؤمنون به وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل النبي الأمي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع مثله وأخرجا أيضا عن السدي نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج ) وأنتم تشهدون ( على أن الدين عند الله الإسلام ليس لله دين غيره وأخرجا عن الربيع في قوله ) لم تلبسون الحق بالباطل ( يقول لم تخلطون اليهودية والنصرانية بالإسلام وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره الإسلام ) وتكتمون الحق ( يقول تكتمون شأن محمد وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال عبدالله بن الصيف وعدي بن زيد والحارث بن عوف بعضهم لبعض تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم فأنزل الله فيهم ) يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل ( إلى قوله ) والله واسع عليم ( وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله ) وقالت طائفة ( الآية قال كانوا يكونون معهم أول النهار ويجالسونهم ويكلمونهم فإذا أمسوا وحضرت الصلاة كفروا به وتركوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ( قال هذا قول بعضهم لبعض وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج أيضا عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( حسدا من يهود أن تكون النبوة في غيرهم وإرادة أن يتابعوا على دينهم وأخرج عبد بن حميد وابن لمنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك وسعيد بن جبير ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( قال أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( يا أمة محمد ) أو يحاجوكم عند ربكم ( يقول اليهود فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة حتى أنزل علينا المن والسلوى فإن الذي أعطيتكم أفضل فقولوا ) قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( يقول لما أنزل الله كتابا مثل كتابكم وبعث نبيا كنبيكم حسدتموه على ذلك ) قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ( وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ) قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( يقول هذا الأمر الذي أنعم الله عليه ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم ( قال قال بعضهم لبعض لا تخبروهم بما بين الله لكم في كتابه ) ليحاجوكم ( قال


"""""" صفحة رقم 353 """"""
ليخاصموكم ) به عند ربكم ( فتكون لهم حجة عليكم ) قل إن الفضل بيد الله ( قال الإسلام ) يختص برحمته من يشاء ( قال القرآن والإسلام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) يختص برحمته من يشاء ( قال النبوة وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال رحمته الإسلام يختص بها من يشاء
آل عمران 75 77
آل عمران : ( 75 ) ومن أهل الكتاب . . . . .
هذا شروع في بيان خيانة اليهود في المال بعد بيان خيانتهم في الدين والجار والمجرور في قوله ) ومن أهل الكتاب ( في محل رفع على الابتداء على ما مر في قوله ) ومن الناس من يقول ( وقد تقدم تفسير القنطار وقوله ) تأمنه ( هذه قراءة الجمهور وقرأ ابن وثاب والأشهب العقيلي ? تيمنه ? بكسر التاء الفوقية على لغة بكر وتميم ومثله قراءة من قرأ ) نستعين ( بكسر النون وقرأ نافع والكسائي ) يؤده ( بكسر الهاء في الدرج قال أبو عبيد واتفق أبو عمرو والأعمش وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر على إسكان الهاء قال النحاس إسكان الهاء لا يجوز إلا في الشعر عند بعض النحويين وبعضهم لا يجيزه ألبتة ويرى أنه غلط من قرأ به ويوهم أن الجزم يقع على الهاء وأبو عمرو أجل من أن يجوز عليه شيء من هذا والصحيح عنه أنه كان يكسر الهاء وقال الفراء مذهب بعض العرب يسكنون الهاء إذا تحرك ما قبلها فيقولون ضربنه ضربا شديدا كما يسكنون ميم أنتم وقمتم وأنشد لما رأى أن لادعه ولا شبع
مال إلى أرضاه حقف فاضطجع
اه
وقرأ أبو المنذر سلام والزهري ) يؤده ( بضم الهاء بغير واو وقرأ قتادة وحمزة ومجاهد ? يؤدهو ? بواو في الإدراج ومعنى الآية أن أهل الكتاب فيهم الأمين الذي يؤدي أمانته وإن كانت كثيرة وفيهم الخائن الذي لا يؤدي أمانته وإن كانت حقيرة ومن كان أمينا في الكثير فهو في القليل أمين بالأولى ومن كان خائنا في القليل فهو في الكثير خائن بالأولى وقوله ) إلا ما دمت عليه قائما ( استثناء مفرغ أي لا يؤده إليك في حال من الأحوال إلا ما دمت عليه قائما مطالبا له مضيقا عليه متقاضيا لرده والإشارة بقوله ذلك إلى ترك الأداء المدلول عليه بقوله ) لا يؤده ( والأميون هم العرب الذي ليسوا أهل كتاب أي ليس علينا في ظلمهم حرج لمخالفتهم لنا في ديننا وادعوا لعنهم الله أن ذلك في كتابهم فرد الله سبحانه عليهم بقوله ) ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون
آل عمران : ( 76 ) بلى من أوفى . . . . .
بلى ( أي بلى عليهم سبيل لكذبهم واستحلالهم أموال العرب فقوله ) بلى ( إثبات لما نفوه من السبيل قال الزجاج تم الكلام بقوله ) بلى ( ثم قال ) من أوفى بعهده واتقى ( وهذه جملة مستأنفة أي من أوفى بعهده واتقى فليس من الكاذبين أو فإن الله يحبه والضمير في قوله ) بعهده ( راجع إلى من أو إلى الله تعالى وعموم المتقين قائم مقام العائد إلى من أي فإن الله يحبه
آل عمران : ( 77 ) إن الذين يشترون . . . . .
قوله ) إن الذين يشترون بعهد الله ( أي يستبدلون كما تقدم


"""""" صفحة رقم 354 """"""
تحقيقه غير مرة وعهد الله هو ما عاهدوه عليه من الإيمان بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأيمان هي التي كانوا يحلفون أنهم يؤمنون به وينصرونه وسيأتي بيان سبب نزول الآية ) أولئك ( أي الموصوفون بهذه الصفة ) لا خلاق لهم في الآخرة ( أي لا نصيب ) ولا يكلمهم الله ( بشيء أصلا كما يفيده حذف المتعلق من التعميم أو لا يكلمهم بما يسرهم ) ولا ينظر إليهم يوم القيامة ( نظر رحمة بل يسخط عليهم ويعذبهم بذنوبهم كما يفيده قوله ) ولهم عذاب أليم )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله ) ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ( قال هذا من النصارى ) ومنهم من إن تأمنه بدينار ( قال هذا من اليهود ) إلا ما دمت عليه قائما ( قال إلا ما طلبته واتبعته وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ( قال قالت اليهود ليس علينا فيما أصبنا من مال العرب سبيل وأخرج ابن جرير عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ( قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن صعصعة أنه سأل ابن عباس فقال إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة قال ابن عباس فتقولون ماذا قال نقول ليس علينا في ذلك من بأس قال هذا كما قال أهل الكتاب ) ليس علينا في الأميين سبيل ( إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب نفوسهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) بلى من أوفى بعهده واتقى ( يقول اتقى الشرك ) فإن الله يحب المتقين ( يقول الذين يتقون الشرك وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فقال الأشعث بن قيس في والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألك بينة قلت لا قال لليهودي احلف فقلت يا رسول الله إذن يحلف فيذهب مالي فأنزل الله ) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( إلى آخر الآية ) وقد روى أن سبب نزول الآية أن رجلا كان يحلف بالسوق لقد أعطى بسلعته ما لم يعط بها أخرجه البخاري وغيره وروى أن سبب نزولها مخاصمة كانت بين الأشعث وامرئ القيس ورجل من حضرموت وأخرجه النسائي وغيره
آل عمران 78
آل عمران : ( 78 ) وإن منهم لفريقا . . . . .
أي طائفة من اليهود يلوون أي يحرفون ويعدلون به عن القصد وأصل اللي الميل يقول لوى برأسه إذا أماله وقرئ ) يلوون ( بالتشديد و ( يلون ) بقلب الواو همزة ثم تخفيفها بالحذف والضمير في قوله ) لتحسبوه ( يعود إلى ما دل عليه ) يلوون ( وهو المحرف الذي جاؤوا به قوله ) وما هو من الكتاب ( جملة حالية وكذلك قوله ) وما هو من عند الله ( وكذلك قوله ) وهم يعلمون ( أي أنهم كاذبون مفترون
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم (


"""""" صفحة رقم 355 """"""
قال هم اليهود كانوا يزيدون في الكتاب ما لم ينزل الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال يحرفونه
آل عمران 79 80
آل عمران : ( 79 ) ما كان لبشر . . . . .
أي ما كان ينبغي ولا يستقيم لبشر أن يقول هذه المقالة وهو متصف بتلك الصفة وفيه بيان من الله سبحانه لعباده أن النصارى افتروا على عيسى عليه السلام ما لم يصح عنه ولا ينبغي أن يقوله والحكم الفهم والعلم قوله ) ولكن كانوا ( أي ولكن يقول النبي كونوا ربانيين والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة كما يقال لعظيم اللحية لحياني ولعيظم الجمة جماني ولغليظ الرقبة رقباني قيل الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره فكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور وقال المبرد الربانيون أرباب العلم واحدهم رباني من قوله ربه يربه فهو ربان إذا دبره وأصلحه والياء للنسب فمعنى الرباني العالم بدين الرب القوي التمسك بطاعة الله وقيل العالم الحكيم قوله ) بما كنتم تعلمون ( أي بسبب كونكم عالمين أي كونوا ربانيين بهذا السبب فإن حصول العلم للإنسان والدراسة له يتسبب عنهما الربانية التي هي التعليم للعلم وقوة التمسك بطاعة الله وقرأ ابن عباس وأهل الكوفة ( بما كنتم تعلمون بالتشديد وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتخفيف واختار القراءة الأولى أبو عبيد قال لأنها لجمع المعنيين قال مكي التشديد أبلغ لأن العالم قد يكون عالما غير معلم فالتشديد يدل على العلم والتعليم والتخفيف إنما يدل على العلم فقط واختار القراءة الثانية أبو حاتم قال أبو عمرو وتصديقها تدرسون بالتخفيف دون التشديد انتهى والحاصل أن من قرأ بالتشديد لزمه أن يحمل الرباني على أمر زائد على العلم والتعليم وهو أن يكون مع ذلك مخلصا أو حكيما أو حليما حتى تظهر السببية ومن قرأ بالتخفيف جاز له أن يحمل الرباني على العالم الذي يعلم الناس فيكون المعنى كونوا معلمين بسبب كونكم علماء وبسبب كونكم تدرسون العلم وفي هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل وإن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله سبحانه
آل عمران : ( 80 ) ولا يأمركم أن . . . . .
قوله ) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ( بالنصب عطفا على ( ثم يقول ) ( ولا ) مزيدة لتأكيد النفي أي ليس له أن يأمر بعبادة نفسه ولا يأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا بل ينتهي عنه ويجوز عطفه على أن يؤتيه أي ما كان لبشر أن يأمركم بأن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا وبالنصب قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف والقطع من الكلام الأول أي ولا يأمركم الله أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ويؤيده أن في مصحف ابن مسعود ولن يأمركم والهمز في قوله ) أيأمركم ( لإنكار ما نفى عن البشر وقوله ) بعد إذ أنتم مسلمون ( استدل به من قال إن سبب نزول الآية استئذان من استأذن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من المسلمين في أن يسجدوا له
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال قال القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 356 """"""
ودعاهم إلى الإسلام أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني فأنزل الله في ذلك ) ما كان لبشر ( الآية ) وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال بلغني أن رجلا قال يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك قال لا ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله فأنزل الله ) ما كان لبشر ( الآية ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ربانيين ( قال فقهاء علماء وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال حكماء علماء حلماء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال علماء فقهاء وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال حكماء علماء واخرج ابن أبي حاتم عن أبي رزين في قوله ) وبما كنتم تدرسون ( قال مذاكرة الفقه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) ولا يأمركم أن تتخذوا ( قال ولا يأمرهم النبي
آل عمران 81 82
آل عمران : ( 81 ) وإذ أخذ الله . . . . .
قد اختلف في تفسير قوله تعالى ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ( فقال سعيد بن جبير وقتادة وطاوس والحسن والسدي إنه أخذ الله ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا بالإيمان ويأمر بعضهم بعضا بذلك فهذا معنى النصر له والإيمان به وهو ظاهر الآية فحاصله أن الله أخذ ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر وينصر وقال الكسائي يجوز أن يكون معنى ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ( بمعنى وإذ أخذ الله ميثاق الذين مع النبيين ويؤيده قراءه ابن مسعود ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) وقيل في الكلام حذف والمعنى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتعلمن الناس لما جاءكم من كتاب وحكمة ولتأخذن على الناس أن يؤمنوا ودل على هذا الحذف قوله ) وأخذتم على ذلكم إصري ( و ( ما ) في قوله ) لما آتيتكم ( بمعنى الذي قال سيبويه سألت الخليل عن قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم ( فقال ( ما ) بمعنى الذي قال النحاس التقدير في قول الخليل الذي آتيتكموه ثم حذفت الهاء لطول الإسم واللام لام الابتداء وبهذا قال الأخفش وتكون ما في محل رفع على الابتداء وخبرها من كتاب وحكمة وقوله ) ثم جاءكم ( وما بعده جملة معطوفة على الصلة والعائد محذوف أي مصدق به وقال المبرد والزجاج والكسائي ( ما ) شرطية دخلت عليها لام التحقيق كما تدخل على إن ( ولتؤمنن به ) جواب القسم الذي هو أخذ الميثاق إذ هو بمنزلة الاستحلاف كما تقول أخذت ميثاقك لتفعلن كذا وهو ساد مسد الجزاء وقال الكسائي إن الجزاء قوله ) فمن تولى ( وقال في الكشاف إن اللام في قوله ) لما آتيتكم ( لام التوطئة واللام في قوله ) لتؤمنن ( جواب القسم وما يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط ولتؤمنن ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا وأن تكون موصولة بمعنى للذي آتيتكموه لتؤمنن به انتهى وقرأ حمزة ( لما آتيتكم ) بكسر اللام وما بمعنى الذي وهي متعلقة بأخذ وقرأ أهل المدينة ( آتيناكم ) على التعظيم وقرأ الباقون ( آتيتكم ) على التوحيد وقيل إن ( ما ) في قراءة من قرأ بكسر اللام مصدرية ومعناه لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم واللام لام التعليل أي لأجل ذلك أخذ


"""""" صفحة رقم 357 """"""
الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتؤمنن به قوله ) أقررتم ( هو من الإقرار والإصر في اللغة الثقل سمي العهد إصرا لما فيه من التشديد والمعنى وأخذتم على ذلك عهدي قوله ) قالوا أقررنا ( جملة استئنافية كأنه قيل ماذا قالوا عند ذلك فقيل قالوا أقررنا وإنما لم يذكر أحدهم الإصر اكتفاء بذلك قوله ) قال فاشهدوا ( أي قال الله سبحانه فاشهدوا أي ليشهد بعضهم على بعض ) وأنا معكم من الشاهدين ( أي وأنا على إقراركم وشهادة بعضكم على بعض من الشاهدين
آل عمران : ( 82 ) فمن تولى بعد . . . . .
قوله ) فمن تولى ( أي أعرض عما ذكر بعد ذلك الميثاق ) فأولئك هم الفاسقون ( أي الخارجون على الطاعة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن أصحاب عبدالله يقرءون ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ( ونحن نقرأ ميثاق النبيين فقال ابن عباس إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن طاوس في الآية قال ) أخذ الله ميثاق النبيين ( أن يصدق بعضهم بعضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ( قال هي خطأ من الكتاب وهي في قراءة ابن مسعود ) ميثاق الذين أوتوا الكتاب ( وأخرج ابن جرير عن علي قال لم يبعث الله نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه ثم تلا ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه في قوله ) إصري ( قال عهدي وأخرج ابن جرير عن علي في قوله ) قال فاشهدوا ( يقول فاشهدوا على أممكم بذلك ) وأنا معكم من الشاهدين ( عليكم وعليهم ) فمن تولى ( عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم ) فأولئك هم الفاسقون ( هم العاصون في الكفر
آل عمران 83 85
آل عمران : ( 83 ) أفغير دين الله . . . . .
قوله ) أفغير ( عطف على مقدر أي أتتولون فتبغون غير دين الله وتقديم المفعول لأنه المقصود بالإنكار وقرأ أبو عمرو وحده ( يبغون ) بالتحتية و ( ترجعون ) بالفوقية قال لأن الأول خاص والثاني عام ففرق بينهما لافتراقهما في المعنى وقرأ حفص بالتحتية في الموضعين وقرأ الباقون بالفوقية فيهما وانتصب طوعا وكرها على الحال أي طائعين ومكرهين والطوع الانقياد والاتباع بسهولة والكره ما فيه مشقة وهو من أسلم مخافة القتل وإسلامه استسلام منه
آل عمران : ( 84 ) قل آمنا بالله . . . . .
قوله ) آمنا ( إخبار منه ( صلى الله عليه وسلم ) عن نفسه وعن أمته ) لا نفرق بين أحد منهم ( كما فرقت اليهود والنصارى فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وقد تقدم تفسير هذه الآية ) ونحن له مسلمون (


"""""" صفحة رقم 358 """"""
أي منقادون مخلصون
آل عمران : ( 84 ) قل آمنا بالله . . . . .
قوله ) دينا ( مفعول للفعل أي يبتغ دينا حال كونه غير الإسلام ويجوز أن ينتصب غير الإسلام على أنه مفعول الفعل ودينا إما تمييز أو حال إذا أول بالمشتق أو بدل من غير قوله ) وهو في الآخرة من الخاسرين ( إما في محل نصب على الحال أو جملة مستأنفة أي من الواقعين في الخسران يوم القيامة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الطبراني بسند ضعيف عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) وله أسلم من في السماوات والأرض ( قال أما من في السموات فالملائكة وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام وأما كرها فمن أتى به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون وأخرج الديلمي عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الآية ( الملائكة أطاعوه في السماء والأنصار وعبدالقيس أطاعوه في الأرض ) وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال في الآية ( اسلم من في السموات والأرض ) حين أخذ عليهم الميثاق وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) وله أسلم ( قال المعرفة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال أما المؤمن فأسلم طائعا فنفعه ذلك وقبل منه وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله فلم ينفعه ذلك ولم يقبل منه ) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرءوا في أذنه ) أفغير دين الله يبغون ( ) وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن يونس بن عبيد قال ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقرأ في أذنها ) أفغير دين الله يبغون ( الآية إلا ذلت بإذن الله عز وجل وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول يا رب أنا الصلاة فيقول إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول يا رب أنا الصدقة فيقول إنك على خير ويجيء الصيام فيقول أنا الصيام فيقول إنك على خير ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله إنك على خير ثم يجيء الإسلام فيقول يا رب أنت السلام وأنا الإسلام فيقول إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي قال الله تعالى في كتابه ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (
آل عمران 86 91
آل عمران : ( 86 ) كيف يهدي الله . . . . .
قوله ) كيف يهدي الله قوما ( هذا الاستفهام معناه الجحد أي لا يهدي الله ونظيره قوله تعالى ) كيف يكون للمشركين عهد عند الله ( أي لا عهد لهم ومثله قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 359 """"""
كيف نومي على الفراش ولما
تشمل الشام غارة شعواء
أي لا نوم لي ومعنى الآية لا يهدي الله قوما إلى الحق كفروا بعد إيمانهم وبعد ما شهدوا أن الرسول حق وبعد ما جاءتهم البينات من كتاب الله سبحانه ومعجزات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( جملة حالية أي كيف يهدي المرتدين والحال أنه لا يهدي من حصل منهم مجرد الظلم لأنفسهم ومنهم الباقون على الكفر ولا ريب أن ذنب المرتد أشد من ذنب من هو باق على الكفر لأن المرتد قد عرف الحق ثم أعرض عنادا وتمردا
آل عمران : ( 87 ) أولئك جزاؤهم أن . . . . .
قوله ) أولئك ( إشارة إلى القوم المتصفين بتلك الصفات السابقة وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده وقد تقدم تفسير اللعن
آل عمران : ( 88 ) خالدين فيها لا . . . . .
وقوله ) ولا هم ينظرون ( معناه يؤخرون ويمهلون
آل عمران : ( 89 ) إلا الذين تابوا . . . . .
ثم استثنى التائبين فقال ) إلا الذين تابوا من بعد ذلك ( أي من بعد الارتداد ) وأصلحوا ( بالإسلام ما كان قد أفسدوه من دينهم بالردة وفيه دليل على قبول توبة المرتد إذا رجع إلى الإسلام مخلصا ولا خلاف في ذلك فيما أحفظ
آل عمران : ( 90 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ) ثم ازدادوا كفرا ( قال قتادة وعطاء الخراساني والحسن نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) بعد إيمانهم بنعته وصفته ) ثم ازدادوا كفرا ( بإقامتهم على كفرهم وقيل ازدادوا كفرا بالذنوب التي اكتسبوها ورجحه ابن جرير الطبري وجعلها في اليهود خاصة وقد استشكل جماعة من المفسرين قوله تعالى ) لن تقبل توبتهم ( مع كون التوبة مقبولة كما في الآية الأولى وكما في قوله تعالى ) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( وغير ذلك فقيل المعنى لن تقبل توبتهم عند الموت قال النحاس وهذا قول حسن كما قال تعالى ) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ( وبه قال الحسن وقتادة وعطاء ومنه الحديث إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر وقيل المعنى لمن تقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا لأن الكفر أحبط وقيل لمن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر والأولى أن يحمل عدم قبولهم التوبة في هذه الآية على من مات كافرا غير تائب فكأنه عبر عن الموت على الكفر بعدم قبول التوبة
آل عمران : ( 91 ) إن الذين كفروا . . . . .
وتكون الآية المذكورة بعد هذه الآية وهي قوله ) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ( في حكم البيان لها قوله ) ملء الأرض ذهبا ( الملء بالكسر مقدارا ما يملأ الشيء والملء بالفتح مصدر ملأت الشيء وذهبا تمييز قاله الفراء وغيره وقال الكسائي نصب على إضمار من ذهب كقوله ) أو عدل ذلك صياما ( أي من صيام وقرأ الأعمش ( ذهب ) بالرفع على انه بدل من ملء والواو في قوله ( ولو افتدى به ) قيل هي مقحمة زائدة والمعنى لو افتدى به وقيل فيه حمل على الغنى كأنه قيل فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا وقيل هو عطف على مقدر أي لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو تصدق به في الدنيا ولو افتدى به من العذاب أي بمثله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين ثم ندم فارسل إلى قومه ارسلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل لي من توبة فنزلت ) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ( إلى قوله ) غفور رحيم ( فأرسل إليه قومه فأسلم وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وقال هو الحارث بن سويد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن السدي نحوه وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس نحوه أيضا وقد روى عن جماعة نحوه أيضا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ( قال هم أهل الكتاب من اليهود عرفوا محمدا ثم كفروا به


"""""" صفحة رقم 360 """"""
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى وذكر نحو ما تقدم عنه وأخرج البزار عن ابن عباس أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم فذكروا ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية ) إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا ( قال السيوطي هذا خطأ من البزار وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال اليهود والنصارى لن تقبل توبتهم عند الموت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هم اليهود كفروا بالإنجيل وعيسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال إنما نزلت في اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا بذنوب أذنبوها ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم ولو كانوا على الهدى قبلت توبتهم ولكنهم على الضلالة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ثم ازدادوا كفرا ( قال نموا على كفرهم وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) ثم ازدادوا كفرا ( قال ماتوا وهم كفار ) لن تقبل توبتهم ( قال إذا تاب عند موته لم تقبل توبته وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) لن تقبل توبتهم ( قال تابوا من الذنوب ولم يتوبوا من الأصل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) وماتوا وهم كفار ( قال هو كل كافر وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به فيقول نعم فيقال له لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك فذلك قوله تعالى ) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ( الآية )
آل عمران 92
آل عمران : ( 92 ) لن تنالوا البر . . . . .
هذا كلام مستأنف خطاب للمؤمنين عقب ذكر ما لا ينفع الكفار قوله ) لن تنالوا البر ( يقال نالني من فلان معروف ينالني أي وصل إلي والنوال العطاء من قولك نولته تنويلا أعطيته والبر العمل الصالح وقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء ومجاهد وعمرو بن ميمون والسدي هو الجنة فمعنى الآية لن تنالوا العمل الصالح أو الجنة أي تصلوا إلى ذلك وتبلغوا إليه حتى تنفقوا مما تحبون أي حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها و ( من ) تبعيضية ويؤيده قراءة ابن مسعود ( حتى تنفقوا بعض ما تحبون ) وقيل بيانية ( وما ) موصولة أو موصوفة والمراد النفقة في سبيل الخير من صدقة أو غيرها من الطاعات وقيل المراد الزكاة المفروضة وقوله ) من شيء ( بيان لقوله ) وما تنفقوا ( أي ما تنفقوا من أي شيء سواء كان طيبا أو خبيثا ) فإن الله به عليم ( وما شرطية جازمة وقوله ) فإن الله به عليم ( تعليل لجواب الشرط واقع موقعه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس ( أن أبا طلحة لما نزلت هذه الآية أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله إن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة ) الحديث وقد روى بألفاظ وأخرج عبد بن حميد والبزار عن ابن عمر قال حضرتني هذه الآية ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( فذكرت ما أعطاني الله فلم أجد شيئا أحب إلي من مرجانة جارية لي رومية فقلت هي حرة لوجه الله فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها فأنكحتها نافعا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء فدعا بها عمر فقال إن الله يقول ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( فأعتقها عمر وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم إنها لما نزلت الآية جاء زيد بن حارثة بفرس


"""""" صفحة رقم 361 """"""
له يقال لها سبل لم يكن له مال أحب إليه منها فقال هي صدقة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله تعالى ) لن تنالوا البر ( قال الجنة وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون والسدي مثله وأخرج ابن المنذر عن مسروق مثله
آل عمران 93 95
آل عمران : ( 93 ) كل الطعام كان . . . . .
قوله ) كل الطعام ( أي المطعوم والحل مصدر يستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث وهو الحلال وإسرائيل هو يعقوب كما تقدم تحقيقه ومعنى الآية أن كل المطعومات كانت حلالا لبني يعقوب لم يحرم عليهم شيء منها إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وسيأتي بيان ما هو الذي حرمه على نفسه وهذا الاستثناء متصل من اسم كان وقوله ) من قبل أن تنزل التوراة ( متعلق بقوله ) كان حلا ( أي أن كل المطعومات كانت حلالا ) من قبل أن تنزل التوراة ( أي كان ما عدا المستثنى حلالا لهم ) من قبل أن تنزل التوراة ( مشتملة على تحريم ما حرمه عليهم لظلمهم وفيه رد على اليهود لما أنكروا ما قصه الله سبحانه على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) من أن سبب ما حرمه الله عليهم هو ظلمهم وبغيهم كما في قوله ) فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ( الآية وقوله ) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ( إلى قوله ) ذلك جزيناهم ببغيهم ( وقالوا إنها محرمة على من قبلهم من الأنبياء يريدون بذلك تكذيب ما قصه الله على نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) في كتابه العزيز ثم أمره الله سبحانه بأن يحاجهم بكتابهم ويجعل بينه وبينهم حكما ما أنزله الله عليهم لا ما أنزله عليه فقال ) قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( حتى تعلموا صدق ما قصه الله في القرآن من أنه لم يحرم على بني إسرائيل شيء من قبل نزول التوراة إلا ما حرمه يعقوب على نفسه وفي هذا من الإنصاف للخصوم ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه
آل عمران : ( 94 ) فمن افترى على . . . . .
ثم قال ) فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك ( أي من بعد إحضار التوراة وتلاوتها ) فأولئك هم الظالمون ( أي المفرطون في الظلم المتبالغون فيه فإنه لا أظلم ممن حوكم إلى كتابه وما يعتقده شرعا صحيحا ثم جادل من بعد ذلك مفتريا على الله الكذب
آل عمران : ( 95 ) قل صدق الله . . . . .
ثم لما كان ما يفترونه من الكذب بعد قيام الحجة عليهم بكتابهم باطلا مدفوعا وكان ما قصه الله سبحانه في القرآن وصدقته التوراة صحيحا صادقا وكان ثبوت هذا الصدق بالبرهان الذي لا يستطيع الخصم دفعه أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بأن ينادى بصدق الله بعد أن سجل عليهم الكذب فقال ) قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم ( أي ملة الإسلام التي أنا عليها وقد تقدم بيان معنى الحنيف وكأنه قال لهم إذا تبين لكم صدقي وصدق ما جئت به فادخلوا في ديني فإن من جملة ما أنزله الله علي ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس أن اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه قال كان يسكن البدو فاشتكى عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا تحريم الإبل وألبانها فلذلك


"""""" صفحة رقم 362 """"""
حرمها قالوا صدقت ) وذكر الحديث وأخرجه أيضا أحمد والنسائي وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في الآية قال العرق أجده عرق النساء فكان يبيت له زق يعني صياح فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل لحما فيه عرق فحرمته اليهود وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبن عباس من قوله ما أخرجه الترمذي سابقا عنه مرفوعا وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول الذي حرم إسرائيل على نفسه زائداتا الكبد والكليتان والشحم إلا ما كان على الظهر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال قالت اليهود للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل فقال الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) وكذبوا ليس في التوراة
آل عمران 96 97
آل عمران : ( 96 ) إن أول بيت . . . . .
هذا شروع في بيان شيء آخر مما جادلت فيه اليهود بالباطل وذلك أنهم قالوا إن بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لكونه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة فرد الله ذلك عليهم بقوله ( إن أول بيت وضع للناس ) الآية فقوله ( وضع ) صفة لبيت وخبر إن قوله ( للذي ببكة ) فنبه تعالى بكونه أول متعبد على أنه أفضل من غيره وقد اختلف في الباني له في الابتداء فقيل الملائكة وقيل آدم وقيل إبراهيم ويجمع بين ذلك بأول من بناه الملائكة ثم جدده آدم ثم إبراهيم وبكة علم للبلد الحرام وكذا مكة وهما لغتان وقيل إن بكة اسم لموضع البيت ومكة اسم للبلد الحرام وقيل بكة للمسجد ومكة للحرم كله قيل سميت بكة لازدحام الناس في الطواف يقال بك القوم ازدحموا وقيل البك دق العنق سميت بذلك لأنها كانت تدق أعناق الجبابرة وأما تسميتها بمكة فقيل سميت بذلك لقلة ما بها وقيل لأنها تمك المخ من العظم بما ينال ساكنها من المشقة ومنه مككت العظم إذا أخرجت ما فيه ومك الفصيل ضرع أمه وامتكه إذا امتصه وقيل سميت بذلك لأنها تمك من ظلم فيها أي تهلكه قوله ) مباركا ( حال من الضمير في وضع أو من متعلق الظرف لأن التقدير للذي استقر ببكة مباركا والبركة كثرة الخير الحاصل لمن يستقر فيه أو يقصده أي الثواب المتضاعف
آل عمران : ( 97 ) فيه آيات بينات . . . . .
والآيات البينات الواضحات منها الصفا والمروة ومنها أثر القدم في الصخرة الصماء ومنها أن الغيث إذا كان بناحية الركن اليماني كان الخصب في اليمن وإن كان بناحية الشامي كان الخصب بالشام وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان ومنها انحراف الطيور عن أن تمر على هوائه في جميع الأزمان ومنها هلاك من يقصده من الجبابرة وغير ذلك وقوله ) مقام إبراهيم ( بدل من آيات قاله محمد بن يزيد المبرد وقال في الكشاف إنه عطف بيان وقال الأخفش إنه مبتدأ وخبره محذوف والتقدير منها مقام إبراهيم وقيل هو خبر مبتدأ محذوف أي هي مقام إبراهيم وقد استشكل صاحب الكشاف بيان الآيات وهي جمع بالمقام وهو فرد وأجاب بأن المقام جعل وحده بمنزلة آيات لقوة شأنه أو بأنه مشتمل على آيات قال ويجوز أن يراد فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله لأن الإثنين نوع من الجمع قوله ) ومن دخله كان آمنا ( جملة مستأنفة لبيان حكم من أحكام الحرم وهو أن من دخله كان آمنا وبه استدل من قال إن من لجأ إلى الحرم وقد وجب عليه حد من الحدود فإنه لا يقام عليه الحد حتى يخرج


"""""" صفحة رقم 363 """"""
منه وهو قول أبي حنيفة ومن تابعه وخالفه الجمهور فقالوا تقام عليه الحدود في الحرم وقد قال جماعة إن الآية خبر في معنى الأمر أي ومن دخله فأمنوه كقوله ) فلا رفث ولا فسوق ولا جدال ( أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا قوله ) ولله على الناس حج البيت ( اللام في قوله ) لله ( هي التي يقال لها لام الإيحاب والإلزام ثم زاد هذا المعنى تأكيدا حرف ) على ( فإنه من أوضح الدلالات على الوجوب عند العرب كما إذا قال القائل لفلان علي كذا فذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ما يدل على الوجوب تأكيدا لحقه وتعظيما لحرمته وهذا الخطاب شامل لجميع الناس لا يخرج عنه إلا من خصصه الدليل كالصبي والعبد وقوله ) من استطاع إليه سبيلا ( في محل جر على أنه بدل بعض من الناس وبه قال أكثر النحويين وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بحج والتقدير أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلا وقيل إن من حرف شرط والجزاء محذوف أي من استطاع إليه سبيلا فعليه الحج وقد اختلف أهل العلم في الإستطاعة ماذا هي فقيل الزاد والراحلة وإليه ذهب جماعة من الصحابة وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وهو الحق قال مالك إن الرجل إذا وثق بقوته لزمه الحج وإن لم يكن له زاد وراحلة إذا كان يقدر على التكسب وبه قال عبدالله بن الزبير والشعبي وعكرمة وقال الضحاك إن كان شابا قويا صحيحا وليس له مال فعليه أن يؤاجر نفسه حتى يقضي حجه ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة دخولا أوليا أن تكون الطريق إلى الحج آمنة بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله الذي لا يجد زادا غيره أما لو كانت غير آمنة فلا استطاعة لأن الله سبحانه يقول ) من استطاع إليه سبيلا ( وهذا الخائف على نفسه أو ماله لم يستطع إليه سبيلا بلا شك ولا شبهة وقد اختلف أهل العلم إذا كان في الطريق من الظلمة من يأخذ بعض الأموال على وجه لا يجحف بزاد الحاج فقال الشافعي لا يعطى حبة ويسقط عنه فرض الحج ووافقه جماعة وخالفه آخرون والظاهر أن من تمكن من الزاد والراحلة وكانت الطريق آمنة بحيث يتمكن من مرورها ولو بمصانعة بعض الظلمة لدفع شيء من المال يتمكن منه الحاج ولا ينقص من زاده ولا يجحف به فالحج غير ساقط عنه بل واجب عليه لأنه قد استطاع السبيل بدفع شيء من المال ولكنه يكون هذا المال المدفوع في الطريق من جملة ما تتوقف عليه الاستطاعة فلو وجد الرجل زادا وراحلة ولم يجد ما يدفعه لمن يأخذ المكس في الطريق لم يجب عليه الحج لأنه لم يستطع إليه سبيلا وهذا لا بد منه ولا ينافي تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة فإنه قد تعذر المرور في طريق الحج لمن وجد الزاد والراحلة إلا بذلك القدر الذي يأخذه المكاسون ولعل وجه قول الشافعي إنه سقط الحج أن أخذ هذا المكس منكر فلا يجب على الحاج أن يدخل في منكر وأنه بذلك غير مستطيع ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة أن يكون الحاج صحيح البدن على وجه يمكنه الركوب فلو كان زمنا بحيث لا يقدر على المشي ولا على الركوب فهذا وإن وجد الزاد والراحلة فهو لم يستطع السبيل قوله ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( قيل إنه عبر بلفظ الكفر عن ترك الحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا على تاركه وقيل المعنى ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجبا وقيل إن من ترك الحج وهو قادر عليه فهو كافر وفي قوله ) فإن الله غني عن العالمين ( من الدلالة على مقت تارك الحج مع الاستطاعة وخذلانه وبعده من الله سبحانه ما يتعاظمه سامعه ويرجف له قلبه فإن الله سبحانه إنما شرع لعباده هذه الشرائع لنفعهم ومصلحتهم وهو تعالى شأنه وتقدس سلطانه غنى لا تعود إليه طاعات عبادة بأسرها بنفع
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله ) إن أول بيت ( الآية قال كانت البيوت قبله ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذر قال ( قلت


"""""" صفحة رقم 364 """"""
يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون سنة ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال ( خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة وكان إذ كان عرشه على الماء زبدة بيضاء وكانت الأرض تحته كأنها حشفة فدحيت الأرض من تحته ) وأخرج نحوه ابن المنذر عن أبي هريرة وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن ابن جريج قال بلغنا أن اليهود قالت بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء ولأنه في الأرض المقدسة فقال المسلمون بل الكعبة أعظم فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) إن أول بيت ( الآية إلى قوله ) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ( وليس ذلك في بيت المقدس ) ومن دخله كان آمنا ( وليس ذلك في بيت المقدس ) ولله على الناس حج البيت ( وليس ذلك في بيت المقدس وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن عبدالله ابن الزبير قال إنما سميت بكة لأن الناس يجيئون إليها من كل جانب حجاجا وروى سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي عن مجاهد إنما سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ابن حبان في قوله ) مباركا ( قال جعل فيه الخير والبركة ) وهدى للعالمين ( يعني بالهدى قبلتهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ) فيه آيات بينات ( فمنهن مقام إبراهيم والمشعر وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) فيه آيات بينات ( قال مقام إبراهيم ) ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت ( وأخرج الأزرقي عن زيد بن أسلم نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ومن دخله كان آمنا ( قال كان هذا في الجاهلية كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يطلب فأما في الإسلام فإنه لا يمنع من حدود الله من سرق فيه قطع ومن زنى فيه أقيم عليه الحد ومن قتل فيه قتل وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والأزرقي عن عمر بن الخطاب قال لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ومن دخله كان آمنا ( قال من عاذ بالبيت أعاذه البيت ولكن لا يؤوي ولا يطعم ولا يسقى فإذا خرج أخذ بذنبه وقد روى عنه هذا المعنى من طرق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه قال لو وجدت قاتل أبي في الحرم لم أعرض له وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال لو وجدت قاتل أبي في الحرم ما هجته وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي شريح العدوي قال قام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الغد من يوم الفتح فقال ( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقولوا إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها أمس ) وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أنس ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن قوله ) من استطاع إليه سبيلا ( فقيل ما السبيل قال الزاد والراحلة ) وأخرج الشافعي وعبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر مرفوعا أنه قام رجل فقال ما السبيل فقال الزاد والراحلة وأخرج الدارقطني والبيهقي في سننهما من طريق الحسن عن أمه عن عائشة قالت ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما السبيل إلى الحج قال الزاد والراحلة ) وأخرج الدارقطني في سننه عن ابن مسعود مرفوعا مثله وأخرج الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا مثله وأخرج الدارقطني عن جابر مرفوعا مثله وقد روى هذا الحديث من طرق أقل أحواله أن يكون حسنا لغيره فلا يضره ما وقع من الكلام على بعض طرقه كما هو


"""""" صفحة رقم 365 """"""
معروف وأخرج الدارقطني عن علي مرفوعا في الآية ( أنه سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال تجد ظهر بعير ) وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمر بن الخطاب في قوله ) من استطاع إليه سبيلا ( قال الزاد والراحلة وأخرجا عن ابن عباس مثله وأخرجه عنه مرفوعا ابن ماجة والطبراني وابن مردويه وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عنه قال السبيل أن يصح بدن العبد ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عنه قال ) سبيلا ( من وجد إليه سعة ولم يحل بينه وبينه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبدالله بن الزبير قال الاستطاعة القوة وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن النخعي قال إن المحرم للمرأة من السبيل الذي قال الله وقد ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) النهي للمرأة أن تسافر بغير ذي محرم واختلفت الأحاديث في قدر المدة ففي لفظ ثلاثة وأيام وفي لفظ يوم وليلة وفي لفظ بريد
تشديد الوعيد على من يحج وهو مستطيع
وقد وردت أحاديث في تشديد الوعيد على من ملك زادا وراحلة ولم يحج فأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج بيت الله فلا عليه بأن يموت يهوديا أو نصرانيا ) وذلك بأن الله يقول ) ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( وفي إسناده هلال الخراساني أبو هاشم قال البخاري منكر الحديث وقيل مجهول وقال ابن عدي هذا الحديث ليس بمحفوظ وفي إسناده أيضا الحارث الأعور وفيه ضعف وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في كتاب الإيمان وأبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت على أي حال شاء يهوديا أو نصرانيا ) وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالرحمن بن سابط مرفوعا مرسلا مثله وأخرج سعيد بن منصور قال السيوطي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فلينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين وأخرج الإسماعيلي عنه يقول ( من أطاق الحج ولم يحج فسواء عليه يهوديا مات أو نصرانيا ) قال ابن كثير بعد أن ساق إسناده وهذا إسناد صحيح وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عنه نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر ( من مات وهو موسر ولم يحج جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب كافر ) وأخرج سعيد بن منصور عنه ( من وجد إلى الحج سبيلا سنة ثم سنة ثم سنة ثم مات ولم يحج لم يصل عليه ولا يدري مات يهوديا أو نصرانيا ) وأخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ومن كفر فإن الله غني ( قال من زعم أنه ليس بفرض عليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال من كفر بالحج فلم ير حجه برا ولا تركه مأثما وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عكرمة قال لما نزلت ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا ( قالت اليهود فنحن مسلمون فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله فرض على المسلمين حج البيت فقالوا لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا قال الله ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( )
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال ( لما نزلت آية الحج ) ولله على الناس حج البيت ( الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 366 """"""
وسلم أهل الملل مشركي العرب والنصارى واليهود والمجوس والصابئين فقال إن الله فرض عليكم الحج فحجوا البيت فلم يقبله إلا المسلمون وكفرت به خمس ملل قالوا لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نستقبله فأنزل الله ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( ) وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في سننه عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي داود نفيع قال ( قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولله على الناس حج البيت ( الآية فقام رجل من هذيل فقال يا رسول الله من تركه كفر فقال من تركه لا يخاف عقوبته ومن حج لا يرجو ثوابه فهو ذاك ) وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح في الآية قال من كفر بالبيت وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله الله ) ومن كفر ( قال من كفر بالله واليوم الآخر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد مثله من قوله وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه سئل عن ذلك فقرأ ) إن أول بيت وضع للناس ( إلى قوله ) سبيلا ( ثم قال ) ومن كفر ( بهذه الآيات وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في الآية قال ) ومن كفر ( فلم يؤمن به فهو الكافر
آل عمران 98 103
آل عمران : ( 98 ) قل يا أهل . . . . .
قوله ) قل يا أهل الكتاب ( خطاب لليهود والنصارى والاستفهام في قوله ) لم تكفرون ( للإنكار والتوبيخ وقوله ) والله شهيد على ما تعملون ( جملة حالية مؤكدة للتوبيخ والإنكار وهكذا المجيء بصيغة المبالغة في شهيد يفيد مزيد التشديد والتهويل
آل عمران : ( 99 ) قل يا أهل . . . . .
والاستفهام في قوله ) لم تصدون ( يفيد ما افاده الاستفهام الأول وقرأ الحسن ( تصدون ) من أصد وهما لغتان مثل صد اللحم وأصد إذا تغير وأنتن وسبيل الله دينه الذي ارتضاه لعباده وهو دين الإسلام والعوج الميل والزيغ يقال عوج بالكسر إذا كان في الدين والقول والعمل وبالفتح في الأجسام كالجدار ونحوه روى ذلك عن أبي عبيدة وغيره ومحل قوله ) تبغونها عوجا ( النصب على الحال والمعنى تطلبون لها اعوجاجا وميلا عن القصد والاستقامة بإبهامكم على الناس بأنها كذلك تثقيفا لتحريفكم وتقويما لدعاويكم


"""""" صفحة رقم 367 """"""
الباطلة وقوله ) وأنتم شهداء ( جملة حالية أي كيف تطلبون ذلك بملة الإسلام والحال أنكم تشهدون أنها دين الله الذي لا يقبل غيره كما عرفتم ذلك من كتبكم المنزلة على أنبيائكم قيل إن في التوراة أن دين الله الذي لا يقبل غيره الإسلام وأن فيه نعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد ) وأنتم شهداء ( أي عقلاء وقيل المعنى وأنتم شهداء بين أهل دينكم مقبولون عندهم فكيف تأتون بالباطل الذي يخالف ما أنتم عليه بين أهل دينكم ثم توعدهم سبحانه بقوله ) وما الله بغافل عما تعملون )
آل عمران : ( 100 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم خاطب سبحانه المؤمنين محذرا لهم عن طاعة اليهود والنصارى مبينا لهم أن تلك الطاعة تفضي إلى أن يردونهم بعد إيمانهم كافرين وسيأتي بيان سبب نزول الآية
آل عمران : ( 101 ) وكيف تكفرون وأنتم . . . . .
والاستفهام في قوله ) وكيف تكفرون ( للإنكار أي من أين يأتيكم ذلك ولديكم ما يمنع منه ويقطع أثره وهو تلاوة آيات الله عليكم وكون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أظهركم ومحل قوله ) وأنتم ( وما بعده النصب على الحال ثم أرشدهم إلى الاعتصام بالله ليحصل لهم بذلك الهداية إلى الصراط المستقيم الذي هو الإسلام وفي وصف الصراط الاستقامة رد على ما ادعوه من العوج قال الزجاج يجوز أن يكون هذا الخطاب لأصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان فيهم وهم يشاهدونه ويجوز أن يكون هذا الخطاب لجميع الأمة لأن آثاره وعلامته والقرآن الذي أوتيه فينا فكأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فينا وإن لم نشاهده انتهى ومعنى الاعتصام بالله التمسك بدينه وطاعته وقيل بالقرآن يقال اعتصم به واستعصم وتمسك واستمسك إذا امتنع به من غيره وعصمه الطعام منع الجوع منه
آل عمران : ( 102 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) اتقوا الله حق تقاته ( أي التقوى التي تحق له وهي أن لا يترك العبد شيئا مما يلزمه فعله ولا يفعل شيئا مما يلزمه تركه ويبذل في ذلك جهده ومستطاعه قال القرطبي ذكر المفسرون أنها لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله من يقوى على هذا وشق عليهم ذلك فأنزل الله ) فاتقوا الله ما استطعتم ( فنسخت هذه الآية روى ذلك عن قتادة وعن الربيع وابن زيد قال مقاتل وليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذا وقيل إن قوله ) اتقوا الله حق تقاته ( مبين بقوله ) فاتقوا الله ما استطعتم ( والمعنى اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم قال وهذا أصوب لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع والجمع ممكن فهو أولى قوله ) ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( أي لا تكونن على حال سوى حال الإسلام فالاستثناء مفرغ ومحل الجملة أعني قوله ) وأنتم مسلمون ( النصب على الحال وقد تقدم في البقرة تفسير مثل هذه الآية
آل عمران : ( 103 ) واعتصموا بحبل الله . . . . .
قوله ) واعتصموا بحبل الله جميعا ( الحبل لفظ مشترك وأصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية وهو إما تمثيل أو استعارة أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن ونهاهم عن التفرق الناشيء عن الاختلاف في الدين ثم أمرهم بأن يذكروا نعمة الله عليهم وبين لهم من هذه النعمة ما يناسب المقام وهو أنهم كانوا أعداء مختلفين يقتل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا فأصبحوا بسبب هذه النعمة إخوانا وكانوا على شفا حفرة من النار بما كانوا عليه من الكفر فأنقذهم الله من هذه الحفرة بالإسلام ومعنى قوله ) فأصبحتم ( صرتم وليس المراد به معناه الأصلي وهو الدخول في وقت الصباح وشفا كل شيء حرفه وكذلك شفيره وأشفى على الشيء أشرف عليه وهو تمثيل للحالة التي كانوا عليها في الجاهلية وقوله ) كذلك ( إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده أي مثل ذلك البيان البليغ يبين الله لكم وقوله ) لعلكم تهتدون ( إرشاد لهم إلى الثبات على الهدى والازدياد منه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال مر شاس بن قيس وكان شيخا قد عسى في الجاهلية عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من


"""""" صفحة رقم 368 """"""
أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار فأمر فتى شابا معه من يهود فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا يتقاولون فيه من الأشعار وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ففعل فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظى أحد بني حارثة من الأوس وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم والله رددناها الآن جذعة وغضب الفريقان جميعا وقالوا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة والظاهرة الحرة فخرجوا إليها وانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم لهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس وأنزل الله في شأن شاس بن قيس وما صنع ) قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون ( إلى قوله ) وما الله بغافل عما تعملون ( وأنزل في أوس بن قيظى وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا ) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب ( إلى قوله ) وأولئك لهم عذاب عظيم ( وقد رويت هذه القصة مختصرة ومطولة من طرق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) لم تصدون عن سبيل الله ( قال كانوا إذا سألهم أحد تجدون محمدا قالوا لا قال فصدوا الناس عنه وبغوا محمدا عوجا هلاكا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة لم تصدون عن الإسلام وعن نبي الله من آمن بالله وأنتم شهداء فيما تقرءون من كتاب الله أن محمدا رسول الله وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) ومن يعتصم بالله ( قال يؤمن به وأخرجوا عن أبي العالية قال الاعتصام الثقة بالله وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ) اتقوا الله حق تقاته ( قال أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر وقد رواه الحاكم وصححه وابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعا بدون قوله ويشكر فلا يكفر وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال حق تقاته أن يطاع فلا يعصى فلن تستطيعوا فأنزل الله بعد ذلك ) فاتقوا الله ما استطعتم ( وأخرج عبد بن حميد عنه نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) حق تقاته ( قال لم تنسخ ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا يأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني قال السيوطي بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله ) واعتصموا بحبل الله ( قال حبل الله القرآن وقد وردت أحاديث أن كتاب الله


"""""" صفحة رقم 369 """"""
هو حبل الله الممدود وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال ) واعتصموا بحبل الله ( بالإخلاص لله وحده وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال بطاعته وأخرج أيضا عن قتادة قال بعهده وأمره وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال بالإسلام وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) إذ كنتم أعداء ( قال ما كان بين الأوس والخزرج في شأن عائشة وأخرج ابن إسحاق قال كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة حتى قام الإسلام فأطفأ الله ذلك وألف بينهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وكنتم على شفا حفرة من النار ( يقول كنتم على طرف النار من مات منكم وقع في النار فبعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) واستنقذكم به من تلك الحفرة
آل عمران 104 109
آل عمران : ( 104 ) ولتكن منكم أمة . . . . .
قوله ) ولتكن ( قرأه الجمهور بإسكان اللام وقريء بكسر اللام على الأصل ومن في قوله ) منكم ( للتبعيض وقيل لبيان الجنس ورجح الأول بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات يختص بأهل العلم الذين يعرفون كون ما يأمرون به معروفا وينهون عنه منكرا قال القرطبي الأول أصح فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية وقد عينهم الله سبحانه بقوله ) الذين إن مكناهم في الأرض ( الآية وقرأ ابن الزبير ) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( ويستعينون بالله على ما أصابهم قال أبو بكر بن الأنباري وهذه الزيادة تفسير من ابن الزبير وكلام من كلامه غلط فيه بعض الناقلين فألحقه بألفاظ القرآن وقد روى أن عثمان قرأها كذلك ولكن لم يكتبها في مصحفه فدل على أنها ليست بقرآن وفي الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة وأصل عظيم من أصولها وركن مشيد من أركانها وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها وقوله ) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( من باب عطف الخاص على العام إظهار لشرفهما وأنهما الفردان الكاملان من الخير الذي أمر الله عبادة بالدعاء إليه كما قيل في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة وحذف متعلق الأفعال الثلاثة أي يدعون ويأمرون وينهون لقصد التعميم أي كل من وقع منه سبب يقتضي ذلك والإشارة في قوله ) وأولئك ( ترجع إلى الأمة باعتبار إتصافها بما ذكر بعدها ) هم المفلحون ( أي المختصون بالفلاح وتعريف المفلحين للعهد أو للحقيقة التي يعرفها كل أحد
آل عمران : ( 105 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
قوله ) ولا تكونوا كالذين تفرقوا ( هم اليهود والنصارى عند جمهور المفسرين وقيل هم المبتدعة من هذه الأمة وقيل الحرورية والظاهر


"""""" صفحة رقم 370 """"""
الأول والبينات الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة لعدم الاختلاف قيل وهذا النهى عن التفرق والاختلاف يختص بالمسائل الأصولية وأما المسائل الفروعية الاجتهادية فالاختلاف فيها جائز وما زال الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم مختلفين في أحكام الحوادث وفيه نظر فإنه ما زال في تلك العصور المنكر للاختلاف موجودا وتخصيص بعض مسائل الدين بجواز الاختلاف فيها دون البعض الآخر ليس بصواب فالمسائل الشرعية المساوية الأقدام في انتسابها إلى الشرع
آل عمران : ( 106 ) يوم تبيض وجوه . . . . .
وقوله ( يوم تبيض وجوه ) منتصب بفعل مضمر أي اذكر وقيل بما يدل عليه قوله ( لهم عذاب عظيم ) فإن تقديره استقر لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه أي يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم تكون وجوه المؤمنين مبيضة ووجوه الكافرين مسودة ويقال إن ذلك عند قراة الكتاب إذا قرأ المؤمن كتابه رأى حسناته فاستبشروا بيض وجهه وإذا قرأ الكافر كتابه رأى سيئاته فحزن واسود وجهه والتنكير في وجوه للتكثير أي وجوه كثيرة وقرأ يحيى بن وثاب تبيض وتسود بكسر التاءين وقرأ الزهري تبياض وتسواد قوله ( أكفرتم ) أي فيقال لهم أكفرتم والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم وهذا تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإجمال وقدم بيان حال الكافرين لكون المقام تحذير وترهيب قيل هم أهل الكتاب وقيل المرتدون وقيل المنافقون وقيل المبتدعون
آل عمران : ( 107 ) وأما الذين ابيضت . . . . .
قوله ( ففى رحمة الله ) أي في جنته ودار كرامته عبر عن ذلك بالرحمة إشارة إلى أن العمل لا يستقل بدخول صاحبه الجنة بل لا بد من الرحمة ومنه حديث ( لن يدخل أحد الجنة بعمله ) وهو في الصحيح وقوله ( هم فيها خالدون ) جملة استئنافية جواب سؤال مقدر
آل عمران : ( 108 ) تلك آيات الله . . . . .
وتلك إشارة إلى ما تقدم من تعذيب الكافرين وتنعيم المؤمنين وقوله ( نتلوها عليك بالحق ) جملة حالية وبالحق متعلق بمحذوف أي متلبسة بالحق وهو العدل وقوله ( وما الله يريد ظلما للعالمين ) جملة تذييلية مقررة لمضمون ما قبلها وفي توجه النفي إلى الإرادة الواقعة على النكرة دليل على أنه سبحانه لا يريد فردا من أفراد الظلم الواقعة على فرد من أفراد العالم
آل عمران : ( 109 ) ولله ما في . . . . .
والمراد بما في السموات وما في الأرض مخلوقاته سبحانه أي له ذلك يتصرف فيه كيف يشاء وعلى ما يريد وعبر بما تغليبا لغير العقلاء على العقلاء لكثرتهم أو لتنزيل العقلاء منزلة غيرهم قال المهدوى وحه اتصال هذا بما قبله أنه لما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين وأنه لا يريد ظلما للعالمين وصله بذكر اتساع قدرته وغناه عن الظلم لكون ما في السموات وما في الأرض في قبضته وقيل هو ابتداء كلام يتضمن البيان لعباده بأن جميع ما في السموات وما في الأرض له حتى يسألوه ويعبدوه ولايعبدوا غيره وقوله ( وإلى الله ترجع الأمور ) أي لا إلى غيره لا شركة ولا استقلالا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي جعفر الباقر قال ( قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) قال الخير اتباع القرآن وسنتى ) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال كل آية ذكرها الله في القرآن في الأمر بالمعروف فهو الإسلام والنهى عن المنكر فهو عبادة الأوثان والشيطان انتهى وهو تخصيص بغير مخصص فليس في في لغة العرب ولا في عرف الشرع ما يدل على ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال ( يدعون إلى الخير ) أي الإسلام ( ويأمرون بالمعروف ) بطاعة ربهم ( وينهون عن المنكر ) عن معصية ربهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال هم أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وهم الرواة انتهى ولا أدري ما وجه هذا التخصيص فالخطاب في هذه الآية كالخطاب بسائر الأمور التى شرعها الله لعباده وكلفهم بها وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت


"""""" صفحة رقم 371 """"""
النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ) وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاوية مرفوعا نحوه وزاد ( كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وأخرج الحاكم عن عبدالله بن عمرو مرفوعا نحوه أيضا وزاد كلها في النار إلاملة واحدة فقيل له ما الواحدة قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) وأخرج ابن ماجه عن عوف بن مالك مرفوعا نحوه وفيه ( فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار ) قيل يا رسول الله من هم قال الجماعة ) وأخرجه أحمد من حديث أنس وفيه ( قيل يا رسول الله من تلك الفرقة قال الجماعة ) وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفي الأمر بالكون في الجماعة والنهى عن الفرقة وأخرج ابن أبي حاتم والخطيب عن ابن عباس في قوله ( يوم تبيض وجوه ) قال تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدع والضلالة وأخرجه الخطيب والديلمى عن ابن عمر مرفوعا وأخرجه أيضا مرفوعا أبو نصر السجزى في الإبانة عن أبي سعيد وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في الآية قال صاروا فرقتين يوم القيامة يقال لمن أسود وجهه أكفرتم بعد إيمانكم فهو الإيمان الذي كان في صلب آدم حيث كانوا أمة واحدة وأما الذين ابيضت وجوههم فهم الذين استقاموا على إيمانهم وأخلصوا له الدين فبيض الله وجوههم وأدخلوهم في رضوانه وجنته وقد روى غير ذلك
آل عمران 110 112
آل عمران : ( 110 ) كنتم خير أمة . . . . .
قوله ( كنتم خير أمة ) هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هذه الأمة في الفضل على غيرها من الأمم وكان قيل هي التامة أي وجدتم وخلقتم خير أمة ومثله ما أنشده سيبويه وجيران لنا كانوا كرام
ومنه قوله تعالى ) كيف نكلم من كان في المهد صبيا ( وقوله واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وقال الأخفش يريد أهل أمة أي خير أهل دين وأنشد
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
قيل معناه كنتم في اللوح المحفوظ وقيل كنتم منذ آمنتم وفيه دليل على أن هذه الأمة الإسلامية خير الأمم على الإطلاق وأن هذه الخيرية مشتركة ما بين أول هذه الأمة وآخرها بالنسبة إلى غيرها من الأمم وإن كانت متفاضلة في ذات بينها كما ورد في فضل الصحابة على غيرهم قوله ( أخرجت للناس ) أي أظهرت لهم وقوله ( تأمرون بالمعروف ) إلخ كلام مستأنف يتضمن بيان كونهم خير أمة مع ما يشتمل عليه من أنهم خير أمة ما أقاموا على ذلك واتصفوا به فإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر زال عنهم ذلك ولهذا قال مجاهد إنهم خير أمة على الشرائط المذكورة في الآية وهذا يقتضى أن يكون تأمرون وما بعد في محل نصب على الحال أي كنتم خير أمة حال كونكم آمرين ناهين مؤمنين بالله وبما يجب عليكم الإيمان به من كتابه ورسوله وما شرعه


"""""" صفحة رقم 372 """"""
لعباده فإنه لا يتم الإيمان بالله سبحانه إلا بالإيمان بهذه الأمور قوله ( ولو آمن أهل الكتاب ) أي اليهود إيمانا كإيمان المسلمين بالله ورسله وكتبه ( لكان خيرا لهم ) ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل قالوا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ثم بين حال أهل الكتاب بقوله ( منهم المؤمنون ) وهم الذين آمنوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهم فإنهم آمنوا بما أنزل عليه وما أنزل من قبله ( وأكثرهم الفاسقون ) أي الخارجون عن طريق الحق المتمردون في باطلهم المكذبون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولما جاء به فيكون هذا التفصيل على هذا كلاما مستأنفا جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل هل منهم من آمن فاستحق ما وعده الله
آل عمران : ( 111 ) لن يضروكم إلا . . . . .
قوله ( لن يضروكم إلا أذى ) أي لن يضروكم بنوع من أنواع الضرر إلا بنوع الأذى وهو الكذب والتحريف والبهت ولا يقدرون على الضرر الذي هو الضرر في الحقيقة بالحرب والنهب ونحوهما فالاستثناء مفرغ وهذا وعد من الله لرسوله وللمؤمنين أن أهل الكتاب لا يغلبونهم وأنهم منصورون عليهم وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لن يضروكم ألبتة لكن يؤذونكم ثم بين سبحانه ما نفاه من الضرر بقوله ( وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ) أي ينهزمون ولا يقدرون على مقاومتكم فضلا عن أن يضروكم وقوله ) ثم لا ينصرون ( عطف على الجملة الشرطية أي ثم لا يوجد لهم نصر ولايثبت لهم غلب في حال من الأحوال بل شأنهم الخذلان ما داموا وقد وجدنا ما وعدنا سبحانه حقا فإن اليهود لم تخفق لهم راية نصر ولا اجتمع لهم جيش غلب بعد نزول هذه الآية فهى من معجزات النبوة
آل عمران : ( 112 ) ضربت عليهم الذلة . . . . .
قوله ( ضربت عليهم الذلة ) قد تقدم في البقرة معنى هذا التركيب والمعنى صارت الذلة محيطة بهم في كل حال وعلى كل تقدير في أي مكان وجدوا ( إلا بحبل من الله ) أي إلا ان يعتصموا بحبل من الله قاله الفراء أي بذمة الله أو بكتابه ( وحبل من الناس ) أي بذمة من الناس وهم المسلمون وقيل المراد بالناس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( وباءوا ) أي رجعوا ( بغضب من الله ) وقيل احتملوا وأصل معناه في اللغة اللزوم والاستحقاق أي لزمهم غضب من الله هم مستحقون له ومعنى ضرب المسكنة إحاطتها بهم من جميع الجوانب وهكذا حال اليهود فإنهم تحت الفقر المدقع والمسكنة الشديدة إلا النادر الشاذ منهم والإشارة بقوله ذلك إلى ما تقدم من ضرب الذلة والمسكنة والغضب أي وقع عليهم ذلك بسبب أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق والإشارة بقوله ذلك إلى الكفر وقتل الأنبياء بسبب عصيانهم لله واعتدائهم لحدوده ومعنى الآية أن الله ضرب عليهم الذلة والمسكنة والبواء بالغضب منه لكونهم كفروا بآياته وقتلوا أنبياءه بسبب عصيانهم واعتدائهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ( كنتم خير أمة ) قال هم الذين هاجروا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في الآية قال قال عمر بن الخطاب لو شاء الله لقال أنتم فكنا كلنا ولكن قال كنتم في خاصة أصحاب محمد ومن صنعهم مثل صنعهم كانوا خير أمة أخرجت للناس وفي لفظ عنه أنه قال يكون لأولنا ولا يكون لآخرنا وأخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ثم قال يا أيها الناس من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله منها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في الآية قال نزلت في ابن مسعود وعمار بن ياسر وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة في الآية قال خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حمد وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن معاوية بن حيدة أنه سمع النبي صلى الله


"""""" صفحة رقم 373 """"""
عليه وآله وسلم يقول في الآية إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها وروى من حديث معاذ وأبي سعيد نحوه وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما أنه يدخل من هذه الأمة الجنة سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب وهذا من فوائد كونها خير الأمم وأخرج ابن جرير عن الحسن ( لن يضروكم إلا أذى ) قال تسمعون منهم كذبا على الله يدعونكم إلى الضلالة وأخرج أيضا عن ابن جريج قال إشراكهم في عزير وعيسى والصليب وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة ( ضربت عليهم الذلة ) قالا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وروى ابن المنذر عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( إلا بحبل من الله وحبل من الناس ) قال بعهد من الله وعهد من الناس
آل عمران 113 11
آل عمران : ( 113 ) ليسوا سواء من . . . . .
قوله ) ليسوا سواء ( أي أهل الكتاب غير مستوين بل مختلفين والجملة مستأنفة سبقت لبيان التفاوت بين أهل الكتاب وقوله ) أمة قائمة ( هو استئناف أيضا يتضمن بيان الجهة التي تفاوتوا فيها من كون بعضهم أمة قائمة إلى قوله ) من الصالحين ( قال الأخفش التقدير من أهل الكتاب ذو أمة أي ذو طريقة حسنة وأنشد وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
وقيل في الكلام حذف والتقدير من أهل الكتاب أمة قائمة واخرى غير قائمة فترك الأخرى اكتفاء بالأولى كقول أبي ذؤيب
عصيت إليها القلب اني لأمرها مطيع فما أدري أرشد طلابها
أراد أرشد أم غي قال الفراء أمة رفع بسواء والتقدير ليس يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة قال النحاس وهذا القول خطأ من جهات أحدها أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شيء ويرفع بما ليس جاريا على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرة فليس لإضمار هذا وجه وقال أبو عبيدة هذا مثل قولهم أكلوني البراغيث وذهبوا أصحابك قال النحاس وهذا غلط لأنه قد تقدم ذكرهم وأكلوني البراغيث لم يتقدم لهم ذكر انتهى
وعندي أن ما قاله الفراء قوي قويم وحاصله أن معنى الآية لا يستوي أمة من أهل الكتاب شأنها كذا وأمة أخرى شأنها كذا وليس تقدير هذا المحذوف من باب تقدير ما لا حاجة إليه كما قال النحاس فإن تقدم ذكر الكافرة لا يفيد مفاد تقدير ذكرها هنا وأما قوله إنه لا يعود على اسم ليس شيء فيرده أن تقدير العائد شائع


"""""" صفحة رقم 374 """"""
مشتهر عند أهل الفن وأما قوله ويرفع بما ليس جاريا على الفعل فغير مسلم والقائمة المستقيمة العادلة من قولهم أقمت العود فقام أي استقام وقوله ) يتلون ( في محل رفع على أنه صفة ثانية لأمة ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال ) آناء الليل ( ساعاته وهو منصوب على الظرفية وقوله ) وهم يسجدون ( ظاهره أن التلاوة كائنة منهم في حال السجود ولا يصح ذلك إذا كان المراد بهذه الأمة الموصوفة في الآية هم من قد أسلم من أهل الكتاب لأنه قد صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) النهي عن قراءة القرآن في السجود فلا بد من تأويل هذا الظاهر بأن المراد بقوله ) وهم يسجدون ( وهم يصلون كما قاله الفراء والزجاج وإنما عبر بالسجود عن مجموع الصلاة لما فيه من الخضوع والتذلل وظاهر هذا أنهم يتلون آيات الله في صلاتهم من غير تخصيص لتلك الصلاة بصلاة معينة وقيل المراد بها الصلاة بين العشاءين وقيل صلاة الليل مطلقا
آل عمران : ( 114 ) يؤمنون بالله واليوم . . . . .
وقوله ) يؤمنون بالله ( صفة أخرى لأمة أي يؤمنون بالله وكتبه ورسله ورأس ذلك الإيمان بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( صفتان أيضا لأمة أي أن هذا من شأنهم وصفتهم وظاهره يفيد أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على العموم وقيل المراد بالأمر بالمعروف هنا أمرهم باتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبالنهي عن المنكر نهيهم عن مخالفته وقوله ) ويسارعون في الخيرات ( من جملة الصفات أيضا أي يبادرون بها غير متثاقلين عن تأديتها لمعرفتهم بقدر ثوابها وقوله ) وأولئك من الصالحين ( أي من جملتهم وقيل من بمعنى مع أي مع الصالحين وهم الصحابة رضي الله عنهم والظاهر أن المراد كل صالح والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الأمة الموصوفة بتلك الصفات
آل عمران : ( 115 ) وما يفعلوا من . . . . .
قوله ) وما تفعلوا من خير ( أي خير كان ) فلن يكفروه ( أي لن تعدموا ثوابه وعداه إلى المفعولين وهو لا يتعدى إلا إلى واحد لأنه ضمنه معنى الحرمان كأنه قيل فلن تحرموه كما قاله صاحب الكشاف قرأ الأعمش وابن وثاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف بالياء التحتية في الفعلين وهي قراءة ابن عباس واختارها أبو عبيد وقرأ الباقون بالمثناة من فوق فيهما وكان أبو عمرو يرى القراءتين جميعا والمراد بالمتقين كل من ثبتت له صفة التقوى وقيل المراد من تقدم ذكره وهم الأمة الموصوفة بتلك الصفة ووضع الظاهر موضع المضمر مدحا لهم ورفعا من شأنهم
آل عمران : ( 116 ) إن الذين كفروا . . . . .
وقوله ) إن الذين كفروا ( قيل هم بنو قريظة والنضير قال مقاتل لما ذكر تعالى مؤمني أهل الكتاب ذكر كفارهم في هذه الآية والظاهر أن المراد بذلك كل من كفر بما يجب الإيمان به ومعنى ) لن تغني ( لن تدفع وخص الأولاد لأنهم أحب القرابة وارجاهم لدفع ما ينوبه
آل عمران : ( 117 ) مثل ما ينفقون . . . . .
وقوله ) مثل ما ينفقون ( بيان لعدم إغناء أموالهم التي كانوا يعولون عليها والصر البرد الشديد أصله من الصرير الذي هو الصوت فهو صوت الريح الشديد وقال الزجاج صوت لهب النار التي في تلك الريح ومعنى الآية مثل نفقة الكافرين في بطلانها وذهابها وعدم منفعتها كمثل زرع أصابه ريح باردة أو نار فأحرقته أو أهلكته فلم ينتفع أصحابه بشيء منه بعد أن كانوا على طمع من نفعه وفائدته وعلى هذا فلا بد من تقدير في جانب المشبه به فيقال كمثل زرع أصابته ريح فيها صر أو مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم ) وما ظلمهم الله ( أي المنفقين من الكافرين ) ولكن أنفسهم يظلمون ( بالكفر المانع من قبول النفقة التي أنفقوها وتقديم المفعول لرعاية الفواصل لا للتخصيص لأن الكلام في الفعل باعتبار تعلقه بالفاعل لا بالمفعول
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس قال لما أسلم عبدالله بن سلام وثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد ومن


"""""" صفحة رقم 375 """"""
أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم ما آمن بمحمد وتبعه إلا شرارنا ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره فأنزل الله ) ليسوا سواء ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) أمة قائمة ( يقول مهتدية قائمة على أمر الله لم تنزع عنه ولم تتركه كما تركه الآخرون وضيعوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم قال ) أمة قائمة ( عادلة وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) آناء الليل ( قال جوف الليل وأخرج ابن جرير عن الربيع قال ساعات الليل وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ) ليسوا سواء ( قال لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد ) يتلون آيات الله آناء الليل ( قال صلاة العتمة هم يصلونها ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصلونها وأخرج أحمد والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني قال السيوطي بسند حسن عن ابن مسعود قال أخر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صلاة العشاء ليلة ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم ولفظ ابن جرير والطبراني فقال إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب قال وأنزلت هذه الآية ) ليسوا سواء ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن منصور قال بلغني أنها نزلت هذه الآية ) يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ( فيما بين المغرب والعشاء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) فلن يكفروه ( قال لن يضل عنكم وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ) فلن يكفروه ( قال لن تظلموه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول ) مثل ما ينفقون ( أي المشركون ولا يتقبل منهم كمثل هذا الزرع إذا زرعه القوم الظالمون فأصابه ريح فيها صر فأهلكته فكذلك أنفقوا فأهلكهم شركهم وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فيها صر ( قال برد شديد
آل عمران 118 120
آل عمران : ( 118 ) يا أيها الذين . . . . .
البطانة مصدر يسمى به الواحد والجمع وبطانة الرجل خاصته الذين يستنبطون أمره وأصله البطن الذي هو خلاف الظهر وبطن فلان بفلان يبطن بطونا وبطانة إذا كان خاصا به ومنه قول الشاعر وهم خلصائي كلهم وبطانتي
وهم عيبتي من دون كل قريب
قوله ) من دونكم ( أي من سواكم قاله الفراء أي من دون المسلمين وهم الكفار أي بطانة كائنة من


"""""" صفحة رقم 376 """"""
دونكم ويجوز أن يتعلق بقوله ) لا تتخذوا ( وقوله ) لا يألونكم خبالا ( في محل نصب صفة لبطانة يقال لا ألوك جهدا أي لا اقصر قال أمرؤ القيس وما المرء ما دامت حشاشة نفسه
بمدرك أطراف الخطوب ولا آل
والمراد لا يقصرون فيما فيه الفساد عليكم وإنما عدى إلى مفعولين لكونه مضمنا معنى المنع أي لا يمنعونكم خبالا والخبال والخبل الفساد في الأفعال والأبدان والعقول قال أوس أبني لبني لستم بيد
إلا يد مخبولة العضد
أي فاسدة العضد قوله ) ودوا ما عنتم ( ما مصدرية أي ودوا عنتكم والعنت المشقة وشدة الضرر والجملة مستأنفة مؤكدة للنهي قوله ) قد بدت البغضاء ( هي شدة البغض كالضراء لشدة الضر والأفواه جمع فم والمعنى أنها قد ظهرت البغضاء في كلامهم لأنهم لما خامرهم من شدة البغض والحسد أظهرت ألسنتهم ما في صدورهم فتركوا التقية وصرحوا بالتكذيب أما اليهود فالأمر في ذلك واضح وأما المنافقون فكان يظهر من فلتات ألسنتهم ما يكشف عن خبث طويتهم وهذه الجملة مستأنفة لبيان حالهم ) وما تخفي صدورهم أكبر ( لأن فلتات اللسان أقل مما تجنه الصدور بل تلك الفلتات بالنسبة إلى ما في الصدور قليلة جدا ثم إنه سبحانه امتن عليهم ببيان الآيات الدالة على وجوب الإخلاص إن كانوا من أهل العقول المدركة لذلك البيان
آل عمران : ( 119 ) ها أنتم أولاء . . . . .
قوله ) ها أنتم أولاء ( جملة مصدرة بحرف التنبيه أي أنتم أولاء الخاطئون في موالاتهم ثم بين خطأهم بتلك الموالاة بهذه الجملة التذييلية فقال ) تحبونهم ولا يحبونكم ( وقيل إن قوله ) تحبونهم ( خبر ثان لقول أنتم وقيل إن اولاء موصول وتحبونهم صلته أن تحبونهم لما أظهروا لكم الإيمان أو لما بينكم وبينهم من القرابة ) ولا يحبونكم ( لما قد استحكم في صدورهم من الغيظ والحسد قوله ) وتؤمنون بالكتاب كله ( أي بجنس الكتاب جميعا ومحل الجملة النصب على الحال أي لا يحبونكم والحال أنكم مؤمنون بكتب الله سبحانه التي من جملتها كتابهم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ لهم شديد لأن من بيده الحق أحق بالصلابة والشدة ممن هو على الباطل ) وإذا لقوكم قالوا آمنا ( نفاقا وتقية ) وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ( تأسفا وتحسرا حيث عجزوا عن الانتقام منكم والعرب تصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل والبنان ثم أمره الله سبحانه بأن يدعو عليهم فقال ) قل موتوا بغيظكم ( وهو يتضمن استمرار غيظهم ما داموا في الحياة حتى يأتيهم الموت وهم عليه ثم قال ) إن الله عليم بذات الصدور ( فهو يعلم ما في صدوركم وصدورهم والمراد بذات الصدور الخواطر القائمة بها وهو كلام داخل تحت قوله ) قل ( فهو من جملة المقول
آل عمران : ( 120 ) إن تمسسكم حسنة . . . . .
قوله ) إن تمسسكم حسنة تسؤهم ( هذه الجملة مستأنفة لبيان تناهي عداوتهم وحسنة وسيئة يعمان كل ما يحسن وما يسوء وعبر بالمس في الحسنة وبالإصابة في السيئة للدلالة على أن مجرد مس الحسنة يحصل به المساءة ولا يفرحون إلا بإصابة السيئة وقيل إن المس مستعار لمعنى الإصابة ومعنى الآية أن من كانت هذه حالته لم يكن أهلا لأن يتخذ بطانة ) وإن تصبروا ( على عداوتهم أو على التكاليف الشاقة ) وتتقوا ( موالاتهم أو ما حرمه الله عليكم ) لا يضركم كيدهم شيئا ( يقال ضاره يضوره ويضيره ضيرا وضيورا بمعنى ضره يضره وبه قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وقرأ الكوفيون وابن عامر لا يضركم بضم الراء وتشديدها من ضر يضر فهو على القراءة الأولى مجزوم على أنه جواب الشرط وعلى القراءة الثانية مرفوع على تقدير إضمار الفاء كما في قول الشاعر من يفعل الحسنان الله يشكرها
قاله الكسائي والفراء وقال سيبويه إنه مرفوع على نية التقديم أي لا يضركم أن تصبروا وحكى أبو زيد عن المفضل عن عاصم ) لا يضركم ( بفتح الراء وشيئا صفة مصدر محذوف


"""""" صفحة رقم 377 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم لخوف الفتنة عليهم منهم ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال هم المنافقون وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال هم الخوارج قال السيوطي وسنده جيد وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وتؤمنون بالكتاب كله ( أي بكتابكم وبكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم فأنتم أحق بالغضاء لهم منهم لكم وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ) إن تمسسكم حسنة ( يعني النصر على العدو والرزق والخير ) تسؤهم وإن تصبكم سيئة ( يعني القتل والهزيمة والجهد
آل عمران 121 129
آل عمران : ( 121 ) وإذ غدوت من . . . . .
العامل في ( إذ ) فعل محذوف أي واذكر إذ غدوت من منزل أهلك أي من المنزل الذي فيه أهلك وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية نزلت في غزوة أحد وقال الحسن في يوم بدر وقال مجاهد ومقاتل والكلبي في غزوة الخندق قوله ) تبوئ ( أي تتخذ لهم مقاعد للقتال وأصل التبوء اتخاذ المنزل يقال بوأته منزلا إذا أسكنته إياه والفعل في محل نصب على الحال ومعنى الآية واذكر إذ خرجت من منزل أهلك تتخذ للمؤمنين مقاعد للقتال أي أماكن يقعدون فيها وعبر عن الخروج بالغدو الذي هو الخروج غدوة مع كونه ( صلى الله عليه وسلم ) خرج بعد صلاة الجمعة كما سيأتي لأنه قد يعبر بالغدو والرواح عن الخروج والدخول من غير اعتبار أصل معناهما كما يقال أضحى وإن لم يكن في وقت الضحى
آل عمران : ( 122 ) إذ همت طائفتان . . . . .
قوله ) إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ( هو بدل من إذ غدوت أو متعلق بقوله تبويء أو بقوله سميع عليم والطائفتان بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وكانا جناحي العسكر يوم أحد والفشل الجبن والهم من الطائفتين كان بعد الخروج لما رجع عبدالله ابن أبي بمن معه من المنافقين فحفظ الله قلوب المؤمنين فلم يرجعوا وذلك قوله ) والله وليهما )
آل عمران : ( 123 ) ولقد نصركم الله . . . . .
قوله ) ولقد نصركم الله ببدر (


"""""" صفحة رقم 378 """"""
جملة مستأنفة سيقت لتصبيرهم بتذكير ما يترتب على الصبر من النصر وبدر اسم لماء كان في موضع الوقعة وقيل هو اسم الموضع نفسه وسيأتي سياق قصة بدر في الأنفال إن شاء الله وأذلة جمع قلة ومعناه أنهم كانوا بسبب قلتهم أذلة وهو جمع ذليل استعير للقلة إذ لم يكونوا في أنفسهم أذلة بل كانوا أعزة والنصر العون وقد شرح أهل التواريخ والسير غزوة بدر وأحد بأتم شرح فلا حاجة لنا في سياق ذلك ها هنا
آل عمران : ( 124 ) إذ تقول للمؤمنين . . . . .
قوله ) إذ تقول ( متعلق بقوله ) نصركم ( والهمزة في قوله ) ألن يكفيكم ( للإنكار منه ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم عدم اكتفائهم بذلك المدد من الملائكة ومعنى الكفاية سد الخلة والقيام بالأمر والإمداد في الأصل إعطاء الشيء حالا بعد حال والمجيء بلن لتأكيد النفي
آل عمران : ( 125 ) بلى إن تصبروا . . . . .
واصل الفور القصد إلى الشيء والأخذ فيه بجد وهو من قولهم فارت القدر تفور فورا وفورانا إذا غلت والفور الغليان وفار غضبه إذا جاش وفعله من فوره أي قبل أن يسكن والفوارة ما يفور من القدر استعير للسرعة أي إن يأتوكم من ساعتهم هذه يمددكم ربكم بالملائكة في حال إتيانهم لا يتأخر عن ذلك قوله ) مسومين ( بفتح الواو اسم مفعول وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي ونافع أي معلمين بعلامات وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم ( مسؤمين ) بكسر الواو اسم فاعل أي معلمين أنفسهم بعلامة ورجح ابن جرير هذه القراءة والتسويم إظهار سيما الشيء قال كثير من المفسرين ( مسومين ) أي مرسلين خيلهم في الغارة وقيل إن الملائكة اعتمت بعمائم بيض وقيل حمر وقيل خضر وقيل صفر فهذه هي العلامة التي علموا بها أنفسهم حكى ذلك عن الزجاج وقيل كانوا على خيل بلق وقيل غير ذلك
آل عمران : ( 126 ) وما جعله الله . . . . .
قوله ) وما جعله الله إلا بشرى لكم ( كلام مبتدأ غير داخل في مقول القول والضمير في قوله جعله للإمداد المدلول عليه بالفعل أو للتسويم أو للإنزال ورجح الأول الزجاج وصاحب الكشاف وقوله ) إلا بشرى ( استثناء مفرغ من أعم العام والبشرى اسم من البشارة أي إلا لتبشروا بأنكم تنصرون ولتطمئن قلوبكم به أي بالإمداد واللام لام كي جعل الله ذلك الإمداد بشرى بالنصر وطمأنينة للقلوب وفي قصر الإمداد عليهما إشارة إلى عدم مباشرة الملائكة للقتال يومئذ ) وما النصر إلا من عند الله ( لا من عند غيره فلا تنفع كثرة المقاتلة ووجود العدة
آل عمران : ( 127 ) ليقطع طرفا من . . . . .
قوله ) ليقطع طرفا من الذين كفروا ( متعلق بقوله ) ولقد نصركم الله ببدر ( وقيل متعلق بقوله ) وما النصر إلا من عند الله ( وقيل متعلق بقوله ) يمددكم ( والطرف الطائفة والمعنى نصركم الله ببدر ليقطع طائفة من الكفار وهم الذين قتلوا يوم بدر أو وما النصر إلا من عند الله ليقطع تلك الطائفة أو يمددكم ليقطع ومعنى يكبتهم يحزنهم والمكبوت المحزون وقال بعض أهل اللغة معناه يكيدهم أي يصيبهم بالحزن والغيظ في أكبادهم وهو غير صحيح فإن معنى كبت أحزن وأغاظ وأذل ومعنى كبد أصاب الكبد ) فينقلبوا خائبين ( أي غير ظافرين بمطلبهم
آل عمران : ( 128 ) ليس لك من . . . . .
قوله ) ليس لك من الأمر شيء ( جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه أي أن الله مالك أمرهم يصنع بهم ما يشاء من الإهلاك أو الهزيمة أو التوبة إن أسلموا أو العذاب فقوله ) أو يتوب عليهم أو يعذبهم ( عطف على قوله أو يكبتهم وقال الفراء إن أو بمعنى إلا أن بمعنى ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب عليهم فتفترح بذلك أو يعذبهم فتشفي بهم
آل عمران : ( 129 ) ولله ما في . . . . .
قوله ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( كلام مستأنف لبيان سعة ملكه ) يغفر لمن يشاء ( أن يغفر له ) ويعذب من يشاء ( أن يعذبه يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( وفي قوله ) والله غفور رحيم ( إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه وتبشير لعباده بأنه المتصف بالمغفرة والرحمة على وجه المبالغة وما أوقع هذا التذييل الجليل وأحبه إلى قلوب العارفين بأسرار التنزيل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن يحيى بن حبان


"""""" صفحة رقم 379 """"""
والحصين بن عبدالرحمن بن أسعد بن معاذ قالوا كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحق به المنافقين ممن كان يظهر الإسلام بلسانه وهو مستخف بالكفر ويوم أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران فيها صفة ما كان في يومه ذلك ومعاتبة من عاتب منهم يقول الله لنبيه ) وإذ غدوت من أهلك ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ) وإذ غدوت من أهلك ( الآية قال يوم أحد وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) تبوئ المؤمنين ( قال توطن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أن الآية في يوم الأحزاب وقد ورد في كتب السير والتاريخ كيفية الاختلاف في المشورة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في يوم أحد فمن قائل نخرج إليهم ومن قائل نبقى في المدينة فخرج وكان من جملة المشيرين عبدالله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين كان رأيه البقاء في المدينة والمقاتلة فيها ثم لما خولف في رأيه انخزل بمن معه من المنافقين وهم قدر الثلث من القوم الذين خرج بهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر قال فينا نزلت في بني حارثة وبني سلمة ) إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ( وما يسرني أنها لم تنزل لقوله ) والله وليهما ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إذ همت طائفتان ( قال ذلك يوم أحد وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال هم بنو حارثة وبنو سلمة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ) ولقد نصركم الله ببدر ( إلى ) بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ( في قصة بدر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) وأنتم أذلة ( يقول وأنتم قليل وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يمد المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله ) ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف ( إلى قوله ) مسومين ( قال فبلغت كرزا فلم يمد المشركين ولم يمد المسلمين بالخمسة وأخرج ابن جرير عن الشعبي لما كان يوم بدر بلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ذكر نحوه إلا أنه قال ) ويأتوكم من فورهم هذا ( يعني كرزا وأصحابه ) يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ( فبلغ كرزا وأصحابه الهزيمة فلم يمدهم ولم ينزل الخمسة وأمدوا بعد ذلك بألف فهم أربعة آلاف واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال أمدوا بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف وذلك يوم بدر وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ) بلى إن تصبروا وتتقوا ( الآية قال هذا يوم أحد فلم يصبروا ولم يتقوا فلم يمدوا يوم أحد ولو أمدوا لم ينهزموا يومئذ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ويأتوكم من فورهم هذا ( يقول من سفرهم هذا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة من فورهم قال من وجههم وأخرج ابن جرير عن الحسن والربيع وقتادة والسدي مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد من فورهم قال من غضبهم واخرجا عن أبي صالح مولى أم هانيء مثله وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) مسومين ( قال معلمين وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سوداء ويوم أحد عمائم حمراء وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبدالله بن الزبير أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجرا بها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر وأخرج ابن إسحاق والطبراني عن ابن عباس قال كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمراء ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر وكانوا


"""""" صفحة رقم 380 """"""
يكونون عددا ومددا لا يضربون وفي بيان التسويم عن السلف اختلاف كثير لا يتعلق به كثير فائدة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ليقطع طرفا من الذين كفروا ( قال قطع الله يوم بدر طرفا من الكفار وقتل صناديدهم ورءوسهم وقادتهم في الشر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) ليقطع طرفا ( قال هذا يوم بدر قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة وأخرج ابن جرير عن السدي قال ذكر الله قتلى المشركين بأحد وكانوا ثمانية عشر رجلا فقال ) ليقطع طرفا من الذين كفروا ( ثم ذكر الله الشهداء فقال ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ( و أخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله ) أو يكبتهم ( قال يحزنهم وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع مثله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كسرت رباعيته يوم أحد وشج في وجهه حتى سال الدم فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله ) ليس لك من الأمر شيء ( الآية وقد روى هذا المعنى في روايات كثيرة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد ( اللهم إلعن أبا سفيان اللهم إلعن الحارث بن هشام اللهم إلعن سهيل بن عمرو اللهم إلعن صفوان ابن أمية فنزلت هذه الآية ) ليس لك من الأمر شيء ( وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أيضا من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم إلعن فلانا وفلانا لأحياء من أحياء العرب حتى أنزل الله ) ليس لك من الأمر شيء ( وفي لفظ اللهم إلعن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله ) ليس لك من الأمر شيء ( الآية
آل عمران 130 136
آل عمران : ( 130 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( قيل هو كلام مبتدأ للترهيب والترغيب فيما ذكر وقيل هو اعتراض بين أثناء قصة أحد وقوله ) أضعافا مضاعفة ( ليس لتقييد النهي لما هو معلوم من تحريم الربا على كل حال ولكنه جيء به


"""""" صفحة رقم 381 """"""
باعتبار ما كانوا عليه من العادة التي يعتادونها في الربا فإنهم كانوا يربون إلى أجل فإذا حل الأجل زادوا في المال مقدارا يتراضون عليه ثم يزيدون في أجل الدين فكانوا يفعلون ذلك مرة بعد مرة حتى يأخذوا المربى أضعاف دينه الذي كان له في الابتداء وأضعافا حال ومضاعفة نعت له وفيه إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام والمبالغة في هذه العبارة تفيد تأكيد التوبيخ
آل عمران : ( 131 ) واتقوا النار التي . . . . .
قوله ) واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( فيه الإرشاد إلى تجنب ما يفعله الكفار في معاملاتهم قال كثير من المفسرين وفيه أنه يكفر من استحل الربا وقيل معناه اتقوا الربا الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار وإنما خص الربا في هذه الآية لأنه الذي توعد الله عليه بالحرب منه لفاعله
آل عمران : ( 132 ) وأطيعوا الله والرسول . . . . .
وقوله ) وأطيعوا الله والرسول ( حذف المتعلق مشعر بالتعميم أي في كل أمر ونهى ) لعلكم ترحمون ( أي راجلين الرحمة من الله عز وجل
آل عمران : ( 133 ) وسارعوا إلى مغفرة . . . . .
وقوله ) وسارعوا ( عطف على أطيعوا وقرأ نافع وابن عامر ? سارعوا ? بغير واو وكذلك في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام وقرأ الباقون بالواو قال أبو علي كلا الأمرين سائغ مستقيم والمسارعة المبادرة وفي الآية حذف أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة من الطاعات وقوله ) عرضها السماوات والأرض ( أي عرضها كعرض السموات والأرض ومثله الآية الأخرى ) عرضها كعرض السماء والأرض ( وقد اختلف في معنى ذلك فذهب الجمهور إلى أنها تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض فذلك عرض الجنة ونبه بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض وقيل إن هذا الكلام جاء على نهج كلام العرب من الاستعارة دون الحقيقة وذلك أنها ما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسن التعبير عنها بعرض السموات والأرض مبالغة لأنهما أوسع مخلوقات الله سبحانه فيما يعلمه عباده ولم يقصد بذلك التحديد
آل عمران : ( 134 ) الذين ينفقون في . . . . .
والسراء اليسر والضراء العسر وقد تقدم تفسيرهما وقيل السراء الرخاء والضراء الشدة وهو مثل الأول وقيل السراء في الحياة والضراء بعد الموت قوله ) والكاظمين الغيظ ( يقال كظم غيظه أي سكت عليه ولم يظهره ومنه كظمت السقاء أي ملأته والكظامة ما يسد به مجرى الماء وكظم البعير جرته إذا ردها في جوفه وهو عطف على الموصول الذي قبله قوله ) والعافين عن الناس ( أي التاركين عقوبة من أذنب إليهم واستحق المؤاخذة وذلك من أجل ضروب الخير وظاهره العفو عن الناس سواء كانوا من المماليك أم لا وقال الزجاج وغيره المراد بهم المماليك واللام في المحسنين يجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه كل محسن من هؤلاء وغيرهم ويجوز أن تكون للعهد فيختص بهؤلاء والأول أولى اعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السياق فيدخل تحته كل من صدر منه مسمى الإحسان أي إحسان كان
آل عمران : ( 135 ) والذين إذا فعلوا . . . . .
قوله ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( هذا مبتدأ وخبره ) أولئك ( وقيل معطوف على المتقي والأول أولى وهؤلاء هم صنف دون الصنف الأول ملحقين بهم وهم التوابون وسيأتي ذكر سبب نزولها والفاحشة وصف لموصوف محذوف أي فعلة فاحشة وهي تطلق على كل معصية وقد كثر اختصاصها بالزنا وقوله ) أو ظلموا أنفسهم ( أي باقتراف ذنب من الذنوب وقيل أو بمعنى الواو والمراد ما ذكر وقيل الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة وقيل غير ذلك قوله ) ذكروا الله ( أي بألسنتهم أو أخطروه في قلوبهم أو ذكروا وعده ووعيده ) فاستغفروا لذنوبهم ( أي طلبوا المغفرة لها من الله سبحانه وتفسيره بالتوبة خلاف معناه لغة وفي الاستفهام بقوله ) ومن يغفر الذنوب إلا الله ( من الإنكار مع ما يتضمنه من الدلالة على أنه المختص بذلك سبحانه دون غيره أي لا يغفر جنس الذنوب أحد إلا الله وفيه ترغيب لطلب المغفرة منه سبحانه وتنشيط للمذنبين أن يقفوا في مواقف الخضوع والتذلل وهذه الجملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه وقوله ) ولم يصروا على ما فعلوا (


"""""" صفحة رقم 382 """"""
عطف على فاستغفروا أي لم يقيموا على قبيح فعلهم وقد تقدم تفسير الإصرار والمراد به هنا العزم على معاودة الذنب وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه وقوله ) وهم يعلمون ( جملة حالية أي لم يصروا على فعلهم عالمين بقبحه
آل عمران : ( 136 ) أولئك جزاؤهم مغفرة . . . . .
قوله ) أولئك جزاؤهم ( الإشارة إلى المذكورين بقوله ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( وقوله ) جزاؤهم ( بدل اشتمال من اسم الإشارة وقوله ) مغفرة ( خبر ) من ربهم ( متعلق بمحذوف وقع صفة لمغفرة أي كائنة من ربهم وقوله ) ونعم أجر العاملين ( المخصوص بالمدح محذوف أي أجرهم أو ذلك المذكور وقد تقدم تفسير الجنات وكيفية جري الأنهار من تحتها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كانوا يتبايعون إلى الأجل فإذا جاء الأجل زادوا عليهم وزادوا في الأجل فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال كانت ثقيف تدين بني المغيرة لإفي الجاهلية وذكر نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاوية بن قرة قال كان الناس يتأولون هذه الآية ) واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( اتقوا لا أعذبكم بذنوبكم في النار التي أعددتها للكافرين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح قال قال المسلمون يا رسول الله أبنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا كانوا إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجدع أنفك اجدع أذنك افعل كذا وكذا فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) وسارعوا ( الآية وأخرج ابن المنذر عن أنس بن مالك في تفسير ) وسارعوا ( قال التكبيرة الأولى وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس في قوله ) عرضها السماوات والأرض ( مثل ما ذكرناه سابقا عن الجمهور وأخرج نحوه عنه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق كريب واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) الذين ينفقون في السراء والضراء ( يقول في اليسر والعسر ) والكاظمين الغيظ ( يقول كاظمين على الغيظ وقد وردت أحاديث كثيرة في ثواب من كظم الغيظ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن النخعي في الآية قال الظلم من الفاحشة والفاحشة من الظلم وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والطبراني وابن أبي الدنيا وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما فاستغفر الله إلا غفر له ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( الآية وقوله ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( الآية وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ثابت البناني قال بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية بكى ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( الآية وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاف بن خالد قال بلغني أنه لما نزل قوله تعالى ) ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا ( صاح إبليس بجنوده وحثا على رأسه التراب ودعا بالويل والثبور حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر فقالوا مالك يا سيدنا قال آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحد من بني آدم ذنب قالوا وما هي فأخبرهم قالوا نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ولا يستغفرون ولا يرون إلا أنهم على الحق فرضي منهم بذلك وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحميدي وعبد بن حميد وأهل السنن الأربع وحسنه النسائي وابن حبان والدارقطني في الإفراد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة عن أبي بكر الصديق سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله من ذنبه ذلك إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( الآية ) وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن مرفوعا نحوه ولكنه قال ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى


"""""" صفحة رقم 383 """"""
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة )
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ولم يصروا ( فيسكتون ولا يستغفرون
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ) ونعم أجر العاملين ( قال أجر العاملين بطاعة الله الجنة
آل عمران 137 148
آل عمران : ( 137 ) قد خلت من . . . . .
قوله ) قد خلت من قبلكم سنن ( هذا رجوع إلى وصف باقي القصة والمراد بالسنن ما سنه الله في الأمم من وقائعه أي قد خلت من قبل زمانكم وقائع سنها الله في الأمم المكذبة واصل السنن جمع سنة وهي الطريقة المستقيمة ومنه قول الهذلي فلا تجزعن من سنة أنت سرتها
فأول راض سنة من يسيرها


"""""" صفحة رقم 384 """"""
والسنة الإمام المتبع المؤتم به ومنه قول لبيد من مشعر سنت لهم آباؤهم
ولكل قوم سنة وإمام
والسنة الأمة والسنن الأمم قاله المفضل الضبي وقال الزجاج المعني في الآية أهل سنن فحذف المضاف والفاء في قوله ) فسيروا ( سببية وقيل شرطية أي إن شككتم فسيروا والعاقبة آخر الأمر والمعنى سيروا فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين فإنهم خالفوا رسلهم بالحرص على الدنيا ثم انقرضوا فلم يبق من دنياهم التي آثروها أثر هذا قول أكثر المفسرين والمطلوب من هذا السير المأمور به هو حصول المعرفة بذلك فإن حصلت بدونه فقد حصل المقصود وإن كان لمشاهدة الآثار زيادة غير حاصلة لمن لم يشاهدها
آل عمران : ( 138 ) هذا بيان للناس . . . . .
والإشارة بقوله ) هذا ( إلى قوله ) قد خلت ( وقال الحسن إلى القرآن ) بيان للناس ( أي تبيين لهم وتعريف الناس للعهد وهم المكذبون أو للجنس أي للمكذبين وغيرهم وفيه حث على النظر في سوء عاقبة المكذبين وما انتهى إليه أمرهم قوله ) وهدى وموعظة ( أي هذا النظر مع كونه بيانا فيه هدى وموعظة للمتقين من المؤمنين فعطف الهدى والموعظة على البيان يدل على التغاير ولو باعتبار المتعلق وبيانه أن اللام في الناس إن كانت للعهد فالبيان للمكذبين والهدى والموعظة للمؤمنين وإن كانت للجنس فالبيان لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم والهدى والموعظة للمتقين وحدهم
آل عمران : ( 139 ) ولا تهنوا ولا . . . . .
قوله ) ولا تهنوا ولا تحزنوا ( عزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز والفشل ثم بين لهم أنهم الأعلون على عدوهم بالنصر والظفر وهي جملة حالية أي والحال أنكم الأعلون عليهم وعلى غيرهم بعد هذه الوقعة وقد صدق الله وعده فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد وقعة أحد ظفر بعدوه في جميع وقعاته وقيل المعنى وأنتم الأعلون عليهم بما أصبتم منهم في يوم بدر فإنه أكثر مما اصابوا منكم اليوم وقوله ) إن كنتم مؤمنين ( متعلق بقوله ) ولا تهنوا ( وما بعده أو بقوله ) وأنتم الأعلون ( أي إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا أو إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلون
آل عمران : ( 140 ) إن يمسسكم قرح . . . . .
والقرح بالضم والفتح الجرح وهما لغتان فيه قاله الكسائي والأخفش وقال الفراء هو بالفتح الجرح وبالضم ألمه وقرأ محمد بن السميفع ( قرح ) بفتح القاف والراء على المصدر والمعنى في الآية إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر فلا تهنوا لما أصابكم في هذا اليوم فإنهم لم يهنوا لما أصابهم في ذلك اليوم وأنتم أولى بالصبر منهم وقيل إن المراد بما أصاب المؤمنين والكافرين في هذا اليوم فإن المسلمين انتصروا عليهم في الابتداء فأصابوا منهم جماعة ثم انتصر الكفار عليهم فأصابوا منهم والأول الأولى لأن ما أصابه المسلمون من الكفار في هذا اليوم لم يكن مثل ما أصابوه منهم فيه وقوله ) وتلك الأيام ( أي الكائنة بين الأمم في حروبها والآتية فيما بعد كالأيام الكائنة في زمن النبوة تارة تغلب هذه الطائفة وتارة تغلب الأخرى كما وقع لكم أيها المسلمون في يوم بدر وأحد وهو معنى قوله ) نداولها بين الناس ( فقوله ) تلك ( مبتدأ والأيام صفته والخبر نداولها وأصل المداولة المعاورة داولته بينهم عاورته والدولة الكرة ويجوز أن تكون الأيام خبرا ونداولها حالا والأول أولى وقوله ) وليعلم الله ( معطوف على علة مقدرة كأنه قال نداولها بين الناس ليظهر أمركم وليعلم أو يكون المعلل محذوفا أي ليعلم الله الذي اتقوا فعلنا ذلك وهو من باب التمثيل أي فعلنا فعل من يريد أن يعلم لأنه سبحانه لم يزل عالما أو ليعلم الله الذي آمنوا بصبرهم علما يقع عليه الجزاء كما علمه علما أزليا ) ويتخذ منكم شهداء ( أي يكرمهم بالشهادة والشهداء جمع شهيد سمى بذلك لكونه مشهودا له بالجنة أو جمع شاهد لكونه كالمشاهد للجنة ومن للتبعيض وهم شهداء أحد وقوله ) والله لا يحب الظالمين ( جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لتقرير مضمون ما قبله
آل عمران : ( 141 ) وليمحص الله الذين . . . . .
وقوله ) وليمحص الله الذين آمنوا (


"""""" صفحة رقم 385 """"""
من جملة العلل معطوف على ما قبله والتمحيص الاختبار وقيل التطهير على حذف مضاف أي ليمحص ذنوب الذين آمنوا قاله الفراء وقيل يمحص يخلص قاله الخليل والزجاج أي ليخلص المؤمنين من ذنوبهم وقوله ) ويمحق الكافرين ( أي يستأصلهم بالهلاك واصل التمحيق محو الآثار والمحق نقصها
آل عمران : ( 142 ) أم حسبتم أن . . . . .
قوله ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ( كلام مستأنف لبيان ما ذكر من التمييز وأم هي المنقطعة والهمزة للإنكار أي بل أحسبتم والواو في قوله ) ولما يعلم الله ( واو الحال والجملة حالية وفيه تمثيل كالأول أو علم يقع عليه الجزاء وقوله ) ويعلم الصابرين ( ) وليعلم الذين ( منصوب بإضمار أن كما قال الخليل وغيره على أن الواو للجمع وقال الزجاج الواو بمعنى حتى وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر ( ويعلم الصابرين ) بالجزم عطفا على ( ولما يعلم ) وقريء بالرفع على القطع وقيل إن قوله ) ولما يعلم ( كناية عن نفي المعلوم وهو الجهاد والمعنى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر أي الجمع بينهما ومعنى ( لما ) معنى ( لم ) عند الجمهور وفرق سيبويه بينهما فجعل لم لنفي الماضي ولما لنفي الماضي والمتوقع
آل عمران : ( 143 ) ولقد كنتم تمنون . . . . .
قوله ) ولقد كنتم تمنون الموت ( هو خطاب لمن كان يتمنى القتال والشهادة في سبيل الله ممن لم يحضر يوم بدر فإنهم كانوا يتمنون يوما يكون فيه قتال فلما كان يوم أحد انهزموا مع أنهم الذي ألحوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالخروج ولم يصبر منهم إلا نفر يسير مثل أنس بن النضر عم أنس بن مالك وقوله ) من قبل أن تلقوه ( أي القتال أو الشهادة التي هي سبب الموت وقرأ الأعمش ( من قبل أن تلاقوه ) وقد ورد النهي عن تمني الموت فلا بد من حمله هنا على الشهادة قال القرطبي وتمني الموت من المسلمين يرجع إلى تمني الشهادة المبنية على الثبات والصبر على الجهاد لا إلى قتل الكفار لهم لأنه معصية وكفر ولا يجوز إرادة المعصية وعلى هذا يحمل سؤال المسلمين من الله أن يرزقهم الشهادة فيسألون الصبر على الجهاد وإن أدى إلى القتل قوله ) فقد رأيتموه ( أي القتال أو ما هو سبب للموت ومحل قوله ) وأنتم تنظرون ( النصب على الحال وقيد الرؤية بالنظر مع اتحاد معناهما للمبالغة أي قد رأيتموه معاينين له حين قتل من قتل منكم قال الأخفش إن التكرير بمعنى التأكيد مثل قوله ) ولا طائر يطير بجناحيه ( وقيل معناه بصراء ليس في أعينكم علل وقيل معناه وأنتم تنظرون إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم )
آل عمران : ( 144 ) وما محمد إلا . . . . .
وقوله ) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( سبب نزول هذه ما سيأتي من أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما أصيب في يوم أحد صاح الشيطان قائلا قد قتل محمد ففشل بعض المسلمين حتى قال قائل قد أصيب محمد فأعطوا بأيديكم فإنما هم إخوانكم وقال آخر لو كان رسولا ما قتل فرد الله عليهم ذلك واخبرهم بأنه رسول قد خلت من قبله الرسل وسيخلو كما خلوا فجملة قوله ) قد خلت من قبله الرسل ( صفة لرسول والقصر قصر إفراد كأنهم استبعدوا هلاكه فأثبتوا له صفتين الرسالة وكونه لا يهلك فرد الله عليهم ذلك بأنه رسول لا يتجاوز ذلك إلى صفة عدم الهلاك وقيل هو قصر قلب وقرأ ابن عباس ( قد خلت من قبل رسل ) ثم أنكر الله عليهم بقوله ) أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ( أي كيف ترتدون وتتركون دينه إذا مات أو قتل مع علمكم أن الرسل تخلو ويتمسك أتباعهم بدينهم وإن فقدوا بموت أو قتل وقيل الإنكار لجعلهم خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم بموته أو قتله وإنما ذكر القتل مع علمه سبحانه أنه لا يقتل لكونه مجوزا عند المخاطبين قوله ) ومن ينقلب على عقبيه ( أي بإدباره عن القتال أو بارتداده عن الإسلام ) فلن يضر الله شيئا ( من الضرر وإنما يضر نفسه ) وسيجزي الله الشاكرين ( أي الذين صبروا وقاتلوا واستشهدوا لأنهم بذلك شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام ومن امتثل ما أمر به فقد شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه
آل عمران : ( 145 ) وما كان لنفس . . . . .
قوله ) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ( هذا كلام مستأنف


"""""" صفحة رقم 386 """"""
يتضمن الحث عه الجهاد والاعلام بان الموت لابد منه ومعنى ( بإذن الله ) بقضاء الله وقدره وقيل إن هذه الجملة متضمنة للإنكار على من فشل بسبب ذلك الإرجاف بقتله ( صلى الله عليه وسلم ) فبين لهم ان الموت بالقتل أو بغيره منوط بإذن الله وإسناده إلى النفس مع كونها غير محتارة له للإيذان بأنه لا ينبغي لأحد ان بقدم عليه إلا بإذن الله وقوله ( كتابا ) مصدر مؤكد لما قبله لأن معناه كتب الله الموت كتابا والمؤجل المؤقت الذي لا يتقدم على أجله ولا يتأخر قوله ( ومن يرد ) أي بعمله ( ثواب الدنيا ) كالغنيمة ونحوها واللفظ يعم كل ما يسمى ثواب الدنيا وإن كان السبب خاصا ( نؤته منها ) أي من ثوابها على حذف المضاف ( ومن يرد ) بعمله ( ثواب الآخرة ) وهو الجنة نؤته من ثوابها ونضاعف له الحسنات أضعافا كثيرة ( وسنجزي الشاكرين ) بامتثال ما أمرناهم به كالقتال ونهيانهم عنه كالفرار وقبول الإرجاف
آل عمران : ( 146 ) وكأين من نبي . . . . .
وقوله ( وكأين ) قال الخليل وسيبويه هي أي دخلت عليها كاف التشبيه وثبتت معها فصارت بعد التركيب بمعنى كم وصورت في المصحف نونا لأنها كلمة نقلت عن أصلها فغير لفظها لتغيير معناها ثم كثر استعمالها فتصرفت فيها العرب بالقلب والحذف فصار فيها أربع لغات قريء بها أحدها كائن مثل كاعن وبها قرأ ابن كثير ومثله قوله الشاعر وكائن بالأباطح من صديق
تراه لو اصبت هو المصابا
وقال آخر وكائن رددنا عنكم من مدجج
بحي أمام الركب يردى مقنعا
وقال زهير وكائن ترى من معجب لك شخصه
زيادته أو نقصه في التكلم
وكأين بالتشديد مثل كعين وبه قر أ الباقون وهو الأصل والثالثة كأين مثل كعين مخففا والرابعة كيئن بياء بعدها همزة مكسورة ووقف أبو عمرو بغير نون فقال كأي لأنه تنوين ووقف الباقون بالنون والمعنى كثير من الأنبياء قتل معه ربيون قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب قتل على البناء للمجهول وهي قراءة ابن عباس واختارها أبو حاتم وفيه وجهان أحدهما ان يكون في ( قتل ) ضمير يعود إلى النبي وحينئذ يكون قوله ( معه ربيون ) جملة حالية كما يقال قتل الأمير معه جيش أي ومعه جيش والوجه الثاني ان يكون القتل واقعا على ربيون فلا يكون في قتل ضمير والمعنى قتل بعض أصحابه وهم الربيون وقرأ الكوفيون وابن عامر ( قاتل ) وهي قراءة ابن مسعود واختارها أبو عبيد وقال ان الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلا فيه وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه من قاتل ولم يقتل فقاتل أعم وأمدح ويرجح هذه القراءة الأخرى والوجه الثاني من القراءة الأولى قول الحسن ما قتل نبي في حرب قط وكذا قال سعيد بن جبير والربيون بكسر الراء قراءة الجمهور وقرأ على بضمها وابن عباس بفتحها وواحده ربي بالفتح منسوب إلى الرب والربي بضم الراء وكسرها منسوب إلى الربة بكسر الراء وضمها وهي الجماعة ولهذا فسرهم جماعة من السلف بالجماعات الكثيرة وقيل هم الاتباع وقيل هم العلماء قال الخليل الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء وهم الربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية وقال الزجاج الربيون بالضم الجماعات قوله ( فما وهنوا ) عطف على قاتل أو قتل والوهن انكسار الجد بالخوف وقرأ الحسن ( وهنوا ) بكسر الهاء وضمها قال أبو زيد لغتان وهن الشيء يهن وهنا ضعف أي ما وهنوا لقتل نبيهم أو لقتل من قتل منهم ( وما ضعفوا ) أي عن عدوهم ( وما استكانوا ) لما اصابهم في الجهاد والاستكانة الذلة والخضوع وقريء ( وما وهنوا وما ضعفوا ) بإسكان الهاء والعين وحكى الكسائي ضعفوا بفتح العين وفي هذا توبيخ لمن انهزم يوم أحد وذل واستكان وضعف بسبب ذلك الإرجاف الواقع من الشيطان ولم يصنع كما صنع أصحاب من خلا من قبلهم من الرسل
آل عمران : ( 147 ) وما كان قولهم . . . . .
قوله ( وما كان


"""""" صفحة رقم 387 """"""
قولهم ) أي قول أولئك الذين كانوا مع الأنبياء إلا هذا القول وقولهم منصوب على انه خبر كان وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية عنهما برفع قولهم وقوله ( إلا ان قالوا ) استثناء مفرغ أي ما كان قولهم عند ان قتل منهم ربانيون أو قتل نبيهم ( إلا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا ) قيل هي الصغائر وقوله ( وإسرافنا في أمرنا ) قيل هي الكبائر الظاهر ان الذنوب تعم كل ما يسمى ذنبا من صغيرة أو كبيرة والإسراف ما فيه مجاوزة للحد فهو من عطف الخاص على العام قالوا ذلك مع كونهم ربانيين هضما لأنفسهم ( وثبت اقدامنا ) في مواطن القتال
آل عمران : ( 148 ) فآتاهم الله ثواب . . . . .
( فآتاهم الله ) بسبب ذلك ( ثواب الدنيا ) من النصر والغنيمة والعزة ونحوها ( وحسن ثواب الآخرة ) من إضافة الصفة إلى الموصوف أي ثواب الآخرة الحسن وهو نعيم الجنة جعلنا الله من أهلها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ( قد خلت من قبلكم سنن ) قال تداول من الكفار والمؤمنين في الخير والشر وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب المصاحف عن سعيد بن جبير قال أول ما نزل من آل عمران ( هذا بيان للناس ) ثم انزل بقيتها يوم أحد وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ( هذا بيان ) يعني القرآن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال أقبل خالد بن الوليد يريد ان يعلو عليهم الجبل فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( اللهم لا يعلون علينا ) فأنزل الله ( ولاتهنوا ولا تحزنوا ) الآية وأخرج أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال انهزم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الشعب يوم أحد فسألوا ما فعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما فعل فلان فنعى بعضهم لبعض وتحدثوا ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد قتل فكانوا في هم وحزن فبينما هم كذلك علا خالد بن الوليد بخيل المشركين فوقهم على الجبل وكانوا على أحد مجنبتي المشركين وهم أسفل من الشعب فلما رأوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فرحوا فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم لا قوة لنا إلا بك وليس أحد يعبدك بهذا البلد غير هؤلاء النفر فلا تهلكهم ) وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله وعلا المسلمين الجبل فذلك قوله ( وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ( وأنتم الأعلون ) قال وأنتم الغالبون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ( إن يمسسكم قرح ) قال جراح وقتل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) قال إن يقتل منكم يوم أحد فقد قتل منهم يوم بدر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عابس في قوله ( وتلك الأيام نداولها بين الناس 9 قال كان يوم أحد بيوم بدر وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله ) وتلك الأيام ( الآية قال أدال المشركين على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد وبلغني أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد بضعة وسبعين ألفا عدد الأسارى الذين أسروا يوم بدر من المشركين وكان عدد الأسارى يوم بدر ثلاثة وسبعين رجلا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( ويتخذ منكم شهداء ) قال ان المسلمين كانوا يسألون ربهم اللهم ربنا ارنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبليك فيه خيرا ونلتمس فيه الشهادة فلقوا المشركين يوم أحد فاتخذ منهم شهداء وأخرجا عنه في قوله ( وليمحص الله الذين آمنوا ) قال يبتليهم ( ويمحق الكافرين ) قال ينقصهم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عنه أن رجالا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا يقولون ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبلى فيه خيرا ونلتمس الشهادة والجنة والحياة والرزق فأشهدهم


"""""" صفحة رقم 388 """"""
الله أحدا فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم فقال الله ( ولقد كنتم تمنون الموت ) الآية وأخرج أبن المنذر عن كليب قال خطبنا عمر بن الخطاب فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول غنها أحدية ثم قال تفرقنا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد فصعدت الجبل فسمعت يهوديا يقول قتل محمد فقلت لا اسمع أحدا يقول قتل محمد إلا ضربت عنقه فنظرت فإذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والناس يتراجعون إليه فنزلت هذه الآية ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال نادى مناد يوم أحد ألا إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول فأنزل الله ( وما محمد إلا رسول ) وأخرج أيضا عن مجاهد نحوه وأخرج أيضا عن على في قوله ) وسيجزي الله الشاكرين ( قال الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه فكان على يقول كان أبو بكر أمير الشاكرين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عنه انه كان يقول في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ) والله لا ننقلب على اعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قتل عليه حتى اموت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله ( ربيون ) قال ألوف وأخرج سعيد بن منصور عن الضحاك قال الربة الواحدة ألف و أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( ربيون ) قال جموع وأخرج ابن جرير عنه قال علماء كثير وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ( وما استكانوا ) قال تخشعوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ( وإسرافنا في أمرنا ) قال خطايانا
آل عمران 149 153
آل عمران : ( 149 ) يا أيها الذين . . . . .
لما أمر الله سبحانه بالاقتداء بمن تقدم من أنصار الأنبياء حذر عن طاعة الكفار وهم مشركو العرب وقيل اليهود والنصارى وقيل المنافقون في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى دين آبائكم وقوله ( يردوكم على أعقابكم ) أي يخرجوكم من دين الإسلام إلى الكفر ( فتنقلبوا خاسرين ) أي ترجعوا مغبونين
آل عمران : ( 150 ) بل الله مولاكم . . . . .
وقوله ( بل الله مولاكم ) إضراب عن مفهوم الجملة الأولى أي تطيعوا الكافرين يخذلوكم ولا ينصروكم بل الله ناصركم


"""""" صفحة رقم 389 """"""
لا غيره وقريء ( بل الله ) بالنصب على تقدير بل أطيعوا الله
آل عمران : ( 151 ) سنلقي في قلوب . . . . .
قوله ( سنلقي ) قرأ السختياني بالياء التحتية وقرأ الباقون بالنون وقرأ ابن عامر والكسائي ( الرعب ) بضم العين وقرأ الباقون بالسكون وهما لغتان يقال رعبته رعبا ورعبا فهو مرعوب ويجوز ان يكون مصدرا والرعب بالضم الإسم وأصله المليء يقال سيل راعب أي يملأ الوادي ورعبت الحوض ملأته فالمعنى سنملأ قلوب الكافرين رعبا أي خوفا وفزعا والإلقاء يستعمل حقيقة في الاجسام ومجازا في غيرها كهذه الآية وذلك ان المشركين بعد وقعة أحد ندموا ان لا يكونوا استأصلوا المسلمين وقالوا بئسما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به ( بما اشركوا بالله ) متعلق بقوله ( سنلقى ) وما مصدرية أي بسبب إشراكهم ( ما لم ينزل به سلطانا ) أي ما لم ينزل الله بجعله شريكا له حجة وبيانا وبرهانا والنفي يتوجه إلى القيد والمقيد أي لا حجة ولا إنزال والمعنى ان الإشراك بالله لم يثبت في شيء من الملل والمثوى المكان الذي يقام فيه يقال ثوى يثوى ثواء
آل عمران : ( 152 ) ولقد صدقكم الله . . . . .
قوله ( ولقد صدقكم الله وعده ) نزلت لما قال بعض المسلمين من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر وذلك انه كان الظفر لهم في الابتداء حتى قتلوا صاحب لواء المشركين وتسعة نفر بعده فلما اشتغلوا بالغنيمة وترك الرماة مركزهم طلبا للغنيمة كان ذلك سبب الهزيمة والحس الاستئصال بالقتل قاله أبو عبيد يقال جراد محسوس إذا قتله البرد وسنة حسوس أي جدبة تأكل كل شئ قيل وأصله من الحس الذي هو الادراك بالحاسة فمعنى حسه أذهب حسه بالقتل وتحسونهم تقتلونهم وتستأصلونهم قال الشاعر حسسناهم بالسيف حسا فأصبحت
بقيتهم قد شردوا وتبددوا
وقال جرير تحسهم السيوف كما تسامى
حريق النار في الأجم الحصيد
( بإذنه ) أي بعلمه أو بقضائه ( حتى إذا فشلتم ) أي جبنتم وضعفتم قيل جواب حتى محذوف تقديره امتحنتم وقال الفراء جواب حتى قوله ( وتنازعتم ) والواو مقحمة زائدة كقوله ) فلما أسلما وتله للجبين ( وقال أبو علي يجوز ان يكون الجواب صرفكم عنهم وقيل فيه تقديم وتأخير أي حتى إذا نازعتم وعصيتم فشلتم وقيل إن الجواب عصيتم والواو مقحمة وقد جوز الأخفش مثله في قوله تعالى ) حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم ( وقيل حتى بمعنى إلى وحينئذ لا جواب لها والتنازع المذكور وهو ما وقع من الرماة حين قال بعضهم نلحق الغنائم وقال بعضهم نثبت في مكاننا كما أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) و معنى قوله ( من بعد ما أراكم ما تحبون ) ما وقع لهم من النصر في الابتداء في يوم أحد كما تقدم ( منكم من يريد الدنيا ) يعني الغنيمة 0 ( ومنكم من يريد الآخرة ) أي الأجر بالبقاء في مراكزهم امتثالا لأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) أي ردكم الله عنهم بالانهزام بعد ان استوليتم عليهم ليمتحنكم ( ولقد عفا عنكم ) لما علم من ندمكم فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة والخطاب لجميع المنهزمين وقيل للرماة فقط
آل عمران : ( 153 ) إذ تصعدون ولا . . . . .
قوله ( إذ تصمدون ) متعلق بقوله صرفكم ) أو بقوله ( ولقد عفا عنكم ) أو بقوله ( ليبتليكم ) وقرأه الجمهور بضم التاء وكسر العين وقرأ أبو رجاء العطاردي وأبو عبدالرحمن السلمى والحسن وقتادة بفتح التاء والعين وقرأ ابن محيصن وقنبل ( تصعدون بالتحتية وقال أبو حاتم أصعدت إذا مضيت حيال وجهك وصعدت إذا ارتقيت في جبل فالإصعاد السير في مستوى الأرض وبطون الأودية والصعود الإرتفاع على الجبال والسطوح والسلالم والدرج فيحتمل ان يكون صعودهم في الجبل بعد إصعادهم في الوادي فيصح المعنى على القراءتين وقال القتيبى أصعد إذا أبعد في الذهاب وأمعن فيه ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 390 """"""
ألا أيها ذا السائلى أين أصعدت
فإن لها من بطن يثرب موعدا
وقال الفراء الإصعاد الابتداء في السفر والانحدار الرجوع منه يقال اصعدنا من بغداد إلى مكة وإلى خراسان وأشباه ذلك إذا خرجنا إليها وأخذنا في السفر وانحدرنا إذا رجعنا وقال المفضل صعد وأصعد بمعنى واحد ومعنى ( تلوون ) تعرجون وتقيمون أي لا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا فإن المعرج إلى الشيء يلوى إليه عنقه أو عنق دابته ( على أحد ) أي على أحد ممن معكم وقيل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرأ الحسن ( تلون ) بواو واحدة وقرأ عاصم في رواية عنه بضم التاء وهي لغة قوله ( والرسول يدعوكم في أخراكم ) أي في الطائفة المتأخرة منكم يقال جاء فلان في آخر الناس وآخرة الناس وأخرى الناس وأخريات الناس وكان دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي عباد الله ارجعوا قوله ( فأثابكم ) عطف على صرفكم أي فجازاكم الله غما حين صرفكم عنه بسبب غم أذقتموه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعصيانكم أو غما موصولا بغم بسبب ذلك الإرجاف والجرح والقتل وظفر المشركين والغم في الأصل التغطية غميت الشيء غطيته ويوم غم وليلة غمة إذا كانا مظلمين ومنه غم الهلال وقيل الغم الأول الهزيمة والثاني إشراف أبي هريرة وخالد بن الوليد عليهم في الجبل قوله ) لكيلا تحزنوا ( اللام متعلقة بقوله ( فأثابكم ) أي هذا الغم بعد الغم لكيلا تحزنوا على ما فات من الغنيمة ولا ما أصابكم من الهزيمة تمرينا لكم على المصائب وتدريبا لاحتمال الشدائد وقال المفضل معنى ( ليكلا تحزنوا ) لكى تحزنوا ولا زائدة كقوله تعالى ما منعك ان لا تسجد أي ان تسجد وقوله لئلا يعلم أهل الكتاب أي ليعلم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا ( قال لا تنتصحوا اليهود والنصارى على دينكم ولا تصدقوهم بشيء في دينكم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى يقول إن تطيعوا أبا سفيان بن حرب يردكم كفارا وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ( نحو ما قدمناه في سبب نزول الآية وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة في قوله ( ولقد صدقكم الله وعده ) قال كان الله وعدهم على الصبر والتقوى ان يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكان قد فعل فلما عصوا أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتركوا مصافهم وتركت الرماة عهد الرسول إليهم ان لا يبرحوا منازلهم وأرادوا الدنيا رفع عنهم مدد الملائكة وقصة أحد مستوفاة في السير والتواريخ فلا حاجة إلى إطالة الشرح هنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف في قوله ( إذ تحسونهم ) قال الحس القتل وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال الفشل الجبن وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب في قوله ( من بعد ما أراكم ما تحبون ) قال الغنائم وهزيمة القوم وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ) ولقد عفا عنكم ( قال يقول الله قد عفوت عنكم أن لا أكون أستأصلكم وأخرج أيضا عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ( إذا تصعدون ) قال اصعدوا في أحد فرارا والرسول يدعوهم في اخراهم ( إلى عباد الله ارجعوا إلى عباد الله ارجعوا ) وأخرج ابن مردويه عن عبدالرحمن بن عوف ( فأثابكم غما بغم ) قال الغم الأول بسبب الهزيمة والثاني حين قيل قتل محمد وكان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ( غما بغم ) قال فرة بعد الفرة الأولى حين سمعوا الصوت ان محمدا قد قتل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم قال الغم الأول الجراح والقتل و الغم الآخر حين سمعوا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد قتل وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله


"""""" صفحة رقم 391 """"""
آل عمران 154 155
آل عمران : ( 154 ) ثم أنزل عليكم . . . . .
الأمنة والأمن سواء وقيل الأمنة إنما تكون مع أسباب الخوف والأمن مع عدمه وهي منصوبة بأنزل ونعاسا بدل منها أو عطف بيان أو مفعول له وأما ما قيل من أن أمنة حال من نعاسا مقدمة عليه أو حال من المخاطبين أو مفعول له فبعيد وقرأ ابن محيصن ) أمنة ( بسكون الميم قوله ) يغشى ( قريء بالتحتية على أن الضمير للنعاس وبالفوقية على أن الضمير لأمنة والطائفة تطلق على الواحد والجماعة والطائفة الأولى هم المؤمنون الذين خرجوا للقتال طلبا للأجر والطائفة الأخرى هم متعب بن قشير وأصحابه وكانوا خرجوا طمعا في الغنيمة وجعلوا يناشدون على الحضور ويقولون الأقاوئل ومعنى ) أهمتهم أنفسهم ( حملتهم على الهم أهمني الأمر أقلقني والواو في قوله ) وطائفة ( للحال وجاز الابتداء بالنكرة لاعتمادها على واو الحال وقيل إن معنى ) أهمتهم أنفسهم ( صارت همهم لا هم لهم غيرها ) يظنون بالله غير الحق ( هذه الجملة في محل نصب على الحال أي يظنون بالله غير الحق الذي يجب أن يظن به وظن الجاهلية بدل منه وهو الظن المختص بملة الجاهلية أو ظن أهل الجاهلية وهو ظنهم أن أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) باطل وأنه لا ينصر ولا يتم ما دعا إليه من دين الحق وقوله ) يقولون ( بدل من ( يظنون ) أي يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( هل لنا من الأمر من شيء ) أي هل لنا من أمر الله نصيب وهذا الاستفهام معناه الجحد أي ما لنا شيء من الأمر وهو النصر والاستظهار على العدو وقيل هو الخروج أي إنما خرجنا مكرهين فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله ) قل إن الأمر كله لله ( وليس لكم ولا لعدوكم منه شيء فالنصر بيده والظفر منه وقوله ) يخفون في أنفسهم ( أي يضمرون في أنفسهم النفاق ولا يبدون لك ذلك بل يسألونك سؤال المسترشدين وقوله ) يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ( استئناف كأنه قيل ما هو الأمر الذي يخفون في أنفسهم فقيل يقولون فيما بينهم أو في أنفسهم ) لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ( أي ما قتل من قتل منا في هذه المعركة فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله ) قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ( أي لو كنتم قاعدين في بيوتكم لم يكن بد من خروج من كتب عليه القتل إلى هذه المصارع التي صرعوا فيها فإن قضاء الله لا يرد وقوله ) وليبتلي الله ما في صدوركم ( علة لفعل مقدر قبلها معطوفة على علل له أخرى مطوية للإيذان بكثرتها كأنه قيل لعل ما فعل لمصالح جمة ) وليبتلي ( إلخ وقيل إنه معطوف على علة مطوية لبرز والمعنى ليمتحن ما في صدوركم


"""""" صفحة رقم 392 """"""
من الإخلاص وليمحص ما في قلوبكم من وساوس الشيطان
آل عمران : ( 155 ) إن الذين تولوا . . . . .
قوله ) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ( أي انهزموا يوم أحد وقيل المعنى إن الذين تولوا المشركين يوم أحد ) إنما استزلهم الشيطان ( استدعى زللهم بسبب بعض ما كسبوا من الذنوب التي منها مخالفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولقد عفا الله عنهم ( لتوبتهم واعتذارهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال أمنهم الله يومئذ بنعاس غشاهم وإنما ينعس من يأمن وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن أبا طلحة قال غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه فذلك قوله ) ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ( الآية وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن الزبير بن العوام قال رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت جحفته من النعاس وتلا هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال إن المنافقين قالوا لعبدالله بن أبي وكان سيد المنافقين قتل اليوم بنو الخزرج فقال وهل لنا من الأمر شيء أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله ) ظن الجاهلية ( قال ظن أهل الشرك وأخرج أين إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال معتب هو الذي قال يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أن الذي قال ذلك عبدالله بن أبي وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبدالرحمن بن عوف في قوله ) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ( قال هم ثلاثة واحد من المهاجرين واثنان من الأنصار وأخرج ابن منده وابن عساكر عن ابن عباس في الآية قال نزلت في عثمان ورافع بن المعلى وخارجة بن زيد وقد روى في تعيين ( من ) في الآية روايات كثيرة
آل عمران 156 164


"""""" صفحة رقم 393 """"""
آل عمران : ( 156 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) لا تكونوا كالذين كفروا ( هم المنافقون الذين قالوا لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قوله ) وقالوا لإخوانهم ( في النفاق أو في النسب أي قالوا لأجلهم ) إذا ضربوا في الأرض ( إذا ساروا فيها للتجارة أو نحوها قيل إن إذا هنا المفيدة لمعنى الاستقبال بمعنى إذ المفيدة لمعنى المضي وقيل هي على معناها والمراد هنا حكاية الحال الماضية وقال الزجاج إذا هنا تنوب عن ما مضي من الزمان وما يستقبل ) أو كانوا غزى ( جمع غاز كراكع وركع وغائب وغيب قال الشاعر قل للقوافل والغزى إذا غزوا
) ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ( اللام متعلقة بقوله ) قالوا ( أي قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم والمراد أنه صار ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا حسرة أو متعلقة بقوله ) لا تكونوا ( أي لا تكونوا مثلهم في إعتقاد ذلك ليجعله الله حسرة في قلوبهم فقط دون قلوبكم وقيل المعنى لا تلتفتوا إليهم ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة في قلوبهم وقيل المراد حسرة في قلوبهم يوم القيامة لما فيه من الخزي والندامة ) والله يحيي ويميت ( فيه رد على قولهم أي ذلك بيد الله سبحانه يصنع ما يشاء ويحكم ما يريد فيحيى من يريد ويميت من يريد من غير أن يكون للسفر أو الغزو أثر في ذلك
آل عمران : ( 157 ) ولئن قتلتم في . . . . .
واللام في قوله ) ولئن قتلتم ( موطئة وقوله ) لمغفرة ( جواب القسم ساد مسد جواب الشرط والمعنى أن السفر والغزو ليسا مما يجلب الموت ولئن وقع ذلك بأمر الله سبحانه ) لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ( أي الكفرة من منافع الدنيا وطيباتها مدة أعمارهم على قراءة من قرأ بالياء التحتية أو خير مما تجمعون أيها المسلمون من الدنيا ومنافعها على قراءة من قرأ بالفوقية والمقصود في الآية بيان مزية القتل أو الموت في سبيل الله وزيادة تأثيرهما في استجلاب المغفرة والرحمة
آل عمران : ( 158 ) ولئن متم أو . . . . .
قوله ) ولئن متم أو قتلتم ( على أي وجه حسب تعلق الإرادة الإلهية ) لإلى الله تحشرون ( هو جواب القسم المدلول عليه باللام الموطئة ساد مسد جواب الشرط كما تقدم في الجملة الأولى أي إلى الرب الواسع المغفرة تحشرون لا إلى غيره كما يفيده تقديم الظرف على الفعل مع ما في تخصيص اسم الله سبحانه بالذكر من الدلالة على كمال اللطف والقهر
آل عمران : ( 159 ) فبما رحمة من . . . . .
( وما ) في قوله ) فبما رحمة من الله ( مزيدة للتأكيد قاله سيبويه وغيره وقال ابن كيسان إنها نكرة في موضع جر بالباء ورحمة بدل منها والأول اولي بقواعد العربية ومثله قوله تعالى ) فبما نقضهم ميثاقهم ( والجار والمجرور متعلق بقوله ) لنت لهم ( وقدم عليه لإفادة القصر وتنوين رحمة للتعظيم والمعنى أن لينه لهم ما كان إلا بسبب الرحمة العظيمة منه وقيل إن ما استفهامية والمعنى فباي رحمة من الله لنت لهم وفيه معنى التعجيب وهو بعيد ولو كان كذلك لحذف الألف من ما وقيل فبم رحمة من الله والفظ الغليظ الجافي وقال الراغب الفظ هو الكريه الخلق وأصله فظظ كحذر وغلظ القلب قساوته وقلة إشفاقه وعدم إنفعاله للخير والانفضاض التفرق يقال فضضتهم فانفضوا أي فرقتهم فتفرقوا والمعنى لو كنت فظا غليظ القلب لا ترفق بهم لتفرقوا من حولك هيبة لك واحتشاما منك بسبب ما كان من توليهم وإذا كان الأمر كما ذكر ) فاعف عنهم ( فيما يتعلق بك من الحقوق ) واستغفر لهم ( الله سبحانه فيما هو إلى الله سبحانه ) وشاورهم في الأمر ( أي الذي يرد عليك أي أمر كان مما يشاور في مثله أو في أمر الحرب خاصة كما يفيده السياق لما في ذلك من تطييب خواطرهم واستجلاب مودتهم ولتعريف الأمة بمشروعية ذلك حتى لا يأنف منه أحد بعدك والمراد هنا المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها قال أهل اللغة الاستشارة مأخوذة من قول


"""""" صفحة رقم 394 """"""
العرب شرت الدابة وشورتها إذا علمت خبرها وقيل من قولهم شرت العسل إذا أخذته من موضعه قال ابن خوزمنداد واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ووجوه الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها وحكى القرطبي عن ابن عطية أنه لا خلاف في وجوب عزل من لا يستشير أهل العلم والدين قوله ) فإذا عزمت فتوكل على الله ( أي إذا عزمت عقب المشاورة على شيء واطمأنت به نفسك فتوكل على الله في فعل ذلك أي اعتمد عليه وفوض إليه وقيل إن المعنى فإذا عزمت على أمر أن تمضي فيه فتوكل على الله لا على المشاورة والعزم في الأصل قصد الإمضاء أي فإذا قصدت إمضاء أمر فتوكل على الله وقرأ جعفر الصادق وجابر بن زيد ) فإذا عزمت ( بضم التاء بنسبة العزم إلى الله تعالى أي فإذا عزمت لك على شيء وأرشدتك إليه فتوكل على الله
آل عمران : ( 160 ) إن ينصركم الله . . . . .
وقوله ) إن ينصركم الله فلا غالب لكم ( جملة مستأنفة لتأكيد التوكل والحث عليه والخذلان ترك العون أي وإن يترك الله عونكم ) فمن ذا الذي ينصركم من بعده ( وهذا الاستفهام إنكاري والضمير في قوله ) من بعده ( راجع إلى الخذلان المدلول عليه بقوله ) وإن يخذلكم ( أو إلى الله ومن علم أنه لا ناصر له إلا الله سبحانه وأن من نصره الله لا غالب له ومن خذله لا ناصر له فوض أموره إليه وتوكل عليه ولم يشتغل بغيره وتقديم الجار والمجرور على الفعل في قوله ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( لإفادة قصره عليه
آل عمران : ( 161 ) وما كان لنبي . . . . .
قوله ) وما كان لنبي أن يغل ( أي ما صح له ذلك لتنافي الغلول والنبوة قال أبو عبيد الغلول من المغنم خاصة ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغل يغل ومن الحقد غل يغل بالكسر ومن الغلول غل يغل بالضم يقال غل المغنم غلولا أي خان بأن يأخذ لنفسه شيئا يستره على أصحابه فمعنى الآية على القراءة بالبناء للفاعل ما صح لنبي أن يخون شيئا من المغنم فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول ومعناها على القراءة بالبناء للمفعول ما صح لنبي أن يغله أحد من أصحابه أي يخونه في الغنيمة وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم وإنما خص خيانة الأنبياء مع كون خيانة غيرهم من الأئمة والسلاطين والأمراء حراما لأن خيانة الأنبياء أشد ذنبا وأعظم وزرا ) ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ( أي يأت به حاملا له على ظهره كما صح ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيفضحه بين الخلائق وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رءوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملا له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب عليه قوله ) ثم توفى كل نفس ما كسبت ( أي تعطي جزاء ما كسبت وافيا من خير وشر وهذه الآية تعم كل من كسب خيرا أو شرا ويدخل تحتها الغال دخولا أوليا لكون السياق فيه
آل عمران : ( 162 ) أفمن اتبع رضوان . . . . .
قوله ) أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ( الاستفهام للإنكار أي ليس من اتبع رضوان الله في أوامره ونواهيه فعمل بأمره واجتنب نهيه كمن باء أي رجع بسخط عظيم كائن من الله بسبب مخالفته لما أمر به ونهى عنه ويدخل تحت ذلك من اتبع رضوان الله بترك الغلول واجتنابه ومن باء بسخط من الله بسبب إقدامه على الغلول
آل عمران : ( 163 ) هم درجات عند . . . . .
ثم أوضح ما بين الطائفتين من التفاوت فقال ) هم درجات عند الله ( أي متفاوتون في الدرجات والمعنى هم ذوو درجات أو لهم درجات فدرجات من اتبع رضوان الله ليست كدرجات من باء بسخط من الله فإن الأولين في أرفع الدرجات والآخرين في اسفلها
آل عمران : ( 164 ) لقد من الله . . . . .
قوله ) لقد من الله على المؤمنين ( جواب قسم محذوف وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثته ومعنى ) من أنفسهم ( أنه عربي مثلهم وقيل بشر مثلهم ووجه المنة على الأول أنهم يفقهون عنه ويفهمون كلامه ولا يحتاجون إلى ترجمان


"""""" صفحة رقم 395 """"""
ومعناها على الثاني أنهم يأنسون به بجامع البشرية ولو كان ملكا لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية وقريء ) من أنفسهم ( بفتح الفاء أي من أشرفهم لأنه من بني هاشم وبنو هاشم أفضل قريش وقريش أفضل العرب والعرب أفضل من غيرهم ولعل وجه الامتنان على هذه القراءة أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له وأقرب إلى تصديقه ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأول وأما على الوجه الثاني فلا حاجة إلى هذا التخصيص وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص لأن بني هاشم هم أنفس العرب والعجم في شرف الأصل وكرم النجار ورفاعة المحتد ويدل على الوجه الأول قوله تعالى ) هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ( وقوله ) وإنه لذكر لك ولقومك ( قوله ) يتلو عليهم آياته ( هذه منة ثانية أي يتلو عليهم القرآن بعد أن كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئا من الشرائع ) ويزكيهم ( أي يطهرهم من نجاسة الكفر وهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى وهما في محل نصب على الحال أو صفة لرسول وهكذا قوله ) ويعلمهم الكتاب ( والمراد بالكتاب هنا القرآن والحكمة السنة وقد تقدم في البقرة تفسير ذلك ) وإن كانوا من قبل ( أي من قبل محمد أو من قبل بعثته ) لفي ضلال مبين ( أي واضح لا ريب فيه واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة وبين النافية فهي تدخل في خبر المخففة لا النافية واسمها ضمير الشأن أي وإن الشأن والحديث وقيل إنها النافية واللام بمعنى إلا أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين وبه قال الكوفيون والجملة على التقديرين في محل نصب على الحال
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى ) وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض ( الآية قال هذا قول عبدالله بن أبي ابن سلول والمنافقين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ( قال يحزنهم قولهم ولا ينفعهم شيئا وأخرجوا عن قتادة في قوله ) فبما رحمة من الله ( يقول فبرحمة من الله ) لنت لهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) لانفضوا من حولك ( قال لانصرفوا عنك وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند حسن عن ابن عباس قال لما نزلت ) وشاورهم في الأمر ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن الله جعلها رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا ) وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس ) وشاورهم في الأمر ( قال أبو بكر وعمر وأخرج ابن مردويه عن علي قال ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن العزم فقال مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم ) وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية ) وما كان لنبي أن يغل ( في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخذها فنزلت وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس ) وما كان لنبي أن يغل ( قال ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه وقد ورد في تحريم الغلول أحاديث كثيرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ) هم درجات عند الله ( يقول بأعمالهم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة في قوله ) لقد من الله على المؤمنين ( الآية قالت هذه للعرب خاصة
آل عمران 165 168


"""""" صفحة رقم 396 """"""
آل عمران : ( 165 ) أو لما أصابتكم . . . . .
قوله ) أو لما أصابتكم مصيبة ( الألف للاستفهام بقصد التقريع والواو للعطف والمصيبة الغلبة والقتل الذي أصيبوا به يوم أحد ) قد أصبتم مثليها ( يوم بدر وذلك أن الذين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعون وقد كانوا قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين فكان مجموع القتلى والأسرى يوم بدر مثلى القتلى من المسلمين يوم أحد والمعنى أحين أصابكم من المشركين نصف ما اصابهم منكم قبل ذلك جزعتم وقلتم من أين أصابنا هذا وقد وعدنا بالنصر وقوله ) أنى هذا ( أي من أين أصابنا هذا الانهزام واقتل ونحن نقاتل في سبيل الله ومعنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد وعدنا الله بالنصر عليهم وقوله ) قل هو من عند أنفسكم ( أمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يجيب عن سؤالهم بهذا الجواب أي هذا الذي سألتم عنه هو من عند أنفسكم بسبب مخالفة الرماة لما أمرهم به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من لزوم المكان الذي عينه لهم وعدم مفارقتهم له على كل حال وقيل إن المراد بقوله ) هو من عند أنفسكم ( خروجهم من المدينة ويرده أن الوعد بالنصر إنما كان بعد ذلك وقيل هو اختيارهم الفداء يوم بدر على القتل
آل عمران : ( 166 ) وما أصابكم يوم . . . . .
و ) يوم التقى الجمعان ( يوم أحد أي ما أصابكم يوم أحد من القتل والجرح والهزيمة ) فبإذن الله ( فبعلمه وقيل بقضائه وقدره وقيل بتخليته بينكم وبينهم والفاء دخلت في جواب الموصول لكونه يشبه الشرط كما قال سيبويه وقوله ) وليعلم المؤمنين ( عطف على قوله ) فبإذن الله ( عطف سبب على سبب
آل عمران : ( 167 ) وليعلم الذين نافقوا . . . . .
وقوله ) وليعلم الذين نافقوا ( عطف على ما قبله قيل أعاد الفعل لقصد تشريف المؤمنين على أن يكون الفعل المسند إليهم وإلى المنافقين واحدا والمراد بالعلم هنا التمييز والإظهار لأن علمه تعالى ثابت قبل ذلك والمراد بالمنافقين هنا عبدالله بن أبي وأصحابه قوله ) وقيل لهم ( هو معطوف على قوله ) نافقوا ( أي ليعلم الله الذين نافقوا والذين قيل لهم وقيل هو كلام مبتدأ أي قيل لعبدالله بن أبي وأصحابه ) تعالوا قاتلوا في سبيل الله ( إن كنتم ممن يؤمن بالله واليوم الاخر ) أو ادفعوا ( عن أنفسكم إن كنتم لا تؤمنون بالله واليوم الآخر فأبوا جميع ذلك وقالوا لو نعلم أنه سيكون قتالا لا تبعناكم وقاتلنا معكم ولكنه لا قتال هنالك وقيل المعنى لو كنا نقدر على القتال ونحسنه لاتبعناكم ولكنا لا نقدر على ذلك ولا نحسنه وعبر عن نفي القدر على القتال بنفي العلم به لكونها مستلزمة له وفيه بعد لا ملجيء إليه وقيل معناه لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لاتبعناكم ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتال ولكنه إلقاء بالنفس إلى التهلكة لعدم القدرة منا ومنكم على دفع ما ورد من الجيش بالبروز إليهم والخروج من المدينة وهذا أيضا فيه بعد دون بعد ما قبله وقيل معنى الدفع هنا تكثير سواد المسلمين وقيل معناه رابطوا والقائل للمنافقين هذه المقالة التي حكاها الله سبحانه هو عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري والد جابر بن عبدالله قوله ) هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ( أي هم في هذا


"""""" صفحة رقم 397 """"""
اليوم الذي انخذلوا فيه عن المؤمنين إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان عند من كان يظن أنهم مسلمون لأنهم قد بينوا حالهم وهتكوا أستارهم وكشفوا عن نفاقهم إذ ذاك وقيل المعنى أنهم لأهل الكفر يومئذ أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان قوله ) يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ( جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما تقدمها أي أنهم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر وذكر الأفواه للتأكيد مثل قوله ) يطير بجناحيه )
آل عمران : ( 168 ) الذين قالوا لإخوانهم . . . . .
قوله ) الذين قالوا لإخوانهم ( إلخ أي هم الذين قالوا لإخوانهم على أنه خبر مبتدإ محذوف ويجوز أن يكون بدلا من واو يكتمون أو منصوبا على الذم أو وصف للذين نافقوا وقد تقدم معنى ) قالوا لإخوانهم ( أي قالوا لهم ذلك والحال أن هؤلاء القائلين قد قعدوا عن القتال ) لو أطاعونا ( بترك الخروج من المدينة ما قتلوا فرد الله ذلك عليهم بقوله ) قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ( والدرء الدفع أي لا ينفع الحذر من القدر فإن المقتول يقتل بأجله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أو لما أصابتكم مصيبة ( الآية يقول إنكم قد أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد وقد بين هذا عكرمة فأخرج ابن جرير عنه قال قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين وقتل مشركون يوم أحد من المسلمين سبعين وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال لما رأوا من قتل منهم يوم أحد قالوا من أين هذا ما كان للكفار أن يقتلوا منا فلما رأى الله ما قالوا من ذلك قال الله هم بالأسرى الذين أخذتم يوم بدر فردهم الله بذلك وعجل لهم عقوبة ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن مردويه عن علي قال جاء جبريل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن تقبل منهم عدتهم فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الناس فذكر ذلك لهم فقالوا يا رسول الله عشائرنا وإخواننا لا بل نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم فليس في ذلك ما نكره فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر وهذا الحديث في سنن الترمذي والنسائي هو من طريق أبي داود الحفري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان بن سعيد عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي قال الترمذي بعد إخراجه حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة وروى أبو أسامة عن هشام نحوه وروى عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مرسلا وإسناد ابن جرير لهذا الحديث هكذا حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن عون ح قال سنيد وهو حسين وحدثني حجاج عن جرير عن محمد عن عبيدة عن علي فذكره وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا قراد بن نوح حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا سماك الحنفي أبو زميل حدثني ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عنه وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله عز وجل ) أو لما أصابتكم مصيبة ( الآية وأخرجه الإمام أحمد من طريق عبدالرحمن بن غزوان وهو قراد بن نوح به ولكن بأطول منه ولكنه يشكل على حديث التخيير السابق ما نزل من المعاتبة منه سبحانه وتعالى لمن أخذ الفداء بقوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) وما روى من بكائه ( صلى الله عليه وسلم ) هو وأبو بكر ندما على أخذ الفداء ولو كان أخذ ذلك


"""""" صفحة رقم 398 """"""
بعد التخيير لهم من الله سبحانه لم يعاتبهم عليه ولا حصل ما حصل من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه من الندم والحزن ولا صوب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى عمر رضي الله عنه حيث أشار بقتل الأسرى وقال ما معناه لو نزلت عقوبة لم ينج منها إلا عمر والجميع في كتب الحديث والسير وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) قلتم أنى هذا ( ونحن مسلمون نقاتل غضبا لله وهؤلاء مشركون فقال ) قل هو من عند أنفسكم ( عقوبة لكم بمعصيتكم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال لا تتبعوهم وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ) أو ادفعوا ( قال كثروا بأنفسكم وإن لم تقاتلوا وأخرج أيضا عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عون الأنصاري في قوله ) أو ادفعوا ( قال رباطوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وعن ابن شهاب وغيره قال خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أحد في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة انخزل عنهم عبدالله بن أبي بثلث الناس وقال أطاعهم وعصاني والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا ههنا فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق وأهل الريب واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام من بني سلمة يقول يا قوم أذكركم الله ان تخذلوا نبيكم وقومكم عند ما حضرهم عدوهم قالوا لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولا نرى أن يكون قتال وأخرجه ابن إسحاق قال حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم ابن عمر بن قتادة والحسين بن عبدالرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا فذكره وزاد أنهم لما استعصوا عليه وأبو إلا الإنصراف قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) لو نعلم قتالا لاتبعناكم ( قال لو نعلم أنا واجدون معكم مكان قتال لاتبعناكم
آل عمران 169 175
آل عمران : ( 169 ) ولا تحسبن الذين . . . . .
لما بين الله سبحانه أن ما جرى على المؤمنين يوم أحد كان امتحانا ليتميز المؤمن من المنافق والكاذب من الصادق بين ههنا أن من لم ينهزم وقتل فله هذه الكرامة والنعمة وأن مثل هذا مما يتنافس فيه المتنافسون لا مما يخاف ويحذر كما قالوا من حكى الله عنهم ) لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ( وقالوا ) لو أطاعونا ما قتلوا ( فهذه


"""""" صفحة رقم 399 """"""
الجملة مستأنفة لبيان هذا المعنى والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد وقريء بالياء التحتية أي لا يحسبن حاسب
وقد اختلف أهل العلم في الشهداء المذكورين في هذه الآية من هم فقيل في شهداء أحد وقيل في شهداء بدر وقيل في شهداء بئر معونة وعلى فرض أنها نزلت في سبب خاص فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومعنى الآية عند الجمهور أنهم أحياء حياة محققة ثم اختلفوا فمنهم من يقول أنها ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فيتنعمون وقال مجاهد يرزقون من ثمر الجنة أي يجدون ريحها وليسوا فيها وذهب من عدا الجمهور إلى أنها حياة مجازية والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة والصحيح الأول ولا موجب للمصير إلى المجاز وقد وردت السنة المطهرة بأن أرواحهم في اجواف طيور خضر وأنهم في الجنة يرزقون ويأكلون ويتمتعون وقوله ) الذين قتلوا ( هو المفعول الأول والحاسب هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو كل أحد كما سبق وقيل يجوز أن يكون الموصول هو فاعل الفعل والمفعول الأول محذوف أي لا تحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا وهذا تكليف لا حاجة إليه ومعنى النظم القرآني في غاية الوضوح والجلاء وقوله ) بل أحياء ( خبر مبتدا محذوف أي بل هم أحياء وقريء بالنصب على تقدير الفعل أي بل أحسبهم أحياء وقوله ) عند ربهم ( إما خبر ثان أو صفة لأحياء أو في محل نصب على الحال وقيل في الكلام حذف والتقدير عند كرامة ربهم قال سيبويه هذه عندية الكرامة لا عندية القرب وقوله ) يرزقون ( يحتمل في إعرابه الوجوه التي ذكرناها في قوله ) عند ربهم ( والمراد بالرزق هنا هو الرزق المعروف في العادات على ما ذهب إليه الجمهور كما سلف وعند من عدا الجمهور المراد به الثناء الجميل ولا وجه يقتضي تحريق الكلمات العربية في كتاب الله تعالى وحملها على مجازات بعيدة لا لسبب يقتضي ذلك
آل عمران : ( 170 ) فرحين بما آتاهم . . . . .
وقوله ) فرحين ( حال من الضمير في يرزقون وبما آتاهم الله من فضله متعلق به وقرأ ابن السميفع ) فرحين ( وهما لغتان كالفره والفاره والحذر والحاذر والمراد ) بما آتاهم الله ( ما ساقه الله إليهم من الكرامة بالشهادة وما صاروا فيه من الحياة وما يصل إليهم من رزق الله سبحانه
آل عمران : ( 171 ) يستبشرون بنعمة من . . . . .
و) يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ( من إخوانهم المجاهدين الذي لم يقتلوا إذ ذاك فالمراد باللحوق هنا أنهم لم يلحقوا بهم في القتل والشهادة بل سيلحقون بهم من بعد وقيل المراد لم يلحقوا بهم في الفضل وإن كانوا أهل فضل في الجملة والواو في ) ويستبشرون ( عاطفة على ) يرزقون ( أي يرزقون ويستبشرون وقيل المراد بإخوانهم هنا جميع المسلمين الشهداء وغيرهم لأنهم لما عاينوا ثواب الله وحصل لهم اليقين بحقية دين الإسلام استبشروا بذلك لجميع أهل الإسلام الذين هم أحياء لم يموتوا وهذا أقوى لأن معناه أوسع وفائدته أكثر واللفظ يحتمله بل هو الظاهر وبه قال الزجاج وابن فورك وقوله ) ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( بدل من الذين أي يستبشرون بهذه الحالة الحاصلة لإخوانهم من انه لا خوف عليهم ولا حزن وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف وكرر قوله ) يستبشرون ( لتأكيد الأول ولبيان أن الاستبشار ليس لمجرد عدم الخوف والحزن بل به وبنعمة الله وفضله والنعمة ما ينعم الله به على عباده والفضل ما يتفضل به عليهم وقيل النعمة الثواب والفضل الزائد وقيل النعمة الجنة والفضل داخل في النعمة ذكر بعدها لتأكيدها وقيل إن الاستبشار الأول متعلق بحال إخوانهم والاستبشار الثاني بحال أنفسهم قوله ) وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ( قرأ الكسائي بكسر الهمزة من أن وقرأ الباقون بفتحها فعلى القراءة الأولى هو مستأنف اعتراض وفيه دلالة على أن الله لا يضيع أجر شيء من أعمال المؤمنين ويؤيده قراءة ابن مسعود والله لا يضيع أجر المؤمنين وعلى القراءة الثانية الجملة عطف على فضل داخلة في جملة ما يستبشرون به
آل عمران : ( 172 ) الذين استجابوا لله . . . . .
وقوله ) الذين استجابوا ( صفة للمؤمنين أو بدل منهم أو من الذين لم


"""""" صفحة رقم 400 """"""
يلحقوا بهم أو هو مبتدأ خبره ) للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ( بجملته أو منصوب على المدح وقد تقدم تفسير القرح
آل عمران : ( 173 ) الذين قال لهم . . . . .
قوله ) الذين قال لهم الناس ( المراد بالناس هنا نعيم بن مسعود كما سيأتي بيانه وجاز إطلاق لفظ الناس عليه لكونه من جنسهم وقيل المراد بالناس ركب عبد القيس الذين مروا بأبي سفيان وقيل هم المنافقون والمراد بقوله ) إن الناس قد جمعوا لكم ( أبو سفيان وأصحابه والضمير في قوله ) فزادهم ( راجع إلى القول المدلول عليه بقال أو إلى المقول وهو ) إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ( أو إلى القائل والمعنى أنهم لم يفشلوا لما سمعوا ذلك ولا التفتوا إليه بل أخلصوا لله وازدادوا طمأنينة ويقينا وفيه دليل على أن الإيمان يزيد وينقص قوله ) وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ( حسب مصدر حسبه أي كفاه وهو بمعنى الفاعل أي محسب بمعنى كافي قال في الكشاف والدليل على أنه بمعنى المحسب أنك تقول هذا رجل حسبك فتصف به النكرة لأن إضافته لكونه بمعنى اسم الفاعل غير حقيقة انتهى والوكيل هو من توكل إليه الامور أي نعم الموكول إليه أمرنا أو الكافي أو الكافل والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم الوكيل الله سبحانه
آل عمران : ( 174 ) فانقلبوا بنعمة من . . . . .
قوله ) فانقلبوا ( هو معطوف على محذوف أي فخرجوا إليهم فانقلبوا بنعمة هو متعلق بمحذوف وقع حالا والتنوين للتعظيم أي رجعوا متلبسين ) بنعمة ( عظيمة وهي السلامة من عدوهم وعافية ) وفضل ( أي أجر تفضل الله به عليهم وقيل ربح في التجارة وقيل النعمة خاصة بمنافع الدنيا والفضل بمنافع الآخرة وقد تقدم تفسيرهما قريبا بما يناسب ذلك المقام لكون الكلام فيه مع الشهداء الذين قد صاروا في الدار الآخرة والكلام هنا مع الأحياء قوله ) لم يمسسهم سوء ( في محل نصب على الحال أي سالمين عن سوء لم يصبهم قتل ولا جرح ولا ما يخافونه ) واتبعوا رضوان الله ( في ما يأتون ويذرون ومن ذلك خروجهم لهذه الغزوة ) والله ذو فضل عظيم ( لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه ومن تفضله عليهم تثبيتهم وخروجهم للقاء عدوهم وإرشادهم إلى أن يقولوا هذه المقالة التي هي جالبة لكل خير ودافعة لكل شر
آل عمران : ( 175 ) إنما ذلكم الشيطان . . . . .
قوله ) إنما ذلكم ( أي المثبط لكم أيها المؤمنون ) الشيطان ( هو خبر اسم الإشارة ويجوز أن يكون الشيطان صفة لاسم الإشارة والخبر قوله ) يخوف أولياءه ( فعلى الأول يكون قوله ) يخوف أولياءه ( جملة مستأنفة أو حالية والظاهر أن المراد هنا الشيطان نفسه باعتبار ما يصدر منه من الوسوسة المقتضية للتثبيط وقيل المراد به نعيم بن مسعود لما قال لهم تلك المقالة وقيل أبو سفيان لما صدر منه الوعيد لهم والمعنى أن الشيطان يخوف المؤمنين أولياءه وهم الكافرون وقيل إن قوله ) أولياءه ( منصوب بنزع الحافض أن يخوفكم بأوليائه أو من أوليائه قاله الفراء والزجاج وأبو علي الفارسي ورده ابن الأنباري بأن التخويف قد يتعدى بنفسه إلى مفعولين فلا ضرورة إلى إضمار حرف الجر وعلى قول الفراء ومن معه يكون مفعول يخوف محذوفا أي يخوفكم وعلى الأول يكون المفعول الأول محذوفا والثاني مذكورا ويجوز أن يكون المراد أن الشيطان يخوف أولياءه وهم القاعدون من المنافقين فلا حذف قوله ) فلا تخافوهم ( أي أولياءه الذين يخوفكم بهم الشيطان أو فلا تخافوا الناس المذكورين في قوله ) إن الناس قد جمعوا لكم ( نهاهم سبحانه عن أن يخافوهم فيجبنوا عن اللقاء ويفشلوا عن الخروج وأمرهم بأن يخافوه سبحانه فقال ) وخافون ( فافعلوا ما آمركم به واتركوا ما أنهاكم عنه لأني الحقيق بالخوف مني والمراقبة لأمري ونهيي لكون الخير والشر بيدي وقيده بقوله ) إن كنتم مؤمنين ( لأن الإيمان يقتضي ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ( في حمزة وأصحابه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي الضحى أنها نزلت في قتلى أحد وحمزة منهم


"""""" صفحة رقم 401 """"""
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا ) وفي لفظ ( قالوا من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله أنا ابلغهم عنكم فأنزل الله هؤلاء الآيات ) ولا تحسبن الذين قتلوا ( الآية وما بعدها ) وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبدالله أن أباه سأل الله سبحانه أن يبلغ من وراءه ما هو فيه فنزلت هذه الآية وهو من قتلى أحد وقد روى من وجوه كثيرة أن سبب نزول الآية قتلى أحد وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أنس أن سبب نزول هذه الآية قتلى بئر معونة وعلى كل حال فالآية باعتبار عموم لفظها يدخل تحتها كل شهيد وقد ثبت في أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره أن ارواح الشهداء في أجواف طيور خضر وثبت في فضل الشهداء ما يطول تعداده ويكثر إيراده مما هو معروف في كتب الحديث وأخرج النسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال لما رجع المشركون عن أحد قالوا لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتم ارجعوا فسمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عتبة شك سفيان فقال المشركون يرجع من قابل فرجع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكانت تعد غزوة فأنزل الله سبحانه ) الذين استجابوا لله والرسول ( الآية وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة في قوله تعالى ) الذين استجابوا لله والرسول ( الآية أنها قالت لعروة بن الزبير يابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أصاب يوم أحد انصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال من يرجع في أثرهم فانتدب منهم سبعون فيهم أبو بكر والزبير وأخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحمراء الأسد وقد أجمع أبو سفيان بالرجعة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه وقالوا رجعنا قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم فبلغه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خرج في أصحابه يطلبهم فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه ومر ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان بلغوا محمدا أنا قد أجمعنا الرجعة على أصحابه لنستأصلهم فلما مر الركب برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحمراء الأسد أخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمون معه حسبنا الله ونعم الوكيل فأنزل الله في ذلك ) الذين استجابوا لله والرسول ( الآيات وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس فمشوا في الناس يخوفونهم وقالوا إنا قد أخبرنا أن قد جمعوا لكم من الناس مثل الليل يرجون أن يواقعوكم والروايات في هذا الباب كثيرة قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال القرح الجراحات واخرج ابن جرير عن السدي أن أبا سفيان وأصحابه لقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا على أن يخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه أنهم قد جمعوا لهم فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فقال هو والصحابة حسبنا الله ونعم الوكيل ثم رجعوا من حمراء الأسد فأنزل الله فيهم وفي الأعرابي ) الذين قال لهم الناس ( الآية وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع أن هذا الأعرابي من خزاعة


"""""" صفحة رقم 402 """"""
وقد ورد في فضل هذه الكملة أعني ) حسبنا الله ونعم الوكيل ( أحاديث منها ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) قال ابن كثير بعد إخراجه هذا حديث غريب من هذا الوجه وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( حسبي إله ونعم الوكيل أمان كل خائف ) وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن عائشة ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال حسبي الله ونعم الوكيل ) وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قالوا ) إن الناس قد جمعوا لكم ( وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عوف بن مالك أنه حدثهم ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قضى بين رجلين فقال المقضى عليه لما أدبر حسبي الله ونعم الوكيل فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ردوا على الرجل فقال ما قلت قال قلت حسبي الله ونعم الوكيل فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل ) وأخرج أحمد عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كيف أنعم وصاحب القرن قد إلتقم القرن وحنى جبهته يسمع متى يؤمر فينفخ ثم أمر أصحابه أن يقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا ) وهو حديث جيد وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ( قال النعمة أنهم سلموا والفضل أن عيرا مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فربح مالا فقسمه بين أصحابه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر وأخرج ابن جرير عن السدي قال أما النعمة فهي العافية وأما الفضل فالتجارة والسوء القتل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) لم يمسسهم سوء ( قال لم يؤذهم أحد ) واتبعوا رضوان الله ( قال أطاعوا الله ورسوله وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه في قوله ) إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ( قال يقول الشيطان يخوف بأوليائه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال يعظم أولياءه في أعينكم وأخرج ابن المنذر عن عكرمة مثل قول ابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن إنما كان ذلك تخويف الشيطان ولا يخاف الشيطان إلا ولي الشيطان
آل عمران 176 180


"""""" صفحة رقم 403 """"""
آل عمران : ( 176 ) ولا يحزنك الذين . . . . .
قوله ) ولا يحزنك ( قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي وقرأ ابن محيصن بضم الياء والزاي وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي وهما لغتان يقال حزنني الأمر وأحزنني والأولى أفصح وقرأ طلحة ? يسرعون ? قيل هم قوم ارتدوا فاغتم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لذلك فسلاه الله سبحانه ونهاه عن الحزن وعلل ذلك بأنهم لن يضروا الله شيئا وانما ضروا أنفسهم بأن لا حظ لهم في الآخرة ولهم عذاب عظيم وقيل هم كفار قريش وقيل هم المنافقون وقيل هو عام في جميع الكفار قال القشيري والحزن على كفر الكافر طاعة ولكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يفرط في الحزن فنهي عن ذلك كما قال الله تعالى ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( ) فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ( وعدى السارعون بفي دون إلى للدلالة على أنهم مستقرون فيه مديمون لملابسته ومثله يسارعون في الخيرات وقوله ) إنهم لن يضروا الله شيئا ( تعليل للنهي والمعنى أن كفرهم لا ينقص من ملك الله سبحانه شيئا وقيل المراد لن يضروا أولياءه ويحتمل أن يراد لن يضروا دينه الذي شرعه لعباده وشيئا منصوب على المصدرية أي شيئا من الضرر وقيل منصوب بنزع الخافض أي بشيء والحظ النصيب قال أبو زيد يقال رجل حظيظ إذا كان ذا حظ من الرزق والمعنى أن الله يريد أن لا يجعل لهم نصيبا في الجنة أو نصيبا من الثواب وصيغة الاستقبال للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها ) ولهم عذاب عظيم ( بسبب مسارعتهم في الكفر فكان ضرر كفرهم عائدا عليهم جالبا لهم عدم الحظ في الآخرة ومصيرهم في العذاب العظيم
آل عمران : ( 177 ) إن الذين اشتروا . . . . .
قوله ) إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ( أي استبدلوا الكفر بالإيمان وقد تقدم تحقيق هذه الاستعارة ) لن يضروا الله شيئا ( معناه كالأول وهو للتأكيد لما تقدمه وقيل إن الأول خاص بالمنافقين والثاني يعم جميع الكفار والأول أولى
آل عمران : ( 178 ) ولا يحسبن الذين . . . . .
قوله ) ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ( قرأ ابن عامر وعاصم وغيرهما ) يحسبن ( بالياء التحتية وقرأ حمزة بالفوقية والمعنى على الأولى لا يحسبن الكافرون أنما نملي لهم بطول العمر ورغد العيش أو بما أصابوا من الظفر يوم أحد ) خير لأنفسهم ( فليس الأمر كذلك بل إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين وعلى القراءة الثانية لا تحسبن يا محمد أن الإملاء للذين كفروا بما ذكر خير لأنفسهم بل هو شر واقع عليهم ونازل بهم وهو أن الإملاء الذي نمليه لهم ليزدادوا إثما فالموصول على القراءة الأولى فاعل الفعل وأنما نملي وما بعده ساد مسد مفعولي الحسبان عند سيبويه أو ساد مسد أحدهما والآخر محذوف عند الأخفش وأما على القراءة الثانية فقال الزجاج إن الموصول هو المفعول الأول وأنما وما بعدها بدل من الموصول ساد مسد المفعولين ولا يصح أن يكون أنما وما بعده هو المفعول الثاني لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى وقال أبو علي الفارسي لو صح هذا لكان خيرا بالنصب لأنه يصير بدلا من الذين كفروا فكأنه قال لا تحسبن املاء الذين كفروا خيرا وقال الكسائي والفراء إنه يقدر تكرير الفعل كأنه قال ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن أنما نملي لهم فسدت مسد المفعولين وقال في الكشاف فإن قلت كيف صح مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد قلت صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحي ألا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق


"""""" صفحة رقم 404 """"""
بعض مع امتناع سكوتك على متاعك انتهى وقرأ يحيى بن وثاب ( إنما نملي ) بكسر إن فيهما وهي قراءة ضعيفة باعتبار العربية وقوله ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( جملة مستأنفة مبينة لوجه الإملاء للكافرين وقد احتج الجمهور بهذه الآية على بطلان ما تقوله المعتزلة لأنه سبحانه أخبر بأنه يطيل أعمار الكفار ويجعل عيشهم رغدا ليزدادوا إثما قال أبو حاتم وسمعت الأخفش يذكر كسر ( إنما نملي ) الأولى وفتح الثانية ويحتج بذلك لأهل القدر لأنه منهم ويجعله على هذا التقدير ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم خير لأنفسهم وقال في الكشاف إن ازدياد الإثم علة وما كل علة بعرض ألا تراك تقول قعدت عن الغزو للعجز والفاقة وخرجت من البلد لمخافة الشر وليس شئ يعرض لك وإنما هي علل واسباب
آل عمران : ( 179 ) ما كان الله . . . . .
قوله ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه ) كلام مستأنف والخطاب عند جمهور المفسرين للكفار والمنافقين أي ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر والنفاق ( حتى يميز الخبيث من الطيب ) وقيل الخطاب للمؤمنين والمنافقين أي ما كان الله ليترككم على الحال التي أنتم عليه من الاختلاط حتى يميز بعضكم من بعض وقيل الخطاب للمشركين والمراد بالمؤمنين من في الأصلاب والأرحام أي ما كان الله ليذر أولادكم على ما أنتم عليه حتى يفرق بينكم وبينهم وقيل الخطاب للمؤمنين أي ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من الاختلاط بالمنافقين حتى يميز بينكم وعلى هذا الوجه والوجه الثاني يكون في الكلام التفات وقرئ ( يميز ) بالتشديد للمخفف من ماز الشيء يميزه ميزا إذا فرق بين شيئين فإن كانت أشياء قيل ميزه تمييزا ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) حتى تميزوا بين الطيب والخبيث فإنه المستأثر بعلم الغيب لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول من رسله يجتبيه فيطلعه على شئ من غيبه فيميز بينكم كما وقع من نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) من تعيين كثير من المنافقين فإن ذلك كان بتعليم الله له لابكونه يعلم الغيب وقيل المعنى وما كان الله ليطلعكم على الغيب في من يستحق النبوة حتى يكون الوحي باختياركم ( ولكن الله يجتبى ) أي يختار ( من رسله من يشاء ) قوله ( فآمنوا بالله ورسله ) أي افعلوا الأيمان المطلوب منكم ودعوا الاشتغال بما ليس من شأنكم من التطلع لعلم الله سبحانه ( وإن تؤمنوا ) بما ذكر ( وتتقوا فلكم ) عوضا عن ذلك ( أجر عظيم ) لا يعرف قدره ولا يبلغ كنهه
آل عمران : ( 180 ) ولا يحسبن الذين . . . . .
قوله ) ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ( الموصول في محل رفع على انه فاعل الفعل على قراءة من قرأ بالياء التحتية والمفعول الأول محذوف أي لا يحسبن الباخلون البخل خيرا لهم قاله الخليل وسيبويه والفراء قالوا وإنما حذف لدلالة يبخلون عليه ومن ذلك قول الشاعر إذا نهى السفيه جرى إليه
وخالف والسفيه إلى خلاف
أي جرى إلى السفه فالسفيه دل على السفه وأما على قراءة من قرأ بالفوقية فالفعل مسند إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمفعول الأول محذوف أي لا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون خيرا لهم قال الزجاج هو مثل واسأل القرية والضمير المذكور هو ضمير الفصل قال المبرد والسين في قوله ( سيطوقون ما بخلوا به ) سين الوعيد وهذه الجملة مبينة لمعنى قوله ( بل هو شر لهم ) قيل ومعنى التطويق هنا انه يكون ما بخلوا من المال طوقا من نار في أعناقهم وقيل معناه انه سيحملون عقاب مابخلوا به فهو من الطاقة وليس من التطويق وقيل المعنى أنهم يلزمون أعمالهم كما يلزم الطوق العنق يقال طوق فلان عمله طوق الحمامة أي ألزم محمد جزاء عمله وقيل إن مالم تؤد زكاته من المال يمثل له شجاعا أقرع حتى يطوق به في عنقه كما ورد ذلك مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال القرطبي والبخل في اللغة أن يمنع الإنسان الحق الواجب فأما من منع مالا يجب عليه فليس ببخيل قوله ( ولله ميراث السموات والأرض ) أي له وحده لغيره كما يفيد التقديم والمعنى أن له ما فيهما مما


"""""" صفحة رقم 405 """"""
يتوارثه أهلها فما بالهم يبخلون بذلك ولا ينفقونه وهو لله سبحانه لا لهم وإنما كان عندهم عارية مستردة ومثل هذه الآية قوله تعالى إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وقوله ) وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ( والميراث في الأصل هو ما يخرج من مالك إلى آخر ولم يكن مملوكا لذلك الآخر قبل انتقاله إليه بالميراث ومعلوم إن الله سبحانه هو المالك بالحقيقة لجميع مخلوقاته
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
و قد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ) قال هم المنافقون وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها من الحياة إن كان برا فقد قال الله ) وما عند الله خير للأبرار ( وإن كان فاجرا فقد قال ( ولا يحسبن الذين كفروا ) الآية وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الدرداء نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن محمد بن كعب نحوه وأخرج عبد بن حميد عن أبي برزة أيضا نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال قالوا إن كان محمد صادقا فليخبرنا بمن يؤمن به منا ومن يكفر فأنزل الله ) ما كان الله ليذر المؤمنين ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال يميز أهل السعادة من أهل الشقاوة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال يميز بينهم في الجهاد والهجرة وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) قال ولا يطلع على الغيب إلا رسول وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ( ولكن الله يجتبى ) قال يختص وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك قال يستخلص وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( ولا يحسبن الذين يبخلون ) قال هم أهل الكتاب بخلوا إن يبينوه للناس وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال هم يهود وأخرج ابن جرير عن السدى قال بخلوا إن ينفقوها في سبيل الله لم يؤدوا زكاتها وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاع اقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمته يعني بشدقه فيقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هذه الآية ) وقد ورد هذا المعنى في أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة يرفعونها
آل عمران 181 184
آل عمران : ( 181 ) لقد سمع الله . . . . .
قال أهل التفسير لما أنزل الله من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال قوم من اليهود هذه المقالة تمويها على ضعفائهم لا أنهم يعتقدون ذلك لأنهم أهل الكتاب بل ارادوا انه تعالى إن صح ما طلبه منا القرض على لسان


"""""" صفحة رقم 406 """"""
محمد فهو فقير ليشككوا على اخوانهم في دين الإسلام وقوله ( سنكتب ما قالوا ) سنكتبه في صحف الملائكة أو سنحفظه أو سنجازيهم عليه والمراد الوعيد لهم وان ذلك لا يفوت على الله بل هو معد لهم يوم الجزاء و جملة سنكتب على هذا مستأنفة جوابا لسؤال مقدر كانه قيل ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع فقال قال لهم ( سنكتب ماقالوا ) وقرأ الأعمش وحمزة ( سيكتب ) بالمثناة التحتية مبني للمفعول وقرأ برفع اللام من ( قتلهم ) ويقول بالياء المثناة تحت قوله ( وقتلهم الأنبياء ) عطف على ماقالوا أي ونكتب قتلهم الأنبياء أي قتل أسلافهم للأنبياء وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم راضوا به جعل ذلك القول قرينا لقتل الأنبياء تنبيها على انه من العظم والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء قوله ( ونقول ) معطوف على ( سنكتب ) أي ننتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار أو عند الموت أو عند الحساب والحريق اسم للنار الملتهبة وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة وقرأ ابن مسعود ( ويقال ذوقوا
آل عمران : ( 182 ) ذلك بما قدمت . . . . .
والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى العذاب المذكور قبله وأشار إلى القريب بالصيغة التي يشار بها إلى البعيد للدلالة على بعد منزلته في الفظاعة وذكر الأيدي لكونها المباشرة لغالب المعاصي وقوله ( وان الله ليس بظلام للعبيد ) معطوف على ( ماقدمت أيديكم ) ووجه انه سبحانه عذبهم بما أصابوا من الذنب وجازاهم على فعلهم فلم يكن ذلك ظلما أو بمعنى انه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء وليس بظالم لمن عذبه بذنبه وقيل إن وجهه إن نفى الظلم مستلزم للعدل المقتضى لإثابة المحسن ومعاقبة المسئ ورد بأن ترك التعذيب مع وجود سببه ليس بظلم عقلا ولا شرعا قيل إن جملة قوله ( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) في محل رفع على انها خبر مبتدأ محذوف أي والأمر أن الله ليس بظلام للعبيد والتعبير بذلك عن نفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم عند أهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا لبيان تنزهه عن ذلك ونفي ظلام المشعر بالكثرة يفيد ثبوت أصل الظلم وأجيب عن ذلك بأن الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلما لكان عظيما فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتا
آل عمران : ( 183 ) الذين قالوا إن . . . . .
قوله ( والذين قالوا ) هو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين قالوا وقيل نعت للعبيد وقيل منصوب على الذم وقيل هو في محل جر بدل من ( لقد سمع الله قول الذين قالوا ) وهو ضعيف لأن البدل هو المقصود دون المبدل منه وليس الأمر كذلك هنا والقائلون هؤلاء هم جماعة من اليهود كما سيأتي وهذا المقول وهو أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا لرسول حتى يأتيهم بالقربان هو من جملة دعاويهم الباطلة وقد كان دأب بني إسرائيل أنهم كانوا يقربون القربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرقه ولم يتعبد الله بذلك كل انبيائه ولا جعله دليلا على صدق دعوى النبوة ولهذا رد الله عليهم فقال ( قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ) من القربان ( فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) كيحيى بن زكريا وشعياء وسائر لا من قتلوا من الأنبياء والقربان ما يتقرب به إلى الله من نسيكة وصدقة وعمل صالح وهو فعلان من القربة
آل عمران : ( 184 ) فإن كذبوك فقد . . . . .
ثم سلى الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا ) بمثل ما جئت به من البينات والزبر جمع زبور وهوالكتاب وقد تقدم تفسيره ( والكتاب المنير ) الواضح الجلى المضئ يقال نار الشيء وأنار ونوره واستناره بمعنى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال دخل أبو بكر بيت المدراس فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم فقال أبو بكر ويحك يافنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فقال فنحاص


"""""" صفحة رقم 407 """"""
والله با أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وانه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء ولو كان غنيا عنا ما ستقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا عنا ما اعطانا الربا فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد انظر ما صنع صاحبك بي فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي بكر ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله قال قولا عظيما يزعم أن الله فقير وانهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه فجحد فنحاص فقال ما قلت ذلك فأنزل الله فيما قال فنحاص تصديقا لأبي بكر ) لقد سمع الله قول الذين قالوا ( الآية ونزل في أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا الآية وقد أخرج هذه القصة ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وأخرجها ابن جرير عن السدى بأخصر من ذلك وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أتت اليهود محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) حين أنزل الله ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) فقالوا يا محمد أفقير ربك يسأل عباده القرض فأنزل الله الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة إن القائل لهذه المقالة حيى بن أخطب وأنها نزلت فيه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن العلاء بن بدر انه سئل عن قوله 0 وقتلهم الأنبياء بغير حق ) وهم لم يدركوا ذلك قال بموالاتهم من قتل الأنبياء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله 0 وان الله ليس بظلام للعبيد ) قال ما أنا بمعذب من لم يجترم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) الذين قالوا إن الله عهد إلينا ( قال هم اليهود وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ( حتى يأتينا بقربان تأكله النار ) قال يتصدق الرجل منا فإذا تقبل منه انزلت عليه النار من السماء فأكلته وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ( الذين قالوا إن الله عهد إلينا ) قال كذبوا على الله وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ( بالبينات ) قال الحلال والحرام ( والزبر ) قال كتب الأنبياء ( والكتاب المنير ) قال هو القرآن
آل عمران 185 189


"""""" صفحة رقم 408 """"""
آل عمران : ( 185 ) كل نفس ذائقة . . . . .
قوله ( ذائقة ) من الذوق ومنه قوله أمية بن أبي الصلت من لم يمت غبطة يمت هرما
الموت كأس والمرء ذائقها
وهذه الآية تتضمن الوعد والوعيد للمصدق والمكذب بعد إخباره عن الباخلين القائلين ( إن الله فقير ونحن أغنياء ) وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وابن أبي إسحاق ( ذائقة الموت ) بالتنوين ونصب الموت وقرأ الجمهور بالإضافة قوله ( وأنما توفون اجوركم يوم القيامة ) أجر المؤمن الثواب واجر الكافر العقاب أي إن توفية الاجور وتكميلها إنما تكون في ذلك اليوم ومايقع من الاجور في الدنيا أو في البرزخ فإنما هو بعض الاجور والزحزحة التنحية والابعاد تكرير الزح وهوالجذب بعجلة قاله في الكشاف وقد سبق الكلام عليه أي فمن بعد النار يؤمئذ ونحى فقد فاز أي ظفر بما يريد ونجا مما يخاف وهذا هو الفوز الحقيقي الذي لافوز يقاربه فإن كل فوز وإن كان بجميع المطالب دون الجنة ليس بشئ بالنسبة إليها اللهم لافوز إلا فوز الآخرة ولا عيش إلا عيشها ولانعيم إلا نعيمها فاغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وارض عنا رضا لاسخط بعده واجمع لنا بين الرضا منك علينا والجنة والمتاع ما يتمتع به الإنسان وينتفع به ثم يزول ولا يبقى كذا قال أكثر المفسرين الغرور الشيطان يغر الناس بالأماني الباطلة والمواعيد الكاذبة شبه سبحانه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على من يريده وله ظاهر محبوب وباطن مكروه
آل عمران : ( 186 ) لتبلون في أموالكم . . . . .
قوله ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ) هذا الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأمته تسلية لهم عما سيلقونه من الكفرة والفسقة ليوطنوا أنفسهم على الثبات والصبر على المكاره والابتلاء الإمتحان والاختبار والمعنى لتمتحنن ولتختبرن في أموالكم بالمصائب والانفاقات الواجبة وسائر التكاليف الشرعية المتعلقة بالأموال والابتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفقد الاحباب والقتل في سبيل الله وهذه الجملة جواب قسم محذوف دلت عليه اللام الموطئة ( ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ) وهم اليهود والنصارى ( ومن الذين أشركوا ) وهم سائر الطوائف الكفرية من غير أهل الكتاب ( أذى كثيرا ) من الطعن في دينكم وأعراضكم والاشارة بقوله ( فإن ذلك ) إلى الصبر والتقوى المدلول عليهما بالفعلين وعزم الأمور معزوماتها أي مما يجب عليكم إن تعزموا عليه لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليهم القيام بها يقال عزم الأمر أي شده وأصلحه
آل عمران : ( 187 ) وإذ أخذ الله . . . . .
قوله ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) هذه الآية توبيخ لأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى أو اليهود فقط على الخلاف في ذلك والظاهر أن المراد بأهل الكتاب كل من آتاه الله علم شئ من الكتاب أي كتاب كان كما يفيده التعريف الجنسى في الكتاب قال الحسن وقتادة إن الآية عامة لكل عالم وكذا قال محمد بن كعب ويدل على ذلك قول أبي هريرة لولا ماأخذ الله على أهل الكتاب ما حدثكم بشيء ثم تلا هذه الآية والضمير في قوله ( لتبيننه ) راجع إلى الكتاب وقيل راجع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإن لم يتقدم له ذكر لأن الله أخذ على اليهود والنصارى أن يبينوا نبوته للناس ولا يكتموها ( فنبذوه وراء ظهورهم ) وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وأهل المدينة ( ليبيننه ) بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية وقرأ ابن عباس ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتبيننه ) ويشكل على هذه القراءة قوله ( فنبذوه ) فان بد من إن يكون فاعله الناس وفي قراءة ابن مسعود ( لتبينونه ) والنبذ الطرح وقد تقدم في البقرة وقوله ( وراء ظهورهم ) مبالغة في النبذ والطرح وقد تقدم أيضا معنى قوله ( واشتروا به ثمنا قليلا ) والضمير عائد إلى الكتاب


"""""" صفحة رقم 409 """"""
الذي أمروا ببيانه ونهوا عن كتمانه وقوله ) ثمنا قليلا ( أي حقيرا يسيرا من حطام الدنيا وأعراضها قوله ) فبئس ما يشترون ( ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ويشترون صفة والمخصوص بالذم محذوف أي بئس شيئا يشترونه بذلك الثمن
آل عمران : ( 188 ) لا تحسبن الذين . . . . .
قوله ) لا تحسبن الذين يفرحون ( قرأ الكوفيون بالتاء الفوقية والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له وقوله ) بما أتوا ( أي بما فعلوا وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي والظاهر شمولها لكل من حصل منه ما تضمنته عملا بعموم الفظ وهو المعتبر دون خصوص السبب فمن فرح بما فعل وأحب أن يحمده الناس بما لم يفعل فلا تحسبنه بمفازة من العذاب وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو ولا يحسبن ) بالياء التحتية أي لا يحسبن الفارحون فرحهم منجيا لهم من العذاب فالمفعول الأول محذوف وهو فرحهم والمفعول الثاني بمفازة من العذاب وقوله ) فلا تحسبنهم ( تأكيد للفعل الأول على القراءتين والمفازة المنجاة مفعلة من فاز يفوز إذا نجا أي ليسوا بفائزين سمي موضع الخوف مفازة على جهة التفاؤل قاله الأصمعي وقيل لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك تقول العرب فوز الرجل إذا مات قال ثعلب حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال أخطأ قال لي أبو المكارم إنما سميت مفازة لأن من قطعها فاز وقال ابن الأعرابي بل لأنه مستسلم لما أصابه وقيل المعنى لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب لأن الفوز التباعد عن المكروه وقرأ مروان بن الحكم والأعمش وإبراهيم النخعي ( آتوا ) بالمد أي يفرحون بما أعطو وقرأ جمهور القراء السبعة وغيرهم ( أتوا ) بالقصر
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج بن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن حبان وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم ) فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ( ) وأخرج ابن مردويه عن سهل بن سعد مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري في قوله ) ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( قال هو كعب بن الأشرف وكان يحرض المشركين على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه في شعره وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال يعني اليهود والنصارى فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم ) عزير ابن الله ( ومن النصارى قولهم ) المسيح ابن الله ( ) وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ( قال من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ( قال فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ( قال كان الله أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال في التوراة والإنجيل أن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده وأن محمدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل فنبذوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال هم اليهود ( لتبيننه للناس ) قال محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن السدي مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هذا ميثاق أخذه الله على اهل العلم فمن علم علما فليعلمه الناس وإياكم وكتمان العلم فإن كتمان العلم هلكة وأخرج ابن سعد عن الحسن قال لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه وأخرج البخاري ومسلم


"""""" صفحة رقم 410 """"""
وغيرهما أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت في أهل الكتاب ثم تلا ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ( الآية قال ابن عباس سألهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الغزو وتخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعولوا فنزلت وقد روى أنها نزلت في فنحاص وأشيع وأشباههما وروى أنها نزلت في اليهود وأخرج مالك وابن سعد والطبراني والبيهقي في الدلائل عن محمد بن ثابت أن ثابت بن قيس قال يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال لم قال قد نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل وأجدني أحب الحمد ونهانا عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال ونهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا رجل جهير الصوت فقال يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله ) بمفازة ( قال بمنجاة وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله
آل عمران 190 194
آل عمران : ( 190 ) إن في خلق . . . . .
قوله ) إن في خلق السماوات ( هذه جملة مستأنفة لتقرير اختصاصه سبحانه بما ذكره فيها والمراد ذات السموات والأرض وصفاتهما واختلاف الليل والنهار أي تعاقبهما وكون كل واحد منهما يخلف الآخر وكون زيادة أحدهما في نقصان الآخر وتفاوتهما طولا وقصرا وحرا وبردا وغير ذلك ) لآيات ( أي دلالات واضحة وبراهين بينة تدل على الخالق سبحانه وقد تقدم تفسير بعض ما هنا في سورة البقرة والمراد بأولي الألباب أهل العقول الصحيحة الخالصة عن شوائب النقص فإن مجرد التفكر فيما قصه الله في هذه الآية يكفي العاقل ويوصله إلى الإيمان الذي لا تزلزله الشبه ولا تدفعه التشكيكات
آل عمران : ( 191 ) الذين يذكرون الله . . . . .
قوله ) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ( الموصول نعت لأولي الألباب وقيل هو مفصول عنه خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح والمراد بالذكر هنا ذكره سبحانه في هذه الأحوال من غير فرق بين حال الصلاة وغيرها وذهب جماعة من المفسرين إلى أن الذكر


"""""" صفحة رقم 411 """"""
هنا عبارة عن الصلاة أي لا يضيعونها في حال من الأحوال فيصلونها قياما مع عدم العذر وقعودا وعلى جنوبهم مع العذر قوله ) ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ( معطوف على قوله ) يذكرون ( وقيل إنه معطوف على الحال أعني ) قياما وقعودا ( وقيل إنه منقطع عن الأول والمعنى أنهم يتفكرون في بديع صنعتهما وإتقانهما مع عظم أجرامها فإن هذا الفكر إذا كان صادقا أوصلهم إلى الإيمان بالله سبحانه قوله ) ربنا ما خلقت هذا باطلا ( هو على تقدير القول أي يقولون ما خلقت هذا عبثا ولهوا بل خلقته دليلا على حكمتك وقدرتك والباطل الزائل الذاهب ومنه قول لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وهو منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف أي خلقا باطلا وقيل منصوب بنزع الخافض وقيل هو مفعول ثان وخلق بمعنى جعل أو منصوب على الحال والإشارة بقوله ) هذا ( إلى السموات والأرض أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق قوله ) سبحانك ( أي تنزيها لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها أن يكون خلقك لهذه المخلوقات باطلا وقوله ) فقنا عذاب النار ( الفاء لترتيب هذا الدعاء على ما قبله
آل عمران : ( 192 ) ربنا إنك من . . . . .
وقوله ) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ( تأكيد لما تقدمه من استدعاء الوقاية من النار منه سبحانه وبيان للسبب الذي لأجله دعاه عباده بأن يقيهم عذاب النار وهو أن من أدخله النار فقد أخزاه أي أذله وأهانه وقال المفضل معنى أخزيته أهلكته وأنشد
أخزى الإله بني الصيب عنيزة واللابسين ملابس الرهبان
وقيل معناه فضحته وأبعدته يقال أخزاه الله أبعده ومقته والاسم الخزي قال ابن السكيت خزى يخزى خزيا إذا وقع في بلية
آل عمران : ( 193 ) ربنا إننا سمعنا . . . . .
قوله ) ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ( المنادي عند أكثر المفسرين هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو القرآن وأوقع السماع على المنادي مع كون المسموع هو النداء لأنه قد وصف المنادي بما يسمع وهو قوله ) ينادي للإيمان أن آمنوا ( وقال أبو علي الفارسي إن ( ينادي ) هو المفعول الثاني وذكر ينادي مع أنه قد فهم من قوله ) مناديا ( لقصد التأكيد والتفخيم لشأن هذا المنادى به واللام في قوله ) للإيمان ( بمعنى إلى وقيل إن ينادي يتعدى باللام وبإلى يقال ينادي لكذا وينادي إلى كذا وقيل اللام للعلة أي لأجل الإيمان قوله ) أن آمنوا ( هي إما تفسيرية أو مصدرية واصلها بأن آمنوا فحذف حرف الجر قوله ) فآمنا ( أي امتثلنا ما يأمر به هذا المنادي من الإيمان فآمنا وتكرير النداء في قوله ) ربنا ( لإظهار التضرع والخضوع قيل المراد بالذنوب هنا الكبائر وبالسيئات الصغائر والظاهر عدم اختصت أحد اللفظين بأحد الامرين والآخر بالآخر بل يكون المعنى في الذنوب والسيئات واحدا والتكرير للمبالغة والتأكيد كما أن معنى الغفر والكفر الستر والأبرار جمع بار أو بر وأصله من الاتساع فكأن البار متسع في طاعة الله ومتسعة له رحمته قيل هم الأنبياء ومعنى اللفظ أوسع من ذلك
آل عمران : ( 194 ) ربنا وآتنا ما . . . . .
قوله ) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ( هذا دعاء آخر والنكتة في تكرير النداء ما تقدم والموعود به على ألسن الرسل هو الثواب الذي وعد الله به أهل طاعته ففي الكلام حذف وهو لفظ الألسن كقوله ) واسأل القرية ( وقيل المحذوف التصديق أي ما وعدتنا على تصديق رسلك وقيل ما وعدتنا منزلا على رسلك أو محمولا على رسلك والأول أولى وصدور هذا الدعاء منهم مع علمهم أن ما وعدهم الله به على ألسن رسله كائن لا محاله إما لقصد التعجيل أو للخضوع بالدعاء لكونه مخ العبادة وفي قولهم ) إنك لا تخلف الميعاد ( دليل على أنهم لم يخافوا خلف الوعد وأن الحامل لهم على الدعاء هو ما ذكرنا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال أتت قريش اليهود فقالوا ما جاءكم به موسى من الآيات قالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا كيف كان عيسى


"""""" صفحة رقم 412 """"""
فيكم قالوا كان يبريء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فأتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه فنزلت ) إن في خلق السماوات والأرض ( الآية وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فنام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران حتى ختم وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني والحاكم في الكنى والبغوي في معجم الصحابة عن صفوان بن المعطل قال كنت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في سفر فذكر نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود في قوله ) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ( الآية قال إنما هذه في الصلاة إذا لم يستطع قائما فقاعدا وإن لم يستطع قاعدا فعلى جنبه وقد ثبت في البخاري من حديث عمران بن حصين قال ( كانت بي بواسير فسألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الصلاة فقال صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) وثبت فيه عنه قال ( سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هذه حالاتك كلها يابن آدم اذكر الله وأنت قائم فإن لم تستطع فاذكره جالسا فإن لم تستطع جالسا فاذكره وأنت على جنبك يسر من الله وتخفيف
وأقول هذا التقييد الذي ذكره بعدم الاستطاعة مع تعميم الذكر لا وجه له لا من الآية ولا من غيرها فإنه لم يرد في شيء من الكتاب والسنة ما يدل على أنه لا يجوز الذكر من القعود إلا مع عدم استطاعة الذكر من قيام ولا يجوز على جنب إلا مع عدم الاستطاعة من قعود وإنما يصلح هذا التقييد لمن جعل المراد بالذكر هنا الصلاة كما سبق عن ابن مسعود وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن حبان في صحيحه وابن مردويه عن عائشة مرفوعا ويل لمن قرأ هذه الآية ولم يتفكر فيها وأخرج ابن أبي الدنيا في التفكر عن سفيان رفعه ( من قرأ آخر سورة آل عمران فلم يتفكر فيها ويله فعد أصابعه عشرا قيل للأوزاعي ما غاية التفكر فيهن قال يقرؤهن وهو يعقلهن وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في استحباب التفكر مطلقا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس في قوله ) من تدخل النار فقد أخزيته ( قال من تخلد وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن المسيب في الآية قال هذه خاصة بمن لا يخرج منها وأخرج ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال قدم علينا جابر بن عبدالله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت ) وما هم بخارجين من النار ( قال أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنهم الكفار قلت لجابر فقوله ) إنك من تدخل النار فقد أخزيته ( قال وما أخزاه حين أحرقه بالنار وإن دون ذلك خزيا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) مناديا ينادي للإيمان ( قال هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال هو القرآن ليس كل أحد سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ( قال يستنجزون موعد الله على رسله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تخزنا يوم القيامة ( قال لا تفضحنا


"""""" صفحة رقم 413 """"""
آل عمران 195
آل عمران : ( 195 ) فاستجاب لهم ربهم . . . . .
قوله ) فاستجاب ( الاستجابة بمعنى الإجابة وقيل الإجابة عامة والاستجابة خاصة بإعطاء المسئول وهذا الفعل يتعدى بنفسه وباللام يقال استجابه واستجاب له والفاء للعطف وقيل على مقدر أي دعوا بهذه الأدعية فاستجاب لهم وقيل على قوله ) ويتفكرون ( وإنما ذكر سبحانه الاستجابة وما بعدها في جملة ما لهم من الأوصاف الحسنة لأنها منه إذ من أجيبت دعوته فقد رفعت درجته قوله ) أني لا أضيع عمل عامل منكم ( أي بأني وقرأ عيسى بن عمرو بكسر الهمزة على تقدير القول وقرأ أبي بثبوت الباء وهي للسببية أي فاستجاب لهم ربهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل منهم والمراد بالإضاعة ترك الإثابة قوله ) من ذكر أو أنثى ( من بيانية ومؤكدة لما تقتضيه النكرة الواقعة في سياق النفي من العموم قوله ) بعضكم من بعض ( أي رجالكم مثل نسائكم في الطاعة ونساؤكم مثل رجالكم فيها والجملة معترضة لبيان كون كل منهما من الآخر باعتبار تشعبهما من أصل واحد قوله ) فالذين هاجروا ( الآية هذه الجملة تتضمن تفصيل ما أجمل في قوله ) أني لا أضيع عمل عامل ( أي فالذين هاجروا من أوطانهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأخرجوا من ديارهم ( في طاعة الله عز وجل ) وقاتلوا ( أعداء الله ) وقتلوا ( في سبيل الله وقرأ ابن كثير وابن عامر ( وقتلوا ) على التكثير وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ( وقتلوا وقاتلوا ) وهو مثل قول الشاعر تصابى وأمسى علاه الكبر
أي قد علاه الكبر وأصل الواو لمطلق الجمع بلا ترتيب كما قال به الجمهور والمراد هنا أنهم قاتلوا وقتل بعضهم كما قال امرؤ القيس
فإن تقتلونا نقتلكمو
وقرأ عمر بن عبدالعزيز ? وقتلوا وقتلوا ? ومعنى قوله ) وأوذوا في سبيلي ( أي بسببه والسبيل الدين الحق والمراد هنا ما نالهم من الأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله وعملهم بما شرعه الله لعباده وقوله ) لأكفرن ( جواب قسم محذوف وقوله ) ثوابا من عند الله ( مصدر مؤكد عند البصريين لأن معنى قوله ) ولأدخلنهم جنات ( لأثيبنهم ثوابا أي إثابة أو تثويبا كائنا من عند الله وقال الكسائي إنه منتصب على الحال وقال الفراء على التفسير ) والله عنده حسن الثواب ( أي حسن الجزاء وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله من ثاب يثوب إذا رجع
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبدالرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله ) فاستجاب لهم ( إلى آخر الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال ( ما من عبد يقول يا رب يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه ) فذكر للحسن فقال أما تقرأ القرآن ) ربنا إننا سمعنا مناديا ( إلى قوله ) فاستجاب لهم ربهم ( وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت آخر آية نزلت هذه الآية ) فاستجاب لهم ربهم ( إلى آخرها وقد ورد في فضل الهجرة أحاديث كثيرة


"""""" صفحة رقم 414 """"""
آل عمران 196 200
آل عمران : ( 196 ) لا يغرنك تقلب . . . . .
قوله ( لايغرنك ) خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد تثبيته على ما هو عليه كقوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا ( أو خطاب لكل أحد وهذه الآية متضمنة لقبح حال الكفار بعد ذكر حسن حال المؤمنين والمعنى لا يغرنك ما هم فيه من تقلبهم في البلاد بالأسفار للتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم فهو متاع قليل يتمتعون به في هذه الدار ثم مصيرهم إلى جهنم
آل عمران : ( 197 ) متاع قليل ثم . . . . .
فقوله ( متاع ) خبر مبتدأ محذوف أي هو متاع قليل لا اعتداد به بالنسبة إلى ثواب الله سبحانه ( ومأواهم ) أي ما يأوون إليه والتقلب في البلاد اضطراب في الاسفار إلى الأمكنة ومثله قوله تعالى ) فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( والمتاع ما يعجل الانتفاع به وسماه قليلا لأنه فان وكل فان وإن كان كثيرا فهو قليل وقوله ( وبئس المهاد ) ما مهدوا لأنفسهم في جهنم بكفرهم أو ما مهد الله لهم من النار فالمخصوص بالذم محذوف وهو هذا المقدر
آل عمران : ( 198 ) لكن الذين اتقوا . . . . .
قوله ) لكن الذين اتقوا ربهم ( هو استدراك مما تقدمه لأن معناه معنى النفى كأنه قال ليس لهم في تقلبهم في البلاد كثير انتفاع ( لكن الذين اتقوا ) لهم الانتفاع الكثير والخلد الدائم وقرأ يزيد بن القعقاع لكن بتشديد النون قوله ( نزلا ) مصدر مؤكد عند البصريين كما تقدم في ثوابا وعند الكسائي والفراء مثل ما قالا في ثوابا النزل ما يهيأ للنزيل والجمع أنزال قال الهروي ( نزلا من عند الله ) أي ثوابا من عند الله ( وما عند الله ) مما أعده لمن اطاعه ( خير للأبرار ) مما يحصل للكفار من الربح في الاسفار فإنه متاع قليل عن قريب يزول
آل عمران : ( 199 ) وإن من أهل . . . . .
وقوله ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ) هذه الجملة سيقت لبيان إن بعض أهل الكتاب لهم حظ من الدين وليسوا كسائرهم في فضائحهم التي حكاها الله عنهم فيما سبق وفيما سيأتي فإن هذه البعض يجمعون بين الإيمان بالله وبما أنزل الله على نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما انزله على انبيائهم حال كونهم ( خاشعين لله لا يشترون ) أي يستبدلون ( بآيات الله ثمنا قليلا ) بالتحريف والتبديل كما يفعله سائرهم بل يحكون كتب الله سبحانه كما هي والاشارة بقوله ( أولئك ) إلى هذه الطائفة الصالحة من أهل الكتاب من حيث اتصافهم بهذه الصفات الحميدة ( لهم أجرهم ) الذي وعد الله سبحانه به بقوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين وتقديم الخبر يفيد اختصاص ذلك الأجر بهم وقوله ( عند ربهم ) في محل نصب على الحال
آل عمران : ( 200 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا ) الخ هذه الآية العاشرة من قوله سبحانه ( إن في خلق السموات ) ختم بها هذه السورة لما اشتملت عليه من الوصايا التي جمعت خير الدنيا والآخرة فحض على الصبر على الطاعات والشهوات والصبر الحبس وقد تقدم تحقيق معناه والمصابرة مصابرة الأعداء قاله الجمهور أي غالبوهم في الصبر على الشدائد الحرب وخص المصابرة بالذكر بعد إن ذكر الصبر لكونها أشد منه وأشق وقيل المعنى صابروا على الصلوات وقيل


"""""" صفحة رقم 415 """"""
صابروا الأنفس عن شهواتها وقيل صابروا الوعد الذي وعدتم ولا تيأسوا والقول الأول هو المعنى العربي ومنه قول عنترة فلم أر حيا صابروا مثل صبرنا
ولا كافحوا مثل الذين نكافح
أي صابروا العدو في الحرب قوله ( ورابطوا ) أي اقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها كما يربطها اعداؤكم وهذا قول جمهور المفسرين وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ولم يكن في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غزو يرابط فيه وسيأتي ذكر من خرج عنه هذا والرباط اللغوي هو الأول ولا ينافيه تسميته ( صلى الله عليه وسلم ) لغيره رباطا كما سيأتي ويمكن إطلاق الرباط على المعنى الأول وعلى انتظار الصلاة قال الخليل الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة هكذا قال وهو من أئمة اللغة وحكى ابن فارس عن الشيباني انه قال يقال ماء مترابط دائم لا يبرح وهو يقتضي تعدية الرباط إلى غير ارتباط الخيل في الثغور قوله ( واتقوا الله ) فلا تخالفوا ما شرعه لكم ) لعلكم تفلحون ( أي تكونون من جملة الفائزين بكل مطلوب وهم المفلحون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله ( لايغرنك تقلب الذين كفروا ) تقلب ليلهم ونهارهم وما يجري عليهم من النعم قال عكرمة قال ابن عباس وبئس المهاد أي بئس المنزل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في قوله ( تقلبهم في البلاد ) قال ضربهم في البلاد وأخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله ( وما عند الله خير للابرار ) قال إنما سماهم الله أبرارا لأنهم بروا الآباء والأبناء كما إن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا وأخرجه ابن مردوية عنه مرفوعا والأول أصح قال السيوطي وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ( خير للأبرار ) لمن يطيع الله واخرج النسائي والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال لما مات النجاشي قال ( صلى الله عليه وسلم ) صلوا عليه قالوا يا رسول الله نصلي على عبد حبشي فأنزل الله ) وإن من أهل الكتاب ( الآية وأخرج ابن جرير عن جابر مرفوعا إن المنافقين قالوا انظروا إلى هذا يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي على علج نصراني فنزلت وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير أنها نزلت في النجاشي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال هم مسلمة أهل الكتاب من اليهود والنصارى وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد والذين اتبعوا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن المبارك وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي سلمة بن عبدالرحمن ما قدمنا ذكره وأخرج ابن مردويه عنه عن أبي هريرة قال اما انه لم يكن في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلوات في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها وقد ثبت في الصحيح وغيره من قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم ورابطوا عدوى وعدوكم وقد روى من تفاسير السلف غير هذا في سر الصبر على نوع من انوع الطاعات والمصابرة على نوع آخر ولا تقوم بذلك حجة فالواجب الرجوع إلى المدلول اللغوي وقد قدمناه وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الرباط وفيها التصريح بأنه الرباط في سبيل الله وهو يرد ما قاله أبو سلمة بن


"""""" صفحة رقم 416 """"""
عبد الرحمن فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد ندب إلى الرباط في سبيل الله هو الجهاد فيحمل ما في الآية عليه وقد ورد عنه ( صلى الله عليه وسلم ) انه سمى حراسة جيش المسلمين رباطا فأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن أنس قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أجر المرابط فقال من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى وقد ورد في فضل هذه العشر الآيات التي في آخر هذه السورة مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما أخرجه ابن السنى وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة ) وفي إسناده مظاهر بن أسلم وهو ضعيف وقد تقدم من حديث ابن عباس في الصحيحين إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ هذه العشر الآيات لما استيقظ وكذلك تقدم في غير الصحيحين من رواية صفوان بن المعطل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج الدارمى عن عثمان بن عفان قال ( من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة )
سورة النساء
سورة النساء مدنية إلا آية واحدة
هي مدنية كلها قال القرطبي إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله تعالى ) إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( على ما سيأتي إن شاء الله قال النقاش وقيل نزلت عند هجرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة إلى المدينة وعلى ما تقدم عن بعض أهل أعلم إن قوله تعالى ( يا أيها الناس ) حيثما وقع فإنه مكي يلزم إن يكون صدر هذه السورة مكيا وبه قال علقمة وغيره وقال النحاس هذه الآية مكية قال القرطبي والصحيح الأول فإن في صحيح البخاري عن عائشة انها قالت ما نزل سورة النساء إلا وأنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعني قد بنى بها ولا خلاف بين العلماء إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنما بنى بعائشة بالمدينة ومن تبين أحكامها علم انها مدنية لا شك فيها قال وأما من قال ) يا أيها الناس ( مكي حيث وقع فليس بصحيح فإن البقرة مدنية وفيها ) يا أيها الناس ( في موضعين وقد أخرج ابن الضريس في فضائله والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال نزلت سورة النساء بالمدينة وفي إسناده العوفي وهو ضعيف وكذا أخرجه ابن مردويه عن عبدالله بن الزبير وزيد ابن ثابت وأخرجه ابن المنذر عن قتادة
فضل سورة النساء
وقد ورد في فضل هذه السورة ما أخرجه الحاكم في مستدركه عن عبدالله بن مسعود قال إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني إن لي بها الدنيا وما فيها ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( الآية و ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ( الآية و ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ( الآية ثم قال هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه وقد اختلف في ذلك وأخرجه عبدالرزاق عن معمر عن رجل عن ابن مسعود قال خمس آيات من النساء هن أحب إلى الدنيا جميعا ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ( الآية ) وإن تك حسنة يضاعفها ( الآية ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه (


"""""" صفحة رقم 417 """"""
الآية ) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ( الآية ورواه ابن جرير ثم روى من طريق صالح المرى عن قتادة عن ابن عباس قال ثمان آيات نزلت في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت وذكر ما ذكره ابن مسعود وزاد ) يريد الله ليبين لكم ( الآية ) والله يريد أن يتوب عليكم ( الآية ) يريد الله أن يخفف عنكم ( الآية وأخرج أحمد وابن الضريس ومحمد بن نصر والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أخذ السبع فهو حبر ) وأخرج البيهقي في الشعب عن واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اعطيت مكان التوراة السبع الطوال والمئين كل سورة بلغت مائة فصاعدا ) والمثاني كل سورة دون المئين وفوق المفصل وأخرج أبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أنس قال ( وجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذات ليلة شيئا فلما أصبح قيل يا رسول الله إن أثر الوجع عليك لبين قال اما إني على ما ترون بحمد الله قد قرأت السبع الطوال ) وأخرج أحمد بن حذيفة قال ( قمت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات ) وأخرج عبدالزاق عن بعض أهل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصلى ( ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ بالسبع الطوال في ركعة واحدة ) وأخرج الحاكم عن ابن عباس انه قال ( سلوني عن سورة النساء فإني قرأت القرآن وأنا صغير قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عنه قال ( من قرأ سورة النساء فعلم ما يحجب مما لا يحجب علم الفرائض )
ع4
النساء 1 4
النساء : ( 1 ) يا أيها الناس . . . . .
المراد بالناس الموجودون عند الخطاب من بني آدم ويدخل من سيوجد بدليل خارجي وهو الإجماع على أنهم مكلفون بما كلف به الموجودون أو تغليب الموجودين على من لم يوجد كما غلب الذكور على الإناث في قوله ( اتقوا ربكم ) لاختصاص ذلك بجمع المذكر والمراد بالنفس الواحدة هنا آدم وقرأ ابن أبي علبة واحد بغير هاء على مراعاة المعنى فالتأنيث باعتبار اللفظ والتذكير باعتبار المعنى قوله ( وخلق منها زوجها ) قيل هو معطوف على مقدر يدل عليه الكلام أي خلقكم من نفس واحدة خلقها أولا وخلق منها زوجها وقيل على خلقكم


"""""" صفحة رقم 418 """"""
فيكون الفعل الثاني داخلا مع الأول في حيز الصلة والمعنى وخلق من تلك النفس التي هي عبارة عن آدم زوجها وهي حواء وقد تقدم في البقرة معنى التقوى والرب والزوج والبث والضمير في قوله ( منها ) راجع إلى آدم وحواء المعبر عنهما بالنفس والزوج وقوله 0 كثيرا ) وصف مؤكد لما تفيده صيغة الجمع لكونها من جموع الكثرة وقيل هو نعت لمصدر محذوف أي بثا كثيرا وقوله ( ونساء ) أي كثيرة وترك التصريح به استغناء بالوصف الأول قوله ) واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ( قرأ أهل الكوفة بحذف التاء الثانية وأصله تتساءلون تخفيفا لأجتماع المثلين وقرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بإدغام التاء في السين والمعنى يسأل بعضكم بعضا بالله والرحم فإنهم كانوا يقرنون بينهما في السؤال والمناشدة فيقولون أسألك بالله والرحم وأنشدك الله والرحم وقرأ النخعى وقتادة والأعمش وحمزة ( والارحام ) بالجر وقرأ الباقون بالنصب وقد اختلف أئمة النحو في توجيه قراءة الجر فأما البصريون فقالوا هي لحن لاتجوز القراءة بها وأما الكوفيون فقالوا هي قراءة قبيحة قال سيبويه في توجيه هذا القبح إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين والتنوين لا يعطف عليه وقال الزجاج وجماعة بقبح عطف الإسم الظاهر على المضمر في الخفض إلا بإعادة الخافض كقوله تعالى فخسفنا به وبداره الأرض وجوز سيبويه ذلك في ضرورة الشعر وأنشد فاليوم قربت تهجونا وتمدحنا
فاذهب فما بك والأيام من عجب
ومثله قول الآخر تعلق في مثل السواري سيوفنا
وما بينها والكعب بهو نفانف
بعطف الكعب على الضمير في بينها وحكى أبو علي الفارسي إن المبرد قال لو صليت خلف إمام يقرا ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) بالجر لأخذت نعلى ومضيت وقد رد الإمام أبو نصر القشيرى ما قاله القادحون في قراء الجر فقال ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تواترا ولا يخفي عليك إن دعوى التواتر باطلة يعرف ذلك من يعرف الأسانيد التي رووها بها ولكن ينبغي إن يحتج للجواز بورود ذلك في اشعار العرب كما تقدم وكما في قول بعضهم وحسبك والضحاك سيف مهند
وقول الآخر
وقد رام آفاق السماء فلم يجد له مصعدا فيها ولا الأرض مقعدا
وقول الآخر
ما إن بها والأمور من تلف
وقول الآخر
أكر على الكتيبة لست أدري
أحتفى كان فيها أم سواها
فسواها في موضع جر عطفا على الضمير في فيها ومنه قوله تعالى وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين وأما قراءة النصب فمعناها واضح جلى لأنه عطف الرحم على الإسم الشريف أي اتقوا الله واتقوا الأرحام فلا تقطعوها فإنها مما أمر الله به أن يوصل وقيل إنه عطف على محل الجار والمجرور في قوله ( به ) كقولك مررت بزيد وعمرا أي اتقوا الله الذي تساءلون به وتتساءلون بالارحام والأول أولى وقرأ عبد الله ابن يزيد والأرحام بالرفع على الابتداء والخبر مقدر أي والاحام صلوها أو والأرحام أهل ان توصل وقيل إن الرفع على الإغراء عند من يرفع به ومنه قول الشاعر
إن قوما منهم عمير واشبا
ه عمير ومنهم السفاح
لجديرون باللقاء إذا قا
ل أخ النجدة السلاح السلاح


"""""" صفحة رقم 419 """"""
والأرحام اسم لجميع الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره لا خلاف في هذا بين أهل الشرع ولا بين أهل اللغة وقد خصص أبو حنيفة وبعض الزيدية الرحم بالمحرم في منع الرجوع في الهبة مع موافقتهم على ان معناها أعم ولا وجه لهذا التخصيص قال القرطبي اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة انتهى وقد وردت بذلك الأحاديث الكثير الصحيحة والرقيب المراقب وهي صيغة مبالغة يقال رقبت أرقب رقبة ورقبانا إذا انتظرت
النساء : ( 2 ) وآتوا اليتامى أموالهم . . . . .
قوله ( وآتوا اليتامى أموالهم ) خطاب للأولياء والأصياء والإيتاء الإعطاء واليتيم من لا أب له وقد خصصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم وقد تقدم تفسير معناه في البقرة مستوفى وأطلق اسم اليتيم عليهم عند إعطائهم أموالهم مع أنهم لا يعطونها إلا بعد ارتفاع اسم اليتم بالبلوغ مجازا باعتبار ما كانوا عليه ويجوز ان يراد باليتامى المعنى الحقيقي وبالإيتاء ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة لا دفعها جميعها وهذه الآية مقيدة بالآية الأخرى وهي قوله تعالى ) فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ( فلا يكون مجرد ارتفاع اليتم بالبلوغ مسوغا لدفع أموالهم إليهم حتى يؤنس منهم الرشد قوله ( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) نهى لهم عن ان يصنعوا صنع الجاهلية في أموال اليتامى فأنهم كانوا يأخذون الطيب من أموال اليتامى ويعوضونه بالردى من أموالهم ولا يرون بذلك بأسا وقيل المعنى لا تأكلوا أموال اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب من أموالكم وقيل المراد لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله والأول أولى فإن تبدل الشيء بالشئ في اللغة أخذه مكانه وكذلك استبداله ومنه قوله تعالى ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل وقوله أتستبدون الذي هو ادنى بالذي هو خير وأما التبديل فقد يستعمل كذلك كما في قوله ) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ( أخرى بالعكس كما في قولك بدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتما ونص عليه الأزهرى قوله ( ولا تاكلوا أموالهم إلى اموالكم ) ذهب جماعة من المفسرين إلى ان المنهى عنه في هذه الآية هو الخلط فيكون الفعل مضمنا معنى الضم أي لا تأكلوا أموالهم مضمونة إلى أموالكم ثم نسخ هذا بقوله تعالى ) وإن تخالطوهم فإخوانكم ( وقيل ان إلى بمعنى مع كقوله تعالى ) من أنصاري إلى الله ( والأول أولى والحوب الإثم يقال حاب الرجل يحوب حوبا إذا أثم وأصله الزجر للإبل فسمى الإثم حوبا لأنه يزجر عنه والحوبة الحاجة والحوب أيضا الوحشة وفيه ثلاث لغات ضم الحاء وهي قراءة الجمهور وفتح الحاء وهي قراءة الحسن قال الأخفش وهي لغة تميم والثالثة الحاب وقرأ أبي بن كعب حابا على المصدر كقال قالا والتحوب التحزن ومنه قول طفيل فذوقوا كما ذقنا عداه يحجر
من الغيظ في أكبادنا والتحوب
النساء : ( 3 ) وإن خفتم ألا . . . . .
قوله ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ) وجه ارتباط الجزاء بالشرط ان الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه وليا لها ويريد ان يتزوجها فلا يقسط لها في مهرها أي يعدل فيه ويعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج فنهاهم الله ان ينكحوهن إلا ان يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى ما هو لهن من الصداق وأمروا ان ينكحوا ما طاب لهن من النساء سواهن فهذا سبب نزول الآية كما سيأتي فهو نهى يخص هذه الصورة وقال جماعة من السلف إن هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أول الإسلام من ان للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء فقصرهم بهذه الآية على أربع فيكون وجه ارتباط الجزاء بالشرط أنهم إذا خافوا ألا يقسطوا في اليتامى فكذلك يخافون إلا يقسطوا في النساء لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء والخوف من الاضداد فإن االمخوف قد يكون معلوما وقد يكون مظنونا ولهذا اختلف الأئمة في معناه في الآية فقال أبو عبيدة ( خفتم )


"""""" صفحة رقم 420 """"""
بمعنى أيقنتم وقال آخرون ( خفتم ) بمعنى ظننتم قال ابن عطية وهو الذي اختاره الحذاق وانه على بابه من الظن لامن اليقين حدثنا والمعنى من غلب على ظنه التقصير في العدل لليتيمة فليتركها وينكح غيرها وقرأ النخعى وابن وثاب 0 ( تقسطوا ) بفتح التاء من قسط إذ جار فتكون هذه القراءة على تقدير زيادة لا كأنه قال وإن خفتم ان تقسطوا وحكى الزجاج ان أقسط يستعمل استعمال قسط والمعروف عند أهل اللغة أن اقسط بمعنى عدل وقسط بمعنى جار و ( ما ) في قوله ( ما طاب ) موصولة وجاء بما مكان من لأنهما قد يتعاقبان فيقع كل واحد منهما مكان الآخر كما في قوله ) والسماء وما بناها ( فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على أربع وقال البصريون إن ( ما ) تقع للنعوت كما تقع لما لا يعقل يقال ما عندك فيقال ظريف وكريم فالمعنى فانكحوا الطيب من النساء أي الحلال وما حرمه الله فليس بطيب وقيل إن ( ما ) هنا مدية أي ما دمتم مستحسنين للنكاح وضعفه ابن عطية وقال الفراء إن ( ما ) ها هنا مصدرية قال النحاس وهذا بعيد جدا وقرأ ابن أبي عبلة ( فانكحوا من طاب ) وقد اتفق أهل العلم على ان هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له ما انه يجوز لمن لم يخف ان يقسط في اليتامى ان ينكح أكثر من واحدة و ( من ) في قوله ( من النساء ) إما بيانية أو تبعيضية لأن المراد غير اليتائم قوله ( مثنى وثلاث ورباع ) في محل نصب على البدل من ( ما ) كما قاله أبو علي الفارسي و قيل على الحال وهذه الألفاظ لا تتصرف للعدل والوصفية كما هو مبين في علم النحو والأصل انكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين وثلاثا ثلاثا واربعا أربعا وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة وأن كل ناكح له ان يختار ما اراد من هذا العدد كما يقال للجماعة اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم أو هذا المال الذي في البدرة درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة واربعة أربعة وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته أو عين مكانه اما لو كان مطلقا كما يقال اقتسموا الدراهم ويراد به ما كسبوه فليس المعنى هكذا والآية من الباب الآخر لا من الباب الأول على ان من قال لقوم يقتسمون مالا معينا كثيرا اقتسموه مثنى وثلاث ورباع فقسموا بعضه بينهم درهمين درهمين وبعضه ثلاثة ثلاثة وبعضه اربعه اربعه كان هذا هو المعنى العربي ومعلوم انه إذا قال القائل جائني القوم مثنى وهم مائة ألف كان المعنى أنهم جاءوه اثنين اثنين وهكذا جاء في القوم ثلاث ورباع والخطاب للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد كما في قوله تعالى ) فاقتلوا المشركين ( اقيموا الصلاة آتوا الزكاة ونحوها فقوله ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) معناه لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا هذا ما تقتضيه لغة العرب فالآية تدل على خلاف ما استدلوا بها عليه ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية ) فان حفتم الا تعدلوا فواحدة ( فإنه وإن كان خطابا للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد فالأولى ان يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن وأما استدلال من استدل بالاية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة فكأنه قال انكحوا مجموع هذا العدد المذكور فهذا جهل بالمعنى العربي ولو قال انكحوا ثنتين وثلاثا واربعا كان هذا القول له وجه وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون أو لأن التخيير يشعر بانه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره وذلك ليس بمراد من النظم القرآنى وقرأ النخعى ويحيى بن وثاب ثلث وربع بغير ألف قوله 0 فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) فانكحوا واحدة كما يدل على ذلك قوله ( فانكحوا ما طاب ) وقيل التقدير فالزموا أو فاختاروا واحدة والأول أولى والمعنى فإن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجات في القسم ونحوه فانكحوا واحدة وفيه المنع من الزيادة على الواحدة لمن خاف ذلك وقرئ بالرفع على انه مبتدأ والخبر محذوف قال


"""""" صفحة رقم 421 """"""
الكسائي أي فواحدة تقنع وقيل التقدير فواحدة فيها كفاية ويجوز أن تكون واحدة على قراءة الرفع خبر مبتدأ محذوف أي فالمقنع واحدة قوله ) أو ما ملكت أيمانكم ( معطوف على واحدة أي فانكحوا واحدة أو أنكحوا ما ملكت أيمانكم من السراري وإن كثر عددهن كما يفيده الموصول والمراد نكاحهن بطريق الملك لا بطريق النكاح وفيه دليل على أنه لا حق للمملوكات في القسم كما يدل على ذلك جعله قسيما للواحدة في الأمن من عدم العدل وإسناد الملك إلى اليمين لكونها المباشرة لقبض الأموال وإقباضها ولسائر الأمور التي تنسب إلى الشخص في الغالب ومنه إذا ما راية نصبت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
قوله ) ذلك أدنى ألا تعولوا ( أي ذلك أقرب إلى ألا تعولوا أي تجوروا من عال الرجل يعول إذا مال وجار ومنه قولهم عال السهم عن الهدف مال عنه وعال الميزان إذا مال ومنه قالوا اتبعنا رسول الله واطرحوا
قول الرسول وعالوا في الموازين
ومنه قول أبي طالب بميزان صدق لا يغل شعيرة
له شاهد من نفسه غير عائل
ومنه أيضا فنحن ثلاثة وثلاث ذود
لقد عال الزمان على عيال
والمعنى إن خفتم عدم العدل بين الزوجات فهذه التي أمرتم بها أقرب إلى عدم الجور ويقال عال الرجل يعيل إذا افتقر وصار عالة ومنه قوله تعالى ) وإن خفتم عيلة ( ومنه قول الشاعر وما يدري الفقير متى غناه
وما يدري الغني متى يعيل
وقال الشافعي ) ألا تعولوا ( ألا تكثر عيالكم قال الثعلبي وما قال هذا غيره وإنما يقال أعال يعيل إذا كثر عاله وذكر ابن العربي أن عال تأتي لسبعة معان الأول عال مال الثاني زاد الثالث جار الرابع افتقر الخامس أثقل السادس قام بمؤونة العيال ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) وابدأ بمن تعول السابع عال غلب ومنه عيل صبري قال ويقال أعال الرجل كثر عياله وأما عال بمعنى كثر عياله فلا يصح ويجاب عن إنكار الثعلبي لما قاله الشافعي وكذلك إنكار ابن العربي لذلك بأنه قد سبق الشافعي إلى القول به زيد بن أسلم وجابر بن زيد وهما إمامان من أئمة المسلمين لا يفسران القرآن هما والامام الشافعي بما لا وجه له في العربية وقد أخرج ذلك عنهما الدارقطني في سننه وقد حكاه القرطبي عن الكسائي وأبي عمر الدوري وابن الأعرابي وقال أبو حاتم كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا لعله لغة وقال الثعلبي قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب سألت أبا عمر الدوري عن هذا وكان إماما في اللغة غير مدافع فقال هي لغة حمير وأنشد وإن الموت يأخذ كل حي
بلا شك وإن أمشي وعالا
أي وإن كثرت ماشيته وعياله وقرأ طلحة بن مصرف ? أن لا تعيلوا ? قال ابن عطية وقدح الزجاج في تأويل عال من العيال بأن الله سبحانه قد أباح كثرة السراري وفي ذلك تكثير العيال فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثروا وهذا القدح غير صحيح لأن السراري إنما هي مال يتصرف فيه بالبيع وإنما العيال الحرائر ذوات الحقوق الواجبة وقد حكى ابن الأعرابي أن العرب تقول عال الرجل إذا كثر عياله وكفى بهذا
وقد ورد عال لمعان غير السبعة التي ذكرها ابن العربي منها عال اشتد وتفاقم حكاه الجوهري وعال الرجل في الأرض إذا ضرب فيها حكاه الهروي وعال إذا أعجز حكاه الأحمر فهذه ثلاثة معان غير


"""""" صفحة رقم 422 """"""
السبعة والرابع عال كثر عياله فجملة معاني عال أحد عشر معنى
النساء : ( 4 ) وآتوا النساء صدقاتهن . . . . .
قوله ) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ( الخطاب للأزواج وقيل للأولياء والصدقات بضم الدال جمع صدقة كثمرة قال الأخفش وبنو تميم يقولون صدقة والجمع صدقات وإن شئت فتحت وإن شئت أسكنت والنحلة بكسر النون وضمها لغتان وأصلها العطاء نحلت فلانا أعطيته وعلى هذا فهي منصوبة على المصدرية لأن الإيتاء بمعنى الإعطاء وقيل النحلة التدين فمعنى نحلة تدينا قاله الزجاج وعلى هذا فهي منصوبة على المفعول له وقال قتادة النحلة الفريضة وعلى هذا فهي منصوبة على الحال وقيل النحلة طيبة النفس قال أبو عبيد ولا تكون النحلة إلا عن طيبة نفس ومعنى الآية على كون الخطاب للأزواج أعطوا النساء اللاتي نكحتموهن مهورهن التي لهن عليكم عطية أو ديانة منكم أو فريضة عليكم أو طيبة من أنفسكم ومعناها على كون الخطاب للأولياء أعطوا النساء من قراباتكم التي قبضتم مهورهن من أزواجهن تلك المهور وقد كان الولي يأخذ مهر قريبته في الجاهلية ولا يعطيها شيئا حكى ذلك عن أبي صالح والكلبي والأول أولى لأن الضمائر من أول السياق للأزواج وفي الآية دليل على أن الصداق واجب على الأزواج للنساء وهو مجمع عليه كما قال القرطبي قال وأجمع العلماء أنه لا حد لكثيره واختلفوا في قليله وقرأ قتادة ( صدقاتهن ) بضم الصاد وسكون الدال وقرأ النخعي وابن وثاب بضمهما وقرأ الجمهور بفتح الصاد وضم الدال قوله ) فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ( الضمير في منه راجع إلى الصداق الذي هو واحد الصدقات أو إلى المذكور وهو الصدقات أو هو بمنزلة اسم الإشارة كأنه قال من ذلك ونفسا تمييز وقال أصحاب سيبويه منصوب بإضمار فعل لا تمييز أي أعني نفسا والأول أولى وبه قال الجمهور والمعنى فإن طبن أي النساء لكم أيها الأزواج أو الأولياء عن شيء من المهر ) فكلوه هنيئا مريئا ( وفي قوله ) طبن ( دليل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم إنما هو طيبة النفس لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس فإذا ظهر منها ما يدل على عدم طيبة نفسها لم يحل للزوج ولا للولي وإن كانت قد تلفظت بالهبة أو النذر أو نحوهما وما أقوى دلالة هذه الآية على عدم اعتبار ما يصدر من النساء من الألفاظ المفيدة للتمليك بمجردها لنقصان عقولهن وضعف إدراكهن وسرعة انخداعهن وانجذابهن إلى ما يراد منهن بأيسر ترغيب أو ترهيب وقوله ) هنيئا مريئا ( منصوبان على أنهما صفتان لمصدر محذوف أي أكلا هنيئا مريئا أو قائمان مقام المصدر أو على الحال يقال هناه الطعام الشراب يهنيه ومرأه وأمرأه من الهنيء والمريء والفعل هنأ ومرأ أي أتى من غير مشقة ولا غيظ وقيل هو الطيب الذي لا تنغيص فيه وقيل المحمود العاقبة الطيب الهضم وقيل ما لا إثم فيه والمقصود هنا أنه حلال لهم خالص عن الشوائب وخص الأكل لأنه معظم ما يراد بالمال وإن كان سائر الانتفاعات به جائزة كالأكل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) خلقكم من نفس واحدة ( قال آدم ) وخلق منها زوجها ( قال حواء من قصيرى آدم أي قصيري اضلاعه وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر قال خلقت حواء من خلف آدم الأيسر وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال من ضلع الخلف وهو من أسفل الأضلاع وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) واتقوا الله الذي تساءلون به ( قال تعاطون به وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال تعاقدون وتعاهدون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال يقول أسألك بالله والرحم وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال اتقوا الله


"""""" صفحة رقم 423 """"""
الذي تساءلون به واتقوا الأرحام وصلوها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) إن الله كان عليكم رقيبا ( قال حفيظا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال إن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عمه فخاصمه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) وآتوا اليتامى أموالهم ( يعني الأوصياء يقول أعطوا اليتامى أموالهم ) ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ( يقول لا تستبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم يقول لا تذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد قال لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدر لك ) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( قال مع أموالكم تخلطونها فتأكلونها جميعا ) إنه كان حوبا ( إثما وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا يورثون الصغار يأخذه الأكبر فنصيبه من الميراث طيب وهذا الذي يأخذ خبيث وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال مع أموالكم وأخرج ابن جرير عن الحسن قال لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم وجعل ولي اليتيم يعزل مال اليتيم عن ماله فشكوا ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ( قال فخالطوهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أن عروة سأل عائشة عن قول الله عز وجل ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( قالت يابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في مالها ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سننهن في الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن وأن الناس قد استفتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد هذه الآية فأنزل الله ) ويستفتونك في النساء ( قالت عائشة وقول الله في الآية الأخرى ) وترغبون أن تنكحوهن ( رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من باقي النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال وأخرج البخاري عن عائشة أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق فكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله وقد روى هذا المعنى من طرق وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى فنهى الله عن ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال قصر الرجال على أربع نسوة من أجل أموال اليتامى وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( قال كان الرجل يتزوج ما شاء فقال كما تخافون ألا تعدلوا في اليتامى فخافوا ألا تعدلوا فيهن فقصرهم على الأربع وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال كانوا في الجاهلية ينكحون عشرا من النساء الأيامى وكانوا يعظمون شأن اليتيم فتفقدوا من دينهم شأن اليتامى وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال كما خفتم ألا تعدلوا في اليتامى فخافوا ألا تعدلوا في النساء إذا جمعتموهن عندكم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن أبي موسى الأشعري عنه قال فإن خفتم الزنا فانكحوهن يقول كما خفتم في أموال اليتامى ألا تقسطوا فيها فكذلك فخافوا على أنفسكم ما لم تنكحوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك ) ما طاب لكم ( قال ما أحل لكم


"""""" صفحة رقم 424 """"""
وأخرج ابن جرير عن الحسن وسعيد بن جبير مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عائشة نحوه وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن ماجة والنحاس في ناسخه والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر ( أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اختر منهن ) وفي لفظ ( أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن ) هذا الحديث أخرجه هؤلاء المذكورين من طرق عن إسماعيل بن علية وغندر وزيد ابن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس وعبدالرحمن بن محمد المحاربي والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه فذكره وقد علل البخاري هذا الحديث فحكى عنه الترمذي أنه قال هذا حديث غير محفوظ والصحيح ما روى عن شعيب وغيره عن الزهري حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة فذكره وأما حديث الزهري عن أبيه أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال وقد رواه معمر عن الزهري مرسلا وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلا قال أبو زرعة وهو أصح ورواه عقيل عن الزهري بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد قال أبو حاتم وهذا وهم إنما هو الزهري عن عثمان بن أبي سويد وقد سامه أحمد برجال الصحيح فقال حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا حدثنا معمر عن الزهري قال أبو جعفر في حديثه أخبرنا ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان فذكره وقد روى من غير طريق معمر والزهري فأخرجه البيهقي عن أيوب عن نافع وسالم عن ابن عمر أن غيلان فذكره وأخرج أبو داود وابن ماجة في سننهما عن عمير الأسدي قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال اختر منهن أربعا قال ابن كثير إن إسناده حسن وأخرج الشافعي في مسنده عن نوفل بن معاوية الديلي قال أسلمت وعندي خمس نسوة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أمسك أربعا وفارق الأخرى ) وأخرج ابن ماجة والنحاس في ناسخه عن قيس بن الحارث الأسدي قال ( أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته فقال اختر منهن أربعا وخل سائرهن ففعلت ) وهذه شواهد للحديث الأول كما قال البيهقي وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن الحكم قال أجمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية يقول إن خفت ألا تعدل في أربع فثلاث وإلا فثنتين وإلا فواحدة فإن خفت ألا تعدل في واحدة فما ملكت يمينك وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج أيضا عن الضحاك ) فإن خفتم ألا تعدلوا ( قال في المجامعة والحب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ) أو ما ملكت أيمانكم ( قال السراري وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ذلك أدنى ألا تعولوا ( قال ألا تجوروا قال ابن أبي حاتم قال أبي هذا حديث خطأ والصحيح عن عائشة موقوف وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ) ألا تعولوا ( قال ألا تميلوا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال ألا تميلوا ثم قال أما سمعت قول أبي طالب بميزان قسط لا يخيس شعيرة
ووازن صدق وزنه غير عائل
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال ألا تميلوا وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين وأبي مالك والضحاك مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال ذلك أدنى


"""""" صفحة رقم 425 """"""
ألا يكثر من تعولوا وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال ألا تفتقروا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال كان الرجل إذا زوج ايمة أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزلت ) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) نحلة ( قال يعني بالنحلة المهر وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة ) نحلة ( قالت واجبة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج ) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ( قال فريضة مسماة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) فإن طبن لكم ( قال هي للازواج وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة ) فإن طبن لكم عن شيء منه ( قال من الصداق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس ) فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ( يقول إذا كان من غير ضرار ولا خديعة فهو هنيء مرئ كما قال الله
النساء 5 6
النساء : ( 5 ) ولا تؤتوا السفهاء . . . . .
هذا رجوع إلى بقية الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى وقد تقدم الأمر بدفع أموالهم إليهم في قوله تعالى ) وآتوا اليتامى أموالهم ( فبين سبحانه ها هنا أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه وقد تقدم في البقرة معنى السفيه لغة واختلف أهل العلم في هؤلاء السفهاء من هم فقال سعيد بن جبير هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم قال النحاس وهذا من أحسن ما قيل في الآية وقال مالك هم الأولاد الصغار لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها وتبقوا بلا شيء وقال مجاهد هم النساء قال النحاس وغيره وهذا القول لا يصح إنما تقول العرب سفائه أو سفيهات واختلفوا في وجه إضافة الأموال إلى المخاطبين وهي للسفهاء فقيل أضافها إليهم لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها كقوله ) فسلموا على أنفسكم ( وقوله ) فاقتلوا أنفسكم ( أي ليسلم بعضكم على بعض وليقتل بعضكم بعضا وقيل أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق في الأصل وقيل المراد أموال المخاطبين حقيقة وبه قال أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة والمراد النهي عن دفعها إلى من لا يحسن تدبيرها كالنساء والصبيان ومن هو ضعيف الإدراك لا يهتدي إلى وجوه النفع التي تصلح المال ولا يتجنب وجوه الضرر التي تهلكه وتذهب به قوله ) التي جعل الله لكم قياما ( المفعول الأول محذوف والتقدير التي جعلها الله لكم ( وقياما ) قراءة أهل المدينة وأبي عامر وقرأ غيرهم ( قياما ) وقرأ عبدالله بن عمر ( قواما ) والقيام والقوام ما يقيمك يقال فلان قيام أهله وقوام بيته وهو الذي يقيم شأنه أي يصلحه ولما انكسرت القاف في قوام أبدلوا الواو ياء قال الكسائي والفراء قيما وقواما بمعنى قياما وهو منصوب على المصدر أي لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم فتقومون بها قياما وقال الأخفش المعنى قائمة بأموركم فذهب


"""""" صفحة رقم 426 """"""
إلى أنها جمع وقال البصريون قيما جمع قيمة كديمة وديم أي جعلها الله قيمة للأشياء وخطأ أبو علي الفارسي هذا القول وقال هي مصدر كقيام وقوام والمعنى أنها صلاح للحال وثبات له فأما على قول من قال إن المراد أموالهم على ما يقتضيه ظاهر الإضافة فالمعنى واضح وأما على قول من قال إنها أموال اليتامى فالمعنى أنها من جنس ما تقوم به معايشكم ويصلح به حالكم من الأموال وقرأ الحسن والنخعي ( اللاتي جعل ) قال الفراء الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي والأموال التي وكذلك غير الأموال ذكره النحاس قوله ) وارزقوهم فيها واكسوهم ( أي اجعلوا لهم فيها رزقا أو افرضوا لهم وهذا فيمن تلزم نفقته وكسوته من الزوجات والأولاد ونحوهم وأما على قول من قال إن الأموال هي أموال اليتامى فالمعنى اتجروا فيها حتى تربحوا وتنفقوهم من الأرباح أو اجعلوا لهم من أموالهم رزقا ينفقونه على أنفسهم ويكتسون به وقد استدل بهذه الآية على جواز الحجر على السفهاء وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة لا يحجر على من بلغ عاقلا واستدل بها أيضا على وجوب نفقة القرابة والخلاف في ذلك معروف في مواطنه قوله ) وقولوا لهم قولا معروفا ( قيل ادعوا لهم بارك الله فيكم وحاطكم وصنع لكم وقيل معناه عدوهم وعدا حسنا قولوا لهم إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم ويقول الأب لابنه مالي سيصير إليك وأنت إن شاء الله صاحبه ونحو ذلك والظاهر من الآية ما يصدق عليه مسمى القول الجميل ففيه إرشاد إلى حسن الخلق مع الأهل والأولاد أو مع الأيتام المكفولين وقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيما صح عنه ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي
النساء : ( 6 ) وابتلوا اليتامى حتى . . . . .
قوله ) وابتلوا اليتامى ( الإبتلاء الاختبار وقد تقدم تحقيقه وقد اختلفوا في معنى الاختبار فقيل هو أن يتأمل الوصي أخلاق يتيمه ليعلم بنجابته وحسن تصرفه فيدفع إليه ماله إذا بلغ النكاح وآنس منه الرشد وقيل معنى الاختبار أن يدفع إليه شيئا من ماله ويأمره بالتصرف فيه حتى يعلم حقيقة حاله وقيل معنى الاختبار أن يرد النظر إليه في نفقة الدار ليعرف كيف تدبيره وإن كانت جارية رد إليها ما يرد إلى ربة البيت من تدبير بيتها والمراد ببلوغ النكاح بلوغ الحلم لقوله تعالى ) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ( ومن علامات البلوغ الإنبات وبلوغ خمس عشرة سنة وقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما لا يحكم لمن لم يحتلم بالبلوغ إلا بعد مضي سبع عشرة سنة وهذه العلامات تعم الذكر والأنثى وتختص الأنثى بالحبل والحيض قوله ) فإن آنستم ( أي أبصرتم ورأيتم ومنه قوله ) آنس من جانب الطور نارا ( قال الزهري تقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحدا معناه تبصر وقيل هو هنا بمعنى وجد وعلم أي فإن وجدتم وعلمتم منهم رشدا وقراءة الجمهور ( رشدا ) بضم الراء وسكون الشين وقرأ ابن مسعود والسلمي وعيسى الثقفي بفتح الراء والشين قيل هما لغتان وقيل هو بالضم مصدر رشد بالفتح مصدر رشد
واختلف أهل العلم في معنى الرشد ها هنا فقيل الصلاح في العقل والدين وقيل في العقل خاصة قال سعيد بن جبير والشعبي إنه لا يدفع إلى اليتيم ماله إذا لم يؤنس رشده وإن كان شيخا قال الضحاك وإن بلغ مائة سنة وجمهور العلماء على أن الرشد لا يكون إلا بعد البلوغ وعلى أنه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم لا يزول عن الحجر وقال أبو حنيفة لا يحجر على الحر البالغ وإن كان أفسق الناس وأشدهم تبذيرا وبه قال النخعي وزفر وظاهر النظم القرآني أنها لا تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ غاية هي بلوغ النكاح مقيدة هذه الغاية بإيناس الرشد فلا بد من مجموع الأمرين فلا تدفع إلى اليتامى أموالهم قبل البلوغ وإن كانوا معروفين بالرشد ولا بعد البلوغ إلا بعد إيناس الرشد منهم والمراد بالرشد نوعه وهو المتعلق بحسن التصرف في أمواله وعدم التبذير بها ووضعها في مواضعها قوله ) ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ( الإسراف في الغة الإفراط ومجاوزة الحد وقال


"""""" صفحة رقم 427 """"""
النضر بن شميل السرف التبذير والبدار المبادرة و ) أن يكبروا ( في موضع نصب بقوله ) وبدارا ( أي لا تأكلوا أموال اليتامى أكل إسراف وأكل مبادرة لكبرهم أو لا تأكلوا لأجل السرف ولأجل المبادرة أولا تأكلوها مسرفين ومبادرين لكبرهم وتقولوا ننفق أموال اليتامى فيما نشتهي قبل أن يبلغوا فينتزعوها من أيدينا قوله ) ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( بين سبحانه ما يحل لهم من أموال اليتامى فأمر الغني بالاستعفاف وتوفير مال الصبي عليه وعدم تناوله منه وسوغ للفقير أن يأكل بالمعروف
واختلف أهل العلم في الأكل بالمعروف ما هو فقال قوم هو القرض إذا احتاج إليه ويقضي متى أيسر الله عليه وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعبيدة السلماني وابن جبير والشعبي ومجاهد وأبو العالية والأوزاعي وقال النخعي وعطاء والحسن وقتادة لا قضاء على الفقير فيما يأكل بالمعروف وبه قال جمهور الفقهاء وهذا بالنظم القرآني ألصق فإن إباحة الأكل للفقير مشعرة بجواز ذلك له من غير قرض والمراد بالمعروف المتعارف به بين الناس فلا يترفه بأموال اليتامى ويبالغ في التنعم بالمأكول والمشروب والملبوس ولا يدع نفسه عن سد الفاقة وستر العورة والخطاب في هذه الآية لأولياء الأيتام القائمين بما يصلحهم كالأب والجد ووصيهما وقال بعض أهل العلم المراد بالآية اليتيم إن كان غنيا وسع عليه وعف من ماله وإن كان فقيرا كان الإنفاق عليه بقدر ما يحصل له وهذا القول في غاية السقوط قوله ) فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ( أي إذا حصل مقتضى الدفع فدفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم أنهم قد قبضوها منكم لتندفع عنكم التهم وتأمنوا عاقبة الدعاوى الصادرة منهم وقيل إن الإشهاد المشروع هو ما أنفقه عليهم الأولياء قبل رشدهم وقيل هو على رد ما استقرضه إلى أموالهم وظاهر النظم القرآني مشروعية الإشهاد على ما دفع إليهم من أموالهم وهو يعم الإنفاق قبل الرشد والدفع للجميع إليهم بعد الرشد ) وكفى بالله حسيبا ( أي حاسبا لأعمالكم شاهدا عليكم في كل شيء تعملونه ومن جملة ذلك معاملتكم لليتامى في أموالهم وفيه وعيد عظيم والباء زائدة أي كفى الله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( يقول لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك ثم تضطر إلى ما في أيديهم ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤونتهم قال وقوله ) قواما ( يعني قوامكم من معايشكم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من طريق العوفي في الآية يقول لا تسلط السفيه من ولدك على مالك وأمره أن يرزقه منه ويكسوه وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال هم بنوك والنساء وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن النساء السفهاء إلا التي أطاعت قيمها ) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال هم الخدم وهم شياطين الإنس وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال هم النساء والصبيان وأخرج ابن جرير عن حضرمي أن رجلا عمد فدفع ماله إلى إمرأته فوضعته في غير الحق فقال الله ) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال هم اليتامى والنساء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال هو مال اليتيم يكون عندك يقول لا تؤته إياه وأنفق عليه حتى يبلغ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وارزقوهم ( يقول أنفقوا عليهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) وقولوا لهم قولا معروفا ( قال أمروا أن يقولوا لهم قولا معروفا في البر والصلة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ) وقولوا لهم قولا معروفا ( قال عدة تعدونهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) وابتلوا اليتامى ( يعني اختبروا اليتامى


"""""" صفحة رقم 428 """"""
عند الحلم ) فإن آنستم ( عرفتم ) منهم رشدا ( في حالهم والإصلاح في أموالهم ) فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ( يعني تأكل مال اليتيم ببادرة قبل أن يبلغ فتحول بينه وبين ماله وأخرج البخاري وغيره عن عائشة قالت أنزلت هذه الآية في ولي اليتيم ) ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( بقدر قيامه عليه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس ) ومن كان غنيا فليستعفف ( قال بغناه ) ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( قال يأكل من ماله يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم وأخرج ابن جرير عنه قال هو القرض وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس قال إن كان فقيرا أخذ من فضل اللبن وأخذ من فضل القوت ولا يجاوزه وما يستر عورته من الثياب فإن أيسر قضاه وإن اعسر فهو في حل وأخرج عبدالرزاق وابن سعد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه من طرق عن عمر بن الخطاب قال إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة ولي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن احتجت أخذت منه بالمعروف فإذا أيسرت قضيت وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم عن ابن عمر ( أن رجلا سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ليس لي مال ولي يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا ومن غير أن تقي مالك بماله وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( قال نسختها ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ( الآية
النساء 7 10
النساء : ( 7 ) للرجال نصيب مما . . . . .
لما ذكر سبحانه حكم أموال اليتامى وصله بأحكام المواريث وكيفية قسمتها بين الورثة وأفرد سبحانه ذكر النساء بعد ذكر الرجال ولم يقل للرجال والنساء نصيب للإيذان بأصالتهن في هذا الحكم ودفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء وفي ذكر القرابة بيان لعلة الميراث مع التعميم لما يصدق عليه مسمى القرابة من دون تخصيص وقوله ) مما قل منه أو كثر ( بدل من قوله ) مما ترك ( بإعادة الجار والضمير في قوله ) منه ( راجع إلى المبدل منه وقوله ) نصيبا ( منتصب على الحال أو على المصدرية أو على الاختصاص وسيأتي ذكر السبب في نزول هذه الآية إن شاء الله وقد أجمل الله سبحانه في هذه المواضع قدر النصيب المفروض ثم انزل قوله ) يوصيكم الله في أولادكم ( فتبين ميراث كل فرد
النساء : ( 8 ) وإذا حضر القسمة . . . . .
قوله ) وإذا حضر القسمة أولوا القربى ( المراد بالقرابة هنا غير الوارثين وكذا اليتامى والمساكين شرع الله سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منها رزق فيرضخ لهم المتقاسمون شيئا منها وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة وأن الأمر للندب وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى ) يوصيكم الله في أولادكم ( والأول أرجح لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس


"""""" صفحة رقم 429 """"""
هو من جملة الميراث حتى يقال إنها منسوخة بآية المواريث إلا أن يقولوا إن أولي القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه وقالت طائفة إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة وهو معنى الأمر الحقيقي فلا يصار إلى الندب إلا لقرينة والضمير في قوله ) منه ( راجع إلى المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة وقيل راجع إلى ما ترك والقول المعروف هو القول الجميل الذي ليس فيه من بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى
النساء : ( 9 ) وليخش الذين لو . . . . .
قوله ) وليخش الذين لو تركوا ( هم الأوصياء كما ذهب إليه طائفة من المفسرين وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذين في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم وقالت طائفة المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم وقال آخرون إن المراد بهم من يحضر الميت عند موته وأمروا بتقوى الله وبأن يقولوا للمحتضر قولا سديدا من إرشادهم إلى التخلص عن حقوق الله وحقوق بني آدم وإلى الوصية بالقرب المقربة إلى الله سبحانه وإلى ترك التبذير بما له وإحرام ورثته كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم فقراء عالة يتكففون الناس وقال ابن عطية الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ويحمل على أن يقدم لنفسه وإذا ترك ورثة ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن اجره في قصد ذلك كأجره في المساكين قال القرطبي وهذا التفصيل صحيح قوله ) لو تركوا ( صلة الموصول والفاء في قوله ) فليتقوا ( لترتيب ما بعدها على ما قبلها والمعنى وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم ثم أمرهم بتقوى الله والقول السديد للمحتضرين أو لأولادهم من بعدهم على ما سبق
النساء : ( 10 ) إن الذين يأكلون . . . . .
قوله ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ( استئناف يتضمن النهي عن ظلم الأيتام من الأولياء والأوصياء وانتصاب قوله ) ظلما ( على المصدرية أي أكل ظلم أو على الحالية أي ظالمين لهم وقوله ) إنما يأكلون في بطونهم نارا ( أي ما يكون سببا للنار تعبيرا بالمسبب عن السبب وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية وقوله ) وسيصلون ( قراءة عاصم وابن عامر بضم الياء على ما لم يسم فاعله وقرأ أبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية بكثرة الفعل مرة بعد أخرى وقرأ الباقون بفتح الياء من صلى النار يصلاها و والصلي هو التسخن بقرب النار أو مباشرتها ومنه قوله الحارث بن عباد ولم أكن من جناتها علم الله
هو وإني لحرها اليوم صالي
والسعير الجمر المشتعل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغيرا فجاء أبنا عمه وهما عصبته إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخذا ميراثه كله فجاءت إمرأته إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت الآية فأرسل إليهما رسول الله فقال لا تحركا من الميراث شيئا فإنه قد أنزل علي شيء احترت فيه إن للذكر والأنثى نصيبا ثم نزل بعد ذلك ) ويستفتونك في النساء ( ثم نزل ) يوصيكم الله في أولادكم ( فدعا بالميراث فأعطى المرأة الثمن وقسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال نزلت في أم كلثوم ابنة أم كحلة أو أم كحة وثعلبة بن أوس وسويد وهم من الأنصار كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها فقالت يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث من ماله فقال عم ولدها يا رسول الله لا يركب فرسا ولا ينكى عدوا ويكسب عليها ولا يكتسب فنزلت وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى ) وإذا حضر القسمة ( قال هي محكمة وليست بمنسوخة وأخرج ابن أبي


"""""" صفحة رقم 430 """"""
شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن خطاب بن عبدالله في هذه الآية قال قضى بها أبو موسى وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة عن الحسن والزهري قالا هي محكمة ما طابت به أنفسهم وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والحاكم وصححه عن ابن عباس قال يرضخ لهم فإن كان في ماله تقصير اعتذر إليهم فهو قولا معروفا وأخرج ابن المنذر عن عائشة انها لم تنسخ وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم ان هذه الآية منسوخة بآية الميراث وأخرج أبو داود في ناسخه وعبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال هي منسوخة وأخرج ابن جرير عن سعيد ابن جبير قال إن كانوا كبارا يرضخوا وإن كانوا صغارا اعتذروا إليهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه في قوله ( وليخش الذين لو تركوا ) قال هذا في الرجل يحضر الرجل عند موته فيسمعه يوصى وصية تضر بورثته فأمر الله الذي يسمعه ان يتقى الله ويوفقه ويسدده للصواب ولينظر لورثته كما يحب ان يصنع لورثته إذا خشى عليهم الضيعة وقد روى نحو هذا من طرق وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم عن أبي برزة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا فقيل يا رسول الله من هم قال ألم تر أن الله يقول ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدرى قال حدثنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن ليلة أسري به قال 0 نظرت فإذا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار فيقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسافلهم ولهم جؤار وصراخ فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء ) الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ( وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال هذه الآية لأهل الشرك حين كانوا لا يورثونهم ويأكلون أموالهم
النساء 11 14


"""""" صفحة رقم 431 """"""
النساء : ( 11 ) يوصيكم الله في . . . . .
هذا تفصيل لما أجمل في قوله تعالى ) للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ( الآية وقد استدل بذلك على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة وهذه الآية ركن من أركان الدين وعمدة من عمد الأحكام وأم من أمهات الآيات لاشتمالها على ما يهم من علم الفرائض وقد كان هذا العلم من أجل علوم الصحابة وأكثر مناظراتهم فيه وسيأتي بعد كمال تفسير ما اشتمل عليه كلام الله من الفرائض ذكر بعض فضائل هذا العلم إن شاء الله قوله ( يوصيكم الله في أولادكم ) أي في بيان ميراثهم وقد اختلفوا هل يدخل أولاد الأولاد أم لا فقالت الشافعية إنهم يدخلون مجازا لا حقيقة وقالت الحنفية انه يتناولهم لفظ الأولاد حقيقة إذا لم لم يوجد أولاد الصلب ولا خلاف أن بني البنين كالبنين في الميراث مع عدمهم وإنما هذا الخلاف في دلالة لفظ الأولاد على أولادهم مع عدمهم ويدخل في لفظ الأولاد من كان منهم كافرا ويخرج بالسنة كذلك يدخل القاتل عمدا ويخرج أيضا بالسنة والإجماع ويدخل فيه الخنثى قال القرطبي أجمع العلماء انه يورث من حيث يبول فإن بال منهما فمن حيث سبق فإن خرج البول منهما من غير سبق أحدهما فله نصف نصيب الذكر ونصف نصيب الأنثى وقيل يعطي أقل النصيبين وهو نصيب الأنثى قاله يحيى بن آدم وهو قول الشافعي وهذه الآية ناسخة لما كان في صدر الإسلام من الموارثة بالحلف والهجرة والمعاقدة وقد أجمع العلماء على أنه إذا كان مع الأولاد من له فرض مسمى أعطيه وكان ما بقى من المال للذكر مثل حظ الأنثيين للحديث الثابث في الصحيحين وغيرهما بلفظ ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ) إلا إذا كان ساقطا معهم كالأخوة لأم وقوله ) للذكر مثل حظ الأنثيين ( جملة مستأنفة لبيان الوصية في الأولاد فلا بد من تقدير ضمير يرجع إليهم 0 ويوصيكم الله في أولادكم للذكر منهم مثل حظ الأنثيين والمراد حال اجتماع الذكور والإناث وأما حال الأنفراد فللذكر جميع الميراث وللأنثى النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان قوله ) فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ( أي فإن كن الأولاد والتأنيث باعتبار الخبر أو البنات أو المولودات نساء ليس معهن ذكر فوق اثنتين أي زائدات على اثنتين على أن فوق صفة لنساء أو يكون خبرا ثانيا لكان ( فلهن ثلثا ما ترك ) الميت المدلول عليه بقرينة المقام وظاهر النظم القرآني أن الثلثين فريضة الثلاث من البنات فصاعدا ولم يسم للاثنتين فريضة ولهذا أختلف أهل العلم في فريضتهما فذهب الجمهور إلى أن لهما إذا انفردتا عن البنين الثلثين وذهب ابن عباس إلى ان فريضتهما النصف احتج الجمهور بالقياس على الأختين فإن الله سبحانه قال في شأنهما ) فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان ( فألحقوا البنتين بالأختين في استحقاقهما الثلثين كما ألحقوا الأخوات إذا زدن على اثنتين بالبنات في الاشتراك في الثلثين وقيل في الآية ما يدل على ان للبنتين الثلثين وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث


"""""" صفحة رقم 432 """"""
كان للإبنتين إذا انفردتا الثلثان هكذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرد قال النحاس وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين وأيضا للمخالف ان يقول إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف فهذا دليل على ان هذا فرضهما ويكمن تأييد ما احتج به الجمهور بأن الله سبحانه لما فرض للبنت الواحدة إذا انفردت النصف بقوله تعالى ( وإن كانت واحدة فلها النصف ) كان فرض البنتين إذا انفردتا فوق فرض الواحدة وأوجب القياس على الأختين الاقتصار للبنتين على الثلثين وقيل إن فوق زائدة والمعنى إن كن نساء اثنتين كقوله تعالى ) فاضربوا فوق الأعناق ( أي الأعناق ورد هذا النحاس وابن عطية فقالا هو خطأ لأن الظروف وجميع الأسماء لا تجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى قال ابن عطية ولان قوله فوق الأعناق هو الفصيح وليست فوق زائدة بل هي محكمة المعنى لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ كما قال دريد بن الصمة اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال انتهى وأيضا لو كان لفظ فوق زائدا كما قالوا لقال فلهما ثلثا ما ترك ولم يقل فلهن ثلثا ما ترك واوضح ما يحتج به للجمهور ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي في سننه عن جابر قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال فقال يقضى الله في ذلك فنزلت آية الميراث ) يوصيكم الله في أولادكم ( الآية فأرسل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى عمهما فقال أعط ابنتى سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك أخرجوه من طرق عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر قال الترمذي ولا يعرف إلا من حديثه قوله ( وإن كانت واحدة فلها النصف ) قرأ نافع وأهل المدينة 0 ( واحدة ) بالرفع على ان كان تامة بمعنى فإن وجدت واحدة أو حدثت واحدة وقرأ الباقون بالنصب قال النحاس وهذه قراءة حسنة أي وإن كانت المتروكة أو المولودة واحدة قوله ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس ) أي لأبوى الميت وهو كناية عن غير مذكور جاز ذلك لدلالة الكلام عليه و ( لكل واحد منهما السدس ) بدل من قوله ( ولأبويه ) بتكرير العامل للتأكيد والتفصيل وقرأ الحسن ونعيم بن ميسرة ( السدس ) بسكون الدال وكذلك قرأ الثلث والربع إلى العشر بالسكون وهي لغة بني تميم وربيعة وقرأ الجمهور بالتحريك ضما وهي لغة أهل الحجاز وبنى أسد في جميعها والمراد بالأبوين الأب والأم والتثنية على لفظ الأب للتغليب وقد اختلف العلماء في الجد هل هو بمنزلة الأب فتسقط به الأخوة أم لا فذهب أبو بكر الصديق إلى انه بمنزلة الأب ولم يخالفه أحد من الصحابة أيام خلافته واختلفوا في ذلك بعد وفاته فقال بقول أبي بكر ابن عباس وعبدالله بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبي كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة وعطاء وطاوس والحسن وقتادة وأبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق واحتجوا بمثل قوله تعالى ملة ابيكم إبراهيم وقوله يا بني آدم وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ارموا يا بني إسماعيل ) وذهب على ابن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريث الجد مع الأخوة لأبوين أولأب ولا ينقص معهم من الثلث ولا ينقص مع ذوي الفروض من السدس في قوله زيد ومالك والاوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي وقيل يشرك بين الجد والإخوة إلى السدس ولا ينقصه من السدس شيئا مع ذوى الفروض وغيرهم وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة وذهب الجمهور إلى ان الجد يسقط بني الإخوة وروى الشعبي عن على انه أجرى بني الإخوة في القاسمة مجرى الإخوة وأجمع العلماء على ان


"""""" صفحة رقم 433 """"""
الجد لا يرث مع الأب شيئا وأجمع العلماء على ان للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم واجمعوا على أنهما ساقطة مع وجود الأمم واجمعوا على ان الأب لا يسقط الجدة أم الأم
واختلفوا في توريث الجدة وابنها حى فروى عن زيد بن ثابت وعثمان وعلى انها لا ترث وابنها حي وبه قال مالك والثوري والاوزاعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وروى عن عمر وابن مسعود وأبي موسى انها ترث معه وروى أيضا عن علي وعثمان وبه قال شريح وجابر بن زيد وعبيد الله بن الحسن وشريك وأحمد وإسحاق وابن المنذر قوله ( إن كان له ولد ) الولد يقع على الذكر والأنثى لكنه إذا كان الموجود الذكر من الأولاد وحده أو مع الأنثى منهم فليس للجد إلا السدس وإن كان الموجود أنثى كان للجد السدس بالفرض وهو عصبة فيما عدا السدس و أولاد ابن الميت كاولاد الميت قوله ) فإن لم يكن له ولد ( أي ولا ولد ابن لما تقدم من الإجماع ( وورثه ابواه ) منفردين عن سائر الورثة كما ذهب إليه الجمهور من ان الأم لا تأخذ ثلث التركة إلا إذا لم يكن للميت وارث غير الأبوين اما لو كان معهما أحد الزوجين فليس للأم إلا ثلث الباقي بعد الموجود من الزوجين وروى عن ابن عباس أن للأم ثلث الأصل مع أحد الزوجين وهو يستلزم تفضيل الأم على الأب في مسئلة زوج وأبوين مع الاتفاق على انه أفضل منها عند انفرادها عن أحد الزوجين قوله ( فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) إطلاق الإخوة يدل على انه لا فرق بين الإخوة لأبوين أو لأحدهما وقد أجمع أهل العلم على ان الإثنين من الإخوة يقومون مقام الثلاثة فصاعدا في حجب الأم إلى السدس إلا ما يروى عن ابن عباس انه جعل الأثنين كالواحد في عدم الحجب واجمعوا أيضا على ان الأختين فصاعدا كالأخوين في حجب الأم قوله ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم ( يوصى ) بفتح الصاد وقرأ الباقون بكسرها واختار الكسر أبو عبيد وأبو حاتم لأنه جرى ذكر الميت قبل هذا قال الأخفش وتصديق ذلك قوله 0 ( يوصين وتوصون ) واختلف في وجه تقديم الوصية على الدين مع كونه مقدما عليها بالإجماع فقيل المقصود تقديم الأمرين على الميراث من غير قصد إلى الترتيب بينهما وقيل لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمت أهتماما بها وقيل قدمت لكثرة وقوعها فصارت كالأمر اللازم لكل ميت وقيل قدمت لكونها حظ المساكين والفقراء وأخر الدين لكونه حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وقيل لما كانت الوصية ناشئة من جهة الميت قدمت بخلاف الدين فإنه ثابت مؤدى ذكر أو لم يذكر وقيل قدمت لكونها تشبه الميراث في كونها مأخوذة من غير عوض فربما يشق على الورثة إخراجها بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة بأدائه وهذه الوصية مقيدة بقوله تعالى ) غير مضار ( كما سيأتي إن شاء الله قوله ) آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ( قيل خبر قوله ( اباؤكم وأبناؤكم ) مقدر أي هم المقسوم عليهم وقيل إن الخبر قوله ( لا تدرون ) وما بعده ( وأقرب ) خبر قوله ( أيهم ) و ( نفعا ) تمييز أي لا تدرون أيهم قريب لكم نفعه في الدعاء لكم والصدقة عنكم كما في الحديث الصحيح ( أو ولد صالح يدعو له ) وقال ابن عباس والحسن قد يكون الابن أفضل فيشفع في أبيه وقال بعض المفسرين ان الابن إذا كان ارفع درجة من أبيه في الآخرة سأل الله أن يرفع إليه أباه وإذا كان الأب ارفع درجة من ابنه سأل الله ان يرفع ابنه إليه وقيل المراد النفع في الدنيا والآخرة قاله ابن زيد وقيل المعنى إنكم لا تدرون من انفع لكم من آبائكم وأبنائكم أمن أوصى منهم فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا أو من ترك الوصية ووفر عليكم عرض الدنيا وقوى هذا صاحب الكشاف قال لأن الجملة اعتراضية ومن حق


"""""" صفحة رقم 434 """"""
الاعتراض ان يؤكد ما اعترض بينه ويناسبه قوله ) فريضة من الله ( نصب على المصدر المؤكد إذ معنى ( يوصيكم ) يفرض عليكم وقال مكى وغيره هي حال مؤكدة والعامل يوصيكم والأول أولى ) إن الله كان عليما ( بقسمة المواريث ( حكيما ) حكم بقسمتها وبينها لأهلها وقال الزجاج 0 ( عليما ) بالأشياء قبل خلقها ( حكيما ) فيما يقدره ويمضيه منها
النساء : ( 12 ) ولكم نصف ما . . . . .
قوله ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ) الخطاب هنا للرجال والمراد بالولد ولد الصلب أو ولد الولد لما قدمنا من الإجماع ( فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن ) وهذا مجمع عليه لم يختلف أهل العلم في ان للزوج مع عدم الولد النصف ومع وجوده وإن سفل الربع وقوله ( من بعد وصية ) إلخ الكلام فيه كما تقدم قوله ( ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم ) هذا النصيب مع الولد والنصيب مع عدمه تنفرد به الواحدة من الزوجات ويشترك فيه الأكثر من واحدة لا خلاف في ذلك والكلام في الوصية والدين كما تقدم قوله ( وإن كان رجل يورث كلالة ) المراد بالرجل الميت و ( يورث ) على البناء للمفعول من ورث لا من أورث وهو خبر كان و ( كلالة ) حال من ضمير ( يورث ) أي يورث حال كونه ذا كلالة أو على ان الخبر كلالة ويورث صفة لرجل أي ان كان رجل يورث ذا كلالة ليس له ولد ولا والد وقرئ ) يورث ( مخففا ومشددا فيكون كلالة مفعولا أو حالا والمفعول محذوف أي يورث واريد حال كونه ذا كلالة أو يكون مفعولا له أي لأجل الكلالة والكلالة مصدر من تكلله النسب أي احاط به وبه سمى الاكليل لإحاطته بالرأس وهو الميت الذي لا ولد له ولا والد هذا قول أبي بكر الصديق وعمر وعلي وجمهور أهل العلم وبه قال صاحب كتاب العين وأبي منصور اللغوي وابن عرفة والقتيبى وأبو عبيد وابن الأنباري وقد قيل انه إجماع قال ابن كثير وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور الخلف والسلف بل جميعهم وقد حكى الإجماع غير واحد وورد فيه حديث مرفوع انتهى وروى أبو حاتم والأثرم عن أبي عبيدة أنه قال الكلالة كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة قال أبو عمر ابن عبد البر ذكر أبي عبيدة الأخ هنا مع الأب والابن في شرط الكلالة غلط لا وجه له ولم يذكره في شرط الكلالة غيره وما يروى عن أبي بكر وعمر من ان الكلالة من لا ولد له خاصة فقد رجعا عنه وقال ابن زيد الكلالة الحي و الميت جميعا وإنما سموا القرابة كلالة لأنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ولا هو منهم بخلاف الابن والأب فإنهما طرفان له فإذا ذهبا تكلله النسب وقيل إن الكلالة مأخوذة من الكلال وهو الإعياء فكأنه يصير الميراث إلى الوارث عن بعد وإعياء وقال ابن الأعرابي إن الكلالة بنو العن الأباعد وبالجملة فمن قرأ ( يورث كلالة ) بكسر الراء مشددة وهو بعض الكوفيين أو مخففة وهو الحسن وأيوب جعل الكلالة القرابة ومن قرأ ( يورث ) بفتح الراء وهم الجمهور احتمل ان يكون الكلالة الميت واحتمل ان يكون القرابة وقد روى عن على وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس والشعبي ان الكلالة ما كان سوى الولد والوالد من الورثة قال الطبري الصواب ان الكلالة هم الذين يرثون الميت من عدا ولده ووالده لصحة خبر جابر ( فقلت يا رسول الله إنما يرثني كلالة أفأوصى بمالي كله قال لا ) انتهى وروى عن عطاء انه قال الكلالة المال قال ابن العربي وهذا قول ضعيف لا وجه له وقال صاحب الكشاف إن الكلالة تنطلق على ثلاثة على من لم يخلف ولدا ولا والدا وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد انتهى قوله ( أو امرأة ) معطوف على رجل مقيدة بما قيد به أي أو امرأة تورث كلالة قوله ( 0 وله أخ أو أخت ) قرأ سعد بن أبي وقاص من أم وسيأتي ذكر من أخرج ذلك عنه قال القرطبي أجمع العلماء أن الإخوة ها هنا هم الإخوة لأم قال


"""""" صفحة رقم 435 """"""
ولا خلاف بين أهل العلم ان الأخوة للأب والأم والأب ليس ميراثهم هكذا فدل إجماعهم على ان الأخوة المذكورين في قوله تعالى ) وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ( هم الإخوة لأبوين أو لأب وأفرد الضمير في قوله ( وله أخ أو أخت ) لأن المراد كل واحد منهما كما جرت بذلك عادة العرب إذا ذكروا اسمين مستويين في الحكم فإنهم قد يذكرون الضمير الراجع إليهما مفردا كما في قوله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة وقوله ) يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ( وقد يذكرونه مثنى كما في قوله أن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما وقد قدمنا في هذا كلاما أطول من المذكور هنا قوله ) فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ( الإشارة بقوله ( من ذلك ) إلى قوله ( وله أخ أو أخت ) أي أكثر من الأخ المنفرد أو الأخت المنفردة بواحد وذلك بأن يكون الموجود اثنين فصاعدا ذكرين أو انثيين أو ذكرا أو انثى وقد استدل بذلك على ان الذكر كالأنثى من الإخوة لأم نلأن الله شرك بينهم في الثلث ولم يذكر فضل الذكر على الأنثى كما ذكره في البنين والإخوة لأبوين أو لأب قال القرطبي وهذا إجماع ودلت الآية على أن الإخوة لأم إذا استكملت بهم المسئلة كانوا أقدم من الإخوة لأبوين أو لأب وذلك في المسئلة المسماة بالحمارية وهي إذا تركت الميتة زوجا وأما واخوين لأم وإخوة لأبوين فإن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين لأم الثلث ولا شيء للأخوة لأبوين ووجه ذلك انه قد وجد الشرط الذي يرث عنده الإخوة من الأم وهو كون الميت كلالة ويؤيد هذا الحديث ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر ) وهو في الصحيحين وغيرها وقد قررنا دلالة الآية والحديث على ذلك في الرسالة التي سميناها ( المباحث الدرية في المسألة الحمارية ) وفي هذه المسئلة خلاف بين الصحابة فمن بعدهم معروف قوله ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) الكلام فيه كما تقدم قوله ( غير مضار ) أي يوصى حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار كأن يقر بشئ ليس عليه أو يوصى بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة أو يوصى لوارث مطلقا أو لغيره بزيادة على الثلث ولم تجزه الورثة وهذا القيد أعني قوله ( غير مضار ) راجع إلى الوصية والدين المذكورين فهو قيد لهما فما صدر من الإقرارات بالديون أو الوصايا المنهى عنها له أو التي لا مقصد لصاحبها إلا المضارة لورثته فهو باطل مردود لا ينفد منه شئ لا الثلث ولا دونه قال القرطبي وأجمع العلماء على ان الوصية للوارث لا تجوز انتهى وهذا القيد اعنى عدم الضرار هو قيد لجميع ما تقدم من الوصية والدين قال أبو مسعود في تفسيره وتخصيص القيد بهذا المقام لما ان الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم قوله ( وصية من الله ) نصب على المصدر أي يوصيكم بذلك وصية من الله كقوله ) فريضة من الله ( قال ابن عطية ويصح ان يعمل فيها مضار والمعنى ان يقع الضرر بها أو بسببها فأوقع عليها تجوزا فتكون وصية على هذا مفعولا بها لأن الأسم الفاعل قد اعتمد على ذي الحال أو لكونه منفيا معنى قرأ الحسن 0 وصية من الله ) بالجر على اضافة اسم الفاعل إليها كقوله يا سارق الليلة أهل الدار وفي كون هذه الوصية من الله سبحانه دليل على انه قد وصى عباده بهذه التفاصيل المذكورة الفرائض وان كل وصية من عباده تخالفها فهي مسبوقة بوصية الله و ذلك كالوصايا المتضمنة لتفضيل بعض الورثة على بعض أو المشتملة على الضرار بوجه من الوجوه
النساء : ( 13 ) تلك حدود الله . . . . .
والإشارة بقوله ( تلك ) إلى الأحكام المتقدمة وسماها حدودا لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها ) ومن يطع الله ورسوله ( في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام ا لشرعية كما يفيده عموم اللفظ ( ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار
النساء : ( 14 ) ومن يعص الله . . . . .
وهكذا قوله ( ومن يعص الله ورسوله ) قرأ نافع وابن عامر ( ندخله ) بالنون وقرا الباقون بالياء التحتية قوله ( وله عذاب مهين ) أي وله بعد إدخاله النار عذاب


"""""" صفحة رقم 436 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر قال عادنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت ما تأمرني ان أصنع في مالي يا رسول الله فنزلت وقد قدمنا أن سبب النزول سؤال امرأة سعد بن الربيع وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال فمات عبدالرحمن أخو حسان الشاعر وترك إمرأة يقال لها أم كحة وترك خمس جوار فأخذ الورثة ماله فشكت ذلك أم كحة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله هذه الآية ) فإن كن نساء فوق اثنتين ( ثم قال في أم كحة ) ولهن الربع مما تركتم ( وأخرج سعيد بن منصور والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود قال كان عمر بن الخطاب إذا سلك بنا طريقا فاتبعناه وجدناه سهلا وأنه سئل عن إمرأة وأبوين فقال للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي وما بقي فللأب وأخرج عبدالرزاق والبيهقي عن زيد بن ثابت نحوه وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث قال الله ) فإن كان له إخوة ( والأخوان ليسا بلسان قومك إخوة فقال عثمان لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس وأخرج الحاكم والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت أنه قال إن العرب تسمى الأخوين إخوة وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن الجارود والدارقطني والبيهقي في سننه عن علي قال إنكم تقرءون هذه الآية ) من بعد وصية يوصي بها أو دين ( وإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ( يقول أطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة عند الله يوم القيامة لأن الله سبحانه شفع المؤمنين بعضهم في بعض وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) أقرب لكم نفعا ( قال في الدنيا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والدارمي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقرأ ? وله أخ أو أخت من أم ? وأخرج البيهقي عن الشعبي قال ما ورث أحد من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأخوة من الأم مع الجد شيئا قط وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال قضى عمر أن ميراث الأخوة لأم بينهم للذكر مثل الأنثى قال ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علمه من رسول الله ولهذه الآية التي قال الله ) فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبدالرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال الإضرار في الوصية من الكبائر ثم قرأ ) غير مضار ( وقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عنه مرفوعا وفي إسناده عمر بن المغيرة أبو حفص المصيصي قال أبو القاسم بن عساكر ويعرف بمفتي المساكين وروى عنه غير واحد من الأئمة قال فيه أبو حاتم الرازي هو شيخ قال وعلي ابن المديني هو مجهول لا أعرفه قال ابن جرير والصحيح الموقوف انتهى ورجال إسناد هذا الموقوف رجال الصحيح فإن النسائي رواه في سننه عن علي بن حجر عن علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عنه وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة واللفظ له والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا اوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة ) ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم ) تلك حدود الله ( إلى قوله ) عذاب مهين ( وفي إسناده


"""""" صفحة رقم 437 """"""
شهر بن حوشب وفيه مقال معروف وأخرج ابن ماجة عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قطع ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة ) وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة مرفوعا وأخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور عن سليمان بن موسى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أتاه يعوده في مرضه فقال إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بالثلثين فقال لا قال فالشطر قال لا قال فالثلث قال الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ) وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم يعني الوصية وفي الصحيحن عن ابن عباس قال وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( الثلث كثير ) وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال ذكر عند عمر الثلث في الوصية فقال الثلث وسط لا بخس ولا شطط وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصى بالثلث ومن أوصى بالثلث لم يترك
فائدة ورد في الترغيب في تعلم الفرائض وتعليمها ما أخرجه الحاكم والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإن امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يقضى بها ) وأخرجاه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم وإنه ينسى وهو أول ما ينزع من أمتي ) وقد روى عن عمر وابن مسعود وأنس آثار في الترغيب في الفرائض وكذلك روى عن جماعة من التابعين ومن بعدهم
النساء 15 18
النساء : ( 15 ) واللاتي يأتين الفاحشة . . . . .
لما ذكر سبحانه في هذه السورة الإحسان إلى النساء وإيصال صدقاتهن إليهن وميراثهن مع الرجال ذكر التغليظ عليهن فيما يأتين به من الفاحشة لئلا يتوهمن أنه يسوغ لهن ترك التعفف ) واللاتي ( جمع التي بحسب المعنى


"""""" صفحة رقم 438 """"""
دون اللفظ وفيه لغات اللاتي بإثبات التاء والياء واللات بحذف الياء وإبقاء الكسرة لتدل عليها واللائي بالهمزة والياء واللاء بكسر الهمزة وحذف الياء ويقال في جمع الجمع اللواتي واللوائي واللوات واللواء والفاحشة الفعلة القبيحة وهي مصدر كالعافية والعاقبة وقرأ ابن مسعود ) بالفاحشة ( والمراد بها هنا الزنا خاصة وإتيانها فعلها ومباشرتها والمراد بقوله ) من نسائكم ( المسلمات وكذا ) منكم ( المراد به المسلمون قوله ) فأمسكوهن في البيوت ( كان هذا في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى ) الزانية والزاني فاجلدوا ( وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحبس المذكور وكذلك الأذى باقيان مع الجلد لأنه لا تعارض بينها بل الجمع ممكن قوله ) أو يجعل الله لهن سبيلا ( هو ما في حديث عبادة الصحيح من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ) الحديث
النساء : ( 16 ) واللذان يأتيانها منكم . . . . .
قوله ) واللذان يأتيانها منكم ( اللذان تثنية الذي وكان القياس أن يقال اللذيان كرحيان قال سيبويه حذفت الياء ليفرق بين الأسماء الممكنة وبين الأسماء المبهمة وقال أبو علي حذفت الياء تخفيفا وقرأ ابن كثير ( اللذان ) بتشديد النون وهي لغة قريش وفيه لغة أخرى وهي ? اللذا ? بحذف النون وقرأ الباقون بتخفيف النون قال سيبويه المعنى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها أي الفاحشة منكم ودخلت الفاء في الجواب لأن في الكلام معنى الشرط والمراد باللذان هنا الزاني والزانية تغليبا وقيل الآية الأولى في النساء خاصة محصنات وغير محصنات والثانية في الرجال خاصة وجاء بلفظ التثنية لبيان صنفي الرجال من أحصن ومن لم يحصن فعقوبة النساء الحبس وعقوبة الرجال الأذى واختار هذا النحاس ورواه عن ابن عباس ورواه القرطبي عن مجاهد وغيره واستحسنه وقال السدي وقتادة وغيرهما الآية الأولى في النساء المحصنات ويدخل معهن الرجال المحصنون والآية الثانية في الرجل والمرأة البكرين ورجحه الطبري وضعفه النحاس وقال تغليب المؤنث على المذكر بعيد وقال ابن عطية إن معنى هذا القول تام إلا أن لفظ الآية يقلق عنه وقيل كان الإمساك للمرأة الزانية دون الرجل فخصت المرأة بالذكر في الإمساك ثم جمعا في الإيذاء قال قتادة كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعا واختلف المفسرون في تفسير الأذى فقيل التوبيخ والتعيير وقيل السب والجفاء من دون تعيير وقيل النيل باللسان والضرب بالنعال وقد ذهب قوم إلى أن الأذى منسوخ كالحبس وقيل ليس بمنسوخ كما تقدم في الحبس قوله ) فإن تابا ( أي من الفاحشة ) وأصلحا ( العمل فيما بعد ) فأعرضوا عنهما ( أي اتركوهما وكفوا عنهما الأذى وهذا كان قبل نزول الحدود على ما تقدم من الخلاف قوله ) إنما التوبة على الله ( استئناف لبيان أن التوبة ليست بمقبولة على الإطلاق كما ينبئ عنه قوله ) توابا رحيما ( بل إنما تقبل من البعض دون البعض كما بينه النظم القرآني ها هنا
النساء : ( 17 ) إنما التوبة على . . . . .
فقوله ) إنما التوبة ( مبتدأ خبره قوله ) للذين يعملون السوء بجهالة ( وقوله ) على الله ( متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار أو متعلق بمحذوف وقع حالا عند من يجوز تقديم الحال التي هي ظرف على عاملها المعنوي وقيل المعنى إنما التوبة على فضل الله ورحمته بعباده وقيل المعنى إنما التوبة واجبة على الله وهذا على مذهب المعتزلة لأنهم يوجبون على الله عز وجل واجبات من جملتها قبول توبة التائبين وقيل على هنا بمعنى عند وقيل بمعنى من
وقد اتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين لقوله تعالى ) وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ( وذهب الجمهور إلى أنها تصح من ذنب دون ذنب خلافا للمعتزلة وقيل إن قوله ) على الله ( هو الخبر وقوله ) للذين يعملون ( متعلق بما تعلق به الخبر أو بمخذوف وقع حالا والسوء هنا العمل السيء وقوله ) بجهالة ( متعلق بمحذوف وقع صفة أو حالا أي يعملونها متصفين بالجهالة أو جاهلين وقد حكى القرطبي عن قتادة أنه قال


"""""" صفحة رقم 439 """"""
أجمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا وحكى عن الضحاك ومجاهد أن الجهالة هنا العمد وقال عكرمة أمور الدنيا كلها جهالة ومنه قوله تعالى ) إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ( وقال الزجاج معناه بجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية وقيل معناه أنهم لا يعلمون كنه العقوبة ذكره ابن فورك وضعفه ابن عطية قوله ) ثم يتوبون من قريب ( معناه قبل أن يحضرهم الموت كما يدل عليه قوله ) حتى إذا حضر أحدهم الموت ( وبه قال أبو مجلز والضحاك وعكرمة وغيرهم والمراد قبل المعاينة للملائكة وغلبة المرء على نفسه و ( من ) في قوله ( من قريب ) للتبعيض أي يتوبون بعض زمان قريب وهو ما عدا وقت ضمور الموت وقيل معناه قبل المرض وهو ضعيف بل باطل لما قدمنا ولما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) وقيل معناه يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار قوله ) فأولئك يتوب الله عليهم ( هو وعد منه سبحانه بأنه يتوب عليهم بعد بيانه أن التوبة لهم مقصورة علهيم
النساء : ( 18 ) وليست التوبة للذين . . . . .
وقوله ) وليست التوبة للذين يعملون السيئات ( تصريح بما فهم من حصر التوبة فيما سبق على من عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب قوله ) حتى إذا حضر أحدهم الموت ( حتى حرف ابتداء والجملة المذكورة بعدها غاية لما قبلها وحضور الموت حضور علاماته وبلوغ المريض إلى حالة السياق ومصيره مغلوبا على نفسه مشغولا بخروجها من بدنه وهو وقت الغرغرة المذكورة في الحديث السابق وهي بلوغ روحه حلقومه قاله الهروي وقوله ) قال إني تبت الآن ( أي وقت حضور الموت قوله ) ولا الذين يموتون وهم كفار ( معطوف على الموصول في قوله ) للذين يعملون السيئات ( أي ليس التوبة لأولئك ولا للذين يموتون وهم كفار مع أنه لا توبة لهم رأسا وإنما ذكروا مبالغة في بيان عدم قبول توبة من حضرهم الموت وأن وجودها كعدمها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في قوله ) واللاتي يأتين الفاحشة ( قال كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيوت فإن ماتت ماتت وإن عاشت عاشت حتى نزلت الآية في سورة النور ) الزانية والزاني فاجلدوا ( فجعل الله لهن سبيلا فمن عمل شيئا جلد وأرسل وقد روى هذا عنه من وجوه وأخرج أبو داود في سننه عنه والبيهقي في قوله ) واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ( إلى قوله ) سبيلا ( ثم جمعهما جميعا فقال ) واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ( ثم نسخ ذلك بآية الجلد وقد قال بالنسخ جماعة من التابعين أخرجه أبو داود والبيهقى عن مجاهد وأخرجه عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة وأخرجه البيهقي في سننه عن الحسن وأخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وأخرجه ابن جرير عن السدي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) واللذان يأتيانها منكم ( قال كان الرجل إذا زنا أوذي بالتعيير وضرب بالنعال فأنزل الله بعد هذه الآية ) الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ( فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) واللذان يأتيانها منكم ( قال الرجلان الفاعلان وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) واللذان يأتيانها منكم ( يعني البكرين وأخرج ابن جرير عن عطاء قال الرجل والمرأة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) إنما التوبة على الله ( الآية قال هذه للمؤمنين وفي قوله ) وليست التوبة للذين يعملون السيئات ( قال هذه لأهل النفاق ) ولا الذين يموتون وهم كفار ( قال هذه لأهل الشرك وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة قال اجتمع


"""""" صفحة رقم 440 """"""
أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فرأوا أن كل شيء عصى به فهو جهالة عمدا كان أو غيره وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي العالية أن أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا يقولون كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة وأخرج ابن جرير من طريق الكلبي عن أبي عن صالح عن ابن عباس في قوله ) إنما التوبة على الله ( الآية قال من عمل السوء فهو جاهل من جهالته عمل السوء ) ثم يتوبون من قريب ( قال في الحياة والصحة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال القريب ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن الضحاك قال كل شيء قبل الموت فهو قريب له التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت فليس له ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال القريب ما لم يغرغر وقد وردت أحاديث كثيرة في قبول توبة العبد ما لم يغرغر ذكرها ابن كثير في تفسيره ومنها الحديث الذي قدمنا ذكره
النساء 19 22
النساء : ( 19 ) يا أيها الذين . . . . .
هذا متصل بما تقدم من ذكر الزوجات والمقصود نفى الظلم عنهن والخطاب للأولياء ومعنى الآية يتضح بمعرفة سبب نزولها وهو ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت وفي لفظ لأبي داود عنه في هذه الآية كان الرجل يرث إمرأة ذي قرابته فيعضلها حتى يموت أو ترد إليه صداقها وفي لفظ لابن جرير وابن أبي حاتم عنه فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها وقد روى هذا السبب بألفاظ فمعنى قوله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( أي لا يحل لكم أن تأخذوهن بطريق الإرث فتزعمون أنكم أحق بهن من غيركم وتحبسونهن لأنفسكم ) ولا ( يحل لكم أن ) تعضلوهن ( عن أن يتزوجن غيركم لتأخذوا ميراثهن إذا متن أو ليدفعن إليكم صداقهن إذا أذنتم لهن بالنكاح قال الزهري وأبو مجلز كان من عاداتهم إذا مات الرجل وله زوجة ألقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا وإن شاء عضلها لتفتدي منه بما ورثت من الميت أو تموت فيرثها فنزلت الآية وقيل الخطاب لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طمعا في إرثهن أو يفتدين ببعض مهورهن واختاره ابن عطية قال ودليل ذلك قوله ) إلا أن يأتين بفاحشة (


"""""" صفحة رقم 441 """"""
إذا أتت بفاشحة فليس للولي حبسها حتى تذهب بمالها إجماعا من الأمة وإنما ذلك للزوج قال الحسن إذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى وترد إلى زوجها ما أخذت منه وقال أبو قلابة إذا زنت إمرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه وقال السدي إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن وقال قوم الفاحشة البذاءة باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا وقال مالك وجماعة من أهل العلم للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك هذا كله على أن الخطاب في قوله ) ولا تعضلوهن ( للأزواج وقد عرفت مما قدمنا في سبب النزول أن الخطاب في قوله ) ولا تعضلوهن ( لمن خوطب بقوله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( فيكون المعنى ولا يحل لكم أن تمنعوهن من الزواج ) لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ( أي ما آتاهن من ترثونه ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( جاز لكم حبسهن عن الأزواج ولا يخفى ما في هذا من التعسف مع عدم جواز حبس من أتت بفاحشة عن أن تتزوج وتستعف من الزنا وكما أن جعل قوله ) ولا تعضلوهن ( خطابا للأولياء فيه هذا التعسف كذلك جعل قوله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( خطابا للازواج فيه تعسف ظاهر مع مخالفته لسبب نزول الآية الذي ذكرناه والأولى أن يقال إن الخطاب في قوله ) لا يحل لكم ( للمسلمين أي لا يحل لكم معاشر المسلمين أن ترثوا النساء كرها كما كانت تفعله الجاهلية ولا يحل لكم معاشر المسلمين أن تعضلوا أزواجكم أي تحبسوهن عندكم مع عدم رغوبكم فيهن بل لقصد أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهن من المهر يفتدين به من الحبس والبقاء تحتكم وفي عقدتكم مع كراهتكم لهن ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( جاز لكم مخالعتهن ببعض ما آتيتموهن قوله ) مبينة ( قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بكسر الياء وقرأ الباقون بفتحها وقرأ ابن عباس ) مبينة ( بكسر الباء وسكون الياء من أبان الشيء فهو مبين قوله ) وعاشروهن بالمعروف ( أي بما هو معروف في هذه الشريعة وبين أهلها من حسن المعاشرة وهو خطاب للأزواج أو لما هم أعم وذلك يختلف باختلاف الأزواج في الغنى والفقر والرفاعة والوضاعة ) فإن كرهتموهن ( لسبب من الأسباب من غير ارتكاب فاحشة ولا نشوز ) فعسى ( أن يئول الأمر إلى ما تحبونه من ذهاب الكراهة وتبدلها بالمحبة فيكون في ذلك خير كثير من استدامة الصحبة وحصول الأولاد فيكون الجزاء على هذا محذوفا مدلولا عليه بعلته أي فإن كرهتموهن فاصبروا ) فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )
النساء : ( 20 ) وإن أردتم استبدال . . . . .
قوله ) وآتيتم إحداهن قنطارا ( قد تقدم بيانه في آل عمران والمراد به هنا المال الكثير فلا تأخذوا منه شيئا قيل هي محكمة وقيل هي منسوخة بقوله تعالى في سورة البقرة ) ) حل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود ( ( والأولى أن الكل محكم والمراد هنا غير المختلعة لا يحل لزوجها أن يأخذ مما آتاها شيئا قوله ) أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ( الاستفهام للإنكار والتقريع والجملة مقررة للجملة الأولى المشتملة على النهي
النساء : ( 21 ) وكيف تأخذونه وقد . . . . .
وقوله ) وكيف تأخذونه ( إنكار بعد إنكار مشتمل على العلة التي تقتضي منع الأخذ وهي الإفضاء قال الهروي وهو إذا كانا في لحاف واحد جامع أو لم يجامع وقال الفراء الإفضاء أن يخلو الرجل والمرأة وإن لم يجامعها وقال ابن عباس ومجاهد والسدي الإفضاء في هذه الآية الجماع واصل الإفضاء في اللغة المخالطة يقال للشيء المختلط فضاء ويقال القوم فوضي وفضاء أي مختلطون لا أمير عليهم قوله ) وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( معطوف على الجملة التي قبله أي والحال أن قد أفضى بعضكم إلى بعض وقد أخذن منكم ميثاقا غليظا وهو عقد النكاح ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) وقيل هو قوله تعالى ) فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ( وقيل هو الأولاد
النساء : ( 22 ) ولا تنكحوا ما . . . . .
قوله ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( نهى عما كانت عليه الجاهلية من نكاح نساء آبائهم إذا ماتوا وهو شروع في بيان من


"""""" صفحة رقم 442 """"""
يحرم نكاحه من النساء ومن لا يحرم ثم بين سبحانه وجه النهي عنه فقال ) إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ( هذه الصفات الثلاث تدل على أنه من أشد المحرمات وأقبحها وقد كانت الجاهلية تسميه نكاح المقت قال ثعلب سألت ابن الأعرابي عن نكاح المقت فقال هو أن يتزوج الرجل إمرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها ويقال لهذا الضيزم وأصل المقت البغض ومن مقته يمقته مقتا فهو ممقوت ومقيت قوله ) إلا ما قد سلف ( هو استثناء منقطع أي لكن ما قد سلف فاجتنبوه ودعوه وقيل إلا بمعنى بعد أي بعد ما سلف وقيل المعنى ولا ما سلف وقيل هو استنثاء متصل من قوله ) ما نكح آباؤكم ( يفيد المبالغة في التحريم بإخراج الكلام مخرج التعلق بالمحال يعني إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوا فلا يحل لكم غيره قوله ) وساء سبيلا ( هي جارية مجرى بئس في الذم والعمل والمخصوص بالذم محذوف أي ساء سبيلا سبيل ذلك النكاح وقيل إنها جارية مجرى سائر الأفعال وفيها ضمير يعود إلى ما قبلها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وقد كان لهم ذلك في الجاهلية فأنزل الله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال نزلت هذه الآية في كبيشة بنت معمر بن معن بن عاصم من الأوس كانت عند أبي قيس بن الأسلت فتوفى عنها فجنح عليها ابنه فجاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فانكح فنزلت هذه الآية وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن عبدالرحمن بن البيلماني في قوله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن ( قال نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية والآخرى في أمر الإسلام قال ابن المبارك ) أن ترثوا النساء كرها ( في الجاهلية ولا تعضلوهن في الإسلام وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) ولا تعضلوهن ( قال لا تضر بامرأتك لتفتدي منك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ) ولا تعضلوهن ( يعني أن ينكحن الرجل المرأة الشريفة فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد فإذا خطبها خاطب فإن أعطته وارضته أذن لها وإلا عضلها وقد قدمنا عن ابن عباس في بيان السبب ما عرفت وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( قال البغض والنشوز فإذا فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن الضحاك نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن الحسن قال الفاحشة هنا الزنا وأخرج ابن جرير عن أبي قلابة وابن سيرين نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وعاشروهن بالمعروف ( قال خالطوهن قال ابن جرير صحفه بعض الرواة وإنما هو خالقوهن وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال حقها عليك الصحبة الحسنة والكسوة والرزق المعروف وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ) وعاشروهن بالمعروف ( يعني صحبتهن بالمعروف ) فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ( فيطلقها فتتزوج من بعده رجلا فيجعل الله له منها ولدا ويجعل الله في تزويجها خيرا كثيرا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الخير الكثير أن يعطف عليها فترزق ولدها ويجعل الله في ولدها خيرا كثيرا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد عن الحسن نحو ما قال مقاتل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإن أردتم استبدال زوج ( الآية قال إن كرهت امرأتك وأعجبك غيرها فطلقت هذه وتزوجت تلك فأعط هذه مهرها وإن كان قنطارا وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى قال السيوطي بسند


"""""" صفحة رقم 443 """"""
جيد أن عمر نهى الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فاعترضت له إمرأة من قريش فقالت اما سمعت ما أنزل الله يقول ) وآتيتم إحداهن قنطارا ( فقال اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر فركب المنبر فقال يا أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب قال أبو يعلى وأظنه قال فمن طابت نفسه فليفعل قال ابن كثير إسناده جيد قوي وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة هذا أحدها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الإفضاء هو الجماع ولكن الله يكني وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( قال الغليظ إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وقال وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح آلله عليك لتمكسن بمعروف أو لتسرحن بإحسان وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن أبي مليكة أن ابن عمر كان إذا نكح قال أنكحتك على ما أمر الله به إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك نحوه وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة ومجاهد في قوله ) وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( قال أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هو قول الرجل ملكت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كلمة النكاح التي تستحل بها فروجهن وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه في قوله تعالى ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( أنها نزلت لما أراد ابن أبي قيس بن الأسلت أن يتزوج إمرأة أبيه بعد موته و أخرج ابن المنذر عن الضحاك ) إلا ما قد سلف ( إلا ما كان في الجاهلية وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن البراء قال لقيت خالي ومعه الراية قلت أين تريد قال بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى رجل تزوج إمرأة أبيه من بعده فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله
النساء 23 28


"""""" صفحة رقم 444 """"""
25 - 28
النساء : ( 23 ) حرمت عليكم أمهاتكم . . . . .
قوله ) حرمت عليكم أمهاتكم ( أي نكاحهن وقد بين الله سبحانه في هذه الآية ما يحل وما يحرم من النساء فحرم سبعا من النسب وستا من الرضاع والصهر وألحقت السنة المتواترة تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ووقع عليه الإجماع فالسبع المحرمات من النسب الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت والمحرمات بالصهر والرضاع الأمهات من الرضاعة والأخوات من الرضاعة وأمهات النساء والربائب وحلائل الأبناء والجمع بين الأختين فهؤلاء ست والسابعة منكوحات الآباء والثامنة الجمع بين المرأة وعمتها قال الطحاوي وكل هذا من المحكم المتفق عليه وغير جائز نكاح واحدة منهن بالإجماع إلا أمهات النساء اللواتي لم يدخل بهن أزواجهن فإن جمهور السلف ذهبوا إلى أن الأم تحرم بالعقد على الابنة ولا تحرم الإبنة إلا بالدخول بالأم وقال بعض السلف الأم والربيبة سواء لا تحرم منهما واحدة إلا بالدخول بالأخرى قالوا ومعنى قوله ) وأمهات نسائكم ( أي اللاتي دخلتم بهن وزعموا أن قيد الدخول راجع إلى الأمهات والربائب جميعا رواه خلاس عن علي بن أبي طالب وروى عن ابن عباس وجابر وزيد بن ثابت وابن الزبير ومجاهد قال القرطبي ورواية خلاس عن علي لا تقوم بها حجة ولا تصح روايته عند أهل الحديث والصحيح عنه مثل قول الجماعة وقد أجيب عن قولهم إن قيد الدخول راجع إلى الأمهات والربائب بان ذلك لا يجوز من جهة الإعراب وبيانه أن الخبرين إذا اختلفا في العامل لم يكن نعتهما واحدا فلا يجوز عند النحويين مررت بنسائك وهويت نساء زيد الظريفات على أن يكون الظريفات نعتا للجميع فكذلك في الآية لا يجوز أن يكون اللاتي دخلتم بهن نعتا لهما جميعا لأن الخبرين مختلفان قال ابن المنذر والصحيح قول الجمهور لدخول جميع أمهات النساء في قوله ) وأمهات نسائكم ( ومما يدل على ما ذهب إليه الجمهور ما أخرجه عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالإبنة أو لم يدخل وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج الإبنة ) قال ابن كثير في تفسيره مستدلا للجمهور وقد روى في ذلك خبر غير أن في إسناده نظرا فذكر هذا الحديث ثم قال وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه فإن إجماع الحجة على صحة القول به يغني عن الاستشهاد على صحته بغيره قال في الكشاف وقد اتفقوا على أن تحريم أمهات النساء مبهم دون تحريم الربائب على ما عليه ظاهر كلام الله تعالى انتهى ودعوى الإجماع مدفوعة بخلاف من تقدم


"""""" صفحة رقم 445 """"""
واعلم أنه يدخل في لفظ الأمهات أمهاتهن وجداتهن وأم الأب وجداته وإن علون لأن كلهن أمهات لمن ولده من ولدته وإن سفل ويدخل في لفظ البنات بنات الأولاد وإن سفلن والأخوات تصدق على الأخت لأبوين أو لأحدهما والعمة اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك في أصليه أو أحدهما وقد تكون العمة من جهة الأم وهي أخت أب الأم والخالة اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو في أحدهما وقد تكون الخالة من جهة الأب وهي أخت أم أبيك وبنت الأخ اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة بواسطة ومباشرة وإن بعدت وكذلك بنت الأخت قوله ) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ( هذا مطلق مقيد بما ورد في السنة من كون الرضاع في الحولين إلا في مثل قصة إرضاع سالم مولى أبي حذيفة وظاهر النظم القرآني أنه يثبت حكم الرضاع بما يصدق عليه مسمى الرضاع لغة وشرعا ولكنه قد ورد تقييده بخمس رضعات في أحاديث صحيحة والبحث عن تقرير ذلك وتحقيقه يطول وقد استوفيناه في مصنفاتنا وقررنا ما هو الحق في كثير من مباحث الرضاع قوله ) وأخواتكم من الرضاعة ( الأخت من الرضاع هي التي أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أو مع من قبلك أو بعدك من الإخوة والأخوات والأخت من الأم هي التي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر قوله ) وأمهات نسائكم ( قد تقدم الكلام على اعتبار الدخول وعدمه والمحرمات بالمصاهرة أربع أم المرأة وابنتها وزوجة الأب وزوجة الإبن قوله ) وربائبكم ( الربيبة بنت إمرأة الرجل من غيره سميت بذلك لأنه يربيها في حجره فهي مربوبة فعيلة بمعنى مفعولة
قال القرطبي واتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها إذا دخل بالأم وإن لم تكن الربيبة في حجره وشذ بعض المتقدمين وأهل الظاهر فقالوا لا تحرم الربيبة إلا أن تكون في حجر المتزوج فلو كانت في بلد آخر وفارق الأم فله أن يتزوج بها وقد روى ذلك عن علي قال ابن المنذر والطحاوي لم يثبت ذلك عن علي لأن راويه إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس بن الحدثان عن علي و إبراهيم هذا لا يعرف وقال ابن كثير في تفسيره بعد اخراج هذا عن علي وهذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم والحجور جمع حجر والمراد أنهن في حضانة أمهاتهن تحت حماية أزواجهن كما هو الغالب وقيل المراد بالحجور البيوت أي في بيوتكم حكاه الأثرم عن أبي عبيدة قوله ) فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ( أي في نكاح الربائب وهو تصريح بما دل عليه مفهوم ما قبله
أقوال العلماء في بعض الأحكام الواردة في الآيات
وقد اختلف أهل العلم في معنى الدخول الموجب لتحريم الربائب فروى عن ابن عباس أنه قال الدخول الجماع وهو قول طاوس وعمرو بن دينار وغيرهما وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والليث والزيدية إن الزوج إذا لمس الأم لشهوة حرمت عليه ابنتها وهو أحد قولي الشافعي قال ابن جرير الطبري وفي إجماع الجميع أن خلوة الرجل بإمرأته لا تحرم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها وقبل النظر إلى فرجها لشهوة ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع انتهى وهكذا حكى الإجماع القرطبي فقال وأجمع العلماء على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له نكاح ابنتها واختلفوا في النظر فقال مالك إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شيء من محاسنها للذة حرمت عليه أمها وابنتها وقال الكوفيون إذا نظر إلى فرجها للشهوة كان بمنزلة اللمس للشهوة وكذا قال الثوري ولم يذكر الشهوة وقال ابن أبي ليلى لا تحرم بالنظر حتى يلمس وهو قول الشافعي والذي ينبغي التعويل عليه في مثل هذا الخلاف هو النظر في معنى الدخول شرعا أو لغة فإن كان خاصا بالجماع فلا وجه لإلحاق غيره به من لمس أو نظر أو غيرهما وإن كان معناه أوسع من الجماع بحيث يصدق على ما حصل فيه نوع استمتاع كان مناط التحريم هو ذلك وأما الربيبة في ملك اليمين فقد


"""""" صفحة رقم 446 """"""
روى عن عمر بن الخطاب أنه كره ذلك وقال ابن عباس أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله وقال ابن عبدالبر لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ إمرأة وابنتها من ملك اليمين لأن الله حرم ذلك في النكاح قال ) وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم ( وملك اليمين عندهم تبع للنكاح إلا ما روى عن عمر وابن عباس وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم انتهى قوله ) وحلائل أبنائكم ( الحلائل جمع حليلة وهي الزوجة سميت بذلك لأنها تحل مع الزوج حيث حل فهي فعيلة بمعنى فاعلة وذهب الزجاج وقوم إلى أنها من لفظة الحلال فهي حليلة بمعنى محللة وقيل لأن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه وقد أجمع العلماء على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء وما عقد عليه الأبناء على الآباء سواء كان مع العقد وطء أو لم يكن لقوله تعالى ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( وقوله ) وحلائل أبنائكم (
واختلف الفقهاء في العقد إذا كان فاسدا هل يقتضي التحريم أو لا كما هو مبين في كتب الفروع قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه العلم من علماء الأمصار أن الرجل إذا وطئ إمرأة بنكاح فاسد أنها تحرم على أبيه وابنه وعلى أجداده واجمع العلماء على أن عقد الشراء على الجارية لا يحرمها على أبيه وابنه فإذا اشترى جارية فلمس أو قبل حرمت على أبيه وابنه لا أعلمهم يختلفون فيه فوجب تحريم ذلك تسليما لهم ولما اختلفوا في تحريمها بالنظر دون اللمس لم يجز ذلك لاختلافهم قال ولا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خلاف ما قلناه قوله ) الذين من أصلابكم ( وصف للأبناء أي دون من تبنيتم من أولاد غيركم كما كانوا يفعلونه في الجاهلية ومنه قوله تعالى ) فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ( ومنه قوله تعالى ) وما جعل أدعياءكم أبناءكم ( ومنه ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( وأما زوجة الإبن من الرضاع فقد ذهب الجمهور إلى أنها تحرم على أبيه وقد قيل إنه إجماع مع أن الإبن من الرضاع ليس من أولاد الصلب ووجهه ما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) ولا خلاف أن أولاد الأولاد وإن سفلوا بمنزلة أولاد الصلب في تحريم نكاح نسائهم على آبائهم
وقد اختلف أهل العلم في وطء الزنا هل يقتضي التحريم أم لا فقال أكثر أهل العلم إذا أصاب الرجل إمرأة بزنا لم يحرم عليه نكاحها بذلك وكذلك لا تحرم عليه إمرأته إذا زنا بأمها أو بابنتها وحسبه ان يقام عليه الحد وكذلك يجوز له عندهم أن يتزوج بأم من زنى بها وبابنتها وقالت طائفة من أهل العلم إن الزنا يقتضي التحريم حكى ذلك عن عمران بن حصين والشعبي وعطاء والحسن وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وحكى ذلك عن مالك والصحيح عنه كقول الجمهور احتج الجمهور بقوله تعالى ) وأمهات نسائكم ( وبقوله ) وحلائل أبنائكم ( والموطوءة بالزنا لا يصدق عليها أنها من نسائهم ولا من حلائل أبنائهم
وقد أخرج الدارقطني عن عائشة قالت سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها فقال لا يحرم الحرام الحلال ) واحتج المحرمون بما روى في قصة جريج الثابتة في الصحيح أنه قال يا غلام من أبوك فقال فلان الراعي فنسب الإبن نفسه إلى أبيه من الزنا وهذا احتجاج ساقط واحتجوا أيضا بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج إمرأة وابنتها ولم يفصل بين الحلال والحرام ) ويجاب عنه بأن هذا مطلق مقيد بما ورد من الأدلة الدالة على أن الحرام لا يحرم الحلال
واختلفوا في اللواط هل يقتضي التحريم أم لا فقال الثوري إذا لاط بالصبي حرمت عليه أمه وهو قول أحمد بن حنبل قال إذا تلوط بابن إمرأته أو أبيها أو أخيها حرمت عليه إمرأته وقال الأوزاعي إذا لاط بغلام


"""""" صفحة رقم 447 """"""
وولد للمفجور به بنت لم يجز للفاجر أن يتزوجها لأنها بنت من قد دخل به ولا يخفى ما في قول هؤلاء من الضعف والسقوط النازل عن قول القائلين بأن وطء الحرام يقتضي التحريم بدرجات لعدم صلاحية ما تمسك به أولئك من الشبه على ما زعمه هؤلاء من اقتضاء اللواط للتحريم قوله ) وأن تجمعوا بين الأختين ( أي وحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين فهو في محل رفع عطفا على المحرمات السابقة وهو يشمل الجمع بينهما بالنكاح والوطء بملك اليمين وقيل إن الآية خاصة بالجمع في النكاح لا في ملك اليمين وأما في الوطء بالملك فلاحق بالنكاح وقد أجمعت الأمة على منع جمعهما في عقد النكاح
واختلفوا في الأختين بملك اليمين فذهب كافة العلماء إلى أنه لا يجوز الجمع بينهما في الوطء بالملك وأجمعوا على أنه يجوز الجمع بينهما في الملك فقط وقد توقف بعض السلف في الجمع بين الأختين في الوطء بالملك وسيأتي بيان ذلك واختلفوا في جواز عقد النكاح على أخت الجارية التي توطأ بالملك فقال الأوزاعي إذا وطيء جارية له بملك اليمين لم يجز له أن يتزوج أختها وقال الشافعي ملك اليمين لا يمنع نكاح الأخت وقد ذهبت الظاهرية إلى جواز الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما يجوز الجمع بينهما في الملك قال ابن عبدالبر بعد أن ذكر ما روى عن عثمان بن عفان من جواز الجمع بين الأختين في الوطء بالملك وقد روى مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس ولكنهم اختلف عليهم ولم يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز ولا بالعراق ولا ما وراءها من المشرق ولا بالشام ولا المغرب إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفي القياس وقد ترك من تعمد ذلك وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله ) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ( إلى آخر الآية أن النكاح بملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء فكذلك يجب أن يكون قياسا ونظرا الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب وكذا هو عند جمهورهم وهي الحجة المحجوج بها من خالفها وشذ عنها والله المحمود انتهى
وأقول ها هنا إشكال وهو أنه قد تقرر أن النكاح يقال على العقد فقط وعلى الوطء فقط والخلاف في كون أحدهما حقيقة والآخر مجازا أو كونهما حقيقتين معروف فإن حملنا هذا التحريم المذكور في هذه الآية وهي قوله ) حرمت عليكم أمهاتكم ( إلى آخرها على أن المراد تحريم العقد عليهن لم يكن في قوله تعالى ) وأن تجمعوا بين الأختين ( دلالة على تحريم الجمع بين المملوكتين في الوطء بالملك وما وقع من إجماع المسلمين على أن قوله ) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ( إلى آخره يستوي فيه الحرائر والإماء والعقد والملك لا يستلزم أن يكون محل الخلاف وهو الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين مثل محل الإجماع ومجرد القياس في مثل هذا الموطن لا تقوم به الحجة لما يرد عليه من النقوض وإن حملنا التحريم المذكور في الآية على الوطء فقط لم يصح ذلك للإجماع على تحريم عقد النكاح على جميع المذكورات من أول الآية إلى آخرها فلم يبق إلا حمل التحريم في الآية على تحريم عقد النكاح فيحتاج القائل بتحريم الجمع بين الأختين في الوطء بالملك إلى دليل ولا ينفعه أن ذلك قول الجمهور فالحق لا يعرف بالرجال فإن جاء به خالصا عن شوب الكدر فبها ونعمت وإلا كان الأصل الحل ولا يصح حمل النكاح في الآية على معنييه جميعا أعني العقد والوطء لأنه من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو ممنوع أو من باب الجمع بين معنيي المشترك وفيه الخلاف المعروف في الأصول فتدبر هذا
وقد اختلف أهل العلم إذا كان الرجل يطأ مملوكته بالملك ثم أراد أن يطأ أختها بالملك فقال علي وابن عمر والحسن البصري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق لا يجوز له وطء الثانية حتى يحرم فرج الأخرى بإخراجها من ملكه ببيع أو عتق أو بأن يزوجها قال ابن المنذر وفيه قول ثان لقتادة وهو أن ينوي تحريم الأولى على


"""""" صفحة رقم 448 """"""
نفسه وإن لا يقربها ثم يمسك عنهما حتى تستبرئ المحرمة ثم يغشى الثانية وفيه قول ثالث وهو انه لا يقرب واحدة منهما هكذا قال الحكم وحماد وروى معنى ذلك عن النخعى وقال مالك إذا كان عنده اختان بملك فله أن يطأ أيتها شاء والكف عن الأخرى موكول إلى أمانته فإن أراد وطء الأخرى فليزمه ان يحرم على نفسه فرج الأولى بفعل يفعله من إخراج عن الملك أو تزويج أو بيع أو عتق أو كتابة أو إخدام طويل فإن كان يطأ إحداهما ثم وثب على الأخرى دون أن يحرم الأولى وقف عنهما ولم يجز له قرب إحداهما حتى يحرم الأخرى ولم يوكل ذلك إلى أمانته لأنه متهم قال القرطبي وقد أجمع العلماء على ان الرجل إذا طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها انه ليس له ان ينكح أختها حتى تنقضي عدة المطلقة واختلفوا إذا طلقها طلاقا لا يملك رجعتها فقالت طائفة ليس له أن ينكح أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدة التي طلق روى ذلك عن على وزيد بن ثابت ومجاهد وعطاء والنخعي والثوري وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي وقالت طائفة له ان ينكح أختها وينكح الرابعة لمن كان تحته أربع وطلق واحدة منهن طلاقا بائنا روى ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وعروة بن الزبير وابن أبي ليلى والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد قال ابن المنذر ولا احسبه إلا قول مالك وهو أيضا إحدى الروايتين عن زيد بن ثابت وعطاء قوله 0 إلا ما قد سلف ) يحتمل ان يكون معناه معنى ما تقدم من قوله تعالى ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ( ويحتمل معنى آخر وهو جواز ما سلف وانه إذا جرى الجمع في الجاهلية كان النكاح صحيحا وإذا جرى في الإسلام خير بين الأختين والصواب الاحتمال الأول
النساء : ( 24 ) والمحصنات من النساء . . . . .
قوله ( والمحصنات من النساء ) عطف على المحرمات المذكورات وأصل التحصين التمنع ومنه قوله تعالى لتحصنكم من بأسكم أي لتمنعكم ومنه الحصان بكسر الحاء للفرس لأنه يمنع صاحبه من الهلاك والحصان بفتح الحاء المرأة العفيفة لمنعها نفسها ومنه قول حسان حصان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثي من لحوم الغوافل
والمصدر الحصانة بفتح الحاء والمراد بالمحصنات هنا ذوات الأزواج وقد ورد الإحصان في القرآن لمعان هذا أحدها والثاني يراد به الحرة ومنه قوله تعالى ) ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات ( وقوله والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أو الكتاب من قبلكم والثالث يراد به العفيفة ومنه قوله تعالى ) محصنات غير مسافحات ( محصنين غير مسافحين والرابع المسلمة ومنه قوله تعالى فإذا أحصن
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية أعني قوله ) والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ( فقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قلابة ومكحول والزهري المراد بالمحصنات هنا المسبيات ذوات الأزواج خاصة أي هن محرمات عليكم إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من أرض الحرب فإن تلك حلال وإن كان لها زوج وهو قول الشافعي أي أن السباء يقطع العصمة وبه قال ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور واختلفوا في استبرائها بماذا يكون كما هو مدون في كتب الفروع وقالت طائفة المحصنات في هذه الآية العفائف وبه قال أبو العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد ابن جبير وعطاء ورواه عبيدة عن عمر ومعنى الآية عندهم كل النساء حرام إلا ما ملكت أيمانكم أي تملكون عصمتهن بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء وحكى ابن جرير الطبري أن رجلا قال لسعيد بن جبير أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئا فقال كان ابن عباس لا يعلمها وروى ابن جرير أيضا عن مجاهد أنه قال لو أعلم من يفسر لى هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل انتهى ومعنى الآية والله أعلم واضح لا سترة به أي وحرمت عليكم المحصنات من النساء أي المزوجات أعم من أن يكن مسلمات أو كافرات إلا


"""""" صفحة رقم 449 """"""
ما ملكت أيمانكم منهن أما بسبي فإنها تحل ولو كانت ذات زوج أو بشراء فإنها تحل ولو كانت مزوجة وينفسخ النكاح الذي كان عليها بخروجها عن ملك سيدها الذي زوجها وسيأتي ذكر سبب نزول الآية إن شاء الله والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقد قرئ ) المحصنات ( بفتح الصاد وكسرها فالفتح على أن الأزواج أحصنوهن والكسر على أنهن أحصن فروجهن عن غير أزواجهن أو أحصن أزواجهن قوله ) كتاب الله عليكم ( منصوب على المصدرية أي كتب الله ذلك عليكم كتابا وقال الزجاج والكوفيون إنه منصوب على الإغراء أي إلزموا كتاب الله أو عليكم كتاب الله واعترضه أبو علي الفارسي بأن الاغراء لا يجوز فيه تقديم المنصوب وهذا الاعتراض إنما يتوجه على قول من قال إنه منصوب بعليكم المذكور في الآية وروى عن عبيدة السلماني أنه قال إن قوله ) كتاب الله عليكم ( إشارة إلى قوله تعالى ) مثنى وثلاث ورباع ( وهو بعيد بل هو غشارة إلى التحريم المذكور في قوله ) حرمت عليكم ( إلى آخر الآية قوله ) وأحل لكم ما وراء ذلكم ( قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وأحل على الباء للمجهول وقرأ الباقون على البناء للمعلوم عطفا على الفعل المقدر في قوله ) كتاب الله عليكم ( وقيل على قوله ) حرمت عليكم ( ولا يقدح في ذلك اختلاف الفعلين وفيه دلالة على أنه يحل لهم نكاح ما سوى المذكورات وهذا عام مخصوص بما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وقد أبعد من قال إن تحريم الجمع بين المذكورات مأخوذ من الآية هذه لأنه حرم الجمع بين الأختين فيكون ما في معناه في حكمة وهو الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وكذلك تحريم نكاح الأمة لمن يستطيع نكاح حرة كما سيأتي فإنه يخصص هذا العموم قوله ) أن تبتغوا بأموالكم ( في محل نصب على العلة أي حرم عليكم ما حرم وأحل لكم ما أحل لأجل أن تبتغوا بأموالكم النساء اللاتي أحلهن الله لكم ولا تبتغوا بها الحرام فتذهب حال كونكم ) محصنين ( أي متعففين عن الزنا ) غير مسافحين ( أي غير زانين والسفاح الزنا وهو مأخوذ من سفح الماء أي صبه وسيلانه فكأنه سبحانه أمرهم بان يطلبوا بأموالهم النساء على وجه النكاح لا على وجه السفاح وقيل إن قوله ) أن تبتغوا بأموالكم ( بدل من ( ما ) في قوله ) ما وراء ذلكم ( أي وأحل لكم الابتغاء بأموالكم والأول أولى وأراد سبحانه بالأموال المذكورة ما يدفعونه في مهور الحرائر وأثمان الإماء قوله ) فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ( ما موصولة فيها معنى الشرط والفاء في قوله ) فأتوهن ( لتضمن الموصول معنى الشرط والعائد محذوف أي فآتوهن أجورهن عليه
وقد اختلف أهل العلم في معنى الآية فقال الحسن ومجاهد وغيرهما المعنى فيما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الشرعي ) فآتوهن أجورهن ( أي مهورهن وقال الجمهور إن المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ويؤيد ذلك قراءة أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير ? فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن ? ثم نهى عنها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما صح ذلك من حديث علي قال نهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وهو في الصحيحين وغيرهما وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال يوم فتح مكة ( يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الإستمتاع من النساء والله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) وفي لفظ لمسلم أن ذلك كان في حجة الوداع فهذا هو الناسخ وقال سعيد بن جبير نسختها آيات الميراث إذ المتعة لا ميراث فيها وقالت عائشة والقاسم بن محمد


"""""" صفحة رقم 450 """"""
تحريمها ونسخها في القرآن وذلك قوله تعالى ) والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ( وليست المنكوحة بالمتعة من أزواجهم ولا مما ملكت أيمانكم فإن من شأن الزوجة أن ترث وتورث وليست المستمتع بها كذلك وقد روى عن ابن عباس أنه قال بجواز المتعة وأنها باقية لم تنسخ وروى عنه أنه رجع عن ذلك عند أن بلغه الناسخ وقد قال بجوازها من الروافض ولا اعتبار بأقوالهم وقد أتعب نفسه بعض المتأخرين بتكثير الكلام على هذه المسألة وتقوية ما قاله المجوزون لها وليس هذا المقام مقام بيان بطلان كلامه
وقد طولنا البحث ودفعنا الشبه الباطلة التي تمسك بها المجوزون لها في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه قوله ) فريضة ( منتصب على المصدرية المؤكدة أو على الحال أي مفروضة قوله ) ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ( أي من زيادة أو نقصان في المهر فإن ذلك سائغ عند التراضي هذا عند من قال بأن الآية في النكاح الشرعي وأما عند الجمهور القائلين بأنها في المتعة فالمعنى التراضي في زيادة مدة المتعة أو نقصانها أو في زيادة ما دفعه إليها إلى مقابل الإستمتاع بها أو نقصانه
النساء : ( 25 ) ومن لم يستطع . . . . .
قوله ) ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ( الطول الغنى والسعة قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجمهور أهل العلم ومعنى الآية فمن لم يستطع منكم غنى وسعة في ماله يقدر بها على نكاح المحصنات المؤمنات فلينكح من فتياتكم المؤمنات يقال طال يطول طولا في الإفضال والقدرة وفلان ذو طول أي ذو قدرة في ماله والطول بالضم ضد القصر وقال قتادة والنخعي وعطاء والثوري إن الطول الصبر ومعنى الآية عندهم أن من كان يهوى أمة حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها فإن له أن يتزوجها إذا لم يملك نفسه وخاف أن يبغي بها وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة وقال أبو حنيفة وهو مروي عن مالك إن الطول المرأة الحرة فمن كان تحته حرة لم يحل له أن ينكح الأمة ومن لم يكن تحته حرة جاز له أن يتزوج أمة ولو كان غنيا وبه قال أبو يوسف واختاره ابن جرير واحتج له والقول الأول هو المطابق لمعنى الآية ولا يخلو ما عداه عن تكلف فلا يجوز للرجل أن يتزوج بالأمة إلا إذا كان لا يقدر على أن يتزوج بالحرة لعدم وجود ما يحتاج إليه في نكاحها من مهر وغيره وقد استدل بقوله ) من فتياتكم المؤمنات ( على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية وبه قال أهل الحجاز وجوزه أهل العراق ودخلت الفاء في قوله ) أو ما ملكت أيمانكم ( لتضمن المبتدأ معنى الشرط وقوله ) من فتياتكم المؤمنات ( في محل نصب على الحال فقد عرفت أنه لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج بالمملوكة إلا بشرط عدم القدرة على الحرة والشرط الثاني ما سيذكره الله سبحانه آخر الآية من قوله ) ذلك لمن خشي العنت منكم ( فلا يحل للفقير أن يتزوج بالمملوكة إلا إذا كان يخشى على نفسه العنت والمراد هنا الأمة المملوكة للغير وأما أمة الإنسان نفسه فقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز له أن يتزوجها وهي تحت ملكه لتعارض الحقوق واختلافها والفتيات جمع فتاة والعرب تقول للمملوك فتى وللمملوكة فتاة وفي الحديث الصحيح ( لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولكن ليقل فتاي وفتاتي ) قوله ) والله أعلم بإيمانكم ( فيه تسلية لمن ينكح الأمة إذا اجتمع فيه الشرطان المذكوران أي كلكم بنو آدم وأكرمكم عند الله أتقاكم فلا تستنكفوا من الزواج بالإيماء عند الضرورة فربما كان إيمان بعض الإماء أفضل من إيمان بعض الحرائر والجملة اعتراضية وقوله ) بعضكم من بعض ( مبتدأ وخبر ومعناه أنهم متصلون في الأنساب لأنهم جميعا بنو آدم أو متصلون في الدين لأنهم جميعا أهل ملة واحدة وكتابهم واحد ونبيهم واحد والمراد بهذا توطئة نفوس العرب لأنهم كانوا يستهجنون أولاد الإماء ويستصغرونهم ويغضون


"""""" صفحة رقم 451 """"""
منهم ) فانكحوهن بإذن أهلهن ( أي بإذن المالكين لهن لأن منافعهن لهم لا يجوز لغيرهم أن ينتفع بشيء منها إلا بإذن من هي له قوله ) وآتوهن أجورهن بالمعروف ( أي أدوا إليهن مهورهن بما هو بالمعروف في الشرع وقد استدل بهذا من قال إن الأمة أحق بمهرها من سيدها واليه ذهب مالك وذهب الجمهور إلى أن المهر للسيد وإنما أضافها إليهن لأن التأدية إليهن تأدية إلى سيدهن لكونهن ماله قوله ) محصنات ( أي عفائف وقرأ الكسائي محصنات بكسر الصاد في جميع القرآن إلا في قوله ) والمحصنات من النساء ( وقرأ الباقون بالفتح في جميع القرآن قوله ) غير مسافحات ( أي غير معلنات بالزنا والأخدان الأخلاء والخدن والخدين المخادن أي المصاحب وقيل ذات الخدن هي التي تزني سرا فهو مقابل للمسافحة وهي التي تجاهر بالزنا وقيل المسافحة المبذولة وذات الخدن التي تزني بواحد وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنا ولا تعيب اتخاذ الأخدان ثم رفع الإسلام جميع ذلك قال الله ) ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( قوله ) فإذا أحصن ( قرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة وقرأ الباقون بضمها والمراد بالإحصان هنا الإسلام روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي وروى عن عمر بن الخطاب بإسناد منقطع وهو الذي نص عليه الشافعي وبه قال الجمهور وقال ابن عباس وأبو الدرداء ومجاهد وعكرمة وطاوس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم إنه التزويج وروى عن الشافعي فعلى القول الأول لا حد على الأمة الكافرة وعلى القول الثاني لاحد على الأمة التي لم تتزوج وقال القاسم وسالم إحصانها إسلامها وعفافها وقال ابن جرير إن معنى القراءتين مختلف فمن قرأ أحصن بضم الهمزة فمعناه التزويج ومن قرأ بفتح الهمزة فمعناه الإسلام وقال قوم إن الإحصان المذكور في الآية هو التزوج ولكن الحد واجب على الأمة المسلمة إذا زنت قبل أن تتزوج بالسنة وبه قال الزهري قال ابن عبدالبر ظاهر قول الله عز وجل يقتضي أنه لا حد على الأمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن وكان ذلك زيادة بيان قال القرطبي ظهر المسلم حمى لا يستباح إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف لولا ما جاء في صحيح السنة من الجلد قال ابن كثير في تفسيره والأظهر والله أعلم أن المراد بالإحصان هنا التزويج لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه ) ومن لم يستطع منكم طولا ( إلى قوله ) فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( فالسياق كله في الفتيات المؤمنات فتعين أن المراد بقوله ) فإذا أحصن ( أي تزوجن كما فسر به ابن عباس ومن تبعه قال وعلى كل من القولين إشكال على مذهب الجمهور لأنهم يقولون إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة سواء كانت مسملة أو كافرة مزوجة أو بكرا مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة من الإماء وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك ثم ذكر أن منهم من أجاب وهم الجمهور بتقديم منطوق الأحاديث على هذا المفهوم ومنهم من عمل على مفهوم الآية وقال إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها وإنما تضرب تأديبا قال وهو المحكي عن ابن عباس واليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد وداود الظاهري في رواية عنه فهؤلاء قدموا مفوم الآية على العموم وأجابوا عن مثل حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في الصحيحين وغيرهما ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال إن زنت فاجلودها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير ) بأن المراد بالجلد هنا التأديب وهو تعسف وأيضا قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ) الحديث ولمسلم من حديث علي


"""""" صفحة رقم 452 """"""
قال ( يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زنت فأمرني أن أجلدها ) الحديث وأما ما أخرجه سعيد بن منصور وابن خزيمة والبيهقي عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ليس على الأمة حد حتى تحصن بزوج فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات من العذاب ) فقد قال ابن خزيمة والبيهقي إن رفعه خطأ والصواب وقفه قوله ) فإن أتين بفاحشة ( الفاحشة هنا الزنا ) فعليهن نصف ما على المحصنات ( أي الحرائر الأبكار لأن الثيب عليها الرجم وهو لا يتبعض وقيل المراد بالمحصنات هنا المزوجات لأن عليهن الجلد والرجم والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف ما عليهن من الجلد والمراد بالعذاب هنا الجلد وإنما نقص حد الإماء عن حد الحرائر لأنهن أضعف وقيل لأنهن لا يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر وقيل لأن العقوبة تجب على قدر النعمة كما في قوله تعالى ) يضاعف لها العذاب ضعفين ( ولم يذكر الله سبحانه في هذه الآية العبيد وهم لاحقون بالإيماء بطريق القياس وكما يكون على الإماء والعبيد نصف الحد في الزنا كذلك يكون عليهم نصف الحد في القذف والشرب والإشارة بقوله ) ذلك لمن خشي العنت منكم ( إلى نكاح الإماء والعنت الوقوع في الإثم وأصله في اللغة انكسار العظم بعد الجبر ثم استعير لكل مشقة ) وإن تصبروا ( عن نكاح الإماء ) خير لكم ( من نكاحهن أي صبركم خير لكم لأن نكاحهن يفضي إلى إرقاق الولد والغض من النفس
النساء : ( 26 ) يريد الله ليبين . . . . .
قوله ) يريد الله ليبين لكم ( اللام هنا هي لام كي التي تعاقب ( أن ) قال الفراء العرب تعاقب بين لام كي وأن فتأتي باللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت فيقولون أردت أن تفعل وأردت لتفعل ومنه ) يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ( ) وأمرت لأعدل بينكم ( ) وأمرنا لنسلم لرب العالمين ( ومنه اريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل
وحكى الزجاج هذا القول وقال لو كانت اللام بمعنى أن لدخلت عليها لام أخرى كما تقول جئت كي تكرمني ثم تقول جئت لكي تكرمني وأنشد أردت لكيما يعلم الناس أنها
سراويل قيس والوفود شهود
وقيل اللام زائدة لتأكيد معنى الاستقبال أو لتأكيد إرادة التبيين ومفعول يبين محذوف أي ليبين لكم ما خفى عليكم من الخير وقيل مفعول يريد محذوف أي يريد الله هذا ليبين لكم وبه قال البصريون وهو مروي عن سيبويه وقيل اللام بنفسها ناصبة للفعل من غير إضمار أن وهي وما بعدها مفعول للفعل المتقدم وهو مثل قول الفراء السابق وقال بعض البصريين إن قوله ) يريد ( مؤول بالمصدر مرفوع بالابتداء مثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ومعنى الآية يريد الله ليبين لكم مصالح دينكم وما يحل لكم وما يحرم عليكم ) ويهديكم سنن الذين من قبلكم ( أي طرقهم وهم الأنبياء وأتباعهم لتقتدوا بهم ) ويتوب عليكم ( أي ويريد أن يتوب عليكم فتوبوا إليه وتلاقوا ما فرط منكم بالتوبة يغفر لكم ذنوبكم
النساء : ( 27 ) والله يريد أن . . . . .
) والله يريد أن يتوب عليكم ( هذا تأكيد لما قد فهم من قوله ) ويتوب عليكم ( المتقدم وقيل الأول معناه للإرشاد إلى الطاعات والثاني فعل أسبابها وقيل إن الثاني لبيان كمال منفعة إرادته سبحانه وكمال ضرر ما يريده الذين يتبعون الشهوات وليس المراد به مجرد إرادة التوبة حتى يكون من باب التكرير للتأكيد قيل هذه الإرادة منه سبحانه في جميع أحكام الشرع وقيل في نكاح الأمة فقط
واختلف في تعيين المتبعين للشهوات فقيل هم الزناة وقيل اليهود والنصارى وقيل اليهود خاصة


"""""" صفحة رقم 453 """"""
وقيل هم المجوس لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب والأول أولى والميل العدول عن طريق الاستواء والمراد بالشهوات هنا ما حرمه الشرع دون ما أحله ووصف الميل بالعظم بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة نادرا
النساء : ( 28 ) يريد الله أن . . . . .
قوله ) يريد الله أن يخفف عنكم ( بما مر من الترخيص لكم أو بكل ما فيه تخفيف عليكم ) وخلق الإنسان ضعيفا ( عاجزا غير قادرا على ملك نفسه ودفعها عن شهواتها وفاء بحق التكليف فهو محتاج من هذه الحيثية إلى التخفيف فلهذا أراد الله سبحانه التخفيف عنه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع ثم قرأ ) حرمت عليكم أمهاتكم ( إلى قوله ) وبنات الأخت ( هذا من النسب وباقي الآية من الصهر والسابعة ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن عمران بن حصين في قوله ) وأمهات نسائكم ( قال هي مبهمة وأخرج هؤلاء عن ابن عباس قال هي مبهمة إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها وأخرج هؤلاء إلا البيهقي عن علي في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها هل تحل له أمها قال هي بمنزلة الربيبة وأخرج هؤلاء عن زيد بن ثابت أنه كان يقول إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال في قوله ) وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم ( أريد بهما الدخول جميعا وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبدالله بن الزبير قال الربيبة والأم سواء لا بأس بهما إذا لم يدخل بالمرأة وأخرج عبدالرزاق وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان قال كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي فوجدت عليها فلقينى علي ابن أبي طالب فقال ما لك فقلت توفيت المرأة فقال علي لها ابنة قلت نعم وهي بالطائف قال كانت في حجرك قلت لا قال فانكحها قلت فأين قول الله ( وربائكم اللاتي في حجوركم ) قال إنها لم تكن في حجرك
وقد قدمنا قول من قال إنه إسناد ثابت على شرط مسلم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال الدخول الجماع وأخرج عبدالرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء قال كنا نتحدث أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) لما نكح امرأة زيد قال المشركون بمكة في ذلك فأنزل الله ) وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ( ونزلت ) وما جعل أدعياءكم أبناءكم ( ونزلت ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وأن تجمعوا بين الأختين ( قال يعنى في النكاح وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال ذلك في الحرائر فإما المماليك فلا بأس وأخرج ابن المنذر عنه نحوه من طريق أخرى وأخرج مالك والشافعي وعبدالرزاق وابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عثمان بن عفان أن رجلا سأله عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما قال أحلتهما آية وحرمتهما آية وما كنت لأصنع ذلك فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أراه علي بن أبي طالب فسأله عن ذلك فقال لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن علي أنه سئل عن رجل له أمتان أختان وطيء إحداهما وأراد أن يطأ الأخرى فقال لا حتى يخرجها من ملكه وقيل فإن زوجها عبده قال لا حتى يخرجها من ملكه وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن


"""""" صفحة رقم 454 """"""
مسعود انه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين الأمتين فكرهه فقيل يقول الله ) إلا ما ملكت أيمانكم ( فقال وبعيرك أيضا مما ملكت يمينك وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق أبي صالح عن علي بن أبي طالب قال في الأختين المملوكتين احلتهما آية وحرمتهما آية ولا آمر ولا انهى ولا أحل ولا أحرم ولا أفعل انا وأهل بيتي وأخرج أحمد عن قيس قال قلت لابن عباس ايقع الرجل على المرأة وابنتها مملوكتين له فقال احلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله واخرج عبدالرزاق و البيهقي عنه في الأختين من ملك اليمين احلتهما آية وحرمتهما آية وأخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و البيهقي عن ابن عمر قال إذا كان للرجل جاريتان اختان فغشى إحداهما فلا يقرب الأخرى حتى يخرج التي غشى من ملكه واخرج البيهقي عن مقاتل ابن سليمان قال إنما قال الله في نساء الآباء ) إلا ما قد سلف ( لأن العرب كانوا ينكحون نساء الآباء ثم حرم النسب والصهر فلم يقل إلا ما قد سلف لأن العرب كانت لاتنكح النسب والصهر وقال في الأختين ( إلا ما قد سلف ) لأنهم كانوا يجمعو بينهما فحرم جمعها جميعا إلا ما قد سلف قبل التحريم ) إن الله كان غفورا رحيما ( لما كان من جماع الأختين قبل التحريم وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث يوم حنين جيشا إلى اوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله في ذلك ) والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ( يقول إلا ما أفاء الله عليكم وأخرج الطبرانى عن ابن عباس أن ذلك سبب نزول الآية وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد ابن جبير مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقى عن ابن عباس في قوله ) والمحصنات من النساء ( قال كل ذات زوج إتيانها زنا إلا ما سبيت وأخرج الفريابى وابن أبي شيبة والطبرانى عن علي وابن مسعود في قوله ) والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ( قال على المشركات إذا سبين حلت له وقال ابن مسعود المشركات والمسلمات وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( والمحصنات من النساء ) قال ذوات الأزواج وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس بن مالك مثله وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله والمحصنات قال العفيفة العاقلة من مسلمة أو من أهل الكتاب وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه في الآية قال لا يحل له أن يتزوج فوق الأربع فما زاد فهو عليه حرام كأمه وأخته وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله ) والمحصنات من النساء ( قال يقول انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ثم حرم ما حرم من النسب والصهر ثم قال ( والمحصنات من النساء ) فرجع إلى أول السورة فقال هن حرام أيضا إلا لمن نكح بصداق وسنة وشهود وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير عن عبيدة قل أحل الله لك أربعا في أول السورة وحرم نكاح كل محصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) 0 الإ حصان إحصانان إحصان نكاح وإحصان عفاف ) فمن قرأها والمحصنات بكسر الصاد فهن العفائف ومن قرأها والمحصنات بالفتح فهن المتزوجات قال ابن أبي حاتم قال أبي هذا حديث منكر وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وأحل لكم ما وراء ذلكم ( قال ما وراء هذا النسب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى قال


"""""" صفحة رقم 455 """"""
مادون الأربع وأخرج ابن جرير عن عطاء قال ما وراء ذات القراب وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ( واحل لكم ما وراء ذلكم ) قال ما ملكت أيمانكم وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ( محصنين غير مسافحين ) قال غير زانين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( فآتوهن أجورهن ) يقول إذا تزوج الرجل منكم المرأة ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله والاستمتاع هو النكاح وهو قوله وآتوا النساء صدقاتهن وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرءون هذه الآية ? فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ? الآية فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى انه يفرغ من حاجته ليحفظ متاعه ويصلح شأنه حتى نزلت هذه الآية 0 حرمت عليكم أمهاتكم ) فنسخت الأولى فحرمت المتعة وتصديقها من القرآن إلا على أزواجهم أو ملكت أيمانهم وما سوى هذا الفرج فهو حرام وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنبارى في المصاحف والحاكم وصححه ان ابن عباس قرأ ( فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي بن كعب انه قرأها كذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ان هذه الآية في نكاح المتعة وكذلك أخرج ابن جرير عن السدى والأحاديث في تحليل المتعة ثم تحريمها وهل كان نسخها مرة أو مرتين مذكورة في كتب الحديث وقد أخرج ابن جرير في تهذيبه وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ماذا صنعت ذهبت الركاب بفتياك وقالت فيها الشعراء قال وماقالوا قلت قالوا أقول للشيخ لما طال مجلسه
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رحضة الأعطاف آنسة
تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لا والله ما بهذا أفتيت ولا هذا اردت ولا أحللتها إلا للمضطر في لفظ ولا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير وأخرج ابن جرير عن حضرمي ان رجالا كانوا يفرضون المهر ثم عسى ان تدرك أحدهم العسرة فقال الله ) ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حام عن ابن عباس في قوله ) ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به ( قال الراضى ان يوفي لها صداقها ثم يخيرها وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال ان وضعت لك منه شيئا فهو سائغ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس 0 ومن لم يستطع منكم طولا ) يقول من لم يكن له وسعة ) أن ينكح المحصنات ( يقول الحرائر فمما ملكت أيمانكم من فتيانكم المؤمنات فلينكح من إماء المؤمنين محصنات غير مسافحات يعني عفائف غير زواني في سر ولا علانية ( ولا متخذات أخذان ) يعنى أخلاء ( فإذا أحصن ) ثم إذا تزوجت حرا ثم زنت ) فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( قال من الجلد ( ذلك لمن خشى العنت منكم ) هو الزنا فليس لأحد من الأحرار ان ينكح أمة إلا ان لا يقدر على حرة وهو يخشى العنت ( وأن تصبروا ) عن نكاح الإماء ( فهو خير لكم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر و البيهقي عن مجاهد ( ومن لم يستطع منكم طولا ) يعني من لا يجد منكم غنى ( أن ينكح المحصنات ) يعني الحرائر فلينكح الأمة المؤمنة ( وان تصبروا ) عن نكاح الإماء ( خير لكم ) وهو حلال وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه قال مما وسع الله به على هذه الأمة نكاح الأمة النصرانية واليهودية وإن كان موسرا وأخرج


"""""" صفحة رقم 456 """"""
عبد الرزاق وسعيد بن المنصور وابن أبي شيبة و البيهقي عنه قال لا يصلح نكاح إماء أهل الكتاب لأن الله يقول ) من فتياتكم المؤمنات ( وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن الحسن ( ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نهى ان تنكح الأمة على الحرة والحرة على الأمة ومن وجد طولا لحرة فلا ينكح أمة ) وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس قال لا يتزوج الحر من الإماء إلا واحدة وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في وقوله ( والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض ) يقول أنتم إخوة بعضكم من بعض وأخرج ابن المنذر عن السدى ( فانكحوهن بإذن أهلهن ) قال بإذن مواليهن ( وأتوهن أجورهن ) قال مهورهن وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال المسافحات المعلنات بالزنا والمتخذات أخذان ذات الخليل الواحد قال كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفى فانزل الله ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن و أخرج ابن أبي حاتم عن على قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فإذا أحصن ) قال إحصانها أسلامها وقال على اجلدوهن قال ابن أبي حاتم حديث منكر وقال ابن كثير في إسناده ضعيف ومبهم لم يسم ومثله لا تقوم به حجة وأخرج عبدالرزاق وابن المنذر عن ابن عباس قال حد العبد يفتري على الحر أربعون وأخرج ابن جرير عنه قال العنت الزنا وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ( ويريد الذين يتبعون الشهوات ) قال الزنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ( يريد الله ان يخفف عنكم ) يقول في نكاح الأمة وفي كل شيء فيه يسر وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ( يريد الله ان يخفف عنكم ) قال رخص لكم في نكاح الإماء ( وخلق الإنسان ضعيفا 9 قال لو لم يرخص له فيها وأخرج ابن جرير و البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال ثماني آيات نزلت في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت أولهن ) يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ( والثانية 0 والله يريد ان يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما ) والثالثة ( يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) والرابعة ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ( والخامسة ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( الآية والسادسة ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله ( الآية والسابعة ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية والثامنة ) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله ( للذين عملوا من الذنوب ) غفورا رحيما (
النساء 29 31
النساء : ( 29 ) يا أيها الذين . . . . .
الباطل ما ليس بحق ووجوه ذلك كثيرة ومن الباطل البيوعات التي نهى عنها الشرع والتجارة في اللغة عن المعارضة وهذا الاستثناء منقطع أي لكن تجارة عن تراض منكم جائزة بينكم أو لكن


"""""" صفحة رقم 457 """"""
كون تجارة عن تراض منكم حلالا لكم وقوله 0 عن تراض ) صفة لتجارة أي كائنة عن تراض وإنما نص الله سبحانه على التجارة دون سائر أنواع المعاوضات لكونها أكثرها وأغلبها وتطلق التجارة على جزاء الأعمال من الله على وجه المجاز ومنه قوله تعالى ) هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ( وقوله ) يرجون تجارة لن تبور ( واختلف العلماء في التراضي فقالت طائفة تمامه وجوبه بافتراق الأبدان بعد عقد البيع أو بان يقول أحدهما لصاحبه اختر ) كما في الحديث الصحيح البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين وبه قال الشافعي الثوري والأوزاعي والليث وابن عيينة وإسحاق وغيرهم وقال مالك وأبو حنيفة تمام البيع هو ان يعقد البيع بالألسنة فيرتفع بذلك الخيار واجابوا عن الحديث بما لا طائل تحته وقد قرئ تجارة بالرفع على ان كان تامة وتجارة بالنصب على انها ناقصة قوله ( ولا تقتلوا انفسكم ) أي لا يقتل بعضكم أيها المسلمون بعضا إلا بسبب أثبته الشرع أو لا تقتلوا أنفسكم باقتراف المعاصي أو المراد النهى عن ان يقتل الإنسان نفسه حقيقة ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني ومما يدل على ذلك احتجاج عمرو بن العاص بها حين لم يغتسل بالماء المارد حين اجنب في غزاة ذات السلاسل فقرر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) احتجاجه وهو في مسند أحمد وسنن أبي داود وغيرهما
النساء : ( 30 ) ومن يفعل ذلك . . . . .
قوله ( ومن يفعل ذلك ) أي القتل خاصة أو أكل أموال الناس ظلما والقتل عدوانا وظلما وقيل هو إشارة إلى كل ما نهى عنه في هذه السورة وقال ابن جرير انه عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد وهو قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( لأن كل ما نهى عنه من أول السورة قرن به وعيد إلا من قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم ( فإنه لا وعيد بعده إلا قوله ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ) والعدوان تجاوز الحد والظلم وضع الشيء في غير موضعه وقيل ان معنى العدوان والظلم واحد وتكريره لقصد التأكيد كما في قول الشاعر وألفى قولها كذبا ومينا
وخرج بقيد العدوان والظلم ما كان من القتل بحق كالقصاص وقتل المرتد وسائر الحدود الشرعية وكذلك قتل الخطأ قوله ( فسوف نصليه ) جواب الشرط أي ندخله نارا عظيمة ( وكان ذلك ) أي إصلاؤه النار ( على الله يسيرا ) لأنه لا يعجزه بشيء وقريء ( نصليه ) بفتح النون روى ذلك عن الأعمش والنخعى وهو على هذه القراءة منقول من صلى ومنه شاة مصلية
النساء : ( 31 ) إن تجتنبوا كبائر . . . . .
قوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) أي إن تجتنبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها ( نكفر عنكم سيئاتكم ) أي ذنوبكم التي هي صغائر وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها وجعل اجتنابها شرطا لتكفير السيئات وقد اختلف أهل الأصول في تحيق معنى الكبائر ثم في عددها فأما في تحقيقها فقيل إن الذنوب كلها كبائر وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما أكبر منها كما يقال الزنا صغيرة بالإضافة إلى الكفر والقبلة المحرمة صغيرة بالإضافة إلى الزنا وقد روى نحو هذا عن الاسفراينى والجوينى والقشيرى وغيرهم قالوا والمراد بالكبائر التي يكون اجتنابها سببا لتكفير السئيات هي الشرك واستدلوا على ذلك بقراءة من قرأ ( ان تجتنبوا كبير ما تنهون عنه ) وعلى قراءة الجمع فالمراد أجناس الكفر واستدلوا على ما قالوه بقوله تعالى ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( قالوا فهذه الآية مقيدة لقوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) وقال ابن عباس الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب وقال ابن مسعود الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آية وقال سعيد بن جبير كل ذنب نسبه الله إلى النار


"""""" صفحة رقم 458 """"""
فهو كبيرة وقال جماعة من أهل الأصول الكبائر كل ذنب رتب الله عليه الحد أو صرح بالوعيد فيه وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره وأما الاختلاف في عددها فقيل انها سبع وقيل سبعون وقيل سبعمائة وقيل غير منحصرة ولكن بعضها أكبر من بعض وسيأتي ما ورد في ذلك إن شاء الله قوله ( وندخلكم مدخلا ) أي مكان دخول وهو الجنة ( كريما ) أي حسنا مرضيا وقد قرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر والكوفيون ( مدخلا ) بضم الميم وقرأ أهل المدينة بفتح الميم وكلاهما أسم مكان ويجوز ان يكون مصدرا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني قال السيوطي بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( قال انها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن في الآية قال كان الرجل يتحرج ان يأكل عند أحد الناس بعد ما نزلت هذه الآية فنسخ ذلك الآية التي في النور ولا على أنفسكم ان تأكلوا من بيوتكم الآية وأخرج ابن ماجه وابن المنذر عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 0 إنما البيع عن تراض ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح وعكرمة في قوله تعالى ) ولا تقتلوا أنفسكم ( قالا نهاهم عن قتل بعضهم بعضا وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدى ( ولاتقتلوا أنفسكم ) قال أهل دينكم وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ) يعنى متعمدا اعتداء بغير حق ( وكان ذلك على الله يسيرا ) يقول كان عذابه على الله هينا وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال قلت لعطاء ارأيت قوله تعالى ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ) في كل ذلك أم في قوله ( ولا تقتلوا أنفسكم ) قال بل في قوله ( ولا تقتلوا أنفسكم ) وأخرج عبد بن حميد عن أنس بن مالك قال هان ما سألكم ربكم ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبرانى والبيهقى في الشعب عن ابن عباس قال كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة وقد ذكرت الطرفة يعني النظرة وأخرج اب 4 ن جرير عنه قال كل شيء عصى الله فيه فهو كبيرة وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كل ما وعد الله عليه النار كبيرة واخرج ابن جرير و البيهقي في الشعب عنه قال الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ما قدمنا عنه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن جميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي في الشعب عن ابن عباس انه سئل عن الكبائر اسبع هي قال هي إلى السبعين أقرب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أن رجلا سأله كم الكبائر أسبع هي قال هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع غير انه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع اصرار وأخرج البيهقي في الشعب عنه كل ذنب أصر عليه العبد كبيرة وليس بكبيرة ما تاب عنه العبد وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 0 اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هي يا رسول الله قال الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكرة قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الاشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) وأخرج


"""""" صفحة رقم 459 """"""
البخاري وغيره عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس ( شك شعبة ) واليمين الغموس ) وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمرو قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 0 إن من أكبر الكبائر ان يلعن الرجل والديه قالوا كيف يعلن الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) والأحاديث في تعداد الكبائر وتعيينها كثيرة جدا فمن رام الوقوف على ما ورد في ذلك فعليه بكتاب الزواجر في الكبائر فإنه قد جمع فأوعى
فائدة
واعلم انه لا بد من تقييد ما في هذه الآية من تكفير السيئات بمجرد اجتناب الكبائر بما أخرجه النسائي وابن ماجه وابن جرير وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة وأبي سعيد ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جلس على المنبر ثم قال ( والذي نفسي بيده ما من عبد بن حميد يصلى الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويؤدى الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى إنها لتصفق ثم تلا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم و البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال ان في سورة النساء خمس آيات ما يسرني ان لي بها الدنيا وما فيها ولقد علمت ان العلماء إذا مروا بها يعرفونها قوله تعالى ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ( الآية وقوله ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( الآية وقوله ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية وقوله ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك ( الآية وقوله ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( الآية
النساء 32 34
النساء : ( 32 ) ولا تتمنوا ما . . . . .
قوله ( ولا تتمنوا ) التمنى نوع من الإرادة يتعلق بالمستقبل كالتلهف نوع منها يتعلق بالماضي وفيه النهى عن ان يتمنى الإنسان ما فضل الله به غيره من الناس عليه فإن ذلك نوع من عدم الرضا بالقسمة التي قسمها الله بين عباده على مقتضى إرادته وحكمته البالغة وفيه أيضا نوع من الحسد المنهى عنه إذا صحبه إرادة زوال تلك النعمة عن الغير وقد اختلف العلماء في الغبطة هل تجوز أم لا وهي ان يتمنى ان يكون به حال مثل حال صاحبه من دون ان يتمنى زوال ذلك الحال عن صاحبه فذهب الجمهور إلى جواز ذلك واستدلوا بالحديث الصحيح ( لا حسد


"""""" صفحة رقم 460 """"""
إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ) وقد بوب عليه البخاري ( باب الآغتباط في العلم والحكم ) وعموم لفظ الآية يقتضي تحريم تمني ما وقع به التفضيل سواء كان مصحوبا بما يصير به من جنس الحسد أم لا وما ورد في السنة من جواز ذلك في أمور معينة يكون مخصصا لهذا العموم وسيأتي ذكر سبب نزول الآية ولكن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقوله ) للرجال نصيب ( إلخ فيه تخصيص بعد التعميم ورجوع إلى ما يتضمنه سبب نزول الآية من أن أم سلمة قالت يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزى ولا نقاتل فنستشهد وإنما لنا نصف الميراث فنزلت أخرجه عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي وقد روى نحو هذا السبب من طرق بألفاظ مختلفة والمعنى في الآية أن الله جعل لكل من الفريقين نصيبا على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته وعبر عن ذلك المجعول لكل فريق من فريقي النساء والرجال بالنصيب مما اكتسبوا من الثواب والعقاب وللنساء كذلك وقال ابن عباس المراد بذلك الميراث والاكتساب على هذا القول بمعنى ما ذكرنا قوله ) واسألوا الله من فضله ( عطف على قوله ) ولا تتمنوا ( وتوسيط التعليل بقوله ) للرجال نصيب ( إلخ بين المعطوف والمعطوف عليه لتقرير ما تضمنه النهي وهذا الأمر يدل على وجوب سؤال الله سبحانه من فضله كما قال جماعة من أهل العلم
النساء : ( 33 ) ولكل جعلنا موالي . . . . .
قوله ) ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ( أي جعلنا لكل إنسان ورثة موالي يلون ميراثه فلكل مفعول ثان قدم على الفعل لتأكيد الشمول وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها أي ليتبع كل أحد ما قسم الله له من الميراث ولا يتمن ما فضل الله به غيره عليه وقد قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله بعدها ) والذين عقدت أيمانكم ( وقيل العكس كما روى ذلك ابن جرير وذهب الجمهور إلى أن الناسخ لقوله ) والذين عقدت أيمانكم ( جرير وذهب الجمهور إلى أن الناسخ لقوله قوله تعالى ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( والموالي جمع مولى وهو يطلق على المعتق والمعتق والناصر وابن العم والجار قيل والمراد هنا العصبة أي ولكل جعلنا عصبة يرثون ما أبقت الفرائض قوله ) والذين عقدت أيمانكم ( المراد بهم موالي الموالاة كان الرجل من أهل الجاهلية يعاقد الرجل أي يحالفه فيستحق من ميراثه نصيبا ثم ثبت في صدر الإسلام بهذه الآية ثم نسخ بقوله وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض وقراءة الجمهور عاقدت وروى عن حمزة أنه قرأ ( عقدت ) بتشديد القاف على التكثير أي والذين عقدت لهم أيمانكم الحلف أو عقدت عهودهم أيمانكم والتقدير على قراءة الجمهور والذين عقادتهم أيمانكم فآتوهم نصيبهم أي ما جعلتموه لهم بعقد الحلف
النساء : ( 34 ) الرجال قوامون على . . . . .
قوله ) الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ( هذه الجملة مستأنفة مشتملة على بيان العلة التي استحق بها الرجال الزيادة كأنه قيل كيف استحق الرجال ما استحقوا مما لم تشاركهم فيه النساء فقال ) الرجال قوامون ( إلخ والمراد أنهم يقومون بالذب عنهن كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعاية وهم أيضا يقومون بما يحتجن إليه من النفقة والكسوة والمسكن وجاء بصيغة المبالغة في قوله ) قوامون ( ليدل على أصالتهم في هذا الأمر والباء في قوله بما فضل الله للسببية والضمير في قوله ) بعضهم على بعض ( للرجال والنساء أي إنما استحقوا هذه المزية لتفضيل الله للرجال على النساء بما فضلهم به من كون فيهم الخلفاء والسلاطين والحكام والأمراء والغزاة وغير ذلك من الأمور قوله ) وبما أنفقوا ( أي وبسبب ما أنفقوا من أموالهم وما مصدرية أو موصولة وكذلك هي في قوله ) بما فضل الله ( ومن تبعيضية والمراد ما أنفقوه في الإنفاق على النساء وبما دفعوه في مهروهن من أموالهم وكذلك ما ينفقونه في الجهاد وما يلزمهم في العقل


"""""" صفحة رقم 461 """"""
وقد استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على جواز فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن نفقة زوجته وكسوتها وبه قال مالك والشافعي وغيرهما قوله ) فالصالحات ( أي من النساء ) قانتات ( أي مطيعات لله قائمات بما يجب عليهن من حقوق الله وحقوق أزواجهن ) حافظات للغيب ( أي لما يجب حفظه عند غيبة أزواجهن عنهن من حفظ نفوسهن وحفظ أموالهم ) وما ( في قوله ) بما حفظ الله ( مصدرية أي بحفظ الله والمعنى أنهن حافظات لغيب أزواجهن بحفظ الله لهن ومعونته وتسديده أو حافظات له بما استحفظهن من أداء الأمانة إلى أزواجهن على الوجه الذي أمر الله به أو حافظات له بحفظ الله لهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حسن العشرة ويجوز أن تكون ) ما ( موصولة والعائد محذوف وقرأ أبو جعفر ) بما حفظ الله ( بنصب الإسم الشريف والمعنى بما حفظن الله أي حفظن أمره أو حفظن دينه فحذف الضمير الراجع إليهن للعلم به ) وما ( على هذه القراءة مصدرية مصدرية أو موصولة كالقراءة الأولى أي بحفظهن الله أو بالذي حفظن الله به قوله ) واللاتي تخافون نشوزهن ( هذا خطاب للأزواج قيل الخوف هنا على بابه وهو حالة تحدث في القلب عند حدوث أمر مكروه أو عند ظن حدوثه وقيل المراد بالخوف هنا العلم والنشوز العصيان وقد تقدم بيان أصل معناه في اللغة قال ابن فارس يقال نشزت المرأة استعصت على بعلها ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها ) فعظوهن ( أي ذكروهن بما أوجبه الله عليهن من الطاعة وحسن العشرة ورغبوهن ورهبوهن ) واهجروهن في المضاجع ( يقال هجره أي تباعد منه والمضاجع جمع مضجع وهو محل الإضطجاع أي تباعدوا عن مضاجعتهن ولا تدخلوهن تحت ما تجعلونه عليكم حال الإضطجاع من الثياب وقيل هو أنه يوليها ظهره عند الإضطجاع وقيل هو كناية عن ترك جماعها وقيل لا تبيت معه في البيت الذي يضطجع فيه ) واضربوهن ( أي ضربا غير مبرح وظاهر النظم القرآني أنه يجوز للزوج أن يفعل جميع هذه الأمور عند مخافة النشوز وقيل إنه لا يهجرها إلا بعد عدم تأثير الوعظ فإن أثر الوعظ لم ينتقل إلى الهجر وإن كفاه الهجر لم ينتقل إلى الضرب ) فإن أطعنكم ( كما يجب وتركن النشوز ) فلا تبغوا عليهن سبيلا ( أي لا تتعرضوا لهن بشيء مما يكرهن لا بقول ولا بفعل وقيل المعنى لا تكلفوهن الحب لكم فإنه لا يدخل تحت اختيارهن ) إن الله كان عليا كبيرا ( إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب أي وإن كنتم تقدرون عليهن فاذكروا قدرة الله عليكم فإنها فوق كل قدرة والله بالمرصاد لكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ( يقول لا يتمنى الرجل فيقول ليت أن لي مال فلان وأهله فنهى الله سبحانه عن ذلك ولكن يسأل الله من فضله ) للرجال نصيب مما اكتسبوا ( يعني مما ترك الوالدان والأقربون للذكر مثل حظ الأنثيين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أن سبب نزول الآية أن النساء قلن لو جعل أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجاء وقال الرجال إنا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث وقد تقدم ذكر سبب النزول وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) واسألوا الله من فضله ( قال ليس بعرض الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) واسألوا الله من فضله ( قال العبادة ليس من أمر الدنيا وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل ) قال الترمذي كذا رواه حماد بن واقد وليس بالحافظ ورواه أبو نعيم عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح وكذا رواه ابن جرير وابن مردويه ورواه أيضا ابن مروديه من حديث ابن عباس وأخرج البخاري وابن داود


"""""" صفحة رقم 462 """"""
والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم و البيهقي في سننه عن ابن عباس ) ولكل جعلنا موالي ( قال كان ورثة ) والذين عقدت أيمانكم ( قال كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بينهم فلما نزلت ) ولكل جعلنا موالي ( نسخت ثم قال ) والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ( من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ) ولكل جعلنا موالي ( قال عصبة ) والذين عقدت أيمانكم ( قال كان الرجلان أيهما مات ورثه الآخر فأنزل الله ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ( يقول إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية فهو لهم جائز من ثلث مال الميت وهو المعروف وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل يقول ترثني وأرثك وكان الأحياء يتحالفون فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كل حلف كان في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام فلا يزيده الإسلام إلا شدة ولا عقد ولا حلف في الإسلام فنسختها هذه الآية ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( وأخرج أبو داود وابن جرير وابن مردويه والبيهقي عنه في الآية قال كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك في الأنفال ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن أن رجلا من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بينهما القصاص فنزل ) ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ( فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونزل القرآن ) الرجال قوامون على النساء ( الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أردنا أمرا وأراد الله غيره ) وأخرج ابن مردويه عن علي نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( الرجال قوامون على النساء ) يعني أمراء عليهن أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته وطاعته أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله ) بما فضل الله ( فضله عليها بنفقته وسعيه ) فالصالحات قانتات ( قال مطيعات ) حافظات للغيب ( يعني إذا كنى كذا فأحسنوا إليهن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) حافظات للغيب ( قال حافظات للغيب بما استودعهن الله من حقه وحافظات لغيب أزواجهن وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال ) حافظات للغيب ( للأزواج وأخرج ابن جرير عن السدى قال تحفظ على زوجها ماله وفرجها حتى يرجع كما أمرها الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس ) واللاتي تخافون نشوزهن ( قال تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره فأمره الله أن يعظها ويذكرها بالله ويعظم حقه عليها فإن قبلت وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها وذلك عليها تشديد فإن رجعت وإلاضربها ضربا غير مبرح ولا يكسر لها عظما ولا يجرح بها جرحا ) فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( يقول إذا أطاعتك فلا تتجنى عليها العلل وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) واهجروهن في المضاجع ( قال لا يجامعها وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عنه قال يهجرها بلسانه ويغلظ لها بالقول ولا يدع الجماع وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج ابن جرير عن عطاء أنه سأل ابن عباس عن الضرب غير المبرح فقال بالسواك ونحوه وقد أخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص أنه شهد خطبة الوداع مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفيها أنه قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوار عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا


"""""" صفحة رقم 463 """"""
غير مبرح ) فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبدالله بن زمعة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم )
النساء 35
النساء : ( 35 ) وإن خفتم شقاق . . . . .
قد تقدم معنى الشقاق في البقرة وأصله أن كل واحد منهم يأخذ شقا غير شق صاحبه أي ناحية غير ناحيته وأضيف الشقاق إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به كقول تعالى ) بل مكر الليل والنهار ( وقوله يا سارق الليلة أهل الدار
والخطاب للأمراء والحكام والضمير في قوله ( بينهما ) للزوجين لأنه قد تقدم ذكر ما يدل عليهما وهو ذكر الرجال والنساء ( فابعثوا ) إلى الزوجين ( حكما ) يحكم بينهما ممن يصلح لذلك عقلا ودينا وأنصافا وإنما نص الله سبحانه على أن الحكمين يكونان من أهل الزوجين لأنهما أقعد بمعرفة أحوالهما وإذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح للحكم بينهما كان الحكمان من غيرهم وهذا إذا أشكل أمرهما ولم يتبين من هو المسيء منهما فأما إذا عرف المسيء فإنه يؤخذ لصاحبه الحق منه وعلى الحكمين أن يسعيا في إصلاح ذات البين جهدهما فإن قدرا على ذلك عملا عليه وإن أعياهما إصلاح حالهما ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر من الحاكم في البلد ولا توكيل بالفرقة من الزوجين وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق وهو مروي عن عثمان وعلي وابن عباس والشعبي والنخعي والشافعي وحكاه ابن كثير عن الجمهور قالوا لأن الله قال ) فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ( وهذا النص من الله سبحانه أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان وقال الكوفيون وعطاء وابن زيد والحسن وهو أحد قولي الشافعي إن التفريق هو إلى الإمام أو الحاكم في البلد لا إليهما ما لم يوكلهما الزوجان أو يأمرهما الإمام والحاكم لأنهما رسولان شاهدان فليس إليهما التفريق ويرشد إلى هذا قوله ) إن يريدا ( أي الحكمان ) إصلاحا ( بين الزوجين ) يوفق الله بينهما ( لاقتصاره على ذكر الإصلاح دون التفريق ومعنى ) إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ( أي قوع الموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى الألفة وحسن العشرة ومعنى الإرادة خلوص نيتهما لصلاح الحال بين الزوجين وقيل إن الضمير في قوله ) يوفق الله بينهما ( للحكمين كما في قوله ) إن يريدا إصلاحا ( أي يوفق بين الحكمين في اتحاد كلمتهما وحصول مقصودهما وقيل كلا الضميرين للزوجين أي إن يريدا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله بينهما الألفة والوفاق وإذا اختلف الحكمان لم ينفذ حكمهما ولا يلزم قبول قولهما بلا خلاف
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) وإن خفتم شقاق بينهما ( قال هذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما أمر الله أن تبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ورجلا مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا إمرأته عنه وقسروه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قسروها على زوجها ومنعوها النفقة فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز فإن رأيا أن يجمعا فرضى أحد الزوجين وكره الآخر ذلك ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي ) إن يريدا إصلاحا ( قال هما الحكمان ) يوفق الله بينهما ( وكذلك كل مصلح يوفقه للحق والصواب وأخرج الشافعي في الأم وعبدالرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن


"""""" صفحة رقم 464 """"""
أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني في هذه الآية قال جاء رجل وامرأة إلى علي ومعهما فئام من الناس فأمرهم علي فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين تدريان ما عليكما عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي وقال الرجل أما الفرقة فلا فقال كذبت والله حتى تقر مثل الذي أقرت به وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال بعثت أنا ومعاوية حكمين فقيل لنا إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما والذي بعثهما عثمان وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن قال إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه فأما الفرقة فليست بأيديهما وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه وأخرج البيهقي عن علي قال إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشيء حتى يجتمعا
النساء 36
النساء : ( 36 ) واعبدوا الله ولا . . . . .
قد تقدم بيان معنى العبادة وشيئا إما مفعول له أي لا تشركوا به شيئا من الأشياء من غير فرق بين حي وميت وجماد وحيوان وإما مصدر أي لا تشركوا به شيئا من الإشراك من غير فرق بين الشرك الأكبر والأصغر والواضح والخفي وقوله ) إحسانا ( مصدر لفعل محذوف أي أحسنوا بالوالدين إحسانا وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع وقد دل ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد الأمر بعبادة الله والنهي عن الإشراك به علي عظم حقهما ومثله ) أن اشكر لي ولوالديك ( فأمر سبحانه بأن يشكرا معه قوله ) وبذي القربى ( أي صاحب القرابة وهو من يصح إطلاق اسم القربى عليه وإن كان بعيدا ) واليتامى والمساكين ( قد تقدم تفسيرهم والمعنى وأحسنوا بذي القربى إلى آخر ما هو مذكور في هذه الآية ) والجار ذي القربى ( أي القريب جواره وقيل هو من له مع الجوار في الدار قرب في النسب ) والجار الجنب ( المجانب وهو مقابل للجار ذي القربى والمراد من يصدق عليه مسمى الجوار مع كون داره بعيدة وفي ذلك دليل على تعميم الجيران بالإحسان إليهم سواء كانت الديار متقاربة أو متباعدة وعلى أن الجوار حرمة مرعية مأمور بها وفيه رد من على يظن أن الجار مختص بالملاصق دون من بينه وبينه حائل أو مختص بالقريب دون البعيد وقيل إن المراد بالجار الجنب هنا هو الغريب وقيل هو الأجنبي الذي لا قرابة بينه وبين المجاور له وقرأ الأعمش والمفضل ) والجار الجنب ( بفتح الجيم وسكون النون أي ذي الجنب وهو الناحية وأنشد الأخفش
والناس جنب والامير جنب
وقيل المراد بالجار ذي القربي المسلم وبالجار الجنب اليهودي والنصراني
وقد اختلف أهل العلم في المقدار الذي يصدق عليه مسمى الجوار ويثبت لصاحبه الحق فروى عن الأوزاعي والحسن أنه إلى حد أربعين دارا من كل ناحية وورى عن الزهري نحوه وقيل من سمع إقامة الصلاة وقيل إذا جمعتهما محلة وقيل من سمع النداء والأولى أن يرجع في معنى الجار إلى الشرع فإن وجد فيه ما يقتضي بيانه وأنه يكون جارا إلى حد كذا من الدور أو من مسافة الأرض كان العمل عليه متعينا وإن لم يوجد رجع إلى معناه لغة أو عرفا ولم يأت في الشرع ما يفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره مقدارا كذا ولا ورد في لغة العرب أيضا


"""""" صفحة رقم 465 """"""
ما يفيد ذلك بل المراد بالجار في اللغة المجاور ويطلق على معادن قال في القاموس والجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم والمجير والمستجير والشريك في التجارة وزوج المرأة وهي جارته وفرج المرأة وما قرب من المنازل والأست كالجارة والقاسم والحليف والناصر انتهى قال القرطبي في تفسيره وروى أن رجلا جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني نزلت محلة قوم وإن أقربهم إلي جوارا أشدهم لي أذى فبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبا بكر وعمر وعليا يصيحون على أبواب المساجد ألا إن أربعين دارا جار ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) انتهى ولو ثبت هذا لكان مغنيا عن غيره ولكنه رواه كما ترى من غير عزو له إلى أحد كتب الحديث المعروفة وهو وإن كان إماما في علم الرواية فلا تقوم الحجة بما يرويه بغير سند مذكور ولا نقل عن كتاب مشهور ولا سيما وهو يذكر الواهيات كثيرا كما يفعل في تذكرته وقد ورد في القرآن ما يدل على أن المساكنة في مدينة مجاورة قال الله تعالى ) لئن لم ينته المنافقون ( إلى قوله ) ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ( فجعل اجتماعهم في المدينة جوارا وأما الأعراف في مسمى الجوار فهي تختلف باختلاف أهلها ولا يصح حمل القرآن على أعراف متعارفة واصطلاحات متواضعة قوله ) والصاحب بالجنب ( قيل هو الرفيق في السفر قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي ليلى هو الزوجة وقال ابن جريج هو الذي يصحبك ويلزمك رجاء نفعك ولا يبعد أن تتناول الآية جميع ما في هذه الأقوال مع زيادة عليها وهو كل من صدق عليه أنه صاحب بالجنب أي بجنبك كمن يقف بجنبك في تحصيل علم أو تعلم صناعة أو مباشرة تجارة أو نحو ذلك قوله ) وابن السبيل ( قال مجاهد هو الذي يجتاز بك مارا والسبيل الطريق فنسب المسافر إليه لمروره عليه ولزومه إياه فالأولى تفسيره بمن هو على سفر فإن على المقيم أن يحسن إليه وقيل هو المنقطع به وقيل هوالضيف قوله ) وما ملكت أيمانكم ( أي وأحسنوا إلى ما ملكت أيمانكم إحسانا وهم العبيد والإماء وقد أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأنهم يطعمون مما يطعم مالكهم ويلبسون مما يلبس والمختال ذو الخيلاء وهو الكبر والتيه أي لا يحب من كان متكبرا تائها على الناس مفتخرا عليهم والفخر المدح للنفس والتطاول لعديد المناقب وخص هاتين الصفتين لأنهما يحملان صاحبهما على الأنفة مما ندب الله إليه في هذه الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان من طرق عن ابن عباس في قوله ) والجار ذي القربى ( يعني الذي بينك وبينه قرابة ) والجار الجنب ( يعني الذي ليس بينك وبينه قرابة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن نوف البكالي قال الجار ذي القربى المسلم والجار الجنب اليهودي والنصراني وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) والصاحب بالجنب ( قال الرفيق في السفر وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ومجاهد مثله وأخرج الحكيم والترمذي في نوادر الأصول وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم ) والصاحب بالجنب ( قال هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر وامرأتك التي تضاجعك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي قال هو المرأة وأخرج هؤلاء والطبراني عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وما ملكت أيمانكم ( قال مما خولك الله فأحسن صحبته كل هذا أوصى الله به وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل نحوه وقد ورد مرفوعا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بر الوالدين وفي صلة القرابة وفي الإحسان إلى اليتامى وفي الإحسان إلى الجار وفي القيام بما يحتاجه المماليك أحاديث كثيرة


"""""" صفحة رقم 466 """"""
قد اشتملت عليها كتب السنة لا حاجة بنا إلى بسطها هنا وهكذا ورد في ذم الكبر والاختيال والفخر ما هو معروف
النساء 37 42
النساء : ( 37 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . .
قوله ) الذين يبخلون ( هم في محل نصب بدلا من قوله ) من كان مختالا ( أو على الذم أو في محل رفع على الابتداء والخبر مقدر أي لهم كذا وكذا من العذاب ويجوز أن يكون مرفوعا بدلا من الضمير المستتر في قوله ) مختالا فخورا ( ويجوز أن يكون منصوبا على تقدير أعني أو مرفوعا على الخبر والمبتدأ مقدر أي هم الذين يبخلون والجملة في محل نصب على البدل والبخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله وهؤلاء المذكورون في هذه الآية ضموا إلى ما وقعوا فيه من البخل الذي هو أشر خضال البشر ما هو أقبح منه وأدل على سقوط نفس فاعله وبلوغه في الرذالة إلى غايتها وهو أنهم مع بخلهم بأموالهم وكتمهم لما أنعم الله به عليهم من فضله ) ويأمرون الناس بالبخل ( كأنهم يجدون في صدورهم من جود غيرهم بماله حرجا ومضاضة فلأكثر في عباده من أمثالكم هذه أموالكم قد بخلتم بها لكونكم تظنون أنتقاصها بإخراج بعضها في مواضعه فما بالكم بخلتم بأموال غيركم مع أنه لا يلحقكم في ذلك ضرر وهل هذا إلا غاية اللوم ونهاية الحمق والرفاعة وقبح الطباع وسوء الاختيار وقد تقدم اختلاف القراءات في البخل وقد قيل إن المراد بهذه الآية اليهود فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال وكتمان ما أنزل الله في التوراة وقيل المراد بها المنافقون ولا يخفى أن اللفظ أوسع من ذلك وأكثر شمولا وأعم فائدة
النساء : ( 38 ) والذين ينفقون أموالهم . . . . .
قوله ) والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ( عطف على قوله ) الذين يبخلون ( ووجه ذلك أن الأولين قد فرطوا بالبخل وبأمر الناس به وبكتم ما آتاهم الله من فضله وهؤلاء أفرطوا ببذل أموالهم في غير مواضعها لمجرد الرياء والسمعة كما يفعله من يريد أن يتسامع الناس بأنه كريم ويتطاول على غيره بذلك ويشمخ بأنفه عليه مع ما ضم إلى هذا الإنفاق الذي يعود عليه بالضرر من عدم الإيمان بالله وباليوم الآخر قوله ) ومن يكن الشيطان له قرينا ( في الكلام إضمار والتقدير ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فقرينهم الشيطان ) ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ( والقرين المقارن والصاحب والخليل والمعنى من قبل من الشيطان في الدنيا فقد قارنه فيها أو فهو قرينه في النار فساء الشيطان قرينا
النساء : ( 39 ) وماذا عليهم لو . . . . .
) وماذا عليهم ( أي على هذه الطوائف ) لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا من ما رزقهم ( ابتغاء لوجهه وامتثالا لأمره أي وماذا يكون عليهم من ضرر لو فعلوا ذلك


"""""" صفحة رقم 467 """"""
النساء : ( 40 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( المثقال مفعال من الثقل كالمقدار من القدر وهو منتصب على أنه نعت لمفعول محذوف أي لا يظلم شيئا مثقال ذرة والذرة واحدة الذر وهي النمل الصغار وقيل رأس النملة وقيل الذرة الخردلة وقيل كل جزء من أجزاء الهباء الذي يظهر فيما يدخل من الشمس من كوة أو غيرها ذرة والأول هو المعنى اللغوي الذي يجب حمل القرآن عليه والمراد من الكلام أن الله لا يظلم كثيرا ولا قليلا أي لا يبخسهم من ثواب أعمالهم ولا يزيد في عقاب ذنوبهم وزن ذرة فضلا عما فوقها قوله ) وإن تك حسنة يضاعفها ( قرأ أهل الحجاز حسنة ) بالرفع وقرأ من عداهم بالنصب والمعنى على القراءة الأولى إن توجد حسنة على أن ( كان ) هي التامة لا الناقصة وعلى القراءة الثانية إن تك فعلته حسنة فيضاعفها وقيل إن التقدير إن تك مثقال الذرة حسنة وأنث ضمير المثقال لكونه مضافا إلى المؤنث والأول أولى وقرأ الحسن ( نضاعفها ) بالنون وقرأ الباقون بالياء وهي الأرجح لقوله ) ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( وقد تقدم الكلام في المضاعفة والمراد مضاعفة ثواب الحسنة
النساء : ( 41 ) فكيف إذا جئنا . . . . .
قوله ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( كيف منصوبة بفعل مضمر كما هو رأي سيبويه أو محلها رفع على الابتداء كما هو رأي غيره والإشارة بقوله ) هؤلاء ( إلى الكفار وقيل إلى كفار قريش خاصة والمعنى فيكف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وهذا الاستفهام مهناه التوبيخ والتقريع
النساء : ( 42 ) يومئذ يود الذين . . . . .
) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ( قرأ نافع وابن عامر ) تسوى ( بفتح التاء وتشديد السين وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء وتخفيف السين وقرأ الباقون بضم التاء وتخفيف السين والمعنى على القراءة الأولى والثانية أن الأرض هي التي تسوى بهم أي أنهم تمنوا لو انفتحت الأرض فساخوا فيها وقيل الباء قوله ) بهم ( بمعنى على أي تسوى عليهم الأرض وعلى القراءة الثالثة الفعل مبني للمفعول أي لو سوى الله بهم الأرض فيجعلهم والأرض سواء حتى لا يبعثوا قوله ) ولا يكتمون الله حديثا ( عطف على ) يود ( أي يومئذ يود الذين كفروا ويومئذ لا يكتمون الله حديثا ولا يقدرون على ذلك قال الزجاج قال بعضهم ) ولا يكتمون الله حديثا ( مستأنف لأن ما عملوه ظاهر عند الله لا يقدرون على كتمانه وقال بعضهم هو معطوف والمعنى يودون أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا لأنه ظهر كذبهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان كردم بن يزيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم فيقولون لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله فيهم ) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ( إلى قوله ) وكان الله بهم عليما ( وقد خرج ابن أبي حاتم عنه أنها نزلت في اليهود وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( قال رأس نملة حمراء وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وإن تك حسنة ( وزن ذرة زادت في سياته ) يضاعفها ( فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبدا وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اقرا علي قلت يا رسول الله آقرأ عليك وعليك أنزل قال نعم إني أحب أن اسمعه من غيري فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( قال حسبك الآن فإذا عيناه تذرفان ) وأخرجه الحاكم وصححه من حديث عمرو بن حريث


"""""" صفحة رقم 468 """"""
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) لو تسوى بهم الأرض ( يعني أن تسوى الأرض بالجبال والأرض عليهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية يقول ودوا لو انخرقت بهم الأرض فساخوا فيها وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يكتمون الله حديثا ( قال بجوارحهم
النساء 43
النساء : ( 43 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( جعل الخطاب خاصا بالمؤمنين لأنهم كانوا يقربون الصلاة حال السكر وأما الكفار فهم لا يقربونها سكارى ولا غير سكارى قوله ( لا تقربوا ) قال أهل اللغة إذا قيل لا تقرب بفتح الراء معناه لا تتلبس بالفعل وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدن منه والمراد هنا النهى عن التلبس بالصلاة وغشيانها وبه قال جماعة من المفسرين وإليه ذهب أبو حنيفة وقال آخرون المراد مواضع الصلاة وبه قال الشافعي وعلى هذا فلا بد من تقدير مضاف ويقوى هذا قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( وقالت طائفة المراد الصلاة ومواضعها معا لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ولا يصلون إلا مجتمعين فكانا متلازمين قوله ) وأنتم سكارى ( الجملة في محل نصب على الحال وسكارى جمع سكرا مثل كسالي جمع كسلان وقرأ النخعي ( سكرى ) بفتح السين وهو تكسير سكران وقرأ الأعمش ( سكرى ) كحبلى صفة مفردة وقد ذهب العلماء كافة إلى أن المراد بالسكر هنا سكر الخمر إلا الضحاك فإنه قال المراد سكر النوم وسيأتي بيان سبب نزول الآية وبه يندفع ما يخالف الصواب من هذه الأقوال قوله ( حتى تعلموا ما تقولون ) هذا غاية النهى عن قربان الصلاة في حال السكر أي حتى يزول عنكم أثر السكر وتعلموا ما تقولونه فإن السكران لا يعلم ما يقوله وقد تمسك بهذا من قال إن طلاق السكران لا يقع لأنه إذا لم يعلم ما يقوله انتفى القصد وبه قال عثمان بن عفان وابن عباس وطاوس وعطاء والقاسم وربيعة وهو قول الليث بن سعد وإسحاق وأبي ثور والمزنى واختاره الطحاوى وقال أجمع العلماء على أن طلاق المعتوه لا يجوز والسكران معتوه كالموسوس وأجازت طائفة وقوع طلاقه وهو محكى عن عمر بن الخطاب ومعاوية وجماعة من التابعين وهو قول أبي حنيفة والثورى والأوزاعى واختلف قول الشافعى في ذلك وقال مالك يلزمه الطلاق والقود في الجراح والقتل ولا يلزمه النكاح والبيع قوله ( ولا جنبا ) عطف على محل الجملة الحالية وهي قوله ( وأنتم سكارى ) والجنب لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع لأنه ملحق بالمصدر كالبعد والقرب قال الفراء يقال جنب الرجل وأجنب من الجنابة وقيل يجمع الجنب في لغة على أجناب مثل عنق وأعناق وطنب وأطناب وقوله ( إلا عابرى سبيل ) استثناء مفرغ أي لا تقربوها في حال من الأحوال إلا في حال عبور السبيل المراد به هنا السفر ويكون محل هذا الأستثناء المفرغ النصب على الحال من ضمير لا تقربوا بعد تقييده بالحال الثانية وهي قوله ( وجنبا ) لا بالحال الأولى وهي قوله ( وأنتم سكارى ) فيصير المعنى


"""""" صفحة رقم 469 """"""
لاتقربوا الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال السفر فإنه يجوز لكم أن تصلوا بالتيمم وهذا قول على وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم وقالوا لا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال إلا المسافر فإنه يتيمم لأن الماء قد يعدم في السفر لا في الحضر فإن الغالب أنه لا يعدم وقال ابن مسعود وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار ومالك والشافعي عابر السبيل هو المجتاز في المسجد وهو مروي عن ابن عباس فيكون معنى الآية على هذا لا تقربوا مواضع الصلاة وهى المساجد في حال الجنابة إلا أن تكون مجتازين فيها من جانب إلى جانب وفي القول الأول قوة من جهة كون الصلاة فيه باقية على معنها الحقيقي وضعف من جهة ما في حمل عابر السبيل على المسافر وإن معناه أنه يقرب الصلاة عند عدم الماء بالتيمم فإن هذا الحكم يكون في الحاضر إذا عدم الماء كما يكون في المسافر وفي القول الثاني قوة من جهة عدم التكلف في معنى قوله ) إلا عابري سبيل ( وضعف من جهة حمل الصلاة على مواضعها وبالجملة فالحال الأولى أعنى قوله ) وأنتم سكارى ( تقوى بقاء الصلاة على معناها الحقيقي من دون تقدير مضاف وكذلك ما سيأتي من سبب نزول الآية يقوى ذلك وقوله ) إلا عابري سبيل ( يقوى تقدير المضاف أي لا تقربوا مواضع الصلاة ويمكن أن يقال إن بعض قيود النهى أعنى ) لا تقربوا ( وهو قوله ) وأنتم سكارى ( يدل على ان المراد بالصلاة معناها الحقيقي وبعض قيود النهي وهو قوله ) إلا عابري سبيل ( يدل على ان المراد مواضع الصلاة ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد وهما لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى ولا تقربوا موضع الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال عبوركم في المسجد من جانب إلى جانب وغايه ما يقال في هذا انه من الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو جائز بتأويل مشهور وقال ابن جرير بعد حكايته للقولين والأولى قول من قال ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( إلا مجتازي طريق فيه وذلك انه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله ) وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ( فكان معلوما بذلك أي ان قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ( لو كان معنيا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله ) وإن كنتم مرضى أو على سفر ( معنى مفهوم وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك فإن كان ذلك كذلك فتأويل الآية يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل قال و العابر السبيل المجتاز مرا وقطعا يقال منه عبرت هذا الطريق فأنا اعبره عبرا وعبورا ومنه قيل عبر فلان النهر إذا قطعه وجاوزه ومنه قيل للناقة القوية هي عبر اسفار لقوتها على قطع الأسفار قال ابن كثير وهذا الذي نصره يعني ابن جرير هو قول الجمهور وهو الظاهر من الآية انتهى قوله ) حتى تغتسلوا ( غاية للنهى عن قربان الصلاة أو مواضعها حال الجناية والمعنى لاتقربوا حال الجناية حتى تغتسلوا إلا حال عبوركم السبيل قوله ) وإن كنتم مرضى ( المرض عبارة عن خروج البدن عن حد الاعتدال والاعتياد إلى الاعوجاج والشذوذ وهو على ضربين كثير ويسير والمراد هنا ان يخاف على نفسه التلف أو الضرر باستعمال الماء أو كان ضعيفا في بدنه لا يقدر على الوصول إلى موضع الماء وروى عن الحسن انه يتطهر وإن مات وهذا باطل يدفعه قوله تعالى ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( قوله ) ولا تقتلوا أنفسكم ( وقوله ) يريد الله بكم اليسر ( قوله ) أو على سفر ( فيه جواز التيمم لمن صدق عليه اسم المسافر والخلاف مبسوط في كتب الفقه وقد ذهب الجمهور إلى انه لا يشترط ان يكون سفر قصر وقال قوم لا بد من ذلك وقد أجمع العلماء على جواز التيمم للمسافر واختلفوا


"""""" صفحة رقم 470 """"""
في الحاضر فذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفه ومحمد إلى انه يجوز في الحضر والسفر وقال الشافعي لا يجوز للحاضر الصحيح ان يتيمم إلا ان يخاف التلف قوله ) أو جاء أحد منكم من الغائط ( هو المكان المنخفض والمجيء منه كناية عن الحدث والجمع الغيطان والأغواط وكانت العرب تقصد هذا الصنف من المواضع لقضاء الحاجة تسترا عن أعين الناس ثم سمى الحدث الخارج من الإنسان غائطا توسعا ويدخل في الغائط جميع الأحداث الناقضة للوضوء قوله ) أو لامستم النساء ( قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر ) لامستم ( وقرأ حمزة والكسائي ? لمستم ? قيل المراد بها بما في القراءتين الجماع وقيل المراد به مطلق المباشرة وقيل انه يجمع الأمرين جميعا وقال محمد بن يزيد المبرد الأول في اللغة أن يكون ) لامستم ( بمعن قبلتم ونحوه و ? لمستم ? بمعنى غشيتم واختلف العلماء في معنى ذلك على أقوال فقالت فرقة الملامسة هنا مختصة باليد دون الجماع قالوا والجنب لا سبيل له إلى التيمم بل يغتسل أو يدع الصلاة حتى يجد الماء وقد روى هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود قال ابن عبد البر لم يقل بقولهما في هذه المسئلة أحد من فقهاء الأمصار من أهل الرأي وحملة الآثار انتهى وأيضا الأحاديث الصحيحة تدفعه وتبطله كحديث عمار وعمران بن حصين وأبي ذر في تيمم الجنب وقالت طائفة هو الجماع كما في قوله ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقوله وإ ن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وهو مروى عن علي وأبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حبان وابي حنيفة وقال مالك الملامس بالجماع يتيمم والملامس باليد يتيمم إذا التذ فإن لمسها بغير شهوة فلا وضوء وبه قال أحمد وإسحاق وقال الشافعي إذا افضى الرجل بشيء من بدنه إلى بدن المرأة سواء كان باليد أو غيرها من أعضاء الجسد انتقضت به الطهارة وإلا فلا وحكاه القرطبي عن ابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة وقال الأوزاعي إذا كان اللمس باليد نقض الطهر وإن كان بغير اليد لم ينقضه لقوله تعالى ) فلمسوه بأيديهم ( وقد احتجوا بحجج تزعم كل طائفة ان حجتها تدل على ان الملامسة المذكورة في ألاية هي ما ذهبت إليه وليس الأمر كذلك فقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في معنى الملامسة المذكورة في الآية و على فرض انها ظاهرة في الجماع فقد ثبتت القراءة المروية عن حمزة والكسائي بلفظ ? أو لمستم ? وهي محتملة بلا شك ولا شبهة ومع الاحتمال فلا تقوم الحجة بالمحتمل وهذا الحكم تعم به البلوى ويثبت به التكليف العام فلا يحل إثباته بمحتمل قد وقد وقع النزاع في مفهومه وإذا عرفت هذا فقد ثبتت السنة الصحيحة بوجوب التيمم على من اجتنب ولم يجد الماء فكان الجنب داخلا في الآية بهذا الدليل وعلى فرض عدم دخوله فالسنة تكفي في ذلك وأما وجوب الوضوء أو التيمم على من لمس المرأة بيده أو بشيء من بدنه فلا يصح القول به استدلالا بهذه الآية لما عرفت من الاحتمال وأما ما استدلوا به من انه ( صلى الله عليه وسلم ) أتاه رجل فقال يا رسول الله ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها وليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها غير انه لم يجامعها فأنزل الله اقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من حديث معاذ قالوا فأمره بالوضوء لأنه لمس المرأة ولم يجامعها ولا يخفاك انه لا دلالة بهذا الحديث على محل النزاع فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنما أمره بالوضوء ليأتي بالصلاة التي ذكرها الله سبحانه وفي هذه الآية إذ لا صلاة إلا بوضوء وأيضا فالحديث منقطع لأنه من رواية ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يلقه وإذا عرفت هذا فالأصل البراءة عن هذا الحكم فلا يثبت إلا بدليل خالص عن الشوائب الموجبة لقصوره عن الحجة وأيضا قد ثبت عن عائشة من طرق انها قالت ( كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتوضأ ثم يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ ) وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة رواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجه


"""""" صفحة رقم 471 """"""
وما قيل من انه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة ولم يسمع من عروة فقد رواه أحمد في مسنده من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه ابن جرير من حديث ليث عن عطاء عن عائشة ورواه أحمد أيضا وأبو داود والنسائي من حديث أبي روق المهداني عن إبراهيم التيمي عن عائشة ورواه أيضا ابن جرير من حديث أم سلمة ورواه أيضا من حديث زينب السهمية ولفظ حديث أم سلمة ( ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقبلها وهو صائم ولا يفطر ولا يحدث وضوءا ) ولفظ حديث زينب السهمية ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ ) ورواه أحمد عن زينب السهمية عن عائشة قوله ( فلم تجدوا ماء ) هذا القيد إن كان راجعا إلى جميع ما تقدم مما هو مذكور بعد الشرط وهو المرض والسفر والمجيء من الغائط وملامسة النساء كان فيه دليل على ان المرض والسفر بمجردهما لا يسوغان التيمم بل لابد مع وجود أحد السببين من عدم الماء فلا يجوز للمريض أن يتيمم إلا إذا لم يجد الماء ولا يجوز للمسافر ان يتيمم إلا إذا لم يجد ماء ولكنه يشكل على هذا ان الصحيح كالمريض إذا لم يجد الماء تيمم وكذلك المقيم كالمسافر إذا لم يجد الماء تيمم فلا بد من فائدة في التنصيص على المرض والسفر فقيل وجه التنصيص عليهما أن المرض مظنة للعجز عن الوصول إلى الماء وكذلك المسافر عدم الماء في حقه غالب وإن كان راجعا إلى الصورتين الأخيرتين اعني قوله ( أو جاء أحد منكم من الغائظ أو لامستم النساء ) كما قال بعض المفسرين كان فيه إشكال وهو ان من صدق عليه اسم المريض أو المسافر جاز له التيمم وان كان واجدا للماء قادرا على استعماله وقد قيل انه رجع هذا القيد إلى الآخرين مع كونه معتبرا في الأولين لندرة وقوعه فيهما وانت خبير بأن هذا كلام ساقط وتوجيه بارد وقال مالك ومن تابعه ذكر الله المرض والسفر في شرط التيمم اعتبارا بالأغلب في من لم يجد الماء بخلاف الحاضر فإن الغالب وجوده فلذلك لم ينص الله سبحانه عليه انتهى والظاهر ان المرض بمجرده مسوغ للتيمم ان كان الماء موجودا إذا كان يتضرر باستعماله في الحال أو في المآل ولا يعتبر خشية التلف فالله سبحانه يقول يريد الله بكم اليسر ويقول وما جعل عليكم في الدين من حرج والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( الدين يسر ) ويقول ( يسروا ولا تعسروا وقال ( قتلوه قتلهم الله ) ويقول ( أمرت بالشريعة السمحة ) فإذا قلنا ان قيد عدم وجود الماء راجع إلى الجميع كان وجه التنصيص على المرض هو انه يجوز له التيمم والماء حاضر موجود إذا كان استعماله يضره فيكون اعتبار ذلك القيد في حقه إذا كان استعماله لا يضره فإن في مجرد المرض مع عدم الضرر باستعمال الماء ما يكون مظنة لعجزه عن الطلب لأنه يلحقه بالمرض نوع ضعف وأما وجه التنصيص على المسافر فلا شك ان الضرب في الأرض مظنة لإعواز الماء في بعض البقاع دون بعض قوله ( فتيمموا ) التيمم لغة القصد يقال تيممت الشي قصدته وتيممت الصعيد تعمدته وتيممته بسهمى ورمحى قصدته دون من سواه وأنشد الخليل يممته الرمح شزرا ثم قلت له
هذي البسالة لا لعب الزحاليق
وقال امرؤ القيس تيممتها من اذرعات وأهلها
بيثرب ادنى دارها نطر عالى
وقال تيممت العين التي عند ضارج
يفئ عليها الظل عرمضها ظامي
قال ابن السكيت قوله ( فتيمموا ) أي اقصدوا ثم كثر استعمال هذه الكلمة حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب وقال ابن الأنباري في قولهم قد تيمم الرجل معناه قد مسح التراب على الوجهه وهذا خلط منهما للمعنى اللغوي بالمعنى الشرعي فإن العرب لا تعرف التيمم بمعنى مسح الوجه واليدين وإنما هو معنى شرعي


"""""" صفحة رقم 472 """"""
فقط وظاهر الأمر الوجوب وهو مجمع على ذلك والأحاديث في هذا الباب كثيرة وتفاصيل التيمم وصفاته مبينة في السنة المطهرة ومقالات أهل العلم مدونه في كتب الفقه قوله ( صعيدا ) الصعيد وجه الأرض سواء كان عليه تراب أو لم يكن قاله الخليل وابن الأعرابي والزجاج قال الزجاج لا أعلم فيه خلافا بين أهل اللغة قال الله تعالى وأنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أي أرضا غليظة لا تنبت شيئا وقال تعالى ) فتصبح صعيدا زلقا ( وقال ذو الرمة انه بالضحى يرمي الصعيد به
ونابه في عظام الرأس خرطوم
وإنما سمى صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض وجمع الصعيد صعدات
وقد اختلف أهل أعلم فيما يجزئ التيمم به فقال مالك وأبو حنيفة والثوري والطبري انه يجزئ بوجه الأرض كله ترابا كان أو رملا أو حجارة وحملوا قوله 0 طيبا ) على الطاهر الذي ليس بنجس وقال الشافعي وأحمد وأصحابهما انه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب واستدلوا بقوله تعالى ) صعيدا زلقا ( أي ترابا املس طيبا وكذلك استدلوا بقوله 0 طيبا ) قالوا والطيب التراب الذ ينبت وقد تنوزع في معنى الطيب فقيل الطاهر كما تقدم وقيل المنبت كما هنا وقيل الحلال والمحتمل لا تقوم به حجة ولو لم يوجد في الشيء الذي يتيمم به إلا ما في الكتاب العزيز لكان الحق ما قاله الأولون لكن ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فضلنا الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا ا لارض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا ظهورا إذا لم نجد الماء ) وفي لفظ ( وجعل ترابها لنا ظهورا ) فهذا مبين لمعنى الصعيد المذكور في الآية أو مخصص لعمومه أو مقيد لإطلاقه ويؤيد هذا ما حكاه ابن فارس عن كتاب الخليل تيمم بالصعيد أي أخذ من غباره انتهى والحجر الصلد لا غبار له قوله ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) هذا المسح مطلق يتناول المسح بضربة أو بضربتين ويتناول المسح إلى المرفقين أو إلى الرسغين وقد بينته السنة بيانا شافيا وقد جمعنا بين ما ورد في المسح بضربة وبضربتين وما ورد في المسح إلى الرسغ وإلى المرفقين في شرحنا للمنتقي وغيره من مؤلفاتنا بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره قوله ) إن الله كان عفوا غفورا ( أي عفا عنكم وغفر لكم تقصيركم ورحمكم بالترخيص لكم والتوسعة عليكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن علي بن أبي طالب قال صنع لنا عبدالرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ان الذي صلى بهم عبدالرحمن وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبدالرحمن بن عوف وسعد صنع لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا ثم صلى بهم المغرب فقرأ ) قل يا أيها الكافرون ( حتى ختمها فقال ليس لي دين وليس لكم دين فنزلت وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي و البيهقي في سننه عن ابن عباس في هذه الآية قال نسختها ) إنما الخمر والميسر ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال لم يعن بها الخمر إنما عنى بها سكر النوم وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ) وأنتم سكارى ( قال النعاس وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( قال نزلت في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي وفي لفظ قال لا يقرب الصلاة إلا أن يكون


"""""" صفحة رقم 473 """"""
مسافرا تصيبه الجنابة فلا يجد الماء فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في الآية يقول لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إذا وجدتم الماء فإن لم تجدوا الماء فقد أحللت ان تمسحوا بالأرض وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال لا يمر الجنب ولا الحائض في المسجد إنما أنزلت ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( للمسافر يتيمم ثم يصلي وأخرج الدارقطني والطبراني وابو نعيم في المعرفة وابن مردويه وبي في سننه والضياء في المختارة عن الأسلع بن شريك قال كنت ارحل ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأصابتني جنابة في ليلة باردة وأراد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الرحلة فكرهت ان أرحل ناقة وأنا جنب وخشيت ان ا غتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض فامرت رجلا من الأنصار فرحلها ثم رضفت احجارا فاسخنت بها ماء فاغتسلت ثم لحقت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه فقال يا اسلع ما لى أرى راحلتك تغيرت قلت يارسول الله لم ارحلها رحلها رجل من الأنصار قال ولم قلت اني اصابتني جنابة فخشيت القر على نفسي فامرته ان يرحلها ورضفت احجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به فانزل الله ) يا أيها الذين آمنوا ( إلى قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( وأخرج ابن سعد و عبد بن حميد وابن جرير والطبراني والبيهقي من وجه آخر عن اسلع قال كنت أخدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأرحل له ققال لي فات ليلة يا أسلع قم فارحل لي قلت يا رسول الله أصابتني جنابة فسكت عني ساعة حتى جاء جبريل بآية الصعيد فقال قم يا اسلع فتيمم ) الحديث وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء الخرساني عن ابن عباس ( لا تقربوا الصلاة ) قال المساجد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق عطاء الخرساني عنه ( ولا جنبا إلاعابري سبيل قال لا تدخلوا المسجد وأنتم جنبا إلا عابري سبيل قال تمر به مرا ولا تجلس وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه وأخرج عبدالرزاق و البيهقي في سننه عنه انه كان يرخص للجنب ان يمر في المسجد ولا يجلس فيه ثم قرأ قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( وأخرج البيهقي عن أنس نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير و البيهقي عن جابر قال كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب مجتازا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن كنتم مرضى ( قال نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع ان يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم فيناوله فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك له فأنزل الله هذه الآية وأخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي عن ابن عباس في قوله ) وإن كنتم مرضى ( قال هو الرجل المجدور أو به الجراح أو القرح يجنب فيخاف إن اغتسل ان يموت فيتيمم وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال نال أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جراح ففشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) وإن كنتم مرضى ( الآية وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي من طرق عن ابن مسعود في قوله ) أو لامستم النساء ( قال اللمس ما دون الجماع والقبلة منه وفيه الوضوء وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عمر انه كان يتوضأ من قبلة المرأة ويقول هي اللماس وأخرج الدارقطني والبيهقي والحاكم عن عمر قال ان القبلة من اللمس فتوضا منها وأخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن على قال اللمس هو الجماع ولكن الله كنى عنه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن جرير وابن المذر عن سعيد بن جبير قال كنا في حجرة ابن عباس ومعنا عطاء بن أبي رباح ونفر من الموالي وعبيد بن عمير ونفر من العرب فتذاكرنا اللماس فقلت أنا وعطاء والموالي اللمس باليد وقال


"""""" صفحة رقم 474 """"""
عبيد بن عمير والعرب هو الجماع فدخلت على ابن عباس فأخبرته فقال غلبت الموالي واصابت العرب ثم قال إن اللمس والمس والمباشرة إلى الجماع ما هو ولكن الله يكنى ما شاء بما شاء وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي في سننه عن ابن عباس قال إن أطيب الصعيد أرض الحرث
النساء 44 - 48 48
النساء : ( 44 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( كلام مستأنف والخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية من المسلمسن والنصيب الحظ والمراد اليهود أوتوا نصيا من التوراة وقوله ( يشترون ) جملة حالية والمراد بالإشتراء الاستبدال وقد تقدم تحقيق معناه والمعنى ان اليهود استبدلوا الضلالة وهي البقاء على اليهودية بعد وضوح الحجة على صحة نبوة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) ويريدون أن تضلوا السبيل ( عطف على قوله ) يشترون ( مشارك له بيان سوء صنيعهم وضعف اختيارهم أي لم يكتفوا بما جنوه على أنفسهم من استبدال الضلالة بالهدي بل ارادوا مع ضلالهم ان يتوصلوا بكتمهم وجحدهم إلى ان تضلوا أنتم أيها المؤمنون السبيل المستقيم الذي هو سبيل الحق
النساء : ( 45 ) والله أعلم بأعدائكم . . . . .
) والله أعلم بأعدائكم ( أيها المؤمنون وما يريدونه بكم من الاضلال والجملة اعتراضيه ) وكفى بالله وليا ( لكم ) وكفى بالله نصيرا ( ينصركم في مواطن الحرب فاكتفوا بولايته ونصره ولا تتولوا غيره ولا تستنصروه والباء في قوله ) بالله ( في الموضعين زائدة
النساء : ( 46 ) من الذين هادوا . . . . .
قوله ) من الذين هادوا ( قال الزجاج ان جعلت متعلقة بما قبل فلا يوقف على قوله ) نصيرا ( وإن جعلت منقطعة فيجوز الوقف على ) نصيرا ( والتقدير من الذين هادوا قوم يحرفون ثم حذف وهذا مذهب سيبويه ومثله قوله الشاعر لو قلت ما في قومها لم أيثم
يفضلها في حسب وميسم
قالوا المعنى لو قلت ما في قومها أحد فضلها ثم حذف و قال الفراء المحذف لفظ من أي من الذين هادوا من يحرفون الكلم كقوله ) وما منا إلا له مقام معلوم ( أي من له ومنه قول ذي الرمة فظلوا ومنهم دمعه سابق له
أي من دمعه وأنكره المبرد والزجاج لأن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة وقيل ان قوله ) من الذين هادوا ( بيان لقوله ) الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( والتحريف الإمالة


"""""" صفحة رقم 475 """"""
والإزالة أي يميلونه ويزيلونه عن مواضعه ويجعلون مكانه غيره أو المراد أنهم يتأولونه على غير تأويله وذمهم الله عز وجل بذلك لأنهم يفعلونه عنادا وبغيا وتأثيرا لغرض الدنيا قوله ) ويقولون سمعنا وعصينا ( أي سمعنا قولك وعصينا أمرك ) واسمع غير مسمع ( أي اسمع حال كونك غير مسمع وهو يحتمل ان يكون دعاء على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى اسمع لا سمعت ويحتمل ان يكون المعنى اسمع غير مسمع مكروها أو اسمع غير مسمع جوابا وقد تقدم الكلام في راعنا ومعنى ) ليا بألسنتهم ( أنهم يلوونها عن الحق أي يميلونها إلى ما في قلوبهم واصل اللى الفتل وهو منتصب على المصدر ويجوز ان يكون مفعولا لأجله قوله ) وطعنا في الدين ( معطوف على ليا أي يطعنون في الدين بقولهم لو كان نبيا لعلم أنا نسبه فأطلع الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) على ذلك ) ولو أنهم قالوا سمعنا ( قولك ) وأطعنا ( أمرك ) واسمع ( ما نقول ) وانظرنا ( أي لو قالوا هذا مكان قولهم راعنا ) لكان خيرا لهم ( مما قالوا ) وأقوم ( أي اعدل وأولى من قولهم الأول وهو قولهم ) سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ( لما في هذا من المخالفة وسوء الأدب واحتمال الذم في راعنا ) ولكن ( لم يسلكوا المسلك الحسن ويأتوا بما هو خير لهم وأقوم ولهذا ) لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ( أي إلا إيمانا قليلا وهو الإيمان ببعض الكتب دون بعض وببعض الرسل دون بعض
النساء : ( 47 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين أوتوا الكتاب ( ذكر سبحانه أولا أنهم أوتوا نصيبا من الكتاب وهنا ذكر أنهم أوتوا الكتاب والمراد أنهم أوتوا نصيبا منه لأنهم لم يعملوا بجميع ما فيه بل حرفوا وبدلوا وقوله ) مصدقا ( منتصب على الحال والطمس استئصال اثر الشيء ومنه وإذا النجوم طمست يقال نطمس بكسر الميم وضمها لغتان في المستقبل ويقال طمس الثر أي محاه كله ومنه ربا اطمس على أموالهم أي اهلكها ويقال هو مطموس البصر ومنه ولو نشاء لطمسنا على اعينهم أي اعميناهم و اختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين أو ذلك عبارة عن الضلالة في قلوبهم وسلبهم التوفيق فذهب إلى الأول طائفة وذهب إلى الآخر آخرون وعلى الأول فالمراد بقوله ) فنردها على أدبارها ( نجعلها قفا أي نذهب بآثار الوجه وتخطيطه حتى يصير على هيئة القفا وقيل انه بعد الطمس يردها إلى موضع القفا والقفا إلى مواضعها وهذا هو ألصق بالمعنى الذي يفيده قوله ) فنردها على أدبارها ( فإن قيل كيف جاز ان يهددهم بطمس الوجوه إن لم يؤمنوا ولم يفعل ذلك بهم فقيل انه لما آمن هؤلاء ومن اتبعهم رفع الوعيد عن الباقين وقال المبرد الوعيد باق منتظر وقال لا بد من طمس في اليهود ونسخ قبل يوم القيامة قوله ) أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ( الضمير عائد إلى أصحاب الوجوه قيل المراد باللعن هنا المسخ لأجل تشبيه بلعن أصحاب السبت وكان لعن السبت مسخهم قردة وخنازير وقيل المراد نفس اللعنة وهم ملعونه بكل لسان والمراد وقوع أحد الأمرين إما الطمس أو اللعن وقد وقع اللعن ولكنه يقوى الأول تشبيه هذا اللعن بلعن أهل السبت قوله ) وكان أمر الله مفعولا ( أي كائنا موجودا لا محالة أو يراد بالأمر المأمور والمعنى انه متى أراده كان كقوله أنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
النساء : ( 48 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( هذا الحكم يشمل جميع طوائف الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ولا يختص بكفار أهل الحرب لأن اليهود قالوا عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله وقالوا ثالث ثلاثة ولا خلاف بين المسلمين ان المشرك إذا مات على شركه لم يكن من أهل المغفرة التي تفضل الله بها على غير أهل الشرك حسبما تقتضيه مشيئته وأما غير أهل الشرك من عصاة المسلمين فداخلون تحت المشيئة يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء قال ابن جرير قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة في مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ما لم تكن كبيرته شركا بالله عز وجل وظاهره ان المغفرة منه سبحانه تكون


"""""" صفحة رقم 476 """"""
لمن اقتضته مشيئة تفضلا منه رحمة وإن لم يقع من ذلك المذنب توبة وقيد ذلك المعتزلة بالتوبة وقد تقدم قوله تعالى لا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وهي تدل على ان الله سبحانه يغفر سيئات من اجتنب الكبائر فيكون مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود وإذا كلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لوى لسانه وقال ارعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ثم طعن في الإسلام وعابه فانزل الله فيه ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) يحرفون الكلم عن مواضعه ( يعني يحرفون حدود الله في التوراة
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) يحرفون الكلم عن مواضعه ( قال تبديل اليهود التوراة ) ويقولون سمعنا وعصينا ( قالوا سمعنا ما تقول ولا نطيعك ) واسمع غير مسمع ( قال غير مقبول ما تقول ) ليا بألسنتهم ( قال خلافا يلوون به السنتهم ) واسمع وانظرنا ( قال أفهمنا لا تعجل علينا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن بن عباس في قوله ) واسمع غير مسمع ( قال يقولون اسمع لا سمعت وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال كلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رؤساء من أحبار اليهود منهم عبدالله بن صوريا وكعب بن أسد فقال لهم يا معشر اليهود اتقوا الله اسلموا فو الله إنكم لتعلمون ان الذي جئتكم به لحق فقالوا ما نعرف ذلك يا محمد وأنزل الله فيهم ) يا أيها الذين أوتوا الكتاب ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في وقوله ) من قبل أن نطمس وجوها ( قال طمسها ان تعمى ) فنردها على أدبارها ( يقول نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى ونجعل لأحدهم عينين في قفاه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) من قبل أن نطمس وجوها ( يقول عن صراط الحق ) فنردها على أدبارها ( قال في الضلالة وأخرج عبد الرزاق وابن أبي جرير وابن أبي حاتم عن الحسن مثله وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أيوب النصاري قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام قال وما دينه قال يصلى ويوحد الله قال استوهب منه دينه فإن أبى فابتعه منه فطلب الرجل منه ذلك فأبى عليه فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فقال وجدته شحيحا على دينه فنزلت ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية وأخرج ابن الضريس وأبو يعلى وابن المنذر وابن عدي بسند صحيح عن ابن عمر قال كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ( أن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء و قال إني ادخرت دعوتي وشفاعتي لأهل الكبائر من امتى فأمسكنا عن كثير مما كان في انفسنا ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال لما نزلت ) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( الآية قام رجل فقال والشرك يا نبي الله فكره ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية وأخرج ابن المنذر عن أبي مجلز ان سؤال هذا الرجل هو سبب نزول ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( وأخرج أبو داود في ناسخة وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في هذه الآية إن الله حرم المغفرة على من مات وهو كافر وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة وأخرج الترمذي وحسنه عن علي قال أحب آية إلي في القرآن ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية


"""""" صفحة رقم 477 """"""
النساء 49 - 55
النساء : ( 49 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ( تعجيب من حالهم وقد اتفق المفسرون على أن المراد اليهود وأختلفوا في المعنى الذي زكوا به أنفسهم فقال الحسن وقتادة هو قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقال الضحاك هو قولهم لا ذنوب لنا ونحن كالأطفال وقيل قولهم إن آباءهم يشفعون لهم وقيل ثناء بعضهم على بعض ومعنى التزكية التطهير ولتنزيه فلا يبعد صدقها على جميع هذه التفاسير وعلى غيرها واللفظ يتناول كل من زكى نفسه بحق أو بباطل من اليهود وغيرهم ويدخل في هذا التلقب بالألقاب المتضمنة للتزكية كمحي الدين وعز الدين ونحوهما قوله ) بل الله يزكي من يشاء ( أي لك إليه سبحانه فهو العالم بمن يستحق التزكية من عباده ومن لا يستحقها فليدع العباد تزكية أنفسهم ويفوضوا أمر ذلك إلى الله سبحانه فإن تزكيتهم لأنفسهم مجرد دعاوى فاسدة تحمل عليها محبة النفس وطلب العلو والترفع والتفاخر ومثل هذه الآية قوله تعالى ) فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ( قوله ) ولا تظلمون ( أي هؤلاء المزكون لأنفسهم ) فتيلا ( وهو الخيط الذي في نواة التمر وقيل القشرة التي حول النواة وقيل هو ما يخرج بين اصبعيك أو كفيك من الوسخ إذا فتلتهما فهو فتيل بمعنى مفتول والمراد هنا الكناية عن الشيء الحقير ومثله ) ولا يظلمون نقيرا ( وهو النكتة التي في ظهر النواة والمعنى ان هؤلاء الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم لأنفسهم بقدر هذا الذنب ولا يظلمون بالزيادة على ما يستحقون ويجوز أن يعود الضمير إلى ) من يشاء ( أي لا يظلم هؤلاء الذين يزكيهم الله فتيلا مما يستحقونه من الثواب
النساء : ( 50 ) انظر كيف يفترون . . . . .
ثم عجب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من تزكيتهم لأنفسهم فقال ) انظر كيف يفترون على الله الكذب ( في قولهم ذلك والافتراء الاختلاق ومنه افترى فلان على فلان أي رماه بما ليس فيه وفريت الشيء قطعته وفي قوله ) وكفى به إثما مبينا ( من تعظيم الذنب وتهويله ما لا يخفى
النساء : ( 51 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( هذا تعجيب من حالهم بعد التعجيب الأول وهم اليهود واختلف المفسرون في معنى الجبت فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية الجبت الساحر بلسان الحبشة والطاغوت الكاهن وروى عن عمر بن الخطاب ان الجبت السحر والطاغوت الشيطان وروى عن ابن مسعود ان الجبت والطاغوت ها هنا كعب بن الأشرف وقال قتادة الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن و روى عن مالك ان الطاغوت ما عبد دون الله والجبت الشيطان وقيل هما كل معبود من دون الله أو مطاع في معصية الله وأصل الجبت الجبس وهو الذي لا سير فيه فأبدلت التاء من السين قاله قطرب وقيل الجبت إبليس والطاغوت أولياؤه قوله ) ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (


"""""" صفحة رقم 478 """"""
أي يقول اليهود لكفار قريش أنتم أهدى من الذين آمنوا بمحمد سبيلا أي أقوم دنيا وأرشد طريقا
النساء : ( 52 ) أولئك الذين لعنهم . . . . .
وقوله ) أولئك ( إشارة إلى القائلين ) الذين لعنهم الله ( أي طردهم وأبعدهم من رحمته ) ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ( يدفع عنه ما نزل به من عذاب الله وسخطه
النساء : ( 53 ) أم لهم نصيب . . . . .
قوله ) أم لهم نصيب من الملك ( أم منقطعة والاستفهام للإنكار ويعني ليس لهم نصيب من الملك ) فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ( والفاء للسببية الجزائية لشرط محذوف أي ان جعل لهم نصيب من الملك فإذن لا يعطون الناس نقيرا منه لشدة بخلهم وقوة حسدهم وقيل المعنى بل لهم نصيب من الملك على ان معنى أم الإضراب عن الأول والاستئناف للثاني وقيل هي عاطفة على محذوف والتقدير أهم أولى بالنبوة ممن ارسلته أم لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس نقيرا والنقير النقرة في ظهر النواة وقيل ما نقر الرجل بإصبعه كما ينقر الأرض والنقير أيضا خشبة تنقر وينبذ فيها وقد نهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن النقير كما ثبت في الصحيحين وغيرهما والنقير الأصل يقال فلان كريم النقير أي كريم الأصل والمراد هنا المعنى الأول والمقصود به المبالغة في الحقارة كالقطمير والفتيل وإذن هنا ملغاة غير عاملة لدخول فاء العطف عليها ولو نصب لجاز قال سيبويه إذن في عوامل الأفعال بمنزلة أظن في عوامل الأسماء التي تلغى إذا لم يكن الكلام معتمدا عليها فإن كانت في أول الكلام وكان الذي بعدها مستقبلا نصبت
النساء : ( 54 ) أم يحسدون الناس . . . . .
قوله ) أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ( أم منقطعة مفيدة للانتقال عن توبيخهم بأمر إلى توبيخهم بآخر أي بل يحسدون الناس يعني اليهود يحسدون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقط أو يحسدونه هو وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله من النبوة والنصر وقهر الأعداء قوله ) فقد آتينا آل إبراهيم ( هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه أي ليس ما آتينا محمدا وأصحابه من فضلنا ببدع حتى يحسدهم اليهود على ذلك فهم يعلمون بما آتينا إبراهيم وهم اسلاف محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقد تقدم تفسير الكتاب والحكمة والملك العظيم قيل هو ملك سليمان واختاره ابن جرير
النساء : ( 55 ) فمنهم من آمن . . . . .
) فمنهم ( أي اليهود ) من آمن به ( أي بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ومنهم من صد عنه ( أي اعرض عنه وقيل الضمير في به راجع إلى ما ذكر من حديث آل إبراهيم وقيل الضمير راجع إلى إبراهيم والمعنى فمن آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ومنهم من صد عنه و قيل الضمير يرجع إلى الكتاب والأول أولى ) وكفى بجهنم سعيرا ( أي نارا مسعرة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال ان اليهود قالوا إن آباءنا قد توفوا وهم لنا قربة عند الله وسيشفعون لنا ويزكوننا فقال الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ( وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم يزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب وكذبوا قال الله إنى لا أظهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له ثم أنزل الله ) ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ( وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أن التزكية قولهم ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( ) وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ( وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله في قوله ) ولا يظلمون فتيلا ( قال الفتيل ما خرج من بين الأصبعين وفي لفظ آخر عنه هو أن تدلك بين أصبعيك فما خرج منهما فهو ذلك وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عنه قال النقير النقرة تكون في النواة التي نبتت منها النخلة والفتيل الذي يكون على شق النواة والقطمير القشر الذي يكون على النواة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال الفتيل الذي في الشق الذي في بطن النواة وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل عنه قال قدم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف مكة على قريش


"""""" صفحة رقم 479 """"""
فخالفوهم على قتال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا لهم أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب فأخبرونا عنا وعن محمد قالوا ما أنتم وما محمد قالوا ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونفك العناة ونسقي الحجيج ونصل الأرحام قالوا فما محمد قالوا صنبور أي فرد ضعيف قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار فقالوا لا بل أنتم خير منه وأهدى سبيلا فأنزل الله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ( الآية وأخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة مرسلا وقد روى عن ابن عباس وعن عكرمة بلفظ آخر وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن السدي عن أبي مالك وأخرج نحوه أيضا البيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبدالله وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن عكرمة قال الجبت والطاغوت صنمان وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر في تفسير الجبت والطاغوت ما قدمناه عنه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الجبت الأصنام والطاغوت الذي يكون بين يدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس و أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الجبت اسم الشيطان بالحبشية والطاغوت كهان العرب وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) أم لهم نصيب من الملك ( قال فليس لهم نصيب ولو كان لهم نصيب لم يؤتوا الناس نقيرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال النقير النقطة التي في ظهر النواة وأخرج ابن جرير وبن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال قال أهل الكتاب زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس له همة إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا فانزل الله هذه الآية ) أم يحسدون الناس ( إلى قوله ) ملكا عظيما ( يعني ملك سليمان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال الناس في هذا الموضع النبي خاصة وأخرج ابن جرير عن قتادة قال هم هذا الحي من العرب
النساء 56 - 57
النساء : ( 56 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ) بآياتنا ( الظاهر عدم تخصيص بعض الآيات دون بعض و ) سوف ( كلمة تذكر للتهديد قاله سيبويه وينوب عنها السين وقد تقدم معنى نصلي في أول السورة والمراد سوف ندخلهم نارا عظيمة وقرأ حميد بن قيس ) نصليهم ( بفتح النون قوله ) كلما نضجت جلودهم ( يقال نضج الشيء نضجا ونضاجا ونضج اللحم وفلان نضج الرأي أي محكمه والمعنى أنها كلما اخترقت جلودهم بدلهم الله جلودا غيرها أي أعطاهم مكان كل جلد محترق جلدا آخر غير محترق فإن ذلك ابلغ في العذاب للشخص لأن إحساسه لعمل النار في الجلد الذي لم يحترق أبلغ من إحساسه لعملها في الجلد المحترق وقيل المراد بالجلود السرابيل التي ذكرها في قوله ) سرابيلهم من قطران ( ولا موجب لترك المعنى الحقيقي ها هنا وإن جاز إطلاق الجلود على السرابيل مجازا كما في قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 480 """"""
كسا اللوم تيما خضرة في جلودها
فويل لتيم من سرابيلها الخضر
وقيل المعنى أعدنا الجلد الأول جديدا ويأبى ذلك معنى التبديل قوله ) ليذوقوا العذاب ( أي ليحصل لهم الذوف الكامل بذلك التبديل وقيل معناه ليدوم لهم العذاب ولا ينقطع ثم أتبع وصف حال الكفار بوصف حال المؤمنين
النساء : ( 57 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
وقد تقدم تفسير الجنات التي تجري من تحتها الأنهار قوله ) لهم فيها أزواج مطهرة ( أي من الأدناس التي تكون في نساء الدنيا والظل الظليل الكثيف الذي لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك وقيل هو مجموع ظل الأشجار والقصور وقيل الظل الظليل هو الدائم الذي لا يزول واشتقاق الصفة من لفظ الموصوف للمبالغة كما يقال ليل أليل
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله ) كلما نضجت جلودهم ( قال إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلودا بيضاء أمثال القراطيس وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عنه بسند ضعيف قال قريء عند عمر ) كلما نضجت جلودهم ( الآية فقال معاذ عندي تفسيرها تبدل في ساعة مائة مرة فقال عمر هكذا سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرجه أبو نعيم في الحلية وابن مردويه أن القائل كعب وأنه قال تبدل في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا واخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله ) ظلا ظليلا ( قال هو ظل العرش الذي لا يزول
النساء 58
النساء : ( 57 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس في جميع الأمانات وقد روى عن علي وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب أنها خطاب لولاة المسلمين والأول أظهر وورودها على سبب كما سيأتي لا ينافي ما فيها من العموم فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول وتدخل الولاة في هذا الخطاب دخولا أوليا فيجب عليهم تأدية ما لديهم من الأمانات ورد الظلامات وتحري العدل في أحكامهم ويدخل غيرهم من الناس في الخطاب فيجب عليهم رد ما لديهم من الأمانات والتحري في الشهادات والأخبار وممن قال بعموم هذا الخطاب البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب واختاره جمهور المفسرين ومنهم ابن جرير وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها الأبرار منهم والفجار كما قال ابن المنذر والأمانات جمع أمانة وهي مصدر بمعنى المفعول قوله ) وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ( أي وإن الله يأمركم إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل والعدل هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) لا الحكم بالرأي المجرد فإن ذلك ليس من الحق في شيء إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنة رسوله فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم بحكم الله سبحانه وبما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص وأما الحاكم الذي لا يدري بحكم الله ورسوله ولا بما هو أقرب إليهما فهو لا يدري ما هو العدل لأنه لا يعقل الحجة إذا جاءته فضلا عن أن يحكم بها بين عباد الله قوله ) نعما ( ما موصوفة أو موصولة وقد قدمنا البحث في مثل ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما فتح مكة وقبض مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة فنزل جبريل عليه السلام برد المفتاح فدعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عثمان بن طلحة


"""""" صفحة رقم 481 """"""
ورده إليه وقرأ هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن ابن جريج أن هذه الآية نزلت في عثمان بن طلحة لما قبض منه ( صلى الله عليه وسلم ) مفتاح الكعبة فدعاه ودفعه إليه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة عن علي قال حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك ) وقد ثبت في الصحيح أن من خان إذا أؤتمن ففيه خصلة من خصال النفاق
النساء 59
النساء : ( 59 ) يا أيها الذين . . . . .
لما أمر سبحانه القضاة والولاة إذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالحق أمر الناس بطاعتهم ها هنا وطاعة الله عز وجل هي امتثال أوامره ونواهيه وطاعة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) هي فيما أمر به ونهى عنه وأولي الأمر هم الأئمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية والمراد طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم تكن معصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الله كما ثبت ذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال جابر بن عبدالله ومجاهد إن أولى الأمر هم أهل القرآن والعلم وبه قال مالك والضحاك وروى عن مجاهد أنهم أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال ابن كيسان هم أهل العقل والرأي والراجح القول الأول قوله ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( المنازعة المجاذبة والنزع الجذب كأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويجذبها والمراد الاختلاف والمجادلة وظاهر قوله ) في شيء ( يتناول أمور الدين والدنيا ولكنه لما قال ) فردوه إلى الله والرسول ( تبين به أن الشيء المتنازع فيه يختص بأمور الدين دون أمور الدنيا والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه العزيز والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته المطهرة بعد موته وأما في حياته فالرد إليه سؤاله هذا معنى الرد إليهما وقيل معنى الرد أن يقولوا الله أعلم وهو قول ساقط وتفسير بارد وليس الرد في هذه الآية إلا الرد المذكور في قوله تعالى ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( قوله ) إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( فيه دليل على أن هذا الرد متحتم على المتنازعين وإنه شأن من يؤمن بالله واليوم الآخر والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الرد المأمور به ) خير ( لكم ) وأحسن تأويلا ( أي مرجعا من الأول آل يؤول إلى كذا أي صار إليه والمعنى أن ذلك الرد خير لكم وأحسن مرجعا ترجعون إليه ويجوز أن يكون المعنى أن الرد أحسن تأويلا من تأويلكم الذي صرتم إليه عند التنازع
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس في قوله ) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( قال نزلت في عبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في سرية وقصته معروفة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء في الآية قال طاعة الله والرسول اتباع الكتاب والسنة ) وأولي الأمر ( قال أولي الفقه والعلم وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال ) وأولي الأمر منكم ( هم الأمراء وفي لفظ هم أمراء السرايا وأخرج


"""""" صفحة رقم 482 """"""
ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جابر بن عبدالله في قوله ) وأولي الأمر منكم ( قال أهل العلم وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي العالية نحوه أيضا واخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( قال إلى كتاب الله وسنة رسوله ثم قرأ ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ميمون بن مهران في الآية قال الرد إلى الله الرد إلى كتابه والرد إلى رسوله ما دام حيا فإذا قبض فإلى سنته وأخرج ابن جرير عن قتادة والسدي مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ذلك خير وأحسن تأويلا ( يقول ذلك أحسن ثوابا وخير عاقبة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وأحسن تأويلا ( قال وأحسن جزاء وقد وردت أحاديث كثيرة في طاعة الأمراء ثابتة في الصحيحين وغيرهما مقيدة بأن يكون ذلك في المعروف وأنه لا طاعة في معصية الله
النساء 60 65
النساء : ( 60 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين يزعمون ( فيه تعجيب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من حال هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم أنهم قد جمعوا بين الإيمان بما أنزل على رسول الله وهو القرآن وما أنزل على من قبله من الأنبياء فجاءوا بما ينقض عليهم هذه الدعوى ويبطلها من أصلها ويوضح أنهم ليسوا على شيء من ذلك أصلا وهو إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت وقد أمروا فيما أنزل على رسول الله وعلى من قبله أن يكفروا به وسيأتي بيان سبب نزول الآية وبه يتضح معناها وقد تقدم تفسير الطاغوت والاختلاف في معناه قوله ) ويريد الشيطان ( معطوف على قوله ) يريدون ( والجملتان مسوقتان لبيان محل التعجب كأنه قيل ماذا يفعلون فقيل يريدون كذا ويريد الشيطان كذا وقوه ) ضلالا ( مصدر للفعل المذكور بحذف الزوائد كقوله ) والله أنبتكم من الأرض نباتا ( أو مصدر


"""""" صفحة رقم 483 """"""
لفعل محذوف دل عليه الفعل المذكور والتقدير ويريد الشيطان أن يضلهم فيضلون ضلالا
النساء : ( 61 ) وإذا قيل لهم . . . . .
والصدود اسم للمصدر وهو الصد عند الخليل وعند الكوفيين أنهما مصدران أي يعرضون عنك إعراضا
النساء : ( 62 ) فكيف إذا أصابتهم . . . . .
قوله ) فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ( بيان لعاقبة أمرهم وما صار إليه حالهم أي كيف يكون حالهم ) إذا أصابتهم مصيبة ( أي وقت إصابتهم فإنهم يعجزون عند ذلك ولا يقدرون على الدفع والمراد ) بما قدمت أيديهم ( ما فعلوه من المعاصي التي من جملتها التحاكم إلى الطاغوت ) ثم جاؤوك ( يعتذرون عن فعلهم وهو عطف على ) أصابتهم ( وقوله ) يحلفون ( حال أي جاءوك حال كونهم حالفين ) إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ( أي ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان لا الإساءة والتوفيق بين الخصمين لا المخالفة لك وقال ابن كيسان معناه ما أردنا إلا عدلا وحقا مثل قوله ) وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى )
النساء : ( 63 ) أولئك الذين يعلم . . . . .
فكذبهم الله بقوله ) أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ( من النفاق والعدواة للحق قال الزجاج معناه قد علم الله أنهم منافقون ) فأعرض عنهم ( أي عن عقابهم وقيل عن قبول اعتذارهم ) وعظهم ( أي خوفهم من النفاق ) وقل لهم في أنفسهم ( أي في حق أنفسهم وقيل معناه قل لهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم ) قولا بليغا ( أي بالغا في وعظهم إلى المقصود مؤثرا فيهم وذلك بأن توعدهم بسفك دمائهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم
النساء : ( 64 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من رسول ( من زائدة للتوكيد ) إلا ليطاع ( فيما أمر به ونهى عنه ) بإذن الله ( بعلمه وقيل بتوفيقه ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ( بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك ) جاؤوك ( متوسلين إليك منتصلين عن جناياتهم ومخالفتهم ) فاستغفروا الله ( لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعا لهم فاستغفرت لهم وإنما قال ) واستغفر لهم الرسول ( على طريقة الالتفات لقصد التفخيم لشأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) لوجدوا الله توابا رحيما ( أي كثير التوبة عليهم والرحمة لهم
النساء : ( 65 ) فلا وربك لا . . . . .
قوله ) فلا وربك ( قال ابن جرير قوله ) فلا ( رد على ما تقدم ذكره تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ثم استأنف القسم بقوله ) وربك لا يؤمنون ( وقيل إنه قدم ) لا ( على القسم اهتماما بالنفي وإظهارا لقوته ثم كرره بعد القسم تأكيدا وقيل لا مزيدة لتأكيد معنى القسم لا لتأكيد معنى النفي والتقدير فوربك لا يؤمنون كما في قوله ) فلا أقسم بمواقع النجوم ( ) حتى يحكموك ( أي يجعلوك حكما بينهم في جميع أمورهم لا يحكمون أحدا غيرك وقيل معناه يتحاكمون إليك ولا ملجيء لذلك ) فيما شجر بينهم ( أي اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لاختلاف أغصانه ومنه قول طرفة وهم الحكام أرباب الهدى
وسعاة الناس في الأمر الشجر
أي المختلف ومنه تشاجر الرماح أي اختلافها ) ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ( قيل هو معطوف على مقدر ينساق إليه الكلام أي فتقضي بينهم ثم لا يجدوا والحرج الضيق وقيل الشك ومنه قيل للشجر الملتف حرج وحرجة وجمعها حراج وقيل الحرج الإثم أي لا يجدون في أنفسهم إثما بإنكارهم ما قضيت ) ويسلموا تسليما ( أي ينقادوا لأمرك وقضائك انقيادا لا يخالفونه في شيء قال الزجاج ) تسليما ( مصدر مؤكد أي ويسلمون لحكمك تسليما لا يدخلون على أنفسهم شكا ولا شبهة فيه والظاهر أن هذا شامل لكل فرد في كل حكم كما يؤيد ذلك قوله ) وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ( فلا يختص بالمقصودين بقوله ) يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ( وهذا في حياته ( صلى الله عليه وسلم ) وأما بعد موته فتحكيم الكتاب والسنة وتحكيم الحاكم بما فيهما من الأئمة والقضاة إذا كان لا يحكم بالرأي المجرد مع وجود الدليل في الكتاب والسنة أو في أحدهما وكان يعقل ما يرد عليه من حجج الكتاب والسنة بأن يكون عالما باللغة العربية وما يتعلق بها من نحوه وتصريف ومعاني وبيان


"""""" صفحة رقم 484 """"""
عارفا بما يحتاج إليه من علم الأصول بصيرا بالسنة المطهرة مميزا بين الصحيح وما يلحق به والضعيف وما يلحق به منصفا غير متعصب لمذهب من المذاهب ولا لنحلة من النحل ورعا لا يحيف ولا يميل في حكمه فمن كان هكذا فهو قائم في مقام النبوة مترجم عنها حاكم بأحكامها وفي هذا الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود وترجف له الأفئدة فإنه أولا اقسم سبحانه بنفسه مؤكدا لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله حتى تحصل لهم غاية هي تحكيم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال ) ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ( فضم إلى التحكيم أمرا آخر هو عدم وجود حرج أي حرج في صدورهم فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافيا حتى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان وانثلاج قلب وطيب نفس ثم لم يكتف بهذا كله بل ضم إليه قوله ) ويسلموا ( أي يذعنوا وينقادوا ظاهرا وباطنا ثم لم يكتف بذلك بل ضم إليه المصدر المؤكد فقال ) تسليما ( فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ولا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه ويسلم لحكم الله وشرعه تسليما لا يخالطه رد ولا تشوبه مخالفة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند قال السيوطي صحيح عن ابن عباس قال كان برزة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله ) ألم تر إلى الذين يزعمون ( الآية وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال كان الجلاس بن الصامت قبل توبته ومعقب بن قشير ورافع بن زيد كانوا يدعون الإسلام فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية فنزلت الآية المذكورة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ( قال الطاغوت رجل من اليهود كان يقال له كعب بن الأشرف وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم قالوا بل نحاكمكم إلى كعب فنزلت الآية وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن عبدالله بن الزبير أن الزبير خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في شراج من الحرة وكانا يسقيان به كلاهما النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال يا رسول الله آن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك واستوعى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للزبير حقه وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري فلما أحفظ رسول الله الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك ) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن الأسود أن سبب نزول الآية أنه اختصم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجلان فقضى بينهما فقال المقضي عليه ردنا إلى عمر فردهما فقتل عمر الذي قال ردنا ونزلت الآية فأهدر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دم المقتول وأخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن مكحول فذكر نحوه وبين أن الذي قتله عمر كان منافقا وهما مرسلان والقصة غريبة وابن لهيعة فيه ضعف
النساء 66 - 70


"""""" صفحة رقم 485 """"""
النساء : ( 66 ) ولو أنا كتبنا . . . . .
( لو ) حرف امتناع وأن مصدرية أو تفسيرية لأن ( كتبنا ) في معنى أمرنا والمعنى أن الله سبحانه لو كتب القتل والخروج من الديار على هؤلاء الموجودين من اليهود ما فعله إلا القليل منهم أو لو كتب ذلك على المسلمين ما فعله إلا القليل منهم والضمير في قوله ) فعلوه ( راجع إلى المكتوب الذي دل عليه كتبنا أو إلى القتل والخروج المدلول عليهما بالفعلين وتوحيد الضمير في مثل هذا قد قدمنا وجهه قوله ) إلا قليل ( قرأه الجمهور بالرفع على البدل وقرأ عبدالله بن عامر وعيسى بن عمر ) إلا قليلا ( بالنصب على الاستثناء وكذا هو في مصاحف أهل الشام والرفع أجود عند النحاة قوله ) ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ( من اتباع الشرع والانقياد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لكان ( ذلك ) خيرا لهم ( في الدنيا والآخرة ) وأشد تثبيتا ( لأقدامهم على الحق فلا يضطربون في أمر دينهم
النساء : ( 67 ) وإذا لآتيناهم من . . . . .
) وأذن ( أي وقت فعلهم لما يوعظون به ) لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما
النساء : ( 68 ) ولهديناهم صراطا مستقيما
ولهديناهم صراطا مستقيما ( لا عوج فيه ليصلوا إلى الخير الذي يناله من امتثل ما أمر به وانقاد لمن يدعوه إلى الحق
النساء : ( 69 ) ومن يطع الله . . . . .
قوله ) ومن يطع الله والرسول ( كلام مستأنف لبيان فضل طاعة الله والرسول والإشارة بقوله ) فأولئك ( إلى المطيعين كما تفيده من ) مع الذين أنعم الله عليهم ( بدخول الجنة والوصول إلى ما أعد الله لهم والصديق المبالغ في الصدق كما تفيده الصيغة وقيل هم فضلاء أتباع الأنبياء والشهداء من ثبتت لهم الشهادة والصالحين أهل الأعمال الصالحة والرفيق مأخوذ من الرفق وهو لين الجانب والمراد به المصاحب لارتفاقك بصحبته ومنه الرفقة لارتفاق بعضهم ببعض وهو منتصب على التمييز أو الحال كما قال الأخفش
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ( هم يهود كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سفيان أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وقد روى من طرق أن جماعة من الصحابة قالوا لما نزلت الآية لو فعل ربنا لفعلنا أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وأخرجه ابن أبي حاتم عن عامر بن عبدالله بن الزبير وأخرجه أيضا عن شريح بن عبيد وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والضياء المقدسي في صفة الجنة وحسنه عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى نزل جبريل بهذه الآية ) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ( الآية وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس نحوه
النساء 71 - 76


"""""" صفحة رقم 486 """"""
النساء : ( 71 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( هذا خطاب لخلص المؤمنين وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل الله والحذر والحذر لغتان كالمثل والمثل قال الفراء أكثر الكلام الحذر والحذر مسموع أيضا يقال خذ حذرك أي إحذر وقيل معنى الآية الأمر لهم بأخذ السلاح حذرا لأن به الحذر قوله ( فأنفروا ) نفر ينفر بكسر الفاء نفيرا ونفرت الدابة تنفر بضم الفاء نفورا والمعنى انهضوا لقتال العدو أو النفير اسم للقوم الذين ينفرون وأصله من النفار والنفور وهو الفزع ومنه قوله تعالى ) ولوا على أدبارهم نفورا ( أي نافرين قوله ) ثبات ( جمع ثبة أي جماعة والمعنى انفروا جماعات متفرقات قوله ) أو انفروا جميعا ( أي مجتمعين جيشا واحدا ومعنى الآية الأمر لهم بأن ينفروا على أحد الوصفين ليكون ذلك أشد على عدوهم وليأمنوا من أن يتخطفهم الأعداء إذا نفر كل واحد منهم وحده أو نحو ذلك وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ) انفروا خفافا وثقالا ( وبقوله إن لاتنفروا يعذبكم والصحيح أن الآيتين جميعا محكمتان أحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى نفور الجميع والأخرى عند الاكتفاء بنفور البعض دون البعض
النساء : ( 72 ) وإن منكم لمن . . . . .
قوله ) وإن منكم لمن ليبطئن ( التبطئة والإبطاء التأخر والمراد المنافقون كانوا يقعدون عن الخروج ويقعدون غيرهم والمعنى أن من دخلائكم وجنسكم ومن أظهر إيمانه لكم نفاقا من يبطيء المؤمنين ويثبطهم واللام في قوله ) لمن ( لام توكيد وفي قوله ) ليبطئن ( لام جواب القسم و ( من ) في موضع نصب وصلتها الجملة وقرأ مجاهد والنخعي والكلبي ) ليبطئن ( بالتخفيف ) فإن أصابتكم مصيبة ( من قتل أو هزيمة أو ذهاب مال قال هذا المنافق قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم حتى يصيبني ما اصابهم
النساء : ( 73 ) ولئن أصابكم فضل . . . . .
) ولئن أصابكم فضل من ( غنيمة أو فتح ) ليقولن ( هذا المنافق قول نادم حاسد ) يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ( قوله ) كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ( جملة معترضة بين الفعل الذي هو ليقولون وبين مفعوله وهو ) يا ليتني ( وقيل في الكلام تقديما وتأخيرا وقيل المعنى ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة أي كأن لم يعاقدكم على الجهاد وقيل هو موضع نصب على الحال وقرأ الحسن ) ليقولن ( بضم اللام على معنى من وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ) كأن لم تكن ( بالتاء على الفظ المودة قوله ) فأفوز ( بالنصب على


"""""" صفحة رقم 487 """"""
جواب التمنى قرأ الحسن ) فأفوز ( بالرفع
النساء : ( 74 ) فليقاتل في سبيل . . . . .
قوله ) فليقاتل في سبيل الله ( هذا أمر للمؤمنين وقدم الظرف على الفاعل للاهتمام به و ) الذين يشرون ( معناه يبيعون وهم المؤمنون والفاء في قوله ) فليقاتل ( جواب الشرط مقدر أي إن لم يقاتل هؤلاء المذكورون سابقا الموصوفون بأن منهم لمن ليبطئن فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم البائعون للحياة الدنيا بالآخرة ثم وعد المقاتلين في سبيل الله بأنه سيؤتيهم أجرا عظيما لا يقادر قدره وذلك أنه إذا قتل فاز بالشهادة التي هي أعلى درجات الأجور وإن غلب وظفر كان له أجر من قاتل في سبيل الله مع ما قد ناله من العلو في الدنيا والغنيمة وظاهر هذا يقتضي التسوية بين من قتل شهيدا أو انقلب غانما وربما يقال إن التسوية بينهما إنما هي في إيتاء الأجر العظيم ولا يلزم أن يكون أجرهما مستويا فإن كون الشيء عظيما هو من الأمور النسبية التي يكون بعضهما عظيما بالنسبة إلى ما هو دونه وحقيرا بالنسبة إلى ما هو فرقه
النساء : ( 75 ) وما لكم لا . . . . .
قوله ) وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ( خطاب للمؤمنين المأمورين بالقتال على طريق الالتفات قوله ) المستضعفين ( مجرور عطفا على الإسم الشريف أي ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وسبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد ويجوز أن يكون منصوبا على الاختصاص أي وأخص المستضعفين فإنهم من أعظم ما يصدق عليه سبيل الله واختار الأول الزجاج والأزهري وقال محمد بن يزيد أختار أن يكون المعنى وفي المستضعفين فيكون عطفا على السبيل والمراد بالمستضعفين هنا من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال الكفار وهم الذين كان يدعو لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيقول ( اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين ) كما في الصحيح ولا يبعد أن يقال إن لفظ الآية أوسع والإعتبار بعموم اللفظ لولا تقييده بقوله ) الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ( فإنه يشعر باختصاص ذلك بالمستضعفين الكائنين في مكة لأنه قد أجمع المفسرون على ان المراد بالقرية الظالم أهلها مكة قوله ) من الرجال والنساء والولدان ( بيان للمستضعفين
النساء : ( 76 ) الذين آمنوا يقاتلون . . . . .
قوله ) الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ( هذا ترغيب للمؤمنين وتنشيط لهم بأن قتالهم لهذا المقصد لا لغيره ) والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ( أي سبيل الشيطان أو الكهان أو الأصنام وتفسير الطاغوت هنا الشيطان أولى لقوله ) فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( أي مكره ومكر من اتبعه من الكفار
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فانفروا ثبات ( قال عصبا يعني سرايا متفرقين ) أو انفروا جميعا ( يعني كلكم وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه قال في سورة النساء ) خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ( نسختها ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ثبات ( أي فرقا قليلا وأخرج عن قتادة في قوله ) أو انفروا جميعا ( أي إذا نفر نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) فليس لأحد أن يتخلف عنه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن منكم لمن ليبطئن ( إلى قوله ) فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( ما بين ذلك في المنافقين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في الآية قال هو فيما بلغنا عبدالله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) فليقاتل ( يعني يقاتل المشركين ) في سبيل الله ( في طاعة الله ) ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل ( يعني يقتله العدو ) أو يغلب ( يعني يغلب العدو من المشركين ) فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( يعني جزاء وافرا في الجنة فجعل القاتل والمقتول من المسلمين في جهاد المشركين شريكين في الأجر وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) في سبيل الله والمستضعفين ( قال وفي المستضعفين وأخرج ابن جرير عن الزهري قال وسبيل المستضعفين


"""""" صفحة رقم 488 """"""
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من طريق العوفي قال المستضعفون أناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا منها وأخرج البخاري عنه قال ( أنا وأمي من المستضعفين ) وأخرج ابن جرير عنه قال القرية الظالم أهلها مكة وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إذا رأيتم الشيطان فلا تخافوه واحملوا عليه ) إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( قال مجاهد كان الشيطان يتراءى لي في الصلاة فكنت أذكر قول ابن عباس فأحمل عليه فيذهب عني
النساء 77 - 81 81
النساء : ( 77 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ( الآية قيل هم جماعة من الصحابة أمروا بترك القتال في مكة بعد أن تسرعوا إليه فلما كتب عليهم بالمدينة تثبطوا عن القتال من غير شك في الدين بل خوفا من الموت وفرقا من هول القتل وقيل إنها نزلت في اليهود وقيل في المنافقين أسلموا قبل فرض القتال فلما فرض كرهوه وهذا أشبه بالسياق لقوله ) وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ( وقوله ) وإن تصبهم حسنة ( الآية ويبعد صدور مثل هذا من الصحابة قوله ) كخشية الله ( صفة مصدر محذوف أي خشية كخشية الله أو حال أي تخشونهم مشبهين أهل خشية الله والمصدر مضاف إلى المفعول أي كخشيتهم الله وقوله ) أو أشد خشية ( معطوف على كخشية الله في محل جر أو معطوف على الجار والمجرور جميعا فيكون في محل الحال كالمعطوف عليه وأو للتنويع على معنى أن خشية بعضهم كخشية الله وخشية بعضهم أشد منها قوله ) وقالوا ( عطف على ما يدل عليه قوله ) إذا فريق منهم ( أي فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس ) وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا ( أي هلا أخرتنا يريدون المهلة إلى وقت آخر قريب من الوقت الذي فرض عليهم فيه القتال فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم فقال ) قل متاع الدنيا قليل ( سريع الفناء لا يدوم لصاحبه وثواب الآخرة خير لكم من المتاع القليل ) لمن اتقى ( منكم ورغب في الثواب الدائم ) ولا تظلمون فتيلا ( أي شيئا حقيرا يسيرا وقد تقدم تفسير الفتيل قريبا وإذا كنتم توفرون أجوركم ولا تنقصون شيئا منها فكيف ترغبون عن ذلك وتشتغلون بمتاع


"""""" صفحة رقم 489 """"""
الدنيا مع قلته وانقطاعه
النساء : ( 78 ) أينما تكونوا يدرككم . . . . .
وقوله ) أينما تكونوا يدرككم الموت ( كلام مبتدأ وفيه حث لمن قعد عن القتال خشية الموت وبيان لفساد ما خالطه من الجبن وخامره من الخشية فإن الموت إذا كان كائنا لا محالة فمن لم يمت بالسيف مات بغيره
والبروج جمع برج وهو البناء المرتفع والمشيدة المرفعة من شاد القصر إذا رفعه وطلاه بالشيد وهو الجص وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه
وقد اختلف في هذه البروج ما هي فقيل الحصون التي في الأرض وقيل هي القصور قال الزجاج والقتيبي ومعنى مشيدة مطولة وقيل معناه مطلية بالشيد وهو الجص وقيل المراد بالبروج بروج في سماء الدنيا مبنية حكاه مكي عن مالك وقال ألا ترى إلى قوله ) والسماء ذات البروج ( ) جعل في السماء بروجا ( ) ولقد جعلنا في السماء بروجا ( وقيل إن المراد بالبروج المشيدة هنا قصور من حديد وقرأ طلحة بن سليمان ) يدرككم الموت ( بالرفع على تقدير الفاء كما في قوله
وقال رائدهم ارسوا نزاولها
قوله ) وإن تصبهم حسنة ( هذا وما بعده مختص بالمنافقين أي إن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله تعالى وإن تصبهم بلية ونقمة نسبوها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرد الله ذلك عليهم بقوله ) قل كل من عند الله ( ليس كما تزعمون ثم نسبهم إلى الجهل وعدم الفهم فقال ) فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ( أي ما بالهم هكذا
النساء : ( 79 ) ما أصابك من . . . . .
قوله ) ما أصابك من حسنة فمن الله ( هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس أو لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعريضا لأمته أي ما أصابك من خصب ورخاء وصحة وسلامة فمن الله بفضله ورحمته وما أصابك من جهد وبلاء وشدة فمن نفسك بذنب أتيته فعوقبت عليه وقيل إن هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثا أي فيقولون ما أصابك من حسنة فمن الله وقيل إن ألف الاستفهام مضمرة أي أفمن نفسك ومثله قوله تعالى ) وتلك نعمة تمنها علي ( والمعنى اوتلك نعمة ومثله قوله ) فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي ( أي أهذا ربي ومنه قول أبي خراش الهذلي
رموني وقالوا يا خويلد لم ترع
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أي أهم هم وهذا خلاف الظاهر وقد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد هذه الآية كقوله تعالى ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ( وقوله ) أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ( وقد يظن أن قوله ) وما أصابك من سيئة فمن نفسك ( مناف لقوله ) قل كل من عند الله ( ولقوله ) وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله ( وقوله ) ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( وقوله ) وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ( وليس الأمر كذلك فالجمع ممكن كما هو مقرر في مواطنه قوله ) وأرسلناك للناس رسولا ( فيه البيان لعموم رسالته ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الجميع كما يفيده التأكيد بالمصدر والعموم في الناس ومثله قوله ) وما أرسلناك إلا كافة للناس ( وقوله ) يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( ) وكفى بالله شهيدا ( على ذلك
النساء : ( 80 ) من يطع الرسول . . . . .
قوله ) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( فيه أن طاعة الرسول طاعة الله وفي هذا من النداء بشرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلو شأنه وارتفاع مرتبته ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه ووجهه أن الرسول لا يأمر إلا بما أمر الله به ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه ) ومن تولى ( أي أعرض ) فما أرسلناك عليهم حفيظا ( أي حافظا لأعمالهم إنما عليك البلاغ وقد نسخ هذا بآية السيف
النساء : ( 81 ) ويقولون طاعة فإذا . . . . .
) ويقولون طاعة ( بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي أمرنا طاعة أو شأننا طاعة وقرأ الحسن والجحدري ونصر بن عاصم بالنصب على المصدر أي نطيع طاعة وهذه في المنافقين في قول أكثر المفسرين أي يقولون إذا كانوا عندك طاعة ) فإذا برزوا من عندك ( أي خرجوا من عندك ) بيت طائفة منهم ( أي زورت طائفة من هؤلاء القائلين غير الذي تقول


"""""" صفحة رقم 490 """"""
لهم أنت وتأمرهم به أو غير الذي تقول لك هي من الطاعة لك وقيل معناه غيروا وبدلوا وحرفوا قولك فيما عهدت إليهم والتبييت التبديل ومنه قول الشاعر أتوني فلم أرض ما بيتوا
وكانوا أتوني بأمر نكر
يقال بيت الرجل الأمر إذا دبره ليلا ومنه قوله تعالى ) إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ( ) والله يكتب ما يبيتون ( أي يثبته في صحائف أعمالهم ليجازيهم عليه وقال الزجاج المعنى ينزله عليك في الكتاب قوله ) فأعرض عنهم ( أي دعهم وشأنهم حتى يمكن الانتقام منهم وقيل معناه لا تخبر بأسمائهم وقيل معناه لا تعاقبهم ثم أمره بالتوكل عليه والثقة به في النصر على عدوه قيل وهذا منسوخ بآية السيف
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه و البيهقي في سننه عن ابن عباس ان عبدالرحمن ابن عوف وأصحابا له أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة فقال اني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله ) ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في تفسير الآية نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أنها نزلت في اليهود وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) فلما كتب عليهم القتال إذا فريق ( الآية قال نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في قوله ) إلى أجل قريب ( قال هو الموت وأخرجا نحوه عن ابن جريج واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) في بروج مشيدة ( قال في قصور محصنة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة نحوه واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال هي قصور في السماء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سفيان نحوه واخرج عبدالرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وإن تصبهم حسنة ( يقول نعمة ) وإن تصبهم سيئة ( قال مصيبة ) قل كل من عند الله ( قال النعم والمصائب واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) وإن تصبهم حسنة ( قال هذه في السراء والضراء وفي قوله ) ما أصابك من حسنة ( قال هذه في الحسنات والسيئات وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) قل كل من عند الله ( يقول الحسنة والسيئة من عند الله أما الحسنة فأنعم بها عليك وأما السيئة فابتلاك بها وفي قوله ) وما أصابك من سيئة ( قال ما أصابه يوم أحد ان شج وجهه وكسرت رباعيته وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عنه في قوله ) وما أصابك من سيئة فمن نفسك ( قال هذا يوم أحد يقول ما كانت من نكبة فبذنبك وأنا قدرت ذلك وأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد أن عباس كان يقرا وما اصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك قال مجاهد وكذلك قراءة أبي وابن مسعود وأخرج نحو قول مجاهد هذا ابن الأنباري في المصاحف وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) ويقولون طاعة ( قال هم أناس كانوا يقولون عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آمنا بالله ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم ) فإذا برزوا ( من عند رسول الله ) بيت طائفة منهم ( يقول خالفوا إلى غير ما قالوا عنده فعابهم الله وأخرج ابن جرير عنه قال غير أولئك ما قاله النبي ( صلى الله عليه وسلم )
النساء 82


"""""" صفحة رقم 491 """"""
النساء 83
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
الهمزة في قوله ) أفلا يتدبرون ( للإنكار والفاء للعطف على مقدر أي أيعرضون عن القرآن فلا يتدبرونه يقال تدبرت الشيء تفكرت في عاقبته وتأملته ثم استعمل في كل تأمل والتدبير أن يدبر الإنسان أمره كأنه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته ودلت هذه الآية وقوله تعالى ) أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ( على وجوب التدبر للقرآن ليعرف معناه والمعنى أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفا غير مختلف صحيح المعاني قوي المباني بالغا في البلاغة إلى أعلى درجاتها ) ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( أي تفاوتا وتناقضا ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات والسور لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت وعدم المطابقة للواقع وهذا شأن كلام البشر لا سيما إذا طال وتعرض قائله للإخبار بالغيب فإنه لا يوجد منه صحيحا مطابقا للواقع إلا القليل النادر
النساء : ( 83 ) وإذا جاءهم أمر . . . . .
قوله ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ( يقال أذاع الشيء وأذاع به إذا أفشاه وأظهره وهؤلاء هم جماعة من ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئا من أمر المسلمين فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم أو فيه خوف نحو هزيمة المسلمين وقتلهم أفشوه وهم يظنون انه لا شيء عليهم في ذلك قوله ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ( وهم أهل العلم والعقول الراجحة الذين يرجعون إليهم في أمورهم أو هم الولاة عليهم ) لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( أي يستخرجونه بتدبيرهم وصحة عقولهم والمعنى أنهم لو تركوا الإذاعة للأخبار حتى يكون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو الذي يذيعها أو يكون أولى الأمر منهم هم الذين يتولون ذلك لأنهم يعلمون ما ينبغي أن يفشي وما ينبغي أن يكتم والاستنباط مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته والنبط الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر عند حفرها وقيل إن هؤلاء الضعفة كانوا يسمعون إرجافات المنافقين على المسلمين فيذيعونها فتحصل بذلك المفسدة قوله ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ( أي لولا ما تفضل الله به عليكم من إرسال رسوله وإنزال كتابه لا تبعتم الشيطان فبقيتم على كفركم إلا قليلا منكم أو إلا اتباعا قليلا منكم وقيل المعنى أذاعوا به إلا قليلا منهم فإنه لم يذع ولم يفش قاله الكسائي والأخفش والفراء وأبو عبيدة وأبو حاتم وابن جرير وقيل المعنى لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا منهم قاله الزجاج
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ) ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( يقول إن قول الله لا يختلف وهو حق ليس فيه باطل وإن قول الناس يختلف وأخرج عبد ابن حميد ومسلم وابن أبي حاتم من طريق ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال لما اعتزل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نساءه دخلت المسجد فوجدت الناس ينكتون بالحصا ويقولون طلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نساءه فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه ونزلت هذه الآية ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال هذا في الإخبار إذا غزت


"""""" صفحة رقم 492 """"""
سرية من المسلمين أخبر الناس عنها فقالوا أصاب المسلمين من عدوهم كذا وكذا وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا فأفشوه بينهم من غير أن يكون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو يخبرهم به وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ) وإذا جاءهم ( قال هم أهل النفاق واخرج ابن جرير عن أبي معاذ مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ( قال فانقطع الكلام وقوله ) إلا قليلا ( فهو في أول الآية يخبر عن المنافقين قال ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ( يعني بالقليل المؤمنين
النساء 84 - 8
النساء : ( 84 ) فقاتل في سبيل . . . . .
الفاء في قوله ) فقاتل ( قيل هي متعلقة بقوله ) ومن يقاتل في سبيل الله ( الخ أي من أجل هذا فقاتل وقيل متعلقة بقوله ) وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ( فقاتل وقيل هي جواب شرط محذوف يدل عليه السياق تقديره إذا كان الأمر ما ذكر من عدم طاعة المنافقين فقاتل أو إذا أفردوك وتركوك فقاتل قال الزجاج أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالجهاد وإن قاتل وحده لأنه قد ضمن له النصر قال ابن عطية هذا ظاهر اللفظ إلا أنه لم يجيء في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة فالمعنى والله أعلم انه خطاب له في اللفظ وفي المعنى له ولأمته أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك يقال له ) فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ( أي لا تكلف غير نفسك ولا تلزم فعل غيرك وهو استئناف مقرر لما قبله لأن اختصاص تكليفه بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده وقريء لاتكلف بالجزم على النهي وقرئ بالنون قوله ) وحرض المؤمنين ( أي حضهم على القتال والجهاد يقال حرضت فلانا على كذا إذا أمرته به وحارض فلان على الأمر وأكب عليه وواظب عليه بمعنى واحد قوله ) عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ( فيه إطماع للمؤمنين بكف بأس الذين كفروا عنهم والاطماع من الله عز وجل واجب فهو وعد منه سبحانه ووعده كائن لا محالة ) والله أشد بأسا ( أي أشد صولة وأعظم سلطانا ) وأشد تنكيلا ( أي عقوبة يقال نكلت بالرجل تنكيلا من النكال وهو العذاب والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان
النساء : ( 85 ) من يشفع شفاعة . . . . .
) من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ( أصل الشفاعة والشفعة ونحوهما من الشفع وهو الزوج ومنه الشفيع لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعا ومنه ناقة شفوع إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة وناقة شفيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها والشفع ضم واحد إلى واحد والشفعة ضم ملك الشريك إلى ملكك فالشفاعة كضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وأتصال منفعة إلى المشفوع له والشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة والشفاعة السيئة في المعاصي فمن شفع في الخير لينفع فله نصيب منها أي من أجرها ومن شفع في الشر كمن يسعى بالنميمة والغيبة كان له كفل منها أي


"""""" صفحة رقم 493 """"""
نصيب من وزرها و الكفل الوزر والإثم واشتقاقه من الكساء الذي يجعله الراكب على سنام البعير لئلا يسقط يقال اكتفلت البعير إذا ادرت على سنامه كساء وركبت عليه لأنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيبا منه ويستعمل في النصيب من الخير والشر ومن استعماله في الخير قوله تعالى ) يؤتكم كفلين من رحمته ( ) وكان الله على كل شيء مقيتا ( أي مقتدرا قاله الكسائي وقال الفراء المقيت الذي يعطي كل أنسان قوته يقال قته أقوته قوتا وأقته أقيته إقاتة فأنا قائت ومقيت وحكى الكسائي أقات يقيت وقال أبو عبيدة المقيت الحافظ قال النحاس وقول أبي عبيدة أولى لأنه مشتق من القوت والقوت معناه مقدار ما يحفظ الإنسان وقال ابن فارس في المجمل المقيت المقتدر والمقيت الحافظ والشاهد وأما قول الشاعر ألي الفضل أم على إذا حو
سبت إني على الحساب مقيت
فقال ابن جرير الطبري إنه من غير هذا المعنى
النساء : ( 86 ) وإذا حييتم بتحية . . . . .
قوله ) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( التحية تفعلة من حييت والأصل تحيية مثل ترضية وتسمية فأدغموا الياء في الياء وأصلها الدعاء بالحياة والتحية السلام وهذا المعنى هو المراد هنا ومثله قوله تعالى ) وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ( وإلى هذا ذهب جماعة المفسرين وروى عن مالك أن المراد بالتحية هنا تشميت العاطس وقال أصحاب أبي حنيفة التحية هنا الهدية لقوله ) أو ردوها ( ولا يمكن رد السلام بعينه وهذا فاسد لا ينبغي الإلتفات إليه والمراد بقوله ) فحيوا بأحسن منها ( أن يزيد في الجواب على ما قاله المبتدئ بالتحية فإذا قال المبتديء السلام عليكم قال المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وإذا زاد المبتديء لفظا زاد المجيب على الجملة ما جاء به المبتديء لفظا أو ألفاظا نحو وبركاته ومرضاته وتحياته قال القرطبي أجمع العلماء على ان الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها ورده فريضة لقوله ) فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( واختلفوا إذا رد واحد من جماعة هل يجزيء أو لا فذهب مالك والشافعي إلى الاجزاء وذهب الكوفيون إلى انه لا يجزيء عن غيره ويرد عليهم حديث على عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يجزيء عن الجماعة إذا مروا إن يسلم أحدهم ويجزيء عن الجلوس أن يرد أحدهم أخرجه أبو داود وفي إسناده سعيد بن خالد الخزاعي المدني وليس به بأس وقد ضعفه بعضهم وقد حسن الحديث ابن عبد البر ومعنى قوله ) أو ردوها ( الاقتصار على مثل اللفظ الذي جاء به المبتديء فإذا قال السلام عليكم قال المجيب وعليكم السلام وقد ورد في السنة المطهرة في تعيين من يبتديء بالسلام ومن يستحق التحية ومن لا يستحقها ما يغنى عن البسط ها هنا قوله ) إن الله كان على كل شيء حسيبا ( يحاسبكم على كل شيء وقيل معناه حفيظا وقيل كافيا من قولهم أحسبني كذا أي كفاني ومثله ) حسبك الله )
النساء : ( 87 ) الله لا إله . . . . .
قوله ) الله لا إله إلا هو ( مبتدأ وخبر واللام في قوله ) ليجمعنكم ( جواب قسم محذوف أي والله ليجمعنكم الله بالحشر إلى يوم القيامة أي إلى حساب يوم القيامة وقيل إلى بمعنى في وقيل إنها زائدة والمعنى ليجمعنكم يوم القيامة و ) يوم القيامة ( يوم القيام من القبور ) لا ريب فيه ( أي في يوم القيامة أو في الجمع أي جمعا لاريب فيه ) ومن أصدق من الله حديثا ( إنكار لأن يكون أحد أصدق منه سبحانه وقرأ حمزة والكسائي ومن ? أزدق ? بالزاي وقرأ الباقون بالصاد والصاد الأصل وقد تبدل زايا لقرب مخرجها منها
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي سنان في قوله ) وحرض المؤمنين ( قال عظهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) من يشفع شفاعة حسنة ( الآية قال


"""""" صفحة رقم 494 """"""
شفاعة الناس بعضهم لبعض وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) يكن له نصيب منها ( قال حظ منها وقوله ) كفل منها ( قال الكفل هو الإثم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال الكفل الحظ وأخرج ابن جرير والمنذر وابن أبي حاتم والبيهقى عن ابن عباس في قوله ) وكان الله على كل شيء مقيتا ( قال حفيظا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبدالله بن رواحة أنه سأله رجل عن قول الله ) وكان الله على كل شيء مقيتا ( قال يقيت كل إنسان بقدر عمله وفي إسناده رجل مجهول وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) مقيتا ( قال شهيدا وأخرج ابن جرير عنه ) مقيتا ( قال شهيدا حسيبا حفيظا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) مقيتا ( قال قادرا وأخرج ابن جرير عن السدي قال المقيت القدير وأخرج أيضا عن ابن زيد مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال المقيت الرزاق وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ذلك بأن الله يقول ) وإذا حييتم بتحية ( الآية وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند حسن عن سلمان الفارسي قال ( جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال السلام عليك يا رسول الله فقال وعليك ورحمة الله ثم أتى آخر فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله فقال وعليك ورحمة الله وبركاته ثم جاء آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال له وعليك فقال له الرجل يا نبي الله بأبي أنت وأمي أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال إنك لم تدع لنا شيئا قال الله ) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( فرددناها عليك ) وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة ( أن رجلا مر على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في مجلس فقال سلام عليكم فقال عشر حسنات فمر رجل آخر فقال السلام عليكم وحمة الله فقال عشرون حسنة فمر رجل آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال ثلاثون حسنة ) وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر مرفوعا نحوه وأخرج البيهقي عن سهل بن حنيف مرفوعا نحوه أيضا وأخرج أحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي عن عمران بن حصين مرفوعا نحوه أيضا وزاد بعد كل مرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رد عليه ثم قال عشر إلى آخره وأخرج أبو داود والبيهقي عن معاذ بن أنس الجهني مرفوعا نحوه وزاد بعد قوله وبركاته ومغفرته فقال أربعون يعني حسنة
النساء 88 - 91 91


"""""" صفحة رقم 495 """"""
النساء : ( 88 ) فما لكم في . . . . .
الاستفهام في قوله ) ما لكم ( للإنكار واسم الاستفهام مبتدأ وما بعده خبره والمعنى أي شيء كائن لكم ) في المنافقين ( أي في أمرهم وشأنهم حال كونكم ) فئتين ( في ذلك وحاصله الإنكار على المخاطبين أن يكون لهم شيء يوجب اختلافهم في شأن المنافقين وقد اختلف النحويون في انتصاب فئتين فقال الأخفش والبصريون على الحال كقولك مالك قائما وقال الكوفيون انتصابه على أنه خبر لكان وهي مضمرة والتقدير فما لكم في المنافقين كنتم فئتين وسبب نزول الآية ما سيأتي وبه يتضح المعنى وقوله ) والله أركسهم ( معناه ردهم إلى الكفر ) بما كسبوا ( وحكى الفراء والنضر بن شميل والكسائي اركسهم وركسهم أي ردهم إلى الكفر ونكسهم فالركس والنكس قلب الشيء على رأسه أو رد أوله إلى آخره والمنكوس المركوس وفي قراءة عبدالله بن مسعود وأبي ? والله ركسهم ? ومنه قول عبدالله بن رواحة اركسوا في فئة مظلمة
كسواد الليل يتلوها فتن
والباء في قوله ? بما كسبوه ? سببية أي أركسهم بسبب كسبهم وهو لحوقهم بدار الكفر والاستفهام في قوله ) أتريدون أن تهدوا من أضل الله ( للتقريع والتوبيخ وفيه دليل على أن من أضله الله لا تنجع فيه هداية البشر ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ( قوله ) ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ( أي طريقا إلى الهداية
النساء : ( 89 ) ودوا لو تكفرون . . . . .
قوله ) ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ( هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هؤلاء المنافقين وإيضاح أنهم يودون أن يكفر المؤمنون كما كفروا ويتمنوا ذلك عنادا و غلوا في الكفر وتماديا في الضلال فالكاف في قوله ) كما ( نعت مصدر محذوف أي كفرا مثل كفرهم أو حال كما روى عن سيبويه قوله ) فتكونون سواء ( عطف على قوله ) تكفرون ( داخل في حكمه أي ودوا كفركم ككفرهم وودوا مساواتكم لهم قوله ) فلا تتخذوا منهم أولياء ( جواب شرط محذوف أي إذا كان حالهم ما ذكر فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا ويحققوا إيمانهم بالهجرة ) فإن تولوا ( عن ذلك ) فخذوهم ( إذا قدرتم عليهم ) واقتلوهم حيث وجدتموهم ( في الحل والحرم ) ولا تتخذوا منهم وليا ( توالونه ) ولا نصيرا ( تستنصرون به
النساء : ( 90 ) إلا الذين يصلون . . . . .
قوله ) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ( هو مستثنى من قوله ) فخذوهم واقتلوهم ( أي إلا الذين يتصلون ويدخلون في قوم بينكم وبينهم ميثاق بالجوار والحلف فلا تقتلوهم لما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد وميثاق فإن العهد يشملهم هذا أصح ما قيل في معنى الآية وقيل الاتصال هنا هو اتصال النسب والمعنى إلا الذين ينتسبون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق قاله أبو عبيدة


"""""" صفحة رقم 496 """"""
وقد أنكر ذلك أهل العلم عليه لأن النسب لا يمنع من القتال بالإجماع فقد كان بين المسلمين وبين المشركين أنساب ولم يمنع ذلك من القتال وقد اختلف في هؤلاء القوم الذين كان بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ميثاق فقيل هم قريش كان بينهم وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ميثاق ) والذين يصلون ( إلى قريش هم بنو مدلج وقيل نزلت في هلال بن عويمر وسراقة بن جعشم وخزيمة بن عامر بن عبد مناف كان بينهم وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عهد وقيل خزاعة وقيل بنو بكر بن زيد قوله ) أو جاؤوكم حصرت صدورهم ( عطف على قوله ) يصلون ( داخل في حكم الاستثناء أي لا الذين يصلون والذين جاءوكم ويجوز أن يكون عطفا على صفة قوم أي إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق والذين يصلون إلى قوم جاءوكم حصرت صدورهم أي ضاقت صدورهم عن القتال فأمسكوا عنه والحصر الضيق والإنقباض قال الفراء وهو أي حصرت صدورهم حال من المضمر المرفوع في جاءوكم كما تقول جاء فلان ذهب عقله أي قد ذهب عقله وقال الزجاج هو خبر بعد خبر أي جاءوكم ثم أخبر فقال ) حصرت صدورهم ( فعلى هذا يكون حصرت بدلا من جاءوكم وقيل حصرت في موضع خفض على النعت لقوم وقيل التقدير أو جاءوكم رجال أو قوم حصرت صدروهم وقرأ الحسن ) أو جاؤوكم حصرت صدورهم ( نصبا على الحال وقريء حصرات وحاصرات وقال محمد بن يزيد المبرد حصرت صدورهم هو دعاء عليهم كما تقول لعن الله الكافر وضعفه بعض المفسرين وقيل أو بمعنى الواو وقوله ) أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ( هو متعلق بقوله ) حصرت صدورهم ( أي حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم لقومهم فضاقت صدورهم عن قتال الطائفتين وكرهوا ذلك ) ولو شاء الله لسلطهم عليكم ( ابتلاء منه لكم واختبارا كما قال سبحانه ) ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ( أو تمحيصا لكم أو عقوبة بذنوبكم ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك واللام في قوله ) فلقاتلوكم ( جواب لو على تكرير الجواب أي لو شاء الله لسلطهم ولقاتلوكم والفاء للتعقيب ) فإن اعتزلوكم ( ولم يتعرضوا لقتالكم ) وألقوا إليكم السلم ( أي استسلموا لكم وانقادوا ) فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ( أي طريقا فلا يحل لكم قتلهم ولا أسرهم ولا نهب أموالهم فهذا الاستسلام يمنع من ذلك ويحرمه
النساء : ( 91 ) ستجدون آخرين يريدون . . . . .
) ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم ( فيظهرون لكم الإسلام ويظهرون لقومهم الكفر ليأمنوا من كلا الطائفتين وهم قوم من أهل تهامة طلبوا الأمان من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليأمنوا عنده وعند قومهم وقيل هي في قوم من أهل مكة وقيل في نعيم بن مسعود فإنه كان يأمن المسلمين والمشركين وقيل في قوم من المنافقين وقيل في أسد وغطفان ) كل ما ردوا إلى الفتنة ( أي دعاهم قومهم إليها وطلبوا منهم قتال المسلمين ) أركسوا فيها ( أي قلبوا فيها فرجعوا إلى قومهم وقاتلوا المسلمين ومعنى الارتكاس الانتكاس ) فإن لم يعتزلوكم ( يعني هؤلاء الذي يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم ) ويلقوا إليكم السلم ( أي يستسلمون لكم ويدخلون في عهدكم وصلحكم وينسلخون عن قومهم ) ويكفوا أيديهم ( عن قتالكم ) فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم ( أي حيث وجدتموهم وتمكنتم منهم ) وأولئكم ( الموصوفون بتلك الصفات ) جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ( أي حجة واضحة تتسلطون بها عليهم وتقهرونهم بها بسبب ما في قلوبهم من المرض وما في صدورهم من الدغل وارتكاسهم في الفتنة بأيسر عمل وأقل سعي
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث زيد بن ثابت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم


"""""" صفحة رقم 497 """"""
وفرقة تقول لا فأنزل الله ) فما لكم في المنافقين فئتين ( الآية كلها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة هذا أصح ما روى في سبب نزول الآية وقد رويت أسباب غير ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) والله أركسهم ( يقول أوقعهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال ردهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ( قال نزلت في هلال بن عويمر وسراقة بن مالك المدلجي وفي بني خزيمة بن عامر ابن عبد مناف وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عنه في قوله ) إلا الذين يصلون ( الآية قال نسختها براءة ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي ) حصرت صدورهم ( يقول ضاقت صدورهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع ) وألقوا إليكم السلم ( قال الصلح وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فإن اعتزلوكم ( الآية قال نسختها ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن جرير عن الحسن وعكرمة في هذه الآية قال نسختها براءة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ستجدون آخرين ( الآية قال ناس من أهل مكة كانوا يأتون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قومهم فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا ها هنا وهاهنا فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصالحوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة أنهم ناس كانوا بتهامة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في نعيم ابن مسعود
النساء 92 - 93
النساء : ( 92 ) وما كان لمؤمن . . . . .
قوله ) وما كان لمؤمن ( هذا النفي هو بمعنى النهي المقتضي للتحريم كقوله ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( ولو كان هذا النفي على معناه لكان خبرا وهو يستلزم صدقه فلا يوجد مؤمن قتل مؤمنا قط وقيل المعنى ما كان له ذلك في عهد الله وقيل ما كان له ذلك فيما سلف كما ليس له الآن ذلك بوجه ثم استثنى منه استثناء منقطعا فقال إلا خطأ أي ما كان له أن يقتله البتة لكن إن قتله خطأ فعليه كذا هذا قول سيبويه والزجاج وقيل هو استثناء متصل والمعنى وما ثبت ولا وجد ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطا إذ هو مغلوب حينئذ وقيل المعنى ولا خطأ قال النحاس ولا يعرف ذلك في كلام العرب ولا يصح في المعنى لأن الخطأ لا يحظر وقيل إن المعنى ما ينبغي أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده فيكون قوله خطأ منتصبا بأنه مفعول له


"""""" صفحة رقم 498 """"""
ويجوز أن ينتصب على الحال والتقدير لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي إلا قتلا خطأ ووجوه الخطأ كثيرة ويضبطها عدم القصد والخطأ الإسم من أخطأ خطأ إذا يتعمد قوله ) فتحرير رقبة مؤمنة ( أي فعليه تحرير رقبة مؤمنة يعتقها كفارة عن قتل الخطأ وعبر بالرقبة عن جميع الذات
واختلف العلماء في تفسير الرقبة المؤمنة فقيل هي التي صلت وعقلت الإيمان فلا تجزيء الصغيرة وبه قال ابن عباس والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم وقال عطاء بن أبي رباح إنها تجزيء الصغيرة المولودة بين مسلمين وقال جماعة منهم مالك والشافعي يجزيء كل من حكم له بوجوب الصلاة عليه إن مات ولا يجزيء في قول جمهور العلماء أعمى ولا مقعد ولا أشل ويجزيء عند الأكثر الأعرج والأعور قال مالك إلا أن يكون عرجا شديدا ولا يجزيء عند أكثرهم المجنون وفي المقام تفاصيل طويلة مذكورة في علم الفروع قوله ) ودية مسلمة إلى أهله ( الدية ما تعطى عوضا عن دم المقتول إلى ورثته والمسلمة المدفوعة المؤداة والأهل المراد بهم الورثة وأجناس الدية وتفاصيلها قد بينتها السنة المطهرة قوله ) إلا أن يصدقوا ( أي إلا أن يتصدق أهل المقتول على القاتل بالدية سمي العفو عنها صدقة ترغيبا فيه وقرأ أبي إلا يتصدقوا وهذه الجملة المستثناة متعلقة بقوله ) فدية مسلمة ( أي فعليه دية مسلمة إلا أن يقع العفو من الورثة عنها قوله ) فإن كان من قوم عدو لكم ( أي فإن كان المقتول من قوم عدو لكم وهم الكفار الحربيون وهذه مسئلة المؤمن الذي يقتله المسلمون في بلاد الكفار الذين كان منهم ثم أسلم ولم يهاجر وهم يظنون أنه لم يسلم وأنه باق على دين قومه فلا دية على قاتله بل عليه تحرير رقبة مؤمنة واختلفوا في وجه سقوط الدية فقيل وجهه أن أولياء القتيل كفار لا حق لهم في الدية وقيل وجهه أن هذا الذي آمن ولم يهاجر حرمته قليلة لقول الله تعالى ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ( وقال بعض أهل العلم إن ديته واجبة لبيت المال قوله ) وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ( أي مؤقت أو مؤبد وقرأ الحسن ) وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ( أي فعلى قاتله دية مؤداة إلى أهله من أهل الإسلام وهم ورثته ) وتحرير رقبة مؤمنة ( كما تقدم ) فمن لم يجد ( أي الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها ) فصيام شهرين متتابعين ( أي فعليه صيام شهرين متتابعين لم يفصل بين يومين من أيام صومهما إفطار في نهار فلو أفطر استأنف هذا قول الجمهور وأما الإفطار لعذر شرعي كالحيض ونحوه فلا يوجب الاستئناف واختلف في الإفطار لعرض المرض قوله ) توبة من الله ( منصوب على أنه مفعول له أي شرع ذلك لكم توبة أي قبولا لتوبتكم أو منصوب على المصدرية أي تاب عليكم توبة وقيل منصوب على الحال أي حال كونه ذا توبة كائنة من الله
النساء : ( 93 ) ومن يقتل مؤمنا . . . . .
قوله ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ( لما بين سبحانه حكم القاتل خطأ بين حكم القاتل عمدا
وقد اختلف العلماء في معنى العمد فقال عطاء والنخعي وغيرهما هو القتل بحديدة كالسيف والخنجر وسنان الرمح ونحو ذلك من المحدد أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقال الحجارة ونحوها وقال الجمهور إنه كل قتل من قاتل قاصد للفعل بحديدة أو بحجر أو بعصى أو بغير ذلك وقيده بعض أهل العلم بأن يكون بما يقتل مثله في العادة وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن القتل ينقسم إلى ثلاثة أقسام عمد وشبه عمد وخطأ واستدلوا على ذلك بأدلة ليس هذا مقام بسطها وذهب آخرون إلى أن ينقسم إلى قسمين عمد وخطأ ولا ثالث لهما واستدلوا بأنه ليس في القرآن إلا القسمان ويجاب عن ذلك بأن اقتصار القرآن على القسمين لا ينفي ثبوت قسم ثالث بالسنة وقد ثبت ذلك في السنة وقد جاءت هذه الآية بتغليظ عقوبة القاتل عمدا فجمع الله له فيها بين كون جهنم جزاء


"""""" صفحة رقم 499 """"""
له أي يستحقها بسبب هذا الذنب وبين كونه خالدا فيها وبين غضب الله عليه ولعنته له وإعداده له عذابا عظيما وليس وراء هذا التشديد تشديد ولا مثل هذا الوعيد وعيد وانتصاب خالدا على الحال وقوله ) وغضب الله عليه ( معطوف على مقدر يدل عليه السياق أي جعل جزاءه جهنم أو حكم عليه أو جازاه وغضب عليه وأعد له
وقد اختلف العلماء هل لقاتل العمد من توبة أم لا توبة له فروى البخاري عن سعيد بن جبير قال اختلف فيها علماء أهل الكوفة فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال نزلت هذه الآية ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( وهي آخر ما نزل وما نسختها شيء وقد روى النسائي عنه نحو هذا وروى النسائي عن زيد بن ثابت نحوه وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف أبو هريرة وعبدالله بن عمرو وأبو سلمة وعبيد بن عمير والحسن وقتادة والضحاك ابن مزاحم نقله ابن أبي حاتم عنهم وذهب الجمهور إلى أن التوبة منه مقبولة واستدلوا بمثل قوله تعالى ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( وقوله ) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( وقوله ) ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( قالوا أيضا والجمع ممكن بين آية النساء هذه وآية الفرقان فيكون معناهما فجزاؤه جهنم إلا من تاب لا سيما وقد اتحد السبب وهو القتل والموجب وهو التوعد بالعقاب واستدلوا أيضا بالحديث المذكور في الصحيحين عن عبادة بن الصامت أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ( قال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ثم قال فمن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ) وبحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم في صحيحه وغيره في الذي قتل مائة نفس وذهب جماعة منهم أبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أن القاتل عمدا داخل تحت المشيئة تاب أو لم يتب وقد أوضحت في شرحي على المنتقى متمسك كل فريق
والحق أن باب التوبة لم يغلق دون كل عاص بل هو مفتوح لكل من قصده ورام الدخول منه وإذا كان الشرك وهو أعظم الذنوب وأشدها تمحوه التوبة إلى الله ويقبل من صاحبه الخروج منه والدخول في باب التوبة فكيف بما دونه من المعاصي التي من جملتها القتل عمدا لكن لا بد في توبة قاتل العمد من الاعتراف بالقتل وتسليم نفسه للقصاص إن كان واجبا أو تسيم الدية إن لم يكن القصاص واجبا وكان القاتل غنيا متمكنا من تسليمها أو بعضها وأما مجرد التوبة من القاتل عمدا وعزمه على أن لا يعود إلى قتل أحد من دون اعتراف ولا تسليم نفس فنحن لا نقطع بقبولها والله أرحم الراحمين هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ( يقول ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه من عهد الله الذي عهد إليه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وما كان لمؤمن ( الآية قال إن عياش بن أبي ربيعة قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه هو وأبو جهل وهو أخوه لأمه في اتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعياش يحسب أن ذلك الرجل كافر
وأوضح من هذا السياق ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة قال كان الحارث بن يزيد من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ثم خرج مهاجرا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يعني الحارث فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر ثم جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فنزلت ) وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ( الآية فقرأها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليه ثم قال له قم فحرر وأخرجه ابن جرير وابن المنذر عن السدي بأطول من هذا وقد روى من طرق غير هذه وأخرج ابن جرير عن


"""""" صفحة رقم 500 """"""
ابن زيد قال نزلت في رجل قتله أبو الدرداء كان في سرية فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة له فوجد رجلا من القوم في غنم فحمل عليه بالسيف فقال لا إله إلا الله فضربه وأخرج ابن منده وأبو نعيم نحو ذلك ولكن فيه أن الذي قتل المتعوذ بكلمة الشهادة هو بكر بن حارثة الجهنى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فتحرير رقبة مؤمنة ( قال يعنى بالمؤمنة من قد عقل الإيمان وصلى وكل رقبة في القرآن لم تسم مؤمنة فإنه يجوز المولود فما فوقه ممن ليس به زمانة وفي قوله ) ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ( قال عليه الدية مسلمة إلا أن يتصدق بها عليه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال في حرف أبي فتحرير رقبة مؤمنة لا يجزىء فيها صبى وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة ( أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بجارية سوداء فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها أين الله فأشارت إلى السماء بأصبعها فقال لها فمن أنا فأشارت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال أعتقها فإنها مؤمنة ) وقد روى من طرق وهو في صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي وقد وردت أحاديث في تقدير الدية وفي الفرق بين دية الخطأ ودية شبه العمد ودية المسلم ودية الكافر وهي معروفة فلا حاجة لنا في ذكرها في هذا الموضع وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن إبراهيم النخعى في قوله ) ودية مسلمة إلى أهله ( قال هذا المسلم الذي ورثته مسلمون ) فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ( قال هذا الرجل المسلم وقومه مشركون وليس بينهم وبين رسول الله عقد ) وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ( قال هذا الرجل المسلم وقومه مشركون وبينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عقد فيقتل فيكون ميراثه للمسلمين وتكون ديته لقومه لأنهم يعقلون عنه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ( يقول فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن فقتله خطأ فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين ولا دية عليه وفي قوله ) وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ( يقول إذا كان كافرا في ذمتكم فقتل فعلى قاتله الدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق عطاء بن السائب عن أبي عياض قال كان الرجل يجيء فيسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم فيهم فتغزوهم جيوش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيقتل الرجل فيمن يقتل فأنزل الله هذه الآية ) فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ( وليست له دية وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) توبة من الله ( يعني تجاوزا من الله لهذه الأمة حيث جعل في قتل الخطأ الكفارة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة أن رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس بن صبابة فأعطاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الدية فقبلها ثم وثب على قاتل أخيه وفيه نزلت الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وفيه أن مقيس بن صبابة لحق بمكة بعد ذلك وارتد عن الاسلام وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( بعد التي في سورة الفرقان بثمان سنين وهى قوله ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ( إلى قوله ) غفورا رحيما ( وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن زيد بن ثابت أن قوله ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( نزلت بعد قوله ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ( بستة أشهر وأخرج ابن المنذر عنه قال نزلت


"""""" صفحة رقم 501 """"""
هذه الآية في النساء يعد قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء بأربعة أشهر والآثار عن الصحابة في هذا كثيرة جدا والحق ما عرفناك
النساء 94
النساء : ( 94 ) يا أيها الذين . . . . .
هذا متصل بذكر الجهاد والضرب السير في الأرض تقول العرب ضربت في الأرض إذا سرت لتجار أو غزوة أو غيرهما وتقول ضربت الأرض بدون في إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا يخرج رجلان يضربان الغائط ) قوله ) فتبينوا ( من التبين وهو التأمل وهي قراءة الجماعة إلا حمزة فإنه قرأ ( فتثبتوا ) من التثبت واختار القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم قالا لأن من أمر بالتبين فقد أمر بالتثبت وإنما خص السفر بالأمر بالتبين مع أن التبين والتثبت في أمر القتل واجبان حضرا وسفرا بلا خلاف لأن الحادثة التي هي سبب نزول الآية كانت في السفر كما سيأتي قوله ) ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ( وقرىء السلام معناهما واحد واختار أبو عبيدة السلام وخالفه أهل النظر فقالوا السلم هنا أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسليم والمراد هنا لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمنا فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام وقيل هما بمعنى الإسلام أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم الإسلام أي كلمته وهى الشهادة لست مؤمنا وقيل هما بمعنى التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام أي لا تقولوا لمن القى إليكم التسليم فقال السلام عليكم لست مؤمنا والمراد نهى المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعودا وتقيمة وقرأ أبو جعفر ) لست مؤمنا ( من أمنه إذا أجرته فهو مؤمن
وقد استدل بهذه الآية على أن من قتل كافرا بعد أن قال لا إله إلا الله قتل به لأنه قد عصم بهذه الكلمة دمه وماله وأهله وإنما سقط القتل عمن وقع منه ذلك في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم تأولوا وظنوا أن من قالها خوفا من السلاح لا يكون مسلما ولا يصير بها دمه معصوما وأنه لا بد من أن يقول هذه الكلمة وهو مطئمن غير خائف وفي حكم التكلم بكلمة الإسلام إظهار الانقياد بأن يقول أنا مسلم أو أنا على دينكم لما عرفت أن معنى الآية الاستسلام والانقياد وهو يحصل بكل ما يشعر بالإسلام من قول أو فعل ومن جملة ذلك كلمة الشهادة وكلمة التسليم فالقولان الاخران في معنى الآية داخلان تحت القول الأول قوله ) تبتغون عرض الحياة الدنيا ( الجملة في محل نصب على الحال أي لا تقولوا تلك المقالة طالبين الغنيمة على أن يكون النهي راجعا إلى القيد والمقيد لا إلى القيد فقط وسمي متاع الدنيا عرضا لأنه عارض زائل غير ثابت قال أبو عبيدة يقال جميع متاع الدنيا عرض بفتح الراء وأما العرض بسكون الراء فهو ما سوى الدنانير والدراهم فكل عرض بالسكون عرض بالفتح وليس كل عرض بالفتح عرضا بالسكون وفي كتاب العين العرض ما نيل من الدنيا ومنه قوله تعالى ) تريدون عرض الدنيا ( وجمعه عروض وفي المجمل لابن فارس والعرض ما يعترض الأنسان من مرض ونحوه وعرض الدنيا ما كان فيها من مال قل أو كثر والعرض من اثاث ما كان غير نقد قوله ) فعند الله مغانم كثيرة ( هو تعليل للنهي أي عند الله مما هو حلال لكم من دون ارتكاب محظور مغانم كثيرة تغتنمونها وتستغنون


"""""" صفحة رقم 502 """"""
بها عن قتل من قد استسلم وانقاد واغتنام ماله ) كذلك كنتم من قبل ( أي كنتم كفارا محقنت دماؤكم لما تكلمتم بكلمة الشهادة أو كذلك كنتم من قبل تخفون إيمانكم عن قومكم خوفا على أنفسكم حتى من الله عليكم بإعزاز دينه فأظهرتم الإيمان وأعلنتم به وكرر الأمر بالتبين للتأكيد عليهم لكونه واجبا لا فسحة فيه ولا رخصة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال لحق ناس من المسلمين رجلا معه غنيمة له فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يسوق غنما له فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا فعدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ( وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي قال بعثنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى إضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحرث بن ربعي ومحلم بن جثمامة بن قيس الليثي فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له معه متيع ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فامسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه فقلته وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن ) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ( الآية وفي لفظ عند ابن إسحاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من حديث أبي حدرد هذا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لمحلم أقتلته بعد ما قال آمنت بالله فنزل القرآن وأخرج ابن جرير من حديث ابن عمر أن محلما جلس بين يدي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليستغفر له فقال لا غفر الله لك فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت به ساعة حتى مات ودفنوه فلفظته الأرض فجاءوا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكروا ذلك له فقال إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم ثم طرحوه في جبل والقوا عليه الحجارة فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم ( الآية وأخرج البزار والدارقطني في الإفراد والطبراني والضياء في المختارة عن ابن عباس أن سبب نزول الآية أن المقداد بن الأسود قتل رجلا بعد ما قال لا إله إلا الله وفي سبب النزول روايات كثيرة وهذا الذي ذكرناه أحسنها وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) كذلك كنتم من قبل ( قال تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه يعني الذي قتلوه بعد أن ألقى إليهم السلام وفي لفظ تكتمون إيمانكم من المشركين ) فمن الله عليكم ( فأظهر الإسلام فأعلنتم إيمانكم ) فتبينوا ( قال وعيد من الله ثان وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) كذلك كنتم من قبل ( قال كنتم كفارا حتى من الله عليكم بالإسلام وهداكم له
النساء 95 - 96


"""""" صفحة رقم 503 """"""
النساء : ( 95 ) لا يستوي القاعدون . . . . .
التفاوت بين درجات من قعد عن الجهاد من غير عذر ودرجات من جاهد في سبيل الله بماله ونفسه وإن كان معلوما لكن أراد سبحانه بهذا الإخبار تنشيط المجاهدين ليرغبوا وتبكيت القاعدين ليأنفوا قوله ) غير أولي الضرر ( قرأ أهل الكوفة وأبو عمرو بالرفع على أنه وصف للقاعدين كما قال الأخفش لأنهم لا يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير وقرأ أبو حيوة بكسر الراء على أنه وصف للمؤمنين وقرأ أهل الحرمين بفتح الراء على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين أي إلا اولي الضرر فإنهم يستوون مع المجاهدين ويجوز أن يكون منتصبا على الحال من القاعدين أي لا يستوي القاعدون الأصحاء في حال صحتهم وجازت الحال منهم لأن لفظهم لفظ المعرفة قال العلماء أهل الضرر هم أهل الأعذار لأنها أضرت بهم حتى منعتهم عن الجهاد وظاهر النظم القرآني أن صاحب العذر يعطى مثل أجر المجاهد وقيل يعطى أجره من غير تضعيف فيفضله المجاهد بالتضعيف لأجل المباشرة قال القرطبي والأول أصح إن شاء الله للحديث الصحيح في ذلك ( إن بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سرتم مسيرا إلا كانوا معكم أولئك قوم حبسهم العذر ) قال وفي هذا المعنى ما ورد في الخبر ( إذا مرض العبد قال الله تعالى اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي ) قوله ) فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ( هذا بيان لما بين الفريقين من التفاضل المفهوم من ذكر عدم الاستواء إجمالا والمراد هنا غير اولي الضرر حملا للمطلق على المقيد وقال هنا ) درجة ( وقال فيما بعد ) درجات ( فقال قوم التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد وقال آخرون فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة واحدة وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضرر بدرجات قاله ابن جريج والسدي وغيرهما وقيل إن معنى درجة علوا أي اعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح ودرجة منتصبة على التمييز أو المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل أي فضل الله تفضيله أو على نزع الخافض أو على الحالية من المجاهدين أي ذوي درجة قوله ) وكلا ( مفعول أول لقوله ) وعد الله ( قدم عليه لإفادته القصر أي كل واحد من المجاهدين والقاعدين وعده الله الحسنى أي المثوبة وهي الجنة قوله ) أجرا ( هو منتصب على التمييز وقيل على المصدرية لأن فضل بمعنى آجر فالتقدير آجرهم أجرا وقيل مفعول ثان لفضل لتضمنه معنى الإعطاء وقيل منصوب بنزع الخافض وقيل على الحال من درجات مقدم عليها
النساء : ( 96 ) درجات منه ومغفرة . . . . .
وأما انتصاب درجات ومغفرة ورحمة فهي بدل من أجرا وقيل إن مغفرة ورحمة ناصبهما أفعال مقدرة أي غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن زيد بن ثابت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أملى عليه ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ) فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وفخذه على فخذي ) غير أولي الضرر ( وقد أخرج هذا المعنى عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث البراء وأخرجه أيضا سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه من حديث خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي


"""""" صفحة رقم 504 """"""
في سننه عن ابن عباس قال ) لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ( عن بدر والخارجون إلى بدر وأخرجه عنه أيضا عبدالرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وأخرج عبد بن حميد والطبراني والبيهقي عنه قال نزلت في قوم كانت تشغلهم أمراض وأوجاع فأنزل الله عذرهم من السماء وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أنس بن مالك قال نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم ولقد رأيته في بعض مشاهد المسلمين معه اللواء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ( قال على أهل الضرر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وكلا وعد الله الحسنى ( قال الجنة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال كان يقال الإسلام درجة والهجرة درجة في الإسلام والجهاد في الهجرة درجة والقتل في الجهاد درجة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن محيريز في قوله ) درجات ( قال الدرجات سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين سنة وأخرج نحوه عبدالرزاق في المصنف عن أبي مجلز وأخرج البخاري والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلا الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )
النساء 97 - 100
النساء : ( 97 ) إن الذين توفاهم . . . . .
قوله ) توفاهم ( يحتمل أن يكون فعلا ماضيا وحذفت منه علامة التأنيث لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي ويحتمل أن يكون مستقبلا والأصل تتوفاهم فحذفت إحدى التائين وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار وقيل تقبض أرواحهم وهو الأظهر والمراد بالملائكة ملائكة الموت لقوله تعالى ) قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ( وقوله ) ظالمي أنفسهم ( حال أي في حال ظلمهم أنفسهم وقول الملائكة فيم كنتم سؤال توبيخ أي في شيء كنتم من أمور دينكم وقيل المعنى أكنتم في أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أم كنتم مشركين وقيل إن معنى السؤال التقريع لهم بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين وقولهم ) كنا مستضعفين في الأرض ( يعني مكة لأن سبب النزول من أسلم بها ولم يهاجر كما سيأتي ثم أوقفتهم الملائكة على دينهم وألزمتهم الحجة وقطعت معذرتهم فقالوا ) ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ( قيل المراد بهذه الأرض المدينة والأولى العموم اعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو الحق فيراد بالأرض كل بقعة من بقاع الأرض تصلح


"""""" صفحة رقم 505 """"""
للهجرة إليها ويراد بالأرض الأولى كل أرض ينبغي الهجرة منها قوله ) مأواهم جهنم ( هذه الجملة خبر لأولئك والجملة خبر إن في قوله ) إن الذين توفاهم الملائكة ( ودخول الفاء لتضمن اسم إن معنى الشرط ) وساءت ( أي جهنم ) مصيرا ( أي مكانا يصيرون إليه
النساء : ( 98 ) إلا المستضعفين من . . . . .
قوله ) إلا المستضعفين ( هو استثناء من الضمير في مأواهم وقيل استنثاء منقطع لعدم دخول المستضعفين في الموصول وضميره وقوله ) من الرجال والنساء والولدان ( متعلق بمحذوف أي كائنين منهم والمراد بالمستضعفين من الرجال الزمني ونحوهم والولدان كعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام وإنما ذكر الولدان مع عدم التكليف لهم القصد المبالغة في أمر الهجرة وإيهام أنها تجب لو استطاعها غير المكلف فيكف من كان مكلفا وقيل أراد بالولدان المراهقين والمماليك قوله ) لا يستطيعون حيلة ( صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان أو حال من الضمير في المستضعفين وقيل الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص أي لا يجدون حيلة ولا طريقا إلى ذلك وقيل السبيل سبيل المدينة
النساء : ( 99 ) فأولئك عسى الله . . . . .
) فأولئك ( إشارة إلى المستضعفين الموصوفين بما ذكر ) عسى الله أن يعفو عنهم ( وجيء بكلمة الإطماع لتأكيد أمر الهجرة حتى يظن أن تركها ممن لا تجب عليه يكون ذنبا يجب طلب العفو عنه
النساء : ( 100 ) ومن يهاجر في . . . . .
قوله ) ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ( هذه الجملة متضمنة للترغيب في الهجرة والتنشيط إليها وقوله ) في سبيل الله ( فيه دليل على أن الهجرة لابد أن تكون بقصد صحيح ونية خالصة غير مشوبة بشيء من أمور الدنيا ومنه الحديث الصحيح ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إمرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه )
وقد اختلف في معنى قوله سبحانه ) يجد في الأرض مراغما ( فقال ابن عباس وجماعة من التابعين ومن بعدهم المراغم المتحول والمذهب وقال مجاهد المراغم المتزحزح وقال ابن زيد المراغم المهاجر وبه قال أبو عبيدة قال النحاس فهذه الأقوال متفقة المعاني فالمراغم المذهب والمتحول وهو الموضع الذي يراغم فيه وهو مشتق من الرغام وهو التراب ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب وراغمت فلانا هجرته وعاديته ولم ابال أن رغم أنفه وقيل إنما سمي مهاجرا ومراغما لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمى خروجه مراغما وسمي مسيره إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هجرة والحاصل في معنى الآية أن المهاجر يجد في الأرض مكانا يسكن فيه على رغم أنف قومه الذين هاجرهم أي على ذلهم وهوانهم قوله ) وسعة ( أي في البلاد وقيل في الرزق ولا مانع من حمل السعة على ما هو أعم من ذلك قوله ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ( قرئ يدركه بالجزم على أنه معطوف على فعل الشرط وبالرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف وبالنصب على إضمار أن والمعنى أن من أدركه الموت قبل أن يصل إلى مطلوبه وهو المكان الذي قصد الهجرة إليه أو الأمر الذي قصد الهجرة له ) فقد وقع أجره على الله ( أي ثبت ذلك عنده ثبوتا لا يتخلف ) وكان الله غفورا ( أي كثير المغفرة ) رحيما ( أي كثير الرحمة وقد استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهارا إذا كان قادرا على الهجرة ولم يكن من المستضعفين لما في هذه الآية الكريمة من العموم وإن كان السبب خاصا كما تقدم وظاهرها عدم الفرق بين مكان ومكان وزمان وزمان وقد ورد في الهجرة أحاديث وورد ما يدل على أنه لا هجرة بعد الفتح وقد أوضحنا ما هو الحق في شرحنا على المنتقي فليرجع إليه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كان قوم


"""""" صفحة رقم 506 """"""
من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم وقتل بعض فقال المسلمون قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت بهم هذه الآية ) إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ( قال فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية وأنه لا عذر لهم فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة فنزلت فيهم هذه الآية ) ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله ( إلى آخر الآية فكتب المسلمون إليهم بذلك فحزنوا وأيسوا من كل خير فنزلت فيهم ) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ( فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجا فاخرجوا فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل وقد أخرجه البخاري وغيره عنه مقتصرا على أوله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) إن الذين توفاهم الملائكة ( إلى قوله ) وساءت مصيرا ( قال نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن ربيعة بن الأسود وقيس بن الوليد ابن المغيرة وأبي العاص بن منبه بن الحجاج وعلي بن أمية بن خلف قال لما خرج المشركون من قريش واتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة خرجوا معهم بشباب كارهين كانوا قد أسلموا واجتعموا ببدر على غير موعد فقتلوا ببدر كفارا ورجعوا عن الإسلام وهم هؤلاء الذين سميناهم وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق وقد روى نحو هذا من طرق وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية ) إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ( فقال كنت أنا وأمي من المستضعفين أنا من الولدان وأمي من النساء وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) لا يستطيعون حيلة ( قال قوة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة في قوله لا يستطيعون حيلة قال نهوضا إلى المدينة ) ولا يهتدون سبيلا ( قال طريقا إلى المدينة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) مراغما كثيرا وسعة ( قال المراغم المتحول من أرض إلى أرض والسعة الرزق واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) مراغما ( قال متزحزحا عما يكره وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله ) وسعة ( قال ورخاء وأخرج أيضا عن مالك قال سعة البلاد وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني قال السيوطي بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا فقال لقومه احملوني فأخرجوني من أرض الشرك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزل الوحي ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عنه نحوه وأخرج ابن سعد وأحمد والحاكم وصححه عن عبدالله بن عتيك قال سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( من خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله وأين المجاهدون في سبيل الله فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله يعني بحتف أنفه على فراشه والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن قتل قعصاء فقد استوجب الجنة ) وأخرج أبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة ) قال ابن كثير وهذا حديث غريب من هذا الوجه


"""""" صفحة رقم 507 """"""
النساء 101 - 102
النساء : ( 101 ) وإذا ضربتم في . . . . .
قوله ) وإذا ضربتم ( قد تقدم تفسير الضرب في الأرض قريبا قوله ) فليس عليكم جناح ( فيه دليل على أن القصر ليس بواجب واليه ذهب الجمهور وذهب الأقلون إلى أنه واجب ومنهم عمر بن عبدالعزيز والكوفيون والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي سليمان وهو مروي عن مالك واستدلوا بحديث عائشة الثابت في الصحيح ( فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر ) ولا يقدح في ذلك مخالفتها لما روت فالعمل على الرواية الثابتة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومثله حديث يعلى بن أمية قال سألت عمر بن الخطاب قلت ) فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ( وقد أمن الناس فقال لي عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك فقال ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته أخرجه أحمد ومسلم وأهل السنن وظاهر قوله فاقبلوا صدقته أن القصر واجب قوله ) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ( ظاهر هذا الشرط أن القصر لا يجوز في السفر إلا مع خوف الفتنة من الكافرين لا مع الأمن ولكنه قد تقرر بالسنة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قصر مع الأمن كما عرفت فالقصر مع الخوف ثابت بالكتاب والقصر مع الأمن ثابت بالسنة ومفهوم الشرط لا يقوى على معارضته ما تواتر عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من القصر مع الأمن وقد قيل إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب لأن الغالب على المسلمين إذ ذاك القصر للخوف في الاسفار ولهذا قال يعلى بن أمية لعمر ما قال كما تقدم وفي قراءة أبي ( أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا بسقوط ) إن خفتم ( والمعنى على هذه القراءة كراهة أن يفتنكم الذين كفروا وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو فمن كان آمنا فلا قصر له وذهب آخرون إلى أن قوله ) إن خفتم ( ليس متصلا بما قبله وأن الكلام تم عند قوله ) من الصلاة ( ثم افتتح فقال ) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ( فأقم لهم يا محمد صلاة الخوف وقوله ) إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ( معترض ذكر معنى هذا الجرجاني والمهدوي وغيرهما ورده القشيري والقاضي أبو بكر بن العربي وقد حكى القرطبي عن ابن عباس معنى ما ذكره الجرجاني ومن معه ومما يرد هذا ويدفعه الواو في قوله ) وإذا كنت فيهم ( وقد تكلف بعض المفسرين فقال إن الواو زائدة وإن الجواب للشرط المذكور أعني قوله ) إن خفتم ( هو قوله


"""""" صفحة رقم 508 """"""
) فلتقم طائفة ( وذهب قوم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة وهي حديث عمر الذي قدمنا ذكره وما ورد في معناه قوله ) أن يفتنكم الذين كفروا ( قال الفراء أهل الحجاز يقولون فتنت الرجل وربيعة وقيس وأسد وجميع أهل نجد يقولون أفتنت الرجل وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقالا فتنته جعلت فيه فتنة مثل كحلته وأفتنته جعلته مفتنا وزعم الأصمعي أنه لا يعرف أفتنته والمراد بالفتنة القتال والتعرض بما يكره قوله ) عدوا ( أي أعداء
النساء : ( 102 ) وإذا كنت فيهم . . . . .
قوله ) وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ( هذا خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولمن بعده من أهل الأمر حكمه كما هو معروف في الأصول ومثله قوله تعالى ) خذ من أموالهم صدقة ( ونحوه وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وشذ أبو يوسف وإسماعيل بن علية فقالا لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأن هذا الخطاب خاص برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالا ولا يلحق غيره به لما له ( صلى الله عليه وسلم ) من المزية العظمى وهذا مدفوع فقد أمرنا الله باتباع رسوله والتأسي به وقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) والصحابة رضي الله عنهم أعرف بمعاني القرآن وقد صلوها بعد موته في غير مرة كما ذلك معروف ومعنى ) فأقمت لهم الصلاة ( اردت الإقامة كقوله ) إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ( وقوله ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ( قوله ) فلتقم طائفة منهم معك ( يعني بعد أن تجعلهم طائفتين طائفة تقف بإزاء العدو وطائفة تقوم منهم معك في الصلاة ) وليأخذوا أسلحتهم ( أي الطائفة التي تصلي معه وقيل الضمير راجع إلى الطائفة التي بإزاء العدو والأول أظهر لأن الطائفة القائمة بإزاء العدو لا بد أن تكون قائمة باسلحتها وإنما يحتاج إلى الأمر بذلك من كان في الصلاة لأنه يظن أن ذلك ممنوع منه حال الصلاة فأمره الله بأن يكون آخذا لسلاحه أي غير واضع له وليس المراد الأخذ باليد بل المراد أن يكونوا حاملين لسلاحهم ليتناولوه من قرب إذا احتاجوا إليه وليكون ذلك أقطع لرجاء عدوهم من إمكان فرصته فيهم وقد قال بإرجاع الضمير من قوله ) وليأخذوا أسلحتهم ( إلى الطائفة القائمة بإزاء العدو ابن عباس قال لأن المصلية لا تحارب وقال غيره إن الضمير راجع إلى المصلية وجوز الزاجاج والنحاس أن يكون ذلك أمرا للطائفتين جميعا لأنه أرهب للعدو وقد أوجب أخذ السلاح في هذه الصلاة أهل الظاهر حملا للأمر على الوجوب وذهب أبو حنيفة إلى أن المصلين لا يحملون السلاح وأن ذلك يبطل الصلاة وهو مدفوع بما في هذه الآية وبما في الأحاديث الصحيحة قوله ) فإذا سجدوا ( أي القائمون في الصلاة ) فليكونوا ( أي الطائفة القائمة بإزاء العدو ) من ورائكم ( أي من وراء المصلين ويحتمل أن يكون المعنى فإذا سجد المصلون معه أي أتموا الركعة تعبيرا بالسجود عن جميع الركعة أو عن جميع الصلاة ) فليكونوا من ورائكم ( أي فلينصرفوا بعد الفراغ إلى مقابلة العدو للحراسة ) ولتأت طائفة أخرى ( وهي القائمة في مقابلة العدو التي لم تصل ) فليصلوا معك ( على الصفة التي كانت عليها الطائفة الأولى ) وليأخذوا ( أي هذه الطائفة الأخرى ) حذرهم وأسلحتهم ( زيادة التوصية للطائفة الأخرى بأخذ الحذر مع أخذ السلاح قيل وجهه أن هذه المرة مظنة لوقوف الكفرة على كون الطائفة القائمة مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في شغل شاغل وأما في المرة الأولى فربما يظنونهم قائمين للحرب وقيل لأن العدو لا يؤخر قصده عن هذا الوقت لأنه آخر الصلاة والسلاح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب ولم يبين في الآية الكريمة كم تصلي كل طائفة من الطائفتين وقد وردت صلاة الخوف في السنة المطهرة على أنحاء مختلفة وصفات متعددة وكلها صحيحة مجزئة من فعل واحدة منها فقد فعل ما أمر به ومن ذهب من العلماء إلى اختيار صفة دون غيرها فقد أبعد عن الصواب وقد


"""""" صفحة رقم 509 """"""
وضحنا هذا في شرحنا للمنتقى وفي سائر مؤلفاتنا قوله ) ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ( هذه الجملة متضمنة للعلة التي لأجلها أمرهم الله بالحذر وأخذ السلاح أي ودوا غفلتكم عن أخذ السلاح وعن الحذر ليصلوا إلى مقصدوهم وينالوا فرصتهم فيشدون عليكم شدة واحدة والأمتعة ما يتمتع به في الحرب ومنه الزاد والراحلة قوله ) ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ( رخص لهم سبحانه في وضع السلاح إذا نالهم أذى من المطر وفي حال المرض لأنه يصعب مع هذين الأمرين حمل السلاح ثم أمرهم بأخذ الحذر لئلا يأتيهم العدو على غرة وهم غافلون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي حنظلة قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال ركعتان قلت فأين قوله تعالى ) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ( ونحن آمنون قال سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد أنه سأل ابن عمر ارأيت قصر الصلاة في السفر إنا لا نجدها في كتاب الله إنما نجد ذكر صلاة الخوف فقال ابن عمر يا بن أخي إن الله أرسل محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ولا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يفعل وقصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي الصحيحين وغيرهما عن حارثة بن وهب الخزاعي قال صليت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين واخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس قال صلينا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ركعتين واخرج ابن جرير عن علي قال سأل قوم من التجار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي فأنزل الله ) وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ( ثم انقطع الوحي فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فصلى الظهر فقال المشركون قد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم إن لهم أخرى مثلها في أثرها فأنزل الله بين الصلاتين ) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم ( إلى قوله ) إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ( فنزلت صلاة الخوف وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والحاكم وصححه عن أبي عياش الزرقي قال كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الظهر فقالوا قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ثم قالوا تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم فنزل جبريل بهذه الآيات ) وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ( ثم ذكر صفة الصلاة التي صلوها مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأحاديث في صفة صلاة الخوف كثيرة وهي مستوفاة في مواطنها فلا نطول بذكرها ها هنا وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله ) إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى ( قال نزلت في عبدالرحمن بن عوف كان جريجا
النساء 103 - 104


"""""" صفحة رقم 510 """"""
النساء : ( 103 ) فإذا قضيتم الصلاة . . . . .
( قضيتم ) بمعنى فرغتم من صلاة الخوف وهو أحد معاني القضاء ومثله ) فإذا قضيتم مناسككم ( ) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ( قوله ) فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ( أي في جميع الأحوال حتى حال القتال وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو أثر صلاة الخوف أي إذا فرغتم من الصلاة فاذكروا الله في هذه الأحوال وقيل معنى قوله ) فإذا قضيتم الصلاة ( إذا صليتم فصلوا قياما وقعودا أو على جنوبكم حسبما يقتضيه الحال عند ملاحمة القتال فهي مثل قوله ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( قوله ) فإذا اطمأننتم ( أي أمنتم وسكنت قلوبكم والطمأنينة سكون النفس من الخوف ) فأقيموا الصلاة ( أي فأتوا بالصلاة التي دخل وقتها على الصفة المشروعة من الأذكار والأركان ولا تفعلوا ما أمكن فإن ذلك إنما هو في حال الخوف وقيل المعنى في الآية أنهم يقضون ما صلوه في حال المسايفة لأنها حالة قلق وانزعاج وتقصير في الأذكار والأركان وهو مروي عن الشافعي والأول ارجح ) إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( أي محدودا معينا يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت والمعنى إن الله افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم أو سهو أو نحوهما
النساء : ( 104 ) ولا تهنوا في . . . . .
قوله ) ولا تهنوا في ابتغاء القوم ( أي لا تضعفوا في طلبهم وأظهروا القوة والجلد قوله ) إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ( تعليل للنهي المذكور قبله أي ليس ما تجدونه من ألم الجراح ومزاولة القتال مختصا بكم بل هو أمر مشترك بينكم وبينهم فليسوا بأولى منكم بالصبر على حر القتال ومرارة الحرب ومع ذلك فلكم عليهم مزية لا توجد فيهم وهي أنكم ترجون من الله من الأجر وعظيم الجزاء ما لا يرجونه لكفرهم وجحودهم فأنتم أحق بالصبر منهم وأولى بعدم الضعف منهم فإن أنفسكم قوية لأنها ترى الموت مغنما وهم يرونه مغرما ونظير هذه الآية قوله تعالى ) إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ( وقيل إن الرجاء هنا بمعنى الخوف لأن من رجا شيئا فهو غير قاطع بحصوله فلا يخلو من خوف ما يرجو وقال الفراء والزجاج لا يطلق الرجاء بمعنى الخوف إلا مع النفي كقوله تعالى ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( أي لا تخافون له عظمة وقرأ عبدالرحمن الأعرج ) إن تكونوا ( بفتح الهمزة أي لأن تكونوا وقرأ منصور بن المعتمر تيلمون بكسر التاء ولا يجوز عند البصريين كسر التاء لثقله
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ( قال بالليل والنهار في البر والبحر وفي السفر والحضر والغنى والفقر والسقم والصحة والسر والعلانية وعلى كل حال وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه بلغه أن قوما يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فقال إنما هذه إذا لم يستطيع الرجل أن يصلي قائما صلى قاعدا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) فإذا اطمأننتم ( قال إذا خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة ) فأقيموا الصلاة ( قال أتموها وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة نحوه وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه أيضا وأخرج ابن


"""""" صفحة رقم 511 """"""
أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( يعني مفروضا وأخرج ابن جرير عنه قال الموقوت الواجب وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولا تهنوا ( قال ولا تضعفوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) تألمون ( قال توجعون ) وترجون من الله ما لا يرجون ( قال ترجون الخير
النساء 105 - 109
النساء : ( 105 ) إنا أنزلنا إليك . . . . .
قوله ) بما أراك الله ( إما بوحي أو بما هو جار على سنن ما قد أوحي الله به وليس المراد هنا رؤية العين لأن الحكم لا يرى بل المراد بما عرفة الله به وأرشده إليه قوله ) ولا تكن للخائنين ( أي لأجل الخائنين خصيما أي مخاصما عنهم مجادلا للمحقين بسببهم وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق
النساء : ( 106 ) واستغفر الله إن . . . . .
قوله ) واستغفر الله ( أمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالاستغفار قال ابن جرير إن المعنى استغفر الله من ذنبك في خصامك للخائنين وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله الآية وبه يتضح المراد وقيل المعنى واستغفر الله للمذنبين من أمتك والمخاصمين بالباطل
النساء : ( 107 ) ولا تجادل عن . . . . .
قوله ) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ( أي لا تحاجج عن الذين يخونون أنفسهم والمجادلة مأخوذة من الجدل وهو الفتل وقيل مأخوذة من الجدالة وهي وجه الأرض لأن كل واحد من الخصمين يريد أن يلقى صاحبه عليها وسمي ذلك خيانة لأنفسهم لأن ضرر معصيتهم راجع إليهم والخوان كثير الخيانة والأثيم كثير الإثم وعدم المحبة كناية عن البغض
النساء : ( 108 ) يستخفون من الناس . . . . .
قوله ) يستخفون من الناس ( أي يستترون منهم كقوله ) ومن هو مستخف بالليل ( أي مستتر وقيل معناه يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله أي لا يستترون منه أو لا يستحيون منه والحال أنه معهم في جميع أحوالهم عالم بما هم فيه فكيف يستخفون منه ) إذ يبيتون ( أي يديرون الرأي بينهم وسماه تبييتا لأن الغالب أن تكون إدارة الرأي بالليل ) ما لا يرضى من القول ( أي من الرأي الذي أداروه بينهم وسماه قولا لأنه لا يحصل إلا بعد المقاولة بينهم
النساء : ( 109 ) ها أنتم هؤلاء . . . . .
قوله ) ها أنتم هؤلاء ( يعني القوم الذين جادلوا عن صاحبهم السارق كما سيأتي والجملة مبتدأ وخبر قال الزجاج ) أولاء ( بمعنى الذين و ) جادلتم ( بمعنى حاججتم ) في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ( الاستفهام للإنكار والتوبيخ أي فمن يخاصم ويجادل الله عنهم يوم القيامة عند تعذيبهم بذنوبهم ) أم من يكون عليهم وكيلا ( أي مجادلا ومخاصما والوكيل في الأصل القائم بتدبير الأمور والمعنى من ذاك يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن قتادة بن النعمان قال


"""""" صفحة رقم 512 """"""
كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشر رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ينحله بعض العرب ثم يقول قال فلان كذا وكذا قال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك الشعر قالوا والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث فقال أو كلما قال الرجال قصيدة
أصموا فقالوا ابن الأبيرق قالها
اه
قال وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة أي حمولة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن رافع جملا من الدرمك فجعله في مشربة وفي المشربة سلاح له درعان وسيفاهما وما يصلحهما فعدى عليه من تحت الليل فنقبت المشربة أخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي تعلم أن قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا قال فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا نارا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال وكان بنو أبيريق قالوا ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ثم أتى بني ابيرق وقال أنا أسرق فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالوا إليك عنا أيها الرجل فوالله ما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي يابن أخي لو أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت ذلك له قال قتادة فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له واخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سأنظر في ذلك فلما سمع ذلك بنو أبيرق اتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك واجتمع إليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكلمته فقال عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت قال قتادة فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال لي يا بن أخي ما صنعت فأخبرته بما قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال الله المستعان فلم نلبث أن نزل القرآن ) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( بني أبيرق ) واستغفر الله ( أي مما قلت لقتادة ) إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ( إلى قوله ) ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ( أي لو استغفروا الله لغفر لهم ) ومن يكسب إثما ( إلى قوله ) فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ( قولهم للبيد ) ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ( يعني أسير بن عروة فلما نزل القرآن أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالسلاح فرده إلى رفاعة قال قتادة فلما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد غشي في الجاهلية أي كبر وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال يا ابن أخي هو في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد فأنزل الله ) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ( إلى قوله


"""""" صفحة رقم 513 """"""
) ضلالا بعيدا ( فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت فرمت به في الأبطح ثم قالت أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني ورواه يونس بن بكير وغير واحد عن محمد ابن إسحاق عن عاصم ابن عمر بن قتادة مرسلا لم يذكر فيه عن أبيه عن جده ورواه ابن أبي حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني عن محمد ابن سلمة به ببعضه ورواه ابن المنذر في تفسيره قال حدثنا محمد بن إسماعيل يعني الصانع حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا محمد بن سلمة فذكره بطوله ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره عن محمد بن العباس ابن أيوب والحسن بن يعقوب كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني عن محمد بن سلمة به ثم قال في آخره قال محمد بن سلمة سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن أبي إسرائيل وقد رواه الحاكم في المستدرك عن أبي العباس الأصم عن أحمد بن عبدالجبار العطاردي عن يونس بن بكير عن محمد ابن إسحاق بمعناه أثم منه ثم قال هذا صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه ابن سعد عن محمود بن لبيد قال غدا بشير فذكره مختصرا وقد رويت هذه القصة مختصرة ومطولة عن جماعة من التابعين
النساء 110 - 113
النساء : ( 110 ) ومن يعمل سوءا . . . . .
هذا من تمام القصة السابقة والمراد بالسوء القبيح الذي يسوء به ) أو يظلم نفسه ( بفعل معصية من المعاصي أو ذنب من الذنوب التي لا تتعدى إلى غيره ) ثم يستغفر الله ( يطلب منه أن يغفر له ما قارفه من الذنب ) يجد الله غفورا ( لذنبه ) رحيما ( به وفيه ترغيب لمن وقع منه السرق من بني أبيرق أن يتوب إلى الله ويستغفره وأنه غفور لمن يستغفره رحيم به وقال الضحاك إن هذه الآية نزلت في شأن وحشي قاتل حمزة أشرك بالله وقتل حمزة ثم جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال هل لي من توبة فنزلت وعلى كل حال فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فهي لكل عبد من عباد الله أذنب ذنبا ثم استغفر الله سبحانه
النساء : ( 111 ) ومن يكسب إثما . . . . .
قوله ) ومن يكسب إثما ( من الآثام بذنب يذنبه ) فإنما يكسبه على نفسه ( أي عاقبته عائدة عليه والكسب ما يجر به الإنسان إلى نفسه نفعا أو يدفع به ضررا ولهذا لا يسمى فعل الرب كسبا قاله القرطبي
النساء : ( 112 ) ومن يكسب خطيئة . . . . .
) ومن يكسب خطيئة أو إثما ( قيل هما بمعنى واحد كرر للتأكيد وقال الطبري إن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد والإثم لا يكون إلا عن عمد وقيل الخطيئة الصغيرة والاثم الكبيرة قوله ) ثم يرم به بريئا ( توحيد الضمير لكون العطف بأو أو لتغليب الإثم على الخطيئة وقيل إنه يرجع إلى الكسب قوله ) فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ( لما كانت الذنوب لازمة لفاعلها كانت كالثقل


"""""" صفحة رقم 514 """"""
الذي يحمل ومثله ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( والبهتان مأخوذ من البهت وهو الكذب على البريء بما ينبهت له ويتحير منه يقال بهته بهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يقل ويقال بهت الرجل بالكسر إذا دهش وتحير وبهت بالضم ومنه ) فبهت الذي كفر ( والإثم المبين الواضح
النساء : ( 113 ) ولولا فضل الله . . . . .
قوله ) ولولا فضل الله عليك ورحمته ( خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بهذا الفضل والرحمة لرسول الله أنه نبهه على الحق في قصة بني أبيرق وقيل المراد بهما النبوة والعصمة ) لهمت طائفة منهم ( أي من الجماعة الذين عضدوا بني أبيرق كما تقدم ) أن يضلوك ( عن الحق ) وما يضلون إلا أنفسهم ( لأن وبال ذلك عائد عليهم ) وما يضرونك من شيء ( لأن الله سبحانه هو عاصمك من الناس ولأنك عملت بالظاهر ولا ضرر عليك في الحكم به قبل نزول الوحي والجار والمجرور في محل نصب على المصدرية أي وما يضرونك شيئا من الضرر قوله ) وأنزل الله عليك الكتاب ( قيل هذا ابتداء كلام وقيل الواو للحال أي وما يضرونك من شيء حال إنزال الله عليك الكتاب والحكمة أو مع إنزال الله ذلك عليك قوله ) وعلمك ما لم تكن تعلم ( معطوف على أنزل أي علمك بالوحي ما لم تكن تعلم من قبل ) وكان فضل الله عليك عظيما ( إذ لا فضل أعظم من النبوة ونزول للوحي
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( الآية قال أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا ثم استغفر الله يجد الله غفورا رحيما ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر الله غفر له ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ( ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وعلمك ما لم تكن تعلم ( قال علمه الله بيان الدنيا والآخرة بين حلاله وحرامه ليحتج بذلك على خلقه وأخرج أيضا عن الضحاك قال علمه الخير والشر وقد ورد في قبول الاستغفار وأنه يمحو الذنب أحاديث كثيرة مدونة في كتب السنة
النساء 114 - 115
النساء : ( 114 ) لا خير في . . . . .
النجوى السر بين الإثنين أو الجماعة تقول ناجيت فلانا مناجاة ونجاء وهم ينتجون ويتناجون ونجوت فلانا أنجوه نجوى أي ناجيته فنجوى مشتقة من نجوت الشيء أنجوه أي خلصته وافردته والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله فالنجوى المسارة مصدر وقد تسمى به الجماعة كما يقال قوم عدل قال الله تعالى ) وإذ هم نجوى ( فعلى الأول يكون الاستثناء منقطعا أي لكن من أمر بصدقة أو متصلا على تقدير إلا نجوى من أمر بصدقة وعلى الثاني يكون الاستثناء متصلا في موضع خفض على البدل من كثير أي لا خير في كثير إلا فيمن أمر بصدقة وقد قال جماعة من المفسرين إن النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الإثنين سواء كان


"""""" صفحة رقم 515 """"""
ذلك سرا أو جهرا وبه قال الزجاج قوله ) بصدقة ( الظاهر انها صدقة التطوع وقيل إنها صدقة الفرض والمعروف صدقة التطوع والأول أولى والمعروف لفظ عام يشمل جميع أنواع البر وقال مقاتل المعروف هنا القرض والأول أولى ومنه قول الخطيئة من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
ومنه الناس الحديث كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وقيل المعروف إغاثة الملهوف والإصلاح بين الناس عام في الدماء والأعراض والأموال وفي كل شيء يقع التداعي فيه قوله ) ومن يفعل ذلك ( إشارة إلى الأمور المذكورة جعل مجرد الأمر بها خيرا ثم رغب في فعلها بقوله ) ومن يفعل ذلك ( لأن فعلها أقرب إلى الله من مجرد الأمر إذ خيرية الأمر بها إنما هي لكونه وسيلة إلى فعلها قوله ) ابتغاء مرضات الله ( علة للفعل لأن من فعلها لغير ذلك فهو غير مستحق لهذا المدح والجزاء بل قد يكون غير ناج من الوزر والأعمال بالنيات
النساء : ( 115 ) ومن يشاقق الرسول . . . . .
) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ( المشاققة المعاداة والمخالفة وتبين الهدى ظهوره بإن يعلم صحة الرسالة بالبراهين الدالة على ذلك ثم يفعل المشاققة ) ويتبع غير سبيل المؤمنين ( أي غير طريقهم وهو ما هم عليه من دين الإسلام والتمسك بأحكامه ) نوله ما تولى ( أي نجعله واليا لما توالاه من الضلال ) ونصله جهنم ( قرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو ) تولى ونصله ( بسكون الهاء في الموضعين وقرأ الباقون بكسرهما وهما لغتان وقريء ونصله بفتح النون من الصلاة وقد تقدم بيان ذلك وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على حجية الإجماع لقوله ) ويتبع غير سبيل المؤمنين ( ولا حجة في ذلك عندي لأن المراد بغير سبيل المؤمنين هنا هو الخروج من دين الإسلام إلى غيره كما يفيده اللفظ ويشهد به السبب فلا تصدق على عالم من علماء هذه الملة الإسلامية اجتهد في بعض مسائل دين الإسلام فأداه اجتهاده إلى مخالفة من بعصره من المجتهدين فإنه إنما رام السلوك في سبيل المؤمنين وهو الدين القويم والملة الحنيفية ولم يتبع غير سبيلهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن أم حبيبة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله عز وجل ) قال سفيان الثوري هذا في كتاب الله ) لا خير في كثير من نجواهم ( الآية وقوله ) يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ( وقوله ) والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( وقد وردت أحاديث صحيحة في الصمت والتحذير من آفات اللسان والترغيب في حفظه وفي الحث على الإصلاح بين الناس وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ابن حيان في قوله ) ومن يفعل ذلك ( تصدق أو أقرض أو أصلح بين الناس وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة عن أنس قال جاء أعرابي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله أنزل علي القرآن يا أعرابي ) لا خير في كثير من نجواهم ( إلى قوله ) فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( يا أعرابي الأجر العظيم الجنة قال الأعرابي الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأخرج الترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدا ويد الله على الجماعة فمن شذ شذ في النار ) وأخرجه الترمذي والبيهقي أيضا عن ابن عباس مرفوعا


"""""" صفحة رقم 516 """"""
النساء 116 - 122
النساء : ( 116 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( قد تقدم تفسير هذه الآية وتكريرها بلفظها للتأكيد وقيل كررت هنا لأجل قصة بني ابيرق وقيل إنها نزلت هنا لسبب غير قصة بني أبيرق وهو ما رواه الثعلبي والقرطبي في تفسيرهما على الضحاك أن شيخا من الأعراب جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله أني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا إلا أني لم أشرك بالله شيئا مذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا ولم أوقع المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له وإني لنادم وتائب ومستغفر فما حالي عند الله فأنزل الله تعالى ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية ) ومن يشرك بالله فقد ضل ( عن الحق ) ضلالا بعيدا ( لأن الشرك أعظم أنواع الضلال وأبعدها من الصواب
النساء : ( 117 ) إن يدعون من . . . . .
) إن يدعون من دونه إلا إناثا ( أي ما يدعون من دون الله إلا أصناما لها أسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة وقيل المراد بالإناث الموات التي لا روح لها كالخشبة والحجر وقيل المراد بالإناث الملائكة لقولهم الملائكة بنات الله وقريء ? وثنا ? بضم الواو والثاء جمع وثن روى هذه القراءة ابن الأنباري عن عائشة وقرأ ابن عباس ? إلا أثنا ? جمع وثن أيضا وأصله وثن فأبدلت الواو همزة وقرأ الحسن إلا أنثا بضم الهمزة والنون بعدها مثلثة جمع أنيث كغدير وغدر وحكى الطبري أنه جمع إناث كثمار وثمر وحكى هذه القراءة أبو عمرو الداني عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال وقرأ بها ابن عباس والحسن وأبو حيوة وعلى جميع هذه القراءات فهذا الكلام خارج مخرج التوبيخ للمشركين والإزراء عليهم والتضعيف لعقولهم لكونهم عبدوا من دون الله نوعا ضعيفا ) وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ( أي وما يدعون من دون الله إلا شيطانا مريدا وهو إبليس لعنه الله لأنهم إذا أطاعوه فيما سول لهم فقد عبدوه وقد تقدم اشتقاق لفظ الشيطان والمريد المتمرد العاتي من مرد إذا عتا قال الأزهري المريد الخارج عن الطاعة وقد مرد الرجل مرودا إذا عتا وخرج عن الطاعة فهو مارد ومريد ومتمرد وقال ابن عرفة هو الذي ظهر شره يقال شجرة مرداء إذا تساقط ورقها وظهرت عيدانها ومنه قيل للرجل أمرد أي ظاهر مكان الشعر من عارضيه
النساء : ( 118 ) لعنه الله وقال . . . . .
قوله ) لعنة الله ( أصل اللعن الطرد والإبعاد وقد تقدم وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط قوله ) وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ( معطوف على قوله ) لعنة الله (


"""""" صفحة رقم 517 """"""
والجملتان صفة لشيطان أي شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله له وبين هذا القول الشنيع والنصيب المفروض هو المقطوع المقدر أي لأجعلن قطعة مقدرة من عباد الله تحت غوايتي وفي جانب إضلالى حتى أخرجهم من عبادة الله إلى الكفر به
النساء : ( 119 ) ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم . . . . .
قوله ) ولأضلنهم ( اللام جواب قسم محذوف والإضلال الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية وهكذا اللام في قوله ) ولأمنينهم ولآمرنهم ( والمراد بالأماني التي يمنيهم بها الشيطان هي الأماني الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته قوله ) ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ( أي ولآمرنهم بتبتك آذان الأنعام أي تقطيعها فليبتكنها بموجب أمري والبتك القطع ومنه سيف باتك يقال بتكه وبتكه مخففا ومشددا ومنه قول زهير طارت وفي كفه من ريشها بتك
أي قطع وقد فعل الكفار ذلك امتثالا لأمر الشيطان واتباعا لرسمه فشقوا آذان البحائر والسوائب كما ذلك معروف قوله ) ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ( أي لآمرنهم بتغيير خلق الله فليغيرنه بموجب أمري لهم واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو فقالت طائفة هو الخصاء وفقء الأعين وقطع الآذان وقال آخرون إن المراد بهذا التغيير هو أن الله سبحانه خلق الشمس والقمر والأحجار والنار ونحوها من المخلوقات لما خلقها له فغيره الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة وبه قال الزجاج وقيل المراد بهذا التغيير تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور حملا شموليا أو بدليا
وقد رخص طائفة من العلماء في خصاء البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره وكره ذلك آخرون وأما خصاء بني آدم فحرام وقد كره قوم شراء الخصي قال القرطبي ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود قال أبو عمر ابن عبدالبر ) ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله ( باتباعه وامتثال ما يأمر به من دون اتباع لما أمر الله به ولا امثتال له ) فقد خسر خسرانا مبينا ( أي واضحا ظاهرا
النساء : ( 120 ) يعدهم ويمنيهم وما . . . . .
) يعدهم ( المواعيد الباطلة ) ويمنيهم ( الأماني العاطلة ) وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( أي وما يعدهم الشيطان بما يوقعه في خواطرهم من الوساوس الفارغة ) إلا غرورا ( يغرهم به ويظهر لهم فيه النفع وهو ضرر محض وانتصاب غرورا على أنه نعت لمصدر محذوف أي وعدا غرورا أو على أنه مفعول ثان أو مصدر على غير لفظه قال ابن عرفة الغرور ما رأيت له ظاهرا تحبه وله باطن مكروه وهذه الجملة اعتراضية
النساء : ( 121 ) أولئك مأواهم جهنم . . . . .
قوله ) أولئك ( إشارة إلى أولياء الشيطان وهذا مبتدأ وخبره الجملة وهي قوله ) مأواهم جهنم ( قوله ) محيصا ( أي معدلا من حاص يحيص وقيل ملجأ ومخلصا والمحيص اسم مكان وقيل مصدر
النساء : ( 122 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
قوله ) والذين آمنوا ( إلخ جعل هذا الوعد للذين آمنوا مقترنا بالوعيد المتقدم للكافرين قوله ) وعد الله حقا ( قال في الكشاف مصدران الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره ووجهه أن الأول مؤكد لمضمون الجملة الاسمية ومضمونها وعد والثاني مؤكد لغيره أي حق ذلك حقا قوله ) ومن أصدق من الله قيلا ( هذه الجملة مؤكدة لما قبلها والقيل مصدر قال كالقول أي لا أجد اصدق قولا من الله عز وجل وقيل إن قيلا اسم لا مصدر وإنه منتصب على التمييز
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي من حديث علي أنه قال ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( قال الترمذي حسن غريب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك في قوله ) إن يدعون من دونه إلا إناثا ( قال اللات والعزة ومناة كلها مؤنثة وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد المسند وابن المنذر وابن أبي حاتم والضياء في المختارة عن أبي بن كعب في الآية قال مع كل صنم جنية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) إن يدعون من دونه إلا إناثا ( قال موتي وأخرج مثله عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وأخرج مثله أيضا عبد بن حميد


"""""" صفحة رقم 518 """"""
وابن جرير عن قتادة وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال كان لكل حى من أحياء العرب صنم يعبدونها يسمونها أنثى بني فلان فأنزل الله ) إن يدعون من دونه إلا إناثا ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك قال المشركون إن الملائكة بنات الله وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى قال اتخذوهن أربابا وصوروهن صور الجواري فحلوا وقلدوا وقالوا هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله ) وقال لأتخذن من عبادك ( إلخ قال هذا إبليس يقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة وأخرج ابن المنذر عن الربيع بن أنس مثله وأخرج عبدالرزاق و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) فليبتكن آذان الأنعام ( قال التبتيك في البحيرة والسابئة يبتكون آذانها لطواغيتهم وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أنس أنه كره الإخصاء وقال فيه نزلت ) ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي شيبة و البيهقي عن ابن عمر قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن صبر الروح وإخصاء البهائم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ) ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ( قال دين الله وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال الوشم
النساء 123 - 126
النساء : ( 123 ) ليس بأمانيكم ولا . . . . .
قرأ أبو جعفر بتخفيف الياء من أماني في الموضعين واسم ليس محذوف أي ليس دخول الجنة أو الفضل أو القرب من الله بأمانيكم ولا اماني أهل الكتاب كما يدل على ذلك سبب نزول الآية الآتي وقيل ضمير يعود إلى وعد الله وهو بعيد ومن أماني أهل الكتاب قولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه وقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قوله ) من يعمل سوءا يجز به ( قيل المراد بالسوء الشرك وظاهر الآية أعم من ذلك فكل من عمل سوءا أي سوء كان فهو مجزى به من غير فرق بين المسلم الكافر وفي هذه الجملة ما ترجف له القلوب من الوعيد الشديد وقد كان لها في صدور المسلمين عند نزولها موقع عظيم كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال لما نزلت ) من يعمل سوءا يجز به ( بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها قوله ولا يجد له قرأه الجماعة بالجزم


"""""" صفحة رقم 519 """"""
عطفا على الجزاء وروى ابن بكار عن ابن عامر ولايجد بالرفع استئنافا أي ليس لمن يعمل السوء من دون الله وليا يواليه ولا نصيرا ينصره
النساء : ( 124 ) ومن يعمل من . . . . .
) ومن يعمل من الصالحات ( أي بعضها حال كونه ) من ذكر أو أنثى ( وحال كونه مؤمنا والحال الأولى لبيان من يعمل والحال الأخرى لإفادة إشتراط الإيمان في كل عمل صالح ) فأولئك ( إشارة إلى العمل المتصف بالإيمان ) يدخلون الجنة ( قرأ أبو عمرو وابن كثير ) يدخلون ( بضم حرف المضارعة على البناء للمجهول وقرأ الباقون بفتحها على البناء للمعلوم ) ولا يظلمون نقيرا ( أي لا ينقصون شيئا حقيرا وقد تقدم تفسير النقير
النساء : ( 125 ) ومن أحسن دينا . . . . .
) ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ( أي أخلص نفسه له حال كونه محسنا أي عاملا للحسنات ) واتبع ملة إبراهيم ( أي دينه حال كون المتبع ) حنيفا ( أي مائلا عن الأديان الباطلة إلى دين الحق وهو الإسلام ) واتخذ الله إبراهيم خليلا ( أي جعله صفوة له وخصه بكراماته قال ثعلب إنما سمى الخيل خليلا لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خليلا إلا ملأته وأنشد قول بشار قد تخللت مسلك الروح منى
وبه سمى الخليل خليلا
وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم وقيل هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب وقد كان إبراهيم عليه السلام محبوبا لله ومحبا له وقيل الخليل من الاختصاص فالله سبحانه اختص إبراهيم برسالته في ذلك الوقت واختاره لها واختار هذا النحاس وقال الزجاج معنى الخيل الذي ليس في محبته خلل
النساء : ( 126 ) ولله ما في . . . . .
) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( فيه إشارة إلى انه سبحانه أتخذ إبراهيم خليلا لطاعته لا لحاجته ولا للتكثير به والاعتضاد بمخاللته ) وكان الله بكل شيء محيطا ( هذه الجملة مقررة لمعنى الجملة التي قبلها أي أحاط علمه بكل شيء لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال قالت العرب لا نعبث ولا نحاسب وقالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة فأنزل الله ) ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مسروق قال أحتج المسلمون وأهل الكتاب فقال المسلمين نحن أهدى منكم وقال أهل الكتاب نحن أهدى منكم فنزلت ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية ) ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مسروق قال تفاخر النصارى وأهل الإسلام فقال هؤلاء نحن أفضل منكم وقال هؤلاء نحن أفضل منكم فنزلت وقد ورد معنى هذه الروايات من طرق كثيرة مختصرة ومطولة وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن المنذر عن أبي بكر الصديق ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له لما نزلت هذه الآية اما أنت وأصحابك يا أبا بكر فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما سمعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ان ابن عمر لقيه فسأله عن هذه الآية ) ومن يعمل من الصالحات ( قال الفرائض وأخرج الحاكم وصححه عن جندب أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول قبل أن يتوفى إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وأخرج الحاكم أيضا وصححه عن ابن عباس قال أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 520 """"""
النساء 12
النساء : ( 127 ) ويستفتونك في النساء . . . . .
سبب نزول هذه الآية سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغيره فامر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقل لهم ) الله يفتيكم ( أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه وهذه الآية رجوع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها فسألوا فقيل لهم ) الله يفتيكم ( قوله ) وما يتلى عليكم ( معطوف على قوله ) الله يفتيكم ( والمعنى والقرآن الذي يتلى عليكم يفتيكم فيهن والمتلو في الكتاب في معنى اليتامى قوله تعالى ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( ويجوز أن يكون قوله ) وما يتلى ( معطوفا على الضمير في قوله ) يفتيكم ( الراجع إلى مبتدأ لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمفعول والجار والمجرور ويجوز ان يكون مبتدأ وفي الكتاب خبره على ان المراد به اللوح المحفوظ وقد قيل في إعرابه غير ما ذكرنا ولم نذكره لضعفه وقوله ) في يتامى النساء ( على الوجه الأول والثاني صلة لقوله ) يتلى ( وعلى الوجه الثالث بدل من قوله ) فيهن ( ) اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن ( أي ما فرض لهن من الميراث وغيره ) وترغبون ( معطوف على قوله ) تؤتونهن ( عطف جملة مثبتة على جملة منفية وقيل حال من فاعل ) تؤتونهن ( وقوله ) أن تنكحوهن ( يحتمل ان يكون التقدير في أن تنكحوهن أي ترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن ويحتمل ان يكون التقدير وترغبون عن ان تنكحوهن لعدم جمالهن قوله ) والمستضعفين من الولدان ( معطوف على يتامى النساء أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء وفي المستضعفين من الوالدان وهو قوله تعالى ) يوصيكم الله في أولادكم ( وقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا من كان مستضعفا من الوالدان كما سلف وإنما يورثون الرجال القائمين بالقتال وسائر الأمور قوله ) وأن تقوموا لليتامى بالقسط ( معطوف على قوله ) في يتامى النساء ( كالمستضعفين أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء وفي المستضعفين وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط أي العدل ويجوز ان يكون في محل نصب أي ويأمركم أن تقوموا ) وما تفعلوا من خير ( في حقوق المذكورين ) فإن الله كان به عليما ( يجازيكم بحسب فعلكم من خير وشر
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) ويستفتونك في النساء ( الآية قال كان أهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر ولا يورثون المرأة فلما كان الإسلام قال ) ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ( في أول السورة في الفرائض وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان شيئا كانوا يقولون لا يغزون ولا يغنمون خيرا ففرض الله لهن الميراث حقا واجبا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه بأطول منه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن إبراهيم في الآية قال كانوا إذا كانت الجارية يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها وحبسوها من التزويج حتى تموت فيرثونها فأنزل الله هذا واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة في قوله ) ويستفتونك في النساء ( إلى قوله ) وترغبون أن تنكحوهن ( قالت هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها قد شركته في ماله حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فتشركه


"""""" صفحة رقم 521 """"""
في ماله بما شركته فيعضلها فنزلت هذه الآية وأخرج ابن المنذر من طريق ابن عون عن الحسن وابن سيرين في هذه الآية قال أحدهما ترغبون فيهن وقال الآخر ترغبون عنهن
النساء 128 - 130
النساء : ( 128 ) وإن امرأة خافت . . . . .
امرأة مرفوعة بفعل مقدر يفسره ما بعده أي وإن خافت امرأة خافت بمعنى توقعت ما تخاف من زوجها وقيل معناه تيقنت وهو خطأ قال الزجاج المعنى ) وإن امرأة خافت من بعلها ( دوام النشوز قال النحاس الفرق بين النشوز والاعراض ان النشوز التباعد والاعراض ان لا يكلمها ولا يأنس بها وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند مخافة أي نشوز أو أي اعراض والإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي سيأتي وظاهرها انه يجوز التصالح بأي نوع من أنواعه إما بإسقاط النوبة أو بعضها أو بعض النفقة أو بعض المهر قوله ? أن يصالحا ? هكذا قرأ الجمهور وقرأ الكفيون ) أن يصلحا ( وقراءة الجمهور أولى لأن قاعدة العرب أن الفعل إذا كان بين أثنين فصاعدا قيل تصالح الرجلان أو القوم لاأصلح وقوله ) صلحا ( منصوب على انه اسم مصدر أو على انه مصدر محذوف الزوائد أو منصوب بفعل محذوف أي فيصلح حالهما صلحا وقيل هو منصوب على المفعولية وقوله ) بينهما ( ظرف للفعل أو في محل نصب على الحال قوله ) والصلح خير ( لفظ عام يقتضي أن الصلح الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير على الإطلاق أو خير من الفرقة أو من الخصومة وهذه جملة اعتراضية قوله ) وأحضرت الأنفس الشح ( إخبار منه سبحانه بإن الشح في كل واحد منهما بل في كل الأنفس الإنسانية كائن وأنه جعل كأنه حاضر لها لا يغيب عنها بحال من الأحوال وأن ذلك بحكم الجبلة والطبيعة فالرجل يشح بما يلزمه للمرأة من حسن العشرة وحسن النفقة ونحوها والمرأة تشح على الرجل بحقوقها اللازمة للزوج فلا تترك له شيئا منها وشح الأنفس بخلها بما يلزمها أو يحسن فعله بوجه من الوجوه ومنه ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون قوله ) وإن تحسنوا وتتقوا ( أي تحسنوا عشرة النساء وتتقوا ما لا يجوز من النشوز والإعراض ) فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( فيجازيكم يا معشر الأزواج بما تستحقونه
النساء : ( 129 ) ولن تستطيعوا أن . . . . .
قوله ) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ( أخبر سبحانه بنفي استطاعتهم للعدل بين النساء على الوجه الذي لا ميل فيه ألبتة لما جبلت عليه الطباع البشرية من ميل النفس إلى هذه دون هذه وزيادة هذه في المحبة ونقصان هذه وذلك بحكم الخلقة بحيث لا يملكون قلوبهم ولا يستطيعون توقيف أنفسهم على التسوية ولهذا كان يقول الصادق المصدوق ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك ولما كانوا لا يستطيعون ذلك ولو حرصوا عليه وبالغوا فيه نهاهم عز وجل عن ان يميلوا كل الميل لأن تترك ذلك وتجنب الجور كل الجور في وسعهم وداخل تحت طاقتهم فلا يجوز لهم أن يميلوا عن إحداهن إلى الأخرى كل الميل حتى يذروا الأخرى كالمعلقة التي ليست ذات زوج ولا


"""""" صفحة رقم 522 """"""
مطلقة تشبيها بالشيء الذي هو معلق غير مستقر على شيء وفي قراءة أبي فتذروها كالمسجونة قوله ) وإن تصلحوا ( أي ما افسدتم من الأمور التي تركتم ما يجب عليكم فيها من عشرة النساء والعدل بينهن ) وتتقوا ( كل الميل الذي نهيتم عنه ) فإن الله كان غفورا رحيما ( لا يؤاخذكم بما فرط منكم
النساء : ( 130 ) وإن يتفرقا يغن . . . . .
قوله ) وإن يتفرقا ( أي لم يتصالحا بل فارق كل واحد منهما صاحبه ) يغن الله كلا ( منهما أي يجعله مستغنيا عن الآخر بأن يهييء للرجل امرأة توافقه وتقر بها عينه وللمرأة رجلا تغتبط بصحبته ويرزقهما ) من سعته ( رزقا يغنيهما به عن الحاجة ) وكان الله واسعا حكيما ( واسع الفضل صادرة أفعالة على جهة الإحكام والإتقان
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر والطبراني و البيهقي عن ابن عباس قال خشيت سودة أن يطلقها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا رسول الله لا تطلقني وأجعل يومي لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية ) وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ( الآية قال ابن عباس فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز واخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة ان سبب نزول الآية هو قصة سودة المذكورة وأخرج البخاري وغيره عنها في الآية قالت الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول أجعلك من شأني في حل فنزلت هذه الآية وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور وبن أبي شيبة والبيهقي عن سعيد بن المسيب ان ابنة محمد بن سلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك فاصطلحا وجرت السنة بذلك ونزل القرآن ) وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ( الآية وأخرج أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وابن راهويه و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر و البيهقي عن علي انه سئل عن هذه الآية فقال هو رجل عنده امرأتان فتكون إحدهما قد عجزت أو تكون دميمة فيريد فراقها فتصالحه على ان يكون عندها ليلة وعنده الأخرى ليالي ولا يفارقها فما طابت به نفسها فلا بأس به فإن رجعت سوى بينهما وقد ورد عن جماعة من الصحابة نحو هذا وثبت في الصحيحين من حديث عاشة قالت لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقسم لها بيوم سودة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) وأحضرت الأنفس الشح ( قال هواه في الشيء يحرص عليه وفي قوله ) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ( قال في الحب والجماع وفي قوله ) فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ( قال لا هي أيمة ولا ذات زوج وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن المنذر عن عائشة قالت ( كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) وإسناده صحيح وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد و عبد بن حميد وأهل السنن عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة واحد شقيه ساقط ) قال الترمذي إنما أسنده همام ورواه هشام الدستوائي عن قتادة قال كان يقال ولا يعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث همام وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله ) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ( قال الجماع وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال الحب


"""""" صفحة رقم 523 """"""
النساء 131 - 134
النساء : ( 131 ) ولله ما في . . . . .
قوله ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( هذه الجملة مستأنفة لتقرير كمال سعته سبحانه وشمول قدرته ) ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( أمرناهم فيما أنزلناه عليهم من الكتب واللام في الكتاب للجنس ) وإياكم ( عطف على الوصول ) أن اتقوا الله ( أي أمرناهم وأمرناكم بالتقوى وهو في موضع نصب بقوله ) وصينا ( أو منصوب بنزع الخافض قال الأخفش أي بأن اتقوا الله ويجوز ان تكون ان مفسره لأن التوصية في معنى القول قوله ) وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض ( معطوف على قوله ) أن اتقوا ( أي وصيناهم وإياكم بالتقوى وقلنا لهم ولكم إن تكفروا وفائدة هذا التكرير التأكيد ليتنبه العباد على سعة ملكه وينظروا في ذلك ويعلموا أنه غني عن خلقه
النساء : ( 133 ) إن يشأ يذهبكم . . . . .
) إن يشأ يذهبكم ( أي يفنكم ) ويأت بآخرين ( أي بقوم آخرين غيركم وهو كقوله تعالى ) وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )
النساء : ( 134 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد ثواب الدنيا ( وهو من يطلب بعمله شيئا من أمور الدنيا كالمجاهد يطلب الغنيمة دون الأجر ) فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ( فما باله يقتصر على أدنى الثوابين وأحقر الأجرين وهلا طلب بعمله ما عند الله سبحانه وهو ثواب الدنيا والآخرة فيحرزهما جميعا ويفوز بهما وظاهر الآية العموم وقال ابن جرير الطبري إنها خاصة بالمشركين والمنافقين ) وكان الله سميعا بصيرا ( يسمع ما يقولونه ويبصر ما يفعلونه
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وكان الله غنيا ( عن خلقه ) حميدا ( قال مستحمدا إليهم وأخرجا أيضا عن علي مثله وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) وكفى بالله وكيلا ( قال حفيظا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه في قوله ) إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ( قال قادر والله ربنا على ذلك أن يهلك من خلقه ما شاء وياتي بآخرين من بعدهم
النساء 135 - 136 136
النساء : ( 135 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) قوامين ( صيغة مبالغة أي ليتكرر منك القيام بالقسط وهو العدل في شهادتكم على أنفسكم وهو الإقرار بما عليكم من الحقوق وأما شهادته على والديه فبأن يشهد عليهما بحق للغير وكذلك الشهادة على الأقربين وذكر الأبوين لوجوب برهما وكونهما أحب الخلق إليه ثم ذكر القربين لأنهم مظنة المودة والتعصب


"""""" صفحة رقم 524 """"""
فإذا شهدوا على هؤلاء بما عليهم فالأجنبي من الناس أحرى أن يشهدوا عليه وقد قيل إن معنى الشهادة على النفس أن يشهد بحق على من يخشى لحوق ضرر منه على نفسه وهو بعيد وقوله ) شهداء لله ( خبر بعد خبر لكان أو حال ولم ينصرف لأن فيه ألف التأنيث وقال ابن عطية الحال فيه ضعيفة في المعنى لأنها تخصص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط وقوله ) لله ( أي لمرضاته وثوابه وقوله ) ولو على أنفسكم ( متعلق بشهداء هذا المعنى الظاهر من الآية وقيل معنى ) شهداء لله ( بالوحدانية فيتعلق قوله ) ولو على أنفسكم ( بقوامين والأول أولى قوله ) إن يكن غنيا أو فقيرا ( اسم كان مقدر أي إن يكن المشهود عليه غنيا فلا يراعي لأجل غناه استجلابا لنفعه أو استدفاعا لضره فيترك الشهادة عليه أو فقيرا فلا يراعي لأجل فقره رحمة له وإشفاقا عليه فيترك الشهادة عليه وإنما قال ) فالله أولى بهما ( ولم يقل به مع أن التخيير إنما يدل على الحصول لواحد لأن المعنى فالله أولى بكل واحد منهما وقال الأخفش تكون أو بمعنى الواو وقيل إنه يجوز ذلك مع تقدم ذكرهما كما في قوله ) وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ( وقد تقدم في مثل هذا ما هو أبسط مما هنا وقرأ أبي فالله أولى بهم وقرأ ابن مسعود ( إن يكن غني أو فقير ) على أن كان تامة ) فلا تتبعوا الهوى ( نهاهم عن اتباع الهوى وقوله ) أن تعدلوا ( في موضع نصب وهو إما من العدل كأنه قال فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس أو من العدول كأنه قال فلا تتبعوا الهوى مخافة أن تعدلوا عن الحق أو كراهة أن تعدلوا عن الحق قوله ) وإن تلووا ( من اللي يقال لويت فلانا حقه إذا دفعته عنه والمراد لي الشهادة ميلا إلى المشهود عليه وقرأ ابن عامر والكوفيون ( وإن تلوا ) من الولاية أي وإن تلوا الشهادة وتتركوا ما يجب عليكم من تأديتها على وجه الحق وقد قيل إن هذه القراءة تفيد معنيين الولاية والإعراض والقراءة الأولى تفيد معنى واحدا وهو الإعراض وزعم بعض النحويين أن القراءة الثانية غلط ولحن لأنه لا معنى للولاية ها هنا قال النحاس وغيره وليس يلزم هذا ولكن يكون تلوا بمعنى تلووا وذلك أن أصله تلووا فاستثقلت الضمة على الواو بعدها واو أخرى فألقيت الحركة على اللام وحذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين وذكر الزجاج نحوه وقوله ) أو تعرضوا ( أي عن تأدية الشهادة من الأصل ) فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( أي بما تعملون من اللي والإعراض أو من كل عمل وفي هذا وعيد شديد لمن لم يأت بالشهادة كما تجب عليه وقد روى أن هذه الآية تعم القاضي والشهود أما الشهود فظاهر وأما القاضي فذلك بأن يعرض عن أحد الخصمين أو يلوي عن الكلام معه وقيل هي خاصة بالشهود
النساء : ( 136 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ( أي اثبتوا على إيمانكم ودوموا عليه والخطاب هنا للمؤمنين جميعا ) والكتاب الذي نزل على رسوله ( هو القرآن واللام للعهد ) والكتاب الذي أنزل من قبل ( هو كل كتاب واللام للجنس وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر نزل وأنزل بالضم وقرأ الباقون بالفتح فيهما وقيل إن الآية نزلت في المنافقين والمعنى يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله وقيل نزلت في المشركين والمعنى يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى آمنوا بالله وهما ضعيفان قوله ) ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ( أي بشيء من ذلك ) فقد ضل ( عن القصد ) ضلالا بعيدا ( وذكر الرسول فيما سبق لذكر الكتاب الذي أنزل عليه وذكر الرسل هنا لذكر الكتب جملة فناسبه ذكر الرسل جملة وتقديم الملائكة على الرسل لأنهم الوسائط بين الله وبين رسله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ( الآية قال أمر الله المؤمنين أن يقولوا بالحق ولو على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم لا يحابون غنيا


"""""" صفحة رقم 525 """"""
لغناه ولا يرحمون مسكينا لمسكنته وفي قوله ) فلا تتبعوا الهوى ( فتذوا الحق فتجوروا ) وإن تلووا ( يعني بألسنتكم بالشهادة ) أو تعرضوا ( عنها وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عنه في معنى الآية قال الرجلان يجلسان عند القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحد الرجلين على الآخر
وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال لما قدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة كانت البقرة أول سورة نزلت ثم أردفها سورة النساء قال فكان الرجل تكون عنده الشهادة قبل ابن عمه أو ذوي رحمه فيلوي بها لسانه أو يكتمها مما يرى من عسرته حتى يوسر فيقضي حين يوسر فنزلت ) كونوا قوامين بالقسط ( الآية وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) وإن تلووا أو تعرضوا ( يقول تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجة فلا تقيم الشهادة على وجهها والإعراض الترك وأخرج الثعلبي عن ابن عباس ( أن عبدالله بن سلام وأسدا وأسيدا ابني كعب وثعلبة بن قيس وسلاما ابن أخت عبدالله بن سلام وسلمة ابن أخيه ويامين بن يامين أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله فقالوا لا نفعل فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ( الآية ) وينبغي النظر في صحة هذا فالثعلبي رحمه الله ليس من رجال الرواية ولا يفرق بين الصحيح والموضوع وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في هذه الآية قال يعني بذلك أهل الكتاب كان الله قد أخذ ميثاقهم في التوراة والإنجيل وأقروا على أنفسهم أن يؤمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فلما بعث الله رسوله دعاهم إلى أن يؤمنوا بمحمد والقرآن وذكرهم الذي أخذ عليهم من الميثاق فمنهم من صدق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واتبعه ومنهم من كفر
النساء 137 - 141
النساء : ( 137 ) إن الذين آمنوا . . . . .
أخبر الله سبحانه عن هذه الطائفة التي آمنت ثم كفرت ثم آمنت ثم كفرت ثم ازدادت كفرا بعد ذلك كله أنه لم يكن الله سبحانه ليغفر لهم ذنوبهم ولا ليهديهم سبيلا يتوصلون به إلى الحق ويسلوكنه إلى الخير لأنه يبعد منهم كل البعد أن يخلصوا لله ويؤمنوا إيمانا صحيحا فإن هذا الاضطراب منهم تارة يدعون أنهم مؤمنون وتارة يمرقون من الإيمان


"""""" صفحة رقم 526 """"""
ويرجعون إلى ما هو دأبهم وشأنهم من الكفر المستمر والجحود الدائم يدل أبلغ دلالة على أنهم متلاعبون بالدين ليست لهم نية صحيحة ولا قصد خالص قيل المراد بهؤلاء اليهود فإنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بعزير ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل آمنوا بموسى ثم كفروا به بعبادتهم العجل ثم آمنوا به عند عوده إليهم ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالآية أنهم ازدادوا كفرا واستمروا على ذلك كما هو الظاهر من حالهم وإلا فالكافر إذا آمن وأخلص إيمانه وأقلع عن الكفر فقد هداه الله السبيل الموجب للمغفرة والإسلام يجب ما قبله ولكن لما كان هذا مستبعدا منهم جدا كان غفران ذنوبهم وهدايتهم إلى سبيل الحق مستبعدا
النساء : ( 138 ) بشر المنافقين بأن . . . . .
قوله ) بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ( إطلاق البشارة على ما هو شر خالص لهم تهكم بهم وقد مر تحقيقه
النساء : ( 139 ) الذين يتخذون الكافرين . . . . .
وقوله ) الذين يتخذون الكافرين أولياء ( وصف للمنافقين أو منصوب على الذم أي يجعلون الكفار أولياء لهم يوالونهم على كفرهم ويمالئونهم على ضلالهم وقوله ) من دون المؤمنين ( في محل نصب على الحال أي يوالون الكافرين متجاوزين ولاية المؤمنين ) أيبتغون عندهم العزة ( هذا الاستفهام للتقريع والتوبيخ والجملة معترضة قوله ) فإن العزة لله جميعا ( هذه الجملة تعليل لما تقدم من توبيخهم بابتغاء العزة عند الكافرين وجميع أنواع العزة وأفرادها مختص بالله سبحانه وما كان منها مع غيره فهو من فيضه وتفضله كما في قوله ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( والعزة الغلبة يقال عزه يعزه عزا إذا غلبه
النساء : ( 140 ) وقد نزل عليكم . . . . .
) وقد نزل عليكم في الكتاب ( الخطاب لجميع من أظهر الإيمان من مؤمن ومنافق لأن من أظهر الإيمان فقد لزمه أن يمتثل ما أنزله الله وقيل إنه خطاب للمنافقين فقط كما يفيده التشديد والتوبيخ وقرأ عاصم ويعقوب ( نزل ) بفتح النون والزاي وتشديدها وفاعله ضمير راجع إلى اسم الله تعالى في قوله ) فإن العزة لله جميعا ( وقرأ حميد بتخفيف الزاي مفتوحة مع فتح النون وقرأ الباقون بضم النون مع كسر الزاي مشددة على البناء للمجهول وقوله ) أن إذا سمعتم آيات الله ( في محل نصب على القراءة الأولى على أنه مفعول نزل وفي محل رفع على القراءة الثانية إلى أنه فاعل وفي محل رفع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله على القراءة الثالثة وأن هي المخففة من الثقيلة والتقدير أنه إذا سمعتم آيات الله والكتاب هو القرآن وقوله ) يكفر بها ويستهزأ بها ( حالان أي إذا سمعتم الكفر والاستهزاء بآيات الله فأوقع السماع على الآيات والمراد سماع الكفر والاستهزاء وقوله ) فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ( أي أنزل عليكم في الكتاب أنكم عند هذا السماع للكفر والاستهزاء بآيات الله لا تقعدوا معهم ما داموا كذلك حتى يخوضوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بها والذي أنزله الله عليهم في الكتاب هو قوله تعالى ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ( وقد كان جماعة من الداخلين في الإسلام يقعدون مع المشركين واليهود حال سخريتهم بالقرآن واستهزائهم به فنهوا عن ذلك
وفي هذه الآية باعتبار عموم لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقص والاستهزاء للأدلة الشرعية كما يقع كثيرا من أسراء التقليد الذين استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة ولم يبق في أيديهم سوى قال إمام مذهبنا كذا وقال فلان من أتباعه بكذا وإذا سمعوا من يستدل على تلك المسألة بآية قرآنية أو بحديث نبوي سخروا منه ولم يرفعوا إلى ما قاله رأسا ولا بالوا به بالة وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع وخطب شنيع وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع بل بالغوا في ذلك حتى جعلوا رأيه الفائل واجتهاده الذي هو عن منهج الحق مائل مقدما على الله وعلى كتابه وعلى رسوله فإنا لله وإنا إليه راجعون ما صنعت هذه المذاهب بأهلها والأئمة الذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم برآء من فعلهم


"""""" صفحة رقم 527 """"""
فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة [ بالقول المفيد في حكم التقليد ] وفي مؤلفنا المسمى [ بأدب الطلب ومنتهى الأرب ] اللهم انفعنا بما علمتنا واجعلنا من المقتدين بالكتاب والسنة وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار يا مجيب السائلين
قوله ) إنكم إذا مثلهم ( تعليل للنهي أي إنكم إن فعلتم ذلك ولم تنتهوا فأنتم مثلهم في الكفر قيل وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر كما في قول القائل وكل قرين بالمقارن يقتدي
وهذه الآية محكمة عند جميع أهل العلم إلا ما يروى عن الكلبي فإنه قال هي منسوخة بقوله تعالى ) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ( وهو مردود فإن من التقوى اجتناب مجالس هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها قوله ) إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ( هذا تعليل لكونهم مثلهم في الكفر قيل وهم القاعدون والمقعود إليهم عند من جعل الخطاب موجها إلى المنافقين
النساء : ( 141 ) الذين يتربصون بكم . . . . .
قوله ) الذين يتربصون بكم ( أي ينتظرون بكم ما يتجدد ويحدث لكم من خير أو شر والموصول في محل نصب على أنه صفة للمنافقين أو بدل منهم فقط دون الكافرين لأن التربص المذكور هو من المنافقين دون الكافرين ويجوز أن يكون في محل نصب على الذم ) فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ( هذه الجملة والجملة التي بعدها حكاية لتربصهم أي إن حصل لكم فتح من الله بالنصر على من يخالفكم من الكفار ) قالوا ( لكم ) ألم نكن معكم ( في الاتصاف بظاهر الإسلام وإلتزام أحكامه والمظاهرة والتسويد وتكثير العدد ) وإن كان للكافرين نصيب ( من الغلب لكم والظفر بكم ) قالوا ( للكافرين ) ألم نستحوذ عليكم ( أي ألم تقهركم ونغلبكم ونتمكن منكم ولكن أبقينا عليكم وقيل المعنى إنهم قالوا للكفار الذين ظفروا بالمسلمين ألم نستحوذ عليكم حتى هابكم المسلمون وخذلناهم عنكم والأول أولى فإن معنى الاستحواذ الغلب يقال استحوذ على كذا أي غلب عليه ومنه قوله تعالى ) استحوذ عليهم الشيطان ( ولا يصح أن يقال ألم نغلبكم حتى هابكم المسلمون ولكن المعنى ألم نغلبكم يا معشر الكافرين ونتمكن منكم فتركناكم وأبقينا عليكم حتى حصل لكم هذا الظفر بالمسلمين ) ونمنعكم من المؤمنين ( بتخذيلهم وتثبيطهم عنكم حتى ضعفت قلوبهم عن الدفع لكم وعجزوا عن الانتصاف منكم والمراد أنهم يميلون مع من له الغلب والظفر من الطائفتين ويظهرون لهم أنهم كانوا معهم على الطائفة المغلوبة وهذا شأن المنافقين أبعدهم الله وشأن من حذا حذوهم من أهل الإسلام من التظهر لكل طائفة بأنه معها على الأخرى والميل إلى من معه الحظ من الدنيا في مال أو جاه فيلقاه بالتملق والتودد والخضوع والذلة ويلقى من لا حظ له من الدنيا بالشدة والغلظة وسوء الخلق ويزدري به ويكافحه بكل مكروه فقبح الله اخلاق أهل النفاق وأبعدها قوله ) فالله يحكم بينكم يوم القيامة ( بما انطوت عليه ضمائرهم من النفاق والبغض للحق وأهله ففي هذا اليوم تنكشف الحقائق وتظهر الضمائر وإن حقنوا في الدنيا دماءهم وحفظوا أموالهم بالتكلم بكلمة الإسلام نفاقا ) ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( هذا في يوم القيامة إذا كان المراد بالسبيل النصر والغلب أو في الدنيا إن كان المراد به الحجة قال ابن عطية قال جميع أهل التأويل إن المراد بذلك يوم القيامة قال ابن العربي وهذا ضعيف لعدم فائدة الخبر فيه وسببه توهم من توهم أن آخر الكلام يرجع إلى أوله يعني قوله ) فالله يحكم بينكم يوم القيامة ( وذلك يسقط فائدته إذ يكون تكرارا هذا معنى كلامه وقيل المعنى إن الله لا يجعل للكافرين سبيلا على المؤمنين يمحو به دولتهم ويذهب آثارهم ويستبيح بيضتهم كما يفيده الحديث الثابت في الصحيح ( وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ) وقيل إنه سبحانه لا يجعل للكافرين سبيلا


"""""" صفحة رقم 528 """"""
على المؤمنين ما داموا عاملين بالحق غير راضين بالباطل ولا تاركين للنهى عن المنكر كما قال تعالى ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( قال ابن العربي وهذا نفيس جدا وقيل أن الله لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعا فإن وجد فبخلاف الشرع هذا خلاصة ما قالة أهل العلم في هذه الآية وهي صالحة للاحتجاج بها على كثير من المسائل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إن الذين آمنوا ثم كفروا ( الآية قال هم اليهود والنصاري آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت وأخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد وابن جرير عنه في الآية قال هؤلاء اليهود آمنوا بالتوراة ثم كفروا ثم ذكر النصارى فقال ) ثم آمنوا ثم كفروا ( يقول آمنوا بالانجيل ثم كفروا ) ثم ازدادوا كفرا ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال هؤلاء المنافقون آمنوا مرتين ثم كفروا مرتين ثم ازدادوا كفرا بعد ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ثم ازدادوا كفرا ( قال اتموا على كفرهم حتى ماتوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي وائل قال أن الرجل ليتكلم في المجلس بالكلمة من الكذب ليضحك بها جلساءه فيسخط الله عليهم جميعا فذكروا ذلك لإبراهيم النخعي فقال صدق أبو وائل أوليس ذلك في كتاب الله فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال أنزل في سورة الأنعام حتى يخوضوا في حديث غيره ثم نزل التشديد في سورة النساء ) إنكم إذا مثلهم ( وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير أن الله جامع المنافقين من أهل المدينة والكافرين من أهل مكة الذين خاضوا واستهزءوا بالقرآن في جهنم جميعا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) الذين يتربصون بكم ( قال هم المنافقون يتربصون بالمؤمنين ) فإن كان لكم فتح من الله ( إن أصاب المسلمين من عدوهم غنيمة قال المنافقون ) ألم نكن ( قد كنا ) معكم ( فأعطونا من الغنيمة مثل ما تأخذون ) وإن كان للكافرين نصيب ( يصيبونه من المسلمين قال المنافقون للكفار ) ألم نستحوذ عليكم ( ألم نبين لكم أنا على ما أنتم عليه قد كنا نثبطهم عنكم وأخرج ابن جرير عن السدى ) ألم نستحوذ عليكم ( قال نغلب عليكم وأخرج عبد الرزاق والفريابي و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب والحاكم وصححه عن علي أنه قيل له أرأيت هذه الآية ) ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون فقال ادنه ادنه ثم قال ) فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال في الآخرة واخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك نحوه أيضا واخرج ابن جرير عن السدى ) سبيلا ( قال حجة
النساء 142 - 145


"""""" صفحة رقم 529 """"""
النساء 146 14
النساء : ( 142 ) إن المنافقين يخادعون . . . . .
قوله ) إن المنافقين يخادعون الله ( هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض قبائح المنافقين وفضائحهم وقد تقدم معنى الخدع في البقرة ومخادعتهم لله هي أنهم يفعلون فعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر ومعنى كون الله خادعهم أنه صنع بهم صنع من يخادع من خادعه وذلك أنه تركهم على ما هم عليه من التظهر بالإسلام في الدنيا فعصم به أموالهم ودماءهم وأخر عقوبتهم إلى الدار الآخرة فجازاهم على خداعهم بالدرك الأسفل من النار قال في الكشاف والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه والكسالى بضم الكاف جمع كسلان وقريء بفتحها والمراد أنهم يصلون وهم متكاسلون متثاقلون لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا والرياء إظهار الجميل ليراه الناس لا لإتباع أمر الله وقد تقدم بيانه والمراءاة المفاعلة قوله ) ولا يذكرون الله إلا قليلا ( معطوف على يراءون أي لا يذكرونه سبحانه إلا ذكرا قليلا أو لا يصلون إلا صلاة قليلة ووصف الذكر بالقلة لعدم الإخلاص أو لكونه غير مقبول أو لكونه قليلا في نفسه لأن الذي يفعل الطاعة لقصد الرياء أنما يفعلها في المجامع ولا يفعلها خاليا كالمخلص
النساء : ( 143 ) مذبذبين بين ذلك . . . . .
قوله ) مذبذبين بين ذلك ( المذبذب المتردد بين أمرين والذبذبة الاضطراب يقال ذبذبه فتذبذب ومنه قول النابغة ألم تر أن الله أعطاك سورة
ترى كل ملك دونها يتذبذب
قال ابن جني المذبذب القلق الذي لا يثبت على حال فهؤلاء المنافقون ممترددون بين المؤمنين والمشركين لا مخلصين الإيمان ولا مصرحين بالكفر قال في الكشاف وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين أي يذاد ويدفع فلا يقر في جانب واحد كما يقال فلان يرمي به الرجوان إلاأن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب كأن المعنى كلما مال إلى جانب ذب عنه انتهى وقرأ الجمهور بضم الميم وفتح الذالين وقرأ ابن عباس بكسر الذال الثانية وفي حرف أبي متذبذبين وقرأ الحسن بفتح الميم والذالين وانتصاب مذبذبين إما على الحال أو على الذم والإشارة بقوله بين ذلك إلى الإيمان والكفر قوله ) لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ( أي لا منسوبين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين ومحل الجملة النصب على الحال أو على البدل من مذبذبين أو على التفسير له ) ومن يضلل الله ( أي يخذله ويسلبه التوفيق ) فلن تجد له سبيلا ( أي طريقا يوصله إلى الحق
النساء : ( 144 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ( أي لا تجعلونهم خاصة لكم وبطانة توالونهم من دون إخوانكم من المؤمنين كما فعل المنافقون من موالاتهم للكافرين ) أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ( الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي أتريدون أن تجعلوا لله عليكم حجة بينة يعذبكم بها بسبب ارتكابكم لما نهاكم عنه من موالاة الكافرين
النساء : ( 145 ) إن المنافقين في . . . . .
) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ( قرأ الكوفيون الدرك بسكون الراء وقرأ غيرهم بتحريكها قال أبو علي هما لغتان والجمع أدراك وقيل جمع المحرك أدراك مثل جمل وأجمال وجمع الساكن أدرك مثل فلس وأفلس قال النحاس والتحريك أفصح والدرك الطبقة والنار دركات سبع فالمنافق في الدرك الأسفل منها وهي الهاوية لغلظ كفره وكثرة غوائله وأعلى الدركات جهنم ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية وقد تسمى جميعها باسم الطبقة العليا أعاذنا الله من عذابها ) ولن تجد لهم نصيرا ( يخلصهم من ذلك الدرك


"""""" صفحة رقم 530 """"""
والخطاب لكل من يصلح له أو للنبي ( صلى الله عليه وسلم )
النساء : ( 146 ) إلا الذين تابوا . . . . .
) إلا الذين تابوا ( استثناء من المنافقين أي إلا الذين تابوا عن النفاق ) وأصلحوا ( ما أفسدوا من أحوالهم ) وأخلصوا دينهم لله ( أي جعلوه خالصا له غير مشوب بطاعة غيره والاعتصام بالله التمسك به والوثق بوعده والإشارة بقوله فأولئك إلى الذين تابوا واتصفوا بالصفات السابقة قوله ) مع المؤمنين ( قال الفراء أي من المؤمنين يعني الذين لم يصدر منهم نفاق أصلا قال القتيبي حاد عن كلامهم غضبا عليهم فقال ) فأولئك مع المؤمنين ( ولم يقل هم المؤمنون إنتهى والظاهر إن معنى مع معتبر هنا أي فاولئك مصاحبون للمومنين في أحجام الدنيا والآخرة ثم بين ما أعد الله للمؤمنين الذين هؤلاء معهم فقال ) وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ( وحذفت الياء من يؤت في الخط كما حذفت في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها ومثله يوم يدع الداع وسندع الزبانية ) يوم يناد المناد ( ونحوها فإن الحذف في الجميع لالتقاء الساكنين
النساء : ( 147 ) ما يفعل الله . . . . .
قوله ) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ( هذه الجملة متضمنة لبيان إنه لا غرض له سبحانه في التعذيب إلا مجرد المجازاة للعصاة والمعنى أي منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم فإن ذلك لا يزيد في ملكه كما إن ترك عذابكم لا ينقص من سلطانه ) وكان الله شاكرا عليما ( أي يشكر عباده على طاعته فيثيبهم عليها ويتقبلها منهم والشكر في اللغة الظهور يقال دابة شكور إذا ظهر من سمنها فوق ما تعطي من العلف
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله ) إن المنافقين يخادعون الله ( الآية قال يلقى على مؤمن ومنافق نور يمشون به يوم القيامة حتى إذاإنتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ومضى المؤمنين بنورهم فتلك خديعة الله إياهم وأخرج ابن جرير عن السدى نحوه وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير نحوه أيضا ولا أدري من أين جاء لهم هذا التفسير فإن مثله لا ينقل إلا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال نزلت في عبد الله بن أبي وأبي عامر بن النعمان وقد ورد في الأحاديث الصحيحة وصف صلاة المنافق وانه يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا واخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) مذبذبين بين ذلك ( قال هم المنافقون ) لا إلى هؤلاء ( يقول لا إلى أصحاب محمد ) ولا إلى هؤلاء ( اليهود وثبت في الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن مثل المنافق مثل الشاة الغائرة بين الغنمين تغير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة فلا تدري أيهما تتبع ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ( قال إن لله السلطان على خلقه ولكنه يقول عذا مبينا وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والفريابي و عبد بن حميد وابن المنذر وأبن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال ( كل سلطان في القرآن فهو حجة ) والله سبحانه أعلم وأخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن البي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله ) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ( قال في توابيت من حديد مقفلة عليهم وفي لفظ مبهمة عليهم أي مغلقة لا يهتدي لمكان فتحها وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود نحوه أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم ( الآية قال إن الله لا يعذب شاكرا ولا مؤمنا
النساء 148 149


"""""" صفحة رقم 531 """"""
النساء : ( 148 ) لا يحب الله . . . . .
نفي الحب كناية عن البغض وقراءة الجمهور ) إلا من ظلم ( على البناء للمجهول وقرأ زيد بن أسلم وابن أبي إسحاق والضحاك وابن أبي عباس وابن جبير وعطاء بن السائب ) إلا من ظلم ( على البناء للمعلوم وهو على القراءة الأولى استثناء متصل بتقدير مضاف محذوف أي إلا جهر من ظلم وقيل إنه على القراءة الأولى أيضا منقطع أي لكن من ظلم فله إن يقول ظلمني فلان واختلف أهل أعلم في كيفية الجهر بالسوء الذي يجوز لمن ظلم فقيل هو أن يدعو على من ظلمه وقيل لا بأس أن يجهر بالسوء من القول على من ظلمه بأن يقول فلان ظلمني أو هو ظالم أو نحو ذلك وقيل معناه إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول من كفر أو نحوه فهو مباح له والآية على هنا في الاكراه وكذا قال قطرب قال ويجوز أن يكون على البدل كأنه قال لا يحب الله إلا من ظلم أي لا يحب الظالم بل يحب المظلوم والظاهر من الآية أنه يجوز لمن ظلم أن يتكلم بالكلام الذي هو من السوء في جانب من ظلمة ويؤيده الحديث الثابت في الصحيح بلفظ لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته وأما على القراءة الثانية فالاستثناء منقطع أي إلا من ظلم في فعل أو قول فاجهروا له بالسوء من القول في معنى النهي عن فعله والتوبيخ له وقال قوم معنى الكلام لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول لكن من ظلم فإنه يجهر بالسوء ظلما وعدوانا وهو ظالم في ذلك وهذا شأن كثير من الظلمة فإنهم مع ظلمهم يستطيلون بألسنتهم على ظلموه وينالون من عرضه وقال الزجاج يجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم فقال سوءا فإنه ينبغي إن يأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الأول ) وكان الله سميعا عليما ( هذا تحذير للظالم بأن الله يسمع ما يصدر منه ويعلم به
النساء : ( 149 ) إن تبدوا خيرا . . . . .
ثم بعد أن أباح للمظلوم أن يجهر بالسوء ندب إلى ما هو الأولى والأفضل فقال ( إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء ) تصابون به ( فإن الله كان عفوا ) عن عباده ( قديرا ) على الانتقام منهم بما كسبت أيديهم فاقتدوا به سبحانه فإنه يعفو مع القدرة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ) لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ( قال لا يحب الله ان يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه رخص له أن يدعو على من ظلمه وإن يصبر فهو خير له وأخرج عبدالرزاق و عبد بن حميد وابن جررير عن مجاهد في الآية قال نزلت في رجل ضاف رجلا بفلاة من الأرض فلم يضفه ثم ذكر أنه لم يضفه لم يزد على ذلك وأخرج ابن المنذر عن إسماعيل ( لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) قال كان الضحاك بن مزاحم يقول هذا على التقديم والتأخير ويقول الله ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم إلا من ظلم وكان يقرؤها كذلك ثم قال ) لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ( أي كل حال هكذا قال وهو قريب من التحريف لمعنى الآية وقد أخرج ابن أبي شيبة والترمذي عن عائشة ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من دعا على من ظلمه فقد انتصر وروى نحوه أبو داود عنها من وجه آخر وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( المتسابان ما قالاه فعلى البادىء منهما ما لم يعتد المظلوم )
النساء 150
النساء 151 152 ل
النساء : ( 150 ) إن الذين يكفرون . . . . .
ما فرغ من ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى لأنهم كفروا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكان ذلك كالكفر بجميع الرسل والكتب المنزلة والكفر بذلك كفر بالله وينبغي حمل قوله ) إن الذين يكفرون بالله ورسله (


"""""" صفحة رقم 532 """"""
على أنه استلزم ذلك كفرهم ببعض الكتب والرسل لا أنهم كفروا بالله ورسله جميعا فإن أهل الكتاب لم يكفروا بالله ولا بجميع رسله لكنهم لما كفروا بالبعض كان ذلك كفر بالله وبجميع الرسل ومعنى ) ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ( أنهم كفروا بالرسل بسبب كفرهم ببعضهم وآمنوا بالله فكان ذلك تفريقا بين الله وبين رسله ) ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ( هم اليهود آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد كذلك النصارى آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد ( ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا ) أي يتخذوا بين الإيمان والكفر دينا متوسطا بينهما فالاشارة بقوله ( ذلك ) إلى قوله نؤمن ونكفر
النساء : ( 151 ) أولئك هم الكافرون . . . . .
( أولئك هم الكافرون ) أي الكاملون في الكفر وقوله ( حقا ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي حق ذلك حقا أو هو صفه لمصدر الكافرين أي كفرا حقا
النساء : ( 152 ) والذين آمنوا بالله . . . . .
قوله ) ولم يفرقوا بين أحد منهم ( بأن يقولوا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ودخول بين على أحد لكونه عاما في المفرد مذكرا ومؤنثا ومثناهما وجمعهما وقد تقدم تحقيقه والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى الذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال ( أولئك ) أعداء الله اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة وموسى وكفروا بالإنجيل وعيسى وآمنت النصارى بالإنجيل وعيسى وكفروا بالقرآن ومحمد اتخذوا اليهودية والنصرانية وهما بدعتان ليستا من الله وتركوا الإسلام وهو دين الله الذي بعث به رسله وأخرج ابن جرير عن السدى وابن جريج نحوه
النساء 153 156


"""""" صفحة رقم 533 """"""
النساء 157 159
النساء : ( 153 ) يسألك أهل الكتاب . . . . .
قوله ) يسألك أهل الكتاب ( هم اليهود سألوه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يرقى إلى السماء وهم يرونه فينزل عليهم كتابا مكتوبا فيما يدعيه يدل على صدقه دفعة واحدة كما اتى موسى التوراة تعنتا منهم ابعدهم الله فأخبره الله عز وجل بأنهم قد سألوا موسى سؤالا أكبر من هذا السؤال فقالوا ( أرنا إلله جهرة ) أي عيانا وقد تقدم معناه في البقرة وجهرة نعت لمصدر محذوف أي رؤية جهرة وقوله ) فقد سألوا ( جواب شرط مقدر أي إن استكبرت هذا السؤال منهم لك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك قوله ) فأخذتهم الصاعقة ( هي النار التي نزلت عليهم من السماء فأهلكتهم والباء في قوله ) بظلمهم ( للسببية أي بسبب ظلمهم في سؤالهم الباطل لامتناع الرؤية عيانا في هذه الحالة وذلك لا يسلتزم امتناعها يوم القيامة فقد جاءت بذلك الأحاديث لمتواترة ومن استدل بهذه الآية على امتناع الرؤية يوم القيامة فقد غلط غلطا بينا ثم لم يكتفوا بهذا السؤال الباطل الذي نشأ منهم بسبب ظلمهم بعد ما رأوا المعجزات بل ضموا إليه ما هو أقبح منه وهو عبادة العجل وفي الكلام حذف والتقدير فأحييناهم فأتخذوا العجل والبينات البراهين والدلائل والمعجزات من اليد والعصا وفلق البحر وغيرها ( فعفونا عن ذلك ) أي عما كان منهم من التعنت وعبادة العجل ( وآتينا موسى سلطانا مبينا ) أي حجة بينة وهي الآيات التي جاء بها وسميت سلطانا لأن من جاء بها قهر خصمه ومن ذلك أمر الله سبحانه له بأن يأمرهم بقتل أنفسهم توبة عن معصيتهم فإنه من جملة السلطان الذي قهرهم به
النساء : ( 154 ) ورفعنا فوقهم الطور . . . . .
( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم ) أي بسبب ميثاقهم ليعطوه لأنه روى أنهم امتنعوا من قبول شريعة موسى فرفع الله عليهم الطور فقبلوها وقيل إن المعنى بسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذ منهم وهو العمل بما في التوراة وقد تقدم رفع الجبل في البقرة وكذلك تفسير دخولهم الباب سجدا ( وقلنا لهم لا تعدوا في السبت ) فتأخذوا ما أمرتم بتركه فيه من الحيتان وقد تقدم تفسير ذلك وقرئ لا تعتدوا وتعدوا بفتح العين وتشديد الدال ) وأخذنا منهم ميثاقا ( غليظا مؤكذا وهو العهد الذي أخذه عليهم في التوراة وقيل إنه عهد مؤكدا باليمين فسمى غليظا لذلك
النساء : ( 155 ) فبما نقضهم ميثاقهم . . . . .
قوله ( فبما نقضهم ميثاقهم ) ما مزيدة للتوكيد أو نكرة ونقضهم بدل منها والباء متعلقة بمحذوف والتقدير فبنقضهم ميثاقهم ) لعناهم وقال الكسائي هو متعلق بما قبله والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم إلى قوله ) فبما نقضهم ميثاقهم ( قال ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة بسببه بما بعده من نقضهم ميثاقهم وقتلهم الأنبياء وما بعده وأنكر ذلك ابن جرير الطبري وغيره لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى والذين قتلوا الأنبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برمتهم بالبهتان قال المهدوي وغيره وهذا لايلزم لأنه يجوز أن يخبر عنهم والمراد آياءهم وقال الزجاج المعنى فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم لأن هذه القصة ممتدة إلى قوله ) فبظلم من الذين هادوا حرمنا ( ونقضهم الميثاق انه أخذ عليهم ان يبينوا صفة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المعنى فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا طبع الله على قلوبهم وقيل المعنى فبنقضهم


"""""" صفحة رقم 534 """"""
لا يؤمنون إلا قليلا والفاء في قوله ) فلا يؤمنون ( مقحمة قوله ) وكفرهم بآيات الله ( معطوف على ما قبله وكذا قوله ) وقتلهم ( والمراد بآيات الله كتبهم التي حرفوها والمراد بالأنبياء الذين قتلوهم يحيى وزكرياء وغلف جمع أغلف وهو المغطى بالغلاف أي قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقول وقيل إن غلف جمع غلاف والمعنى أن قلوبهم أوعية للعلم فلا حاجة لهم إلى علم غير ما قد حوته قلوبهم وهو كقولهم ) قلوبنا في أكنة ( وغرضهم بهذا رد حجة الرسل قوله ) بل طبع الله عليها بكفرهم ( هذه الجملة اعتراضية أي ليس عدم قبولهم لحق بسبب كونها غلفا بحسب مقصدهم الذي يريدونه بل بحسب الطبع من الله عليها والطبع الختم وقد تقدم إيضاح معناه في البقرة وقوله ) فلا يؤمنون إلا قليلا ( أي هي مطبوع عليها من الله بسبب كفرهم فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا أو إلا قليلا منهم كعبدالله بن سلام ومن أسلم معه منهم
النساء : ( 156 ) وبكفرهم وقولهم على . . . . .
وقوله ) بكفرهم ( معطوف على قولهم وإعادة الجار لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وهذا التكرير لإفادة أنهم كفروا كفرا بعد كفر وقيل إن المراد بهذا الكفر كفرهم بالمسيح فحذف لدلالة ما بعده عليه قوله ) وقولهم على مريم بهتانا عظيما ( هو رميها بيوسف النجار وكان من الصالحين والبهتان الكذب المفرط الذي يتعجب منه
النساء : ( 157 ) وقولهم إنا قتلنا . . . . .
قوله ) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ( معطوف على ما قبله وهو من جملة جناياتهم وذنوبهم لأنهم كذبوا بأنهم قتلوه وافتخروا بقتله وذكروه بالرسالة استهزاء لأنهم ينكرونها ولا يعترفون بأنه نبي وما ادعوه من أنهم قتلوه قد اشتمل على بيان صفته وإيضاح حقيقته الإنجيل وما فيه هو من تحريف النصارى أبعدهم الله فقد كذبوا وصدق الله القائل في كتابه العزيز ) وما قتلوه وما صلبوه ( والجملة حالية أي قالوا ذلك والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه ) ولكن شبه لهم ( أي ألقى شبهه على غيره وقيل لم يكونوا يعرفون شخصه وقتلوا الذين قتلوه وهم شاكون فيه ) وإن الذين اختلفوا فيه ( أي في شأن عيسى فقال بعضهم قتلناه وقال من عاين رفعه إلى السماء ما قتلناه وقيل إن الاختلاف بينهم هو أن النسطورية من النصارى قالوا صلب عيسى من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته وقالت الملكانية وقع القتل والصلب على المسيح بكماله ناسوته ولاهوته ولهم من جنس هذا الاختلاف كلام طويل لا أصل له ولهذا قال الله ) وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ( أي في ترد لا يخرج إلى حيز الصحة ولا إلى حيز البطلان في اعتقادهم بل هم مترددون مرتابون في شكهم يعهمون وفي جهلهم يتحيرون و ) ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ( من زائدة لتوكيد نفي العلم والاستثناء منقطع أي لكنهم يتبعون الظن وقيل هو بدل بما قبله والأول أولى لا يقال إن اتباع الظن ينافي الشك الذي أخبر الله عنهم بأنهم فيه لأن المراد هنا بالشك التردد كما قدمنا والظن نوع منه وليس المراد به هنا ترجح أحد الجانبين قوله ) وما قتلوه يقينا ( أي قتلا يقينا على أنه صفة مصدر محذوف أو متيقنين على أنه حال وهذا على أن الضمير في قتلوه لعيسى وقيل إنه يعود إلى الظن والمعنى ما قتلوا ظنهم يقينا كقولك قتلته علما إذا علمته علما تاما قال أبو عبيدة ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينا لقال وما قتلوه فقط وقيل المعنى وما قتلوا الذي شبه لهم وقيل المعنى بل رفعه الله إليه يقينا وهو خطأ لأنه لا يعمل ما بعد بل فيما قبلها وأجاز ابن الأنباري نصب يقينا بفعل مضمر هو جواب قسم ويكون ) بل رفعه الله إليه ( كلاما مستأنفا ولا وجه لهذه الأقوال والضمائر قبل قتلوه وبعده لعيسى وذكر اليقين هنا لقصد التهكم بهم لإشعاره بعلمهم في الجملة
النساء : ( 158 ) بل رفعه الله . . . . .
قوله ) بل رفعه الله إليه ( رد عليهم وإثبات لما هو الصحيح وقد تقدم ذكر رفعه عليه السلام في آل عمران
النساء : ( 159 ) وإن من أهل . . . . .
قوله ) وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ( المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى والمعنى وما من أهل الكتاب أحد إلا والله


"""""" صفحة رقم 535 """"""
ليؤمنين به قبل موته والضمير في به راجع إلى عيسى والضمير في موته راجع إلى ما دل عليه الكلام وهو لفظ أحد المقدر أو الكتابي المدلول عليه بأهل الكتاب وفيه دليل على انه لا يموت يهودي أو نصراني إلا وقد آمن بالمسيح وقيل كلا الضميرين لعيسى والمعنى أنه لا يموت عيسى حتى يؤمن به كل كتابي في عصره وقيل الضمير الأول لله وقيل إلى محمد وقد اختار كون الضميرين لعيسى ابن جرير وقال به جماعة من السلف وهو الظاهر والمراد الإيمان به عند نزوله في آخر الزمان كما وردت بذلك الأحاديث المتواترة ) ويوم القيامة يكون ( عيسى على أهل الكتاب ( شهيدا ) يشهد على اليهود بالتكذيب له وعلى النصاري بالغلو فيه حتى قالوا هو ابن الله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال جاء ناس من اليهود إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إن موسى جاء بالألواح من عند الله فأتنا بالألواح من عند الله حتى نصدقك فأنزل الله ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) إلى ) وقولهم على مريم بهتانا عظيما ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال إن والنصارى قالوا لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) لن نبايعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله إلى فلان إنك رسول الله وإلى فلان أنك رسول الله فأنزل الله ( يسألك أهل الكتاب ) الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) أرنا الله جهرة ( قال أنهم إذا رأوه فقد رأوه وإنما قالوا جهرة ارنا الله قال هو مقدم ومؤخر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ورفعنا فوقهم الطور ( قال جبل كانوا في أصله فرفعه الله فجعله فوقهم كانه ظلة فقال لتأخذن أمري أو لأرمينكم به فقالوا نأخذه فامسكه الله عنهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وقولهم على مريم بهتانا عظيما ( قال رموها بالزنا وأخرج سعيد بن منصور والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال إن منكم من يكفر لي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي ثم قال أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معى في درجتي فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا فقال أنت ذاك فالقى عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء قال وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق فقالت طائفة كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء فهؤلاء اليعقوبية وقالت فرقة كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية وقالت فرقة كان فينا عبد الله ورسوله وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا فأنزل الله عليه ) فآمنت طائفة من بني إسرائيل ( يعني الطائفة التي آمنت في زمن عيسى وكفرت طائفة يعني التي كفرت في زمن عيسى فأيدنا الذين آمنوا في زمن عيسى بإظهار محمد دينهم على دين الكافرين قال ابن كثير بعد أن ساقه بهذا اللفظ عن ابن أبي حاتم قال حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكره وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وصدق ابن كثير فهؤلاء كلهم من رجال الصحيح وأخرجه النسائي من حديث أبي كريب عن أبي معاوية بنحوه وقد رويت قصته عليه السلام من طرق بالفاظ مختلفة وساقها عبد بن حميد وابن جرير عن وهب ابن منبه على صفة قريبة مما في الإنجيل وكذلك ساقها ابن المنذر عنه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 536 """"""
في قوله ) وما قتلوه يقينا ( قال لم يقتلوا ظنهم يقينا وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير عن ابن جويبر والسدى مثله أيضا وأخرج الفريابي و عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ( قال خروج عيسى ابن مريم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عنه في الآية قال قبل موت عيسى وأخرجا عنه أيضا قال قبل موت اليهودي وأخرج ابن جرير عنه قال إنه سيدرك أناس من أهل الكتاب عيسى حين يبعث سيؤمنون به وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عنه قال ( ليس يهودي يموت أبدا حتى يؤمن بعيسى قيل لإبن عباس أرأيت إن خر من فوق بيت قال يتكلم به في الهواء فقيل أرأيت إن ضرب عنق أحدهم قال يتلجلج بها لسانه ) وقد روى نحو هذا عنه من طرق وقال به جماعة من التابعين وذهب كثير من التابعين فمن بعدهم إلى أن المراد قبل الموت عيسى كما روى عن ابن عباس قبل هذا وقيده كثير منهم بأنه يؤمن به من ادركه عند نزوله إلى الأرض وقد تواترت الأحاديث بنزول عيسى حسبما أوضحنا ذلك في مؤلف مستقل يتضمن ذكر ما ورد في المنتظر والدجال والمسيح
النساء 160 165
النساء : ( 160 ) فبظلم من الذين . . . . .
الباء في قوله ( فبظلم ) للسببية والتنكير والتنوين للتعظيم أي فبسبب ظلم عظيم حرمنا علهم طيبات أحلت لهم لا بسبب شيء آخر كما زعموا أنها كانت محرمة من قبلهم قال الزجاج هذا بدل من قوله ) فبما نقضهم ( والطيبات المذكورة هي ما نصه الله سبحانه وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية ) وبصدهم ( أنفسهم وغيرهم ) عن سبيل الله ( وهو اتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتحريفهم وقتلهم الأنبياء وما صدر منهم الذنوب المعروفة وقوله ) كثيرا ( مفعول للفعل المذكور أي بصدهم ناسا كثيرا أو صفة مصدر محذوف أي صدا كثيرا
النساء : ( 161 ) وأخذهم الربا وقد . . . . .
) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ( أي معاملتهم فيما بينهم بالربا وأكلهم له وهو محرم عليهم ) وأكلهم أموال الناس بالباطل ( كالرشوة والسحت الذي كانوا يأخذونه
النساء : ( 162 ) لكن الراسخون في . . . . .
قوله ) لكن الراسخون في العلم منهم (


"""""" صفحة رقم 537 """"""
استدراك من قوله ) وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما ( أو من الذين هادوا وذلك ان اليهود أنكروا وقالوا إن هذه الأشياء كانت حراما في الأصل وأنت تحلها فنزل ) لكن الراسخون ( والراسخ هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه والرسوخ الثبوت وقد تقدم الكلام عليه في آل عمران و المراد عبدالله بن سلام وكعب الأحبار ونحوهما والراسخون مبتدأ ويؤمنون خبره والمؤمنون معطوف على الراسخون و المراد بالمؤمنين إما من آ آمن من أهل الكتاب أو المهاجرين والأنصار أو من الجميع قوله ) والمقيمين الصلاة ( قرأ الحسن ومالك بن دينار وجماعة ) والمقيمين الصلاة ( على العطف على ما قبله وكذا هو في مصحف ابن مسعود وأختلف في وجه نصبه على قراءة الجمهور على أقوال الأول قول سيبويه انه نصب على المدح أي وأعني المقيمين قال سيبويه هذا باب ما ينتصب على التعظيم ومن ذلك ) والمقيمين الصلاة ( وأنشد وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم
إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
الطاعنين ولما يطعنوا أحدا
والقائلون لمن دار نخليها
وأنشد لايبعدن قومي الذين هم
سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك
والطيبون معاقد الأزر
قال النحاس وهذا أصح ما قيل في المقيمين وقال الكسائي والخليل هو معطوف على قوله ) بما أنزل إليك ( قال الأخفش وهذا بعيد لأن المعنى يكون هكذا ويؤمنون بالمقيمين ووجهه محمد بن يزيد المبرد بأن المقيمين هنا هم الملائكة فيكون المعنى يؤمنون بما أنزل إليك وبما أنزل من قبلك وبالملائكة واختار هذا وحكى ان النصب على المدح بعيد لأن المدح إنما يأتي بعد تمام الخبر وخبر الراسخون هو قوله ) أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ( وقيل إن المقيمين معطوف على الضمير في قوله ) منهم ( وفيه انه عطف على مضمر بدونه إعادة الخافض وحكى عن عائشة أنا سئلت عن المقيمين في هذه الآية وعن قوله تعالى ) إن هذان لساحران ( وعن قوله ) والصابئون ( في المائدة فقالت يا ابن أخي الكتاب أخطئوا أخرجه عنها أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير و ابن المنذر وقال أبان بن عثمان كان الكاتب يملى عليه فيكتب فكتب ( لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون ) ثم قال ما أكتب فقيل له أكتب ( والمقيمين الصلاة ) فمن ثم وقع هذا وأخرجه عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر قال القشيري وهذا باطل لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة فلا يضن بهم ذلك ويجاب عن القشيري بأنه قد روى عن عثمان بن عفان انه لما فرغ من المصحف وأتى به إليه قال أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها أخرجه عنه ابن أبي داود من طرق وقد رجح قول سيبويه كثير من أئمة النحو والتفسير ورجح قول الخليل والكسائي ابن جرير الطبري والقفال وعلى قول سيبوبه تكون الجملة معترضة بين المبتدأ والخبر على قول من قال إن خبر الراسخون هو قوله ) أولئك سنؤتيهم ( أو بين المعطوف والمعطوف عليه إن جعلنا خبر الراسخون هو يؤمنون وجعلنا قوله ) والمؤتون الزكاة ( عطفا على المؤمنون لا على قول سيبويه أن المؤتون الزكاة مرفوع على الابتداء أو على تقدير مبتدأ محذوف أي هم المؤتون الزكاة قوله ) والمؤمنون بالله واليوم الآخر ( هم مؤمنو أهل الكتاب وصفوا أولا بالرسوخ في العلم ثم بالإيمان بكتب الله وأنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة يؤمنون بالله واليوم الآخر وقيل المراد بهم المؤمنون من المهاجرين والأنصار كما سلف وأنهم جامعون بين هذه الأوصاف والإشارة بقوله ) أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ( إلى الراسخون وما عطف عليه
النساء : ( 163 ) إنا أوحينا إليك . . . . .
قوله ) إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ( هذا متصل بقوله ) يسألك أهل الكتاب (


"""""" صفحة رقم 538 """"""
والمعنى أن أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كأمر من تقدمه من الأنبياء فما بالكم تطلبون منه ما لم يطلبه أحد من المعاصرين للرسل والوحي إعلام في خفاء يقال وحي إليه بالكلام وحيا وأوحى يوحى إيحاء وخص نوحا لكونه أول نبى شرعت على لسانه الشرائع وقيل غير ذلك والكاف في قوله ) كما ( نعت مصدر محذوف أي إيحاء مثل إيحائنا إلى نوح أو حال أي أوحينا إليك هذا الإيحاء حال كونه مشبها بإيحائنا إلى نوح قوله ) وأوحينا إلى إبراهيم ( معطوف على ) أوحينا إلى نوح ( ) وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ( وهم أولاد يعقوب كما تقدم ( وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ) خص هؤلاء بالذكر بعد دخولهم في لفظ النبيين تشريفا لهم كقوله ) وملائكته ورسله وجبريل ( وقدم عيسى على أيوب ومن بعده مع كونهم في زمان قبل زمانه ردا على اليهود الذي كفروا به وأيضا فالواو ليست إلا لمطلق الجمع قوله ) وآتينا داود زبورا ( معطوف على أوحينا والزبور كتاب داود قال القرطبي وهو مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام وإنما هي حكم ومواعظ انتهى قلت هو مائة وخمسون مزمورا والمزمور فصل يشتمل على كلام لداود يستغيث بالله من خصومه ويدعو الله عليهم ويستنصره وتارة يأتي بمواعظ وكان يقول ذلك في الغالب في الكنيسة ويستعمل مع تكلمه بذلك شيئا من الآلات التي لها نغمات حسنة كما هو مصرح بذلك في كثير من تللك المزمورات والزبر الكتابة والزبور بمعنى المزبور أي المكتوب كالرسول والحلوب والركوب وقرأ حمزة ( زبورا ) بضم الزاي جمع زبر كفلس وفلوس والزبر بمعنى المزبور والأصل في الكلمة التوثيق يقال بئر مزبورة أي مطوية بالحجارة والكتاب سمى زبورا لقوة الوثيقة به
النساء : ( 164 ) ورسلا قد قصصناهم . . . . .
قوله ( ورسلا ) منصوب بفعل مضمر يدل عليه ( أوحينا ) أي وارسلنا رسلا ( قد قصصناهم عليك من قبل ) وقيل هو منصوب بفعل دل عليه ( قصصناهم ) أي وقصصنا رسلا ومثله ما أنشده سيبويه أصبحت لاأحمل السلاح ولا
أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به
وحدي وأخشى الرياح والمطرا
أي وأخشى الذئب وقرأ أبي ( رسل ) بالرفع على تقدير ومنهم رسل ومعنى ( من قبل ) أنه قصهم عليه من قبل هذه السورة أو من قبل هذا اليوم قيل إنه لما قص الله في كتابه بعض أسماء أنبيائه ولم يذكر أسماء بعض قالت اليهود ذكر محمد الأنبياء ولم يذكر موسى فنزل ) وكلم الله موسى تكليما ( وقراءة الجمهور برفع الإسم الشريف على ان الله هو الذي كلم موسى وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب بنصب الإسم الشريف على ان موسى هو الذي كلم الله سبحانه و ( تكليما ) مصدر مؤكد وفائدة التأكيد دفع توهم كون التكليم مجازا كما قال الفراء إن العرب تسمى ما وصل إلى الإنسان كلاما باي طريق وقيل ما لم يؤكد بالمصدر فإذا أكد لم يكن إلا حقيقة الكلام قال النحاس وأجمع النحويون على إنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا
النساء : ( 165 ) رسلا مبشرين ومنذرين . . . . .
قوله ) رسلا مبشرين ومنذرين ( بدل من رسلا الأول أو منصوب بفعل مقدر أي وارسلنا أو على الحال بأن يكون رسلا موطئا لما بعده أو على المدح أي مبشرين لأهل الطاعات ومنذرين لأهل المعاصي قوله ) لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ( أي معذرة يعتذرون بها كما في قول تعالى ) ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ( وسميت المعذرة حجة مع انه لم يكن لأحد من العباد على الله حجة تنبيها على أن هذه المعذرة مقبولة لديه تفضلا منه رحمة ومعنى قوله ) بعد الرسل ( بعد إرسال ( وكان الله عزيزا ) لا يغالبه مغالب ) حكيما ( في أفعاله التي من جملتها إرسال الرسل


"""""" صفحة رقم 539 """"""
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ( قال أنفسهم وغيرهم عن الحق وأخرج ابن إسحاق في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) لكن الراسخون في العلم منهم ( قال نزلت في عبدالله بن سلام وأسيد بن شعبة وثعلبة بن شعبة حين فارقوا اليهود وأسلموا وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر و البيهقي في الدلائل عنه ان بعض اليهود قال يا محمد ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى فأنزل الله ) إنا أوحينا إليك ( الآية وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن حبان في صحيحه والحاكم وابن عساكر عن أبي ذر قال ( قلت يا رسول الله كم الأنبياء قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قلت قلت كم الرسل منهم قال ثلثمائة وثلاثة عشر جم غفير وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة مرفوعا إلا انه قال والرسل ثلثمائة وخمسة عشر ) وأخرج أبو يعلى والحاكم بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي ثم كان عيسى ثم كنت أنا بعده ) وأخرج الحاكم عن أنس بسند ضعيف نحوه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لاأحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين )
النساء 166 171
النساء : ( 166 ) لكن الله يشهد . . . . .
قوله ) لكن الله يشهد ( الإسم الشريف مبتدأ والفعل خبره ومع تشديد النون هو منصوب على انه اسم لكن والاستدراك من محذوف مقدر كانهم قالوا ما نشهد لك يا محمد بهذا أي الوحي والنبوة فنزل ( لكن الله يشهد ) وقوله ) والملائكة يشهدون ( جملة معطوفة على الجملة الأولى أو جملة حالية وكذلك قوله ) أنزله بعلمه ( جملة حالية أي متلبسا بعلمه الذي لا يعلمه غيره من كونك أهلا لما اصطفاك الله له من النبوة وأنزله عليك من القرآن ) وكفى بالله شهيدا ( أي كفى الله شاهدا والباء زائدة وشهادة الله سبحانه هي ما يصنعه من المعجزات الدالة على


"""""" صفحة رقم 540 """"""
صحة النبوة فإن وجود هذه المعجزات شهادة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بصدق ما أخبر به من هذا وغيره
النساء : ( 167 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا ( بكل ما يجب الإيمان به أو بهذا الأمر الخاص وهو ما في هذا المقام ( وصدوا عن سبيل الله ) وهو دين الإسلام بإنكارهم نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبقولهم ما نجد صفته في كتابنا وإنما النبوة في ولد هرون وداود وبقولهم إن شرع موسى لا ينسخ ( قد ضلوا ضلاضلا بعيدا ) عن الحق بما فعلوا لأنهم مع كفرهم منعوا غيرهم عن الحق
النساء : ( 168 ) إن الذين كفروا . . . . .
( إن الذين كفروا ) بجحدهم ( وظلموا ) غيرهم بصدهم عن السبيل أو ظلموا محمدا بكتمانهم نبوته أو ظلموا أنفسهم بكفرهم ويجوز الحمل على جميع هذه المعني ( لم يكن الله ليغفر لهم ) إذا استمروا على كفرهم وماتوا كافرين ( ولا ليهديهم طريقا
النساء : ( 169 ) إلا طريق جهنم . . . . .
( إلا طريق جهنم ) لكونهم اقترفوا ما يوجب لهم ذلك بسوء اختيارهم وفرط شقائهم وجحدوا الواضح وعاندوا البين ( خالدين فيها أبدا ) أي يدخلهم جهنم خالدين فيها وهي حال مقدرة وقوله ( أبدا ) منصوب على الظرفية وهو لدفع أحتمال أن الخلود هنا يراد به المكث الطويل ( وكان ذلك ) أي تخليدهم في جهنم أو ترك المغفرة لهم والهداية مع الخلود في جهنم ( على الله يسيرا ) لأنه سبحانه لا يصعب عليه شئ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
النساء : ( 170 ) يا أيها الناس . . . . .
( فآمنوا خيرا لكم ) اختلف أئمة النحو في انتصاب خيرا على ماذا فقال سيبويه والخليل بفعل مقدر أي وأقصدوا أو أتوا خيرا لكم وقال الفراء هو نعت لمصدر محذوف أي فآمنوا إيمانا خيرا لكم وذهب أبو عبيدة والكسائي إلى انه خبر لكان مقدرة أي فآمنوا يكن الإيمان خيرا لكم وأقوى هذه الأقوال الثالث ثم الأول ثم الثاني على ضعف فيه ( وإن تكفروا ) أي وإن تستمروا على كفركم ( فإن لله ما في السموات والأرض ) من مخلوقاته وأنتم من جملتهم ومن كان خالقا لكم لها ولها فهو قادر على مجازاتكم بقبيح أفعالكم ففي هذه الجملة وعيد لهم مع إيضاح وجه البرهان وإماطة الستر عن الدليل بما يوجب عليهم القبول والإذعان لأنهم يعترفون بأن الله خالقهم ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن الله
النساء : ( 171 ) يا أهل الكتاب . . . . .
قوله ) يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ( الغلو هو التجاوز في الحد ومنه غلا السعر يغلو غلاء وغلا الرجل في الأمر غلوا وغلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها والمراد بالآية النهي لهم عن الإفراط تارة والتفريط أخرى فمن الإفراط غلو النصارى في عيسى حتى جعلوه ربا ومن التفريط غلو اليهود فيه عليه السلام حتى جعلوه لغير رشدة وما أحسن قول الشاعر ولا تغل في شئ من الأمر واقتصد
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
) ولا تقولوا على الله إلا الحق ( وهو ما وصف به نفسه ووصفته به رسله ولا تقولوا الباطل كقول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ) المسيح مبتدأ وعيسى بدل منه وابن مريم صفة لعيسى ورسول الله الخبر ويجوز أن يكون عيسى ابن مريم عطف بيان و الجملة تعليل للنهي وقد تقدم الكلام على المسيح في آل عمران قوله ) وكلمته ( عطف على رسول الله و ) ألقاها إلى مريم ( حال أي كونه بقوله كن فكان بشرا من غير أب وقيل ? كلمته ? بشارة الله مريم ورسالته إليها على لسان جبريل بقوله إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه وقيل الكلمة ها هنا بمعنى الآية ومنه وصدقت بكلمات ربها وقوله ) ما نفدت كلمات الله ( قوله ) وروح منه ( أي أرسل جبريل فنفخ في درع مريم فحملت بإذن الله وهذه الإضافة للتفضيل وإن كان جميع الأرواح من خلقه تعالى وقيل قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحا ويضاف إلى الله فيقال هذا روح من الله اي من خلقه كما يقال في النعمة إنها من الله وقيل ) وروح منه ( أي من خلقه كما قال تعالى ) وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ( أي من خلقه


"""""" صفحة رقم 541 """"""
وقيل ) وروح منه ( أي رحمة منه وقيل ) وروح منه ( أي برهان منه وكان عيسى برهانا وحجة على قومه وقوله ) منه ( متعلق بمحذوف وقع صفة لروح أي كائنة منه وجعلت الروح منه سبحانه وإن كانت بنفخ جبريل لكونه تعالى الآمر لجبريل بالنفخ ) فآمنوا بالله ورسله ( أي بأنه سبحانه إله وأحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وبأن رسله صادقون مبلغون عن الله ما أمرهم بتبليغه ولا تكذبوهم ولا تغلوا فيهم فتجعلوا بعضهم آلهة 0 قوله ) ولا تقولوا ثلاثة ( ارتفاع ثلاثة على انه خبر مبتدأ محذوف قال الزجاج أي لا تقولوا آلهتنا ثلاثة وقال الفراء وأبو عبيد أي لا تقولوا هم ثلاثة كقوله سيقولون ثلاثة وقال أبو علي الفارسي لا تقولوا هو ثالث ثلاثة فحذف المبتدأ والمضاف والنصارى مع تفرق مذاهبهم متفقون على التثلث ويعنون بالثلاثة الثلاثة الأقانيم فيجعلونه سبحانه جوهرا واحدا وله ثلاثة أقانيم ويعنون بالأقانيم أقنوم الوجود وأقنوم الحياة وأقنوم العلم وربما يعبرون عن الاقانيم بالأب والابن وروح القدس فيعنون بالأب الوجود وبالروح الحياة وبالابن المسيح وقيل المراد بالآلهة الثلاثة الله سبحانه وتعالى ومريم والمسيح وقد اختبط النصارى في هذا اختباطا طويلا ووقفنا في الأناجيل الأربعة التي يطلق عليها عندهم اسم الإنجيل على اختلاف كثير عيسى كفتارة يوصف بأنه ابن الإنسان وتارة يوصف بأنه ابن الله وتارة يوصف بأنه ابن الرب وهذا تناقض ظاهر وتلاعب بالدين والحق ما أخبرنا الله به في القرآن وما خالفه في التوراة أو النجيل أو الزبور فهو من تحريف المحرفين وتلاعب المتلاعبين ومن أعجب ما رايناه أن الأناجيل الأربعة كل واحد منها منسوب إلى واحد من أصحاب عيسى عليه السلام وحاصل ما فيها جميعا أن كل واحد من هؤلاء الأربعة ذكر سيرة عيسى من عند أن بعثه الله إلى أن رفعه إليه وذكر ما جرى له من المعجزات والمراجعات لليهود ونحوهم فاختلفت ألفاظهم وأتفقت معانهيا وقد يزيد بعضهم على بعض بحسب ما يقتضيه الحفظ والضبط وذكر ما قاله عيسى وما قيل له وليس فيها من كلام الله سبحانه شيء ولا أنزل على عيسى من عنده كتابا بل كان عيسى عليه السلام يحتج عليهم بما في التوراة ويذكر انه لم يأت بما يخالفها وهكذا الزبور فإنه من أوله إلى آخره من كلام داود عليه السلام وكلام الله أصدق وكتابه أحق وقد أخبرنا ان الأنجيل كتابه أنزله على عبده ورسوله عيسى ابن مريم وان الزبور كتابه آتاه داود وأنزله عليه قوله ) انتهوا خيرا لكم ( أي انتهوا عن التثليث تن وانتصاب ( خيرا ) هنا فيه الوجوه الثلاثة التي تقدمت في قوله ) فآمنوا خيرا لكم ( ) إنما الله إله واحد ( لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ) سبحانه أن يكون له ولد ( أي اسبحه تسبيحا عن ان يكون له ولد ) له ما في السماوات وما في الأرض ( وما جعلتموه له شريك أو ولدا هو من جملة ذلك والمملوك المخلوق لا يكون شريكا ولا ولدا ) وكفى بالله وكيلا ( نكل الخلق أمورهم إليه ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر و البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال دخل جماعة من اليهود على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لهم ( إني والله أعلم أنكم تعلمون أني رسول الله قالوا ما نعلم ذلك فأنزل الله ) لكن الله يشهد ( الآية ) وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه و البيهقي في الدلائل عن أبي موسى ان النجاشي قال لجعفر ما يقول صاحبك في ابن مريم قال يقول فيه قول الله هو روح الله وكلمته أخرجه من البتول العذراء لم يقربها بشر فتناول عودا من الأرض فرفعه فقال يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه وأخرجه البيهقي في الدلائل عن ابن مسعود بأطول من هذا


"""""" صفحة رقم 542 """"""
وأخرجه البخاري عن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله )
النساء 172 175
النساء : ( 172 ) لن يستنكف المسيح . . . . .
أصل يستنكف نكف وباقي الحروف زائدة يقال نكفت من الشيء واستنكفت منه وأنكفته أي نزهته عما يستنكف منه قال الزجاج استنكف أي انف مأخوذ من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك عن خديك وقيل هو من النكف وهو العيب يقال ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف أي عيب ومعنى الأول لن يأنف عن العبودية ولن يتنزه عنها ومعنى الثاني لن يعيب العبودية ولن ينقطع عنها ) ولا الملائكة المقربون ( عطف على المسيح أي ولن يستنكف الملائكة المقربون عن ان يكونوا عباد الله
وقد استدل بهذا القائلون بتفضيل الملائكة على الأنبياء وقرر صاحب الكشاف وجه الدلالة بما لا يسمن ولا يغنى من جوع وأدعى أن الذوق قاض بذلك ونعم الذوق العربي إذا خالطه محبة المذهب وشابه شوائب الجمود كان هكذا وكل من يفهم لغة العرب يعلم أن من قال لا يأنف من هذه المقاله إمام ولا مأموم أولا كبير ولا صغير أو لا جليل ولا حقير ثم يدل هذا على ان المعطوف أعظم شأنا من المعطوف عليه وعلى كل حال فما أردأ الاشتغال بهذه المسألة وما أقل فائدتها وما أبعدها عن ان تكون مركزا من المراكز الشرعية الدينية وجسرا من الجسور ( ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر ) أي يأنف تكبرا ويعد نفسه كبيرا عن العبادة ) فسيحشرهم إليه جميعا ( المستنكف وغيره فيجازي كلا بعلمه وترك ذكر غير المستنكف هنا لدلالة أول الكلام عليه ولكون الحشر لكلا الطائفتين
النساء : ( 173 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ( من غير أن يفوتهم منها شيء ) وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ( بسبب استنكافهم واستكبارهم ) ولا يجدون لهم من دون الله وليا ( يواليهم ) ولا نصيرا ( ينصرهم
النساء : ( 174 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله ) يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم ( بما أنزله عليكم من كتبه وبمن ارسله إليكم من رسله وما نصبه لهم من المعجزات و البرهان ما يبرهن به على المطلوب ) وأنزلنا إليكم نورا مبينا ( وهو القرآن وسماه نورا لأنه يهتدى به من ظلمة الضلال
النساء : ( 175 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به ( أي بالله وقيل بالنور المذكور ) فسيدخلهم في رحمة منه ( يرحمهم بها ) وفضل ( يتفضل به عليهم ) ويهديهم إليه ( أي إلى امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه أو إليه سبحانه وتعالى باعتبار مصيرهم إلى جزائه وتفضله ) صراطا مستقيما ( أي طريقا يسلكونه إليه مستقيما لا عوج فيه وهو التمسكك بدين الإسلام وترك غيره من الأديان قال أبو علي الفارسي الهاء في قوله ) إليه ( راجعة إلى


"""""" صفحة رقم 543 """"""
ما تقدم من اسم الله وقيل راجعة إلى القرآن وقيل إلى الفضل وقيل إلى الرحمة والفضل لأنهما بمعنى الثواب وانتصاب صراطا على انه مفعول ثان للفعل المذكور وقيل على الحال
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( لن يستنكف المسيح ) لن يستكبر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والإسماعيلي في معجمه بسند ضعيف عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ( قال أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا وقد ساقه ابن كثير في تفسيره فقال وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبدالله الكندي عن الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود فذكره وقال هذا إسناد لا يثبت إذا روى عن ابن مسعود موقوفا فهو جيد وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) قد جاءكم برهان ( أي بينة ) وأنزلنا إليكم نورا مبينا ( قال هذا القرآن وأخرجا أيضا عن مجاهد قال برهان حجة واخرجا أيضا عن ابن جريج في قوله ) واعتصموا به ( قال القرآن
النساء 176
النساء : ( 176 ) يستفتونك قل الله . . . . .
قد تقدم الكلام في الكلالة في أول هذه السورة وسيأتي ذكر المستفتى المقصود بقوله ) يستفتونك ( قوله ) إن امرؤ هلك ( أي إن هلك امرؤ هلك كما تقدم في قوله ) وإن امرأة خافت ( وقوله ) ليس له ولد ( إما صفة لامرؤ أو حال ولا وجه للمنع كونه حالا والوالد يطلق على الذكر والأنثى واقتصر على عدم الولد هنا مع ان عدم الوالد معتبر في الكلالة اتكالا على ظهور ذلك قيل والمراد بالولد هنا الإبن وهو أحد معني المشترك لأن البنت لا تسقط الأخت وقوله ) وله أخت ( عطف على قوله ) ليس له ولد ( والمراد بالأخت هنا هي الأخت لأبوين أو لأب لا لأم فإن فرضها السدس كما ذكر سابقا وقد ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى ان الأخوات لأبوين أو لأب عصبة للبنات وإن لم يكن معهم أخ وذهب ابن عباس إلى أن الأخوات لا يعصبن البنات وإليه ذهب داود الظاهري وطائفة وقالوا إنه لا ميراث للأخت لأبوين أو لأب مع البنت واحتجوا بظاهر هذه الآية فأنه جعل عدم الولد المتناول للذكر والأنثى قيدا في ميراث الأخت وهذا استدلال صحيح لو لم يرد في السنة ما يدل على ثبوت ميراث الأخت مع البنت وهو ما ثبت في الصحيح أن معاذا قضى على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بنت وأخت فجعل للبنت النصف وللأخت النصف وثبت في الصحيح أيضا ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قضى في بنت وبنت ابن وأخت فجعل للبنت النصف ولبنت الإبن السدس وللأخت الباقي ) فكانت هذه السن مقتضية لتفسير الوالد بالابن دون البنت قوله ) وهو يرثها ( أي المرء يرثها أي يرث الأخت ) إن لم يكن لها ولد ( ذكر إن كان المراد بإرثه لها حيازته لجميع ما تركته وإن كان المراد ثبوت ميراثه لها في الجملة أعم من أن يكون كلا أو بعضا صح تفسير الولد مما يتناول الذكر و الأنثى واقتصر سبحانه في هذا الآية على نفي الود مع كونه الأب يسقط الأخ كما يسقطه الولد


"""""" صفحة رقم 544 """"""
الذكر لأن المراد بيان حقوق الأخ مع الولد فقط هنا وأما سقوطه مع الأب فقد تبين بالسنة كما ثبت في الصحيح من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر ) والأب أولى من الأخ ( فإن كانتا اثنتين ) أي فإن كان من يرث بالأخوة اثنتين والعطف على الشرطية السابقة والتأنيث والتثنية وكذلك الجمع في قوله ) وإن كانوا إخوة ( باعتبار الخبر ) فلهما الثلثان مما ترك ( المرء إن لم يكن ولد كما سلف وما فوق الأثنين من الأخوات يكون لهن الثلثان بالأولى ) وإن كانوا ( أي من يرث بالأخوة ) إخوة رجالا ونساء ( أي مختلطين ذكورا وإناثا ) فللذكر ( منهم ) مثل حظ الأنثيين ( تعصيبا ) يبين الله لكم أن تضلوا ( أي يبيين لكم حكم الكلالة وسائر الأحكام كراهة ان تضلوا هكذا حكاه القرطبي عن البصريين وقال الكسائي المعنى لئلا تضلوا ووافقه الفراء وغيره من الكوفيين ) والله بكل شيء ( من الأشياء التي هذه الأحكام المذكورة منها ) عليم ( أي كثير العلم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن جابر بن عبدالله قال ( دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا مريض لا أعقل فتوضأ ثم صب علي فعقلت فقلت إنه لا يرثى إلا كلالة فكيف الميراث فنزلت آية الفرائض ) وأخرجه عنه ابن سعد وابن أبي حاتم بلفظ أنزلت في ) يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( وأخرج ابن راهويه وابن مردويه عن عمر انه سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كيف تورث الكلالة فأنزل الله ) يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( الآية وأخرج مالك ومسلم وابن جرير و البيهقي عن عمر قال ما سالت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن شئ أكثر ما سألته في الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال ما تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء واخرج أحمد وأبو داود والترمذي و البيهقي عن البراء بن عازب قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فساله عن الكلالة فقال تكفيك آية الصيف واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر قال ثلاث وددت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان عهد إلينا فيهن عهدا ننتهى إليه الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء بن عازب قال آخر سورة نزلت كاملة براءة وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء ) يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن سيرين قال كان عمر بن الخطاب إذا قرأ ( يبين الله لكم أن تضلوا ) قال اللهم من بينت له الكلالة فلم تبين لي وقد أوضحنا الكلام خلافا واستدلالا وترجيحا في شأن الكلالة في أوائل هذه السورة فلا نعيده وإلى هنا انتهى الجزء الأول من التفسير المبارك المسمى ( فتح القدير ) الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير بقلم مؤلفه الراجي من ربه سبحانه أن يعينه على تمامه وينفع به من شاء من عباده ويجعله ذخيرة له عند وفوده إلى دار الآخرة ( محمد بن علي بن محمد الشوكاني ) غفر الله لهما وكان الانتهاء إلى هذا الموضع في يوم العيد الأكبر يوم النحر المبارك من سنة أربع وعشرين بعد مائتين وألف من الهجرة النبوية حامدا لله ومصليا ومسلما على رسوله وحبيبه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه اه الحمد له كمل سماعا والحمد لله في شهر القعدة من عام سنة 1232 يحيى بن علي الشوكاني


"""""" صفحة رقم 545 """"""
[ تنبيه ] وضعنا في هذه الصفحة تتمة المؤلف للجزء الأول بخط يده الشريفة تبركا به وليطلع القراء على أنموذج من النسخة الخطية الوحيدة التي كان الطبع عليها بحمد الله تم طبع الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله تفسير سور المائدة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حمل تحفة الاشراف للحافظ المزي

 من مشكاة حمل   تهذيب الكمال في أسماء الرجال - ت بشار عواد معروف - دار الرسالة المؤلف الحافظ المزي وصف الكتاب تهذيب الكمال في أس...